حضرت امام علی عليه‌السلام نے فرمایا: جو شخص توبہ کے بارے میں ٹال مٹول سے کام لے، وہ اپنے آپ کو دھوکے میں رکھتا ہے، (پھر)اُس پر موت کے اچانک حملے کا خطرہ زیادہ ہوتا ہے۔ غررالحکم حدیث 3791

المقصد الثالث من مقاصد الكتاب في الشك‏
و الموضع الأول و هو الشك في نفس التكليف‏
احتج للقول الأول بالأدلة الأربعة
و أما الإجماع فتقريره من وجهين‏
احتج للقول الثاني و هو وجوب الكف عما يحتمل الحرمة بالأدلة الثلاثة
و ينبغي التنبيه على أمور
المسألة الثانية ما إذا كان دوران حكم الفعل
المطلب الثاني في دوران حكم الفعل بين الوجوب و غير الحرمة من الأحكام‏
المطلب الثالث فيما دار الأمر فيه بين الوجوب و الحرمة
الموضع الثاني في الشك في المكلف به‏
و أما المقام الثاني و هو وجوب اجتناب الكل و عدمه‏
و ينبغي التنبيه على أمور
المقام الثاني في الشبهة الغير المحصورة
المطلب الثاني في اشتباه الواجب بغير الحرام‏
و ينبغي التنبيه على أمور
القسم الثاني فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقل و الأكثر
المسألة الثانية ما إذا كان الشك في الجزئية ناشئا من إجمال الدليل‏
و أما القسم الثاني و هو الشك في كون الشي‏ء قيدا للمأمور به‏
الأمر الثاني‏
خاتمة فيما يعتبر في العمل بالأصل‏
و أما البراءة
و أما الكلام في مقدار الفحص‏
قاعدة لا ضرر

رسائل حصہ دوم

احتج للقول الثاني و هو وجوب الكف عما يحتمل الحرمة بالأدلة الثلاثة

احتج للقول الثاني و هو وجوب الكف عما يحتمل الحرمة بالأدلة الثلاثة

فمن الكتاب طائفتان‏

إحداهما ما دل على النهي عن القول بغير علم فإن الحكم بترخيص الشارع لمحتمل الحرمة قول عليه بغير علم و افتراء حيث إنه لم يؤذن فيه و لا يرد ذلك على أهل الاحتياط لأنهم لا يحكمون بالحرمة و إنما يتركون لاحتمال الحرمة و هذا بخلاف الارتكاب فإنه لا يكون إلا بعد الحكم بالرخصة و العمل على الإباحة.

و الأخرى ما دل بظاهره على لزوم الاحتياط و الاتقاء و التورع مثل ما (ذكره الشهيد رحمه الله في الذكرى في خاتمة قضاء الفوائت للدلالة على مشروعية الاحتياط في قضاء ما فعلت من الصلوات المحتملة للفساد و هي قوله تعالى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ و جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ).

أقول و نحوهما في الدلالة على وجوب الاحتياط فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ و قوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ و قوله تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ.

و الجواب أما عن الآيات الناهية عن القول بغير علم مضافا إلى النقض بشبهة الوجوب و الشبهة في الموضوع فبأن فعل الشي‏ء المشتبه حكمه اتّكالا على قبح العقاب من غير بيان المتفق عليه بين المجتهدين و الأخباريين ليس من ذلك.

و أما عما عدا آية التهلكة فبمنع منافاة الارتكاب للتقوى و المجاهدة مع أن غايتها الدلالة على الرجحان على ما استشهد به الشهيد رحمه الله.

و أما عن آية التهلكة فبأن الهلاك بمعنى العقاب معلوم العدم و بمعنى غيره يكون الشبهة موضوعية لا يجب فيها الاجتناب بالاتفاق.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 340

و من السنة طوائف‏

إحداها ما دل على حرمة القول و العمل بغير العلم‏

و قد ظهر جوابها مما ذكر في الآيات.

و الثانية ما دل على وجوب التوقف عند الشبهةو عدم العلم‏

و عدم العلم و هي لا تحصى كثرة و ظاهر التوقف المطلق السكون و عدم المضي فيكون كناية عن عدم الحركة بارتكاب الفعل.

و هو محصل قوله عليه السلام في بعض الأخبار (: الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات). فلا يرد على الاستدلال أن التوقف في الحكم الواقعي مسلم عند كلا الفريقين و الإفتاء بالحكم الظاهري منعا أو ترخيصا مشترك كذلك و التوقف في العمل لا معنى له.

فنذكر بعض تلك الأخبار تيمنا (منها مقبولة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام و فيها بعد ذكر المرجحات: إذا كان كذلك فأرجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكة) (و نحوها صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام: إن لكل حق حقيقة و على كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه و ما خالف كتاب الله فدعوه) (و في روايات الزهري و السكوني و عبد الأعلى: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة و تركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه)

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 341

(و رواية أبي شيبة عن أحدهما عليهما السلام و موثقة سعد بن زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن النبي صلى اللَّه عليه و آله أنه قال: لا تجامعوا في النكاح على الشبهة و قفوا عند الشبهة إلى أن قال فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة).

