حضرت امام مهدی عليه‌السلام نے فرمایا: میں خدا کی زمین میں بقیۃ اللہ اور اس کے دشمنوں سے انتقام لینے والا ہوں بحارالانوار ابواب النصوص من اللہ تعالیٰ باب18 حدیث16

المقصد الثالث من مقاصد الكتاب في الشك‏
و الموضع الأول و هو الشك في نفس التكليف‏
احتج للقول الأول بالأدلة الأربعة
و أما الإجماع فتقريره من وجهين‏
احتج للقول الثاني و هو وجوب الكف عما يحتمل الحرمة بالأدلة الثلاثة
و ينبغي التنبيه على أمور
المسألة الثانية ما إذا كان دوران حكم الفعل
المطلب الثاني في دوران حكم الفعل بين الوجوب و غير الحرمة من الأحكام‏
المطلب الثالث فيما دار الأمر فيه بين الوجوب و الحرمة
الموضع الثاني في الشك في المكلف به‏
و أما المقام الثاني و هو وجوب اجتناب الكل و عدمه‏
و ينبغي التنبيه على أمور
المقام الثاني في الشبهة الغير المحصورة
المطلب الثاني في اشتباه الواجب بغير الحرام‏
و ينبغي التنبيه على أمور
القسم الثاني فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقل و الأكثر
المسألة الثانية ما إذا كان الشك في الجزئية ناشئا من إجمال الدليل‏
و أما القسم الثاني و هو الشك في كون الشي‏ء قيدا للمأمور به‏
الأمر الثاني‏
خاتمة فيما يعتبر في العمل بالأصل‏
و أما البراءة
و أما الكلام في مقدار الفحص‏
قاعدة لا ضرر

رسائل حصہ دوم

المطلب الثاني في دوران حكم الفعل بين الوجوب و غير الحرمة من الأحكام‏

المطلب الثاني في دوران حكم الفعل بين الوجوب و غير الحرمة من الأحكام‏

و فيه أيضا مسائل‏

المسألة الأولى فيما اشتبه حكمه الشرعي الكلي من جهة عدم النص المعتبر كما إذا ورد خبر ضعيف أو فتوى جماعة بوجوب فعل كالدعاء عند رؤية الهلال و كالاستهلال في رمضان و غير ذلك و المعروف من الأخباريين هنا موافقة المجتهدين في العمل بأصالة البراءة و عدم وجوب الاحتياط. (قال المحدث الحر العاملي في باب القضاء من الوسائل إنه لا خلاف في نفي الوجوب عند الشك في الوجوب إلا إذا علمنا اشتغال الذمة بعبادة معينة و حصل الشك بين الفردين كالقصر و الإتمام و الظهر و الجمعة و جزاء واحد للصيد أو اثنين و نحو ذلك فإنه يجب الجمع بين العبادتين لتحريم تركهما معا للنص و تحريم الجزم بوجوب أحدهما بعينه عملا بأحاديث الاحتياط انتهى موضع الحاجة) (و قال المحدث البحراني في مقدمات كتابه بعد تقسيم أصل البراءة إلى قسمين أحدهما أنها عبارة عن نفي وجوب فعل وجودي بمعنى أن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليل على الوجوب و هذا القسم لا خلاف في صحة الاستدلال به إذ لم يقل أحد إن الأصل الوجوب) (و قال في محكي كتابه المسمى بالدرر النجفية إن كان الحكم المشكوك دليله هو الوجوب فلا خلاف و لا إشكال في انتفائه حتى يظهر دليله لاستلزام التكليف بدون دليل الحرج و التكليف بما لا يطاق انتهى).

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 378

لكنه رحمه الله في مسألة وجوب الاحتياط قال بعد القطع برجحان الاحتياط: (إن منه ما يكون واجبا و منه ما يكون مستحبا فالأول كما إذا تردد المكلف في الحكم إما لتعارض الأدلة أو لتشابهها و عدم وضوح دلالتها أو لعدم الدليل بالكلية بناء على نفي البراءة الأصلية أو لكون ذلك الفرد مشكوكا في اندراجه تحت بعض الكليات المعلومة الحكم أو نحو ذلك و الثاني كما إذا حصل الشك باحتمال وجود النقيض لما قام عليه الدليل الشرعي احتمالا مستندا إلى بعض الأسباب المجوزة كما إذا كان مقتضى الدليل الشرعي إباحة شي‏ء و حليته لكن يحتمل قريبا بسبب بعض تلك الأسباب أنه مما حرمه الشارع و منه جوائز الجائر و نكاح امرأة بلغك أنها ارتضعت معك الرضاع المحرم و لم يثبت شرعا و منه أيضا الدليل المرجوح في نظر الفقيه أما إذا لم يحصل ما يوجب الشك و الريبة فإنه يعمل على ما ظهر له من الأدلة و إن احتمل النقيض في الواقع و لا يستحب له الاحتياط بل ربما كان مرجوحا لاستفاضة الأخبار بالنهي عن السؤال عند الشراء من سوق المسلمين).

ثم ذكر الأمثلة للأقسام الثلاثة لوجوب الاحتياط أعني اشتباه الدليل و تردده بين الوجوب و الاستحباب و تعارض الدليلين و عدم النص قال (و من هذا القسم ما لم يرد فيه نص من الأحكام التي لا يعم به البلوى عند من لم يعتمد على البراءة الأصلية فإن الحكم فيه ما ذكرنا كما سلف انتهى).

