ليعرف أن الخلاف في مسألة الاستصحاب في كلها أو بعضها فنقول إن له تقسيما باعتبار المستصحب و آخر باعتبار الدليل الدال عليه و ثالثا باعتبار الشك المأخوذ فيه.
أما بالاعتبار الأول فمن وجوه
الوجه الأول
من حيث إن المستصحب قد يكون أمرا وجوديا كوجوب شيء أو طهارة شيء أو رطوبة ثوب أو نحو ذلك و قد يكون عدميا و هو على قسمين أحدهما عدم اشتغال الذمة بتكليف شرعي و يسمى عند بعضهم بالبراءة الأصلية و أصالة النفي و الثاني غيره كعدم نقل اللفظ من معناه و عدم القرينة و عدم موت زيد و رطوبة الثوب و حدوث موجب الوضوء أو الغسل و نحو ذلك.
و لا خلاف في كون الوجودي محل النزاع.
و أما العدمي فقد مال الأستاذ قدس سره إلى عدم الخلاف فيه تبعا لما حكاه عن أستاذه السيد صاحب الرياض رحمه الله من دعوى الإجماع على اعتباره في العدميات و استشهد على ذلك بعد نقل الإجماع المذكور باستقرار سيرة العلماء على التمسك بأصول العدمية مثل أصالة عدم القرينة و النقل و الاشتراك و غير ذلك و ببنائهم هذه المسألة على كفاية العلة المحدثة للإبقاء أقول ما استظهره قدس سره لا يخلو عن تأمل أما دعوى الإجماع فلا مسرح لها في المقام مع ما سيمر بك من تصريحات كثير بخلافه و إن كان يشهد لها ظاهر (التفتازاني في شرح الشرح حيث قال
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 550
إن خلاف الحنفية المنكرين للاستصحاب إنما هو في الإثبات دون النفي الأصلي).
و أما سيرة العلماء فقد استقرت في باب الألفاظ على التمسك بالأصول الوجودية و العدمية كلتيهما.
(قال الوحيد البهبهاني في رسالته الاستصحابية بعد نقل القول بإنكار اعتبار الاستصحاب مطلقا عن بعض و إثباته عن بعض و التفصيل عن بعض آخر ما هذا لفظه لكن الذي نجد من الجميع حتى من المنكر مطلقا أنهم يستدلون بأصالة عدم النقل فيقولون الأمر حقيقة في الوجوب عرفا فكذا لغة لأصالة عدم النقل و يستدلون بأصالة بقاء المعنى اللغوي فينكرون الحقيقة الشرعية إلى غير ذلك كما لا يخفى على المتتبع انتهى).
و حينئذ فلا شهادة في السيرة الجارية في باب الألفاظ على خروج العدميات.
و أما استدلالهم على إثبات الاستصحاب باستغناء الباقي عن المؤثر الظاهر الاختصاص بالوجودي فمع أنه معارض باختصاص بعض أدلتهم الآتي بالعدمي و بأنه يقتضي أن يكون النزاع مختصا بالشك من حيث المقتضي لا من حيث الرافع يمكن توجيهه بأن الغرض الأصلي هنا لما كان هو التكلم في الاستصحاب الذي هو من أدلة الأحكام الشرعية اكتفوا بذكر ما يثبت الاستصحاب الوجودي مع أنه يمكن أن يكون الغرض تتميم المطلب في العدمي بالإجماع المركب بل الأولوية لأن الموجود إذا لم يحتج في بقائه إلى المؤثر فالمعدوم كذلك بالطريق الأولى نعم ظاهر عنوانهم للمسألة باستصحاب الحال و تعريفهم له ظاهر الاختصاص بالوجودي إلا أن الوجه فيه بيان الاستصحاب الذي هو من الأدلة الشرعية للأحكام و لذا عنونه بعضهم بل الأكثر باستصحاب حال الشرع.
و مما ذكرنا يظهر عدم جواز الاستشهاد على اختصاص محل النزاع بظهور قولهم في عنوان المسألة استصحاب الحال في الوجودي و إلا لدل تقييد كثير منهم العنوان باستصحاب حال الشرع على اختصاص النزاع بغير الأمور الخارجية.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 551
و ممن يظهر منه دخول العدميات في محل الخلاف الوحيد البهبهاني فيما تقدم عنه بل لعله صريح في ذلك بملاحظة ما ذكره قبل ذلك في تقسيم الاستصحاب.
و أصرح من ذلك في عموم محل النزاع استدلال النافين في كتب الخاصة و العامة بأنه لو كان الاستصحاب معتبرا لزم ترجيح بينة النافي لاعتضاده بالاستصحاب و استدلال المثبتين كما في المنية بأنه لو لم يعتبر الاستصحاب لانسد باب استنباط الأحكام من الأدلة لتطرق احتمالات فيها لا تندفع إلا بالاستصحاب.
و ممن أنكر الاستصحاب في العدميات صاحب المدارك حيث أنكر اعتبار استصحاب عدم التذكية الذي تمسك به الأكثر لنجاسة الجلد المطروح.
و بالجملة فالظاهر أن التتبع يشهد بأن العدميات ليست خارجة عن محل النزاع بل سيجيء عند بيان أدلة الأقوال أن القول بالتفصيل بين العدمي و الوجودي بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن وجوده بين العلماء لا يخلو من إشكال فضلا عن اتفاق النافين عليه إذ ما من استصحاب وجودي إلا و يمكن معه فرض استصحاب عدمي يلزم من الظن به الظن بذلك المستصحب الوجودي فيسقط فائدة نفي اعتبار الاستصحابات الوجودية و انتظر لتمام الكلام.
و مما يشهد بعدم الاتفاق في العدميات اختلافهم في أن النافي يحتاج إلى دليل أم لا فلاحظ ذلك العنوان تجده شاهد صدق على ما ادعيناه.
نعم ربما يظهر من بعضهم خروج بعض الأقسام من العدميات من محل النزاع كاستصحاب النفي المسمى بالبراءة الأصلية فإن المصرح به في كلام جماعة كالمحقق و العلامة و الفاضل الجواد الإطباق على العمل عليه و كاستصحاب عدم النسخ فإن المصرح به في كلام غير واحد كالمحدث الأسترآبادي و المحدث البحراني عدم الخلاف فيه بل مال الأول إلى كونه من ضروريات الدين و ألحق الثاني بذلك استصحاب عدم التخصيص و التقييد.
و التحقيق أن اعتبار الاستصحاب بمعنى التعويل في تحقق شيء في الزمان الثاني على تحققه في الزمان السابق عليه مختلف فيه من غير فرق بين الوجودي و العدمي نعم قد يتحقق في بعض الموارد قاعدة أخرى توجب الأخذ بمقتضى الحالة السابقة كقاعدة قبح التكليف من غير بيان أو
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 552
عدم الدليل دليل العدم أو ظهور الدليل الدال على الحكم في استمراره أو عمومه أو إطلاقه أو غير ذلك و هذا لا ربط له باعتبار الاستصحاب.
ثم إنا لم نجد في أصحابنا من فرق بين الوجودي و العدمي نعم حكى شارح الشرح هذا التفصيل عن الحنفية
الثاني
أن المستصحب قد يكون حكما شرعيا كالطهارة المستصحبة بعد خروج المذي و النجاسة المستصحبة بعد زوال تغير المتغير بنفسه و قد يكون غيره كاستصحاب الكرية و الرطوبة و الوضع الأول عند الشك في حدوث النقل أو في تاريخه و الظاهر بل صريح جماعة وقوع الخلاف في كلا القسمين نعم نسب إلى بعض التفصيل بينهما بإنكار الأول و الاعتراف بالثاني و نسب إلى آخر العكس حكاهما الفاضل القمي في القوانين.
