و فيه مباحث
[المبحث] الأول أنه ربما يذكر للصيغة معان
قد استعملت فيها و قد عد منها الترجي و التمني و التهديد و الإنذار و الإهانة و الاحتقار و التعجيز و التسخير إلى غير ذلك و هذا كما ترى ضرورة أن الصيغة ما استعملت في واحد منها بل لم يستعمل إلا في إنشاء الطلب إلا أن الداعي إلى ذلك كما يكون تارة هو البعث و التحريك نحو المطلوب الواقعي يكون أخرى أحد هذه الأمور كما لا يخفى.
قصارى ما يمكن أن يدعى أن تكون الصيغة موضوعة لإنشاء الطلب فيما إذا كان بداعي البعث و التحريك لا بداع آخر منها فيكون إنشاء الطلب بها بعثا حقيقة و إنشاؤه بها تهديدا مجازا و هذا غير كونها مستعملة في التهديد و غيره فلا تغفل.
إيقاظ [سائر الصيغ الإنشائية كصيغة الأمر]
لا يخفى أن ما ذكرناه في صيغة الأمر جار في سائر الصيغ الإنشائية فكما يكون الداعي إلى إنشاء التمني أو الترجي أو الاستفهام
______________
(1) مرّ في صفحة 66 من هذا الكتاب عند قوله: و أما الصيغ الإنشائية ... الخ.
(2) نهج البلاغة/ 39 الخطبة الأولى.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 70
بصيغها تارة هو ثبوت هذه الصفات حقيقة يكون الداعي غيرها أخرى فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها و استعمالها في غيرها إذا وقعت في كلامه تعالى لاستحالة مثل هذه المعاني في حقه تبارك و تعالى مما لازمه العجز أو الجهل و أنه لا وجه له فإن المستحيل إنما هو الحقيقي منها لا الإنشائي الإيقاعي الذي يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة كما عرفت ف في كلامه تعالى قد استعملت في معانيها الإيقاعية الإنشائية أيضا لا لإظهار ثبوتها حقيقة بل لأمر آخر حسب ما يقتضيه الحال من إظهار المحبة أو الإنكار أو التقرير إلى غير ذلك و منه ظهر أن ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي أيضا.
المبحث الثاني في أن الصيغة حقيقة في الوجوب
أو في الندب أو فيهما أو في المشترك بينهما وجوه بل أقوال و لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة و يؤيده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب مع الاعتراف بعدم دلالته عليه بحال أو مقال و كثرة الاستعمال فيه في الكتاب و السنة و غيرهما لا يوجب نقله إليه أو حمله عليه «1» لكثرة استعماله في الوجوب أيضا مع أن الاستعمال و إن كثر فيه إلا أنه كان مع القرينة المصحوبة و كثرة الاستعمال كذلك في المعنى المجازي لا يوجب صيرورته مشهورا فيه ليرجح أو يتوقف على الخلاف في المجاز المشهور كيف و قد كثر استعمال العام في الخاص حتى قيل ما من عام إلا و قد خص و لم ينثلم به ظهوره في العموم بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على إرادة الخصوص.
المبحث الثالث هل الجمل الخبرية التي تستعمل في مقام الطلب
و البعث مثل يغتسل و يتوضأ و يعيد ظاهرة في الوجوب أو لا لتعدد
______________
(1) هذا تعريض بصاحب المعالم (قدس سره)، معالم الدين/ 48، فصل في الأوامر: فائدة.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 71
المجازات فيها و ليس الوجوب بأقواها بعد تعذر حملها على معناها من الإخبار بثبوت النسبة و الحكاية عن وقوعها.
الظاهر الأول بل تكون أظهر من الصيغة و لكنه لا يخفى أنه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام أي الطلب مستعملة في غير معناها بل تكون مستعملة فيه إلا أنه ليس بداعي الإعلام بل بداعي البعث بنحو آكد حيث إنه أخبر بوقوع مطلوبه في مقام طلبه إظهارا بأنه لا يرضى إلا بوقوعه فيكون آكد في البعث من الصيغة كما هو الحال في الصيغ الإنشائية على ما عرفت من أنها أبدا تستعمل في معانيها الإيقاعية لكن بدواعي أخر كما مر «1».
لا يقال كيف و يلزم الكذب كثيرا لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك في الخارج تعالى الله و أولياؤه عن ذلك علوا كبيرا.
فإنه يقال إنما يلزم الكذب إذا أتى بها بداعي الإخبار و الإعلام لا لداعي البعث كيف و إلا يلزم الكذب في غالب الكنايات فمثل زيد كثير الرماد أو مهزول الفصيل لا يكون كذبا إذا قيل كناية عن جوده و لو لم يكن له رماد أو فصيل أصلا و إنما يكون كذبا إذا لم يكن بجواد ف يكون الطلب بالخبر في مقام التأكيد أبلغ فإنه مقال بمقتضى الحال هذا مع أنه إذا أتى بها في مقام البيان فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب فإن تلك النكتة إن لم تكن موجبة لظهورها فيه فلا أقل من كونها موجبة لتعينه من بين محتملات ما هو بصدده فإن شدة مناسبة الإخبار بالوقوع مع الوجوب موجبة لتعين إرادته إذا كان بصدد البيان مع عدم نصب قرينة خاصة على غيره فافهم.