و ممن يظهر منه وجوب الاحتياط هنا (المحدث الأسترآبادي حيث حكي عنه في الفوائد المدنية أنه قال إن التمسك بالبراءة الأصلية إنما يجوز قبل إكمال الدين و أما بعد تواتر الأخبار بأن كل واقعة محتاج إليها فيها خطاب قطعي من قبل الله تعالى فلا يجوز قطعا و كيف يجوز و قد تواتر عنهم عليهم السلام وجوب التوقف في ما لم يعلم حكمها معللين بأنه بعد أن كملت الشريعة لا تخلو واقعة عن حكم قطعي وارد من‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 379

الله تعالى و من حكم بغير ما أنزل الله تعالى فأولئك هم الكافرون).

ثم أقول هذا المقام مما زلت فيه أقدام أقوام من فحول العلماء فحري بنا أن نحقق المقام و نوضحه بتوفيق الملك العلام و دلالة أهل الذكر عليه السلام.

فنقول التمسك بالبراءة الأصلية إنما يتم عند الأشاعرة المنكرين للحسن و القبح الذاتيين و كذلك عند من يقول بهما و لا يقول بالحرمة و الوجوب الذاتيين كما هو المستفاد من كلامهم عليهم السلام و هو الحق عندي.

ثم على هذين المذهبين إنما يتم قبل إكمال الدين لا بعده إلا على مذهب من جوز من العامة خلو الواقعة عن حكم.

لا يقال بقي هنا أصل آخر و هو أن يكون الخطاب الوارد في الواقعة موافقا للبراءة الأصلية.

لأنا نقول هذا الكلام مما لا يرضى به لبيب لأن خطابه تعالى تابع للمصالح و الحكم و مقتضيات الحكم و المصالح مختلفة إلى أن قال (هذا الكلام مما لا يرتاب في قبحه نظير أن يقال الأصل في الأجسام تساوي نسبة طبائعها إلى جهة السفل و العلو و من المعلوم بطلان هذا المقال).

ثم أقول هذا الحديث المتواتر بين الفريقين المشتمل على حصر الأمور في الثلاثة و حديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك و نظائرهما أخرج كل واقعة لم يكن حكمها مبينا من البراءة الأصلية و أوجب التوقف فيها. (ثم قال بعد أن الاحتياط قد يكون في محتمل الوجوب و قد يكون في محتمل الحرمة إن عادة العامة و المتأخرين من الخاصة جرت بالتمسك بالبراءة الأصلية و لما أبطلنا جواز التمسك بها في المقامين لعلمنا بأن الله تعالى أكمل لنا ديننا و علمنا بأن كل واقعة يحتاج إليها ورد فيها خطاب قطعي من الله تعالى خال عن المعارض و بأن كل ما جاء به نبينا صلى اللَّه عليه و آله مخزون عند العترة الطاهرة و لم يرخصوا لنا في التمسك بالبراءة الأصلية بل أوجبوا التوقف في كل ما لم يعلم حكمه و أوجبوا الاحتياط في بعض صوره فعلينا أن نبين ما يجب أن يفعل في‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 380

المقامين و سنحققه فيما يأتي إن شاء الله تعالى.

و ذكر هناك ما حاصله وجوب الاحتياط عند تساوي احتمال الأمر الوارد بين الوجوب و الاستحباب و لو كان ظاهرا في الندب بني على جواز الترك و كذا لو وردت رواية ضعيفة بوجوب شي‏ء و تمسك في ذلك بحديث ما حجب الله علمه و حديث رفع التسعة قال و خرج عن تحتهما كل فعل وجودي لم يقطع بجوازه ل حديث التثليث).

أقول قد عرفت فيما تقدم في نقل كلام (المحقق رحمه الله أن التمسك بأصل البراءة منوط بدليل عقلي هو قبح التكليف بما لا طريق إلى العلم به) و هذا لا دخل فيه لإكمال الدين و عدمه لكون الحسن و القبح أو الوجوب و التحريم عقليين أو شرعيين في ذلك.

و العمدة فيما ذكره هذا المحدث من أوله إلى آخره تخيله أن مذهب المجتهدين التمسك بالبراءة الأصلية لنفي الحكم الواقعي و لم أجد أحدا يستدل بها على ذلك نعم قد عرفت سابقا أن ظاهر جماعة من الإمامية جعل أصل البراءة من الأدلة الظنية كما تقدم في المطلب الأول استظهار ذلك من صاحبي المعالم و الزبدة.

لكن ما ذكره من إكمال الدين لا ينفي حصول الظن بجواز دعوى أن المظنون بالاستصحاب أو غيره موافقة ما جاء به النبي صلى اللَّه عليه و آله للبراءة و ما ذكره من تبعية خطاب الله تعالى للحكم و المصالح لا ينافي ذلك.

لكن الإنصاف أن الاستصحاب لا يفيد الظن خصوصا في المقام كما سيجي‏ء إن شاء الله تعالى في محله و لا أمارة غيره يفيد الظن فالاعتراض على مثل هؤلاء إنما هو منع حصول الظن و منع اعتباره على تقدير الحصول و لا دخل لإكمال الدين و عدمه و لا للحسن و القبح العقليين في هذا المنع.

و كيف كان (فيظهر من المعارج القول بالاحتياط في المقام عن جماعة حيث قال الاحتياط غير لازم و صار آخرون إلى لزومه و فصل آخرون انتهى) و حكي عن المعالم نسبته إلى جماعة.