و فيه نظر يظهر بتوضيح المراد من الحكم الشرعي و غيره فنقول الحكم الشرعي يراد به تارة الحكم الكلي الذي من شأنه أن يؤخذ من الشارع كطهارة من خرج منه المذي أو نجاسة ما زال تغيره بنفسه و أخرى يراد به ما يعم الحكم الجزئي الخاص في الموضوع كطهارة هذا الثوب و نجاسته فإن الحكم بهما من جهة عدم ملاقاته للنجس أو ملاقاته ليس وظيفة للشارع نعم وظيفته إثبات الطهارة كلية لكل شيء شك في ملاقاته للنجس و عدمها.
و على الإطلاق الأول جرى الأخباريون حيث أنكروا اعتبار الاستصحاب في نفس أحكام الله تعالى.
(و جعله الأسترآبادي من أغلاط من تأخر عن المفيد مع اعترافه باعتبار الاستصحاب في مثل طهارة الثوب و نجاسته و غيرهما مما شك فيه من الأحكام الجزئية لأجل الاشتباه في الأمور الخارجية) (و صرح المحدث الحر العاملي بأن أخبار الاستصحاب لا تدل على اعتباره في نفس الحكم الشرعي و إنما تدل على اعتباره في موضوعاته و متعلقاته).
و الأصل في ذلك عندهم أن الشبهة في الحكم الكلي لا مرجع فيها إلا الاحتياط دون البراءة
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 553
أو الاستصحاب فإنهما عندهم مختصان بالشبهة في الموضوع.
و على الإطلاق الثاني جرى بعض آخر.
(قال المحقق الخوانساري في مسألة الاستنجاء بالأحجار و ينقسم إلى قسمين باعتبار الحكم المأخوذ فيه إلى شرعي و غيره و مثل للأول بنجاسة الثوب أو البدن و للثاني برطوبته ثم قال ذهب بعضهم إلى حجيته بقسميه و بعضهم إلى حجية القسم الأول فقط انتهى).
إذا عرفت ما ذكرناه ظهر أن عد القول بالتفصيل بين الأحكام الشرعية و الأمور الخارجية قولين متعاكسين ليس على ما ينبغي.
لأن المراد بالحكم الشرعي إن كان هو الحكم الكلي الذي أنكره الأخباريون فليس هنا من يقول باعتبار الاستصحاب فيه و نفيه في غيره فإن ما حكاه المحقق الخوانساري و استظهره السبزواري هو اعتباره في الحكم الشرعي بالإطلاق الثاني الذي هو أعم من الأول.
و إن أريد بالحكم الشرعي الإطلاق الثاني الأعم فلم يقل أحد باعتباره في غير الحكم الشرعي و عدمه في الحكم الشرعي لأن الأخباريين لا ينكرون الاستصحاب في الأحكام الجزئية.
ثم إن المحصل من القول بالتفصيل بين القسمين المذكورين في هذا التقسيم ثلاثة الأول اعتبار الاستصحاب في الحكم الشرعي مطلقا جزئيا كان كنجاسة الثوب أو كليا كنجاسة الماء المتغير بعد زوال التغير و هو الظاهر مما حكاه المحقق الخوانساري.
الثاني اعتباره في ما عدا الحكم الشرعي الكلي و إن كان حكما جزئيا و هو الذي حكاه في الرسالة الاستصحابية عن الأخباريين.
الثالث اعتباره في الحكم الجزئي دون الكلي و دون الأمور الخارجية و هو الذي ربما يستظهر مما حكاه السيد شارح الوافية عن المحقق الخوانساري في حاشية له على قول الشهيد قدس سره في تحريم استعمال الماء النجس و المشتبه.
الثالث
من حيث إن المستصحب قد يكون حكما تكليفيا و قد يكون وضعيا شرعيا كالأسباب
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 554
و الشروط و الموانع و قد وقع الخلاف من هذه الجهة ففصل صاحب الوافية بين التكليفي و غيره بالإنكار في الأول دون الثاني.
و إنما لم ندرج هذا التقسيم في التقسيم الثاني مع أنه تقسيم لأحد قسميه لأن ظاهر كلام المفصل المذكور و إن كان هو التفصيل بين الحكم التكليفي و الوضعي إلا أن آخر كلامه ظاهر في إجراء الاستصحاب في نفس الأسباب و الشروط و الموانع دون السببية و الشرطية و المانعية و سيتضح ذلك عند نقل عبارته عند التعرض لأدلة الأقوال
و أما بالاعتبار الثاني فمن وجوه أيضا
أحدها
من حيث إن الدليل المثبت للمستصحب إما أن يكون هو الإجماع و إما أن يكون غيره و قد فصل بين هذين القسمين الغزالي فأنكر الاستصحاب في الأول (و ربما يظهر من صاحب الحدائق فيما حكي عنه في الدرر النجفية أن محل النزاع في الاستصحاب منحصر في استصحاب حال الإجماع) و سيأتي تفصيل ذلك عند نقل أدلة الأقوال إن شاء الله.
الثاني
من حيث إنه قد يثبت بالدليل الشرعي و قد يثبت بالدليل العقلي و لم أجد من فصل بينهما إلا أن في تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي و هو الحكم العقلي المتوصل به إلى حكم شرعي تأملا نظرا إلى أن الأحكام العقلية كلها مبينة مفصلة من حيث مناط الحكم و الشك في بقاء المستصحب و عدمه لا بد و أن يرجع إلى الشك في موضوع الحكم لأن الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن و القبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف الذي هو الموضوع فالشك في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع لا يكون إلا للشك في موضوعه و الموضوع لا بد أن يكون محرزا معلوم البقاء في الاستصحاب كما سيجيء.
و لا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون الشك من جهة الشك في وجود الرافع و بين أن يكون لأجل الشك في استعداد الحكم لأن ارتفاع الحكم العقلي لا يكون إلا بارتفاع موضوعه فيرجع الأمر بالأخرة إلى تبدل العنوان أ لا ترى أن العقل إذا حكم بقبح الصدق الضار فحكمه يرجع إلى أن الضار من حيث إنه ضار حرام و معلوم أن هذه القضية غير قابلة للاستصحاب عند الشك في الضرر مع العلم بتحققه سابقا لأن قولنا المضر قبيح حكم دائمي لا يحتمل ارتفاعه أبدا و لا
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 555
ينفع في إثبات القبح عند الشك في بقاء الضرر.
و لا يجوز أن يقال إن هذا الصدق كان قبيحا سابقا فيستصحب قبحه لأن الموضوع في حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق بل عنوان المضر و الحكم له مقطوع البقاء و هذا بخلاف الأحكام الشرعية فإنه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما و لا يعلم أن المناط الحقيقي فيه باق في زمان الشك أو مرتفع إما من جهة جهل المناط أو من جهة الجهل ببقائه مع معرفته فيستصحب الحكم الشرعي.
فإن قلت على القول بكون الأحكام الشرعية تابعة للأحكام العقلية ف ما هو مناط الحكم و موضوعه في الحكم العقلي بقبح هذا الصدق فهو المناط و الموضوع في حكم الشرع بحرمته إذ المفروض بقاعدة التطابق أن موضوع الحرمة و مناطه هو بعينه موضوع القبح و مناطه.
قلت هذا مسلم لكنه مانع عن الفرق بين الحكم الشرعي و العقلي من حيث الظن بالبقاء في الآن اللاحق لا من حيث جريان أخبار الاستصحاب و عدمه فإنه تابع لتحقق موضوع المستصحب و معروضه بحكم العرف فإذا حكم الشارع بحرمة شيء في زمان و شك في الزمان الثاني و لم يعلم أن المناط الحقيقي واقعا الذي هو المناط و الموضوع في حكم العقل باق هنا أم لا فيصدق هنا أن الحكم الشرعي الثابت لما هو الموضوع له في الأدلة الشرعية كان موجودا سابقا و شك في بقائه و يجري فيه أخبار الاستصحاب نعم لو علم مناط هذا الحكم و موضوعه المعلق عليه في حكم العقل لم يجر الاستصحاب لما ذكرنا من عدم إحراز الموضوع.