و توهم ظهور هذا الخبر المستفيض في الاستحباب مدفوع بملاحظة أن الاقتحام في الهلكة لا خير فيه أصلا مع أن جعله تعليلا لوجوب الإرجاء في المقبولة و تمهيدا لوجوب طرح ما خالف الكتاب في الصحيحة قرينة على المطلوب فمساقه مساق قول القائل أترك الأكل يوما خير من أن أمنع منه سنة).

(و قوله عليه السلام في مقام وجوب الصبر حتى تيقن الوقت: لأن أصلي بعد الوقت أحب إلي من أن أصلي قبل الوقت) (و قوله عليه السلام في مقام التقية: لأن أفطر يوما من شهر رمضان فأقضيه أحب إلي من أن يضرب عنقي) (و نظيره في أخبار الشبهة قول علي عليه السلام في وصيته لابنه: أمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإن الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال) (و منها موثقة حمزة بن طيار: أنه عرض على أبي عبد الله بعض خطب أبيه حتى إذا بلغ موضعا منها قال له كف و اسكت ثم قال أبو عبد الله عليه السلام إنه لا يسعكم فيما نزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه و التثبت و الرد إلى أئمة الهدى عليهم السلام حتى يحملو كم فيه إلى القصد و يجلو عنكم فيه العمى و يعرفوكم فيه الحق قال الله تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ*) (و منها رواية جميل عن الصادق عن آبائه عليه السلام أنه قال رسول الله صلى اللَّه عليه و آله: الأمور ثلاثة أمر بين لك رشده فخذه و أمر بين لك غيه فاجتنبه و أمر اختلف فيه فرده إلى الله عزّ و جل (و منها رواية جابر: عن أبي عبد الله عليه السلام في وصيته لأصحابه إذا اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده و ردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح الله لنا)

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 342

(و منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: حق الله على العباد أن يقولوا ما يعلمون و يقفوا عند ما لا يعلمون) (و قوله عليه السلام في رواية المسمعي الواردة في اختلاف الحديثين: و ما لم تجدوا في شي‏ء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك و لا تقولوا فيه بآرائكم و عليكم الكف و التثبت و الوقوف و أنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا) إلى غير ذلك مما ظاهره وجوب التوقف و الجواب أن بعض هذه الأخبار مختص بما إذا كان المضي في الشبهة اقتحاما في التهلكة و لا يكون ذلك إلا مع عدم معذورية الفاعل لأجل القدرة على إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليه السلام أو إلى الطرق المنصوبة منه كما هو ظاهر المقبولة و موثقة حمزة بن طيار و رواية جابر و رواية المسمعي.

و بعضها وارد في مقام النهي عن ذلك لاتكاله في الأمور العملية على الاستنباطات العقلية الظنية أو لكون المسألة من الاعتقاديات كصفات الله سبحانه و رسوله و الأئمة عليهم السلام كما يظهر من (قوله عليه السلام في رواية زرارة: لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا لم يكفروا) و التوقف في هذه المقامات واجب.

و بعضها ظاهر في الاستحباب مثل (قوله عليه السلام: أورع الناس من وقف عند الشبهة) (و قوله عليه السلام: لا ورع كالوقوف عند الشبهة) (و قول أمير المؤمنين عليه السلام: من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك و المعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها) (و في رواية نعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى اللَّه عليه و آله يقول:

لكل ملك حمى و حمى الله حلاله و حرامه و المشتبهات بين ذلك لو أن راعيا رعى إلى جانب الحمى لم يثبت غنمه أن يقع في وسطه فدعوا المشتبهات) (و قوله عليه السلام: من اتقى المشتبهات فقد استبرأ لدينه).

و ملخص الجواب عن تلك الأخبار أنه لا ينبغي الشك في كون الأمر فيها للإرشاد من قبيل‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 343

أوامر الأطباء المقصود منها عدم الوقوع في المضار إذ قد تبين فيها حكمه طلب التوقف و لا يترتب على مخالفته عقاب غير ما يترتب على ارتكاب الشبهة أحيانا من الهلاك المحتمل فيها فالمطلوب في تلك الأخبار ترك التعرض للهلاك المحتمل في ارتكاب الشبهة.

فإن كان ذلك الهلاك المحتمل من قبيل العقاب الأخروي كما لو كان التكليف متحققا فعلا في موارد الشبهة نظير الشبهة المحصورة و نحوها أو كان المكلف قادرا على الفحص أو إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليه السلام أو الطرق المنصوبة أو كانت الشبهة من العقائد و الغوامض التي لم يرد الشارع التدين به بغير علم و بصيرة بل نهى عن ذلك (بقوله صلى اللَّه عليه و آله: إن الله سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة 0 من الله لكم).

فربما يوقع تكلف التدين فيه بالاعتبارات العقلية و الشواذ النقلية إلى العقاب بل إلى الخلود فيه إذا وقع التقصير في مقدمات تحصيل المعرفة في تلك المسألة ففي هذه المقامات و نحوها يكون التوقف لازما عقلا و شرعا من باب الإرشاد كأوامر الطبيب بترك المضار.