______________
في المبحث الأول من هذا الفصل، عند قوله (قدس سره): إيقاظ 69.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 72
المبحث الرابع [في ظهور صيغة الأمر في الوجوب و عدمه]
أنه إذا سلم أن الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب هل لا تكون ظاهرة فيه أيضا أو تكون قيل بظهورها فيه إما لغلبة الاستعمال فيه أو لغلبة وجوده أو أكمليته و الكل كما ترى ضرورة أن الاستعمال في الندب و كذا وجوده ليس بأقل لو لم يكن بأكثر و أما الأكملية ف غير موجبة للظهور إذ الظهور لا يكاد يكون إلا لشدة أنس اللفظ بالمعنى بحيث يصير وجها له و مجرد الأكملية لا يوجبه كما لا يخفى نعم فيما كان الآمر بصدد البيان فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب فإن الندب كأنه يحتاج إلى مئونة بيان التحديد و التقييد بعدم المنع من الترك بخلاف الوجوب فإنه لا تحديد فيه للطلب و لا تقييد فإطلاق اللفظ و عدم تقييده مع كون المطلق في مقام البيان كاف في بيانه فافهم.
المبحث الخامس [التعبدي و التوصلي]
أن إطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب توصليا فيجزي إتيانه مطلقا و لو بدون قصد القربة أو لا فلا بد من الرجوع فيما شك في تعبديته و توصليته إلى الأصل.
لا بد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات
. إحداها [الفرق بين التعبدي و التوصلي]
الوجوب التوصلي هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول الواجب و يسقط بمجرد وجوده بخلاف التعبدي فإن الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك بل لا بد في سقوطه و حصول غرضه من الإتيان به متقربا به منه تعالى.
ثانيتها [اعتبار قصد القربة في الظاعة عقلا]
أن التقرب المعتبر في التعبدي إن كان بمعنى قصد الامتثال و الإتيان بالواجب بداعي أمره كان مما يعتبر في الطاعة عقلا لا مما أخذ في نفس العبادة شرعا و ذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلا من قبل الأمر بشيء في متعلق ذاك الأمر مطلقا شرطا أو شطرا فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للأمر لا يكاد يمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 73
[توهم إمكان دخل القربة في العبادة و دفعه]
و توهم إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر و إمكان الإتيان بها بهذا الداعي ضرورة إمكان تصور الأمر بها مقيدة و التمكن من إتيانها كذلك بعد تعلق الأمر بها و المعتبر من القدرة المعتبرة عقلا في صحة الأمر إنما هو في حال الامتثال لا حال الأمر واضح الفساد ضرورة أنه و إن كان تصورها كذلك بمكان من الإمكان إلا أنه لا يكاد يمكن الإتيان بها بداعي أمرها لعدم الأمر بها فإن الأمر حسب الفرض تعلق بها مقيدة بداعي الأمر و لا يكاد يدعو الأمر إلى ما تعلق به لا إلى غيره.
إن قلت نعم و لكن نفس الصلاة أيضا صارت مأمورة بها بالأمر بها مقيدة.
قلت كلا لأن ذات المقيد لا يكون مأمورا بها فإن الجزء التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب أصلا فإنه ليس إلا وجود واحد واجب بالوجوب النفسي كما ربما يأتي في باب المقدمة.
إن قلت نعم لكنه إذا أخذ قصد الامتثال شرطا و أما إذا أخذ شطرا فلا محالة نفس الفعل الذي تعلق الوجوب به مع هذا القصد يكون متعلقا للوجوب إذ المركب ليس إلا نفس الأجزاء بالأسر و يكون تعلقه بكل بعين تعلقه بالكل و يصح أن يؤتى به بداعي ذاك الوجوب ضرورة صحة الإتيان بأجزاء الواجب بداعي وجوبه.
قلت مع امتناع اعتباره كذلك فإنه يوجب تعلق الوجوب بأمر غير اختياري فإن الفعل و إن كان بالإرادة اختياريا إلا أن إرادته حيث لا تكون بإرادة أخرى و إلا لتسلسلت ليست باختيارية كما لا يخفى إنما يصح الإتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه في ضمن إتيانه بهذا الداعي و لا يكاد يمكن الإتيان بالمركب من قصد الامتثال بداعي امتثال أمره.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 74
إن قلت نعم «1» لكن هذا كله إذا كان اعتباره في المأمور به بأمر واحد و أما إذا كان بأمرين تعلق أحدهما بذات الفعل و ثانيهما بإتيانه بداعي أمره فلا محذور أصلا كما لا يخفى فللآمر أن يتوسل بذلك في الوصلة إلى تمام غرضه و مقصده بلا منعة.
قلت مضافا إلى القطع بأنه ليس في العبادات إلا أمر واحد كغيرها من الواجبات و المستحبات غاية الأمر يدور مدار الامتثال وجودا و عدما فيها المثوبات و العقوبات بخلاف ما عداها فيدور فيه خصوص المثوبات و أما العقوبة فمترتبه على ترك الطاعة و مطلق الموافقة إن الأمر الأول إن كان يسقط بمجرد موافقته و لو لم يقصد به الامتثال كما هو قضية الأمر الثاني فلا يبقى مجال لموافقة الثاني مع موافقة الأول بدون قصد امتثاله فلا يتوسل الآمر إلى غرضه بهذه الحيلة و الوسيلة و إن لم يكد يسقط بذلك فلا يكاد يكون له وجه إلا عدم حصول غرضه بذلك من أمره لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله و إلا لما كان موجبا لحدوثه و عليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدد الأمر لاستقلال العقل مع عدم حصول غرض الآمر بمجرد موافقة الأمر بوجوب الموافقة على نحو يحصل به غرضه فيسقط أمره.
هذا كله إذا كان التقرب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال.
و أما إذا كان بمعنى الإتيان بالفعل بداعي حسنه أو كونه ذا مصلحة [أو له تعالى] «2» فاعتباره في متعلق الأمر و إن كان بمكان من الإمكان إلا أنه غير معتبر فيه قطعا لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال الذي عرفت
______________
(1) إشارة الى ما أفاده صاحب التقريرات في مطارح الأنظار/ 60، السطر الأخير، في التعبدي و التوصلي.
(2) سقطت من «أ».
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 75
عدم إمكان أخذه فيه بداهة.
تأمل فيما ذكرناه في المقام تعرف حقيقة المرام كيلا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعض الأعلام.
