أنه قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بينها و بين هذه المسألة و أنه لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما بما هو جهة البحث في الأخرى و أن البحث في هذه المسألة في دلالة النهي بوجه يأتي تفصيله على الفساد بخلاف تلك المسألة فإن البحث فيها في أن تعدد الجهة يجدي في رفع غائلة اجتماع الأمر و النهي في مورد الاجتماع أم لا.
الثاني أنه لا يخفى أن عد هذه المسألة من مباحث الألفاظ
إنما هو لأجل أنه في الأقوال قول بدلالته على الفساد في المعاملات مع إنكار الملازمة بينه و بين الحرمة التي هي مفاده فيها و لا ينافي ذلك أن الملازمة على تقدير ثبوتها في العبادة إنما تكون بينه و بين الحرمة و لو لم تكن مدلولة بالصيغة و على تقدير عدمها تكون منتفية بينهما لإمكان أن يكون البحث معه في دلالة الصيغة بما تعم دلالتها بالالتزام فلا تقاس بتلك المسألة التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها مساس فتأمل جيدا.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص:
181
الثالث [شمول ملاك البحث للنهي التنزيهي و التبعي]
ظاهر لفظ النهي و إن كان هو النهي التحريمي إلا أن ملاك البحث يعم التنزيهي و معه لا وجه لتخصيص العنوان «1» و اختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص به كما لا يخفى.
كما لا وجه لتخصيصه بالنفسي فيعم الغيري إذا كان أصليا و أما إذا كان تبعيا فهو و إن كان خارجا عن محل البحث لما عرفت أنه في دلالة النهي و التبعي منه من مقولة المعنى إلا أنه داخل فيما هو ملاكه فإن دلالته على الفساد على القول به فيما لم يكن للإرشاد إليه إنما يكون لدلالته على الحرمة من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك كما توهمه القمي [1] قدس سره و يؤيد ذلك أنه جعل ثمرة النزاع في أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فساده إذا كان عبادة فتدبر جيدا.
الرابع [تعيين المراد من العبادة في المسألة]
ما يتعلق به النهي إما أن يكون عبادة أو غيرها و المراد بالعبادة هاهنا ما يكون بنفسه و بعنوانه عبادة له تعالى موجبا بذاته للتقرب حضرته لو لا حرمته كالسجود و الخضوع و الخشوع له و تسبيحه و تقديسه أو ما لو تعلق الأمر به كان أمره أمرا عباديا لا يكاد يسقط إلا إذا أتى به بنحو قربي ك سائر أمثاله نحو صوم العيدين و الصلاة في أيام العادة لا ما أمر به
______________
(1) ذهب اليه الشيخ (قده)، مطارح الأنظار/ 157.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 182
لأجل التعبد به «1» و لا ما يتوقف صحته على النية «2» و لا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء «3» كما عرف بكل منها العبادة ضرورة أنها بواحد منها لا يكاد يمكن أن يتعلق بها النهي مع ما أورد عليها بالانتقاض طردا أو عكسا أو بغيره كما يظهر من مراجعة المطولات «4» و إن كان الإشكال بذلك فيها في غير محله لأجل كون مثلها من التعريفات ليس بحد و لا برسم بل من قبيل شرح الاسم كما نبهنا عليه غير مرة فلا وجه لإطالة الكلام بالنقض و الإبرام في تعريف العبادة و لا في تعريف غيرها كما هو العادة.
الخامس [تحرير محل النزاع]
أنه لا يدخل في عنوان النزاع إلا ما كان قابلا للاتصاف بالصحة و الفساد بأن يكون تارة تاما يترتب عليه ما يترقب عنه من الأثر و أخرى لا كذلك لاختلال بعض ما يعتبر في ترتبه أما ما لا أثر له شرعا أو كان أثره مما لا يكاد ينفك عنه كبعض أسباب الضمان ف لا يدخل في عنوان النزاع لعدم طرو الفساد عليه كي ينازع في أن النهي عنه يقتضيه أو لا فالمراد بالشيء في العنوان هو العبادة بالمعنى الذي تقدم و المعاملة بالمعنى الأعم مما يتصف بالصحة و الفساد عقدا كان أو إيقاعا أو غيرهما فافهم.
