حضرت امام علی عليه‌السلام نے فرمایا: مومن اپنے دین کو اپنی دنیا کے ذریعے بچاتا ہے اور فاسق اپنی دنیا کو اپنے دین کے ذریعے بچاتا ہے۔ غررالحکم حدیث 2160

المقصد الثالث من مقاصد الكتاب في الشك‏
و الموضع الأول و هو الشك في نفس التكليف‏
احتج للقول الأول بالأدلة الأربعة
و أما الإجماع فتقريره من وجهين‏
احتج للقول الثاني و هو وجوب الكف عما يحتمل الحرمة بالأدلة الثلاثة
و ينبغي التنبيه على أمور
المسألة الثانية ما إذا كان دوران حكم الفعل
المطلب الثاني في دوران حكم الفعل بين الوجوب و غير الحرمة من الأحكام‏
المطلب الثالث فيما دار الأمر فيه بين الوجوب و الحرمة
الموضع الثاني في الشك في المكلف به‏
و أما المقام الثاني و هو وجوب اجتناب الكل و عدمه‏
و ينبغي التنبيه على أمور
المقام الثاني في الشبهة الغير المحصورة
المطلب الثاني في اشتباه الواجب بغير الحرام‏
و ينبغي التنبيه على أمور
القسم الثاني فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقل و الأكثر
المسألة الثانية ما إذا كان الشك في الجزئية ناشئا من إجمال الدليل‏
و أما القسم الثاني و هو الشك في كون الشي‏ء قيدا للمأمور به‏
الأمر الثاني‏
خاتمة فيما يعتبر في العمل بالأصل‏
و أما البراءة
و أما الكلام في مقدار الفحص‏
قاعدة لا ضرر

رسائل حصہ دوم

احتج للقول الأول بالأدلة الأربعة

فمن الكتاب آيات‏

منها قوله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها.

قيل دلالتها واضحة.

و فيه أنها غير ظاهرة فإن حقيقة الإيتاء الإعطاء.

فإما أن يراد بالموصول المال بقرينة قوله تعالى قبل ذلك مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ فالمعنى أن الله سبحانه لا يكلف العبد إلا دفع ما أعطي من المال.

و إما أن يراد نفس فعل الشي‏ء أو تركه بقرينة إيقاع التكليف عليه فإعطاؤه كناية عن الإقدار عليه فتدل على نفي التكليف بغير المقدور كما ذكره الطبرسي رحمه الله و هذا المعنى أظهر و أشمل لأن الإنفاق من الميسور داخل في ما آتاه الله.

و كيف كان فمن المعلوم أن ترك ما يحتمل التحريم ليس غير مقدور و إلا لم ينازع في وقوع التكليف به أحد من المسلمين و إن نازعت الأشاعرة في إمكانه.

نعم لو أريد من الموصول نفس الحكم و التكليف كان إيتاؤه عبارة عن الإعلام به لكن إرادته بالخصوص تنافي مورد الآية و إرادة الأعم منه و من المورد تستلزم استعمال الموصول في معنيين إذ لا جامع بين تعلق التكليف بنفس الحكم و بالفعل المحكوم عليه فافهم.

نعم (في رواية عبد الأعلى عن أبي عبد الله عليه السلام:

قال قلت له هل كلف الناس بالمعرفة قال لا على الله البيان لا يكلف الله نفسا إلا وسعها و لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها).

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 317

لكنها لا تنفع في المطلب لأن نفس المعرفة بالله غير مقدور قبل تعريف الله سبحانه فلا يحتاج دخولها في الآية إلى إرادة الإعلام من الإيتاء في الآية و سيجي‏ء زيادة توضيح لذلك في ذكر الدليل العقلي إن شاء الله تعالى و مما ذكرنا يظهر حال التمسك بقوله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها.

و منها قوله تعالى وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.

بناء على أن بعث الرسول كناية عن بيان التكليف لأنه يكون به غالبا كما في قولك لا أبرح من هذا الماكان حتى يؤذن المؤذن كناية عن دخول الوقت أو عبارة عن البيان النقلي و يخصص العموم بغير المستقلات أو يلتزم بوجوب التأكيد و عدم حسن العقاب إلا مع اللطف بتأييد العقل بالنقل و إن حسن الذم بناء على أن منع اللطف يوجب قبح العقاب دون الذم كما صرح به البعض و على أي تقدير ف تدل على نفي العقاب قبل البيان.

و فيه أن ظاهرها الإخبار بوقوع التعذيب سابقا بعد البعث فيختص بالعذاب الدنيوي الواقع في الأمم السابقة. ثم إنه ربما يورد التناقض على من جمع بين التمسك بالآية في المقام و بين رد من استدل بها لعدم الملازمة بين حكم العقل و حكم الشرع بأن نفي فعلية التعذيب أعم من نفي الاستحقاق فإن الإخبار بنفي التعذيب إن دل على عدم التكليف شرعا فلا وجه للثاني و إن لم يدل فلا وجه للأول.