ثالثتها [امتناع التمسك بإطلاق الأمر]
أنه إذا عرفت بما لا مزيد عليه عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور به أصلا فلا مجال للاستدلال بإطلاقه و لو كان مسوقا في مقام البيان على عدم اعتباره كما هو أوضح من أن يخفى فلا يكاد يصح التمسك به إلا فيما يمكن اعتباره فيه.
فانقدح بذلك أنه لا وجه لاستظهار التوصلية من إطلاق الصيغة بمادتها و لا لاستظهار عدم اعتبار مثل الوجه مما هو ناشئ من قبل الآمر من إطلاق المادة في العبادة لو شك في اعتباره فيها نعم إذا كان الآمر في مقام بصدد بيان تمام ما له دخل في حصول غرضه و إن لم يكن له دخل في متعلق أمره و معه سكت في المقام و لم ينصب دلالة على دخل قصد الامتثال في حصوله كان هذا قرينة على عدم دخله في غرضه و إلا لكان سكوته نقضا له و خلاف الحكمة فلا بد عند الشك و عدم إحراز هذا المقام من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل و يستقل به العقل.
[لزوم الاحتياط لأجل الغرض]
فاعلم أنه لا مجال هاهنا إلا لأصالة الاشتغال و لو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين و ذلك لأن الشك هاهنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها فلا يكون العقاب مع الشك و عدم إحراز الخروج عقابا بلا بيان و المؤاخذة عليه بلا برهان ضرورة أنه بالعلم بالتكليف تصح المؤاخذة على المخالفة و عدم الخروج عن العهدة لو اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد القربة و هكذا الحال في كل ما شك دخله في الطاعة و الخروج به عن العهدة مما لا يمكن اعتباره في المأمور به كالوجه و التمييز.
نعم يمكن أن يقال إن كل ما ربما يحتمل بدوا دخله في الامتثال
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 76
أمرا كان مما يغفل عنه غالبا العامة [1] كان على الآمر بيانه و نصب قرينة على دخله واقعا و إلا لأخل بما هو همه و غرضه أما إذا لم ينصب دلالة على دخله كشف عن عدم دخله و بذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه و التمييز في الطاعة بالعبادة حيث ليس منهما عين و لا أثر في الأخبار و الآثار و كانا مما يغفل عنه العامة و إن احتمل اعتباره بعض الخاصة فتدبر جيدا.
ثم إنه لا أظنك أن تتوهم و تقول إن أدلة البراءة الشرعية مقتضية لعدم الاعتبار و إن كان قضية الاشتغال عقلا هو الاعتبار لوضوح أنه لا بد في عمومها من شيء قابل للرفع و الوضع شرعا و ليس هاهنا فإن دخل قصد القربة و نحوها في الغرض ليس بشرعي بل واقعي و دخل الجزء و الشرط فيه و إن كان كذلك إلا أنهما قابلان للوضع و الرفع شرعا فبدليل الرفع و لو كان أصلا يكشف أنه ليس هناك أمر فعلي بما يعتبر فيه المشكوك يجب الخروج عن عهدته عقلا بخلاف المقام فإنه علم بثبوت الأمر الفعلي كما عرفت فافهم.
المبحث السادس قضية إطلاق الصيغة
كون الوجوب نفسيا تعينيا عينيا لكون كل واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب و تضيق دائرته فإذا كان في مقام البيان و لم ينصب قرينة عليه فالحكمة تقتضي كونه مطلقا وجب هناك شيء آخر أو لا أتى بشيء آخر أو لا أتى به آخر أو لا كما هو واضح لا يخفى.
المبحث السابع [وقوع الأمر عقيب الحظر]
أنه اختلف القائلون بظهور صيغة الأمر في الوجوب وضعا أو إطلاقا فيما إذا وقع عقيب الحظر أو في مقام توهمه على أقوال
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 77
نسب «1» إلى (المشهور ظهورها في الإباحة) و إلى (بعض العامة «2» ظهورها في الوجوب) و إلى (بعض «3» تبعيته لما قبل النهي إن علق الأمر بزوال علة النهي) إلى غير ذلك.
و التحقيق أنه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال فإنه قل مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب أو الإباحة أو التبعية و مع فرض التجريد عنها لم يظهر بعد كون عقيب الحظر موجبا لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه.
غاية الأمر يكون موجبا لإجمالها غير ظاهرة في واحد منها إلا بقرينة أخرى كما أشرنا.
المبحث الثامن [المرة و لا التكرار]
الحق أن صيغة الأمر مطلقا لا دلالة لها على المرة و لا التكرار فإن المنصرف عنها ليس إلا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها فلا دلالة لها على أحدهما لا بهيئتها و لا بمادتها و الاكتفاء بالمرة فإنما هو لحصول الامتثال بها في الأمر بالطبيعة كما لا يخفى.
ثم لا يذهب عليك أن (الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام و التنوين لا يدل إلا على الماهية على ما حكاه السكاكي) «4» لا يوجب كون (النزاع هاهنا في الهيئة كما في الفصول «5») فإنه غفلة و ذهول عن كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدل إلا على
______________
(1) راجع الفصول/ 70، وبدائع الأفكار في النسخة الثانية من نسختي الأوامر/ 294.
(2) البصري في المعتمد/ 75، باب في صيغة الأمر الورادة بعد حظر، و البيضاوي و غيره راجع الإبهاج في شرح المنهاج للسبكي: 2/ 43.
(3) كالعضدي، شرح مختصر الأصول/ 205، في مسألة وقوع صيغة الأمر بعد الحظر.
(4) مفتاح العلوم.
(5) الفصول/ 71، فصل: الحق أن هيئة ... الخ.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 78
الماهية ضرورة أن المصدر ليست مادة لسائر المشتقات بل هو صيغة مثلها كيف و قد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر و سائر المشتقات بحسب المعنى فكيف بمعناه يكون مادة لها فعليه يمكن دعوى اعتبار المرة أو التكرار في مادتها كما لا يخفى.