و إن كان الهلاك المحتمل مفسدة أخرى غير العقاب سواء كانت دينية كصيرورة المكلف بارتكاب الشبهة أقرب إلى ارتكاب المعصية كما دل عليه غير واحد من الأخبار المتقدمة أم دنيوية كالاحتراز عن أموال الظلمة فمجرد احتماله لا يوجب العقاب على فعله لو فرض حرمته واقعا و المفروض أن الأمر بالتوقف في هذه الشبهة لا يفيد استحقاق العقاب على مخالفته لأن المفروض كونه للإرشاد فيكون المقصود منه التخويف عن لحوق غير العقاب من المضار المحتملة فاجتناب هذه الشبهة لا يصير واجبا شرعيا بمعنى ترتب العقاب على ارتكابه.

و ما نحن فيه و هي الشبهة الحكمية التحريمية من هذا القبيل لأن الهلكة المحتملة فيها لا تكون هي المؤاخذة الأخروية باتفاق الأخباريين لاعترافهم بقبح المؤاخذة على مجرد مخالفة الحرمة الواقعية المجهولة و إن زعموا ثبوت العقاب من جهة بيان التكليف في الشبهة بأوامر التوقف و الاحتياط فإذا لم يكن المحتمل فيها هو العقاب الأخروي كان حالها حال الشبهة الموضوعية كأموال الظلمة و الشبهة الوجوبية في أنه لا يحتمل فيها إلا غير العقاب من المضار و المفروض كون الأمر بالتوقف فيها للإرشاد و التخويف عن تلك المضرة المحتملة.

و بالجملة فمفاد هذه الأخبار بأسرها التحذير عن الهلكة المحتملة فلا بد من إحراز احتمال الهلكة عقابا كانت أو غيره و على تقدير إحراز هذا الاحتمال لا إشكال و لا خلاف في وجوب التحرز عنه إذا كان المحتمل عقابا و استحبابه إذا كان غيره فهذه الأخبار لا تنفع في إحداث هذا

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 344

الاحتمال و لا في حكمه.

فإن قلت إن المستفاد منها احتمال التهلكة في كل محتمل التكليف و المتبادر من الهلكة في الأحكام الشرعية الدينية هي الأخروية فتكشف هذه الأخبار عن عدم سقوط عقاب التكاليف المجهولة لأجل الجهل و لازم ذلك إيجاب الشارع للاحتياط إذ الاقتصار في العقاب على نفس التكاليف المختفية من دون تكليف ظاهري بالاحتياط قبيح.

قلت إيجاب الاحتياط إن كان مقدمة للتحرز عن العقاب الواقعي فهو مستلزم لترتب العقاب على التكليف المجهول و هو قبيح كما اعترفت و إن كان حكما ظاهريا نفسيا فالهلكة الأخروية مترتبة على مخالفته لا مخالفة الواقع و صريح الأخبار إرادة الهلكة الموجودة في الواقع على تقدير الحرمة الواقعية.

هذا كله مضافا إلى دوران الأمر في هذه الأخبار بين حملها على ما ذكرنا و بين ارتكاب التخصيص فيها بإخراج الشبهة الوجوبية و الموضوعية و ما ذكرنا أولى.

و حينئذ فخيرية الوقوف عند الشبهة من الاقتحام في الهلكة أعم من الرجحان المانع من النقيض و من غير المانع منه فهي قضية تستعمل في المقامين و قد استعملها الأئمة عليهم السلام كذلك.

فمن موارد استعمالها في مقام لزوم التوقف مقبولة عمر بن حنظلة التي جعلت هذه القضية فيها علة لوجوب التوقف في الخبرين المتعارضين عند فقد المرجح و صحيحة الجميل المتقدمة التي جعلت القضية فيها تمهيدا لوجوب طرح ما خالف كتاب الله.

و من موارد استعمالها في غير اللازم رواية الزهري المتقدمة التي جعلت القضية فيها تمهيدا لترك رواية الخبر الغير المعلوم صدوره أو دلالته فإن من المعلوم رجحان ذلك لا لزومه (و موثقة سعد بن زياد المتقدمة التي فيها قول النبي صلى اللَّه عليه و آله: لا تجامعوا في النكاح على الشبهة و قفوا عند الشبهة) (فإن مولانا الصادق عليه السلام فسره في تلك الموثقة بقوله عليه السلام: إذا بلغك أنك قد رضعت من لبنها أو أنها لك محرم و ما أشبه ذلك فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة الخبر). و من المعلوم أن الاحتراز عن نكاح ما في الرواية من النسوة المشتبهة غير لازم باتفاق‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 345

الأخباريين لكونها شبهة موضوعية و لأصالة عدم تحقق مانع النكاح و قد يجاب عن أخبار التوقف بوجوه غير خالية عن النظر منها أن ظاهر أخبار التوقف حرمة الحكم و الفتوى من غير علم و نحن نقول بمقتضاها و لكن ندعي علمنا بالحكم الظاهري و هي الإباحة لأدلة البراءة.