و مما ذكرنا يظهر أن الاستصحاب لا يجري في الأحكام العقلية و لا في الأحكام الشرعية المستندة إليها سواء كانت وجودية أم عدمية إذا كان العدم مستندا إلى القضية العقلية كعدم وجوب الصلاة مع السورة على ناسيها فإنه لا يجوز استصحابه بعد الالتفات كما صدر من بعض من مال إلى الحكم بالإجزاء في هذه الصورة و أمثالها من موارد الأعذار العقلية الرافعة للتكليف مع قيام مقتضية و أما إذا لم يكن العدم مستندا إلى القضية العقلية بل كان لعدم المقتضي و إن كان القضية العقلية موجودة أيضا فلا بأس باستصحاب العدم المطلق بعد ارتفاع القضية العقلية.
و من هذا الباب استصحاب حال العقل المراد به في اصطلاحهم استصحاب البراءة و النفي.
فالمراد استصحاب الحال التي يحكم العقل على طبقها و هو عدم التكليف لا الحال المستندة إلى العقل حتى يقال إن مقتضى ما تقدم هو عدم جواز استصحاب عدم التكليف عند ارتفاع القضية العقلية و هي قبح تكليف غير المميز أو المعدوم.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 556
و مما ذكرنا ظهر أنه لا وجه للاعتراض على القوم في تخصيص استصحاب حال العقل باستصحاب النفي و البراءة بأن الثابت بالعقل قد يكون عدميا و قد يكون وجوديا فلا وجه للتخصيص و ذلك لما عرفت من أن الحال المستند إلى العقل المنوط بالقضية العقلية لا يجري فيه الاستصحاب وجوديا كان أو عدميا و ما ذكره من الأمثلة يظهر الحال فيها مما تقدم
الثالث
أن دليل المستصحب إما أن يدل على استمرار الحكم إلى حصول رافع أو غاية و إما أن لا يدل و قد فصل بين هذين القسمين المحقق في المعارج و المحقق الخوانساري في شرح الدروس فأنكرا الحجية في الثاني و اعترفا بها في الأول مطلقا كما يظهر من المعارج أو بشرط كون الشك في وجود الغاية كما يأتي من شارح الدروس.
و تخيل بعضهم تبعا لصاحب المعالم أن قول المحقق قدس سره موافق للمنكرين لأن محل النزاع ما لم يكن الدليل مقتضيا للحكم في الآن اللاحق لو لا الشك في الرافع.
و هو غير بعيد بالنظر إلى كلام السيد و الشيخ و ابن زهرة و غيرهم حيث إن المفروض في كلامهم هو كون دليل الحكم في الزمان الأول قضية مهملة ساكتة عن حكم الزمان الثاني و لو مع فرض عدم الرافع.
إلا أن الذي يقتضيه التدبر في بعض كلماتهم مثل إنكار السيد لاستصحاب البلد المبني على ساحل البحر مع كون الشك فيه نظير الشك في وجود الرافع للحكم الشرعي و غير ذلك مما يظهر للمتأمل و يقتضيه الجمع بين كلماتهم و بين ما يظهر من بعض استدلال المثبتين و النافين هو عموم النزاع لما ذكره المحقق فما ذكره في المعارج أخيرا ليس رجوعا عما ذكره أولا بل لعله بيان لمورد تلك الأدلة التي ذكرها لاعتبار الاستصحاب و أنها لا تقتضي اعتبارا أزيد من مورد يكون الدليل فيه مقتضيا للحكم مطلقا و يشك في رافعه.
و أما باعتبار الشك في البقاء فمن وجوه أيضا
أحدها
من جهة أن الشك قد ينشأ من اشتباه الأمر الخارجي مثل الشك في حدوث البول أو كون الحادث بولا أو وذيا و يسمى بالشبهة في الموضوع سواء كان المستصحب حكما شرعيا جزئيا
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 557
كالطهارة في المثالين أم موضوعا كالرطوبة و الكرية و عدم نقل اللفظ عن معناه الأصلي و شبه ذلك و قد ينشأ من اشتباه الحكم الشرعي الصادر من الشارع كالشك في بقاء نجاسة المتغير بعد زوال تغيره و طهارة المكلف بعد حدوث المذي منه و نحو ذلك.
و الظاهر دخول القسمين في محل النزاع كما يظهر من كلام المنكرين حيث ينكرون استصحاب حياة زيد بعد غيبته عن النظر و البلد المبني على ساحل البحر و من كلام المثبتين حيث يستدلون بتوقف نظام معاش الناس و معادهم على الاستصحاب.
و يحكى عن الأخباريين اختصاص الخلاف بالثاني و هو الذي صرح به المحدث البحراني (و يظهر من كلام المحدث الأسترآبادي حيث قال في فوائده اعلم أن للاستصحاب صورتين معتبرتين باتفاق الأمة بل أقول اعتبارهما من ضروريات الدين إحداهما أن الصحابة و غيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبينا صلى اللَّه عليه و آله إلى أن يجيء ناسخه الثانية أنا نستصحب كل أمر من الأمور الشرعية مثل كون الرجل مالك أرض و كونه زوج امرأة و كونه عبد رجل و كونه على وضوء و كون الثوب طاهرا أو نجسا و كون الليل أو النهار باقيا و كون ذمة الإنسان مشغولة بصلاة أو طواف إلى أن يقطع بوجود شيء جعله الشارع سببا مزيلا لنقض تلك الأمور ثم ذلك الشيء قد يكون شهادة العدلين و قد يكون قول الحجام المسلم و من في حكمه و قد يكون قول القصار و من في حكمه و قد يكون بيع ما يحتاج إلى الذبح و الغسل في سوق المسلمين و أشباه ذلك من الأمور الحسية انتهى).
و لو لا تمثيله باستصحاب الليل و النهار لاحتمل أن يكون معقد إجماعه الشك من حيث المانع وجودا أو منعا إلا أن الجامع بين جميع أمثلة الصورة الثانية ليس إلا الشبهة الموضوعية فكأنه استثني من محل الخلاف صورة واحدة من الشبهة الحكمية أعني الشك في النسخ و جميع صور الشبهة الموضوعية.
و أصرح من العبارة المذكورة في اختصاص محل الخلاف بالشبهة الحكمية ما حكي عنه في (الفوائد أنه قال في جملة كلام له
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 558
إن صور الاستصحاب المختلف فيه راجعة إلى أنه إذا ثبت حكم بخطاب شرعي في موضوع في حال من حالاته نجريه في ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة و حدوث نقيضها فيه و من المعلوم أنه إذا تبدل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد اختلف موضوع المسألتين فالذي سموه استصحابا راجع في الحقيقة إلى إسراء حكم لموضوع إلى موضوع آخر متحد معه بالذات مختلف بالقيد و الصفات انتهى)
الثاني
من حيث إن الشك بالمعنى الأعم الذي هو المأخوذ في تعريف الاستصحاب قد يكون مع تساوي الطرفين و قد يكون مع رجحان البقاء أو الارتفاع فلا إشكال في دخول الأولين في محل النزاع و أما الثالث فقد يتراءى من بعض كلماتهم عدم وقوع الخلاف فيه (قال شارح المختصر معنى استصحاب الحال أن الحكم الفلاني قد كان و لم يظن عدمه و كل ما كان كذلك فهو مظنون البقاء و قد اختلف في صحة حجية الاستدلال به لإفادته الظن و عدمها لعدم إفادته انتهى).