و يمكن دفعه بأن عدم الفعلية يكفي في هذا المقام لأن الخصم يدعي أن في ارتكاب الشبهة الوقوع في العقاب و الهلاك فعلا من حيث لا يعلم كما هو مقتضى رواية التثليث و نحوها التي هي عمدة أدلتهم و يعترف بعدم المقتضي للاستحقاق على تقدير عدم الفعلية فيكفي في عدم الاستحقاق نفي الفعلية بخلاف مقام التكلم في الملازمة فإن المقصود فيه إثبات الحكم الشرعي في مورد حكم العقل و عدم ترتب العقاب على مخالفته لا ينافي ثبوته كما في الظهار حيث قيل إنه محرم معفو عنه و كما في العزم على المعصية على احتمال نعم لو فرض هناك أيضا إجماع على أنه لو انتفت الفعلية انتفى الاستحقاق كما يظهر من بعض ما فرعوا على تلك المسألة لم يجز التمسك به هناك.

و الإنصاف أن الآية لا دلالة لها على المطلب في المقامين.

و منها قوله تعالى وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 318

أي ما يجتنبونه من الأفعال و التروك و ظاهرها أنه تعالى لا يخذلهم بعد هدايتهم إلى الإسلام إلا بعد ما يبين لهم.

(و عن الكافي و تفسير العياشي و كتاب التوحيد: حتى يعرفهم ما يرضيه و ما يسخطه) و فيه ما تقدم في الآية السابقة مع أن دلالتها أضعف من حيث إن توقف الخذلان على البيان غير ظاهر الاستلزام للمطلب اللهم إلا بالفحوى.

و منها قوله تعالى لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ.

و في دلالتها تأمل ظاهر.

و يرد على الكل أن غاية مدلولها عدم المؤاخذة على مخالفة النهي المجهول عند المكلف لو فرض وجوده واقعا فلا ينافي ورود الدليل العام على وجوب اجتناب ما يحتمل التحريم و معلوم أن القائل بالاحتياط و وجوب الاجتناب لا يقول به إلا عن دليل علمي.

و هذه الآيات بعد تسليم دلالتها غير معارضة لذلك الدليل بل هي من قبيل الأصل بالنسبة إليه كما لا يخفى.

و منها قوله تعالى مخاطبا لنبيه صلى اللَّه عليه و آله ملقنا إياه طريق الرد على اليهود حيث حرموا بعض ما رزقهم الله تعالى افتراء عليه قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى‏ طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً.

فأبطل تشريعهم بعدم وجدان ما حرموه في جملة المحرمات التي أوحى الله إليه و عدم وجد انه صلى اللَّه عليه و آله ذلك فيما أوحي إليه و إن كان دليلا قطعيا على عدم الوجود إلا أن في التعبير بعدم الوجدان دلالة على كفاية عدم الوجدان في إبطال الحكم بالحرمة.

لكن الإنصاف أن غاية الأمر أن يكون في العدول عن التعبير بعدم الوجود إلى عدم الوجدان إشارة إلى المطلب و أما الدلالة فلا و لذا (قال في الوافية و في الآية إشعار بأن إباحة الأشياء مركوزة في العقل قبل الشرع) مع أنه لو سلم دلالتها فغاية مدلولها كون عدم وجدان التحريم فيما صدر عن الله تعالى من الأحكام يوجب عدم التحريم لا عدم وجدانه فيما بقي بأيدينا من أحكام الله تعالى بعد العلم باختفاء كثير منها عنا و سيأتي توضيح ذلك عند الاستدلال بالإجماع العملي على هذا المطلب.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 319

و منها قوله تعالى وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. يعني مع خلو ما فصل عن ذكر هذا الذي يجتنبونه.

و لعل هذه الآية أظهر من سابقتها لأن السابقة دلت على أنه لا يجوز الحكم بحرمة ما لم يوجد تحريمه فيما أوحى الله سبحانه إلى النبي صلى اللَّه عليه و آله و هذه تدل على أنه لا يجوز التزام ترك الفعل مع عدم وجوده فيما فصل و إن لم يحكم بحرمته فيبطل وجوب الاحتياط أيضا إلا أن دلالتها موهونة من جهة أخرى و هي أن ظاهر الموصول العموم فالتوبيخ على الالتزام بترك الشي‏ء مع تفصيل جميع المحرمات الواقعية و عدم كون المتروك منها و لا ريب أن اللازم من ذلك العلم بعدم كون المتروك محرما واقعيا فالتوبيخ في محله. و الإنصاف ما ذكرنا من أن الآيات المذكورة لا تنهض على إبطال القول بوجوب الاحتياط لأن غاية مدلول الدال منها هو عدم التكليف فيها لم يعلم خصوصا أو عموما بالعقل أو النقل و هذا مما لا نزاع فيه لأحد و إنما أوجب الاحتياط من أوجبه بزعم قيام الدليل العقلي أو النقلي على وجوبه فاللازم على منكره رد ذلك الدليل أو معارضته بما يدل على الرخصة و عدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه و أما الآيات المذكورة فهي كبعض الأخبار الآتية لا تنهض بذلك ضرورة أنه إذا فرض أنه ورد بطريق معتبر في نفسه أنه يجب الاحتياط في كل ما يحتمل أن يكون قد حكم الشارع فيه بالحرمة لم يكن يعارضه شي‏ء من الآيات المذكورة

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص:

320 و أما السنة فيذكر منها في المقام أخبار كثيرة

(منها المروي عن النبي صلى اللَّه عليه و آله بسند صحيح في الخصال كما عن التوحيد: رفع عن أمتي تسعة أشياء الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطروا إليه ... الخبر).

