حضرت محمد مصطفیٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم نے فرمایا:
خداوند جل شانہ فرماتا ہے: مجھے اپنی عزت و جلال کی قسم، میں نے جو بھی مخلوق پیدا کی ہے ان میں میرا بندہ مومن جس قدر مجھے محبوب ہے اتنا کوئی اور نہیں۔
بحارالانوار کتاب الایمان والکفر باب63حدیث75
ذكر بعضهم للعمل بالاستصحاب شروطا كبقاء الموضوع و عدم المعارض و وجوب الفحص و التحقيق رجوع الكل إلى شروط جريان الاستصحاب و توضيح ذلك أنك قد عرفت أن الاستصحاب عبارة عن إبقاء ما شك في بقائه و هذا لا يتحقق إلا مع الشك في بقاء القضية المحققة في السابق بعينها في الزمان اللاحق و الشك على هذا الوجه لا يتحقق إلا بأمور.
الأول بقاء الموضوع في الزمان اللاحق و المراد به معروض المستصحب
فإذا أريد استصحاب قيام زيد أو وجوده فلا بد من تحقق زيد في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضا في السابق سواء كان تحققه في السابق بتقرره ذهنا أو بوجوده خارجا فزيد معروض للقيام في السابق بوصف وجوده الخارجي و للوجود بوصف تقرره ذهنا لا وجوده الخارجي.
و بهذا اندفع ما استشكله بعض في أمر كلية اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب بانتقاضها باستصحاب وجود الموجودات عند الشك في بقائها زعما منه أن المراد ببقائه وجوده الخارجي الثانوي و غفلة عن أن المراد وجوده الثانوي على نحو وجوده الأولى الصالح لأن يحكم عليه بالمستصحب و بنقيضه و إلا لم يجز أن يحمل عليه المستصحب في الزمان السابق فالموضوع في استصحاب حياة زيد هو زيد القابل لأن يحكم عليه بالحياة تارة و بالموت أخرى و هذا المعنى لا شك في تحققه عند الشك في بقاء حياته.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص:
691
ثم الدليل على اعتبار هذا الشرط في جريان الاستصحاب واضح لأنه لو لم يعلم تحققه لاحقا فإذا أريد إبقاء المستصحب العارض له المتقوم به فإما أن يبقى في غير محل و موضوع و هو محال و إما أن يبقى في موضوع غير الموضوع السابق.
و من المعلوم أن هذا ليس إبقاء لنفس ذلك العارض و إنما هو حكم بحدوث عارض مثله في موضوع جديد فيخرج عن الاستصحاب بل حدوثه للموضوع الجديد كان مسبوقا بالعدم فهو المستصحب دون وجوده و بعبارة أخرى بقاء المستصحب لا في موضوع محال و كذا في موضوع آخر إما لاستحالة انتقال العرض و إما لأن المتيقن سابقا وجوده في الموضوع السابق و الحكم بعدم ثبوته لهذا الموضوع الجديد ليس نقضا للمتيقن السابق.
و مما ذكرنا يعلم أن المعتبر هو العلم ببقاء الموضوع و لا يكفي احتمال البقاء إذ لا بد من العلم بكون الحكم بوجود المستصحب إبقاء و الحكم بعدمه نقضا.
فإن قلت إذا كان الموضوع محتمل البقاء فيجوز إحرازه في الزمان اللاحق بالاستصحاب.
قلت لا مضايقة من جواز استصحابه في بعض الصور إلا أنه لا ينفع في استصحاب الحكم المحمول عليه.
بيان ذلك أن الشك في بقاء الحكم الذي يراد استصحابه إما أن يكون مسببا من سبب غير الشك في بقاء ذلك الموضوع المشكوك البقاء مثل أن يشك في عدالة مجتهده مع الشك في حياته و إما أن يكون مسببا عنه.
فإن كان الأول فلا إشكال في استصحاب الموضوع عند الشك لكن استصحاب الحكم كالعدالة مثلا لا يحتاج إلى إبقاء حياة زيد لأن موضوع العدالة زيد على تقدير الحياة إذ لا شك فيها إلا على فرض الحياة فالذي يراد استصحابه هو عدالته على تقدير الحياة و بالجملة فهنا مستصحبان لكل منهما موضوع على حدة حياة زيد و عدالته على تقدير الحياة و لا يعتبر في الثاني إثبات الحياة.
و على الثاني فالموضوع إما أن يكون معلوما معينا شك في بقائه كما إذا علم أن الموضوع لنجاسة الماء هو الماء بوصف التغير و للمطهرية هو الماء بوصف الكرية و الإطلاق ثم شك في بقاء تغير الماء الأول و كرية الماء الثاني أو إطلاقه و إما أن يكون غير معين بل مرددا بين أمر معلوم البقاء و آخر معلوم الارتفاع كما إذا لم يعلم أن الموضوع للنجاسة هو الماء الذي حدث فيه التغير آناً ما أو الماء المتلبس بالتغير و كما إذا شككنا في أن النجاسة محمولة على الكلب بوصف أنه كلب
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 692
أو المشترك بين الكلب و بين ما يستحال إليه من الملح أو غيره أما الأول فلا إشكال في استصحاب الموضوع و قد عرفت في مسألة الاستصحاب في الأمور الخارجية أن استصحاب الموضوع حقيقة ترتيب الأحكام الشرعية المحمولة على ذلك الموضوع الموجود واقعا فحقيقة استصحاب التغير و الكرية و الإطلاق في الماء ترتيب أحكامها المحمولة عليها كالنجاسة في الأول و المطهرية في الآخرين.
فمجرد استصحاب الموضوع يوجب إجراء الأحكام فلا مجال لاستصحاب الأحكام حينئذ لارتفاع الشك بل لو أريد استصحابها لم يجر لأن صحة استصحاب النجاسة مثلا ليس من أحكام التغير الواقعي حتى يثبت باستصحابه لأن أثر التغير الواقعي هي النجاسة الواقعية لا استصحابها إذ مع فرض التغير لا شك في النجاسة.
مع أن قضية ما ذكرنا من الدليل على اشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب حكم العقل باشتراط بقائه فيه فالتغير الواقعي إنما يجوز استصحاب النجاسة له بحكم العقل فهذا الحكم أعني ترتب الاستصحاب على بقاء الموضوع ليس أمرا جعليا حتى يترتب على وجوده الاستصحابي فتأمل.
و على الثاني فلا مجال لاستصحاب الموضوع و لا الحكم.
أما الأول ف لأن أصالة بقاء الموضوع لا يثبت كون هذا الأمر الباقي متصفا بالموضوعية إلا بناء على القول بالأصل المثبت كما تقدم في أصالة بقاء الكر المثبتة الكرية المشكوك بقاؤه على الكرية و على هذا القول فحكم هذا القسم حكم القسم الأول و أما أصالة بقاء الموضوع بوصف كونه موضوعا فهو في معنى استصحاب الحكم لأن صفة الموضوعية للموضوع ملازم لإنشاء الحكم من الشارع باستصحابه.
و أما استصحاب الحكم ف لأنه كان ثابتا لأمر لا يعلم بقاؤه و بقاؤه قائما بهذا الموجود الباقي ليس قياما بنفس ما قام به أولا حتى يكون إثباته إبقاء و نفيه نقضا.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنه كثيرا ما يقع الشك في الحكم من جهة الشك في أن موضوعه و محله هو الأمر الزائل و لو بزوال قيده المأخوذ في موضوعيته حتى يكون الحكم مرتفعا أو هو الأمر الباقي و الزائل ليس موضوعا و لا مأخوذا فيه فلو فرض شك في الحكم كان من جهة أخرى غير الموضوع كما يقال إن حكم النجاسة في الماء المتغير موضوعه نفس الماء و التغير علة محدثة للحكم فيشك في عليته للبقاء.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 693
فلا بد من ميزان يميز به القيود المأخوذة في الموضوع عن غيرها و هو أحد أمور الأول العقل فيقال إن مقتضاه كون جميع القيود قيودا للموضوع مأخوذة فيه فيكون الحكم ثابتا لأمر واحد ليجمعها و ذلك لأن كل قضية و إن كثرت قيودها المأخوذة فيها راجعة في الحقيقة إلى موضوع واحد و محمول واحد فإذا شك في ثبوت الحكم السابق بعد زوال بعض تلك القيود سواء علم كونه قيدا للموضوع أو للمحمول أو لم يعلم أحدهما فلا يجوز الاستصحاب لأنه إثبات عين الحكم السابق لعين الموضوع السابق و لا يصدق هذا مع الشك في أحدهما نعم لو شك بسبب تغير الزمان المجعول ظرفا للحكم كالخيار لم يقدح جريان الاستصحاب لأن الاستصحاب مبني على إلغاء خصوصية الزمان الأول فالاستصحاب في الحكم الشرعي لا يجري إلا في الشك من جهة الرافع ذاتا أو وصفا و فيما كان من جهة مدخلية الزمان نعم يجري في الموضوعات الخارجية بأسرها ثم لو لم يعلم مدخلية القيود في الموضوع كفى في عدم جريان الاستصحاب الشك في بقاء الموضوع على ما عرفت مفصلا.
الثاني أن يرجع في معرفة الموضوع للأحكام إلى الأدلة و يفرق بين قوله الماء المتغير نجس و بين قوله الماء يتنجس إذا تغير فيجعل الموضوع في الأول الماء المتلبس بالتغير فيزول الحكم بزواله و في الثاني نفس الماء فيستصحب النجاسة لو شك في مدخلية التغير في بقائها و هكذا و على هذا فلا يجري الاستصحاب فيما كان الشك من غير جهة الرافع إذا كان الدليل غير لفظي لا يتميز فيه الموضوع لاحتمال مدخلية القيد الزائل فيه الثالث أن يرجع في ذلك إلى العرف فكل مورد يصدق عرفا أن هذا كان كذا سابقا جرى فيه الاستصحاب و إن كان المشار إليه لا يعلم بالتدقيق أو بملاحظة الأدلة كونه موضوعا بل علم عدمه.
مثلا قد ثبت بالأدلة أن الإنسان طاهر و الكلب نجس فإذا ماتا و اطلع أهل العرف على حكم الشارع عليهما بعد الموت فيحكمون بارتفاع طهارة الأول و بقاء نجاسة الثاني مع عدم صدق الارتفاع و البقاء فيهما بحسب التدقيق لأن الطهارة و النجاسة كانتا محمولتين على الحيوانين المذكورين و قد ارتفعت الحيوانية بعد صيرورته جمادا.
و نحوه حكم العرف باستصحاب بقاء الزوجية بعد موت أحد الزوجين و قد تقدم حكم العرف ببقاء كرية ما كان كرا سابقا و وجوب الأجزاء الواجبة سابقا قبل تعذر بعضها و استصحاب السواد فيما علم زوال مرتبة معينة منه و يشك في تبدله بالبياض أو بسواد خفيف إلى
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 694
غير ذلك.