فالظاهر أن المسألة خلافية لكن لم يعرف القائل به بعينه و إن كان يظهر من الشيخ و السيدين رحمهم الله التمسك به أحيانا لكن يعلم مذهبهم من أكثر المسائل و الأقوى فيه جريان أصالة البراءة للأدلة الأربعة المتقدمة مضافا إلى الإجماع المركب‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 381

و ينبغي التنبيه على أمور

الأول‏

أن محل الكلام في هذه المسألة هو احتمال الوجوب النفسي المستقل و أما إذا احتمل كون شي‏ء واجبا لكونه جزءا أو شرطا لواجب آخر فهو داخل في الشك في المكلف به و إن كان المختار جريان أصل البراءة فيه أيضا كما سيجي‏ء إن شاء الله تعالى لكنه خارج عن هذه المسألة الاتفاقية.

الثاني‏

أنه لا إشكال في رجحان الاحتياط بالفعل حتى فيما احتمل كراهته و الظاهر ترتب الثواب عليه إذا أتي به لداعي احتمال المحبوبية لأنه انقياد و إطاعة حكمية و الحكم بالثواب هنا أولى من الحكم بالعقاب على تارك الاحتياط اللازم بناء على أنها في حكم المعصية و إن لم يفعل محرما واقعيا.

و في جريان ذلك في العبادات عند دوران الأمر بين الوجوب و غير الاستحباب وجهان أقواهما العدم لأن العبادة لا بد فيها من نية التقرب المتوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا كما في كل من الصلوات الأربع عند اشتباه القبلة و ما ذكرنا من ترتب الثواب على هذا الفعل لا يوجب تعلق الأمر به بل هو لأجل كونه انقيادا للشارع و العبد معه في حكم المطيع بل لا يسمى ذلك ثوابا.

و دعوى أن العقل إذا استقل بحسن هذا الإتيان ثبت بحكم الملازمة الأمر به شرعا مدفوعة بما تقدم في المطلب الأول من أن الأمر الشرعي بهذا النحو من الانقياد كأمره بالانقياد الحقيقي و الإطاعة الواقعية في معلوم التكليف إرشادي محض لا يترتب على موافقته و مخالفته أزيد

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 382

مما يترتب على نفس وجود المأمور به أو عدمه كما هو شأن الأوامر الإرشادية فلا إطاعة لهذا الأمر الإرشادي و لا ينفع في جعل الشي‏ء عبادة كما أن إطاعة الأوامر المتحققة لم تصر عبادة بسبب الأمر الوارد بها في قوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ*.

و يحتمل الجريان بناء على أن هذا المقدار من الحسن العقلي يكفي في العبادة و منع توقفها على ورود أمر بها بل يكفي الإتيان به لاحتمال كونه مطلوبا أو كون تركه مبغوضا و لذا استقرت سيرة العلماء و الصلحاء فتوى و عملا على إعادة العبادات لمجرد الخروج عن مخالفة النصوص الغير المعتبرة و الفتاوى النادرة. (و استدل في الذكرى في خاتمة قضاء الفوائت على شرعية قضاء الصلاة لمجرد احتمال خلل فيها موهوم بقوله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ و اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ و قوله وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى‏ رَبِّهِمْ راجِعُونَ).

و التحقيق أنه إن بكفاية احتمال المطلوبية في صحة العبادة فيما لا يعلم المطلوبية و لو إجمالا فهو و إلا فما أورده رحمه الله في الذكرى كأوامر الاحتياط لا يجدي في صحتها لأن موضوع التقوى و الاحتياط الذي يتوقف عليه هذه الأوامر لا يتحقق إلا بعد إتيان محتمل العبادة على وجه يجتمع فيه جميع ما يعتبر في العبادة حتى نية التقرب و إلا لم يكن احتياطا فلا يجوز أن يكون تلك الأوامر منشأ للقربة المنوية فيها.

اللهم إلا أن يقال بعد النقض بورود هذا الإيراد في الأوامر الواقعية بالعبادات مثل قوله أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ* حيث إن قصد القربة مما يعتبر في موضوع العبادة شطرا أو شرطا و المفروض ثبوت مشروعيتها بهذا الأمر الوارد فيها أن المراد من الاحتياط و الاتقاء في هذه الأوامر هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة فمعنى الاحتياط بالصلاة الإتيان بجميع ما يعتبر فيها عدا قصد القربة فأوامر الاحتياط تتعلق بهذا الفعل و حينئذ فيقصد المكلف فيه التقرب بإطاعة هذا الأمر و من هنا يتجه الفتوى باستحباب هذا الفعل و إن لم يعلم المقلد كون هذا الفعل مما شك في كونها عبادة و لم يأت به بداعي احتمال المطلوبية.

و لو أريد بالاحتياط في هذه الأوامر معناه الحقيقي و هو إتيان الفعل لداعي احتمال المطلوبية لم يجز للمجتهد أن يفتي باستحبابه إلا مع التقييد بإتيانه بداعي الاحتمال حتى يصدق عليه عنوان‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 383

الاحتياط مع استقرار سيرة أهل الفتوى على خلافه فيعلم أن المقصود إتيان الفعل بجميع ما يعتبر فيه عدا نية الداعي.