و التحقيق أن محل الخلاف إن كان في اعتبار الاستصحاب من باب التعبد و الطريق الظاهري عم صورة الظن الغير المعتبر بالخلاف و إن كان من باب إفادة الظن كما صرح به شارح المختصر فإن كان من باب الظن الشخصي كما يظهر من كلمات بعضهم كشيخنا البهائي في الحبل المتين و بعض من تأخر عنه كان محل الخلاف في غير صورة الظن بالخلاف إذ مع وجوده لا يعقل ظن البقاء و إن كان من باب إفادة نوعه الظن لو خلي و طبعه و إن عرض لبعض أفراده ما يسقطه عن إفادة الظن عم الخلاف صورة الظن بالخلاف أيضا.
و يمكن أن يحمل كلام العضدي على إرادة أن الاستصحاب من شأنه بالنوع أن يفيد الظن عند فرض عدم الظن بالخلاف و سيجيء زيادة توضيح لذلك إن شاء الله.
الثالث
من حيث إن الشك في بقاء المستصحب قد يكون من جهة المقتضي و المراد به الشك من
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 559
حيث استعداده و قابليته في ذاته للبقاء كالشك في بقاء الليل و النهار و خيار الغبن بعد الزمان الأول و قد يكون من جهة طرو الرافع مع القطع باستعداده للبقاء.
و هذا على أقسام لأن الشك إما في وجود الرافع كالشك في حدوث البول و إما أن يكون في رافعية الموجود إما لعدم تعين المستصحب و تردده بين ما يكون الموجود رافعا و بين ما لا يكون كفعل الظهر المشكوك كونه رافعا لشغل الذمة بالصلاة المكلف بها قبل العصر يوم الجمعة من جهة تردده بين الظهر و الجمعة و إما للجهل بصفة الموجود من كونه رافعا كالمذي أو مصداقا لرافع معلوم المفهوم كالرطوبة المرددة بين البول و الودي أو مجهول المفهوم.
و لا إشكال في كون ما عدا الشك في وجود الرافع محلا للخلاف و إن كان يشعر ظاهر استدلال بعض المثبتين بأن المقتضي للحكم الأول موجود إلى آخره يوهم الخلاف و أما هو فالظاهر أيضا وقوع الخلاف فيه كما يظهر من إنكار السيد قدس سره للاستصحاب في البلد المبني على ساحل البحر و زيد الغائب عن النظر و أن الاستصحاب لو كان حجة لكان بينة النافي أولى لاعتضاده بالاستصحاب.
و كيف كان فقد يفصل بين كون الشك من جهة المقتضي و بين كونه من جهة الرافع فينكر الاستصحاب في الأول و قد يفصل في الرافع بين الشك في وجوده و الشك في رافعيته فينكر الثاني مطلقا أو إذا لم يكن الشك في المصداق الخارجي.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 560
[الأقوال في الاستصحاب]
هذه جملة ما حضرني من كلمات الأصحاب.
و المتحصل منها في بادي النظر أحد عشر قولا الأول القول بالحجية مطلقا.
الثاني عدمها مطلقا.
الثالث التفصيل بين العدمي و الوجودي.
الرابع التفصيل بين الأمور الخارجية و بين الحكم الشرعي مطلقا فلا يعتبر في الأول.
الخامس التفصيل بين الحكم الشرعي الكلي و غيره فلا يعتبر في الأول إلا في عدم النسخ.
السادس التفصيل بين الحكم الجزئي و غيره فلا يعتبر في غير الأول.
و هذا هو الذي تقدم أنه ربما يستظهر من كلام المحقق الخوانساري في حاشية شرح الدروس على ما حكاه السيد في شرح الوافية.
السابع التفصيل بين الكلي التكليفي الغير التابع للحكم الوضعي و غيره فلا يعتبر في الأول التفصيل بين الأحكام الوضعية يعني نفس الأسباب و الشروط و الموانع و الأحكام التكليفية التابعة لها و بين غيرها من الأحكام الشرعية فيجري في الأول دون الثاني.
الثامن التفصيل بين ما ثبت بالإجماع و غيره فلا يعتبر في الأول.
التاسع التفصيل بين كون المستصحب مما ثبت بدليله أو من الخارج استمراره فشك في الغاية الرافعة و بين غيره فيعتبر في الأول دون الثاني كما هو ظاهر المعارج.
العاشر هذا التفصيل مع اختصاص الشك بوجود الغاية كما هو الظاهر من المحقق السبزواري فيما سيجيء من كلامه.
الحادي عشر زيادة الشك في مصداق الغاية من جهة الاشتباه المصداقي دون المفهومي كما هو ظاهر ما سيجيء من المحقق الخوانساري.
ثم إنه لو بنى على ملاحظة ظواهر كلمات من تعرض لهذه المسألة في الأصول و الفروع لزادت الأقوال على العدد المذكور بكثير بل يحصل لعالم واحد قولان أو أزيد في المسألة إلا أن صرف الوقت في هذا مما لا ينبغي
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 561
و الأقوى هو القول التاسع
و هو الذي اختاره المحقق (فإن المحكي عنه في المعارج أنه قال إذا ثبت حكم في وقت ثم جاء وقت آخر و لم يقم دليل على انتفاء ذلك الحكم هل يحكم ببقائه على ما كان أم يفتقر الحكم به في الوقت الثاني إلى دلالة كما يفتقر نفيه إلى الدلالة.
(حكي عن المفيد رحمه الله أنه يحكم ببقائه ما لم تقم دلالة على نفيه) و هو المختار (و قال المرتضى قدس سره لا يحكم).
ثم مثل بالمتيمم الواجد للماء في أثناء الصلاة ثم احتج للحجية بوجوه منها أن المقتضي للحكم الأول موجود ثم ذكر أدلة المانعين و أجاب عنها ثم قال و الذي نختاره أن ننظر في دليل ذلك الحكم فإن كان يقتضيه مطلقا وجب الحكم باستمرار الحكم كعقد النكاح فإنه يوجب حل الوطء مطلقا فإذا وقع الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق فالمستدل على أن الطلاق لا يقع بها لو قال حل الوطء ثابت قبل النطق بهذه الألفاظ فكذا بعده كان صحيحا لأن المقتضي للتحليل و هو العقد اقتضاه مطلقا و لا يعلم أن الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء فيثبت الحكم عملا بالمقتضي.
لا يقال إن المقتضي هو العقد و لم يثبت أنه باق.
لأنا نقول وقوع العقد اقتضى حل الوطء لا مقيدا بوقت فيلزم دوام الحل نظرا إلى وقوع المقتضي لا إلى دوامه فيجب أن يثبت الحل حتى يثبت الرافع ثم قال فإن كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه فليس هذا عملا بغير دليل و إن كان يعني أمرا آخر وراء هذا فنحن مضربون عنه انتهى).
و يظهر من صاحب المعالم اختياره حيث جعل هذا القول من المحقق نفيا بحجية الاستصحاب فيظهر أن الاستصحاب المختلف فيه غيره.
حوزوی کتب
رسائل حصہ سوم
المقام الثاني في (الاستصحاب
بقي الكلام في أمور
السادس في تقسيم الاستصحاب إلى أقسام
[أدلة حجية الاستصحاب]
[أدلة الأقوال في الاستصحاب]
حجة من أنكر اعتبار الاستصحاب في الأمور الخارجية
حجة القول السادس
حجة القول الثامن
حجة القول التاسع
حجة القول الحادي عشر
و ينبغي التنبيه على أمور.
الأمر الثاني
الأمر الثالث
الأمر السادس
الأمر السابع
الأمر التاسع
الأمر العاشر.
خاتمة
تقديم الاستصحاب على الأصول الثلاثة.
