أنه وقع الخلاف في أن ألفاظ العبادات أسام لخصوص الصحيحة أو للأعم منها.
و قبل الخوض في ذكر أدلة القولين يذكر أمور
منها أنه لا شبهة في تأتي الخلاف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية
و في جريانه على القول بالعدم إشكال.
و غاية ما يمكن أن يقال في تصويره أن النزاع وقع على هذا في أن الأصل في هذه الألفاظ المستعملة مجازا في كلام الشارع هو استعمالها في خصوص الصحيحة أو الأعم بمعنى أن أيهما قد اعتبرت العلاقة بينه و بين المعاني اللغوية ابتداء و قد استعمل في الآخر بتبعه و مناسبته كي ينزل كلامه «1» عليه مع القرينة الصارفة عن المعاني اللغوية و عدم قرينة أخرى معينة للآخر.
و أنت خبير بأنه لا يكاد يصح هذا إلا إذا علم أن العلاقة إنما اعتبرت كذلك و أن بناء الشارع في محاوراته استقر عند عدم نصب قرينة أخرى على إرادته بحيث كان هذا قرينة عليه من غير حاجة إلى قرينة معينة أخرى و أنى لهم بإثبات ذلك.
و قد انقدح بما ذكرنا تصوير النزاع على (ما نسب «2» إلى الباقلاني [1]
______________
(1) في «أ»: تقديم (عليه) على (كلامه).
(2) نسبه ابن الحاجب و العضدي، راجع شرح العضدي على مختصر الأصول: 1/ 51- 52.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 24
و ذلك بأن يكون النزاع في أن قضية القرينة المضبوطة التي لا يتعدى عنها إلا بالأخرى الدالة على أجزاء المأمور به و شرائطه هو تمام الأجزاء و الشرائط أو هما في الجملة) فلا تغفل.
و منها أن الظاهر (أن الصحة عند الكل بمعنى واحد
و هو التمامية و تفسيرها بإسقاط القضاء) كما عن الفقهاء أو بموافقة الشريعة كما عن المتكلمين أو غير ذلك إنما هو بالمهم من لوازمها لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الأنظار و هذا لا يوجب تعدد المعنى كما لا يوجبه اختلافها بحسب الحالات من السفر و الحضر و الاختيار و الاضطرار إلى غير ذلك كما لا يخفى.
و منه ينقدح أن الصحة و الفساد أمران إضافيان فيختلف شيء واحد صحة و فسادا بحسب الحالات فيكون تاما بحسب حالة و فاسدا بحسب أخرى فتدبر جيدا.
و منها أنه لا بد على كلا القولين من قدر جامع
في البين كان هو المسمى بلفظ كذا و لا إشكال في وجوده بين الأفراد الصحيحة و إمكان الإشارة إليه بخواصه و آثاره فإن الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذاك الجامع فيصح تصوير المسمى بلفظ الصلاة مثلا بالناهية عن الفحشاء و ما هو معراج المؤمن و نحوهما.
و الإشكال فيه «1» بأن الجامع لا يكاد يكون أمرا مركبا إذ كل ما فرض جامعا يمكن أن يكون صحيحا و فاسدا لما عرفت و لا أمرا بسيطا لأنه لا يخلو إما أن يكون هو عنوان المطلوب أو ملزوما مساويا له و الأول غير معقول لبداهة استحالة أخذ ما لا يتأتى إلا من قبل الطلب في متعلقه
______________
(1) الاشكمال من صاحب التقريرات، مطارح الأنظار/ 6.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 25
مع لزوم الترادف بين لفظة الصلاة و المطلوب و عدم جريان البراءة مع الشك في أجزاء العبادات و شرائطها لعدم الإجمال حينئذ في المأمور به فيها و إنما الإجمال فيما يتحقق به و في مثله لا مجال لها كما حقق في محله مع أن المشهور القائلين بالصحيح قائلون بها في الشك فيها و بهذا يشكل لو كان البسيط هو ملزوم المطلوب أيضا مدفوع بأن الجامع إنما هو مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات المختلفة زيادة و نقيصة بحسب اختلاف الحالات متحد معها نحو اتحاد و في مثله تجري البراءة و إنما لا تجري فيما إذا كان المأمور به أمرا واحدا خارجيا مسببا عن مركب مردد بين الأقل و الأكثر كالطهارة المسببة عن الغسل و الوضوء فيما إذا شك في أجزائهما هذا على الصحيح.
و أما على الأعم فتصوير الجامع في غاية الإشكال فما قيل في تصويره أو يقال وجوه «1».
أحدها «2» أن يكون عبارة عن جملة من أجزاء العبادة كالأركان في الصلاة مثلا و كان الزائد عليها معتبرا في المأمور به لا في المسمى.
و فيه ما لا يخفى فإن التسمية بها حقيقة لا تدور مدارها ضرورة صدق الصلاة مع الإخلال ببعض الأركان بل و عدم الصدق عليها مع الإخلال بسائر الأجزاء و الشرائط عند الأعمى مع أنه يلزم أن يكون الاستعمال فيما هو المأمور به بأجزائه و شرائطه مجازا عنده و كان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل لا من باب إطلاق الكلي على الفرد و الجزئي كما هو واضح و لا يلتزم به القائل بالأعم فافهم.
______________
(1) راجع القوانين/ 40 في الصحيح و الأعمّ، و مطارح الأنظار/ 7 في الصحيح و الأعمّ، و الفصول/ 46.
(2) هذا ما يظهر من صاحب القوانين، القوانين 1/ 44 في الصحيح و الأعمّ.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 26
ثانيها أن تكون موضوعة لمعظم الأجزاء التي تدور مدارها التسمية عرفا فصدق الاسم كذلك يكشف عن وجود المسمى و عدم صدقه عن عدمه.
و فيه مضافا إلى ما أورد على الأول أخيرا أنه عليه يتبادل ما هو المعتبر في المسمى فكان شيء واحد داخلا فيه تارة و خارجا عنه أخرى بل مرددا بين أن يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام الأجزاء و هو كما ترى سيما إذا لوحظ هذا مع ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات.