و فيه أن المراد بالتوقف كما يشهد سياق تلك الأخبار و موارد أكثرها هو التوقف في العمل في مقابل المضي فيه على حسب الإرادة الذي هو الاقتحام في الهلكة لا التوقف في الحكم نعم قد يشمله من حيث كون الحكم عملا مشتبها لا من حيث كونه حكما في شبهة فوجوب التوقف عبارة عن ترك العمل المشتبه الحكم.

و منها أنها ضعيفة السند.

و منها أنها في مقام المنع عن العمل بالقياس و أنه يجب التوقف عن القول إذا لم يكن هنا نص من أهل بيت الوحي عليه السلام. و في كلا الجوابين ما لا يخفى على من راجع تلك الأخبار.

و منها أنها معارضة بأخبار البراءة و هي أقوى سندا و دلالة و اعتضادا بالكتاب و السنة و العقل و غاية الأمر التكافؤ فيرجع إلى ما تعارض فيه النصان و المختار فيه التخيير فيرجع إلى أصل البراءة.

و فيه أن مقتضى أكثر أدلة البراءة المتقدمة و هي جميع آيات الكتاب و العقل و أكثر السنة و بعض تقريرات الإجماع عدم استحقاق العقاب على مخالفة الحكم الذي لم يعلمه المكلف.

و من المعلوم أن هذا من مستقلات العقل الذي لا يدل أخبار التوقف و لا غيرها من الأدلة النقلية على خلافه و إنما يثبت أخبار التوقف بعد الاعتراف بتماميتها على ما هو المفروض تكليفا ظاهريا بوجوب الكف و ترك المضي عند الشبهة و الأدلة المذكورة لا تنفي هذا المطلب فتلك الأدلة بالنسبة إلى هذه الأخبار من قبيل الأصل بالنسبة إلى الدليل فلا معنى لأخذ الترجيح بينهما و ما يبقى من السنة من قبيل (قوله عليه السلام: كل شي‏ء مطلق) لا يكافئ أخبار التوقف لكونها

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 346

أكثر و أصح سندا و أما قوة الدلالة في أخبار البراءة فلم يعلم و ظهر أن الكتاب و العقل لا ينافي وجوب التوقف.

و أما ما ذكره من الرجوع إلى التخيير مع التكافؤ فيمكن للخصم منع التكافؤ لأن أخبار الاحتياط مخالفة للعامة لاتفاقهم كما قيل على البراءة و منع التخيير على تقدير التكافؤ لأن الحكم في تعارض النصين الاحتياط مع أن التخيير لا يضره لأنه يختار أدلة وجوب الاحتراز عن الشبهات.

و منها أن أخبار البراءة أخص لاختصاصها بمجهول الحلية و الحرمة و أخبار التوقف تشمل كل شبهة فتخصص بأخبار البراءة.

و فيه ما تقدم من أن أكثر أدلة البراءة بالإضافة إلى هذه الأخبار من قبيل الأصل و الدليل و ما يبقى فإن كان ظاهره الاختصاص بالشبهة الحكمية التحريمية (مثل قوله عليه السلام: كل شي‏ء مطلق حتى يرد فيه نهي) فيوجد في أدلة التوقف ما لا يكون أعم منه فإن ما ورد فيه نهي معارض بما دل على الإباحة غير داخل في هذا الخبر و يشمله أخبار التوقف فإذا وجب التوقف هنا وجب فيما لا نص فيه بالإجماع المركب فتأمل.

مع أن جميع موارد الشبهة التي أمر فيها بالتوقف لا تخلو عن أن يكون شيئا محتمل الحرمة سواء كان عملا أو حكما أم اعتقادا فتأمل و التحقيق في الجواب ما ذكرنا.

الثالثة ما دل على وجوب الاحتياط و هي كثيرة

(منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجلين أصابا صيدا و هما محرمان الجزاء بينهما أو على كل واحد منها جزاء قال بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد فقلت إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه قال إذا أصبتم بمثل هذا و لم تدروا فعليكم الاحتياط حتى تسألوا عنه و تعلموا) (و منها موثقة عبد الرحمن بن وضاح على الأقوى قال: كتبت إلى العبد الصالح يتوارى عنا القرص و يقبل الليل و يزيد الليل ارتفاعا و يستر عنا الشمس و يرتفع فوق الجبل حمرة و يؤذن عندنا

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 347

المؤذنون فأصلي حينئذ و أفطر إن كنت صائما أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل. فكتب عليه السلام أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة و تأخذ بالحائط لدينك) فإن الظاهر أن قوله عليه السلام و تأخذ بيان لمناط الحكم كما في قولك للمخاطب أرى لك أن توفي دينك و تخلص نفسك فيدل على لزوم الاحتياط مطلقا.