ثم إن منشأ احتمال الوجوب إذا كان خبرا ضعيفا فلا حاجة إلى أخبار الاحتياط و كلفة إثبات أن الأمر فيها للاستحباب الشرعي دون الإرشاد العقلي لورود بعض الأخبار باستحباب فعل كل ما يحتمل فيه الثواب. (كصحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من بلغه عن النبي صلى اللَّه عليه و آله شي‏ء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له و إن كان رسول الله صلى اللَّه عليه و آله لم يقله) (و عن البحار بعد ذكرها أن هذا الخبر من المشهورات رواه العامة و الخاصة بأسانيد). و الظاهر أن المراد من شي‏ء من الثواب بقرينة ضمير فعمله و إضافة الأجر إليه هو الفعل المشتمل على الثواب.

(و في عدة الداعي عن الكليني رحمه الله أنه روى بطرقه عن الأئمة عليهم السلام: أنه من بلغه شي‏ء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه و إن لم يكن الأمر كما بلغه) (و أرسل نحوه السيد رحمه الله في الإقبال عن الصادق عليه السلام إلا أن فيه: كان له ذلك) و الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة إلا أن ما ذكرناه أوضح دلالة على ما نحن فيه.

و إن كان يورد عليه أيضا تارة بأن ثبوت الأجر لا يدل على الاستحباب الشرعي و أخرى بما تقدم في أوامر الاحتياط من أن قصد القربة مأخوذ في الفعل المأمور به بهذه الأخبار فلا يجوز أن تكون هي المصححة لفعله فيختص موردها بصورة تحقق الاستحباب و كون البالغ هو الثواب الخاص فهو المتسامح فيه دون أصل شرعية الفعل و ثالثة بظهورها فيما بلغ فيه الثواب المحض لا العقاب محضا أو مع الثواب.

لكن يرد هذا منع الظهور مع إطلاق الخبر و يرد ما قبله ما تقدم في أوامر الاحتياط.

و أما الإيراد الأول فالإنصاف أنه لا يخلو عن وجه لأن الظاهر من هذه الأخبار كون العمل‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 384

متفرعا على البلوغ و كونه الداعي على العمل.

و يؤيده تقييد العمل في غير واحد من تلك الأخبار بطلب قول النبي صلى اللَّه عليه و آله و التماس الثواب الموعود و من المعلوم أن العقل مستقل باستحقاق هذا العامل المدح و الثواب و حينئذ فإن كان الثابت بهذه الأخبار أصل الثواب كانت مؤكدة لحكم العقل بالاستحقاق.

و أما طلب الشارع لهذا الفعل فإن كان على وجه الإرشاد لأجل تحصيل هذا الثواب الموعود فهو لازم للاستحقاق المذكور و هو عين الأمر بالاحتياط و إن كان على وجه الطلب الشرعي المعبر عنه بالاستحباب فهو غير لازم للحكم بتنجز الثواب لأن هذا الحكم تصديق لحكم العقل بتنجزه فيشبه قوله تعالى وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي* إلا أن هذا وعد على الإطاعة الحقيقية و ما نحن فيه وعد على الإطاعة الحكمية و هو الفعل الذي يعد معه العبد في حكم المطيع فهو من باب وعد الثواب على نية الخير التي يعد معها العبد في حكم المطيع من حيث الانقياد.

و أما ما يتوهم من أن استفادة الاستحباب الشرعي فيما نحن فيه نظير استفادة الاستحباب الشرعي من الأخبار الواردة في الموارد الكثيرة المقتصر فيها على ذكر الثواب للعمل مثل (قوله عليه السلام: من سرح لحيته فله كذا) مدفوع بأن الاستفادة هناك باعتبار أن ترتب الثواب لا يكون إلا مع الإطاعة حقيقة أو حكما. فمرجع تلك الأخبار إلى بيان الثواب على إطاعة الله سبحانه بهذا الفعل فهي تكشف عن تعلق الأمر بها من الشارع فالثواب هناك لازم للأمر يستدل به عليه استدلالا إنيا و مثل ذلك استفادة الوجوب و التحريم مما اقتصر فيه على ذكر العقاب على الترك أو الفعل و أما الثواب الموعود في هذه الأخبار فهو باعتبار الإطاعة الحكمية فهو لازم لنفس عمله المتفرع على السماع و احتمال الصدق و لو لم يرد به أمر آخر أصلا فلا يدل على طلب شرعي آخر له نعم يلزم من الوعد على الثواب طلب إرشادي لتحصيل ذلك الموعود. فالغرض من هذه الأوامر كأوامر الاحتياط تأييد حكم العقل و الترغيب في تحصيل ما وعد الله عباده المنقادين المعدودين بمنزلة المطيعين.

و إن كان الثابت بهذه الأخبار خصوص الثواب البالغ كما هو ظاهر بعضها فهو و إن كان مغايرا لحكم العقل باستحقاق أصل الثواب على هذا العمل بناء على أن العقل لا يحكم باستحقاق ذلك الثواب المسموع الداعي إلى الفعل بل قد يناقش في تسمية ما يستحقه هذا العامل لمجرد احتمال الأمر ثوابا و إن كان نوعا من الجزاء و العوض إلا أن مدلول هذه الأخبار إخبار عن تفضل‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 385

الله سبحانه على العامل بالثواب المسموع و هو أيضا ليس لازما لأمر شرعي هو الموجب لهذا الثواب بل هو نظير قوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ملزوم لأمر إرشادي يستقل به العقل بتحصيل ذلك الثواب المضاعف.