ثالثها أن يكون وضعها كوضع الأعلام الشخصية كزيد فكما لا يضر في التسمية فيها تبادل الحالات المختلفة من الصغر و الكبر و نقص بعض الأجزاء و زيادته كذلك فيها.
و فيه أن الأعلام إنما تكون موضوعة للأشخاص و التشخص إنما يكون بالوجود الخاص و يكون الشخص حقيقة باقيا ما دام وجوده باقيا و إن تغيرت عوارضه من الزيادة و النقصان و غيرهما من الحالات و الكيفيات فكما لا يضر اختلافها في التشخص لا يضر اختلافها في التسمية و هذا بخلاف مثل ألفاظ العبادات مما كانت موضوعة للمركبات و المقيدات و لا يكاد يكون موضوعا له إلا ما كان جامعا لشتاتها و حاويا لمتفرقاتها كما عرفت في الصحيح منها.
رابعها أن ما وضعت له الألفاظ ابتداء هو الصحيح التام الواجد لتمام الأجزاء و الشرائط إلا أن العرف يتسامحون كما هو ديدنهم و يطلقون تلك الألفاظ على الفاقد للبعض تنزيلا له منزلة الواجد فلا يكون مجازا في الكلمة على ما ذهب إليه السكاكي «1» في الاستعارة بل يمكن دعوى.
______________
(1) مفتاح العلوم/ 156، الفصل الثالث في الاستعارة.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 27
صيرورته حقيقة فيه بعد الاستعمال فيه كذلك دفعة أو دفعات من دون حاجة إلى الكثرة و الشهرة للأنس الحاصل من جهة المشابهة في الصورة أو المشاركة في التأثير كما في أسامي المعاجين الموضوعة ابتداء لخصوص مركبات واجدة لأجزاء خاصة حيث يصح إطلاقها على الفاقد لبعض الأجزاء المشابه له صورة و المشارك في المهم أثرا تنزيلا أو حقيقة.
و فيه أنه إنما يتم في مثل أسامي المعاجين و سائر المركبات الخارجية مما يكون الموضوع له «1» فيها ابتداء مركبا خاصا و لا يكاد يتم في مثل العبادات التي عرفت أن الصحيح منها يختلف حسب اختلاف الحالات و كون الصحيح بحسب حالة فاسدا «2» بحسب حالة أخرى كما لا يخفى فتأمل جيدا.
خامسها أن يكون حالها حال أسامي المقادير و الأوزان مثل المثقال و الحقة و الوزنة إلى غير ذلك مما لا شبهة في كونها حقيقة في الزائد و الناقص في الجملة فإن الواضع و إن لاحظ مقدارا خاصا إلا أنه لم يضع له بخصوصه بل للأعم منه و من الزائد و الناقص أو أنه و إن خص به أولا إلا أنه بالاستعمال كثيرا فيهما بعناية أنهما منه قد صار حقيقة في الأعم ثانيا.
و فيه أن الصحيح كما عرفت في الوجه السابق يختلف زيادة و نقيصة فلا يكون هناك ما يلاحظ الزائد و الناقص بالقياس عليه كي يوضع اللفظ لما هو الأعم فتدبر جيدا.
و منها أن الظاهر أن يكون الوضع و الموضوع له في ألفاظ العبادات عامين
و احتمال كون الموضوع له خاصا بعيد جدا لاستلزامه كون
______________
(1) في «ب»: الموضوع فيها.
(2) في «أ و ب»: فاسد.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 28
استعمالها في الجامع في مثل الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ و (: الصلاة معراج المؤمن و [عمود الدين]) «1» و (: الصوم جنة من النار) مجازا أو منع استعمالها فيه في مثلها و كل منهما بعيد إلى الغاية كما لا يخفى على أولي النهاية.
و منها أن ثمرة النزاع إجمال الخطاب على القول الصحيحي
و عدم جواز الرجوع إلى إطلاقه في رفع ما إذا شك في جزئية شيء للمأمور به أو شرطيته أصلا لاحتمال دخوله في المسمى كما لا يخفى و جواز الرجوع إليه في ذلك على القول الأعمي في غير ما احتمل دخوله فيه مما شك في جزئيته أو شرطيته نعم لا بد في الرجوع إليه فيما ذكر من كونه واردا مورد البيان كما لا بد منه في الرجوع إلى سائر المطلقات و بدونه لا مرجع أيضا إلا البراءة أو الاشتغال على الخلاف في مسألة دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.
و قد انقدح بذلك أن الرجوع إلى البراءة أو الاشتغال في موارد إجمال الخطاب أو إهماله على القولين فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلى البراءة على الأعم و الاشتغال على الصحيح «2» و لذا ذهب المشهور إلى البراءة مع ذهابهم إلى الصحيح.
و ربما قيل «3» بظهور الثمرة في النذر أيضا.
قلت و إن كان تظهر فيما لو نذر لمن صلى إعطاء درهم في البر فيما لو أعطاه لمن صلى و لو علم بفساد صلاته لإخلاله بما لا يعتبر في الاسم على الأعم و عدم البر على الصحيح إلا أنه ليس بثمرة لمثل هذه
______________
(1) أثبتناها من (ب).
(2) القوانين/ 1/ 40، مبحث الصحيح و الأعم.
(3) القوانين 1/ 43، مبحث الصحيح و الأعم.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 29
المسألة لما عرفت من أن ثمرة المسألة الأصولية هي أن تكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الأحكام الفرعية فافهم.
و كيف كان
فقد استدل للصحيحي بوجوه
. أحدها التبادر
و دعوى أن المنسبق إلى الأذهان منها هو الصحيح و لا منافاة بين دعوى ذلك و بين كون الألفاظ على هذا القول مجملات فإن المنافاة إنما تكون فيما إذا لم تكن معانيها على هذا مبينة بوجه و قد عرفت كونها مبينة بغير وجه.