فإن حرمة شرب التتن مثلا مما لا يعلمون فهي مرفوعة عنهم و معنى رفعها كرفع الخطإ و النسيان رفع آثارها أو خصوص المؤاخذة فهو نظير (قوله عليه السلام: ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم). و يمكن أن يورد عليه بأن الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون بقرينة أخواتها هو الموضوع أعني فعل المكلف الغير المعلوم كالفعل الذي لا يعلم أنه شرب الخمر أو شرب الخل و غير ذلك من الشبهات الموضوعية فلا يشمل الحكم الغير المعلوم مع أن تقدير المؤاخذة في الرواية لا يلائم عموم الموصول للموضوع و الحكم لأن المقدر المؤاخذة على نفس هذه المذكورات و لا معنى للمؤاخذة على نفس الحرمة المجهولة نعم هي من آثارها.

فلو جعل المقدر في كل من هذه التسعة ما هو المناسب من أثره أمكن أن يقال إن أثر حرمة شرب التتن المؤاخذة على فعله فهي مرفوعة لكن الظاهر بناء على تقدير المؤاخذة نسبة المؤاخذة إلى نفس المذكورات.

و الحاصل أن المقدر في الرواية باعتبار دلالة الاقتضاء يحتمل أن يكون جميع الآثار في كل واحد من التسعة و هو الأقرب اعتبارا إلى المعنى الحقيقي و أن يكون في كل منها ما هو الأثر الظاهر فيه و أن يقدر المؤاخذة في الكل.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 321

و هذا أقرب عرفا من الأول و أظهر من الثاني أيضا لأن الظاهر أن نسبة الرفع إلى مجموع التسعة على نسق واحد فإذا أريد من الخطإ و النسيان و ما أكرهوا عليه و ما اضطروا المؤاخذة على أنفسها كان الظاهر فيما لا يعلمون ذلك أيضا.

نعم يظهر من بعض الأخبار الصحيحة عدم اختصاص المرفوع عن الأمة بخصوص المؤاخذة (فعن المحاسن عن أبيه عن صفوان بن يحيى و البزنطي جميعا عن أبي الحسن عليه السلام:

في الرجل يستحلف على اليمين فحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك فقال عليه السلام لا قال رسول الله صلى اللَّه عليه و آله وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه و ما لا يطيقون و ما أخطئوا الخبر). فإن الحلف بالطلاق و العتاق و الصدقة و إن كان باطلا عندنا مع الاختيار أيضا إلا أن استشهاد الإمام عليه السلام على عدم لزومها مع الإكراه على الحلف بها بحديث الوضع شاهد على عدم اختصاصه بوضع خصوص المؤاخذة لكن النبوي المحكي في كلام الإمام عليه السلام مختص بثلاثة من التسعة فلعل نفي جميع الآثار مختص بها فتأمل.

و مما يؤيد إرادة العموم ظهور كون رفع كل واحد من التسعة من خواص أمة النبي صلى اللَّه عليه و آله إذ لو اختص الرفع بالمؤاخذة أشكل الأمر في كثير من تلك الأمور من حيث إن العقل مستقل بقبح المؤاخذة عليها فلا اختصاص له بأمة النبي صلى اللَّه عليه و آله على ما يظهر من الرواية و القول بأن الاختصاص باعتبار رفع المجموع و إن لم يكن رفع كل واحد من الخواص شطط من الكلام.

لكن الذي يهون الأمر في الرواية جريان هذا الإشكال في الكتاب العزيز أيضا فإن موارد الإشكال فيها و هي الخطأ و النسيان و ما لا يطاق و ما اضطروا إليه هي بعينها ما استوهبها النبي صلى اللَّه عليه و آله من ربه جل ذكره ليلة المعراج على ما حكاه الله تعالى عنه صلى اللَّه عليه و آله في القرآن بقوله تعالى رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا.

و الذي يحسم أصل الإشكال منع استقلال العقل بقبح المؤاخذة على هذه الأمور بقول مطلق فإن الخطأ و النسيان الصادرين من ترك التحفظ لا يقبح المؤاخذة عليهما و كذا المؤاخذة على ما لا

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 322

يعلمون مع إمكان الاحتياط و كذا التكليف الشاق الناشئ عن اختيار المكلف و المراد بما لا يطاق في الرواية هو ما لا يتحمل في العادة لا ما لا يقدر عليه أصلا كالطيران في الهواء و أما في الآية فلا يبعد أن يراد به العذاب و العقوبة فمعنى لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ لا تورد علينا ما لا نطيقه من العقوبة.