(و منها ما عن أمالي المفيد الثاني ولد الشيخ بسند كالصحيح عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت) و ليس في السند إلا علي بن محمد الكاتب الذي يروي عنه المفيد (و منها ما عن خط الشهيد رحمه الله في حديث طويل عن عنوان البصري عن أبي عبد الله عليه السلام يقول فيه: سل العلماء ما جهلت و إياك أن تسألهم تعنتا و تجربة و إياك أن تعمل برأيك شيئا و خذ الاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا و اهرب من الفتياء هربك من الأسد و لا تجعل رقبتك عتبة للناس) (و منها ما أرسله الشهيد رحمه الله و حكى عن الفريقين من قوله: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإنك لن تجد فقد شي‏ء تركته لله عزّ و جل (و منها ما أرسله الشهيد رحمه الله أيضا من قوله عليه السلام: لك أن تنظر الحزم و تأخذ بالحائطة لدينك) (و منها ما أرسل أيضا عنهم عليهم السلام: ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط) و الجواب أما عن الصحيحة فبعدم الدلالة لأن المشار إليه في قوله عليه السلام بمثل هذا إما نفس واقعة الصيد و إما أن يكون السؤال عن حكمها.

و على الأول فإن جعلنا المورد من قبيل الشك في التكليف بمعنى أن وجوب نصف الجزاء على كل واحد متيقن و يشك في وجوب النصف الآخر عليه فيكون من قبيل وجوب أداء

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 348

الدين المردد بين الأقل و الأكثر و قضاء الفوائت المرددة و الاحتياط في مثل هذا غير لازم بالاتفاق لأنه شك في الوجوب و على تقدير قولنا بوجوب الاحتياط في مورد الرواية و أمثاله مما ثبت التكليف فيه في الجملة لأجل هذه الصحيحة و غيرها لم يكن ما نحن فيه من الشبهة مماثلا له لعدم ثبوت التكليف فيه رأسا. و إن جعلنا المورد من قبيل الشك في متعلق التكليف و هو المكلف به لكون الأقل على تقدير وجوب الأكثر غير واجب بالاستقلال نظير وجوب التسليم في الصلاة و الاحتياط هنا و إن كان مذهب جماعة من المجتهدين أيضا إلا أن ما نحن فيه من الشبهة الحكمية التحريمية ليس مثلا لمورد الرواية لأن الشك فيه في أصل التكليف هذا مع أن ظاهر الرواية التمكن من استعلام حكم الواقعة بالسؤال و التعلم فيما بعد و لا مضايقة عن القول بوجوب الاحتياط في هذه الواقعة الشخصية حتى تعلم المسألة لما يستقبل من الوقائع. و منه يظهر أنه إن كان المشار إليه بهذا هو السؤال عن حكم الواقعة كما هو الثاني من شقي الترديد فإن أريد بالاحتياط فيه الإفتاء بالاحتياط لم ينفع فيما نحن فيه و إن أريد من الاحتياط الاحتراز عن الفتوى فيها أصلا حتى بالاحتياط فكذلك.

و أما عن الموثقة فبأن ظاهرها الاستحباب و الظاهر أن مراده الاحتياط من حيث الشبهة الموضوعية لاحتمال عدم استتار القرص و كون الحمرة المرتفعة أمارة عليها لأن إرادة الاحتياط في الشبهة الحكمية بعيدة عن منصب الإمام عليه السلام لأنه لا يقرر الجاهل بالحكم على جهله و لا ريب أن الانتظار مع الشك في الاستتار واجب لأنه مقتضى استصحاب عدم الليل و الاشتغال بالصوم و قاعدة الاشتغال بالصلاة فالمخاطب بالأخذ بالحائطة هو الشاك في براءة ذمته عن الصوم و الصلاة و يتعدى منه إلى كل شاك في براءة ذمته عما يجب عليه يقينا لا مطلق الشاك لأن الشاك في الموضوع الخارجي مع عدم تيقن التكليف لا يجب عليه الاحتياط باتفاق من الأخباريين أيضا.

هذا كله على تقدير القول بكفاية استتار القرص في الغروب و كون الحمرة غير الحمرة المشرقية و يحتمل بعيدا أن يراد من الحمرة الحمرة المشرقية التي لا بد من زوالها في تحقق المغرب.

و تعليله حينئذ بالاحتياط و إن كان بعيدا عن منصب الإمام عليه السلام كما لا يخفى إلا أنه يمكن أن يكون هذا النحو من التعبير لأجل التقية لإيهام أن التأخير هو حصول الجزم باستتار القرص و زوال احتمال عدمه لأن المغرب لا يدخل مع تحقق الاستتار كما أن قوله أرى‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 349

لك يستشم منه رائحة الاستحباب فلعل التعبير به مع وجوب التأخير من جهة التقية و حينئذ فتوجيه الحكم بالاحتياط لا يدل إلا على رجحانه.

و أما عن رواية الأمالي فبعدم دلالتها على الوجوب للزوم إخراج أكثر موارد الشبهة و هي الشبهة الموضوعية مطلقا و الحكمية الوجوبية و الحمل على الاستحباب أيضا مستلزم لإخراج موارد وجوب الاحتياط فتحمل على الإرشاد أو على الطلب المشترك بين الوجوب و الندب.