ثانيها صحة السلب عن الفاسد
بسبب الإخلال ببعض أجزائه أو شرائطه بالمداقة و إن صح الإطلاق عليه بالعناية.
ثالثها الأخبار
الظاهرة في إثبات بعض الخواص و الآثار للمسميات مثل (: الصلاة عمود الدين) «1» أو (معراج المؤمن) «2» و (: الصوم جنة من النار) «3» إلى غير ذلك أو نفي ماهيتها و طبائعها مثل (: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) «4» و نحوه مما كان ظاهرا في نفي الحقيقة بمجرد فقد ما يعتبر في الصحة شطرا أو شرطا و إرادة خصوص الصحيح من الطائفة الأولى و نفي الصحة من الثانية لشيوع استعمال هذا التركيب في نفي مثل الصحة أو الكمال خلاف الظاهر لا يصار إليه مع عدم نصب قرينة عليه و استعمال هذا التركيب في نفي الصفة ممكن المنع حتى في مثل (: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) «5» مما يعلم أن المراد نفي الكمال بدعوى استعماله
______________
(1) دعائم الاسلام 1/ 133، جامع الأخبار/ 85، الكافي 3/ 99 باب النفساء الحديث 4 غواليّ اللآلي 1/ 322 الحديث 55.
(2) لم نجده في كتب الحديث، و لكن أورده في جواهر الكلام 7/ 2.
(3) الفقيه 2/ 44 باب فضل الصيام، الحديث 1 و 5، الكافي 4/ 62 باب ما جاء في فضل الصوم و الصائم الحديث 1.
(4) غوالي اللآلي 1: 196، الحديث 2 و غوالي اللآلي 2: 218 الحديث 13.
(5) دعائم الاسلام 1/ 148، التهذيب 3/ 261 باب 25 فضل المساجد و الصلاة فيها، الحديث 55 وسائل الشيعة 3/ 478 الباب 2 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 1.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 30
في نفي الحقيقة في مثله أيضا بنحو من العناية لا على الحقيقة و إلا لما دل على المبالغة فافهم [1].
رابعها
دعوى القطع بأن طريقة الواضعين و ديدنهم وضع الألفاظ للمركبات التامة كما هو قضية الحكمة الداعية إليه و الحاجة و إن دعت أحيانا إلى استعمالها في الناقص أيضا إلا أنه لا يقتضي أن يكون بنحو الحقيقة بل و لو كان مسامحة تنزيلا للفاقد منزلة الواجد.
و الظاهر أن الشارع غير متخط عن هذه الطريقة.
و لا يخفى أن هذه الدعوى و إن كانت غير بعيدة إلا أنها قابلة للمنع فتأمل.
و قد استدل للأعمي أيضا بوجوه
. منها تبادر الأعم
و فيه أنه قد عرفت الإشكال في تصوير الجامع الذي لا بد منه فكيف يصح معه دعوى التبادر.
و منها عدم صحة السلب عن الفاسد
و فيه منع لما عرفت.
و منها صحة التقسيم إلى الصحيح و السقيم
. و فيه أنه إنما يشهد على أنها للأعم لو لم تكن هناك دلالة على كونها موضوعة للصحيح و قد عرفتها فلا بد أن يكون التقسيم بملاحظة ما يستعمل فيه اللفظ و لو بالعناية.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 31
و منها استعمال الصلاة و غيرها في غير واحد من الأخبار في الفاسدة
(كقوله عليه الصلاة و السلام: بني الإسلام على خمس الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية و لم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع و تركوا هذه فلو أن أحدا صام نهاره و قام ليله و مات بغير ولاية لم يقبل له صوم و لا صلاة) «1» فإن الأخذ بالأربع لا يكون بناء على بطلان عبادات تاركي الولاية إلا إذا كانت أسامي للأعم و (قوله عليه السلام: دعي الصلاة أيام أقرائك) «2» ضرورة أنه لو لم يكن المراد منها الفاسدة لزم عدم صحة النهي عنها لعدم قدرة الحائض على الصحيحة منها.
و فيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة مع أن المراد في الرواية الأولى هو خصوص الصحيح بقرينة أنها مما بني عليها الإسلام و لا ينافي ذلك بطلان عبادة منكري الولاية إذ لعل أخذهم بها إنما كان بحسب اعتقادهم لا حقيقة و ذلك لا يقتضي استعمالها في الفاسد أو الأعم و الاستعمال في قوله فلو أن أحدا صام نهاره [إلى آخره] «3» كان كذلك أي بحسب اعتقادهم أو للمشابهة و المشاكلة.
و في الرواية الثانية الإرشاد «4» إلى عدم القدرة على الصلاة و إلا كان الإتيان بالأركان و سائر ما يعتبر في الصلاة بل بما يسمى في العرف بها
______________
(1) الكافي 2/ 15 باب 13 دعائم الاسلام- الخصال/ 277 باب الخمسة، الحديث 21 غوالي اللآلي 1/ 82، الفصل الخامس، الحديث 4.
(2) التهذيب 1/ 384 باب 19 الحيض و الاستحاضة و النفاس، الحديث 6- الكافي 3/ 88 باب جامع في الحائض و المستحاضة الحديث 1. غوالي اللآلي 2/ 207 باب الطهارة الحديث 124.
(3) أثبتناه هذه العبارة من «ب».
(4) و في بعض النسخ المطبوعة (النهي للإرشاد).
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 32
و لو أخل بما لا يضر الإخلال به بالتسمية عرفا محرما على الحائض ذاتا و إن لم تقصد به القربة.
و لا أظن أن يلتزم به المستدل بالرواية فتأمل جيدا.
و منها أنه لا شبهة «1» في صحة تعلق النذر و شبهه بترك الصلاة في مكان تكره فيه
و حصول الحنث بفعلها و لو كانت الصلاة المنذور تركها خصوص الصحيحة لا يكاد يحصل به الحنث أصلا لفساد الصلاة المأتي بها لحرمتها كما لا يخفى بل يلزم المحال فإن النذر حسب الفرض قد تعلق بالصحيح منها و لا يكاد يكون معه صحيحة و ما يلزم من فرض وجوده عدمه محال.