(و بهذا الوجه يصح للفاضلين قدس سرهما في المعتبر و المنتهى الاستدلال على بقاء نجاسة الأعيان النجسة بعد الاستحالة بأن النجاسة قائمة بالأعيان النجسة لا بأوصاف الأجزاء فلا تزول بتغير أوصاف محلها و تلك الأجزاء باقية فتكون النجاسة باقية لانتفاء ما يقتضي ارتفاعها انتهى كلام المعتبر) (و احتج فخر الدين للنجاسة بأصالة بقائها و بأن الاسم أمارة و معرف فلا يزول الحكم بزواله انتهى) و هذه الكلمات و إن كانت محل الإيراد لعدم ثبوت قيام حكم الشارع بالنجاسة بجسم الكلب المشترك بين الحيوان و الجماد بل ظاهر عدمه لأن ظاهر الأدلة تبعية الأحكام للأسماء كما اعترف به في المنتهى في استحالة الأعيان النجسة إلا أنه شاهد على إمكان اعتبار موضوعية الذات المشتركة بين واجد الوصف العنواني و فاقده كما ذكرنا في نجاسة الكلب بالموت حيث إن أهل العرف لا يفهمون نجاسة أخرى حاصلة بالموت و يفهمون ارتفاع طهارة الإنسان إلى غير ذلك مما يفهمون الموضوع فيه مشتركا بين الواجد للوصف العنواني و الفاقد.
ثم إن بعض المتأخرين فرق بين استحالة نجس العين و المتنجس فحكم بطهارة الأول لزوال الموضوع دون الثاني لأن موضوع النجاسة ليس عنوان المستحيل أعني الخشب مثلا و إنما هو الجسم و لم يزل بالاستحالة.
و هو حسن في بادي النظر إلا أن دقيق النظر يقتضي خلافه إذ لم يعلم أن النجاسة في المتنجسات محمولة على الصورة الجنسية و هي الجسم و إن اشتهر في الفتاوى و معاقد الإجماعات أن كل جسم لاقى نجسا مع رطوبة أحدهما فهو نجس إلا أنه لا يخفى على المتأمل أن التعبير بالجسم لأداء عموم الحكم لجميع الأجسام الملاقية من حيث سببية الملاقاة للنجس لا لبيان إناطة الحكم بالجسمية و بتقرير آخر الحكم ثابت لأشخاص الجسم فلا ينافي ثبوته لكل واحد منها من حيث نوعه و صنفه المتقوم به عند الملاقاة.
فقولهم كل جسم لاقى نجسا فهو نجس لبيان حدوث النجاسة في الجسم بسبب الملاقاة من غير تعرض للمحل الذي يتقوم به كما إذا قال القائل إن كل جسم له خاصية و تأثير مع
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 695
كون الخواص و التأثيرات من عوارض الأنواع.
و إن أبيت إلا عن ظهور معقد الإجماع في تقوم النجاسة بالجسم فنقول لا إشكال أن مستند هذا العموم هي الأدلة الخاصة الواردة في الأشخاص الخاصة مثل الثوب و البدن و الماء و غير ذلك فاستنباط القضية الكلية المذكورة منها ليس إلا من حيث عنوان حدوث النجاسة لا ما يتقوم به و إلا فاللازم إناطة النجاسة في كل مورد بالعنوان المذكور في دليله.
و دعوى أن ثبوت الحكم لكل عنوان خاص من حيث كونه جسما ليست بأولى من دعوى كون التعبير بالجسم في القضية العامة من حيث عموم ما يحدث فيه النجاسة بالملاقاة لا من حيث تقوم النجاسة بالجسم نعم الفرق بين المتنجس و النجس أن الموضوع في النجس معلوم الانتفاء في ظاهر الدليل و في المتنجس محتمل البقاء لكن هذا المقدار لا يوجب الفرق بعد تبين أن العرف هو المحكم في موضوع الاستصحاب أ رأيت أنه لو حكم على الحنطة أو العنب بالحلية أو الحرمة أو النجاسة أو الطهارة هل يتأمل العرف في إجراء تلك الأحكام على الدقيق و الزبيب كما لا يتأملون في عدم جريان الاستصحاب في استحالة الخشب دخانا و الماء المتنجس بولا لمأكول اللحم خصوصا إذا اطلعوا على زوال النجاسة بالاستحالة.
كما أن العلماء أيضا لم يفرقوا في الاستحالة بين النجس و المتنجس كما لا يخفى على المتتبع بل جعل بعضهم الاستحالة مطهرة للمتنجس بالأولوية الجلية حتى تمسك بها في المقام من لا يقول بحجية مطلق الظن.
و مما ذكرنا ظهر وجه النظر فيما ذكره جماعة تبعا للفاضل الهندي قدس سره من أن الحكم في المتنجسات ليس دائرا مدار الاسم حتى يطهر بالاستحالة.
فالتحقيق أن مراتب تغير الصورة في الأجسام مختلفة بل الأحكام أيضا مختلفة ففي بعض مراتب التغير يحكم العرف بجريان دليل العنوان من غير حاجة إلى الاستصحاب و في بعض آخر لا يحكمون بذلك و يثبتون الحكم بالاستصحاب و في ثالث لا يجرون الاستصحاب أيضا من غير فرق في حكم النجاسة بين النجس و المتنجس.
فمن الأول ما لو حكم على الرطب أو العنب بالحلية أو الطهارة أو النجاسة فإن الظاهر جريان عموم أدلة هذه الأحكام للتمر و الزبيب فكأنهم يفهمون من الرطب و العنب الأعم مما جف منهما
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 696
فصار تمرا أو زبيبا مع أن الظاهر تغاير الاسمين و لهذا لو حلف على ترك أحدهما لم يحنث بأكل الآخر و الظاهر أنهم لا يحتاجون في إجراء الأحكام المذكورة إلى الاستصحاب.
و من الثاني إجراء حكم بول غير المأكول إذا صار بولا لمأكول و بالعكس و كذا صيرورة الخمر خلا و صيرورة الكلب أو الإنسان جمادا بالموت إلا أن الشارع حكم في بعض هذه الموارد بارتفاع الحكم السابق إما للنص كما في الخمر المستحيل خلا و إما لعموم دليل ما دل على حكم المنتقل إليه فإن الظاهر أن استفادة طهارة المستحال إليه إذا كان بولا لمأكول ليس من أصالة الطهارة بعد عدم جريان الاستصحاب بل هو من الدليل نظير استفادة نجاسة بول المأكول إذا صار بولا لغير المأكول.
و من الثالث استحالة العذرة أو الدهن المتنجس دخانا و المني حيوانا و لو نوقش في بعض الأمثلة المذكورة فالمثال غير عزيز على المتتبع المتأمل.
و مما ذكرنا يظهر أن معنى قولهم الأحكام تدور مدار الأسماء أنها تدور مدار أسماء موضوعاتها التي هي المعيار في وجودها و عدمها فإذا قال الشارع العنب حلال فإذ ثبت كون الموضوع هو مسمى هذا الاسم دار الحكم مداره فينتفي عند صيرورته زبيبا أما إذا علم من العرف أو غيره أن الموضوع هو الكلي الموجود في العنب المشترك بينه و بين الزبيب أو بينهما و بين العصير دار الحكم مداره أيضا.
نعم يبقى دعوى أن ظاهر اللفظ في مثل القضية المذكورة كون الموضوع هو العنوان و تقوم الحكم به المستلزم لانتفائه بانتفائه لكنك عرفت أن العناوين مختلفة و الأحكام أيضا مختلفة و قد تقدم حكاية بقاء نجاسة الخنزير المستحيل ملحا عن أكثر أهل العلم و اختيار الفاضلين له.
و دعوى احتياج استفادة غير ما ذكر من ظاهر اللفظ إلى القرينة الخارجية و إلا فظاهر اللفظ كون القضية ما دام الوصف العنواني لا تضرنا فيما نحن بصدده لأن المقصود مراعاة العرف في تشخيص الموضوع و عدم الاقتصار في ذلك على ما يقتضيه العقل على وجه الدقة و لا على ما يقتضيه الدليل اللفظي إذا كان العرف بالنسبة إلى القضية الخاصة على خلافه.
و حينئذ فيستقيم أن يراد من قولهم إن الأحكام تدور مدار الأسماء أن مقتضى ظاهر دليل الحكم تبعية ذلك الحكم لاسم الموضوع الذي علق عليه الحكم في ظاهر الدليل فيراد من هذه القضية تأسيس أصل قد يعدل عنه بقرينة فهم العرف أو غيره فافهم
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 697
الأمر الثاني مما يعتبر في تحقق الاستصحاب أن يكون في حال الشك متيقنا بوجود المستصحب في السابق حتى يكون شكه في البقاء.
فلو كان الشك في تحقق نفس ما تيقنه سابقا كأن تيقن عدالة زيد في زمان كيوم الجمعة مثلا ثم شك في نفس هذا المتيقن و هو عدالته يوم الجمعة بأن زال مدرك اعتقاده السابق فشك في مطابقته للواقع أو كونه جهلا مركبا لم يكن هذا من مورد الاستصحاب لغة و لا اصطلاحا أما الأول فلأن الاستصحاب في اللغة أخذ الشيء مصاحبا فلا بد من إحراز ذلك حتى يأخذه مصاحبا فإذا شك في حدوثه من أصله فلا استصحاب و أما اصطلاحا فلأنهم اتفقوا على أخذ الشك في البقاء أو ما يؤدي هذا المعنى في معنى الاستصحاب.
نعم لو ثبت أن الشك بعد اليقين بهذا المعنى ملغى في نظر الشارع فهي قاعدة أخرى مباينة للاستصحاب سنتكلم فيها بعد دفع توهم من توهم أن أدلة الاستصحاب تشملها و أن مدلولها لا يختص بالشك في البقاء بل الشك بعد اليقين ملغى مطلقا سواء تعلق بنفس ما تيقنه سابقا أم ببقائه.
(و أول من صرح بذلك الفاضل السبزواري في الذخيرة في مسألة من شك في بعض أفعال الوضوء حيث قال و التحقيق أنه إن فرغ من الوضوء متيقنا للإكمال ثم عرض له الشك فالظاهر عدم وجوب إعادة شيء (لصحيحة زرارة: و لا تنقض اليقين أبدا بالشك) انتهى.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 698
و لعله قدس سره تفطن له من كلام الحلي في السرائر حيث استدل على المسألة المذكورة بأنه لا يخرج عن حال الطهارة إلا على يقين من كمالها و ليس ينقض الشك اليقين انتهى) لكن هذا التعبير من الحلي لا يلزم أن يكون استفادة من أخبار عدم نقض اليقين بالشك.