و بالجملة فتأييد إرادة رفع جميع الآثار ب لزوم الإشكال على تقدير الاختصاص برفع المؤاخذة ضعيف جدا. و أضعف منه وهن إرادة العموم بلزوم كثرة الإضمار و هو كما ترى و إن ذكره بعض الفحول و لعله أراد بذلك أن المتيقن رفع المؤاخذة و رفع ما عداه يحتاج إلى دليل.

و فيه أنه إنما يحسن الرجوع إليه بعد الاعتراف بإجمال الرواية لا لإثبات ظهورها في رفع المؤاخذة إلا أن يراد إثبات ظهورها من حيث إن حملها على خصوص المؤاخذة يوجب عدم التخصيص في عموم الأدلة المثبتة لآثار تلك الأمور و حملها على العموم يوجب التخصيص فيها ف فعموم تلك الأدلة مبين لتلك الرواية فإن المخصص إذا كان مجملا من جهة تردده بين ما يوجب كثرة الخارج و بين ما يوجب قلته كان عموم العام بالنسبة إلى التخصيص المشكوك فيه مبينا لإجماله فتأمل و أجمل.

و أضعف من الوهن المذكور وهن العموم بلزوم التخصيص بكثير من الآثار بل أكثرها حيث إنها لا ترتفع بالخطإ و النسيان و أخواتهما و هو ناش عن عدم تحصيل معنى الرواية كما هو حقه.

فاعلم أنه إذا بنينا على عموم رفع الآثار فليس المراد بها الآثار المترتبة على هذه العنوانات من حيث هي إذ لا يعقل رفع الآثار الشرعية المترتبة على الخطإ و السهو من حيث هذين العنوانين كوجوب الكفارة المترتب على قتل الخطإ و وجوب سجدتي السهو المترتب على نسيان بعض الأجزاء و ليس المراد أيضا رفع الآثار المترتبة على الشي‏ء بوصف عدم الخطاء مثل قوله من تعمد الإفطار فعليه كذا لأن هذا الأثر يرتفع بنفسه في صورة الخطإ بل المراد أن الآثار المترتبة على نفس الفعل لا بشرط الخطإ و العمد قد رفعها الشارع عن ذلك الفعل إذا صدر عن خطاء.

ثم المراد بالآثار هي الآثار المجعولة الشرعية التي وضعها الشارع لأنها هي القابلة للارتفاع برفعه و أما ما لم يكن بجعله من الآثار العقلية و العادية فلا تدل الرواية على رفعها و لا رفع الآثار المجعولة المترتبة عليها. ثم المراد بالرفع ما يشمل عدم التكليف مع قيام المقتضي له فيعم الدفع و لو بأن يوجه‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 323

التكليف على وجه يختص بالعامد و سيجي‏ء بيانه.

فإن قلت على ما ذكرت يخرج أثر التكليف فيما لا يعلمون عن مورد الرواية لأن استحقاق العقاب أثر عقلي له مع أنه متفرع على المخالفة بقيد العمد إذ مناطه أعني المعصية لا يتحقق إلا بذلك و أما نفس المؤاخذة ف ليست من الآثار المجعولة الشرعية و الحاصل أنه ليس فيما لا يعملون أثر مجعول من الشارع مترتب على الفعل لا بقيد العلم و الجهل حتى يحكم الشارع بارتفاعه مع الجهل.

قلت قد عرفت أن المراد برفع التكليف عدم توجيهه إلى المكلف مع قيام المقتضي له سواء كان هناك دليل يثبته لو لا الرفع أم لا فالرفع هنا نظير رفع الحرج في الشريعة و حينئذ فإذا فرضنا أنه لا يقبح في العقل أن يوجد التكليف بشرب الخمر على وجه يشمل صورة الشك فيه فلم يفعل ذلك و لم يوجب تحصيل العلم و لو بالاحتياط و وجه التكليف على وجه يختص بالعالم تسهيلا على المكلف كفى في صدق الرفع. و هكذا الكلام في الخطإ و النسيان فلا يشترط في تحقق الرفع وجود دليل يثبت التكليف في حال العمد و غيره نعم لو قبح عقلا المؤاخذة على الترك كما في الغافل الغير المتمكن من الاحتياط لم يكن في حقه رفع أصلا إذ ليس من شأنه أن يوجه إليه التكليف.

و حينئذ فنقول معنى رفع أثر التحريم فيما لا يعلمون عدم إيجاب الاحتياط و التحفظ فيه حتى يلزمه ترتب العقاب إذا أفضى ترك التحفظ إلى الوقوع في الحرام الواقعي.

و كذلك الكلام في رفع أثر النسيان و الخطإ فإن مرجعه إلى عدم إيجاب التحفظ عليه و إلا فليس في التكاليف ما يعم صورة النسيان لقبح تكليف الغافل.

و الحاصل أن المرتفع في ما لا يعلمون و أشباهه مما لا يشمله أدلة التكليف هو إيجاب التحفظ على وجه لا يقع في مخالفة الحرام الواقعي و يلزمه ارتفاع العقاب و استحقاقه فالمرتفع أولا و بالذات أمر مجعول يترتب عليه ارتفاع أمر غير مجعول.