السادس [تفسير وصفي الصحة و الفساد]
أن الصحة و الفساد وصفان إضافيان يختلفان بحسب الآثار و الأنظار فربما يكون شيء واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر و فاسدا بحسب آخر و من هنا صح أن يقال إن الصحة في العبادة و المعاملة لا تختلف بل فيهما بمعنى واحد و هو التمامية و إنما الاختلاف في ما هو المرغوب منهما من الآثار
______________
(1) اختاره الشيخ (قده) مطارح الأنظار/ 158. في الأمر الثالث.
(2) مال إليه المحقق القمي، قوانين الأصول 1/ 154، في المقدمة الاولى.
(3) هذا التعريف للمحقق القمي أيضا، المصدر السابق.
(4) راجع مطارح الانظار 158، و الفصول/ 139.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 183
التي بالقياس عليها تتصف بالتمامية و عدمها و هكذا الاختلاف بين الفقيه و المتكلم في صحة العبادة إنما يكون لأجل الاختلاف فيما هو المهم لكل منهما من الأثر بعد الاتفاق ظاهرا على أنها بمعنى التمامية كما هي معناها لغة و عرفا.
[الصحة و الفساد عند المتكلم و الفقيه]
فلما كان غرض الفقيه هو وجوب القضاء أو الإعادة أو عدم الوجوب فسر صحة العبادة بسقوطهما و كان غرض المتكلم هو حصول الامتثال الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة فسرها بما يوافق الأمر تارة و بما يوافق الشريعة أخرى.
و حيث إن الأمر في الشريعة يكون على أقسام من الواقعي الأولي و الثانوي و الظاهري و الأنظار تختلف في أن الأخيرين يفيدان الإجزاء أو لا يفيدان كان الإتيان بعبادة موافقة لأمر و مخالفة لآخر أو مسقطا للقضاء و الإعادة بنظر و غير مسقط لهما بنظر آخر فالعبادة الموافقة للأمر الظاهري تكون صحيحة عند المتكلم و الفقيه بناء على أن الأمر في تفسير الصحة ب موافقة الأمر أعم من الظاهري مع اقتضائه للإجزاء و عدم اتصافها بها عند الفقيه بموافقته بناء على عدم الإجزاء و كونه مراعى بموافقة الأمر الواقعي [و] «1» عند المتكلم بناء على كون الأمر في تفسيرها خصوص الواقعي.
تنبيه [تحقيق وصفي الصحة و الفساد]
و هو أنه لا شبهة في أن الصحة و الفساد عند المتكلم وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتي به مع المأمور به و عدمها و أما الصحة بمعنى سقوط القضاء و الإعادة عند الفقيه فهي من لوازم الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأولي عقلا حيث لا يكاد يعقل ثبوت الإعادة أو القضاء معه جزما فالصحة بهذا المعنى فيه و إن كان ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف إلا أنه ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهم «2» بل مما يستقل به
______________
(1) اثبتنا الزيادة من طبعة المشكيني.
(2) انظر مطارح الانظار/ 160، في تذنيب الهداية الأولى من القول في اقتضا النهي للفساد.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 184
العقل كما يستقل باستحقاق المثوبة به و في غيره ف السقوط ربما يكون مجعولا و كان الحكم به تخفيفا و منة على العباد مع ثبوت المقتضي لثبوتهما كما عرفت في مسألة الإجزاء كما ربما يحكم بثبوتهما فيكون الصحة و الفساد فيه حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين.
نعم الصحة و الفساد في الموارد الخاصة لا يكاد يكونان مجعولين بل إنما هي تتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به هذا في العبادات.
و أما الصحة في المعاملات فهي تكون مجعولة حيث كان ترتب الأثر على معاملة أنه هو بجعل الشارع و ترتيبه عليها و لو إمضاء ضرورة أنه لو لا جعله لما كان يترتب عليه لأصالة الفساد.
نعم صحة كل معاملة شخصية و فسادها ليس إلا لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سببا و عدمه كما هو الحال في التكليفية من الأحكام ضرورة أن اتصاف المأتي به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما ليس إلا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام.