و حينئذ فلا ينافي لزومه في بعض الموارد و عدم لزومه في بعض آخر لأن تأكد الطلب الإرشادي و عدمه بحسب المصلحة الموجودة في الفعل لأن الاحتياط هو الاحتراز عن موارد احتمال المضرة فيختلف رضاء المرشد بتركه و عدم رضاه بحسب مراتب المضرة كما أن الأمر في الأوامر الواردة في إطاعة الله و رسوله للإرشاد المشترك بين فعل الواجبات و فعل المندوبات هذا.

و الذي يقتضيه دقيق النظر أن الأمر المذكور بالاحتياط لخصوص الطلب الغير الإلزامي لأن المقصود منه بيان أعلى مراتب الاحتياط لا جميع مراتبه و لا المقدار الواجب.

و المراد من قوله بما شئت ليس التعميم من حيث القلة و الكثرة و التفويض إلى مشية الشخص لأن هذا كله مناف لجعله بمنزلة الأخ بل المراد أن أي مرتبة من الاحتياط شئتها فهي في محلها و ليس هنا مرتبة من الاحتياط لا يستحسن بالنسبة إلى الدين لأنه بمنزلة الأخ الذي هو كذلك و ليس بمنزلة سائر الأمور لا يستحسن فيها بعض مراتب الاحتياط كالمال و ما عدا الأخ من الرجال فهو بمنزلة قوله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.

و مما ذكرنا يظهر الجواب عن سائر الأخبار المتقدمة مع ضعف السند في الجميع.

(نعم يظهر من المحقق رحمه الله في المعارج اعتبار إسناد النبوي دع ما يريبك حيث اقتصر في رده على أنه خبر واحد لا يعول عليه في الأصول و أن إلزام المكلف بالأثقل مظنة الريبة).

و ما ذكره محل تأمل لمنع كون المسألة أصولية ثم منع كون النبوي من أخبار الآحاد المجردة لأن مضمونه و هو ترك الشبهة يمكن دعوى تواتره ثم منع عدم اعتبار أخبار الآحاد في المسألة الأصولية و ما ذكره من أن إلزام المكلف بالأثقل إلخ فيه أن الإلزام من هذا الأمر فلا ريبة فيه‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 350

الرابعة أخبار التثليث المروية عن النبي صلى اللَّه عليه و آله و الوصي عليه السلام و بعض الأئمة عليهم السلام‏

ففي مقبولة ابن حنظلة الواردة في الخبرين المتعارضين بعد الأمر بأخذ المشهور منهما و ترك الشاذ النادر معللا (بقوله عليه السلام: فإن المجمع عليه لا ريب فيه) و (قوله: إنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع و أمر بين غيه فيجتنب و أمر مشكل يرد حكمه إلى الله و رسوله قال رسول الله صلى اللَّه عليه و آله حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات و من أخذ بالشبهات وقع في المحرمات و هلك من حيث لا يعلم).

وجه الدلالة أن الإمام عليه السلام أوجب طرح الشاذ معللا بأن المجمع عليه لا ريب و المراد أن الشاذ فيه الريب لا أن الشهرة تجعل الشاذ مما لا ريب في بطلانه و إلا لم يكن معنى لتأخر الترجيح بالشهرة عن الترجيح بالأعدلية و الأصدقية و الأورعية و لا لفرض الراوي الشهرة في كلا الخبرين و لا لتثليث الأمور ثم الاستشهاد بتثليث النبي صلى اللَّه عليه و آله.

و الحاصل أن الناظر في الرواية يقطع بأن الشاذ مما فيه الريب فيجب طرحه و هو الأمر المشكل الذي أوجب الإمام رده إلى الله و رسوله صلى اللَّه عليه و آله.

فيعلم من ذلك كله أن الاستشهاد بقول رسول الله صلى اللَّه عليه و آله في التثليث لا يستقيم إلا مع وجوب الاجتناب عن الشبهات مضافا إلى دلالة قوله نجا من المحرمات بناء على أن تخلص النفس من المحرمات واجب (و قوله صلى اللَّه عليه و آله: وقع في المحرمات و هلك من حيث لا يعلم).

و دون هذا النبوي في الظهور النبوي المروي عن أبي عبد الله عليه السلام في كلام طويل و قد تقدم في أخبار التوقف و كذا مرسلة الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام.

و الجواب عنه ما ذكرنا سابقا من أن الأمر بالاجتناب عن الشبهة إرشادي للتحذير عن المضرة المحتملة فيها فقد تكون المضرة عقابا و حينئذ فالاجتناب لازم و قد تكون مضرة أخرى فلا عقاب على ارتكابها على تقدير الوقوع في الهلكة كالمشتبه بالحرام حيث لا يحتمل فيه الوقوع في العقاب على تقدير الحرمة اتفاقا لقبح العقاب على الحكم الواقعي المجهول باعتراف الأخباريين‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 351

أيضا كما تقدم.