قلت لا يخفى أنه لو صح ذلك لا يقتضي إلا عدم صحة تعلق النذر بالصحيح لا عدم وضع اللفظ له شرعا مع أن الفساد من قبل النذر لا ينافي صحة متعلقه فلا يلزم من فرض وجودها عدمها.
و من هنا انقدح أن حصول الحنث إنما يكون لأجل الصحة لو لا تعلقه نعم لو فرض تعلقه بترك الصلاة المطلوبة بالفعل [1] لكان منع حصول الحنث بفعلها بمكان من الإمكان.
بقي أمور
. الأول [أسامي المعاملات موضوعة للصحيح أو الأعم]
أن أسامي المعاملات إن كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للأعم لعدم اتصافها بهما كما لا يخفى بل بالوجود تارة و بالعدم أخرى و أما إن كانت موضوعة للأسباب
______________
(1) في نسخة (أ): لا إشكال.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 33
فللنزاع فيه مجال لكنه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضا و أن الموضوع له هو العقد المؤثر لأثر كذا شرعا و عرفا و الاختلاف بين الشرع و العرف فيما يعتبر في تأثير العقد لا يوجب الاختلاف بينهما في المعنى بل الاختلاف في المحققات و المصاديق و تخطئة الشرع العرف في تخيل كون العقد بدون ما اعتبره في تأثيره محققا لما هو المؤثر كما لا يخفى فافهم.
الثاني أن كون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيحة لا يوجب إجمالها
كألفاظ العبادات كي لا يصح التمسك بإطلاقها عند الشك في اعتبار شيء في تأثيرها «1» شرعا و ذلك لأن إطلاقها لو كان مسوقا في مقام البيان ينزل على أن المؤثر عند الشارع هو المؤثر عند أهل العرف و لم يعتبر في تأثيره عنده غير ما اعتبر فيه عندهم كما ينزل عليه إطلاق كلام غيره حيث إنه منهم و لو اعتبر في تأثيره ما شك في اعتباره كان عليه البيان و نصب القرينة عليه و حيث لم ينصب بان عدم اعتباره عنده أيضا و لذا يتمسكون بالإطلاق في أبواب المعاملات مع ذهابهم إلى كون ألفاظها موضوعة للصحيح.
نعم لو شك في اعتبار شيء فيها عرفا فلا مجال للتمسك بإطلاقها في عدم اعتباره بل لا بد من اعتباره لأصالة عدم الأثر بدونه فتأمل جيدا.
الثالث [أقسام دخل شيء في المأمور به]
إن دخل شيء وجودي أو عدمي في المأمور به.
تارة بأن يكون داخلا فيما يأتلف منه و من غيره و جعل جملته متعلقا للأمر ف يكون جزءا له و داخلا في قوامه.
و أخرى بأن يكون خارجا عنه لكنه كان مما لا يحصل الخصوصية
______________
(1) في (أ): تأثيره.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 34
المأخوذة فيه بدونه كما إذا أخذ شيء مسبوقا أو ملحوقا به أو مقارنا له متعلقا للأمر فيكون من مقدماته لا مقوماته.v
و ثالثة بأن يكون مما يتشخص به المأمور به بحيث يصدق على المتشخص به عنوانه و ربما يحصل له بسببه مزية أو نقيصة و دخل هذا فيه أيضا طورا بنحو الشطرية و أخرى بنحو الشرطية فيكون الإخلال بما له دخل بأحد النحوين في حقيقة المأمور به و ماهيته موجبا لفساده لا محالة بخلاف ما له الدخل في تشخصه و تحققه مطلقا شطرا كان أو شرطا حيث لا يكون الإخلال به إلا إخلالا بتلك الخصوصية مع تحقق الماهية بخصوصية أخرى غير موجبة لتلك المزية بل كانت موجبة لنقصانها كما أشرنا إليه كالصلاة في الحمام.
ثم إنه ربما يكون الشيء مما يندب إليه فيه بلا دخل له أصلا لا شطرا و لا شرطا في حقيقته و لا في خصوصيته و تشخصه بل له دخل ظرفا في مطلوبيته بحيث لا يكون مطلوبا إلا إذا وقع في أثنائه فيكون مطلوبا نفسيا في واجب أو مستحب كما إذا كان مطلوبا كذلك قبل أحدهما أو بعده فلا يكون الإخلال به موجبا للإخلال به ماهية و لا تشخصا و خصوصية أصلا.
إذا عرفت هذا كله فلا شبهة في عدم دخل ما ندب إليه في العبادات نفسيا في التسمية بأساميها و كذا فيما له دخل في تشخصها مطلقا و أما ما له الدخل شرطا في أصل ماهيتها فيمكن الذهاب أيضا إلى عدم دخله في التسمية بها مع الذهاب إلى دخل ما له الدخل جزءا فيها فيكون الإخلال بالجزء مخلا بها دون الإخلال بالشرط لكنك عرفت أن الصحيح اعتبارهما فيها.
حوزوی کتب
کفایۃ الاصول حصہ اول
الأول [تعريف علم الأصول و موضوعه]
الثاني [تعريف الوضع و أقسامه]
الثالث [كيفية استعمال المجازي]
السابع [علائم الحقيقة و المجاز]
العاشر [الصحيح و الأعم]
الحادي عشر [الاشتراك اللفظي]
الثالث عشر [المشتق]
المقصد الأول الأوامر
الفصل الثاني فيما يتعلق بصيغة الأمر
الفصل الثالث [في الإجزاء]
فصل في مقدمة الواجب
الأمر الثالث في تقسيمات الواجب
الأمر الرابع [تبعية المقدمة لذيها في الإطلاق و الاشتراك]
في تأسيس الأصل في المسألة
فصل [في مسألة الضد]
فصل إذا نسخ الوجوب
المقصد الثاني النواهي
[بعض أدلة المجوزين و المناقشة فيها]
فصل في أن النهي عن الشيء هل يقتضي فساده أم لا
المقام الثاني في المعاملات
المقصد الثالث المفاهيم
بقي هاهنا أمور
فصل الظاهر أنه لا مفهوم للوصف
المقصد الرابع العام و الخاص
فصل هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص
فصل الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد
المقصد الخامس في المطلق و المقيد
فصل في المجمل و المبين
کفایۃ الاصول حصہ اول
العاشر [الصحيح و الأعم]
أنه وقع الخلاف في أن ألفاظ العبادات أسام لخصوص الصحيحة أو للأعم منها.