و يقرب من هذا التعبير عبارة جماعة من القدماء لكن التعبير لا يلزم دعوى شمول الأخبار للقاعدتين على ما توهمه غير واحد من المعاصرين و إن اختلفوا بين مدع لانصرافها إلى خصوص الاستصحاب و بين منكر له عامل بعمومه.
و توضيح دفعه أن المناط في القاعدتين مختلف بحيث لا يجمعهما مناط واحد فإن مناط الاستصحاب هو اتحاد متعلق الشك و اليقين مع قطع النظر عن الزمان لتعلق الشك ببقاء ما تيقن سابقا و لازمه كون القضية المتيقنة أعني عدالة زيد يوم الجمعة متيقنة حين الشك أيضا من غير جهة الزمان و مناط هذه القاعدة اتحاد متعلقيهما من جهة الزمان و معناه كونه في الزمان اللاحق شاكا فيما تيقنه سابقا بوصف وجوده في السابق.
فإلغاء الشك في القاعدة الأولى عبارة عن الحكم ببقاء المتيقن سابقا من غير تعرض لحال حدوثه حيث إنه متيقن و في القاعدة الثانية هو الحكم بحدوث ما تيقن حدوثه من غير تعرض لحكم بقائه فقد يكون بقاؤه معلوما أو معلوم العدم أو مشكوكا.
و اختلاف مؤدى القاعدتين و إن لم يمنع من إرادتهما من كلام واحد بأن يقول الشارع إذا حصل شك بعد يقين فلا عبرة به سواء تعلق ببقائه أو بحدوثه و أحكم بالبقاء في الأول و بالحدوث في الثاني إلا أنه مانع عن إرادتهما في هذا المقام من قوله عليه السلام فليمض على يقينه فإن المضي على اليقين السابق المفروض تحققه في القاعدتين أعني عدالة زيد يوم الجمعة بمعنى الحكم بعدالته في ذلك اليوم من غير تعرض لعدالته فيما بعد كما هو مفاد القاعدة الثانية يغاير المضي عليه بمعنى عدالته بعد يوم الجمعة من غير تعرض لحال يوم الجمعة كما هو مفاد قاعدة الاستصحاب فلا يصح إرادة المعنيين منه.
فإن قلت إن معنى المضي على اليقين عدم التوقف من أجل الشك العارض و فرض الشك كعدمه و هذا يختلف باختلاف متعلق الشك فالمضي مع الشك في الحدوث بمعنى الحكم
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 699
بالحدوث و مع الشك في البقاء بمعنى الحكم به.
قلت لا ريب في اتحاد متعلقي الشك و اليقين و كون المراد المضي على ذلك اليقين المتعلق بما تعلق به الشك و المفروض أن ليس في السابق إلا يقين واحد و هو اليقين بعدالة زيد و الشك فيها و ليس له هنا فردان يتعلق أحدهما بالحدوث و الآخر بالبقاء و بعبارة أخرى عموم أفراد اليقين باعتبار الأمور الواقعية بعدالة زيد و فسق عمرو لا باعتبار ملاحظة اليقين بشيء واحد حتى ينحل اليقين بعدالة زيد إلى فردين يتعلق بكل منهما شك بل المراد الشك في نفس ما تيقن و حينئذ فإن اعتبر المتكلم في كلامه الشك في هذا المتيقن من دون تقييده بيوم الجمعة فالمضي على هذا اليقين عبارة عن الحكم باستمرار هذا المتيقن و إن اعتبر الشك فيه مقيدا بذلك اليوم فالمضي على ذلك المتيقن الذي تعلق به الشك عبارة عن الحكم بحدوثها من غير تعرض للبقاء كأنه قال من كان على يقين من عدالة زيد يوم الجمعة فشك فيها فليمض على يقينه السابق السابق يعنى يرتب آثار عدالة زيد فيه فالمضي على عدالة زيد و ترتيب آثاره يكون تارة بالحكم بعدالته في الزمان اللاحق و أخرى بالحكم بعدالته في ذلك الزمان المتيقن و هذان لا يجتمعان في الإرادة) و إن أردت توضيح الحال فافرض أنه قال من كان على يقين من عدالة زيد يوم الجمعة فشك فيها فليمض على يقينه السابق و المعنى أن من كان على يقين من شيء و شك في ذلك الشيء فليمض على يقينه بذلك الشيء فإن اعتبر اليقين السابق متعلقا بعدالة زيد من دون تقييدها بيوم الجمعة فالشك اللاحق فيه بهذا الاعتبار شك في بقائها و إن اعتبر متعلقا بعدالة زيد مقيدة بيوم الجمعة فالشك فيها بهذه الملاحظة شك في حدوثها.
و قس على هذا سائر الأخبار الدالة على عدم نقض اليقين بالشك فإن الظاهر اتحاد متعلق الشك و اليقين فلا بد أن يلاحظ المتيقن و المشكوك غير مقيدين بالزمان و إلا لم يجز استصحابه كما تقدم في رد شبهة من قال بتعارض الوجود و العدم في شيء واحد.
و المفروض في القاعدة الثانية كون الشك متعلقا بالمتيقن السابق بوصف وجوده في الزمان السابق و من المعلوم عدم جواز إرادة الاعتبارين من اليقين و الشك في تلك الأخبار.
و المفروض في القاعدة الثانية أن المتيقن السابق كعدالة زيد يوم الجمعة إن أخذت مقيدة بيوم الجمعة فمعنى عدم نقضه بالشك عدم نقضه بالشك بذلك اليوم و إن أخذت مطلقة عارضها الشك في وجودها في الزمان اللاحق.
و دعوى أن اليقين بكل من الاعتبارين فرد من اليقين و كذلك الشك المتعلق فرد من الشك فكل فرد لا ينقض بشكه مدفوعة بأن تعدد اللحاظ و الاعتبار في المتيقن به السابق
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 700
بأخذه تارة مقيدا بالزمان السابق و أخرى بأخذه مطلقا لا يوجب تعدد أفراد اليقين و ليس اليقين بتحقق مطلق العدالة في يوم الجمعة و اليقين بعدالته المقيدة بيوم الجمعة فردين من اليقين تحت عموم الخبر بل الخبر بمثابة أن يقال من كان على يقين من عدالة زيد أو فسقه أو غيرهما من حالاته فشك فيه فليمض على يقينه بذلك فافهم فإنه لا يخلو عن دقة.
ثم إذا ثبت عدم جواز إرادة المعنيين فلا بد أن يخص مدلولها بقاعدة الاستصحاب لورودها في موارد تلك القاعدة كالشك في الطهارة من الحدث و الخبث و دخول هلال شهر رمضان أو شوال.
هذا كله لو أريد من القاعدة الثانية إثبات نفس المتيقن عند الشك و هي عدالة زيد في يوم الجمعة مثلا أما لو أريد منها إثبات عدالته من يوم الجمعة مستمرة إلى زمان الشك و ما بعده إلى اليقين بطرو الفسق فيلزم استعمال الكلام في معنيين أيضا لأن الشك في عدالة زيد يوم الجمعة غير الشك في استمرارها إلى الزمان اللاحق و قد تقدم نظير ذلك في (قوله عليه السلام: كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر).
ثم لو سلمنا دلالة الروايات على ما يشمل القاعدتين لزم حصول التعارض في مدلول الرواية المسقط له عن الاستدلال به على القاعدة الثانية لأنه إذا شك في ما تيقن سابقا أعني عدالة زيد في يوم الجمعة فهذا معارض لفردين من اليقين أحدهما اليقين بعدالته المقيدة بيوم الجمعة الثاني اليقين بعدم عدالته المطلقة قبل يوم الجمعة فتدل بمقتضى القاعدة الثانية على عدم نقض اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة باحتمال انتفائها في ذلك الزمان و بمقتضى قاعدة الاستصحاب على عدم نقض اليقين بعدم عدالته قبل الجمعة باحتمال حدوثها في الجمعة فكل من طرفي الشك معارض لفرد من اليقين.
و دعوى أن اليقين السابق على الجمعة قد انتقض باليقين في الجمعة و القاعدة الثانية تثبت وجوب اعتبار هذا اليقين الناقض لليقين السابق مدفوعة بأن الشك الطارئ في عدالة زيد يوم الجمعة و عدمها عين الشك في انتقاض ذلك اليقين السابق و احتمال انتقاضه و عدمه معارضان لليقين بالعدالة و عدمها فلا يجوز لنا الحكم بالانتقاض و لا بعدمه.
ثم إن هذا من باب التنزل و المماشاة و إلا فالتحقيق ما ذكرناه من منع الشمول بالتقريب المتقدم مضافا إلى ما ربما يدعى من ظهور الأخبار في الشك في البقاء بقي الكلام في وجود مدرك للقاعدة الثانية غير هذه الأخبار فنقول
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 701
إن المطلوب من تلك القاعدة إما أن يكون إثبات حدوث المشكوك فيه و بقاؤه مستمرا إلى اليقين بارتفاعه و إما أن يكون مجرد حدوثه في الزمان السابق بدون إثباته بعده بأن يراد إثبات عدالة زيد في يوم الجمعة فقط و إما أن يراد مجرد إمضاء الآثار التي ترتبت عليها سابقا و صحة الأعمال الماضية المتفرعة عليه فإذا تيقن الطهارة سابقا و صلى بها ثم شك في طهارته في ذلك الزمان فصلاته ماضية.
فإن أريد الأول فالظاهر عدم دليل يدل عليه إذ قد عرفت أنه لو سلم اختصاص الأخبار المعتبرة لليقين السابق بهذه القاعدة لم يمكن أن يراد منه إثبات حدوث العدالة و بقائها لأن لكل من الحدوث و البقاء شكا مستقلا نعم لو فرض القطع ببقائها على تقدير الحدوث أمكن أن يقال إنه إذا ثبت حدوث العدالة بهذه القاعدة ثبت بقاؤها للعلم ببقائها على تقدير الحدوث لكنه لا يتم إلا على الأصل المثبت فهو تقدير على تقدير.
و ربما يتوهم الاستدلال لإثبات هذا المطلب بما دل على عدم الاعتناء بالشك في الشيء بعد تجاوز محله لكنه فاسد لأنه على تقدير الدلالة لا يدل على استمرار المشكوك لأن الشك في الاستمرار ليس شكا بعد تجاوز المحل.
و أضعف منه الاستدلال له بما سيجيء من دعوى أصالة الصحة في اعتقاد المسلم مع أنه كالأول في عدم إثباته الاستمرار و كيف كان فلا مدرك لهذه القاعدة بهذا المعنى.
