حضرت امام علی عليه‌السلام نے فرمایا: توبہ دلوں کو پاک کرتی اور گناہوں کو دھو ڈالتی ہے۔ مستدرک الوسائل حدیث13707

المقصد الأول في القطع‏
و ينبغي التنبيه على أمور
الثاني [هل القطع الحاصل من المقدمات العقلية حجة]
الثالث قد اشتهر في السنة المعاصرين أن قطع القطاع لا اعتبار به‏
المقام الثاني و هو كفاية العلم الإجمالي في الامتثال‏
أما المقام الأول و هو كفاية العلم الإجمالي في تنجز التكليف و اعتباره كالتفصيلي‏
المقصد الثاني في الظن‏
المقام الثاني في وقوع التعبد بالظن في الأحكام الشرعية
الظنون المعتبرة
و ينبغي التنبيه على أمور
و أما القسم الثاني و هو الظن الذي يعمل لتشخيص الظواهر
و من جملة الظنون الخارجة عن الأصل الإجماع المنقول بخبر الواحد
و من جملة الظنون التي توهم حجيتها بالخصوص الشهرة في الفتوى‏
و من جملة الظنون ا...خبر الواحد في الجملة
أما حجة المانعين فالأدلة الثلاثة
و أما المجوزون فقد استدلوا على حجيته بالأدلة الأربعة
و أما السنة ف طوائف من الأخبار
و أما الإجماع فتقريره من وجوه‏
الرابع دليل العقل‏
الثاني حجية مطلق الظن‏
المقدمة الثالثة
المقدمة الرابعة
و ينبغي التنبيه على أمور
الأمر الثاني نتيجة دليل الانسداد قضية مهملة أو كلية
المقام الثاني في أنه على أحد التقريرين السابقين
ثم إن الإشكال هنا في مقامين‏
الأمر الثالث لا فرق بين الظن من أمارة على حكم و أمارة متعلقة بألفاظ الدليل‏
الأمر الرابع الثابت بالمقدمات هو الاكتفاء بالظن في الخروج عن عهدة الأحكام‏
الأمر الخامس في اعتبار الظن في أصول الدين‏
الأمر السادس إذا بنينا على عدم حجية ظن فهل يترتب عليه آثار أخر غيرها

رسائل حصہ اول

المقام الثاني في أنه على أحد التقريرين السابقين

فنقول أما على تقدير كون العقل كاشفا عن حكم الشارع بحجية الظن في الجملة فقد عرفت أن الإهمال بحسب الأسباب و بحسب المرتبة و يذكر للتعميم من جهتهما وجوه.

الأول من طرق التعميم عدم المرجح لبعضها على بعض‏ فيثبت التعميم لبطلان الترجيح بلا مرجح و الإجماع على بطلان التخيير و التعميم بهذا الوجه يحتاج إلى ذكر ما يصلح أن يكون مرجحا و إبطاله.

و ليعلم أنه لا بد أن يكون المعين و المرجح معينا لبعض كاف بحيث لا يلزم من الرجوع بعد الالتزام به إلى الأصول محذور و إلا فوجوده لا يجدي.

إذا تمهد هذا فنقول ما يصلح أن يكون معينا أو مرجحا أحد أمور ثلاثة الأول من هذه الأمور كون بعض الظنون متيقنا بالنسبة إلى الباقي بمعنى كونه واجب العمل قطعا على كل تقدير فيؤخذ به و يطرح الباقي للشك في حجيته و بعبارة أخرى يقتصر في القضية المهملة المخالفة للأصل على المتيقن و إهمال النتيجة حينئذ من حيث الكم فقط لتردده بين الأقل المعين و الأكثر.

و لا يتوهم أن هذا المقدار المتيقن حينئذ من الظنون الخاصة للقطع التفصيلي بحجيته لاندفاعه بأن المراد من الظن الخاص ما علم حجيته بغير دليل الانسداد فتأمل.