إن قلت فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام.
قلت مع أنه محل الخلاف معناه أن الذي وضع أولا بالوضع الشخصي ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصيا سائر الصيغ التي تناسبه مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كل منها و منه بصورة و معنى كذلك هو المصدر أو الفعل فافهم.
ثم المراد بالمرة و التكرار هل هو الدفعة و الدفعات أو الفرد و الأفراد.
و التحقيق أن يقعا بكلا المعنيين محل النزاع و إن كان لفظهما ظاهرا في المعنى الأول و توهم «1» أنه لو أريد بالمرة الفرد لكان الأنسب بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من أن الأمر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد فيقال عند ذلك و على تقدير تعلقه بالفرد هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد أو لا يقتضي شيئا منهما و لم يحتج إلى إفراد كل منهما بالبحث كما فعلوه و أما لو أريد بها الدفعة فلا علقة بين المسألتين كما لا يخفى فاسد لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا فإن الطلب على القول بالطبيعة إنما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ضرورة أن الطبيعة من حيث هي ليست إلا هي لا مطلوبة و لا غير مطلوبة و بهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة و التكرار بكلا المعنيين فيصح النزاع في دلالة الصيغة على المرة و التكرار بالمعنيين و عدمها.
______________
(1) المتوهم هو صاحب الفصول، الفصول/ 71.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 79
أما بالمعنى الأول فواضح و أما بالمعنى الثاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الأفراد وجود واحد أو وجودات و إنما عبر بالفرد لأن وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد غاية الأمر خصوصيته و تشخصه على القول بتعلق الأمر بالطبائع يلازم المطلوب و خارج عنه بخلاف القول بتعلقه بالأفراد فإنه مما. يقومه
تنبيه [في ما يحصل به الامتثال]
لا إشكال بناء على القول بالمرة في المتثال و أنه لا مجال للإتيان بالمأمور به ثانيا على أن يكون أيضا به الامتثال فإنه من الامتثال بعد الامتثال و أما على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة و لا على التكرار فلا يخلو الحال إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان بل في مقام الإهمال أو الإجمال فالمرجع هو الأصل و إما أن يكون إطلاقها في ذلك المقام فلا إشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال و إنما الإشكال في جواز أن لا يقتصر عليها فإن لازم إطلاق الطبيعة المأمور بها هو الإتيان بها مرة أو مرارا لا لزوم الاقتصار على المرة كما لا يخفى.
و التحقيق أن قضية الإطلاق إنما هو جواز الإتيان بها مرة في ضمن فرد أو أفراد فيكون إيجادها في ضمنها نحوا من الامتثال كإيجادها في ضمن الواحد لا جواز الإتيان بها مرة و مرات فإنه مع الإتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال و يسقط به الأمر فيما إذا كان امتثال الأمر علة تامة لحصول الغرض الأقصى بحيث يحصل بمجرده فلا يبقى معه مجال لإتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر أو بداعي أن يكون الإتيانان امتثالا واحدا لما عرفت من حصول الموافقة بإتيانها و سقوط الغرض معها و سقوط الأمر بسقوطه فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا و أما إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتي به و لم يشرب أو لم يتوضأ فعلا فلا يبعد صحة تبديل الامتثال بإتيان فرد آخر أحسن منه بل
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 80
مطلقا كما كان له ذلك قبله على ما يأتي بيانه في الإجزاء.
المبحث التاسع [الفور و التراخي]
الحق أنه لا دلالة للصيغة لا على الفور و لا على التراخي نعم قضية إطلاقها جواز التراخي و الدليل عليه تبادر طلب إيجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقييدها بأحدهما فلا بد في التقييد من دلالة أخرى كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية.
و فيه منع ضرورة أن سياق آية وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ «1» و كذا آية فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ* «2» إنما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة و الاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما للغضب و الشر ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب و الشر كان البعث بالتحذير عنهما أنسب كما لا يخفى. فافهم مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات و كثير من الواجبات بل أكثرها فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب و لا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة و الاستباق و كان ما ورد من الآيات و الروايات في مقام البعث نحوه إرشادا إلى ذلك كالآيات و الروايات الواردة في الحث على أصل الإطاعة فيكون الأمر فيها لما يترتب على المادة بنفسها و لو لم يكن هناك أمر بها كما هو الشأن في الأوامر الإرشادية فافهم.
تتمة [ثمرة دلالة الصيغة على الفور]
بناء على القول بالفور فهل قضية الأمر الإتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الإتيان به فورا أيضا في الزمان الثاني أو لا وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة على هذا القول هو وحدة المطلوب أو تعدده و لا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو
______________
(1) آل عمران: 133.
حوزوی کتب
کفایۃ الاصول حصہ اول
الأول [تعريف علم الأصول و موضوعه]
الثاني [تعريف الوضع و أقسامه]
الثالث [كيفية استعمال المجازي]
السابع [علائم الحقيقة و المجاز]
العاشر [الصحيح و الأعم]
الحادي عشر [الاشتراك اللفظي]
الثالث عشر [المشتق]
المقصد الأول الأوامر
الفصل الثاني فيما يتعلق بصيغة الأمر
الفصل الثالث [في الإجزاء]
فصل في مقدمة الواجب
الأمر الثالث في تقسيمات الواجب
الأمر الرابع [تبعية المقدمة لذيها في الإطلاق و الاشتراك]
في تأسيس الأصل في المسألة
فصل [في مسألة الضد]
فصل إذا نسخ الوجوب
المقصد الثاني النواهي
[بعض أدلة المجوزين و المناقشة فيها]
فصل في أن النهي عن الشيء هل يقتضي فساده أم لا
المقام الثاني في المعاملات
المقصد الثالث المفاهيم
بقي هاهنا أمور
فصل الظاهر أنه لا مفهوم للوصف
المقصد الرابع العام و الخاص
فصل هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص
فصل الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد
المقصد الخامس في المطلق و المقيد
فصل في المجمل و المبين
کفایۃ الاصول حصہ اول
الفصل الثاني فيما يتعلق بصيغة الأمر
و فيه مباحث [المبحث] الأول أنه ربما يذكر للصيغة معان
قد استعملت فيها و قد عد منها الترجي و التمني و التهديد و الإنذار و الإهانة و الاحتقار و التعجيز و التسخير إلى غير ذلك و هذا كما ترى ضرورة أن الصيغة ما استعملت في واحد منها بل لم يستعمل إلا في إنشاء الطلب إلا أن الداعي إلى ذلك كما يكون تارة هو البعث و التحريك نحو المطلوب الواقعي يكون أخرى أحد هذه الأمور كما لا يخفى.