و قبل الخوض في ذكر أدلة القولين يذكر أمور
منها أنه لا شبهة في تأتي الخلاف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية
و في جريانه على القول بالعدم إشكال.
و غاية ما يمكن أن يقال في تصويره أن النزاع وقع على هذا في أن الأصل في هذه الألفاظ المستعملة مجازا في كلام الشارع هو استعمالها في خصوص الصحيحة أو الأعم بمعنى أن أيهما قد اعتبرت العلاقة بينه و بين المعاني اللغوية ابتداء و قد استعمل في الآخر بتبعه و مناسبته كي ينزل كلامه «1» عليه مع القرينة الصارفة عن المعاني اللغوية و عدم قرينة أخرى معينة للآخر.
و أنت خبير بأنه لا يكاد يصح هذا إلا إذا علم أن العلاقة إنما اعتبرت كذلك و أن بناء الشارع في محاوراته استقر عند عدم نصب قرينة أخرى على إرادته بحيث كان هذا قرينة عليه من غير حاجة إلى قرينة معينة أخرى و أنى لهم بإثبات ذلك.
و قد انقدح بما ذكرنا تصوير النزاع على (ما نسب «2» إلى الباقلاني [1] ______________ (1) في «أ»: تقديم (عليه) على (كلامه).
(2) نسبه ابن الحاجب و العضدي، راجع شرح العضدي على مختصر الأصول: 1/ 51- 52.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 24
و ذلك بأن يكون النزاع في أن قضية القرينة المضبوطة التي لا يتعدى عنها إلا بالأخرى الدالة على أجزاء المأمور به و شرائطه هو تمام الأجزاء و الشرائط أو هما في الجملة) فلا تغفل. و منها أن الظاهر (أن الصحة عند الكل بمعنى واحد
و هو التمامية و تفسيرها بإسقاط القضاء) كما عن الفقهاء أو بموافقة الشريعة كما عن المتكلمين أو غير ذلك إنما هو بالمهم من لوازمها لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الأنظار و هذا لا يوجب تعدد المعنى كما لا يوجبه اختلافها بحسب الحالات من السفر و الحضر و الاختيار و الاضطرار إلى غير ذلك كما لا يخفى.
و منه ينقدح أن الصحة و الفساد أمران إضافيان فيختلف شيء واحد صحة و فسادا بحسب الحالات فيكون تاما بحسب حالة و فاسدا بحسب أخرى فتدبر جيدا.
و منها أنه لا بد على كلا القولين من قدر جامع
في البين كان هو المسمى بلفظ كذا و لا إشكال في وجوده بين الأفراد الصحيحة و إمكان الإشارة إليه بخواصه و آثاره فإن الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذاك الجامع فيصح تصوير المسمى بلفظ الصلاة مثلا بالناهية عن الفحشاء و ما هو معراج المؤمن و نحوهما.
و الإشكال فيه «1» بأن الجامع لا يكاد يكون أمرا مركبا إذ كل ما فرض جامعا يمكن أن يكون صحيحا و فاسدا لما عرفت و لا أمرا بسيطا لأنه لا يخلو إما أن يكون هو عنوان المطلوب أو ملزوما مساويا له و الأول غير معقول لبداهة استحالة أخذ ما لا يتأتى إلا من قبل الطلب في متعلقه ______________ (1) الاشكمال من صاحب التقريرات، مطارح الأنظار/ 6.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 25
مع لزوم الترادف بين لفظة الصلاة و المطلوب و عدم جريان البراءة مع الشك في أجزاء العبادات و شرائطها لعدم الإجمال حينئذ في المأمور به فيها و إنما الإجمال فيما يتحقق به و في مثله لا مجال لها كما حقق في محله مع أن المشهور القائلين بالصحيح قائلون بها في الشك فيها و بهذا يشكل لو كان البسيط هو ملزوم المطلوب أيضا مدفوع بأن الجامع إنما هو مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات المختلفة زيادة و نقيصة بحسب اختلاف الحالات متحد معها نحو اتحاد و في مثله تجري البراءة و إنما لا تجري فيما إذا كان المأمور به أمرا واحدا خارجيا مسببا عن مركب مردد بين الأقل و الأكثر كالطهارة المسببة عن الغسل و الوضوء فيما إذا شك في أجزائهما هذا على الصحيح.
و أما على الأعم فتصوير الجامع في غاية الإشكال فما قيل في تصويره أو يقال وجوه «1». أحدها «2» أن يكون عبارة عن جملة من أجزاء العبادة كالأركان في الصلاة مثلا و كان الزائد عليها معتبرا في المأمور به لا في المسمى.
و فيه ما لا يخفى فإن التسمية بها حقيقة لا تدور مدارها ضرورة صدق الصلاة مع الإخلال ببعض الأركان بل و عدم الصدق عليها مع الإخلال بسائر الأجزاء و الشرائط عند الأعمى مع أنه يلزم أن يكون الاستعمال فيما هو المأمور به بأجزائه و شرائطه مجازا عنده و كان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل لا من باب إطلاق الكلي على الفرد و الجزئي كما هو واضح و لا يلتزم به القائل بالأعم فافهم.
______________ (1) راجع القوانين/ 40 في الصحيح و الأعمّ، و مطارح الأنظار/ 7 في الصحيح و الأعمّ، و الفصول/ 46.
(2) هذا ما يظهر من صاحب القوانين، القوانين 1/ 44 في الصحيح و الأعمّ.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 26
ثانيها أن تكون موضوعة لمعظم الأجزاء التي تدور مدارها التسمية عرفا فصدق الاسم كذلك يكشف عن وجود المسمى و عدم صدقه عن عدمه.