الثاني كون بعض الظنون أقوى من بعض فتعين العمل عليه للزوم الاقتصار في مخالفة الاحتياط اللازم في كل واحد من محتملات التكاليف الواقعية من الواجبات و المحرمات على القدر المتيقن و هو ما كان الاحتمال الموافق للاحتياط فيه في غاية البعد فإنه كلما ضعف الاحتمال‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 231

الموافق للاحتياط كان ارتكابه أهون.

الثالث كون بعض الظنون مظنون الحجية فإنه في مقام دوران الأمر بينه و بين غيره يكون أولى من غيره إما لكونه أقرب إلى الحجية من غيره و معلوم أن القضية المهملة المجملة تحمل بعد صرفها إلى البعض بحكم العقل على ما هو أقرب محتملاتها إلى الواقع و إما لكونه أقرب إلى إحراز مصلحة الواقع لأن المفروض رجحان مطابقته للواقع لأن المفروض كونه من الأمارات المفيدة للظن بالواقع و رجحان كونه بدلا عن الواقع لأن المفروض الظن بكونه طريقا قائما مقام الواقع بحيث يتدارك مصلحة الواقع على تقدير مخالفته له فاحتمال مخالفة هذه الأمارة للواقع و لبدله موهوم في موهوم بخلاف احتمال مخالفة سائر الأمارات للواقع لأنها على تقدير مخالفتها للواقع لا يظن كونها بدلا عن الواقع.

و نظير ذلك ما لو تعلق غرض المريض بدواء تعذر الاطلاع العلمي عليه فدار الأمر بين دواءين أحدهما يظن كونه ذلك الدواء و على تقدير كونه غيره يظن كونه بدلا عنه في جميع الخواص و الآخر يظن أنه ذلك الدواء لكن لا يظن أنه على تقدير المخالفة بدل عنه و معلوم بالضرورة أن العمل بالأول أولى.

ثم إن البعض المظنون الحجية قد يعلم بالتفصيل كما إذا ظن حجية الخبر المزكى رواته بعدل واحد أو حجية الإجماع المنقول و قد يعلم إجمالا وجوده بين أمارات فالعمل بهذه الأمارات أرجح من غيرها الخارج من محتملات ذلك المظنون الاعتبار و هذا كما لو ظن عدم حجية بعض الأمارات كالأولوية و الشهرة و الاستقراء و فتوى الجماعة الموجبة للظن فإنا إذا فرضنا نتيجة دليل الانسداد مجملة مرددة بين هذه الأمور و غيرها و فرضنا الظن بعدم حجية هذه لزم من ذلك الظن بأن الحجة في غيرها و إن كان مرددا بين أبعاض ذلك الغير فكان الأخذ بالغير أولى من الأخذ بها لعين ما تقدم و إن لم يكن بين أبعاض ذلك الغير مرجح فافهم.

هذه غاية ما يمكن أن يقال في ترجيح بعض الظنون على بعض لكن نقول إن المسلم من هذه في الترجيح لا ينفع و الذي ينفع غير مسلم كونه مرجحا.

توضيح ذلك هو أن المرجح الأول و هو تيقن البعض بالنسبة إلى الباقي و إن كان من المرجحات بل لا يقال له المرجح لكونه معلوم الحجية تفصيلا و غيره مشكوك الحجية فيبقى تحت الأصل لكنه لا ينفع لقلته و عدم كفايته لأن القدر المتيقن من هذه الأمارات هو الخبر الذي زكي جميع رواته بعدلين و لم يعمل في تصحيح رجاله و لا في تمييز مشتركاته بظن أضعف نوعا من‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 232

سائر الأمارات الأخر و لم يوهن لمعارضته شي‏ء منها و كان معمولا به عند الأصحاب كلا أو جلا و مفيدا للظن الاطمئناني بالصدور إذ لا ريب أنه كلما انتفى أحد هذه الأمور الخمسة في خبر احتمل كون غيره حجة دونه فلا يكون متيقن الحجية على كل تقدير.