و نظير ذلك ما ربما يقال في رد من تمسك على عدم وجوب الإعادة على من صلى في النجاسة ناسيا بعموم حديث الرفع من (أن وجوب الإعادة و إن كان حكما شرعيا إلا أنه مترتب على مخالفة المأتي به للمأمور به الموجب لبقاء الأمر الأول و هي ليست من الآثار الشرعية للنسيان و قد تقدم أن الرواية لا تدل على رفع الآثار الغير المجعولة و لا الآثار الشرعية المترتبة عليها كوجوب الإعادة فيما نحن فيه).

و يرده ما تقدم في نظيره من أن الرفع راجع هنا إلى شرطية طهارة اللباس بالنسبة إلى‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 324

الناسي فيقال بحكم حديث الرفع إن شرطية الطهارة شرعا مختصة بحال الذكر فيصير صلاة الناسي في النجاسة مطابقة للمأمور به فلا يجب الإعادة و كذلك الكلام في الجزء المنسي فتأمل.

و اعلم أيضا أنه لو حكمنا بعموم الرفع لجميع الآثار فلا يبعد اختصاصه بما لا يكون في رفعه ما ينافي الامتنان على الأمة كما إذا استلزم إضرار المسلم.

فإتلاف المال المحترم نسيانا أو خطأ لا يرتفع معه الضمان و كذلك الإضرار بمسلم لدفع الضرر عن نفسه لا يدخل في عموم ما اضطروا إليه إذ لا امتنان في رفع الأثر عن الفاعل بإضرار الغير فليس الإضرار بالغير نظير سائر المحرمات الإلهية المسوغة لدفع الضرر.

و أما ورود الصحيحة المتقدمة عن المحاسن في مورد حق الناس أعني العتق و الصدقة فرفع أثر الإكراه عن الحالف يوجب فوات نفع على المعتق و الفقراء لا إضرارا بهم و كذلك رفع أثر الإكراه عن المكره فيما إذا تعلق بإضرار مسلم من باب عدم وجوب تحمل الضرر لدفع الضرر عن الغير لا ينافي الامتنان و ليس من باب الإضرار على الغير لدفع الضرر عن النفس لينافي ترخيصه الامتنان على العباد فإن الضرر أولا و بالذات متوجه على الغير بمقتضى إرادة المكره بالكسر لا على المكره بالفتح فافهم بقي في المقام شي‏ء و إن لم يكن مربوطا به و هو أن النبوي المذكور مشتمل على ذكر الطيرة و الحسد و التفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الإنسان بشفتيه و ظاهره رفع المؤاخذة على الحسد مع مخالفته لظاهر الأخبار الكث 236 ي 7 رة و يمكن حمله على ما لم يظهر الحاسد أثره باللسان أو غيره بجعل عدم النطق باللسان قيدا له أيضا. و يؤيده تأخير الحسد عن الكل (في مرفوعة النهدي عن أبي عبد الله عليه السلام المروية في أواخر أبواب الكفر و الإيمان من أصول الكافي قال قال رسول الله صلى اللَّه عليه و آله: وضع عن أمتي تسعة أشياء الخطأ و النسيان و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه و الطيرة و الوسوسة في التفكر في الخلق و الحسد ما لم يظهر بلسان أو بيد الحديث).

و لعل الاقتصار في النبوي الأول على قوله ما لم ينطق لكونه أدنى مراتب الإظهار.

(و روي: ثلاثة لا يسلم منها أحد الطيرة و الحسد و الظن قيل فما نصنع قال إذا تطيرت‏ فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 325

فامض و إذا حسدت فلا تبغ و إذا ظننت فلا تحقق).

و البغي عبارة عن استعمال الحسد و سيأتي في (رواية الخصال: إن المؤمن لا يستعمل حسده) و لأجل ذلك (عد في الدروس من الكبائر في باب الشهادات إظهار الحسد لا نفسه) و في (الشرائع أن الحسد معصية و كذا الظن بالمؤمن و التظاهر بذلك قادح في العدالة).

و الإنصاف أن في كثير من أخبار الحسد إشارة إلى ذلك.

و أما الطيرة بفتح الياء و قد يسكن و هي في الأصل التشؤم بالطير لأن أكثر تشؤم العرب كان به خصوصا الغراب و المراد إما رفع المؤاخذة عليها و يؤيده ما روي من أن الطيرة شرك و إنما يذهبه التوكل و إما رفع أثرها لأن الطيرة كان يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع.

و أما الوسوسة في التفكر في الخلق كما في النبوي الثاني أو التفكر في الوسوسة فيه كما في الأول فهما واحد و الأول أنسب و لعل الثاني اشتباه من الراوي و المراد به كما قيل وسوسة الشيطان للإنسان عند تفكره في أمر الخلقة و قد استفاضت الأخبار بالعفو عنه.