و الحاصل أنه كان ينبغي للمتوهم أن يقيس ما نحن فيه بما ورد من الثواب على نية الخير لا على ما ورد من الثواب في بيان المستحبات.

ثم إن الثمرة بين ما ذكرنا و بين الاستحباب الشرعي تظهر في ترتب الآثار الشرعية المترتبة على المستحبات الشرعية مثل ارتفاع الحدث المترتب على الوضوء المأمور به شرعا فإن مجرد ورود خبر غير معتبر بالأمر به لا يوجب إلا استحقاق الثواب عليه و لا يترتب عليه رفع الحدث فتأمل و كذا الحكم باستحباب غسل المسترسل من اللحية في الوضوء من باب مجرد لا يسوغ جواز المسح ببلله بل يحتمل قويا أن يمنع من المسح من بلله و إن قلنا بصيرورته مستحبا شرعيا فافهم‏

الثالث‏

أن الظاهر اختصاص أدلة البراءة بصورة الشك في الوجوب التعييني سواء كان أصليا أو عرضيا كالواجب المخير المتعين لأجل الانحصار أما لو شك في الوجوب التخييري و الإباحة فلا تجري فيه أدلة البراءة لظهورها في عدم تعيين المجهول على المكلف بحيث يلزم به و يعاقب عليه.

و في جريان أصالة عدم الوجوب تفصيل لأنه إن كان الشك في وجوبه في ضمن كلي مشترك بينه و بين غيره أو وجوب ذلك الغير بالخصوص فيشكل جريان أصالة عدم الوجوب إذ ليس هنا إلا وجوب واحد متردد بين الكلي و الفرد فتعين هنا أصالة إجراء عدم سقوط ذلك الفرد المتيقن الوجوب بفعل هذا المشكوك و أما إذا كان الشك في إيجابه بالخصوص جرى أصالة عدم الوجوب و أصالة عدم لازمه الوضعي و هو سقوط الواجب المعلوم إذا شك في إسقاطه له أما إذا قطع بكونه مسقطا للوجوب المعلوم و شك في كونه واجبا مسقطا للواجب الآخر أو مباحا مسقطا لوجوبه نظير السفر المباح المسقط لوجوب الصوم فلا مجرى للأصل إلا بالنسبة إلى طلبه و تجري أصالة البراءة عن وجوبه التعييني بالعرض إذ فرض تعذر بتعذر ذلك الواجب الآخر. و ربما يتخيل من هذا القبيل ما لو شك في وجوب الائتمام على من عجز عن القراءة و تعلمها بناء على رجوع المسألة إلى الشك في كون الائتمام مستحبا مسقطا أو واجبا مخيرا بينه و بين الصلاة مع القراءة. فيدفع وجوبه التخييري بالأصل.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 386

لكن الظاهر أن المسألة ليست من هذا القبيل لأن صلاة الجماعة فرد من الصلاة الواجبة فتتصف بالوجوب لا محالة و اتصافها بالاستحباب من باب أفضل فردي الواجب فيختص بما إذا تمكن المكلف من غيره فإذا عجز تعين و خرج عن الاستحباب كما إذا منعه مانع آخر عن الصلاة منفردا لكن يمكن منع تحقق العجز فيما نحن فيه فإنه يتمكن من الصلاة منفردا بلا قراءة لسقوطها عنه بالتعذر كسقوطها بالايتمام فتعين أحد المسقطين يحتاج إلى دليل.

(قال فخر المحققين في الإيضاح في شرح قول والده رحمه الله و الأقرب وجوب الائتمام على الأمي العاجز و وجه القرب تمكنه من صلاة صحيحة القراءة و يحتمل عدمه لعموم نصين أحدهما الاكتفاء بما يحسن مع عدم التمكن من التعلم و الثاني ندبية الجماعة و الأول أقوى لأنه يقوم مقام القراءة اختيارا فيتعين عند الضرورة لأن كل بدل اختياري يجب عينا عند تعذر مبدله و قد بين ذلك في الأصول و يحتمل العدم لأن قراءة الإمام مسقطة لوجوب القراءة على المأموم و التعذر أيضا مسقط فإذا وجد أحد المسقطين للوجوب لم يجب الآخر إذ التقدير أن كلا منهما سبب تام و المنشأ أن قراءة الإمام بدل أو مسقط انتهى). و المسألة محتاجة إلى التأمل.

ثم إن الكلام في الشك في الوجوب الكفائي كوجوب رد السلام على المصلي إذا سلم على جماعة و هو منهم يظهر مما ذكرنا فافهم.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 387

المسألة الثانية فيما اشتبه حكمه الشرعي من جهة إجمال اللفظ

كما إذا قلنا باشتراك لفظ الأمر بين الوجوب و الاستحباب أو الإباحة و المعروف هنا عدم وجوب الاحتياط و قد تقدم عن المحدث العاملي في الوسائل أنه لا خلاف في نفي الوجوب عند الشك في الوجوب و يشمله أيضا معقد إجماع المعارج لكن تقدم من المعارج أيضا عند ذكر الخلاف في نم الاحتياط وجود القائل بوجوبه هنا.