قصارى ما يمكن أن يدعى أن تكون الصيغة موضوعة لإنشاء الطلب فيما إذا كان بداعي البعث و التحريك لا بداع آخر منها فيكون إنشاء الطلب بها بعثا حقيقة و إنشاؤه بها تهديدا مجازا و هذا غير كونها مستعملة في التهديد و غيره فلا تغفل.
إيقاظ [سائر الصيغ الإنشائية كصيغة الأمر]
لا يخفى أن ما ذكرناه في صيغة الأمر جار في سائر الصيغ الإنشائية فكما يكون الداعي إلى إنشاء التمني أو الترجي أو الاستفهام ______________ (1) مرّ في صفحة 66 من هذا الكتاب عند قوله: و أما الصيغ الإنشائية ... الخ.
(2) نهج البلاغة/ 39 الخطبة الأولى.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 70
بصيغها تارة هو ثبوت هذه الصفات حقيقة يكون الداعي غيرها أخرى فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها و استعمالها في غيرها إذا وقعت في كلامه تعالى لاستحالة مثل هذه المعاني في حقه تبارك و تعالى مما لازمه العجز أو الجهل و أنه لا وجه له فإن المستحيل إنما هو الحقيقي منها لا الإنشائي الإيقاعي الذي يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة كما عرفت ف في كلامه تعالى قد استعملت في معانيها الإيقاعية الإنشائية أيضا لا لإظهار ثبوتها حقيقة بل لأمر آخر حسب ما يقتضيه الحال من إظهار المحبة أو الإنكار أو التقرير إلى غير ذلك و منه ظهر أن ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي أيضا.
المبحث الثاني في أن الصيغة حقيقة في الوجوب
أو في الندب أو فيهما أو في المشترك بينهما وجوه بل أقوال و لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة و يؤيده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب مع الاعتراف بعدم دلالته عليه بحال أو مقال و كثرة الاستعمال فيه في الكتاب و السنة و غيرهما لا يوجب نقله إليه أو حمله عليه «1» لكثرة استعماله في الوجوب أيضا مع أن الاستعمال و إن كثر فيه إلا أنه كان مع القرينة المصحوبة و كثرة الاستعمال كذلك في المعنى المجازي لا يوجب صيرورته مشهورا فيه ليرجح أو يتوقف على الخلاف في المجاز المشهور كيف و قد كثر استعمال العام في الخاص حتى قيل ما من عام إلا و قد خص و لم ينثلم به ظهوره في العموم بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على إرادة الخصوص.
المبحث الثالث هل الجمل الخبرية التي تستعمل في مقام الطلب و البعث مثل يغتسل و يتوضأ و يعيد ظاهرة في الوجوب أو لا لتعدد ______________ (1) هذا تعريض بصاحب المعالم (قدس سره)، معالم الدين/ 48، فصل في الأوامر: فائدة.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 71
المجازات فيها و ليس الوجوب بأقواها بعد تعذر حملها على معناها من الإخبار بثبوت النسبة و الحكاية عن وقوعها.
الظاهر الأول بل تكون أظهر من الصيغة و لكنه لا يخفى أنه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام أي الطلب مستعملة في غير معناها بل تكون مستعملة فيه إلا أنه ليس بداعي الإعلام بل بداعي البعث بنحو آكد حيث إنه أخبر بوقوع مطلوبه في مقام طلبه إظهارا بأنه لا يرضى إلا بوقوعه فيكون آكد في البعث من الصيغة كما هو الحال في الصيغ الإنشائية على ما عرفت من أنها أبدا تستعمل في معانيها الإيقاعية لكن بدواعي أخر كما مر «1». لا يقال كيف و يلزم الكذب كثيرا لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك في الخارج تعالى الله و أولياؤه عن ذلك علوا كبيرا.
فإنه يقال إنما يلزم الكذب إذا أتى بها بداعي الإخبار و الإعلام لا لداعي البعث كيف و إلا يلزم الكذب في غالب الكنايات فمثل زيد كثير الرماد أو مهزول الفصيل لا يكون كذبا إذا قيل كناية عن جوده و لو لم يكن له رماد أو فصيل أصلا و إنما يكون كذبا إذا لم يكن بجواد ف يكون الطلب بالخبر في مقام التأكيد أبلغ فإنه مقال بمقتضى الحال هذا مع أنه إذا أتى بها في مقام البيان فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب فإن تلك النكتة إن لم تكن موجبة لظهورها فيه فلا أقل من كونها موجبة لتعينه من بين محتملات ما هو بصدده فإن شدة مناسبة الإخبار بالوقوع مع الوجوب موجبة لتعين إرادته إذا كان بصدد البيان مع عدم نصب قرينة خاصة على غيره فافهم.