(ففي صحيحة جميل بن دراج: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنه يقع في قلبي أمر عظيم فقال عليه السلام قل لا إله إلا الله قال جميل فكلما وقع في قلبي شي‏ء قلت لا إله إلا الله فذهب عني) (و في رواية حمران عن أبي عبد الله عليه السلام عن الوسوسة و إن كثرت قال عليه السلام:

لا شي‏ء فيها تقول لا إله إلا الله) (و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام: جاء رجل إلى النبي صلى اللَّه عليه و آله فقال يا رسول الله إني هلكت فقال صلى اللَّه عليه و آله له أتاك الخبيث فقال لك من خلقك فقلت الله تعالى فقال الله من خلقه فقال إي و الذي بعثك بالحق قال كذا فقال صلى اللَّه عليه و آله ذاك و الله محض الإيمان) (قال ابن أبي عمير حدثت ذلك عبد الرحمن بن حجاج فقال حدثني أبي عن أبي عبد الله عليه السلام: إن رسول الله صلى اللَّه عليه و آله إنما عنى بقوله هذا محض الإيمان خوفه أن يكون قد هلك حيث عرض في قلبه ذلك)

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 326

(و في رواية أخرى عنه صلى اللَّه عليه و آله: و الذي بعثني بالحق أن هذا لصريح الإيمان فإذا وجدتموه فقولوا آمنا بالله و رسوله و لا حول و لا قوة إلا بالله) (و في رواية أخرى عنه صلى اللَّه عليه و آله: إن الشيطان أتاكم من قبل الأعمال فلم يقو عليكم فأتاكم من هذا الوجه لكي يستزلكم فإذا كان كذلك فليذكر أحدكم الله تعالى وحده).

و يحتمل أن يراد بالوسوسة في الخلق الوسوسة في أمور الناس و سوء الظن بهم و هذا أنسب بقوله ما لم ينطق بشفتيه.

ثم هذا الذي ذكرنا هو الظاهر المعروف في معنى الثلاثة الأخيرة المذكورة في الصحيحة.

(و في الخصال بسند فيه رفع عن أبي عبد الله: قال ثلاث لم يعر منها نبي فمن دونه الطيرة و الحسد و التفكر في الوسوسة في الخلق) (و ذكر الصدوق رحمه الله في تفسيرها أن المراد بالطيرة التطير بالنبي صلى اللَّه عليه و آله إذا المؤمن لا يطيره كما حكى الله عزّ و جل عن الكفار قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَ بِمَنْ مَعَكَ و المراد بالحسد أن يحسد لا أن يحسد كما قال الله تعالى أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ و المراد بالتفكر ابتلاء الأنبياء عليهم السلام بأهل الوسوسة لا غير ذلك كما حكى الله عن الوليد بن مغيرة إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ فافهم).

و قد خرجنا في الكلام في النبوي الشريف عما يقتضيه وضع الرسالة.

(و منها قوله عليه السلام: ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم).

فإن المحجوب حرمة شرب التتن فهي موضوعة عن العباد.

و فيه أن الظاهر مما حجب الله تعالى علمه ما لم يبينه للعباد لا ما بينه و اختفى عليهم من معصية من عصى الله في كتمان الحق أو ستره فالرواية مساوقة لما ورد (عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله تعالى حد حدودا فلا تعتدوها و فرض فرائض فلا تعصوها و سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم) (و منها قوله عليه السلام: الناس في سعة ما لم يعلموا)

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 327

فإن كلمة ما إما موصولة أضيف إليه السعة و إما مصدرية ظرفية و على التقديرين يثبت المطلوب. و فيه ما تقدم في الآيات من أن الأخباريين لا ينكرون عدم وجوب الاحتياط على من لم يعلم بوجوب الاحتياط من العقل و النقل بعد التأمل و التتبع.

(و منها رواية عبد الأعلى عن الصادق عليه السلام قال: سألته عمن لم يعرف شيئا هل عليه شي‏ء قال لا).

بناء على أن المراد بالشي‏ء الأول فرد معين مفروض في الخارج حتى لا يفيد العموم في النفي فيكون المراد هل عليه شي‏ء في خصوص ذلك الشي‏ء المجهول و أما بناء على إرادة العموم فظاهره السؤال عن القاصر الذي لا يدرك شيئا.

(و منها قوله صلى اللَّه عليه و آله: أيما امرئ ارتكب أمرا بجهالة فلا شي‏ء عليه).

و فيه أن الظاهر من الرواية و نظائرها من قولك فلان عمل هكذا بجهالة هو اعتقاد الصواب أو الغفلة عن الواقع فلا يعم صورة التردد في كون فعله صوابا أو خطأ.

و يؤيده أن تعميم الجهالة بصورة التردد يحوج الكلام إلى التخصيص بالشاك الغير المقصر و سياقه يأبى عن التخصيص فتأمل.

(و منها قوله عليه السلام: إن الله تعالى يحتج على العباد بما آتاهم و عرفهم).

و فيه أن مدلوله كما عرفت في الآيات و غير واحد من الأخبار مما لا ينكره الأخباريون. (و منها قوله عليه السلام في مرسلة الفقيه: كل شي‏ء مطلق حتى يرد فيه نهي).