السابع [تحقيق حال الأصل في المسألة]
لا يخفى أنه لا أصل في المسألة يعول عليه لو شك في دلالة النهي على الفساد نعم كان الأصل في المسألة الفرعية الفساد لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة.
و أما العبادة فكذلك لعدم الأمر بها مع النهي عنها كما لا يخفى.
الثامن [أقسام متعلق النهي]
أن متعلق النهي إما أن يكون نفس العبادة أو جزءها أو شرطها الخارج عنها أو وصفها الملازم لها كالجهر و الإخفات [1] للقراءة أو وصفها الغير الملازم كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكة عنها.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 185
لا ريب في دخول القسم الأول في محل النزاع و كذا القسم الثاني بلحاظ أن جزء العبادة عبادة إلا أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها إلا مع الاقتصار عليه لا مع الإتيان بغيره مما لا نهي عنه إلا أن يستلزم محذورا آخر.
و أما القسم الثالث فلا يكون حرمة الشرط و النهي عنه موجبا لفساد العبادة إلا في ما كان عبادة كي تكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به.
و بالجملة لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجبا لفساد العبادة المشروطة به لو لم يكن موجبا لفساده كما إذا كانت عبادة.
و أما القسم الرابع فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقا للنهي عنها لاستحالة كون القراءة التي يجهر بها مأمورا بها مع كون الجهر بها منهيا عنه «1» فعلا كما لا يخفى.
و هذا بخلاف ما إذا كان مفارقا كما في القسم الخامس فإن النهي عنه لا يسري إلى الموصوف إلا فيما إذا اتحد معه وجودا بناء على امتناع الاجتماع و أما بناء على الجواز فلا يسري إليه كما عرفت في المسألة السابقة هذا حال النهي المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف.
و أما النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأمور فحاله حال النهي عن أحدها إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق و بعبارة أخرى كان النهي عنها بالعرض و إن كان النهي عنها على نحو الحقيقة و الوصف بحاله و إن كان بواسطة أحدها إلا أنه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض كان حاله حال النهي في القسم الأول فلا تغفل.
______________
(1) في «ب»: عنها.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص:
186
و مما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة يظهر حال الأقسام في المعاملة فلا يكون بيانها على حدة بمهم
كما أن تفصيل الأقوال في الدلالة على الفساد و عدمها التي ربما تزيد على العشرة على ما قيل «1» كذلك إنما المهم بيان ما هو الحق في المسألة و لا بد في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الأقوال من بسط المقال في مقامين.
[المقام] الأول في العبادات
فنقول و على الله الاتكال إن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها و لو كانت جزء عبادة بما هو عبادة كما عرفت مقتض «2» لفسادها لدلالته على حرمتها ذاتا و لا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الأمر أو الشريعة مع الحرمة و كذا بمعنى سقوط الإعادة فإنه مترتب على إتيانها بقصد القربة و كانت مما يصلح لأن يتقرب به «3» و مع الحرمة لا تكاد تصلح لذلك و يتأتى قصدها من الملتفت إلى حرمتها كما لا يخفى.
لا يقال هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية و لا يكاد يتصف بها العبادة لعدم الحرمة بدون قصد القربة و عدم القدرة عليها مع قصد القربة بها إلا تشريعا و معه تكون محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة و معه لا تتصف بحرمة أخرى لامتناع اجتماع المثلين ك الضدين.
فإنه يقال لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة لو كان مأمورا به بالحرمة الذاتية مثلا صوم العيدين كان عبادة منهيا عنها بمعنى أنه لو أمر به كان عبادة لا يسقط الأمر به إلا إذا أتى به بقصد القربة كصوم سائر الأيام هذا فيما إذا لم يكن ذاتا عبادة كالسجود لله تعالى و نحوه و إلا كان محرما مع
______________
(1) مطارح الأنظار/ 162، في الهداية الثانية من القول في اقتضاء النهي للفساد.
(2) في «أ و ب»: مقتضى ..
(3) هكذا في «أ و ب»: و في بعض النسخ المطبوعة «بها».