(و قد صرح صاحب الحدائق تبعا للمحدث الأسترآبادي بوجوب التوقف و الاحتياط هنا في الحدائق بعد ذكر وجوب أن من يعتمد على أصالة البراءة يجعلها هنا مرجحة للاستحباب و فيه أولا منع جواز الاعتماد على البراءة الأصلية في الأحكام الشرعية و ثانيا أن مرجع ذلك إلى أن الله تعالى حكم بالاستحباب لموافقة البراءة و من المعلوم أن أحكام الله تعالى تابعة للمصالح و الحكم الخفية و لا يمكن أن يقال إن مقتضى المصلحة موافقة البراءة الأصلية فإنه رجم بالغيب و جرأة بلا ريب انتهى).

و فيه ما لا يخفى فإن القائل بالبراءة الأصلية إن رجع إليها من باب حكم العقل بقبح العقاب من دون البيان فلا يرجع ذلك إلى دعوى كون حكم الله هو الاستحباب فضلا عن تعليل ذلك بالبراءة الأصلية و إن رجع إليها بدعوى حصول الظن فحديث تبعية الأحكام للمصالح و عدم تبعيتها كما عليه الأشاعرة أجنبي عن ذلك إذ الواجب عليه إقامة الدليل على اعتبار هذا الظن المتعلق بحكم الله الواقعي الصادر عن المصلحة أولا عنها على الخلاف.

و بالجملة فلا أدري وجها للفرق بين ما لا نص فيه و بين ما أجمل فيه النص سواء قلنا باعتبار

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 388

هذا الأصل من باب حكم العقل أو من باب الظن حتى لو جعل مناط الظن عموم البلوى فإن عموم البلوى فيما نحن فيه يوجب الظن بعدم قرينة الوجوب مع الكلام المجمل المذكور و إلا لنقل مع توفر الدواعي بخلاف الاستحباب لعدم توفر الدواعي على نقله.

ثم إن ما ذكرنا من حسن الاحتياط جار هنا و الكلام في استحبابه شرعا كما تقدم نعم الأخبار المتقدمة فيمن بلغه الثواب لا يجري هنا لأن الأمر لو دار بين الوجوب و الإباحة لم يدخل في مواردها لأن المفروض احتمال الإباحة فلا يعلم بلوغ الثواب و كذا لو دار بين الوجوب و الكراهة و لو دار بين الوجوب و الاستحباب لم يحتج إليها و الله العالم‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 389

المسألة الثالثة فيما اشتبه حكمه الشرعي من جهة تعارض النصين‏

و هنا مقامات لكن المقصود هنا إثبات عدم وجوب التوقف و الاحتياط و المعروف عدم وجوبه هنا و ما تقدم في المسألة الثانية من نقل الوفاق و الخلاف آت هنا و قد صرح المحدثان المتقدمان لوجوب التوقف و الاحتياط هنا و لا مدرك له سوى أخبار التوقف التي قد عرفت ما فيها من قصور الدلالة على الوجوب فيما نحن فيه مع أنها أعم مما دل على التوسعة و التخيير و ما دل على التوقف في خصوص المتعارضين و عدم العمل بواحد منها مختص أيضا بصورة التمكن من إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليه السلام. و أما رواية عوالي اللئالي المتقدمة الآمرة بالاحتياط و إن كانت أخص منها إلا أنك قد عرفت ما فيها مع إمكان حملها على صورة التمكن من الاستعلام و منه يظهر عدم جواز التمسك بصحيحة ابن الحجاج الواردة في جزاء الصيد بناء على استظهار شمولها باعتبار المناط لما نحن فيه.

و مما يدل على الأمر بالتخيير في خصوص ما نحن فيه من اشتباه الوجوب بغير الحرمة التوقيع المروي في الاحتجاج عن الحميري حيث (كتب إلى الصاحب عجل الله فرجه: سألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر فإن بعض أصحابنا قال لا يجب عليه تكبيرة و يجوز أن يقول بحول الله و قوته أقوم و أقعد.

الجواب في ذلك حديثان أما أحدهما فإنه إذا انتقل عن حالة إلى أخرى فعليه التكبير و أما الحديث الآخر فإنه روي أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية و كبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير و التشهد الأول‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 390

يجري هذا المجرى و بأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا الخبر).

فإن الحديث الثاني و إن كان أخص من الأول و كان اللازم تخصيص الأول به و الحكم بعدم وجوب التكبير إلا أن جوابه صلوات الله عليه و على آبائه بالأخذ بأحد الحديثين من باب التسليم يدل على أن الحديث الأول نقله الإمام عليه السلام بالمعنى و أراد شموله لحالة الانتقال من القعود إلى القيام بحيث لا يتمكن إرادة ما عدا هذا الفرد منه فأجاب عليه السلام بالتخيير.

ثم إن وظيفة الإمام و إن كانت إزالة الشبهة عن الحكم الواقعي إلا أن هذا الجواب لعله تعليم طريق العمل عند التعارض مع عدم وجوب التكبير عنده في الواقع و ليس فيه الإغراء بالجهل من حيث قصد الوجوب فيما ليس بواجب لعله من جهة كفاية قصد القربة في العمل و كيف كان فإذا ثبت التخيير بين دليلي وجوب الشي‏ء على وجه الجزئية و عدمه يثبت فيما نحن فيه من تعارض الخبرين في ثبوت التكليف المستقل بالإجماع و الأولوية القطعية.