استدل به الصدوق على جواز القنوت بالفارسية و استند إليه في أماليه حيث جعل إباحة الأشياء حتى يثبت الحظر من دين الإمامية و دلالته على المطلب أوضح من الكل و ظاهره عدم وجوب الاحتياط لأن الظاهر إرادة ورود النهي في الشي‏ء من حيث هو لا من حيث كونه مجهول الحكم فإن تم ما سيأتي من أدلة الاحتياط دلالة و سندا وجب ملاحظة التعارض بينها و بين هذه الرواية و أمثالها مما يدل على عدم وجوب الاحتياط ثم الرجوع إلى ما يقتضيه قاعدة التعارض.

(و قد يحتج بصحيحة عبد الرحمن بن حجاج: فيمن تزوج امرأة في عدتها قال أما إذا كان‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 328

بجهالة فليتزوجها بعد ما ينقضي عدتها فقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك قلت بأي الجهالتين أعذر أ بجهالته أن ذلك محرم عليه أم بجهالته أنها في عدة قال إحدى الجهالتين أهون من الأخرى الجهالة بأن الله تعالى حرم عليه ذلك و ذلك لأنه لا يقدر معها على الاحتياط قلت فهو في الأخرى معذور قال عليه السلام نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها).

و فيه أن الجهل بكونها في العدة إن كان مع العلم بالعدة في الجملة و الشك في انقضائها فإن كان الشك في أصل الانقضاء مع العلم بمقدارها فهو شبهة في الموضوع خارج عما نحن فيه مع أن مقتضى الاستصحاب المركوز في الأذهان عدم الجواز.

و منه يعلم أنه لو كان الشك في مقدار العدة فهي شبهة حكمية قصر في السؤال عنها و ليس معذورا فيها اتفاقا لأصالة بقاء العدة و أحكامها بل في رواية أخرى أنه (: إذا علمت أن عليها العدة لزمتها الحجة) فالمراد من المعذورية عدم حرمتها عليه مؤبدا لا من حيث المؤاخذة.

و يشهد له أيضا (قوله عليه السلام بعد قوله: نعم إذا انقضت عدتها جاز له أن يتزوجها).

و كذا مع الجهل بأصل العدة لوجوب الفحص و أصالة عدم تأثير العقد خصوصا مع وضوح الحكم بين المسلمين الكاشف عن تقصير الجاهل هذا إن كان الجاهل ملتفتا شاكا و إن كان غافلا أو معتقدا للجواز فهو خارج عن مسألة البراءة لعدم قدرته على الاحتياط و عليه يحمل تعليل معذورية الجاهل بالتحريم بقوله عليه السلام لأنه لا يقدر إلخ و إن كان تخصيص الجاهل بالحرمة بهذا التعليل يدل على قدرة الجاهل بالعدة على الاحتياط فلا يجوز حمله على الغافل إلا أنه إشكال يرد على الرواية على كل تقدير و محصله لزوم التفكيك بين الجهالتين فتدبر فيه و في دفعه.

و قد يستدل على المطلب أخذا من الشهيد في الذكرى (بقوله عليه السلام: كل شي‏ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه).

و تقريب الاستدلال (كما في شرح الوافية أن معنى الحديث أن كل فعل من جملة الأفعال التي تتصف بالحل و الحرمة و كذا كل عين مما يتعلق به فعل المكلف و يتصف بالحل و الحرمة إذا لم يعلم الحكم الخاص به من الحل و الحرمة فهو حلال.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 329

فخرج ما لا يتصف بهما جميعا من الأفعال الاضطرارية و الأعيان التي لا يتعلق بها فعل المكلف و ما علم أنه حلال لا حرام فيه أو حرام لا حلال فيه و ليس الغرض من ذكر الوصف مجرد الاحتراز بل هو مع بيان ما فيه الاشتباه.

فصار الحاصل أن ما اشتبه حكمه و كان محتملا لأن يكون حلالا و لأن يكون حراما فهو حلال سواء علم حكم كلي فوقه أو تحته بحيث لو فرض العلم باندراجه تحته أو تحققه في ضمنه لعلم حكمه أم لا. و بعبارة أخرى أن كل شي‏ء فيه الحلال و الحرام عندك بمعنى أنك تقسمه إلى هذين و تحكم عليه بأحدهما لا على التعيين و لا تدري المعين منهما فهو لك حلال.

فيقال حينئذ إن الرواية صادقة على مثل اللحم المشترى من السوق المحتمل للمذكى و الميتة و على شرب التتن و على لحم الحمير إن لم نقل بوضوحه و شككنا فيه لأنه يصدق على كل منها أنه شي‏ء فيه حلال و حرام عندنا بمعنى أنه يجوز لنا أن نجعله مقسما لحكمين فنقول هو إما حلال و إما حرام و إنه يكون من جملة الأفعال التي يكون بعض أنواعها أو أصنافها حلالا و بعضها حراما و اشتركت في أن الحكم الشرعي المتعلق بها غير معلوم انتهى).

أقول الظاهر أن المراد بالشي‏ء ليس هو خصوص المشتبه كاللحم المشترى و لحم الحمير على ما مثله بهما إذ لا يستقيم إرجاع الضمير في منه إليهما لكن لفظة منه ليس في بعض النسخ.