و ربما فصل بعض الأساطين بين ما إذا علم مدرك الاعتقاد بعد زواله و أنه غير قابل للاستناد إليه و بين ما إذا لم يذكره كما إذا علم أنه اعتقد في زمان بطهارة ثوبه أو نجاسته ثم غاب المستند و غفل زمانا فشك في طهارته و نجاسته فيبني على معتقده هنا لا في الصورة الأولى و هو و إن كان أجود من الإطلاق لكن إتمامه بالدليل مشكل.
و إن أريد بها الثاني فلا مدرك له بعد عدم دلالة أخبار الاستصحاب إلا ما تقدم من أخبار عدم الاعتناء بالشك بعد تجاوز المحل لكنها لو تمت فإنما تنفع في الآثار المترتبة عليه سابقا فلا يثبت بها إلا صحة ما ترتبت عليها و أما إثبات نفس ما اعتقده سابقا حتى يترتب عليه بعد ذلك الآثار المترتبة على عدالة زيد يوم الجمعة و طهارة ثوبه في الوقت السابق فلا فضلا عن إثبات مقارناته الغير الشرعية مثل كونها على تقدير الحدوث باقية.
و إن أريد بها الثالث فله وجه بناء على تمامية قاعدة الشك بعد الفراغ و تجاوز المحل فإذا صلى بالطهارة المعتقدة ثم شك في صحة اعتقاده و كونه متطهرا في ذلك الزمان بنى على صحة
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 702
الصلاة لكنه ليس من جهة اعتبار الاعتقاد السابق و لذا لو فرض في السابق غافلا غير معتقد لشيء من الطهارة و الحدث بنى على الصحة أيضا من جهة أن الشك في الصلاة بعد الفراغ منها لا اعتبار به على المشهور بين الأصحاب خلافا لجماعة من متأخري المتأخرين كصاحب المدارك و كاشف اللثام حيث منعا البناء على صحة الطواف إذا شك بعد الفراغ في كونه مع الطهارة و الظاهر كما يظهر من الأخير أنهم يمنعون القاعدة المذكورة في غير أجزاء العمل و لعل بعض الكلام في ذلك سيجيء في مسألة أصالة الصحة في الأفعال إن شاء الله.
و حاصل الكلام في هذا المقام هو أنه إذا اعتقد المكلف قصورا أو تقصيرا بشيء في زمان موضوعا كان أو حكما اجتهاديا أو تقليديا ثم زال اعتقاده فلا ينفع اعتقاده السابق في ترتب آثار المعتقد بل يرجع بعد زوال الاعتقاد إلى ما يقتضيه الأصول بالنسبة إلى نفس المعتقد و إلى الآثار المترتبة عليه سابقا أو لاحقا
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 703
الثالث أن يكون كل من بقاء ما أحرز حدوثه سابقا و ارتفاعه غير معلوم
فلو علم أحدهما فلا استصحاب و هذا مع العلم بالبقاء أو الارتفاع واقعا من دليل قطعي واقعي واضح و إنما الكلام فيما أقامه الشارع مقام العلم بالواقع فإن الشك الواقعي في البقاء و الارتفاع لا يزول معه و لا ريب في العمل به دون الحالة السابقة.
لكن الشأن في أن العمل به من باب تخصيص أدلة الاستصحاب أو من باب التخصص الظاهر أنه من باب حكومة أدلة تلك الأمور على أدلة الاستصحاب و ليس تخصيصا بمعنى رفع اليد عن عموم أدلة الاستصحاب في بعض الموارد كما ترفع اليد عنها في مسألة الشك بين الثلاث و الأربع و نحوها بما دل على وجوب البناء على الأكثر و لا تخصصا بمعنى خروج المورد بمجرد وجود الدليل عن مورد الاستصحاب لأن هذا مختص بالدليل العلمي المزيل وجوده للشك المأخوذ في مجرى الاستصحاب.
و معنى الحكومة على ما سيجيء في باب التعارض و التراجيح أن يحكم الشارع في ضمن دليل بوجوب رفع اليد عما يقتضيه الدليل الآخر لو لا هذا الدليل الحاكم أو بوجوب العمل في مورد بحكم لا يقتضيه دليله لو لا الدليل الحاكم و سيجيء توضيحه إن شاء الله تعالى.
و حاصله تنزيل شيء خارج عن موضوع دليل منزلة ذلك الموضوع في ترتيب أحكامه عليه أو داخل في موضوع منزلة الخارج منه في عدم ترتيب أحكامه عليه و قد اجتمع كلا الاعتبارين في حكومة الأدلة الغير العلمية على الاستصحاب مثلا.
ففي ما نحن فيه إذا قال الشارع اعمل بالبينة في نجاسة ثوبك و المفروض أن الشك موجود مع قيام البينة على نجاسة الثوب فإن الشارع جعل الاحتمال المخالف للبينة كالعدم فكأنه قال
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 704
لا تحكم على هذا الشك بحكمه المقرر في قاعدة الاستصحاب و افرضه كالمعدوم.
و ربما يجعل العمل بالأدلة في مقابل الاستصحاب من باب التخصيص بناء على أن المراد من الشك عدم الدليل و الطريق و التحير في العمل و مع قيام الدليل الاجتهادي لا حيرة و إن شئت قلت إن المفروض دليلا قطعي الاعتبار فنقض الحالة السابقة به نقض باليقين.
و فيه أنه لا يرتفع التحير و لا يصير الدليل الاجتهادي قطعي الاعتبار في خصوص مورد الاستصحاب إلا بعد إثبات كون مؤداه حاكما على مؤدى الاستصحاب و إلا أمكن أن يقال إن مؤدى الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بارتفاعها سواء كان هناك الأمارة الفلانية أم لا و مؤدى دليل تلك الأمارة وجوب العمل بمؤداه خالف الحالة السابقة أم لا و لا يندفع مغالطة هذا الكلام إلا بما ذكرنا من طريق الحكومة كما لا يخفى.
و كيف كان فجعل بعضهم عدم الدليل الاجتهادي على خلاف الحالة السابقة من شرائط العمل بالاستصحاب لا يخلو عن مسامحة لأن مرجع ذلك بظاهره إلى عدم المعارض لعموم لا تنقض كما في مسألة البناء على الأكثر لكنه ليس مراد هذا المشترط قطعا بل مراده عدم الدليل على ارتفاع الحالة السابقة.
و لعل ما أورده عليه المحقق القمي قدس سره من أن الاستصحاب أيضا أحد من الأدلة فقد يرجح عليه الدليل و قد يرجح على الدليل و قد لا يرجح أحدهما على الآخر (قال قدس سره و لذا ذكر بعضهم في مال المفقود أنه في حكم ماله حتى يحصل العلم العادي بموته استصحابا لحياته مع وجود الروايات المعتبرة المعمول بها عند بعضهم بل عند جمع من المحققين الدالة على وجوب الفحص أربع سنين) مبني على ظاهر كلامه من إرادة العمل بعموم لا تنقض.
و أما على ما جزمنا به من أن مراده عدم ما يدل علما أو ظنا على ارتفاع الحالة السابقة فلا وجه لورود ذلك لأن الاستصحاب إن أخذ من باب التعبد فقد عرفت حكومة أدلة جميع الأمارات الاجتهادية على دليله و إن أخذ من باب الظن فالظاهر أنه لا تأمل لأحد في أن المأخوذ في إفادته للظن عدم وجود أمارة في مورده على خلافه (و لذا ذكر العضدي في دليله أن ما كان سابقا و لم يظن عدمه فهو مظنون البقاء)
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 705
و لما ذكرنا لم نر أحدا من العلماء قدم الاستصحاب على أمارة مخالفة له بعد اعترافه بحجيتها لو لا الاستصحاب لا في الأحكام و لا في الموضوعات.
و أما ما استشهد به قدس سره من عمل بعض الأصحاب بالاستصحاب في مال المفقود و طرح ما دل على وجوب الفحص أربع سنين و الحكم بموته بعده فلا دخل له بما نحن فيه لأن تلك الأخبار ليست أدلة في مقابل استصحاب حياة المفقود و إنما المقابل له قيام دليل معتبر على موته و هذه الأخبار على تقدير تماميتها مخصصة لعموم أدلة الاستصحاب دالة على وجوب البناء على موت المفقود بعد الفحص نظير ما دل على وجوب البناء على الأكثر مع الشك في عدد الركعات فمن عمل بها خصص بها عمومات الاستصحاب و من طرحها لقصور فيها بقي أدلة الاستصحاب عنده على عمومها.
ثم المراد بالدليل الاجتهادي كل أمارة اعتبرها الشارع من حيث إنها تحكي عن الواقع و تكشف عنه بالقوة و تسمى في نفس الأحكام أدلة اجتهادية و في الموضوعات أمارات معتبرة.
فما كان مما نصبه الشارع غير ناظر إلى الواقع أو كان ناظرا لكن فرض أن الشارع اعتبره لا من هذه الحيثية بل من حيث مجرد احتمال مطابقته للواقع فليس اجتهاديا بل هو من الأصول و إن كان مقدما على بعض الأصول الأخر و الظاهر أن الاستصحاب و القرعة من هذا القبيل.
و مصاديق الأدلة و الأمارات في الأحكام و الموضوعات واضحة غالبا و قد تختفي فيتردد الشيء بين كونه دليلا و بين كونه أصلا لاختفاء كون اعتباره من حيث كونه ناظرا إلى الواقع أو من حيث هو كما في كون اليد المنصوبة دليلا على الملك و كذلك أصالة الصحة عند الشك في عمل نفسه بعد الفراغ و أصالة الصحة في عمل الغير و قد يعلم عدم كونه ناظرا إلى الواقع و كاشفا عنه و أنه من القواعد التعبدية لكن يختفي حكومته مع ذلك على الاستصحاب لأنا قد ذكرنا أنه قد يكون الشيء الغير الكاشف منصوبا من حيث تنزيل الشارع الاحتمال المطابق له منزلة الواقع إلا أن الاختفاء في تقديم أحد التنزيلين على الآخر و حكومته عليه.
حوزوی کتب
رسائل حصہ سوم
المقام الثاني في (الاستصحاب
بقي الكلام في أمور
السادس في تقسيم الاستصحاب إلى أقسام
[أدلة حجية الاستصحاب]
[أدلة الأقوال في الاستصحاب]
حجة من أنكر اعتبار الاستصحاب في الأمور الخارجية
حجة القول السادس
حجة القول الثامن
حجة القول التاسع
حجة القول الحادي عشر
و ينبغي التنبيه على أمور.
الأمر الثاني
الأمر الثالث
الأمر السادس
الأمر السابع
الأمر التاسع
الأمر العاشر.
خاتمة
تقديم الاستصحاب على الأصول الثلاثة.