______________ في المبحث الأول من هذا الفصل، عند قوله (قدس سره): إيقاظ 69.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 72
المبحث الرابع [في ظهور صيغة الأمر في الوجوب و عدمه]
أنه إذا سلم أن الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب هل لا تكون ظاهرة فيه أيضا أو تكون قيل بظهورها فيه إما لغلبة الاستعمال فيه أو لغلبة وجوده أو أكمليته و الكل كما ترى ضرورة أن الاستعمال في الندب و كذا وجوده ليس بأقل لو لم يكن بأكثر و أما الأكملية ف غير موجبة للظهور إذ الظهور لا يكاد يكون إلا لشدة أنس اللفظ بالمعنى بحيث يصير وجها له و مجرد الأكملية لا يوجبه كما لا يخفى نعم فيما كان الآمر بصدد البيان فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب فإن الندب كأنه يحتاج إلى مئونة بيان التحديد و التقييد بعدم المنع من الترك بخلاف الوجوب فإنه لا تحديد فيه للطلب و لا تقييد فإطلاق اللفظ و عدم تقييده مع كون المطلق في مقام البيان كاف في بيانه فافهم.
المبحث الخامس [التعبدي و التوصلي]
أن إطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب توصليا فيجزي إتيانه مطلقا و لو بدون قصد القربة أو لا فلا بد من الرجوع فيما شك في تعبديته و توصليته إلى الأصل.
لا بد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات
. إحداها [الفرق بين التعبدي و التوصلي]
الوجوب التوصلي هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول الواجب و يسقط بمجرد وجوده بخلاف التعبدي فإن الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك بل لا بد في سقوطه و حصول غرضه من الإتيان به متقربا به منه تعالى.
ثانيتها [اعتبار قصد القربة في الظاعة عقلا]
أن التقرب المعتبر في التعبدي إن كان بمعنى قصد الامتثال و الإتيان بالواجب بداعي أمره كان مما يعتبر في الطاعة عقلا لا مما أخذ في نفس العبادة شرعا و ذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلا من قبل الأمر بشيء في متعلق ذاك الأمر مطلقا شرطا أو شطرا فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للأمر لا يكاد يمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 73
[توهم إمكان دخل القربة في العبادة و دفعه]
و توهم إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر و إمكان الإتيان بها بهذا الداعي ضرورة إمكان تصور الأمر بها مقيدة و التمكن من إتيانها كذلك بعد تعلق الأمر بها و المعتبر من القدرة المعتبرة عقلا في صحة الأمر إنما هو في حال الامتثال لا حال الأمر واضح الفساد ضرورة أنه و إن كان تصورها كذلك بمكان من الإمكان إلا أنه لا يكاد يمكن الإتيان بها بداعي أمرها لعدم الأمر بها فإن الأمر حسب الفرض تعلق بها مقيدة بداعي الأمر و لا يكاد يدعو الأمر إلى ما تعلق به لا إلى غيره.
إن قلت نعم و لكن نفس الصلاة أيضا صارت مأمورة بها بالأمر بها مقيدة. قلت كلا لأن ذات المقيد لا يكون مأمورا بها فإن الجزء التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب أصلا فإنه ليس إلا وجود واحد واجب بالوجوب النفسي كما ربما يأتي في باب المقدمة.
إن قلت نعم لكنه إذا أخذ قصد الامتثال شرطا و أما إذا أخذ شطرا فلا محالة نفس الفعل الذي تعلق الوجوب به مع هذا القصد يكون متعلقا للوجوب إذ المركب ليس إلا نفس الأجزاء بالأسر و يكون تعلقه بكل بعين تعلقه بالكل و يصح أن يؤتى به بداعي ذاك الوجوب ضرورة صحة الإتيان بأجزاء الواجب بداعي وجوبه.
قلت مع امتناع اعتباره كذلك فإنه يوجب تعلق الوجوب بأمر غير اختياري فإن الفعل و إن كان بالإرادة اختياريا إلا أن إرادته حيث لا تكون بإرادة أخرى و إلا لتسلسلت ليست باختيارية كما لا يخفى إنما يصح الإتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه في ضمن إتيانه بهذا الداعي و لا يكاد يمكن الإتيان بالمركب من قصد الامتثال بداعي امتثال أمره.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 74
إن قلت نعم «1» لكن هذا كله إذا كان اعتباره في المأمور به بأمر واحد و أما إذا كان بأمرين تعلق أحدهما بذات الفعل و ثانيهما بإتيانه بداعي أمره فلا محذور أصلا كما لا يخفى فللآمر أن يتوسل بذلك في الوصلة إلى تمام غرضه و مقصده بلا منعة.
قلت مضافا إلى القطع بأنه ليس في العبادات إلا أمر واحد كغيرها من الواجبات و المستحبات غاية الأمر يدور مدار الامتثال وجودا و عدما فيها المثوبات و العقوبات بخلاف ما عداها فيدور فيه خصوص المثوبات و أما العقوبة فمترتبه على ترك الطاعة و مطلق الموافقة إن الأمر الأول إن كان يسقط بمجرد موافقته و لو لم يقصد به الامتثال كما هو قضية الأمر الثاني فلا يبقى مجال لموافقة الثاني مع موافقة الأول بدون قصد امتثاله فلا يتوسل الآمر إلى غرضه بهذه الحيلة و الوسيلة و إن لم يكد يسقط بذلك فلا يكاد يكون له وجه إلا عدم حصول غرضه بذلك من أمره لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله و إلا لما كان موجبا لحدوثه و عليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدد الأمر لاستقلال العقل مع عدم حصول غرض الآمر بمجرد موافقة الأمر بوجوب الموافقة على نحو يحصل به غرضه فيسقط أمره.
هذا كله إذا كان التقرب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال.
و أما إذا كان بمعنى الإتيان بالفعل بداعي حسنه أو كونه ذا مصلحة [أو له تعالى] «2» فاعتباره في متعلق الأمر و إن كان بمكان من الإمكان إلا أنه غير معتبر فيه قطعا لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال الذي عرفت ______________ (1) إشارة الى ما أفاده صاحب التقريرات في مطارح الأنظار/ 60، السطر الأخير، في التعبدي و التوصلي.