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 187
كونه فعلا عبادة مثلا إذا نهي الجنب و الحائض عن السجود له تبارك و تعالى كان عبادة محرمة ذاتا حينئذ لما فيه من المفسدة و المبغوضية في هذا الحال مع أنه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية بناء على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفا بالحرمة بل إنما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب كما هو الحال في التجري و الانقياد فافهم.
هذا مع أنه لو لم يكن النهي فيها دالا على الحرمة لكان دالا على الفساد لدلالته على الحرمة التشريعية فإنه لا أقل من دلالته على أنها ليست بمأمور بها و إن عمها إطلاق دليل الأمر بها أو عمومه نعم لو لم يكن النهي عنها إلا عرضا كما إذا نهي عنها فيما كانت ضد الواجب مثلا لا يكون مقتضيا للفساد بناء على عدم اقتضاء الأمر «1» بالشيء للنهي عن الضد إلا كذلك أي عرضا ف يخصص به أو يقيد.
حوزوی کتب
کفایۃ الاصول حصہ اول
الأول [تعريف علم الأصول و موضوعه]
الثاني [تعريف الوضع و أقسامه]
الثالث [كيفية استعمال المجازي]
السابع [علائم الحقيقة و المجاز]
العاشر [الصحيح و الأعم]
الحادي عشر [الاشتراك اللفظي]
الثالث عشر [المشتق]
المقصد الأول الأوامر
الفصل الثاني فيما يتعلق بصيغة الأمر
الفصل الثالث [في الإجزاء]
فصل في مقدمة الواجب
الأمر الثالث في تقسيمات الواجب
الأمر الرابع [تبعية المقدمة لذيها في الإطلاق و الاشتراك]
في تأسيس الأصل في المسألة
فصل [في مسألة الضد]
فصل إذا نسخ الوجوب
المقصد الثاني النواهي
[بعض أدلة المجوزين و المناقشة فيها]
فصل في أن النهي عن الشيء هل يقتضي فساده أم لا
المقام الثاني في المعاملات
المقصد الثالث المفاهيم
بقي هاهنا أمور
فصل الظاهر أنه لا مفهوم للوصف
المقصد الرابع العام و الخاص
فصل هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص
فصل الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد
المقصد الخامس في المطلق و المقيد
فصل في المجمل و المبين
کفایۃ الاصول حصہ اول
فصل في أن النهي عن الشيء هل يقتضي فساده أم لا
و ليقدم أمور
. الأول [الفرق بين هذه المسألة و مبحث الاجتماع]
أنه قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بينها و بين هذه المسألة و أنه لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما بما هو جهة البحث في الأخرى و أن البحث في هذه المسألة في دلالة النهي بوجه يأتي تفصيله على الفساد بخلاف تلك المسألة فإن البحث فيها في أن تعدد الجهة يجدي في رفع غائلة اجتماع الأمر و النهي في مورد الاجتماع أم لا.
الثاني أنه لا يخفى أن عد هذه المسألة من مباحث الألفاظ إنما هو لأجل أنه في الأقوال قول بدلالته على الفساد في المعاملات مع إنكار الملازمة بينه و بين الحرمة التي هي مفاده فيها و لا ينافي ذلك أن الملازمة على تقدير ثبوتها في العبادة إنما تكون بينه و بين الحرمة و لو لم تكن مدلولة بالصيغة و على تقدير عدمها تكون منتفية بينهما لإمكان أن يكون البحث معه في دلالة الصيغة بما تعم دلالتها بالالتزام فلا تقاس بتلك المسألة التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها مساس فتأمل جيدا.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص:
181 الثالث [شمول ملاك البحث للنهي التنزيهي و التبعي]
ظاهر لفظ النهي و إن كان هو النهي التحريمي إلا أن ملاك البحث يعم التنزيهي و معه لا وجه لتخصيص العنوان «1» و اختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص به كما لا يخفى. كما لا وجه لتخصيصه بالنفسي فيعم الغيري إذا كان أصليا و أما إذا كان تبعيا فهو و إن كان خارجا عن محل البحث لما عرفت أنه في دلالة النهي و التبعي منه من مقولة المعنى إلا أنه داخل فيما هو ملاكه فإن دلالته على الفساد على القول به فيما لم يكن للإرشاد إليه إنما يكون لدلالته على الحرمة من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك كما توهمه القمي [1] قدس سره و يؤيد ذلك أنه جعل ثمرة النزاع في أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فساده إذا كان عبادة فتدبر جيدا.