المسألة الثالثة في أصالة الصحة في فعل الغير
المقام الثاني في بيان تعارض الاستصحاب مع القرعة
و أما الكلام في تعارض الاستصحابين
و أما القسم الثاني و هو ما إذا كان الشك في كليهما مسببا عن أمر ثالث
خاتمة في التعادل و الترجيح
المقام الأول في المتكافئين
المقام الثاني في التراجيح
المقام الثالث في عدم جواز الاقتصار على المرجحات المنصوصة
المقام الرابع في بيان المرجحات
بقي في المقام شيء
مرجحات الرواية من الجهات الأخر
بقي في هذا المقام أمور
المقام الثالث
بقي هنا شيء
المصادر
رسائل حصہ سوم
خاتمة
ذكر بعضهم للعمل بالاستصحاب شروطا كبقاء الموضوع و عدم المعارض و وجوب الفحص و التحقيق رجوع الكل إلى شروط جريان الاستصحاب و توضيح ذلك أنك قد عرفت أن الاستصحاب عبارة عن إبقاء ما شك في بقائه و هذا لا يتحقق إلا مع الشك في بقاء القضية المحققة في السابق بعينها في الزمان اللاحق و الشك على هذا الوجه لا يتحقق إلا بأمور.
الأول بقاء الموضوع في الزمان اللاحق و المراد به معروض المستصحب
فإذا أريد استصحاب قيام زيد أو وجوده فلا بد من تحقق زيد في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضا في السابق سواء كان تحققه في السابق بتقرره ذهنا أو بوجوده خارجا فزيد معروض للقيام في السابق بوصف وجوده الخارجي و للوجود بوصف تقرره ذهنا لا وجوده الخارجي.
و بهذا اندفع ما استشكله بعض في أمر كلية اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب بانتقاضها باستصحاب وجود الموجودات عند الشك في بقائها زعما منه أن المراد ببقائه وجوده الخارجي الثانوي و غفلة عن أن المراد وجوده الثانوي على نحو وجوده الأولى الصالح لأن يحكم عليه بالمستصحب و بنقيضه و إلا لم يجز أن يحمل عليه المستصحب في الزمان السابق فالموضوع في استصحاب حياة زيد هو زيد القابل لأن يحكم عليه بالحياة تارة و بالموت أخرى و هذا المعنى لا شك في تحققه عند الشك في بقاء حياته.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص:
691 ثم الدليل على اعتبار هذا الشرط في جريان الاستصحاب واضح لأنه لو لم يعلم تحققه لاحقا فإذا أريد إبقاء المستصحب العارض له المتقوم به فإما أن يبقى في غير محل و موضوع و هو محال و إما أن يبقى في موضوع غير الموضوع السابق.
و من المعلوم أن هذا ليس إبقاء لنفس ذلك العارض و إنما هو حكم بحدوث عارض مثله في موضوع جديد فيخرج عن الاستصحاب بل حدوثه للموضوع الجديد كان مسبوقا بالعدم فهو المستصحب دون وجوده و بعبارة أخرى بقاء المستصحب لا في موضوع محال و كذا في موضوع آخر إما لاستحالة انتقال العرض و إما لأن المتيقن سابقا وجوده في الموضوع السابق و الحكم بعدم ثبوته لهذا الموضوع الجديد ليس نقضا للمتيقن السابق.
و مما ذكرنا يعلم أن المعتبر هو العلم ببقاء الموضوع و لا يكفي احتمال البقاء إذ لا بد من العلم بكون الحكم بوجود المستصحب إبقاء و الحكم بعدمه نقضا.
فإن قلت إذا كان الموضوع محتمل البقاء فيجوز إحرازه في الزمان اللاحق بالاستصحاب.
قلت لا مضايقة من جواز استصحابه في بعض الصور إلا أنه لا ينفع في استصحاب الحكم المحمول عليه.
بيان ذلك أن الشك في بقاء الحكم الذي يراد استصحابه إما أن يكون مسببا من سبب غير الشك في بقاء ذلك الموضوع المشكوك البقاء مثل أن يشك في عدالة مجتهده مع الشك في حياته و إما أن يكون مسببا عنه.
فإن كان الأول فلا إشكال في استصحاب الموضوع عند الشك لكن استصحاب الحكم كالعدالة مثلا لا يحتاج إلى إبقاء حياة زيد لأن موضوع العدالة زيد على تقدير الحياة إذ لا شك فيها إلا على فرض الحياة فالذي يراد استصحابه هو عدالته على تقدير الحياة و بالجملة فهنا مستصحبان لكل منهما موضوع على حدة حياة زيد و عدالته على تقدير الحياة و لا يعتبر في الثاني إثبات الحياة.
و على الثاني فالموضوع إما أن يكون معلوما معينا شك في بقائه كما إذا علم أن الموضوع لنجاسة الماء هو الماء بوصف التغير و للمطهرية هو الماء بوصف الكرية و الإطلاق ثم شك في بقاء تغير الماء الأول و كرية الماء الثاني أو إطلاقه و إما أن يكون غير معين بل مرددا بين أمر معلوم البقاء و آخر معلوم الارتفاع كما إذا لم يعلم أن الموضوع للنجاسة هو الماء الذي حدث فيه التغير آناً ما أو الماء المتلبس بالتغير و كما إذا شككنا في أن النجاسة محمولة على الكلب بوصف أنه كلب
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 692
أو المشترك بين الكلب و بين ما يستحال إليه من الملح أو غيره أما الأول فلا إشكال في استصحاب الموضوع و قد عرفت في مسألة الاستصحاب في الأمور الخارجية أن استصحاب الموضوع حقيقة ترتيب الأحكام الشرعية المحمولة على ذلك الموضوع الموجود واقعا فحقيقة استصحاب التغير و الكرية و الإطلاق في الماء ترتيب أحكامها المحمولة عليها كالنجاسة في الأول و المطهرية في الآخرين.
فمجرد استصحاب الموضوع يوجب إجراء الأحكام فلا مجال لاستصحاب الأحكام حينئذ لارتفاع الشك بل لو أريد استصحابها لم يجر لأن صحة استصحاب النجاسة مثلا ليس من أحكام التغير الواقعي حتى يثبت باستصحابه لأن أثر التغير الواقعي هي النجاسة الواقعية لا استصحابها إذ مع فرض التغير لا شك في النجاسة.
مع أن قضية ما ذكرنا من الدليل على اشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب حكم العقل باشتراط بقائه فيه فالتغير الواقعي إنما يجوز استصحاب النجاسة له بحكم العقل فهذا الحكم أعني ترتب الاستصحاب على بقاء الموضوع ليس أمرا جعليا حتى يترتب على وجوده الاستصحابي فتأمل.
و على الثاني فلا مجال لاستصحاب الموضوع و لا الحكم.
أما الأول ف لأن أصالة بقاء الموضوع لا يثبت كون هذا الأمر الباقي متصفا بالموضوعية إلا بناء على القول بالأصل المثبت كما تقدم في أصالة بقاء الكر المثبتة الكرية المشكوك بقاؤه على الكرية و على هذا القول فحكم هذا القسم حكم القسم الأول و أما أصالة بقاء الموضوع بوصف كونه موضوعا فهو في معنى استصحاب الحكم لأن صفة الموضوعية للموضوع ملازم لإنشاء الحكم من الشارع باستصحابه.
و أما استصحاب الحكم ف لأنه كان ثابتا لأمر لا يعلم بقاؤه و بقاؤه قائما بهذا الموجود الباقي ليس قياما بنفس ما قام به أولا حتى يكون إثباته إبقاء و نفيه نقضا.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنه كثيرا ما يقع الشك في الحكم من جهة الشك في أن موضوعه و محله هو الأمر الزائل و لو بزوال قيده المأخوذ في موضوعيته حتى يكون الحكم مرتفعا أو هو الأمر الباقي و الزائل ليس موضوعا و لا مأخوذا فيه فلو فرض شك في الحكم كان من جهة أخرى غير الموضوع كما يقال إن حكم النجاسة في الماء المتغير موضوعه نفس الماء و التغير علة محدثة للحكم فيشك في عليته للبقاء.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 693
فلا بد من ميزان يميز به القيود المأخوذة في الموضوع عن غيرها و هو أحد أمور الأول العقل فيقال إن مقتضاه كون جميع القيود قيودا للموضوع مأخوذة فيه فيكون الحكم ثابتا لأمر واحد ليجمعها و ذلك لأن كل قضية و إن كثرت قيودها المأخوذة فيها راجعة في الحقيقة إلى موضوع واحد و محمول واحد فإذا شك في ثبوت الحكم السابق بعد زوال بعض تلك القيود سواء علم كونه قيدا للموضوع أو للمحمول أو لم يعلم أحدهما فلا يجوز الاستصحاب لأنه إثبات عين الحكم السابق لعين الموضوع السابق و لا يصدق هذا مع الشك في أحدهما نعم لو شك بسبب تغير الزمان المجعول ظرفا للحكم كالخيار لم يقدح جريان الاستصحاب لأن الاستصحاب مبني على إلغاء خصوصية الزمان الأول فالاستصحاب في الحكم الشرعي لا يجري إلا في الشك من جهة الرافع ذاتا أو وصفا و فيما كان من جهة مدخلية الزمان نعم يجري في الموضوعات الخارجية بأسرها ثم لو لم يعلم مدخلية القيود في الموضوع كفى في عدم جريان الاستصحاب الشك في بقاء الموضوع على ما عرفت مفصلا.
الثاني أن يرجع في معرفة الموضوع للأحكام إلى الأدلة و يفرق بين قوله الماء المتغير نجس و بين قوله الماء يتنجس إذا تغير فيجعل الموضوع في الأول الماء المتلبس بالتغير فيزول الحكم بزواله و في الثاني نفس الماء فيستصحب النجاسة لو شك في مدخلية التغير في بقائها و هكذا و على هذا فلا يجري الاستصحاب فيما كان الشك من غير جهة الرافع إذا كان الدليل غير لفظي لا يتميز فيه الموضوع لاحتمال مدخلية القيد الزائل فيه الثالث أن يرجع في ذلك إلى العرف فكل مورد يصدق عرفا أن هذا كان كذا سابقا جرى فيه الاستصحاب و إن كان المشار إليه لا يعلم بالتدقيق أو بملاحظة الأدلة كونه موضوعا بل علم عدمه.
مثلا قد ثبت بالأدلة أن الإنسان طاهر و الكلب نجس فإذا ماتا و اطلع أهل العرف على حكم الشارع عليهما بعد الموت فيحكمون بارتفاع طهارة الأول و بقاء نجاسة الثاني مع عدم صدق الارتفاع و البقاء فيهما بحسب التدقيق لأن الطهارة و النجاسة كانتا محمولتين على الحيوانين المذكورين و قد ارتفعت الحيوانية بعد صيرورته جمادا. و نحوه حكم العرف باستصحاب بقاء الزوجية بعد موت أحد الزوجين و قد تقدم حكم العرف ببقاء كرية ما كان كرا سابقا و وجوب الأجزاء الواجبة سابقا قبل تعذر بعضها و استصحاب السواد فيما علم زوال مرتبة معينة منه و يشك في تبدله بالبياض أو بسواد خفيف إلى
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 694
غير ذلك.