(2) سقطت من «أ».
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 75
عدم إمكان أخذه فيه بداهة.
تأمل فيما ذكرناه في المقام تعرف حقيقة المرام كيلا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعض الأعلام.
ثالثتها [امتناع التمسك بإطلاق الأمر]
أنه إذا عرفت بما لا مزيد عليه عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور به أصلا فلا مجال للاستدلال بإطلاقه و لو كان مسوقا في مقام البيان على عدم اعتباره كما هو أوضح من أن يخفى فلا يكاد يصح التمسك به إلا فيما يمكن اعتباره فيه.
فانقدح بذلك أنه لا وجه لاستظهار التوصلية من إطلاق الصيغة بمادتها و لا لاستظهار عدم اعتبار مثل الوجه مما هو ناشئ من قبل الآمر من إطلاق المادة في العبادة لو شك في اعتباره فيها نعم إذا كان الآمر في مقام بصدد بيان تمام ما له دخل في حصول غرضه و إن لم يكن له دخل في متعلق أمره و معه سكت في المقام و لم ينصب دلالة على دخل قصد الامتثال في حصوله كان هذا قرينة على عدم دخله في غرضه و إلا لكان سكوته نقضا له و خلاف الحكمة فلا بد عند الشك و عدم إحراز هذا المقام من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل و يستقل به العقل.
[لزوم الاحتياط لأجل الغرض]
فاعلم أنه لا مجال هاهنا إلا لأصالة الاشتغال و لو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين و ذلك لأن الشك هاهنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها فلا يكون العقاب مع الشك و عدم إحراز الخروج عقابا بلا بيان و المؤاخذة عليه بلا برهان ضرورة أنه بالعلم بالتكليف تصح المؤاخذة على المخالفة و عدم الخروج عن العهدة لو اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد القربة و هكذا الحال في كل ما شك دخله في الطاعة و الخروج به عن العهدة مما لا يمكن اعتباره في المأمور به كالوجه و التمييز.
نعم يمكن أن يقال إن كل ما ربما يحتمل بدوا دخله في الامتثال
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 76
أمرا كان مما يغفل عنه غالبا العامة [1] كان على الآمر بيانه و نصب قرينة على دخله واقعا و إلا لأخل بما هو همه و غرضه أما إذا لم ينصب دلالة على دخله كشف عن عدم دخله و بذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه و التمييز في الطاعة بالعبادة حيث ليس منهما عين و لا أثر في الأخبار و الآثار و كانا مما يغفل عنه العامة و إن احتمل اعتباره بعض الخاصة فتدبر جيدا. ثم إنه لا أظنك أن تتوهم و تقول إن أدلة البراءة الشرعية مقتضية لعدم الاعتبار و إن كان قضية الاشتغال عقلا هو الاعتبار لوضوح أنه لا بد في عمومها من شيء قابل للرفع و الوضع شرعا و ليس هاهنا فإن دخل قصد القربة و نحوها في الغرض ليس بشرعي بل واقعي و دخل الجزء و الشرط فيه و إن كان كذلك إلا أنهما قابلان للوضع و الرفع شرعا فبدليل الرفع و لو كان أصلا يكشف أنه ليس هناك أمر فعلي بما يعتبر فيه المشكوك يجب الخروج عن عهدته عقلا بخلاف المقام فإنه علم بثبوت الأمر الفعلي كما عرفت فافهم.
المبحث السادس قضية إطلاق الصيغة
كون الوجوب نفسيا تعينيا عينيا لكون كل واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب و تضيق دائرته فإذا كان في مقام البيان و لم ينصب قرينة عليه فالحكمة تقتضي كونه مطلقا وجب هناك شيء آخر أو لا أتى بشيء آخر أو لا أتى به آخر أو لا كما هو واضح لا يخفى. المبحث السابع [وقوع الأمر عقيب الحظر]
أنه اختلف القائلون بظهور صيغة الأمر في الوجوب وضعا أو إطلاقا فيما إذا وقع عقيب الحظر أو في مقام توهمه على أقوال
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 77
نسب «1» إلى (المشهور ظهورها في الإباحة) و إلى (بعض العامة «2» ظهورها في الوجوب) و إلى (بعض «3» تبعيته لما قبل النهي إن علق الأمر بزوال علة النهي) إلى غير ذلك. و التحقيق أنه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال فإنه قل مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب أو الإباحة أو التبعية و مع فرض التجريد عنها لم يظهر بعد كون عقيب الحظر موجبا لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه.
غاية الأمر يكون موجبا لإجمالها غير ظاهرة في واحد منها إلا بقرينة أخرى كما أشرنا.
المبحث الثامن [المرة و لا التكرار]
الحق أن صيغة الأمر مطلقا لا دلالة لها على المرة و لا التكرار فإن المنصرف عنها ليس إلا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها فلا دلالة لها على أحدهما لا بهيئتها و لا بمادتها و الاكتفاء بالمرة فإنما هو لحصول الامتثال بها في الأمر بالطبيعة كما لا يخفى. ثم لا يذهب عليك أن (الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام و التنوين لا يدل إلا على الماهية على ما حكاه السكاكي) «4» لا يوجب كون (النزاع هاهنا في الهيئة كما في الفصول «5») فإنه غفلة و ذهول عن كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدل إلا على ______________ (1) راجع الفصول/ 70، وبدائع الأفكار في النسخة الثانية من نسختي الأوامر/ 294.
(2) البصري في المعتمد/ 75، باب في صيغة الأمر الورادة بعد حظر، و البيضاوي و غيره راجع الإبهاج في شرح المنهاج للسبكي: 2/ 43.
(3) كالعضدي، شرح مختصر الأصول/ 205، في مسألة وقوع صيغة الأمر بعد الحظر. (4) مفتاح العلوم.