و فيه مضافا إلى ما أورد على الأول أخيرا أنه عليه يتبادل ما هو المعتبر في المسمى فكان شيء واحد داخلا فيه تارة و خارجا عنه أخرى بل مرددا بين أن يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام الأجزاء و هو كما ترى سيما إذا لوحظ هذا مع ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات.
ثالثها أن يكون وضعها كوضع الأعلام الشخصية كزيد فكما لا يضر في التسمية فيها تبادل الحالات المختلفة من الصغر و الكبر و نقص بعض الأجزاء و زيادته كذلك فيها.
و فيه أن الأعلام إنما تكون موضوعة للأشخاص و التشخص إنما يكون بالوجود الخاص و يكون الشخص حقيقة باقيا ما دام وجوده باقيا و إن تغيرت عوارضه من الزيادة و النقصان و غيرهما من الحالات و الكيفيات فكما لا يضر اختلافها في التشخص لا يضر اختلافها في التسمية و هذا بخلاف مثل ألفاظ العبادات مما كانت موضوعة للمركبات و المقيدات و لا يكاد يكون موضوعا له إلا ما كان جامعا لشتاتها و حاويا لمتفرقاتها كما عرفت في الصحيح منها.
رابعها أن ما وضعت له الألفاظ ابتداء هو الصحيح التام الواجد لتمام الأجزاء و الشرائط إلا أن العرف يتسامحون كما هو ديدنهم و يطلقون تلك الألفاظ على الفاقد للبعض تنزيلا له منزلة الواجد فلا يكون مجازا في الكلمة على ما ذهب إليه السكاكي «1» في الاستعارة بل يمكن دعوى. ______________ (1) مفتاح العلوم/ 156، الفصل الثالث في الاستعارة.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 27
صيرورته حقيقة فيه بعد الاستعمال فيه كذلك دفعة أو دفعات من دون حاجة إلى الكثرة و الشهرة للأنس الحاصل من جهة المشابهة في الصورة أو المشاركة في التأثير كما في أسامي المعاجين الموضوعة ابتداء لخصوص مركبات واجدة لأجزاء خاصة حيث يصح إطلاقها على الفاقد لبعض الأجزاء المشابه له صورة و المشارك في المهم أثرا تنزيلا أو حقيقة. و فيه أنه إنما يتم في مثل أسامي المعاجين و سائر المركبات الخارجية مما يكون الموضوع له «1» فيها ابتداء مركبا خاصا و لا يكاد يتم في مثل العبادات التي عرفت أن الصحيح منها يختلف حسب اختلاف الحالات و كون الصحيح بحسب حالة فاسدا «2» بحسب حالة أخرى كما لا يخفى فتأمل جيدا.
خامسها أن يكون حالها حال أسامي المقادير و الأوزان مثل المثقال و الحقة و الوزنة إلى غير ذلك مما لا شبهة في كونها حقيقة في الزائد و الناقص في الجملة فإن الواضع و إن لاحظ مقدارا خاصا إلا أنه لم يضع له بخصوصه بل للأعم منه و من الزائد و الناقص أو أنه و إن خص به أولا إلا أنه بالاستعمال كثيرا فيهما بعناية أنهما منه قد صار حقيقة في الأعم ثانيا. و فيه أن الصحيح كما عرفت في الوجه السابق يختلف زيادة و نقيصة فلا يكون هناك ما يلاحظ الزائد و الناقص بالقياس عليه كي يوضع اللفظ لما هو الأعم فتدبر جيدا.
و منها أن الظاهر أن يكون الوضع و الموضوع له في ألفاظ العبادات عامين و احتمال كون الموضوع له خاصا بعيد جدا لاستلزامه كون ______________ (1) في «ب»: الموضوع فيها.
(2) في «أ و ب»: فاسد.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 28
استعمالها في الجامع في مثل الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ و (: الصلاة معراج المؤمن و [عمود الدين]) «1» و (: الصوم جنة من النار) مجازا أو منع استعمالها فيه في مثلها و كل منهما بعيد إلى الغاية كما لا يخفى على أولي النهاية.
و منها أن ثمرة النزاع إجمال الخطاب على القول الصحيحي
و عدم جواز الرجوع إلى إطلاقه في رفع ما إذا شك في جزئية شيء للمأمور به أو شرطيته أصلا لاحتمال دخوله في المسمى كما لا يخفى و جواز الرجوع إليه في ذلك على القول الأعمي في غير ما احتمل دخوله فيه مما شك في جزئيته أو شرطيته نعم لا بد في الرجوع إليه فيما ذكر من كونه واردا مورد البيان كما لا بد منه في الرجوع إلى سائر المطلقات و بدونه لا مرجع أيضا إلا البراءة أو الاشتغال على الخلاف في مسألة دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.
و قد انقدح بذلك أن الرجوع إلى البراءة أو الاشتغال في موارد إجمال الخطاب أو إهماله على القولين فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلى البراءة على الأعم و الاشتغال على الصحيح «2» و لذا ذهب المشهور إلى البراءة مع ذهابهم إلى الصحيح.
و ربما قيل «3» بظهور الثمرة في النذر أيضا.
قلت و إن كان تظهر فيما لو نذر لمن صلى إعطاء درهم في البر فيما لو أعطاه لمن صلى و لو علم بفساد صلاته لإخلاله بما لا يعتبر في الاسم على الأعم و عدم البر على الصحيح إلا أنه ليس بثمرة لمثل هذه ______________ (1) أثبتناها من (ب).
(2) القوانين/ 1/ 40، مبحث الصحيح و الأعم.
(3) القوانين 1/ 43، مبحث الصحيح و الأعم.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 29
المسألة لما عرفت من أن ثمرة المسألة الأصولية هي أن تكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الأحكام الفرعية فافهم.