(و بهذا الوجه يصح للفاضلين قدس سرهما في المعتبر و المنتهى الاستدلال على بقاء نجاسة الأعيان النجسة بعد الاستحالة بأن النجاسة قائمة بالأعيان النجسة لا بأوصاف الأجزاء فلا تزول بتغير أوصاف محلها و تلك الأجزاء باقية فتكون النجاسة باقية لانتفاء ما يقتضي ارتفاعها انتهى كلام المعتبر) (و احتج فخر الدين للنجاسة بأصالة بقائها و بأن الاسم أمارة و معرف فلا يزول الحكم بزواله انتهى) و هذه الكلمات و إن كانت محل الإيراد لعدم ثبوت قيام حكم الشارع بالنجاسة بجسم الكلب المشترك بين الحيوان و الجماد بل ظاهر عدمه لأن ظاهر الأدلة تبعية الأحكام للأسماء كما اعترف به في المنتهى في استحالة الأعيان النجسة إلا أنه شاهد على إمكان اعتبار موضوعية الذات المشتركة بين واجد الوصف العنواني و فاقده كما ذكرنا في نجاسة الكلب بالموت حيث إن أهل العرف لا يفهمون نجاسة أخرى حاصلة بالموت و يفهمون ارتفاع طهارة الإنسان إلى غير ذلك مما يفهمون الموضوع فيه مشتركا بين الواجد للوصف العنواني و الفاقد.
ثم إن بعض المتأخرين فرق بين استحالة نجس العين و المتنجس فحكم بطهارة الأول لزوال الموضوع دون الثاني لأن موضوع النجاسة ليس عنوان المستحيل أعني الخشب مثلا و إنما هو الجسم و لم يزل بالاستحالة.
و هو حسن في بادي النظر إلا أن دقيق النظر يقتضي خلافه إذ لم يعلم أن النجاسة في المتنجسات محمولة على الصورة الجنسية و هي الجسم و إن اشتهر في الفتاوى و معاقد الإجماعات أن كل جسم لاقى نجسا مع رطوبة أحدهما فهو نجس إلا أنه لا يخفى على المتأمل أن التعبير بالجسم لأداء عموم الحكم لجميع الأجسام الملاقية من حيث سببية الملاقاة للنجس لا لبيان إناطة الحكم بالجسمية و بتقرير آخر الحكم ثابت لأشخاص الجسم فلا ينافي ثبوته لكل واحد منها من حيث نوعه و صنفه المتقوم به عند الملاقاة.
فقولهم كل جسم لاقى نجسا فهو نجس لبيان حدوث النجاسة في الجسم بسبب الملاقاة من غير تعرض للمحل الذي يتقوم به كما إذا قال القائل إن كل جسم له خاصية و تأثير مع
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 695
كون الخواص و التأثيرات من عوارض الأنواع.
و إن أبيت إلا عن ظهور معقد الإجماع في تقوم النجاسة بالجسم فنقول لا إشكال أن مستند هذا العموم هي الأدلة الخاصة الواردة في الأشخاص الخاصة مثل الثوب و البدن و الماء و غير ذلك فاستنباط القضية الكلية المذكورة منها ليس إلا من حيث عنوان حدوث النجاسة لا ما يتقوم به و إلا فاللازم إناطة النجاسة في كل مورد بالعنوان المذكور في دليله.
و دعوى أن ثبوت الحكم لكل عنوان خاص من حيث كونه جسما ليست بأولى من دعوى كون التعبير بالجسم في القضية العامة من حيث عموم ما يحدث فيه النجاسة بالملاقاة لا من حيث تقوم النجاسة بالجسم نعم الفرق بين المتنجس و النجس أن الموضوع في النجس معلوم الانتفاء في ظاهر الدليل و في المتنجس محتمل البقاء لكن هذا المقدار لا يوجب الفرق بعد تبين أن العرف هو المحكم في موضوع الاستصحاب أ رأيت أنه لو حكم على الحنطة أو العنب بالحلية أو الحرمة أو النجاسة أو الطهارة هل يتأمل العرف في إجراء تلك الأحكام على الدقيق و الزبيب كما لا يتأملون في عدم جريان الاستصحاب في استحالة الخشب دخانا و الماء المتنجس بولا لمأكول اللحم خصوصا إذا اطلعوا على زوال النجاسة بالاستحالة.
كما أن العلماء أيضا لم يفرقوا في الاستحالة بين النجس و المتنجس كما لا يخفى على المتتبع بل جعل بعضهم الاستحالة مطهرة للمتنجس بالأولوية الجلية حتى تمسك بها في المقام من لا يقول بحجية مطلق الظن. و مما ذكرنا ظهر وجه النظر فيما ذكره جماعة تبعا للفاضل الهندي قدس سره من أن الحكم في المتنجسات ليس دائرا مدار الاسم حتى يطهر بالاستحالة.
فالتحقيق أن مراتب تغير الصورة في الأجسام مختلفة بل الأحكام أيضا مختلفة ففي بعض مراتب التغير يحكم العرف بجريان دليل العنوان من غير حاجة إلى الاستصحاب و في بعض آخر لا يحكمون بذلك و يثبتون الحكم بالاستصحاب و في ثالث لا يجرون الاستصحاب أيضا من غير فرق في حكم النجاسة بين النجس و المتنجس. فمن الأول ما لو حكم على الرطب أو العنب بالحلية أو الطهارة أو النجاسة فإن الظاهر جريان عموم أدلة هذه الأحكام للتمر و الزبيب فكأنهم يفهمون من الرطب و العنب الأعم مما جف منهما
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 696
فصار تمرا أو زبيبا مع أن الظاهر تغاير الاسمين و لهذا لو حلف على ترك أحدهما لم يحنث بأكل الآخر و الظاهر أنهم لا يحتاجون في إجراء الأحكام المذكورة إلى الاستصحاب.
و من الثاني إجراء حكم بول غير المأكول إذا صار بولا لمأكول و بالعكس و كذا صيرورة الخمر خلا و صيرورة الكلب أو الإنسان جمادا بالموت إلا أن الشارع حكم في بعض هذه الموارد بارتفاع الحكم السابق إما للنص كما في الخمر المستحيل خلا و إما لعموم دليل ما دل على حكم المنتقل إليه فإن الظاهر أن استفادة طهارة المستحال إليه إذا كان بولا لمأكول ليس من أصالة الطهارة بعد عدم جريان الاستصحاب بل هو من الدليل نظير استفادة نجاسة بول المأكول إذا صار بولا لغير المأكول.
و من الثالث استحالة العذرة أو الدهن المتنجس دخانا و المني حيوانا و لو نوقش في بعض الأمثلة المذكورة فالمثال غير عزيز على المتتبع المتأمل.
و مما ذكرنا يظهر أن معنى قولهم الأحكام تدور مدار الأسماء أنها تدور مدار أسماء موضوعاتها التي هي المعيار في وجودها و عدمها فإذا قال الشارع العنب حلال فإذ ثبت كون الموضوع هو مسمى هذا الاسم دار الحكم مداره فينتفي عند صيرورته زبيبا أما إذا علم من العرف أو غيره أن الموضوع هو الكلي الموجود في العنب المشترك بينه و بين الزبيب أو بينهما و بين العصير دار الحكم مداره أيضا.
نعم يبقى دعوى أن ظاهر اللفظ في مثل القضية المذكورة كون الموضوع هو العنوان و تقوم الحكم به المستلزم لانتفائه بانتفائه لكنك عرفت أن العناوين مختلفة و الأحكام أيضا مختلفة و قد تقدم حكاية بقاء نجاسة الخنزير المستحيل ملحا عن أكثر أهل العلم و اختيار الفاضلين له.
و دعوى احتياج استفادة غير ما ذكر من ظاهر اللفظ إلى القرينة الخارجية و إلا فظاهر اللفظ كون القضية ما دام الوصف العنواني لا تضرنا فيما نحن بصدده لأن المقصود مراعاة العرف في تشخيص الموضوع و عدم الاقتصار في ذلك على ما يقتضيه العقل على وجه الدقة و لا على ما يقتضيه الدليل اللفظي إذا كان العرف بالنسبة إلى القضية الخاصة على خلافه.
و حينئذ فيستقيم أن يراد من قولهم إن الأحكام تدور مدار الأسماء أن مقتضى ظاهر دليل الحكم تبعية ذلك الحكم لاسم الموضوع الذي علق عليه الحكم في ظاهر الدليل فيراد من هذه القضية تأسيس أصل قد يعدل عنه بقرينة فهم العرف أو غيره فافهم
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 697
الأمر الثاني مما يعتبر في تحقق الاستصحاب أن يكون في حال الشك متيقنا بوجود المستصحب في السابق حتى يكون شكه في البقاء.
فلو كان الشك في تحقق نفس ما تيقنه سابقا كأن تيقن عدالة زيد في زمان كيوم الجمعة مثلا ثم شك في نفس هذا المتيقن و هو عدالته يوم الجمعة بأن زال مدرك اعتقاده السابق فشك في مطابقته للواقع أو كونه جهلا مركبا لم يكن هذا من مورد الاستصحاب لغة و لا اصطلاحا أما الأول فلأن الاستصحاب في اللغة أخذ الشيء مصاحبا فلا بد من إحراز ذلك حتى يأخذه مصاحبا فإذا شك في حدوثه من أصله فلا استصحاب و أما اصطلاحا فلأنهم اتفقوا على أخذ الشك في البقاء أو ما يؤدي هذا المعنى في معنى الاستصحاب.
نعم لو ثبت أن الشك بعد اليقين بهذا المعنى ملغى في نظر الشارع فهي قاعدة أخرى مباينة للاستصحاب سنتكلم فيها بعد دفع توهم من توهم أن أدلة الاستصحاب تشملها و أن مدلولها لا يختص بالشك في البقاء بل الشك بعد اليقين ملغى مطلقا سواء تعلق بنفس ما تيقنه سابقا أم ببقائه.
(و أول من صرح بذلك الفاضل السبزواري في الذخيرة في مسألة من شك في بعض أفعال الوضوء حيث قال و التحقيق أنه إن فرغ من الوضوء متيقنا للإكمال ثم عرض له الشك فالظاهر عدم وجوب إعادة شيء (لصحيحة زرارة: و لا تنقض اليقين أبدا بالشك) انتهى.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 698
و لعله قدس سره تفطن له من كلام الحلي في السرائر حيث استدل على المسألة المذكورة بأنه لا يخرج عن حال الطهارة إلا على يقين من كمالها و ليس ينقض الشك اليقين انتهى) لكن هذا التعبير من الحلي لا يلزم أن يكون استفادة من أخبار عدم نقض اليقين بالشك.