و إذا تبين لك أن المقصود من الأمر بطرح الشبهات ليس خصوص الإلزام ف يكفي حينئذ في مناسبة ذكر كلام النبي صلى اللَّه عليه و آله المسوق للإرشاد أنه إذا كان الاجتناب عن المشتبه بالحرام راجحا تفصيا عن الوقوع في مفسدة الحرام فكذلك طرح الخبر الشاذ واجب لوجوب التحري عند تعارض الخبرين في تحصيل ما هو أبعد من الريب و أقرب إلى الحق إذ لو قصر في ذلك و أخذ بالخبر الذي فيه الريب احتمل أن يكون قد أخذ بغير ما هو الحجة له فيكون الحكم به حكما من غير الطريقة المنصوبة من الشارع فتأمل. و يؤيد ما ذكرنا من أن النبوي ليس واردا في مقام الإلزام بترك الشبهات أمور.

أحدها عموم الشبهات للشبهة الموضوعية التحريمية التي اعترف الأخباريون بعدم وجوب الاجتناب عنها و تخصيصه بالشبهة الحكمية مع أنه إخراج لأكثر الأفراد مناف للسياق فإن سياق الرواية آب عن التخصيص لأنه ظاهر في الحصر و ليس الشبهة الموضوعية من الحلال البين و لو بني على كونها منه لأجل أدلة جواز ارتكابها قلنا بمثله في الشبهة الحكمية.

الثاني أنه صلى اللَّه عليه و آله رتب على ارتكاب الشبهة الوقوع في المحرمات و الهلاك من حيث لا يعلم و المراد جنس الشبهة لأنه في مقام بيان ما تردد بين الحرام و الحلال لا في مقام التحذير عن ارتكاب المجموع مع أنه ينافي استشهاد الإمام عليه السلام و من المعلوم أن ارتكاب جنس الشبهة لا يوجب الوقوع في الحرام و لا الهلاك من حيث لا يعلم إلا على مجاز المشارفة كما يدل عليه بعض ما مضى و ما يأتي من الأخبار فالاستدلال موقوف على إثبات كبرى و هي أن الإشراف على الوقوع في الحرام و الهلاك من حيث لا يعلم محرم من دون سبق علم به أصلا.

الثالث الأخبار الكثيرة المساوقة لهذا الخبر الشريف الظاهرة في الاستحباب بقرائن مذكورة فيها: منها قول النبي صلى اللَّه عليه و آله في رواية النعمان و قد تقدم في أخبار التوقف.

(و منها قول أمير المؤمنين عليه السلام في مرسلة الصدوق أنه خطب و قال: حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك و المعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها)

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 352

(و منها رواية أبي جعفر الباقر عليه السلام: قال قال جدي رسول الله صلى اللَّه عليه و آله في حديث يأمر بترك الشبهات بين الحلال و الحرام من رعى غنمه قرب الحمى نازعته نفسه إلى أن يرعاها في الحمى إلا أن لكل ملك حمى و إن حمى الله محارمه فاتقوا حمى الله و محارمه) (و منها ما ورد من: أن في حلال الدنيا حسابا و في حرامها عقابا و في الشبهات عتابا) (و منها رواية فضل بن عياض قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام من الورع من الناس قال الذي يتورع عن محارم الله و يجتنب هؤلاء فإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام و هؤلاء يعرفه)

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 353

و أما العقل فتقريره بوجهين‏

أحدهما أنا نعلم إجمالا قبل مراجعة الأدلة الشرعية بمحرمات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و نحوه الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين بالاجتناب أو اليقين بعدم العقاب لأن الاشتغال اليقيني يستدعي اليقين بالبراءة باتفاق المجتهدين و الأخباريين و بعد مراجعة الأدلة و العمل بها لا يقطع بالخروج عن تلك المحرمات الواقعية فلا بد من اجتناب كل ما احتمل أن يكون منها إذا لم يكن هناك دليل شرعي يدل على حليته إذ مع هذا الدليل يقطع بعدم العقاب على الفعل على تقدير الحرمة واقعا. فإن قلت بعد مراجعة الأدلة نعلم تفصيلا بحرمة أمور كثيرة و لا نعلم إجمالا بوجود غيره فالاشتغال بما عدا المعلوم بالتفصيل غير متيقن حتى يجب الاحتياط و بعبارة أخرى العلم الإجمالي قبل الرجوع إلى الأدلة و أما بعده فليس هنا علم إجمالي.

قلت إن أريد من الأدلة ما يوجب العلم بالحكم الواقعي الأولى ف كل مراجع في الفقه يعلم أن ذلك غير متيسر لأن سند الأخبار لو فرض قطعيا لكن دلالتها ظنية و إن أريد منها ما يعم الدليل الظني المعتبر من الشارع ف مراجعتها لا توجب اليقين بالبراءة من ذلك التكليف المعلوم إجمالا إذ ليس معنى اعتبار الدليل الظني إلا وجوب الأخذ بمضمونه فإن كان تحريما صار ذلك كأنه أحد المحرمات الواقعية و إن كان تحليلا كان اللازم منه عدم العقاب على فعله و إن كان في الواقع من المحرمات و هذا المعنى لا يوجب انحصار المحرمات الواقعية في مضامين تلك الأدلة حتى يحصل العلم بالبراءة ب موافقتها بل و لا يحصل الظن بالبراءة عن جميع المحرمات المعلومة إجمالا.