ثم إن جماعة من الأصوليين ذكروا في باب التراجيح الخلاف في ترجيح الناقل أو المقرر و حكي عن الأكثر ترجيح الناقل و ذكروا تعارض الخبر المفيد للوجوب و المفيد للإباحة و ذهب جماعة إلى ترجيح الأول و ذكروا تعارض الخبر المفيد للإباحة و المفيد للحظر و حكي عن الأكثر بل الكل تقديم الحاظر و لعل هذا كله مع قطع النظر عن الأخبار.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 391

المسألة الرابعة دوران الأمر بين الوجوب و غيره من جهة الاشتباه في موضوع الحكم‏ و يدل عليه جميع ما تقدم في الشبهة الموضوعية التحريمية من أدلة البراءة عند الشك في التكليف و تقدم فيها أيضا اندفاع توهم أن التكليف إذا تعلق بمفهوم وجب مقدمة لامتثال التكليف في جميع أفراده موافقته في كل ما يحتمل أن يكون فردا له و من ذلك يعلم أنه لا وجه للاستناد إلى قاعدة الاشتغال فيما إذا ترددت الفائتة بين الأقل و الأكثر كصلاتين و صلاة واحدة بناء على أن الأمر بقضاء جميع ما فات واقعا يقتضي لزوم الإتيان بالأكثر من باب المقدمة.

توضيح ذلك مضافا إلى ما تقدم في الشبهة التحريمية أن قوله اقض ما فات يوجب العلم التفصيلي بوجوب قضاء ما علم فوته و هو الأقل و لا يدل أصلا على وجوب ما شك في فوته و ليس فعله مقدمة لواجب حتى يجب من باب المقدمة فالأمر بقضاء ما فات واقعا لا يقتضي إلا وجوب المعلوم فواته لا من جهة دلالة اللفظ على المعلوم حتى يقال إن اللفظ ناظر إلى الواقع من غير تقييد بالعلم بل من جهة أن الأمر بقضاء الفائت الواقعي لا يعد دليلا إلا على ما علم صدق الفائت عليه و هذا لا يحتاج إلى مقدمة و لا يعلم منه وجوب شي‏ء آخر يحتاج إلى المقدمة العلمية.

و الحاصل أن المقدمة العلمية المتصفة بالوجوب لا يكون إلا مع العلم الإجمالي نعم لو أجري في المقام أصالة عدم الإتيان بالفعل في الوقت فيجب قضاؤه فله وجه و سيجي‏ء الكلام عليه هذا.

و لكن المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم بل المقطوع به من المفيد قدس سره إلى الشهيد الثاني أنه لو لم يعلم كمية ما فات قضى حتى يظن الفراغ بها و ظاهر ذلك خصوصا بملاحظة ما يظهر من استدلال بعضهم من كون الاكتفاء بالظن رخصة و أن القاعدة تقتضي وجوب العلم بالفراغ كون الحكم على القاعدة (قال في التذكرة

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 392

لو فاتته صلوات معلومة العين غير معلومة العدد صلى من تلك الصلوات إلى أن يغلب في ظنه الوفا لاشتغال الذمة بالفائت فلا يحصل البراءة قطعا إلا بذلك و لو كانت واحدة و لم يعلم العدد صلى تلك الصلاة مكررا حتى يظن الوفاء ثم احتمل في المسألة احتمالين آخرين أحدهما تحصيل العلم لعدم البراءة إلا باليقين و الثاني الأخذ بالقدر المعلوم لأن الظاهر أن المسلم لا يفوت الصلاة ثم نسب كلا الوجهين إلى الشافعية انتهى). و حكي هذا الكلام بعينه عن النهاية (و صرح الشهيدان بوجوب تحصيل العلم مع الإمكان) (و صرح في الرياض أيضا بأن مقتضى الأصل القضاء حتى يحصل العلم بالوفاء تحصيلا للبراءة اليقينية) (و قد سبقهم في هذا الاستدلال الشيخ قدس سره في التهذيب حيث قال أما ما يدل على أنه يجب أن يكثر منها فهو ما ثبت أن قضاء الفرائض واجب و إذا ثبت وجوبها و لا يمكنه أن يتخلص من ذلك إلا بأن يستكثر منها وجب انتهى). و قد عرفت أن المورد من موارد جريان أصالة البراءة و الأخذ بالأقل عند دوران الأمر بينه و بين الأكثر كما لو شك في مقدار الدين الذي يجب قضاؤه أو في أن الفائت منه صلاة العصر فقط أو هي مع الظهر فإن الظاهر عدم إفتائهم بلزوم قضاء الظهر و كذا لو تردد في ما فات عن أبويه أو في ما تحمله بالإجارة بين الأقل و الأكثر. و ربما يظهر من بعض المحققين الفرق بين هذه الأمثلة و بين ما نحن فيه حيث حكي عنه في رد صاحب الذخيرة القائل بأن مقتضى القاعدة في المقام الرجوع إلى البراءة قال (إن المكلف حين علم بالفوائت صار مكلفا بقضاء هذه الفائتة قطعا و كذلك الحال في الفائتة الثانية و الثالثة و هكذا و مجرد عروض النسيان كيف يرفع الحكم الثابت من الإطلاقات و الاستصحاب بل الإجماع أيضا و أي شخص يحصل منه التأمل في أنه إلى ما قبل صدور النسيان كان مكلفا و بمجرد عروض النسيان يرتفع التكليف الثابت و إن أنكر حجية الاستصحاب فهو يسلم أن الشغل اليقيني يستدعي البراءة اليقينية إلى أن قال نعم في الصورة