و كيف كان فقد استدل للصحيحي بوجوه
. أحدها التبادر
و دعوى أن المنسبق إلى الأذهان منها هو الصحيح و لا منافاة بين دعوى ذلك و بين كون الألفاظ على هذا القول مجملات فإن المنافاة إنما تكون فيما إذا لم تكن معانيها على هذا مبينة بوجه و قد عرفت كونها مبينة بغير وجه.
ثانيها صحة السلب عن الفاسد بسبب الإخلال ببعض أجزائه أو شرائطه بالمداقة و إن صح الإطلاق عليه بالعناية.
ثالثها الأخبار
الظاهرة في إثبات بعض الخواص و الآثار للمسميات مثل (: الصلاة عمود الدين) «1» أو (معراج المؤمن) «2» و (: الصوم جنة من النار) «3» إلى غير ذلك أو نفي ماهيتها و طبائعها مثل (: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) «4» و نحوه مما كان ظاهرا في نفي الحقيقة بمجرد فقد ما يعتبر في الصحة شطرا أو شرطا و إرادة خصوص الصحيح من الطائفة الأولى و نفي الصحة من الثانية لشيوع استعمال هذا التركيب في نفي مثل الصحة أو الكمال خلاف الظاهر لا يصار إليه مع عدم نصب قرينة عليه و استعمال هذا التركيب في نفي الصفة ممكن المنع حتى في مثل (: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) «5» مما يعلم أن المراد نفي الكمال بدعوى استعماله ______________ (1) دعائم الاسلام 1/ 133، جامع الأخبار/ 85، الكافي 3/ 99 باب النفساء الحديث 4 غواليّ اللآلي 1/ 322 الحديث 55.
(2) لم نجده في كتب الحديث، و لكن أورده في جواهر الكلام 7/ 2.
(3) الفقيه 2/ 44 باب فضل الصيام، الحديث 1 و 5، الكافي 4/ 62 باب ما جاء في فضل الصوم و الصائم الحديث 1.
(4) غوالي اللآلي 1: 196، الحديث 2 و غوالي اللآلي 2: 218 الحديث 13.
(5) دعائم الاسلام 1/ 148، التهذيب 3/ 261 باب 25 فضل المساجد و الصلاة فيها، الحديث 55 وسائل الشيعة 3/ 478 الباب 2 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 1.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 30
في نفي الحقيقة في مثله أيضا بنحو من العناية لا على الحقيقة و إلا لما دل على المبالغة فافهم [1].
رابعها
دعوى القطع بأن طريقة الواضعين و ديدنهم وضع الألفاظ للمركبات التامة كما هو قضية الحكمة الداعية إليه و الحاجة و إن دعت أحيانا إلى استعمالها في الناقص أيضا إلا أنه لا يقتضي أن يكون بنحو الحقيقة بل و لو كان مسامحة تنزيلا للفاقد منزلة الواجد.
و الظاهر أن الشارع غير متخط عن هذه الطريقة.
و لا يخفى أن هذه الدعوى و إن كانت غير بعيدة إلا أنها قابلة للمنع فتأمل.
و قد استدل للأعمي أيضا بوجوه
. منها تبادر الأعم
و فيه أنه قد عرفت الإشكال في تصوير الجامع الذي لا بد منه فكيف يصح معه دعوى التبادر. و منها عدم صحة السلب عن الفاسد و فيه منع لما عرفت.
و منها صحة التقسيم إلى الصحيح و السقيم
. و فيه أنه إنما يشهد على أنها للأعم لو لم تكن هناك دلالة على كونها موضوعة للصحيح و قد عرفتها فلا بد أن يكون التقسيم بملاحظة ما يستعمل فيه اللفظ و لو بالعناية. كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 31 و منها استعمال الصلاة و غيرها في غير واحد من الأخبار في الفاسدة (كقوله عليه الصلاة و السلام: بني الإسلام على خمس الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية و لم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع و تركوا هذه فلو أن أحدا صام نهاره و قام ليله و مات بغير ولاية لم يقبل له صوم و لا صلاة) «1» فإن الأخذ بالأربع لا يكون بناء على بطلان عبادات تاركي الولاية إلا إذا كانت أسامي للأعم و (قوله عليه السلام: دعي الصلاة أيام أقرائك) «2» ضرورة أنه لو لم يكن المراد منها الفاسدة لزم عدم صحة النهي عنها لعدم قدرة الحائض على الصحيحة منها.
و فيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة مع أن المراد في الرواية الأولى هو خصوص الصحيح بقرينة أنها مما بني عليها الإسلام و لا ينافي ذلك بطلان عبادة منكري الولاية إذ لعل أخذهم بها إنما كان بحسب اعتقادهم لا حقيقة و ذلك لا يقتضي استعمالها في الفاسد أو الأعم و الاستعمال في قوله فلو أن أحدا صام نهاره [إلى آخره] «3» كان كذلك أي بحسب اعتقادهم أو للمشابهة و المشاكلة.
و في الرواية الثانية الإرشاد «4» إلى عدم القدرة على الصلاة و إلا كان الإتيان بالأركان و سائر ما يعتبر في الصلاة بل بما يسمى في العرف بها ______________ (1) الكافي 2/ 15 باب 13 دعائم الاسلام- الخصال/ 277 باب الخمسة، الحديث 21 غوالي اللآلي 1/ 82، الفصل الخامس، الحديث 4.
(2) التهذيب 1/ 384 باب 19 الحيض و الاستحاضة و النفاس، الحديث 6- الكافي 3/ 88 باب جامع في الحائض و المستحاضة الحديث 1. غوالي اللآلي 2/ 207 باب الطهارة الحديث 124. (3) أثبتناه هذه العبارة من «ب».
(4) و في بعض النسخ المطبوعة (النهي للإرشاد).
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 32 و لو أخل بما لا يضر الإخلال به بالتسمية عرفا محرما على الحائض ذاتا و إن لم تقصد به القربة.
و لا أظن أن يلتزم به المستدل بالرواية فتأمل جيدا.