الرابع [تعيين المراد من العبادة في المسألة]
ما يتعلق به النهي إما أن يكون عبادة أو غيرها و المراد بالعبادة هاهنا ما يكون بنفسه و بعنوانه عبادة له تعالى موجبا بذاته للتقرب حضرته لو لا حرمته كالسجود و الخضوع و الخشوع له و تسبيحه و تقديسه أو ما لو تعلق الأمر به كان أمره أمرا عباديا لا يكاد يسقط إلا إذا أتى به بنحو قربي ك سائر أمثاله نحو صوم العيدين و الصلاة في أيام العادة لا ما أمر به ______________ (1) ذهب اليه الشيخ (قده)، مطارح الأنظار/ 157.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 182
لأجل التعبد به «1» و لا ما يتوقف صحته على النية «2» و لا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء «3» كما عرف بكل منها العبادة ضرورة أنها بواحد منها لا يكاد يمكن أن يتعلق بها النهي مع ما أورد عليها بالانتقاض طردا أو عكسا أو بغيره كما يظهر من مراجعة المطولات «4» و إن كان الإشكال بذلك فيها في غير محله لأجل كون مثلها من التعريفات ليس بحد و لا برسم بل من قبيل شرح الاسم كما نبهنا عليه غير مرة فلا وجه لإطالة الكلام بالنقض و الإبرام في تعريف العبادة و لا في تعريف غيرها كما هو العادة.
الخامس [تحرير محل النزاع]
أنه لا يدخل في عنوان النزاع إلا ما كان قابلا للاتصاف بالصحة و الفساد بأن يكون تارة تاما يترتب عليه ما يترقب عنه من الأثر و أخرى لا كذلك لاختلال بعض ما يعتبر في ترتبه أما ما لا أثر له شرعا أو كان أثره مما لا يكاد ينفك عنه كبعض أسباب الضمان ف لا يدخل في عنوان النزاع لعدم طرو الفساد عليه كي ينازع في أن النهي عنه يقتضيه أو لا فالمراد بالشيء في العنوان هو العبادة بالمعنى الذي تقدم و المعاملة بالمعنى الأعم مما يتصف بالصحة و الفساد عقدا كان أو إيقاعا أو غيرهما فافهم.
السادس [تفسير وصفي الصحة و الفساد]
أن الصحة و الفساد وصفان إضافيان يختلفان بحسب الآثار و الأنظار فربما يكون شيء واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر و فاسدا بحسب آخر و من هنا صح أن يقال إن الصحة في العبادة و المعاملة لا تختلف بل فيهما بمعنى واحد و هو التمامية و إنما الاختلاف في ما هو المرغوب منهما من الآثار ______________ (1) اختاره الشيخ (قده) مطارح الأنظار/ 158. في الأمر الثالث.
(2) مال إليه المحقق القمي، قوانين الأصول 1/ 154، في المقدمة الاولى.
(3) هذا التعريف للمحقق القمي أيضا، المصدر السابق.
(4) راجع مطارح الانظار 158، و الفصول/ 139.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 183
التي بالقياس عليها تتصف بالتمامية و عدمها و هكذا الاختلاف بين الفقيه و المتكلم في صحة العبادة إنما يكون لأجل الاختلاف فيما هو المهم لكل منهما من الأثر بعد الاتفاق ظاهرا على أنها بمعنى التمامية كما هي معناها لغة و عرفا.
[الصحة و الفساد عند المتكلم و الفقيه]
فلما كان غرض الفقيه هو وجوب القضاء أو الإعادة أو عدم الوجوب فسر صحة العبادة بسقوطهما و كان غرض المتكلم هو حصول الامتثال الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة فسرها بما يوافق الأمر تارة و بما يوافق الشريعة أخرى.