المسألة الثالثة في أصالة الصحة في فعل الغير
المقام الثاني في بيان تعارض الاستصحاب مع القرعة
و أما الكلام في تعارض الاستصحابين
و أما القسم الثاني و هو ما إذا كان الشك في كليهما مسببا عن أمر ثالث
خاتمة في التعادل و الترجيح
المقام الأول في المتكافئين
المقام الثاني في التراجيح
المقام الثالث في عدم جواز الاقتصار على المرجحات المنصوصة
المقام الرابع في بيان المرجحات
بقي في المقام شيء
مرجحات الرواية من الجهات الأخر
بقي في هذا المقام أمور
المقام الثالث
بقي هنا شيء
المصادر
رسائل حصہ سوم
السادس في تقسيم الاستصحاب إلى أقسام
ليعرف أن الخلاف في مسألة الاستصحاب في كلها أو بعضها فنقول إن له تقسيما باعتبار المستصحب و آخر باعتبار الدليل الدال عليه و ثالثا باعتبار الشك المأخوذ فيه.
أما بالاعتبار الأول فمن وجوه
الوجه الأول
من حيث إن المستصحب قد يكون أمرا وجوديا كوجوب شيء أو طهارة شيء أو رطوبة ثوب أو نحو ذلك و قد يكون عدميا و هو على قسمين أحدهما عدم اشتغال الذمة بتكليف شرعي و يسمى عند بعضهم بالبراءة الأصلية و أصالة النفي و الثاني غيره كعدم نقل اللفظ من معناه و عدم القرينة و عدم موت زيد و رطوبة الثوب و حدوث موجب الوضوء أو الغسل و نحو ذلك.
و لا خلاف في كون الوجودي محل النزاع.
و أما العدمي فقد مال الأستاذ قدس سره إلى عدم الخلاف فيه تبعا لما حكاه عن أستاذه السيد صاحب الرياض رحمه الله من دعوى الإجماع على اعتباره في العدميات و استشهد على ذلك بعد نقل الإجماع المذكور باستقرار سيرة العلماء على التمسك بأصول العدمية مثل أصالة عدم القرينة و النقل و الاشتراك و غير ذلك و ببنائهم هذه المسألة على كفاية العلة المحدثة للإبقاء أقول ما استظهره قدس سره لا يخلو عن تأمل أما دعوى الإجماع فلا مسرح لها في المقام مع ما سيمر بك من تصريحات كثير بخلافه و إن كان يشهد لها ظاهر (التفتازاني في شرح الشرح حيث قال
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 550
إن خلاف الحنفية المنكرين للاستصحاب إنما هو في الإثبات دون النفي الأصلي).
و أما سيرة العلماء فقد استقرت في باب الألفاظ على التمسك بالأصول الوجودية و العدمية كلتيهما.
(قال الوحيد البهبهاني في رسالته الاستصحابية بعد نقل القول بإنكار اعتبار الاستصحاب مطلقا عن بعض و إثباته عن بعض و التفصيل عن بعض آخر ما هذا لفظه لكن الذي نجد من الجميع حتى من المنكر مطلقا أنهم يستدلون بأصالة عدم النقل فيقولون الأمر حقيقة في الوجوب عرفا فكذا لغة لأصالة عدم النقل و يستدلون بأصالة بقاء المعنى اللغوي فينكرون الحقيقة الشرعية إلى غير ذلك كما لا يخفى على المتتبع انتهى).
و حينئذ فلا شهادة في السيرة الجارية في باب الألفاظ على خروج العدميات.
و أما استدلالهم على إثبات الاستصحاب باستغناء الباقي عن المؤثر الظاهر الاختصاص بالوجودي فمع أنه معارض باختصاص بعض أدلتهم الآتي بالعدمي و بأنه يقتضي أن يكون النزاع مختصا بالشك من حيث المقتضي لا من حيث الرافع يمكن توجيهه بأن الغرض الأصلي هنا لما كان هو التكلم في الاستصحاب الذي هو من أدلة الأحكام الشرعية اكتفوا بذكر ما يثبت الاستصحاب الوجودي مع أنه يمكن أن يكون الغرض تتميم المطلب في العدمي بالإجماع المركب بل الأولوية لأن الموجود إذا لم يحتج في بقائه إلى المؤثر فالمعدوم كذلك بالطريق الأولى نعم ظاهر عنوانهم للمسألة باستصحاب الحال و تعريفهم له ظاهر الاختصاص بالوجودي إلا أن الوجه فيه بيان الاستصحاب الذي هو من الأدلة الشرعية للأحكام و لذا عنونه بعضهم بل الأكثر باستصحاب حال الشرع. و مما ذكرنا يظهر عدم جواز الاستشهاد على اختصاص محل النزاع بظهور قولهم في عنوان المسألة استصحاب الحال في الوجودي و إلا لدل تقييد كثير منهم العنوان باستصحاب حال الشرع على اختصاص النزاع بغير الأمور الخارجية.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 551
و ممن يظهر منه دخول العدميات في محل الخلاف الوحيد البهبهاني فيما تقدم عنه بل لعله صريح في ذلك بملاحظة ما ذكره قبل ذلك في تقسيم الاستصحاب.
و أصرح من ذلك في عموم محل النزاع استدلال النافين في كتب الخاصة و العامة بأنه لو كان الاستصحاب معتبرا لزم ترجيح بينة النافي لاعتضاده بالاستصحاب و استدلال المثبتين كما في المنية بأنه لو لم يعتبر الاستصحاب لانسد باب استنباط الأحكام من الأدلة لتطرق احتمالات فيها لا تندفع إلا بالاستصحاب.
و ممن أنكر الاستصحاب في العدميات صاحب المدارك حيث أنكر اعتبار استصحاب عدم التذكية الذي تمسك به الأكثر لنجاسة الجلد المطروح.
و بالجملة فالظاهر أن التتبع يشهد بأن العدميات ليست خارجة عن محل النزاع بل سيجيء عند بيان أدلة الأقوال أن القول بالتفصيل بين العدمي و الوجودي بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن وجوده بين العلماء لا يخلو من إشكال فضلا عن اتفاق النافين عليه إذ ما من استصحاب وجودي إلا و يمكن معه فرض استصحاب عدمي يلزم من الظن به الظن بذلك المستصحب الوجودي فيسقط فائدة نفي اعتبار الاستصحابات الوجودية و انتظر لتمام الكلام.
و مما يشهد بعدم الاتفاق في العدميات اختلافهم في أن النافي يحتاج إلى دليل أم لا فلاحظ ذلك العنوان تجده شاهد صدق على ما ادعيناه.
نعم ربما يظهر من بعضهم خروج بعض الأقسام من العدميات من محل النزاع كاستصحاب النفي المسمى بالبراءة الأصلية فإن المصرح به في كلام جماعة كالمحقق و العلامة و الفاضل الجواد الإطباق على العمل عليه و كاستصحاب عدم النسخ فإن المصرح به في كلام غير واحد كالمحدث الأسترآبادي و المحدث البحراني عدم الخلاف فيه بل مال الأول إلى كونه من ضروريات الدين و ألحق الثاني بذلك استصحاب عدم التخصيص و التقييد. و التحقيق أن اعتبار الاستصحاب بمعنى التعويل في تحقق شيء في الزمان الثاني على تحققه في الزمان السابق عليه مختلف فيه من غير فرق بين الوجودي و العدمي نعم قد يتحقق في بعض الموارد قاعدة أخرى توجب الأخذ بمقتضى الحالة السابقة كقاعدة قبح التكليف من غير بيان أو
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 552
عدم الدليل دليل العدم أو ظهور الدليل الدال على الحكم في استمراره أو عمومه أو إطلاقه أو غير ذلك و هذا لا ربط له باعتبار الاستصحاب.
ثم إنا لم نجد في أصحابنا من فرق بين الوجودي و العدمي نعم حكى شارح الشرح هذا التفصيل عن الحنفية الثاني
أن المستصحب قد يكون حكما شرعيا كالطهارة المستصحبة بعد خروج المذي و النجاسة المستصحبة بعد زوال تغير المتغير بنفسه و قد يكون غيره كاستصحاب الكرية و الرطوبة و الوضع الأول عند الشك في حدوث النقل أو في تاريخه و الظاهر بل صريح جماعة وقوع الخلاف في كلا القسمين نعم نسب إلى بعض التفصيل بينهما بإنكار الأول و الاعتراف بالثاني و نسب إلى آخر العكس حكاهما الفاضل القمي في القوانين.