و منها أنه لا شبهة «1» في صحة تعلق النذر و شبهه بترك الصلاة في مكان تكره فيه و حصول الحنث بفعلها و لو كانت الصلاة المنذور تركها خصوص الصحيحة لا يكاد يحصل به الحنث أصلا لفساد الصلاة المأتي بها لحرمتها كما لا يخفى بل يلزم المحال فإن النذر حسب الفرض قد تعلق بالصحيح منها و لا يكاد يكون معه صحيحة و ما يلزم من فرض وجوده عدمه محال.
قلت لا يخفى أنه لو صح ذلك لا يقتضي إلا عدم صحة تعلق النذر بالصحيح لا عدم وضع اللفظ له شرعا مع أن الفساد من قبل النذر لا ينافي صحة متعلقه فلا يلزم من فرض وجودها عدمها. و من هنا انقدح أن حصول الحنث إنما يكون لأجل الصحة لو لا تعلقه نعم لو فرض تعلقه بترك الصلاة المطلوبة بالفعل [1] لكان منع حصول الحنث بفعلها بمكان من الإمكان.
بقي أمور
. الأول [أسامي المعاملات موضوعة للصحيح أو الأعم]
أن أسامي المعاملات إن كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للأعم لعدم اتصافها بهما كما لا يخفى بل بالوجود تارة و بالعدم أخرى و أما إن كانت موضوعة للأسباب ______________ (1) في نسخة (أ): لا إشكال.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 33
فللنزاع فيه مجال لكنه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضا و أن الموضوع له هو العقد المؤثر لأثر كذا شرعا و عرفا و الاختلاف بين الشرع و العرف فيما يعتبر في تأثير العقد لا يوجب الاختلاف بينهما في المعنى بل الاختلاف في المحققات و المصاديق و تخطئة الشرع العرف في تخيل كون العقد بدون ما اعتبره في تأثيره محققا لما هو المؤثر كما لا يخفى فافهم. الثاني أن كون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيحة لا يوجب إجمالها
كألفاظ العبادات كي لا يصح التمسك بإطلاقها عند الشك في اعتبار شيء في تأثيرها «1» شرعا و ذلك لأن إطلاقها لو كان مسوقا في مقام البيان ينزل على أن المؤثر عند الشارع هو المؤثر عند أهل العرف و لم يعتبر في تأثيره عنده غير ما اعتبر فيه عندهم كما ينزل عليه إطلاق كلام غيره حيث إنه منهم و لو اعتبر في تأثيره ما شك في اعتباره كان عليه البيان و نصب القرينة عليه و حيث لم ينصب بان عدم اعتباره عنده أيضا و لذا يتمسكون بالإطلاق في أبواب المعاملات مع ذهابهم إلى كون ألفاظها موضوعة للصحيح.
نعم لو شك في اعتبار شيء فيها عرفا فلا مجال للتمسك بإطلاقها في عدم اعتباره بل لا بد من اعتباره لأصالة عدم الأثر بدونه فتأمل جيدا.
الثالث [أقسام دخل شيء في المأمور به]
إن دخل شيء وجودي أو عدمي في المأمور به. تارة بأن يكون داخلا فيما يأتلف منه و من غيره و جعل جملته متعلقا للأمر ف يكون جزءا له و داخلا في قوامه.
و أخرى بأن يكون خارجا عنه لكنه كان مما لا يحصل الخصوصية ______________ (1) في (أ): تأثيره.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 34 المأخوذة فيه بدونه كما إذا أخذ شيء مسبوقا أو ملحوقا به أو مقارنا له متعلقا للأمر فيكون من مقدماته لا مقوماته.v و ثالثة بأن يكون مما يتشخص به المأمور به بحيث يصدق على المتشخص به عنوانه و ربما يحصل له بسببه مزية أو نقيصة و دخل هذا فيه أيضا طورا بنحو الشطرية و أخرى بنحو الشرطية فيكون الإخلال بما له دخل بأحد النحوين في حقيقة المأمور به و ماهيته موجبا لفساده لا محالة بخلاف ما له الدخل في تشخصه و تحققه مطلقا شطرا كان أو شرطا حيث لا يكون الإخلال به إلا إخلالا بتلك الخصوصية مع تحقق الماهية بخصوصية أخرى غير موجبة لتلك المزية بل كانت موجبة لنقصانها كما أشرنا إليه كالصلاة في الحمام.
ثم إنه ربما يكون الشيء مما يندب إليه فيه بلا دخل له أصلا لا شطرا و لا شرطا في حقيقته و لا في خصوصيته و تشخصه بل له دخل ظرفا في مطلوبيته بحيث لا يكون مطلوبا إلا إذا وقع في أثنائه فيكون مطلوبا نفسيا في واجب أو مستحب كما إذا كان مطلوبا كذلك قبل أحدهما أو بعده فلا يكون الإخلال به موجبا للإخلال به ماهية و لا تشخصا و خصوصية أصلا.
إذا عرفت هذا كله فلا شبهة في عدم دخل ما ندب إليه في العبادات نفسيا في التسمية بأساميها و كذا فيما له دخل في تشخصها مطلقا و أما ما له الدخل شرطا في أصل ماهيتها فيمكن الذهاب أيضا إلى عدم دخله في التسمية بها مع الذهاب إلى دخل ما له الدخل جزءا فيها فيكون الإخلال بالجزء مخلا بها دون الإخلال بالشرط لكنك عرفت أن الصحيح اعتبارهما فيها.
كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 35
مقبول
طہارۃ، استعمال طہور مشروط بالنیت
المدخل۔۔۔
الزکاۃ،کتاب الزکاۃ وفصولہ اربعۃ۔۔۔
مقدمہ و تعریف :الامرلاول تعریف علم الاصول۔۔۔
الطہارۃ و مختصر حالات زندگانی
الفصل السابع :نسخ الوجوب۔۔
الفصل الثالث؛ تقسیم القطع الی طریقی ...
مقالات
دینی مدارس کی قابل تقلید خوبیاں
ایک اچھے مدرس کے اوصاف
اسلام میں استاد کا مقام و مرتبہ
طالب علم کے لئے کامیابی کے زریں اصول