و يقرب من هذا التعبير عبارة جماعة من القدماء لكن التعبير لا يلزم دعوى شمول الأخبار للقاعدتين على ما توهمه غير واحد من المعاصرين و إن اختلفوا بين مدع لانصرافها إلى خصوص الاستصحاب و بين منكر له عامل بعمومه.
و توضيح دفعه أن المناط في القاعدتين مختلف بحيث لا يجمعهما مناط واحد فإن مناط الاستصحاب هو اتحاد متعلق الشك و اليقين مع قطع النظر عن الزمان لتعلق الشك ببقاء ما تيقن سابقا و لازمه كون القضية المتيقنة أعني عدالة زيد يوم الجمعة متيقنة حين الشك أيضا من غير جهة الزمان و مناط هذه القاعدة اتحاد متعلقيهما من جهة الزمان و معناه كونه في الزمان اللاحق شاكا فيما تيقنه سابقا بوصف وجوده في السابق.
فإلغاء الشك في القاعدة الأولى عبارة عن الحكم ببقاء المتيقن سابقا من غير تعرض لحال حدوثه حيث إنه متيقن و في القاعدة الثانية هو الحكم بحدوث ما تيقن حدوثه من غير تعرض لحكم بقائه فقد يكون بقاؤه معلوما أو معلوم العدم أو مشكوكا.
و اختلاف مؤدى القاعدتين و إن لم يمنع من إرادتهما من كلام واحد بأن يقول الشارع إذا حصل شك بعد يقين فلا عبرة به سواء تعلق ببقائه أو بحدوثه و أحكم بالبقاء في الأول و بالحدوث في الثاني إلا أنه مانع عن إرادتهما في هذا المقام من قوله عليه السلام فليمض على يقينه فإن المضي على اليقين السابق المفروض تحققه في القاعدتين أعني عدالة زيد يوم الجمعة بمعنى الحكم بعدالته في ذلك اليوم من غير تعرض لعدالته فيما بعد كما هو مفاد القاعدة الثانية يغاير المضي عليه بمعنى عدالته بعد يوم الجمعة من غير تعرض لحال يوم الجمعة كما هو مفاد قاعدة الاستصحاب فلا يصح إرادة المعنيين منه.
فإن قلت إن معنى المضي على اليقين عدم التوقف من أجل الشك العارض و فرض الشك كعدمه و هذا يختلف باختلاف متعلق الشك فالمضي مع الشك في الحدوث بمعنى الحكم
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 699
بالحدوث و مع الشك في البقاء بمعنى الحكم به.
قلت لا ريب في اتحاد متعلقي الشك و اليقين و كون المراد المضي على ذلك اليقين المتعلق بما تعلق به الشك و المفروض أن ليس في السابق إلا يقين واحد و هو اليقين بعدالة زيد و الشك فيها و ليس له هنا فردان يتعلق أحدهما بالحدوث و الآخر بالبقاء و بعبارة أخرى عموم أفراد اليقين باعتبار الأمور الواقعية بعدالة زيد و فسق عمرو لا باعتبار ملاحظة اليقين بشيء واحد حتى ينحل اليقين بعدالة زيد إلى فردين يتعلق بكل منهما شك بل المراد الشك في نفس ما تيقن و حينئذ فإن اعتبر المتكلم في كلامه الشك في هذا المتيقن من دون تقييده بيوم الجمعة فالمضي على هذا اليقين عبارة عن الحكم باستمرار هذا المتيقن و إن اعتبر الشك فيه مقيدا بذلك اليوم فالمضي على ذلك المتيقن الذي تعلق به الشك عبارة عن الحكم بحدوثها من غير تعرض للبقاء كأنه قال من كان على يقين من عدالة زيد يوم الجمعة فشك فيها فليمض على يقينه السابق السابق يعنى يرتب آثار عدالة زيد فيه فالمضي على عدالة زيد و ترتيب آثاره يكون تارة بالحكم بعدالته في الزمان اللاحق و أخرى بالحكم بعدالته في ذلك الزمان المتيقن و هذان لا يجتمعان في الإرادة) و إن أردت توضيح الحال فافرض أنه قال من كان على يقين من عدالة زيد يوم الجمعة فشك فيها فليمض على يقينه السابق و المعنى أن من كان على يقين من شيء و شك في ذلك الشيء فليمض على يقينه بذلك الشيء فإن اعتبر اليقين السابق متعلقا بعدالة زيد من دون تقييدها بيوم الجمعة فالشك اللاحق فيه بهذا الاعتبار شك في بقائها و إن اعتبر متعلقا بعدالة زيد مقيدة بيوم الجمعة فالشك فيها بهذه الملاحظة شك في حدوثها.
و قس على هذا سائر الأخبار الدالة على عدم نقض اليقين بالشك فإن الظاهر اتحاد متعلق الشك و اليقين فلا بد أن يلاحظ المتيقن و المشكوك غير مقيدين بالزمان و إلا لم يجز استصحابه كما تقدم في رد شبهة من قال بتعارض الوجود و العدم في شيء واحد.
و المفروض في القاعدة الثانية كون الشك متعلقا بالمتيقن السابق بوصف وجوده في الزمان السابق و من المعلوم عدم جواز إرادة الاعتبارين من اليقين و الشك في تلك الأخبار.
و المفروض في القاعدة الثانية أن المتيقن السابق كعدالة زيد يوم الجمعة إن أخذت مقيدة بيوم الجمعة فمعنى عدم نقضه بالشك عدم نقضه بالشك بذلك اليوم و إن أخذت مطلقة عارضها الشك في وجودها في الزمان اللاحق.
و دعوى أن اليقين بكل من الاعتبارين فرد من اليقين و كذلك الشك المتعلق فرد من الشك فكل فرد لا ينقض بشكه مدفوعة بأن تعدد اللحاظ و الاعتبار في المتيقن به السابق
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 700
بأخذه تارة مقيدا بالزمان السابق و أخرى بأخذه مطلقا لا يوجب تعدد أفراد اليقين و ليس اليقين بتحقق مطلق العدالة في يوم الجمعة و اليقين بعدالته المقيدة بيوم الجمعة فردين من اليقين تحت عموم الخبر بل الخبر بمثابة أن يقال من كان على يقين من عدالة زيد أو فسقه أو غيرهما من حالاته فشك فيه فليمض على يقينه بذلك فافهم فإنه لا يخلو عن دقة.
ثم إذا ثبت عدم جواز إرادة المعنيين فلا بد أن يخص مدلولها بقاعدة الاستصحاب لورودها في موارد تلك القاعدة كالشك في الطهارة من الحدث و الخبث و دخول هلال شهر رمضان أو شوال.
هذا كله لو أريد من القاعدة الثانية إثبات نفس المتيقن عند الشك و هي عدالة زيد في يوم الجمعة مثلا أما لو أريد منها إثبات عدالته من يوم الجمعة مستمرة إلى زمان الشك و ما بعده إلى اليقين بطرو الفسق فيلزم استعمال الكلام في معنيين أيضا لأن الشك في عدالة زيد يوم الجمعة غير الشك في استمرارها إلى الزمان اللاحق و قد تقدم نظير ذلك في (قوله عليه السلام: كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر).
ثم لو سلمنا دلالة الروايات على ما يشمل القاعدتين لزم حصول التعارض في مدلول الرواية المسقط له عن الاستدلال به على القاعدة الثانية لأنه إذا شك في ما تيقن سابقا أعني عدالة زيد في يوم الجمعة فهذا معارض لفردين من اليقين أحدهما اليقين بعدالته المقيدة بيوم الجمعة الثاني اليقين بعدم عدالته المطلقة قبل يوم الجمعة فتدل بمقتضى القاعدة الثانية على عدم نقض اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة باحتمال انتفائها في ذلك الزمان و بمقتضى قاعدة الاستصحاب على عدم نقض اليقين بعدم عدالته قبل الجمعة باحتمال حدوثها في الجمعة فكل من طرفي الشك معارض لفرد من اليقين.
و دعوى أن اليقين السابق على الجمعة قد انتقض باليقين في الجمعة و القاعدة الثانية تثبت وجوب اعتبار هذا اليقين الناقض لليقين السابق مدفوعة بأن الشك الطارئ في عدالة زيد يوم الجمعة و عدمها عين الشك في انتقاض ذلك اليقين السابق و احتمال انتقاضه و عدمه معارضان لليقين بالعدالة و عدمها فلا يجوز لنا الحكم بالانتقاض و لا بعدمه.
ثم إن هذا من باب التنزل و المماشاة و إلا فالتحقيق ما ذكرناه من منع الشمول بالتقريب المتقدم مضافا إلى ما ربما يدعى من ظهور الأخبار في الشك في البقاء بقي الكلام في وجود مدرك للقاعدة الثانية غير هذه الأخبار فنقول
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 701
إن المطلوب من تلك القاعدة إما أن يكون إثبات حدوث المشكوك فيه و بقاؤه مستمرا إلى اليقين بارتفاعه و إما أن يكون مجرد حدوثه في الزمان السابق بدون إثباته بعده بأن يراد إثبات عدالة زيد في يوم الجمعة فقط و إما أن يراد مجرد إمضاء الآثار التي ترتبت عليها سابقا و صحة الأعمال الماضية المتفرعة عليه فإذا تيقن الطهارة سابقا و صلى بها ثم شك في طهارته في ذلك الزمان فصلاته ماضية.
فإن أريد الأول فالظاهر عدم دليل يدل عليه إذ قد عرفت أنه لو سلم اختصاص الأخبار المعتبرة لليقين السابق بهذه القاعدة لم يمكن أن يراد منه إثبات حدوث العدالة و بقائها لأن لكل من الحدوث و البقاء شكا مستقلا نعم لو فرض القطع ببقائها على تقدير الحدوث أمكن أن يقال إنه إذا ثبت حدوث العدالة بهذه القاعدة ثبت بقاؤها للعلم ببقائها على تقدير الحدوث لكنه لا يتم إلا على الأصل المثبت فهو تقدير على تقدير.
و ربما يتوهم الاستدلال لإثبات هذا المطلب بما دل على عدم الاعتناء بالشك في الشيء بعد تجاوز محله لكنه فاسد لأنه على تقدير الدلالة لا يدل على استمرار المشكوك لأن الشك في الاستمرار ليس شكا بعد تجاوز المحل.
و أضعف منه الاستدلال له بما سيجيء من دعوى أصالة الصحة في اعتقاد المسلم مع أنه كالأول في عدم إثباته الاستمرار و كيف كان فلا مدرك لهذه القاعدة بهذا المعنى.
