إن الحملیة الموجبة هی ما أفادت ثبوت شیء لشیء. ولا شک أن ثبوت شیء لشیء فرع لثبوت المثبت له، أی أن الموضوع فی الحملیة الموجبة یجب أن یفرض موجوداً قبل فرض ثبوت المحمول له، إذ لولا أن یکون موجوداً لما أمکن أن یثبت له شیء، کما یقولون فی المثل (العرش ثم النقش). فلا یمکن أن یکون سعید فی مثل (سعید قائم) غیر موجود، ومع ذلک یثبت له القیام.

وعلى العکس من ذلک السالبة فإنها لا تستدعی وجود موضوعها، ﻷن المعدوم یقبل أن یسلب عنه کل شیء. ولذا قالوا (تصدق السالبة بانتفاء الموضوع). فیصدق نحو «أبو عیسى بن مریم لم یأکل ولم یشرب ولم ینم ولم یتکلم... وهکذا»، ﻷنه لم یوجد فلم تثبت له کل هذه اﻷشیاء قطعاً، فیقال لمثل هذه السالبة (سالبة بانتفاء الموضوع).

والمقصود من هذا البیان أن الموجبة لابد من فرض وجود موضوعها فی صدقها وإلا کانت کاذبة. ولکن وجود موضوعها:

1- تارة یکون فی الذهن فقط فتسمى (ذهنیة) مثل:

کل اجتماع النقیضین مغایر لاجتماع المثلین. کل جبل یاقوت ممکن الوجود. فإن مفهوم اجتماع النقیضین وجبل الیاقوت غیر موجودین فی الخارج، ولکن الحکم ثابت لهما فی الذهن.

2- وأخرى یکون وجود موضوعها فی الخارج على وجه یلاحظ فی القضیة خصوص اﻷفراد الموجودة المحققة منه فی أحد اﻷزمنة الثلاثة نحو: کل جندی فی المعسکر مدرّب على حمل السلاح. بعض الدور المائلة للانهدام فی البلد هدمت. کل طالب فی المدرسة مجد. وتسمى القضیة هذه (خارجیة).

3- وثالثة یکون وجوده فی نفس اﻷمر والواقع، بمعنى أن الحکم على اﻷفراد المحققة الوجود والمقدرة الوجود معاً، فکلما یفرض وجوده وإن لم یوجد أصلاً فهو داخل فی الموضوع ویشمله الحکم.

نحو: کل مثلث مجموع زوایاه یساوی قائمتین. بعض المثلث قائم الزاویة. کل إنسان قابل للتعلیم العالی. کل ماء طاهر.

فإنک ترى فی هذه اﻷمثلة أن کل ما یفرض للموضوع من أفراد (سواء کانت موجودة بالفعل أو معدومة ولکنها مقدرة الوجود) تدخل فیه ویکون لها حکمه عند وجودها. وتسمى القضیة هذه (حقیقیة).

***