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 393

التي يحصل للمكلف علم إجمالي باشتغال ذمته بفوائت متعددة يعلم قطعا تعددها لكن لا يعلم مقدارها فإنه يمكن حينئذ أن يقال لا نسلم تحقق الشغل بأزيد من المقدار الذي تيقنه إلى أن قال و الحاصل أن المكلف إذا حصل له القطع باشتغال ذمته ب متعدد و التبس عليه ذلك كما و أمكنه الخروج عن عهدته فالأمر كما أفتى به الأصحاب و إن لم يحصل ذلك بأن يكون ما علم به خصوص اثنتين أو ثلاث و أما أزيد عن ذلك فلا بل احتمال احتمله فالأمر كما ذكره في الذخيرة و من هنا لو لم يعلم أصلا بمتعدد في فائتة و علم أن صلاة صبح يومه فاتت و أما غيرها فلا يعلم و لا يظن فوته أصلا فليس عليه إلا الفريضة الواحدة دون الأكثر [المحتمل‏] لكونه شكا بعد خروج الوقت و المفروض أنه ليس عليه قضاؤها بل لعله المفتى به انتهى كلامه رفع مقامه).

و يظهر النظر فيه مما ذكرناه سابقا و لا يحضرني الآن حكم لأصحابنا بوجوب الاحتياط في نظير المقام بل الظاهر منهم إجراء أصل البراءة في أمثال ما نحن فيه مما لا يحصى و ربما يوجه الحكم فيما نحن فيه بأن الأصل عدم الإتيان بالصلاة الواجبة فيترتب عليه وجوب القضاء إلا في صلاة علم الإتيان بها في وقتها. و دعوى ترتب وجوب القضاء على صدق الفوت الغير الثابت بالأصل لا مجرد عدم الإتيان الثابت بالأصل ممنوعة لما يظهر من الأخبار و كلمات الأصحاب من أن المراد بالفوت مجرد الترك كما بيناه في الفقه و أما ما دل على أن الشك في إتيان الصلاة بعد وقتها لا يعتد به لا يشمل ما نحن فيه.

و إن شئت تطبيق ذلك على قاعدة الاحتياط اللازم فتوضيحه أن القضاء و إن كان بأمر جديد إلا أن ذلك الأمر كاشف عن استمرار مطلوبية الصلاة من عند دخول وقتها إلى آخر زمان التمكن من المكلف.

غاية الأمر كون هذا على سبيل تعدد المطلوب بأن يكون الكلي المشترك بين ما في الوقت و خارجه مطلوبا و كون إتيانه في الوقت مطلوبا آخر كما أن أداء الدين و رد السلام واجب في أول أوقات الإمكان و لو لم يفعل ففي الآن الثاني و هكذا و حينئذ فإذا دخل الوقت وجب إبراء الذمة

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 394

عن ذلك الكلي فإذا شك في براءة ذمته بعد الوقت فمقتضى حكم العقل باقتضاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية وجوب الإتيان كما لو شك في البراءة قبل خروج الوقت و كما لو شك في أداء الدين الفوري فلا يقال إن الطلب في الزمان الأول قد ارتفع بالعصيان و وجوده في الزمان الثاني مشكوك فيه و كذلك جواب السلام. و الحاصل أن التكليف المتعدد بالمطلق و المقيد لا ينافي جريان الاستصحاب و قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى المطلق فلا يكون المقام مجرى البراءة هذا.

و لكن الإنصاف ضعف هذا التوجيه لو سلم استناد الأصحاب إليه في المقام.

أما أولا فلأن من المحتمل بل الظاهر على القول بكون القضاء بأمر جديد كون كل من الأداء و القضاء تكليفا مغايرا للآخر فهو من قبيل وجوب الشي‏ء و وجوب تداركه بعد فوته كما يكشف عن ذلك تعلق أمر الأداء بنفس الفعل و أمر القضاء به بوصف الفوت و يؤيده بعض ما دل على أن لكل من الفرائض بدلا و هو قضاؤه عدا الولاية لا من باب الأمر بالكلي و الأمر بفرد خاص.

و أما ثانيا فلأن منع عموم ما دل على أن الشك في الإتيان بعد خروج الوقت لا يعتد به للمقام خال عن السند خصوصا مع اعتضاده بما دل على أن الشك في الشي‏ء لا يعتنى به بعد تجاوزه مثل (قوله عليه السلام: إنما الشك في شي‏ء لم تجزه) و مع اعتضاده في بعض المقامات بظاهر حال المسلم في عدم ترك الصلاة.

و أما ثالثا فلأنه لو تم ذلك جرى فيما يقضيه عن أبويه إذا شك في مقدار ما فات منهما و لا أظنهم يلتزمون بذلك و إن التزموا بأنه إذا وجب على الميت لجهله بما فات به مقدار معين يعلم أو يظن معه البراءة وجب على الولي قضاء ذلك المقدار لوجوبه ظاهرا على الميت بخلاف ما لم يعلم بوجوبه عليه.

و كيف كان فالتوجيه المذكور ضعيف و أضعف منه التمسك فيما نحن فيه بالنص الوارد بأن من عليه من النافلة ما لا يحصيه من كثرته قضى حتى لا يدري كم صلى من كثرته بناء على أن ذلك طريق لتدارك ما فات و لم يحص لا أنه مختص بالنافلة مع أن الاهتمام في النافلة بمراعاة الاحتياط يوجب ذلك في الفريضة بطريق أولى فتأمل‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 395