و حيث إن الأمر في الشريعة يكون على أقسام من الواقعي الأولي و الثانوي و الظاهري و الأنظار تختلف في أن الأخيرين يفيدان الإجزاء أو لا يفيدان كان الإتيان بعبادة موافقة لأمر و مخالفة لآخر أو مسقطا للقضاء و الإعادة بنظر و غير مسقط لهما بنظر آخر فالعبادة الموافقة للأمر الظاهري تكون صحيحة عند المتكلم و الفقيه بناء على أن الأمر في تفسير الصحة ب موافقة الأمر أعم من الظاهري مع اقتضائه للإجزاء و عدم اتصافها بها عند الفقيه بموافقته بناء على عدم الإجزاء و كونه مراعى بموافقة الأمر الواقعي [و] «1» عند المتكلم بناء على كون الأمر في تفسيرها خصوص الواقعي.
تنبيه [تحقيق وصفي الصحة و الفساد]
و هو أنه لا شبهة في أن الصحة و الفساد عند المتكلم وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتي به مع المأمور به و عدمها و أما الصحة بمعنى سقوط القضاء و الإعادة عند الفقيه فهي من لوازم الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأولي عقلا حيث لا يكاد يعقل ثبوت الإعادة أو القضاء معه جزما فالصحة بهذا المعنى فيه و إن كان ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف إلا أنه ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهم «2» بل مما يستقل به ______________ (1) اثبتنا الزيادة من طبعة المشكيني.
(2) انظر مطارح الانظار/ 160، في تذنيب الهداية الأولى من القول في اقتضا النهي للفساد.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 184
العقل كما يستقل باستحقاق المثوبة به و في غيره ف السقوط ربما يكون مجعولا و كان الحكم به تخفيفا و منة على العباد مع ثبوت المقتضي لثبوتهما كما عرفت في مسألة الإجزاء كما ربما يحكم بثبوتهما فيكون الصحة و الفساد فيه حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين. نعم الصحة و الفساد في الموارد الخاصة لا يكاد يكونان مجعولين بل إنما هي تتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به هذا في العبادات.
و أما الصحة في المعاملات فهي تكون مجعولة حيث كان ترتب الأثر على معاملة أنه هو بجعل الشارع و ترتيبه عليها و لو إمضاء ضرورة أنه لو لا جعله لما كان يترتب عليه لأصالة الفساد. نعم صحة كل معاملة شخصية و فسادها ليس إلا لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سببا و عدمه كما هو الحال في التكليفية من الأحكام ضرورة أن اتصاف المأتي به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما ليس إلا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام.
السابع [تحقيق حال الأصل في المسألة]
لا يخفى أنه لا أصل في المسألة يعول عليه لو شك في دلالة النهي على الفساد نعم كان الأصل في المسألة الفرعية الفساد لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة.
و أما العبادة فكذلك لعدم الأمر بها مع النهي عنها كما لا يخفى.
الثامن [أقسام متعلق النهي]
أن متعلق النهي إما أن يكون نفس العبادة أو جزءها أو شرطها الخارج عنها أو وصفها الملازم لها كالجهر و الإخفات [1] للقراءة أو وصفها الغير الملازم كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكة عنها.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 185
لا ريب في دخول القسم الأول في محل النزاع و كذا القسم الثاني بلحاظ أن جزء العبادة عبادة إلا أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها إلا مع الاقتصار عليه لا مع الإتيان بغيره مما لا نهي عنه إلا أن يستلزم محذورا آخر.
و أما القسم الثالث فلا يكون حرمة الشرط و النهي عنه موجبا لفساد العبادة إلا في ما كان عبادة كي تكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به.
و بالجملة لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجبا لفساد العبادة المشروطة به لو لم يكن موجبا لفساده كما إذا كانت عبادة.
و أما القسم الرابع فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقا للنهي عنها لاستحالة كون القراءة التي يجهر بها مأمورا بها مع كون الجهر بها منهيا عنه «1» فعلا كما لا يخفى.