و أيضا الظاهر أن المراد بقوله عليه السلام فيه حلال و حرام كونه منقسما إليهما و وجود القسمين فيه بالفعل لا مرددا بينهما إذ لا تقسيم مع الترديد أصلا لا ذهنا و لا خارجا و كون الشي‏ء مقسما لحكمين كما ذكره المستدل لم يعلم له معنى محصل خصوصا مع قوله قدس الله سره إنه يجوز لنا ذلك لأن التقسيم إلى الحكمين الذي هو في الحقيقة ترديد لا تقسيم أمر لازمي قهري لا جائز لنا.

و على ما ذكرنا فالمعنى و الله العالم أن كل كلي فيه قسم حلال و قسم حرام كمطلق لحم الغنم المشترك بين المذكى و الميتة فهذا الكلي لك حلال إلى أن تعرف القسم الحرام معينا في‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 330

الخارج فتدعه و على الاستخدام يكون المراد أن كل جزئي خارجي في نوعه القسمان المذكوران فذلك الجزئي لك حلال حتى تعرف القسم الحرام من ذلك الكلي في الخارج فتدعه و على أي تقدير فالرواية مختصة بالشبهة في الموضوع.

و أما ما ذكره المستدل من أن المراد من وجود الحلال و الحرام فيه احتماله و صلاحيته لهما فهو مخالف لظاهر القضية و لضمير منه و لو على الاستخدام.

ثم الظاهر أن ذكر هذا القيد مع تمام الكلام بدونه كما (في قوله عليه السلام في رواية أخرى: كل شي‏ء لك حلال حتى تعرف أنه حرام) بيان منشأ الاشتباه الذي يعلم من قوله عليه السلام حتى تعرف كما أن الاحتراز عن المذكورات في كلام المستدل أيضا يحصل بذلك.

(و منه يظهر فساد ما انتصر بعض المعاصرين للمستدل بعد الاعتراف بما ذكرنا من ظهور القضية في الانقسام الفعلي فلا يشمل مثل شرب التتن من:

أنا نفرض شيئا له قسمان حلال و حرام و اشتبه قسم ثالث منه كاللحم فإنه شي‏ء فيه حلال و هو لحم الغنم و حرام و هو لحم الخنزير فهذا الكلي المنقسم حلال فيكون لحم الحمار حلالا حتى نعرف حرمته). و وجه الفساد أن وجود القسمين في اللحم ليس منشأ لاشتباه لحم الحمار و لا دخل له في هذا الحكم أصلا و لا في تحقق الموضوع و تقييد الموضوع بقيد أجنبي لا دخل له في الحكم و لا في تحقق الموضوع مع خروج بعض الأفراد منه مثل شرب التتن حتى احتاج هذا المنتصر إلى إلحاق مثله بلحم الحمار و شبهه مما يوجد في نوعه قسمان بالإجماع المركب مستهجن جدا لا ينبغي صدوره من متكلم فضلا عن الإمام عليه السلام.

هذا مع أن اللازم مما ذكر عدم الحاجة إلى الإجماع المركب فإن الشرب فيه قسمان شرب الماء و شرب البنج و شرب التتن كلحم الحمار بعينه و هكذا الأفعال المجهولة الحكم و أما الفرق بين الشرب و اللحم بأن الشرب جنس بعيد لشرب التتن بخلاف اللحم فمما لا ينبغي أن يصغى إليه.

هذا كله مضافا إلى أن الظاهر من قوله حتى تعرف الحرام منه معرفة ذلك الحرام الذي‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 331

فرض وجوده في الشي‏ء و معلوم أن معرفة لحم الخنزير و حرمته لا يكون غاية لحلية لحم الحمار. (و قد أورد على الاستدلال بلزوم استعمال قوله عليه السلام فيه حلال و حرام في معنيين أحدهما أنه قابل للاتصاف بهما و بعبارة أخرى يمكن تعلق الحكم الشرعي به ليخرج ما لا يقبل الاتصاف بشي‏ء منهما و الثاني أنه منقسم إليهما و يوجد النوعان فيه إما في نفس الأمر أو عندنا و هو غير جائز و بلزوم استعمال قوله عليه السلام حتى تعرف الحرام منه بعينه في المعنيين أيضا لأن المراد حتى تعرف من الأدلة الشرعية الحرمة إذا أريد معرفة الحكم المشتبه و حتى تعرف من الخارج من بينة أو غيرها الحرمة إذا أريد معرفة الموضوع المشتبه فليتأمل انتهى).

و ليته أمر بالتأمل في الإيراد الأول أيضا و يمكن إرجاعه إليهما معا و هو الأولى.

و هذه جملة ما استدل به من الأخبار.

و الإنصاف ظهور بعضها في الدلالة على عدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه في الشبهة بحيث لو فرض تمامية الأخبار الآتية للاحتياط وقعت المعارضة بينها لكن بعضها غير دال إلا على عدم وجوب الاحتياط لو لم يرد أمر عام به فلا يعارض ما سيجي‏ء من أخبار الاحتياط لو نهضت للحجية سندا و دلالة

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 332