و فيه نظر يظهر بتوضيح المراد من الحكم الشرعي و غيره فنقول الحكم الشرعي يراد به تارة الحكم الكلي الذي من شأنه أن يؤخذ من الشارع كطهارة من خرج منه المذي أو نجاسة ما زال تغيره بنفسه و أخرى يراد به ما يعم الحكم الجزئي الخاص في الموضوع كطهارة هذا الثوب و نجاسته فإن الحكم بهما من جهة عدم ملاقاته للنجس أو ملاقاته ليس وظيفة للشارع نعم وظيفته إثبات الطهارة كلية لكل شيء شك في ملاقاته للنجس و عدمها. و على الإطلاق الأول جرى الأخباريون حيث أنكروا اعتبار الاستصحاب في نفس أحكام الله تعالى.
(و جعله الأسترآبادي من أغلاط من تأخر عن المفيد مع اعترافه باعتبار الاستصحاب في مثل طهارة الثوب و نجاسته و غيرهما مما شك فيه من الأحكام الجزئية لأجل الاشتباه في الأمور الخارجية) (و صرح المحدث الحر العاملي بأن أخبار الاستصحاب لا تدل على اعتباره في نفس الحكم الشرعي و إنما تدل على اعتباره في موضوعاته و متعلقاته).
و الأصل في ذلك عندهم أن الشبهة في الحكم الكلي لا مرجع فيها إلا الاحتياط دون البراءة
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 553
أو الاستصحاب فإنهما عندهم مختصان بالشبهة في الموضوع.
و على الإطلاق الثاني جرى بعض آخر.
(قال المحقق الخوانساري في مسألة الاستنجاء بالأحجار و ينقسم إلى قسمين باعتبار الحكم المأخوذ فيه إلى شرعي و غيره و مثل للأول بنجاسة الثوب أو البدن و للثاني برطوبته ثم قال ذهب بعضهم إلى حجيته بقسميه و بعضهم إلى حجية القسم الأول فقط انتهى).
إذا عرفت ما ذكرناه ظهر أن عد القول بالتفصيل بين الأحكام الشرعية و الأمور الخارجية قولين متعاكسين ليس على ما ينبغي.
لأن المراد بالحكم الشرعي إن كان هو الحكم الكلي الذي أنكره الأخباريون فليس هنا من يقول باعتبار الاستصحاب فيه و نفيه في غيره فإن ما حكاه المحقق الخوانساري و استظهره السبزواري هو اعتباره في الحكم الشرعي بالإطلاق الثاني الذي هو أعم من الأول.
و إن أريد بالحكم الشرعي الإطلاق الثاني الأعم فلم يقل أحد باعتباره في غير الحكم الشرعي و عدمه في الحكم الشرعي لأن الأخباريين لا ينكرون الاستصحاب في الأحكام الجزئية.
ثم إن المحصل من القول بالتفصيل بين القسمين المذكورين في هذا التقسيم ثلاثة الأول اعتبار الاستصحاب في الحكم الشرعي مطلقا جزئيا كان كنجاسة الثوب أو كليا كنجاسة الماء المتغير بعد زوال التغير و هو الظاهر مما حكاه المحقق الخوانساري.
الثاني اعتباره في ما عدا الحكم الشرعي الكلي و إن كان حكما جزئيا و هو الذي حكاه في الرسالة الاستصحابية عن الأخباريين.
الثالث اعتباره في الحكم الجزئي دون الكلي و دون الأمور الخارجية و هو الذي ربما يستظهر مما حكاه السيد شارح الوافية عن المحقق الخوانساري في حاشية له على قول الشهيد قدس سره في تحريم استعمال الماء النجس و المشتبه.
الثالث
من حيث إن المستصحب قد يكون حكما تكليفيا و قد يكون وضعيا شرعيا كالأسباب
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 554
و الشروط و الموانع و قد وقع الخلاف من هذه الجهة ففصل صاحب الوافية بين التكليفي و غيره بالإنكار في الأول دون الثاني.
و إنما لم ندرج هذا التقسيم في التقسيم الثاني مع أنه تقسيم لأحد قسميه لأن ظاهر كلام المفصل المذكور و إن كان هو التفصيل بين الحكم التكليفي و الوضعي إلا أن آخر كلامه ظاهر في إجراء الاستصحاب في نفس الأسباب و الشروط و الموانع دون السببية و الشرطية و المانعية و سيتضح ذلك عند نقل عبارته عند التعرض لأدلة الأقوال
و أما بالاعتبار الثاني فمن وجوه أيضا
أحدها
من حيث إن الدليل المثبت للمستصحب إما أن يكون هو الإجماع و إما أن يكون غيره و قد فصل بين هذين القسمين الغزالي فأنكر الاستصحاب في الأول (و ربما يظهر من صاحب الحدائق فيما حكي عنه في الدرر النجفية أن محل النزاع في الاستصحاب منحصر في استصحاب حال الإجماع) و سيأتي تفصيل ذلك عند نقل أدلة الأقوال إن شاء الله.
الثاني
من حيث إنه قد يثبت بالدليل الشرعي و قد يثبت بالدليل العقلي و لم أجد من فصل بينهما إلا أن في تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي و هو الحكم العقلي المتوصل به إلى حكم شرعي تأملا نظرا إلى أن الأحكام العقلية كلها مبينة مفصلة من حيث مناط الحكم و الشك في بقاء المستصحب و عدمه لا بد و أن يرجع إلى الشك في موضوع الحكم لأن الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن و القبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف الذي هو الموضوع فالشك في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع لا يكون إلا للشك في موضوعه و الموضوع لا بد أن يكون محرزا معلوم البقاء في الاستصحاب كما سيجيء.
و لا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون الشك من جهة الشك في وجود الرافع و بين أن يكون لأجل الشك في استعداد الحكم لأن ارتفاع الحكم العقلي لا يكون إلا بارتفاع موضوعه فيرجع الأمر بالأخرة إلى تبدل العنوان أ لا ترى أن العقل إذا حكم بقبح الصدق الضار فحكمه يرجع إلى أن الضار من حيث إنه ضار حرام و معلوم أن هذه القضية غير قابلة للاستصحاب عند الشك في الضرر مع العلم بتحققه سابقا لأن قولنا المضر قبيح حكم دائمي لا يحتمل ارتفاعه أبدا و لا
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 555
ينفع في إثبات القبح عند الشك في بقاء الضرر.
و لا يجوز أن يقال إن هذا الصدق كان قبيحا سابقا فيستصحب قبحه لأن الموضوع في حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق بل عنوان المضر و الحكم له مقطوع البقاء و هذا بخلاف الأحكام الشرعية فإنه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما و لا يعلم أن المناط الحقيقي فيه باق في زمان الشك أو مرتفع إما من جهة جهل المناط أو من جهة الجهل ببقائه مع معرفته فيستصحب الحكم الشرعي.
فإن قلت على القول بكون الأحكام الشرعية تابعة للأحكام العقلية ف ما هو مناط الحكم و موضوعه في الحكم العقلي بقبح هذا الصدق فهو المناط و الموضوع في حكم الشرع بحرمته إذ المفروض بقاعدة التطابق أن موضوع الحرمة و مناطه هو بعينه موضوع القبح و مناطه.