و ربما فصل بعض الأساطين بين ما إذا علم مدرك الاعتقاد بعد زواله و أنه غير قابل للاستناد إليه و بين ما إذا لم يذكره كما إذا علم أنه اعتقد في زمان بطهارة ثوبه أو نجاسته ثم غاب المستند و غفل زمانا فشك في طهارته و نجاسته فيبني على معتقده هنا لا في الصورة الأولى و هو و إن كان أجود من الإطلاق لكن إتمامه بالدليل مشكل.
و إن أريد بها الثاني فلا مدرك له بعد عدم دلالة أخبار الاستصحاب إلا ما تقدم من أخبار عدم الاعتناء بالشك بعد تجاوز المحل لكنها لو تمت فإنما تنفع في الآثار المترتبة عليه سابقا فلا يثبت بها إلا صحة ما ترتبت عليها و أما إثبات نفس ما اعتقده سابقا حتى يترتب عليه بعد ذلك الآثار المترتبة على عدالة زيد يوم الجمعة و طهارة ثوبه في الوقت السابق فلا فضلا عن إثبات مقارناته الغير الشرعية مثل كونها على تقدير الحدوث باقية.
و إن أريد بها الثالث فله وجه بناء على تمامية قاعدة الشك بعد الفراغ و تجاوز المحل فإذا صلى بالطهارة المعتقدة ثم شك في صحة اعتقاده و كونه متطهرا في ذلك الزمان بنى على صحة
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 702
الصلاة لكنه ليس من جهة اعتبار الاعتقاد السابق و لذا لو فرض في السابق غافلا غير معتقد لشيء من الطهارة و الحدث بنى على الصحة أيضا من جهة أن الشك في الصلاة بعد الفراغ منها لا اعتبار به على المشهور بين الأصحاب خلافا لجماعة من متأخري المتأخرين كصاحب المدارك و كاشف اللثام حيث منعا البناء على صحة الطواف إذا شك بعد الفراغ في كونه مع الطهارة و الظاهر كما يظهر من الأخير أنهم يمنعون القاعدة المذكورة في غير أجزاء العمل و لعل بعض الكلام في ذلك سيجيء في مسألة أصالة الصحة في الأفعال إن شاء الله.
و حاصل الكلام في هذا المقام هو أنه إذا اعتقد المكلف قصورا أو تقصيرا بشيء في زمان موضوعا كان أو حكما اجتهاديا أو تقليديا ثم زال اعتقاده فلا ينفع اعتقاده السابق في ترتب آثار المعتقد بل يرجع بعد زوال الاعتقاد إلى ما يقتضيه الأصول بالنسبة إلى نفس المعتقد و إلى الآثار المترتبة عليه سابقا أو لاحقا
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 703
الثالث أن يكون كل من بقاء ما أحرز حدوثه سابقا و ارتفاعه غير معلوم
فلو علم أحدهما فلا استصحاب و هذا مع العلم بالبقاء أو الارتفاع واقعا من دليل قطعي واقعي واضح و إنما الكلام فيما أقامه الشارع مقام العلم بالواقع فإن الشك الواقعي في البقاء و الارتفاع لا يزول معه و لا ريب في العمل به دون الحالة السابقة.
لكن الشأن في أن العمل به من باب تخصيص أدلة الاستصحاب أو من باب التخصص الظاهر أنه من باب حكومة أدلة تلك الأمور على أدلة الاستصحاب و ليس تخصيصا بمعنى رفع اليد عن عموم أدلة الاستصحاب في بعض الموارد كما ترفع اليد عنها في مسألة الشك بين الثلاث و الأربع و نحوها بما دل على وجوب البناء على الأكثر و لا تخصصا بمعنى خروج المورد بمجرد وجود الدليل عن مورد الاستصحاب لأن هذا مختص بالدليل العلمي المزيل وجوده للشك المأخوذ في مجرى الاستصحاب.
و معنى الحكومة على ما سيجيء في باب التعارض و التراجيح أن يحكم الشارع في ضمن دليل بوجوب رفع اليد عما يقتضيه الدليل الآخر لو لا هذا الدليل الحاكم أو بوجوب العمل في مورد بحكم لا يقتضيه دليله لو لا الدليل الحاكم و سيجيء توضيحه إن شاء الله تعالى.
و حاصله تنزيل شيء خارج عن موضوع دليل منزلة ذلك الموضوع في ترتيب أحكامه عليه أو داخل في موضوع منزلة الخارج منه في عدم ترتيب أحكامه عليه و قد اجتمع كلا الاعتبارين في حكومة الأدلة الغير العلمية على الاستصحاب مثلا.
ففي ما نحن فيه إذا قال الشارع اعمل بالبينة في نجاسة ثوبك و المفروض أن الشك موجود مع قيام البينة على نجاسة الثوب فإن الشارع جعل الاحتمال المخالف للبينة كالعدم فكأنه قال
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 704
لا تحكم على هذا الشك بحكمه المقرر في قاعدة الاستصحاب و افرضه كالمعدوم.
و ربما يجعل العمل بالأدلة في مقابل الاستصحاب من باب التخصيص بناء على أن المراد من الشك عدم الدليل و الطريق و التحير في العمل و مع قيام الدليل الاجتهادي لا حيرة و إن شئت قلت إن المفروض دليلا قطعي الاعتبار فنقض الحالة السابقة به نقض باليقين.
و فيه أنه لا يرتفع التحير و لا يصير الدليل الاجتهادي قطعي الاعتبار في خصوص مورد الاستصحاب إلا بعد إثبات كون مؤداه حاكما على مؤدى الاستصحاب و إلا أمكن أن يقال إن مؤدى الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بارتفاعها سواء كان هناك الأمارة الفلانية أم لا و مؤدى دليل تلك الأمارة وجوب العمل بمؤداه خالف الحالة السابقة أم لا و لا يندفع مغالطة هذا الكلام إلا بما ذكرنا من طريق الحكومة كما لا يخفى. و كيف كان فجعل بعضهم عدم الدليل الاجتهادي على خلاف الحالة السابقة من شرائط العمل بالاستصحاب لا يخلو عن مسامحة لأن مرجع ذلك بظاهره إلى عدم المعارض لعموم لا تنقض كما في مسألة البناء على الأكثر لكنه ليس مراد هذا المشترط قطعا بل مراده عدم الدليل على ارتفاع الحالة السابقة.
و لعل ما أورده عليه المحقق القمي قدس سره من أن الاستصحاب أيضا أحد من الأدلة فقد يرجح عليه الدليل و قد يرجح على الدليل و قد لا يرجح أحدهما على الآخر (قال قدس سره و لذا ذكر بعضهم في مال المفقود أنه في حكم ماله حتى يحصل العلم العادي بموته استصحابا لحياته مع وجود الروايات المعتبرة المعمول بها عند بعضهم بل عند جمع من المحققين الدالة على وجوب الفحص أربع سنين) مبني على ظاهر كلامه من إرادة العمل بعموم لا تنقض.
و أما على ما جزمنا به من أن مراده عدم ما يدل علما أو ظنا على ارتفاع الحالة السابقة فلا وجه لورود ذلك لأن الاستصحاب إن أخذ من باب التعبد فقد عرفت حكومة أدلة جميع الأمارات الاجتهادية على دليله و إن أخذ من باب الظن فالظاهر أنه لا تأمل لأحد في أن المأخوذ في إفادته للظن عدم وجود أمارة في مورده على خلافه (و لذا ذكر العضدي في دليله أن ما كان سابقا و لم يظن عدمه فهو مظنون البقاء)
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 705
و لما ذكرنا لم نر أحدا من العلماء قدم الاستصحاب على أمارة مخالفة له بعد اعترافه بحجيتها لو لا الاستصحاب لا في الأحكام و لا في الموضوعات.
و أما ما استشهد به قدس سره من عمل بعض الأصحاب بالاستصحاب في مال المفقود و طرح ما دل على وجوب الفحص أربع سنين و الحكم بموته بعده فلا دخل له بما نحن فيه لأن تلك الأخبار ليست أدلة في مقابل استصحاب حياة المفقود و إنما المقابل له قيام دليل معتبر على موته و هذه الأخبار على تقدير تماميتها مخصصة لعموم أدلة الاستصحاب دالة على وجوب البناء على موت المفقود بعد الفحص نظير ما دل على وجوب البناء على الأكثر مع الشك في عدد الركعات فمن عمل بها خصص بها عمومات الاستصحاب و من طرحها لقصور فيها بقي أدلة الاستصحاب عنده على عمومها.
ثم المراد بالدليل الاجتهادي كل أمارة اعتبرها الشارع من حيث إنها تحكي عن الواقع و تكشف عنه بالقوة و تسمى في نفس الأحكام أدلة اجتهادية و في الموضوعات أمارات معتبرة.
فما كان مما نصبه الشارع غير ناظر إلى الواقع أو كان ناظرا لكن فرض أن الشارع اعتبره لا من هذه الحيثية بل من حيث مجرد احتمال مطابقته للواقع فليس اجتهاديا بل هو من الأصول و إن كان مقدما على بعض الأصول الأخر و الظاهر أن الاستصحاب و القرعة من هذا القبيل.
و مصاديق الأدلة و الأمارات في الأحكام و الموضوعات واضحة غالبا و قد تختفي فيتردد الشيء بين كونه دليلا و بين كونه أصلا لاختفاء كون اعتباره من حيث كونه ناظرا إلى الواقع أو من حيث هو كما في كون اليد المنصوبة دليلا على الملك و كذلك أصالة الصحة عند الشك في عمل نفسه بعد الفراغ و أصالة الصحة في عمل الغير و قد يعلم عدم كونه ناظرا إلى الواقع و كاشفا عنه و أنه من القواعد التعبدية لكن يختفي حكومته مع ذلك على الاستصحاب لأنا قد ذكرنا أنه قد يكون الشيء الغير الكاشف منصوبا من حيث تنزيل الشارع الاحتمال المطابق له منزلة الواقع إلا أن الاختفاء في تقديم أحد التنزيلين على الآخر و حكومته عليه.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 706
مقبول
طہارۃ، استعمال طہور مشروط بالنیت
المدخل۔۔۔
الزکاۃ،کتاب الزکاۃ وفصولہ اربعۃ۔۔۔
مقدمہ و تعریف :الامرلاول تعریف علم الاصول۔۔۔
الطہارۃ و مختصر حالات زندگانی
الفصل السابع :نسخ الوجوب۔۔
الفصل الثالث؛ تقسیم القطع الی طریقی ...
مقالات
دینی مدارس کی قابل تقلید خوبیاں
ایک اچھے مدرس کے اوصاف
اسلام میں استاد کا مقام و مرتبہ
طالب علم کے لئے کامیابی کے زریں اصول