(5) الفصول/ 71، فصل: الحق أن هيئة ... الخ.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 78
الماهية ضرورة أن المصدر ليست مادة لسائر المشتقات بل هو صيغة مثلها كيف و قد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر و سائر المشتقات بحسب المعنى فكيف بمعناه يكون مادة لها فعليه يمكن دعوى اعتبار المرة أو التكرار في مادتها كما لا يخفى.
إن قلت فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام.
قلت مع أنه محل الخلاف معناه أن الذي وضع أولا بالوضع الشخصي ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصيا سائر الصيغ التي تناسبه مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كل منها و منه بصورة و معنى كذلك هو المصدر أو الفعل فافهم.
ثم المراد بالمرة و التكرار هل هو الدفعة و الدفعات أو الفرد و الأفراد. و التحقيق أن يقعا بكلا المعنيين محل النزاع و إن كان لفظهما ظاهرا في المعنى الأول و توهم «1» أنه لو أريد بالمرة الفرد لكان الأنسب بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من أن الأمر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد فيقال عند ذلك و على تقدير تعلقه بالفرد هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد أو لا يقتضي شيئا منهما و لم يحتج إلى إفراد كل منهما بالبحث كما فعلوه و أما لو أريد بها الدفعة فلا علقة بين المسألتين كما لا يخفى فاسد لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا فإن الطلب على القول بالطبيعة إنما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ضرورة أن الطبيعة من حيث هي ليست إلا هي لا مطلوبة و لا غير مطلوبة و بهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة و التكرار بكلا المعنيين فيصح النزاع في دلالة الصيغة على المرة و التكرار بالمعنيين و عدمها. ______________ (1) المتوهم هو صاحب الفصول، الفصول/ 71.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 79
أما بالمعنى الأول فواضح و أما بالمعنى الثاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الأفراد وجود واحد أو وجودات و إنما عبر بالفرد لأن وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد غاية الأمر خصوصيته و تشخصه على القول بتعلق الأمر بالطبائع يلازم المطلوب و خارج عنه بخلاف القول بتعلقه بالأفراد فإنه مما. يقومه
تنبيه [في ما يحصل به الامتثال]
لا إشكال بناء على القول بالمرة في المتثال و أنه لا مجال للإتيان بالمأمور به ثانيا على أن يكون أيضا به الامتثال فإنه من الامتثال بعد الامتثال و أما على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة و لا على التكرار فلا يخلو الحال إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان بل في مقام الإهمال أو الإجمال فالمرجع هو الأصل و إما أن يكون إطلاقها في ذلك المقام فلا إشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال و إنما الإشكال في جواز أن لا يقتصر عليها فإن لازم إطلاق الطبيعة المأمور بها هو الإتيان بها مرة أو مرارا لا لزوم الاقتصار على المرة كما لا يخفى.
و التحقيق أن قضية الإطلاق إنما هو جواز الإتيان بها مرة في ضمن فرد أو أفراد فيكون إيجادها في ضمنها نحوا من الامتثال كإيجادها في ضمن الواحد لا جواز الإتيان بها مرة و مرات فإنه مع الإتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال و يسقط به الأمر فيما إذا كان امتثال الأمر علة تامة لحصول الغرض الأقصى بحيث يحصل بمجرده فلا يبقى معه مجال لإتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر أو بداعي أن يكون الإتيانان امتثالا واحدا لما عرفت من حصول الموافقة بإتيانها و سقوط الغرض معها و سقوط الأمر بسقوطه فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا و أما إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتي به و لم يشرب أو لم يتوضأ فعلا فلا يبعد صحة تبديل الامتثال بإتيان فرد آخر أحسن منه بل
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 80
مطلقا كما كان له ذلك قبله على ما يأتي بيانه في الإجزاء.
المبحث التاسع [الفور و التراخي]
الحق أنه لا دلالة للصيغة لا على الفور و لا على التراخي نعم قضية إطلاقها جواز التراخي و الدليل عليه تبادر طلب إيجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقييدها بأحدهما فلا بد في التقييد من دلالة أخرى كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية.
و فيه منع ضرورة أن سياق آية وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ «1» و كذا آية فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ* «2» إنما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة و الاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما للغضب و الشر ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب و الشر كان البعث بالتحذير عنهما أنسب كما لا يخفى. فافهم مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات و كثير من الواجبات بل أكثرها فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب و لا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة و الاستباق و كان ما ورد من الآيات و الروايات في مقام البعث نحوه إرشادا إلى ذلك كالآيات و الروايات الواردة في الحث على أصل الإطاعة فيكون الأمر فيها لما يترتب على المادة بنفسها و لو لم يكن هناك أمر بها كما هو الشأن في الأوامر الإرشادية فافهم.
تتمة [ثمرة دلالة الصيغة على الفور]
بناء على القول بالفور فهل قضية الأمر الإتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الإتيان به فورا أيضا في الزمان الثاني أو لا وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة على هذا القول هو وحدة المطلوب أو تعدده و لا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو ______________ (1) آل عمران: 133.
(2) البقرة: 148، المائدة: 48.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 81
المطلوب من وحدته أو تعدده فتدبر جيدا.
مقبول
طہارۃ، استعمال طہور مشروط بالنیت
المدخل۔۔۔
الزکاۃ،کتاب الزکاۃ وفصولہ اربعۃ۔۔۔
مقدمہ و تعریف :الامرلاول تعریف علم الاصول۔۔۔
الطہارۃ و مختصر حالات زندگانی
الفصل السابع :نسخ الوجوب۔۔
الفصل الثالث؛ تقسیم القطع الی طریقی ...
مقالات
دینی مدارس کی قابل تقلید خوبیاں
ایک اچھے مدرس کے اوصاف
اسلام میں استاد کا مقام و مرتبہ
طالب علم کے لئے کامیابی کے زریں اصول