قلت هذا مسلم لكنه مانع عن الفرق بين الحكم الشرعي و العقلي من حيث الظن بالبقاء في الآن اللاحق لا من حيث جريان أخبار الاستصحاب و عدمه فإنه تابع لتحقق موضوع المستصحب و معروضه بحكم العرف فإذا حكم الشارع بحرمة شيء في زمان و شك في الزمان الثاني و لم يعلم أن المناط الحقيقي واقعا الذي هو المناط و الموضوع في حكم العقل باق هنا أم لا فيصدق هنا أن الحكم الشرعي الثابت لما هو الموضوع له في الأدلة الشرعية كان موجودا سابقا و شك في بقائه و يجري فيه أخبار الاستصحاب نعم لو علم مناط هذا الحكم و موضوعه المعلق عليه في حكم العقل لم يجر الاستصحاب لما ذكرنا من عدم إحراز الموضوع.
و مما ذكرنا يظهر أن الاستصحاب لا يجري في الأحكام العقلية و لا في الأحكام الشرعية المستندة إليها سواء كانت وجودية أم عدمية إذا كان العدم مستندا إلى القضية العقلية كعدم وجوب الصلاة مع السورة على ناسيها فإنه لا يجوز استصحابه بعد الالتفات كما صدر من بعض من مال إلى الحكم بالإجزاء في هذه الصورة و أمثالها من موارد الأعذار العقلية الرافعة للتكليف مع قيام مقتضية و أما إذا لم يكن العدم مستندا إلى القضية العقلية بل كان لعدم المقتضي و إن كان القضية العقلية موجودة أيضا فلا بأس باستصحاب العدم المطلق بعد ارتفاع القضية العقلية.
و من هذا الباب استصحاب حال العقل المراد به في اصطلاحهم استصحاب البراءة و النفي.
فالمراد استصحاب الحال التي يحكم العقل على طبقها و هو عدم التكليف لا الحال المستندة إلى العقل حتى يقال إن مقتضى ما تقدم هو عدم جواز استصحاب عدم التكليف عند ارتفاع القضية العقلية و هي قبح تكليف غير المميز أو المعدوم.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 556
و مما ذكرنا ظهر أنه لا وجه للاعتراض على القوم في تخصيص استصحاب حال العقل باستصحاب النفي و البراءة بأن الثابت بالعقل قد يكون عدميا و قد يكون وجوديا فلا وجه للتخصيص و ذلك لما عرفت من أن الحال المستند إلى العقل المنوط بالقضية العقلية لا يجري فيه الاستصحاب وجوديا كان أو عدميا و ما ذكره من الأمثلة يظهر الحال فيها مما تقدم
الثالث
أن دليل المستصحب إما أن يدل على استمرار الحكم إلى حصول رافع أو غاية و إما أن لا يدل و قد فصل بين هذين القسمين المحقق في المعارج و المحقق الخوانساري في شرح الدروس فأنكرا الحجية في الثاني و اعترفا بها في الأول مطلقا كما يظهر من المعارج أو بشرط كون الشك في وجود الغاية كما يأتي من شارح الدروس. و تخيل بعضهم تبعا لصاحب المعالم أن قول المحقق قدس سره موافق للمنكرين لأن محل النزاع ما لم يكن الدليل مقتضيا للحكم في الآن اللاحق لو لا الشك في الرافع.
و هو غير بعيد بالنظر إلى كلام السيد و الشيخ و ابن زهرة و غيرهم حيث إن المفروض في كلامهم هو كون دليل الحكم في الزمان الأول قضية مهملة ساكتة عن حكم الزمان الثاني و لو مع فرض عدم الرافع.
إلا أن الذي يقتضيه التدبر في بعض كلماتهم مثل إنكار السيد لاستصحاب البلد المبني على ساحل البحر مع كون الشك فيه نظير الشك في وجود الرافع للحكم الشرعي و غير ذلك مما يظهر للمتأمل و يقتضيه الجمع بين كلماتهم و بين ما يظهر من بعض استدلال المثبتين و النافين هو عموم النزاع لما ذكره المحقق فما ذكره في المعارج أخيرا ليس رجوعا عما ذكره أولا بل لعله بيان لمورد تلك الأدلة التي ذكرها لاعتبار الاستصحاب و أنها لا تقتضي اعتبارا أزيد من مورد يكون الدليل فيه مقتضيا للحكم مطلقا و يشك في رافعه.
و أما باعتبار الشك في البقاء فمن وجوه أيضا
أحدها
من جهة أن الشك قد ينشأ من اشتباه الأمر الخارجي مثل الشك في حدوث البول أو كون الحادث بولا أو وذيا و يسمى بالشبهة في الموضوع سواء كان المستصحب حكما شرعيا جزئيا
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 557
كالطهارة في المثالين أم موضوعا كالرطوبة و الكرية و عدم نقل اللفظ عن معناه الأصلي و شبه ذلك و قد ينشأ من اشتباه الحكم الشرعي الصادر من الشارع كالشك في بقاء نجاسة المتغير بعد زوال تغيره و طهارة المكلف بعد حدوث المذي منه و نحو ذلك.
و الظاهر دخول القسمين في محل النزاع كما يظهر من كلام المنكرين حيث ينكرون استصحاب حياة زيد بعد غيبته عن النظر و البلد المبني على ساحل البحر و من كلام المثبتين حيث يستدلون بتوقف نظام معاش الناس و معادهم على الاستصحاب.
و يحكى عن الأخباريين اختصاص الخلاف بالثاني و هو الذي صرح به المحدث البحراني (و يظهر من كلام المحدث الأسترآبادي حيث قال في فوائده اعلم أن للاستصحاب صورتين معتبرتين باتفاق الأمة بل أقول اعتبارهما من ضروريات الدين إحداهما أن الصحابة و غيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبينا صلى اللَّه عليه و آله إلى أن يجيء ناسخه الثانية أنا نستصحب كل أمر من الأمور الشرعية مثل كون الرجل مالك أرض و كونه زوج امرأة و كونه عبد رجل و كونه على وضوء و كون الثوب طاهرا أو نجسا و كون الليل أو النهار باقيا و كون ذمة الإنسان مشغولة بصلاة أو طواف إلى أن يقطع بوجود شيء جعله الشارع سببا مزيلا لنقض تلك الأمور ثم ذلك الشيء قد يكون شهادة العدلين و قد يكون قول الحجام المسلم و من في حكمه و قد يكون قول القصار و من في حكمه و قد يكون بيع ما يحتاج إلى الذبح و الغسل في سوق المسلمين و أشباه ذلك من الأمور الحسية انتهى).
و لو لا تمثيله باستصحاب الليل و النهار لاحتمل أن يكون معقد إجماعه الشك من حيث المانع وجودا أو منعا إلا أن الجامع بين جميع أمثلة الصورة الثانية ليس إلا الشبهة الموضوعية فكأنه استثني من محل الخلاف صورة واحدة من الشبهة الحكمية أعني الشك في النسخ و جميع صور الشبهة الموضوعية.
و أصرح من العبارة المذكورة في اختصاص محل الخلاف بالشبهة الحكمية ما حكي عنه في (الفوائد أنه قال في جملة كلام له
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 558
إن صور الاستصحاب المختلف فيه راجعة إلى أنه إذا ثبت حكم بخطاب شرعي في موضوع في حال من حالاته نجريه في ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة و حدوث نقيضها فيه و من المعلوم أنه إذا تبدل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد اختلف موضوع المسألتين فالذي سموه استصحابا راجع في الحقيقة إلى إسراء حكم لموضوع إلى موضوع آخر متحد معه بالذات مختلف بالقيد و الصفات انتهى)
الثاني
من حيث إن الشك بالمعنى الأعم الذي هو المأخوذ في تعريف الاستصحاب قد يكون مع تساوي الطرفين و قد يكون مع رجحان البقاء أو الارتفاع فلا إشكال في دخول الأولين في محل النزاع و أما الثالث فقد يتراءى من بعض كلماتهم عدم وقوع الخلاف فيه (قال شارح المختصر معنى استصحاب الحال أن الحكم الفلاني قد كان و لم يظن عدمه و كل ما كان كذلك فهو مظنون البقاء و قد اختلف في صحة حجية الاستدلال به لإفادته الظن و عدمها لعدم إفادته انتهى).