و هذا بخلاف ما إذا كان مفارقا كما في القسم الخامس فإن النهي عنه لا يسري إلى الموصوف إلا فيما إذا اتحد معه وجودا بناء على امتناع الاجتماع و أما بناء على الجواز فلا يسري إليه كما عرفت في المسألة السابقة هذا حال النهي المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف.
و أما النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأمور فحاله حال النهي عن أحدها إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق و بعبارة أخرى كان النهي عنها بالعرض و إن كان النهي عنها على نحو الحقيقة و الوصف بحاله و إن كان بواسطة أحدها إلا أنه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض كان حاله حال النهي في القسم الأول فلا تغفل.
______________ (1) في «ب»: عنها.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص:
186 و مما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة يظهر حال الأقسام في المعاملة فلا يكون بيانها على حدة بمهم
كما أن تفصيل الأقوال في الدلالة على الفساد و عدمها التي ربما تزيد على العشرة على ما قيل «1» كذلك إنما المهم بيان ما هو الحق في المسألة و لا بد في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الأقوال من بسط المقال في مقامين.
[المقام] الأول في العبادات
فنقول و على الله الاتكال إن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها و لو كانت جزء عبادة بما هو عبادة كما عرفت مقتض «2» لفسادها لدلالته على حرمتها ذاتا و لا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الأمر أو الشريعة مع الحرمة و كذا بمعنى سقوط الإعادة فإنه مترتب على إتيانها بقصد القربة و كانت مما يصلح لأن يتقرب به «3» و مع الحرمة لا تكاد تصلح لذلك و يتأتى قصدها من الملتفت إلى حرمتها كما لا يخفى.
لا يقال هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية و لا يكاد يتصف بها العبادة لعدم الحرمة بدون قصد القربة و عدم القدرة عليها مع قصد القربة بها إلا تشريعا و معه تكون محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة و معه لا تتصف بحرمة أخرى لامتناع اجتماع المثلين ك الضدين.
فإنه يقال لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة لو كان مأمورا به بالحرمة الذاتية مثلا صوم العيدين كان عبادة منهيا عنها بمعنى أنه لو أمر به كان عبادة لا يسقط الأمر به إلا إذا أتى به بقصد القربة كصوم سائر الأيام هذا فيما إذا لم يكن ذاتا عبادة كالسجود لله تعالى و نحوه و إلا كان محرما مع ______________ (1) مطارح الأنظار/ 162، في الهداية الثانية من القول في اقتضاء النهي للفساد.
(2) في «أ و ب»: مقتضى ..
(3) هكذا في «أ و ب»: و في بعض النسخ المطبوعة «بها».
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 187
كونه فعلا عبادة مثلا إذا نهي الجنب و الحائض عن السجود له تبارك و تعالى كان عبادة محرمة ذاتا حينئذ لما فيه من المفسدة و المبغوضية في هذا الحال مع أنه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية بناء على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفا بالحرمة بل إنما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب كما هو الحال في التجري و الانقياد فافهم. هذا مع أنه لو لم يكن النهي فيها دالا على الحرمة لكان دالا على الفساد لدلالته على الحرمة التشريعية فإنه لا أقل من دلالته على أنها ليست بمأمور بها و إن عمها إطلاق دليل الأمر بها أو عمومه نعم لو لم يكن النهي عنها إلا عرضا كما إذا نهي عنها فيما كانت ضد الواجب مثلا لا يكون مقتضيا للفساد بناء على عدم اقتضاء الأمر «1» بالشيء للنهي عن الضد إلا كذلك أي عرضا ف يخصص به أو يقيد.
مقبول
طہارۃ، استعمال طہور مشروط بالنیت
المدخل۔۔۔
الزکاۃ،کتاب الزکاۃ وفصولہ اربعۃ۔۔۔
مقدمہ و تعریف :الامرلاول تعریف علم الاصول۔۔۔
الطہارۃ و مختصر حالات زندگانی
الفصل السابع :نسخ الوجوب۔۔
الفصل الثالث؛ تقسیم القطع الی طریقی ...
مقالات
دینی مدارس کی قابل تقلید خوبیاں
ایک اچھے مدرس کے اوصاف
اسلام میں استاد کا مقام و مرتبہ
طالب علم کے لئے کامیابی کے زریں اصول