و ليس الظن التفصيلي بحرمة جملة من الأفعال كالعلم التفصيلي بها لأن العلم التفصيلي‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 354

بنفسه مناف لذلك العلم الإجمالي و الظن غير مناف له لا بنفسه و لا بملاحظة اعتباره شرعا على الوجه المذكور.

نعم لو اعتبر الشارع هذه الأدلة بحيث انقلب التكليف إلى العمل بمؤداها بحيث يكون هو المكلف به كان ما عدا ما تضمنه الأدلة من محتملات التحريم خارجا عن المكلف به فلا يجب الاحتياط فيها.

و بالجملة فما نحن فيه بمنزلة قطيع غنم نعلم إجمالا بوجود محرمات فيها ثم قامت البينة على تحريم جملة منها و تحليل جملة و بقي الشك في جملة ثالثة فإن مجرد قيام البينة على تحريم البعض لا يوجب العلم و لا الظن بالبراءة من جميع المحرمات نعم لو اعتبر الشارع البينة في المقام بمعنى أنه أمر بتشخيص المحرمات المعلومة وجودا و عدما بهذا الطريق رجع التكليف إلى وجوب اجتناب ما قامت عليه البينة لا الحرام الواقعي.

و الجواب أولا منع تعلق تكليف غير القادر على تحصيل العلم إلا بما يؤدي إليه الطرق الغير العلمية المنصوبة له فهو مكلف بالواقع بحسب تأدية هذه الطرق لا بالواقع من حيث هو و لا بمؤدى هذه الطرق من حيث هو حتى يلزم التصويب أو ما يشبهه لأن ما ذكرناه هو المحصل من ثبوت الأحكام الواقعية للعالم و غيره و ثبوت التكليف بالعمل بالطرق و توضيحه في محله و حينئذ فلا يكون ما شك في تحريمه مما هو مكلف به فعلا على تقدير حرمته واقعا.

و ثانيا سلمنا التكليف الفعلي بالمحرمات الواقعية إلا أن من المقرر في الشبهة المحصورة كما سيجي‏ء إن شاء الله تعالى أنه إذا ثبت في المشتبهات المحصورة وجوب الاجتناب عن جملة منها لدليل آخر غير التكليف المعلق بالمعلوم الإجمالي اقتصر في الاجتناب على ذلك القدر لاحتمال كون المعلوم الإجمالي هو هذا المقدار المعلوم حرمته تفصيلا فأصالة الحل في البعض الآخر معارضة بالمثل سواء كان ذلك الدليل سابقا على العلم الإجمالي كما إذا علم نجاسة أحد الإناءين تفصيلا فوقع قذرة في أحدهما المجهول فإنه لا يجب الاجتناب عن الآخر لأن حرمة أحدهما معلومة تفصيلا أم كان لاحقا كما في مثال الغنم المذكور فإن العلم الإجمالي غير ثابت بعد العلم التفصيلي بحرمة بعضها بواسطة وجوب العمل بالبينة و سيجي‏ء توضيحه إن شاء الله تعالى و ما نحن فيه من هذا القبيل.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 355

الوجه الثاني أن الأصل في الأفعال الغير الضرورية الحظر كما نسب إلى طائفة من الإمامية فيعمل به حتى يثبت من الشرع الإباحة و لم يرد الإباحة فيما لا نص فيه و ما ورد على تقدير تسليم دلالته معارض بما ورد من الأمر بالتوقف و الاحتياط فالمرجع إلى الأصل.

و لو تنزلنا عن ذلك ف الوقف كما عليه الشيخان و احتج عليه (في العدة بأن الإقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالإقدام على ما يعلم المفسدة فيه).

و قد جزم بهذه القضية السيد أبو المكارم في الغنية و إن قال بالإباحة كالسيد المرتضى رحمه الله تعويلا على قاعدة اللطف و أنه لو كان في الفعل مفسدة لوجب على الحكيم بيانه لكن رده في العدة بأنه قد يكون المفسدة في الإعلام و يكون المصلحة في كون الفعل على الوقف.

و الجواب بعد تسليم استقلال العقل بدفع الضرر أنه إن أريد به ما يتعلق بأمر الآخرة من العقاب يجب على الحكيم تعالى بيانه فهو مع عدم البيان مأمون و إن أريد غيره مما لا يدخل في عنوان المؤاخذة من اللوازم المترتبة مع الجهل أيضا فوجوب دفعها غير لازم عقلا إذ العقل لا يحكم بوجوب الاحتراز عن الضرر الدنيوي المقطوع إذا كان لبعض الدواعي النفسانية و قد جوز الشارع بل أمر به في بعض الموارد و على تقدير الاستقلال ف ليس مما يترتب عليه العقاب لكونه من باب الشبهة الموضوعية لأن المحرم هو مفهوم الإضرار و صدقه في هذا المقام مشكوك ك صدق المسكر المعلوم التحريم على هذا المائع الخاص و الشبهة الموضوعية لا يجب الاجتناب عنها باتفاق الأخباريين أيضا و سيجي‏ء الكلام في الشبهة الموضوعية إن شاء الله تعالى‏ فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 356