و التحقيق أن محل الخلاف إن كان في اعتبار الاستصحاب من باب التعبد و الطريق الظاهري عم صورة الظن الغير المعتبر بالخلاف و إن كان من باب إفادة الظن كما صرح به شارح المختصر فإن كان من باب الظن الشخصي كما يظهر من كلمات بعضهم كشيخنا البهائي في الحبل المتين و بعض من تأخر عنه كان محل الخلاف في غير صورة الظن بالخلاف إذ مع وجوده لا يعقل ظن البقاء و إن كان من باب إفادة نوعه الظن لو خلي و طبعه و إن عرض لبعض أفراده ما يسقطه عن إفادة الظن عم الخلاف صورة الظن بالخلاف أيضا.
و يمكن أن يحمل كلام العضدي على إرادة أن الاستصحاب من شأنه بالنوع أن يفيد الظن عند فرض عدم الظن بالخلاف و سيجيء زيادة توضيح لذلك إن شاء الله.
الثالث
من حيث إن الشك في بقاء المستصحب قد يكون من جهة المقتضي و المراد به الشك من
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 559
حيث استعداده و قابليته في ذاته للبقاء كالشك في بقاء الليل و النهار و خيار الغبن بعد الزمان الأول و قد يكون من جهة طرو الرافع مع القطع باستعداده للبقاء.
و هذا على أقسام لأن الشك إما في وجود الرافع كالشك في حدوث البول و إما أن يكون في رافعية الموجود إما لعدم تعين المستصحب و تردده بين ما يكون الموجود رافعا و بين ما لا يكون كفعل الظهر المشكوك كونه رافعا لشغل الذمة بالصلاة المكلف بها قبل العصر يوم الجمعة من جهة تردده بين الظهر و الجمعة و إما للجهل بصفة الموجود من كونه رافعا كالمذي أو مصداقا لرافع معلوم المفهوم كالرطوبة المرددة بين البول و الودي أو مجهول المفهوم.
و لا إشكال في كون ما عدا الشك في وجود الرافع محلا للخلاف و إن كان يشعر ظاهر استدلال بعض المثبتين بأن المقتضي للحكم الأول موجود إلى آخره يوهم الخلاف و أما هو فالظاهر أيضا وقوع الخلاف فيه كما يظهر من إنكار السيد قدس سره للاستصحاب في البلد المبني على ساحل البحر و زيد الغائب عن النظر و أن الاستصحاب لو كان حجة لكان بينة النافي أولى لاعتضاده بالاستصحاب.
و كيف كان فقد يفصل بين كون الشك من جهة المقتضي و بين كونه من جهة الرافع فينكر الاستصحاب في الأول و قد يفصل في الرافع بين الشك في وجوده و الشك في رافعيته فينكر الثاني مطلقا أو إذا لم يكن الشك في المصداق الخارجي.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 560
[الأقوال في الاستصحاب]
هذه جملة ما حضرني من كلمات الأصحاب.
و المتحصل منها في بادي النظر أحد عشر قولا الأول القول بالحجية مطلقا.
الثاني عدمها مطلقا.
الثالث التفصيل بين العدمي و الوجودي.
الرابع التفصيل بين الأمور الخارجية و بين الحكم الشرعي مطلقا فلا يعتبر في الأول.
الخامس التفصيل بين الحكم الشرعي الكلي و غيره فلا يعتبر في الأول إلا في عدم النسخ.
السادس التفصيل بين الحكم الجزئي و غيره فلا يعتبر في غير الأول.
و هذا هو الذي تقدم أنه ربما يستظهر من كلام المحقق الخوانساري في حاشية شرح الدروس على ما حكاه السيد في شرح الوافية.
السابع التفصيل بين الكلي التكليفي الغير التابع للحكم الوضعي و غيره فلا يعتبر في الأول التفصيل بين الأحكام الوضعية يعني نفس الأسباب و الشروط و الموانع و الأحكام التكليفية التابعة لها و بين غيرها من الأحكام الشرعية فيجري في الأول دون الثاني.
الثامن التفصيل بين ما ثبت بالإجماع و غيره فلا يعتبر في الأول.
التاسع التفصيل بين كون المستصحب مما ثبت بدليله أو من الخارج استمراره فشك في الغاية الرافعة و بين غيره فيعتبر في الأول دون الثاني كما هو ظاهر المعارج.
العاشر هذا التفصيل مع اختصاص الشك بوجود الغاية كما هو الظاهر من المحقق السبزواري فيما سيجيء من كلامه.
الحادي عشر زيادة الشك في مصداق الغاية من جهة الاشتباه المصداقي دون المفهومي كما هو ظاهر ما سيجيء من المحقق الخوانساري.
ثم إنه لو بنى على ملاحظة ظواهر كلمات من تعرض لهذه المسألة في الأصول و الفروع لزادت الأقوال على العدد المذكور بكثير بل يحصل لعالم واحد قولان أو أزيد في المسألة إلا أن صرف الوقت في هذا مما لا ينبغي
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 561
و الأقوى هو القول التاسع
و هو الذي اختاره المحقق (فإن المحكي عنه في المعارج أنه قال إذا ثبت حكم في وقت ثم جاء وقت آخر و لم يقم دليل على انتفاء ذلك الحكم هل يحكم ببقائه على ما كان أم يفتقر الحكم به في الوقت الثاني إلى دلالة كما يفتقر نفيه إلى الدلالة.
(حكي عن المفيد رحمه الله أنه يحكم ببقائه ما لم تقم دلالة على نفيه) و هو المختار (و قال المرتضى قدس سره لا يحكم).
ثم مثل بالمتيمم الواجد للماء في أثناء الصلاة ثم احتج للحجية بوجوه منها أن المقتضي للحكم الأول موجود ثم ذكر أدلة المانعين و أجاب عنها ثم قال و الذي نختاره أن ننظر في دليل ذلك الحكم فإن كان يقتضيه مطلقا وجب الحكم باستمرار الحكم كعقد النكاح فإنه يوجب حل الوطء مطلقا فإذا وقع الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق فالمستدل على أن الطلاق لا يقع بها لو قال حل الوطء ثابت قبل النطق بهذه الألفاظ فكذا بعده كان صحيحا لأن المقتضي للتحليل و هو العقد اقتضاه مطلقا و لا يعلم أن الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء فيثبت الحكم عملا بالمقتضي.
لا يقال إن المقتضي هو العقد و لم يثبت أنه باق.
لأنا نقول وقوع العقد اقتضى حل الوطء لا مقيدا بوقت فيلزم دوام الحل نظرا إلى وقوع المقتضي لا إلى دوامه فيجب أن يثبت الحل حتى يثبت الرافع ثم قال فإن كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه فليس هذا عملا بغير دليل و إن كان يعني أمرا آخر وراء هذا فنحن مضربون عنه انتهى).
و يظهر من صاحب المعالم اختياره حيث جعل هذا القول من المحقق نفيا بحجية الاستصحاب فيظهر أن الاستصحاب المختلف فيه غيره.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج2، ص: 562
مقبول
طہارۃ، استعمال طہور مشروط بالنیت
المدخل۔۔۔
الزکاۃ،کتاب الزکاۃ وفصولہ اربعۃ۔۔۔
مقدمہ و تعریف :الامرلاول تعریف علم الاصول۔۔۔
الطہارۃ و مختصر حالات زندگانی
الفصل السابع :نسخ الوجوب۔۔
الفصل الثالث؛ تقسیم القطع الی طریقی ...
مقالات
دینی مدارس کی قابل تقلید خوبیاں
ایک اچھے مدرس کے اوصاف
اسلام میں استاد کا مقام و مرتبہ
طالب علم کے لئے کامیابی کے زریں اصول