و أما عدم كفاية هذا الخبر لندرته فهو واضح مع أنه لو كان بنفسه كثيرا كافيا لكن يعلم إجمالا بوجود مخصصات كثيرة و مقيدات له في الأمارات الأخر فيكون نظير ظواهر الكتاب في عدم جواز التمسك بها مع قطع النظر عن غيرها إلا أن يؤخذ بعد الحاجة إلى التعدي منها بما هو متيقن بالإضافة إلى ما بقي فتأمل.

و أما المرجح الثاني و هو كون بعضها أقوى ظنا من الباقي ففيه أن ضبط مرتبة خاصة له متعسر أو متعذر لأن القوة و الضعف إضافيان و ليس تعارض القوي مع الضعيف هنا في متعلق واحد حتى يذهب الظن من الأضعف و يبقى في الأمارة الأخرى نعم يوجد مرتبة خاصة و هو الظن الاطمئناني الملحق بالعلم حكما بل موضوعا لكنه نادر التحقق مع أن كون القوة معينة للقضية المجملة محل منع إذ لا يستحيل أن يعتبر الشارع في حال الانسداد ظنا يكون أضعف من غيره كما هو المشاهد في الظنون الخاصة فإنها ليست على الإطلاق أقوى من غيرها بالبديهة و ما تقدم في تقريب مرجحية القوة إنما هو مع كون إيجاب العمل بالظن عند انسداد باب العلم من منشئات العقل و أحكامه.

و أما على تقدير كشف مقدمات الانسداد عن أن الشارع جعل الظن حجة في الجملة و تردد أمره في أنظارنا بين الكل و الأبعاض فلا يلزم من كون بعضها أقوى كونه هو المجعول حجة لأنا قد وجدنا تعبد الشارع بالظن الأضعف و طرح الأقوى في موارد كثيرة.

و أما المرجح الثالث و هو الظن باعتبار بعض فيؤخذ به لأحد الوجهين المتقدمين ففيه مع أن الوجه الثاني لا يفيد لزوم التقديم بل أولويته أن الترجيح على هذا الوجه يشبه الترجيح بالقوة و الضعف في أن مداره على الأقرب إلى الواقع و حينئذ فإذا فرضنا كون الظن الذي لم يظن بحجيته أقوى ظنا بمراتب من الظن الذي ظن حجيته فليس بناء العقلاء على ترجيح الثاني فيرجع الأمر إلى لزوم ملاحظة الموارد الخاصة و عدم وجود ضابطة كلية بحيث يؤخذ بها في ترجيح الظن المظنون الاعتبار نعم لو فرض تساوي أبعاض الظنون دائما من حيث القوة و الضعف كان ذلك المرجح بنفسه منضبطا و لكن الفرض مستبعد بل مستحيل مع أن اللازم على هذا أن لا يعمل بكل مظنون الحجية بل بما ظن حجيته بظن قد ظن حجيته لأنه أبعد عن مخالفة الواقع و بدله بناء على‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 233

التقرير المتقدم.

و أما الوجه الأول المذكور في تقريب ترجيح مظنون الاعتبار على غيره ففيه أولا أنه لا أمارة تفيد الظن بحجية أمارة على الإطلاق فإن أكثر ما أقيم على حجية الأدلة من الأمارات الظنية المبحوث عنها الخبر الصحيح و معلوم عند المنصف أن شيئا مما ذكروه لحجيته لا يوجب الظن بها على الإطلاق و ثانيا أنه لا دليل على اعتبار مطلق الظن في مسألة تعيين هذا الظن المجمل.

ثم إنه قد توهم غير واحد أنه ليس المراد اعتبار مطلق الظن و حجيته في مسألة تعيين القضية المهملة و إنما المقصود ترجيح بعضها على بعض.

فقال بعضهم في توضيح لزوم الأخذ بمظنون الاعتبار بعد الاعتراف بأنه ليس المقصود هنا إثبات حجية الظنون المظنونة الاعتبار بالأمارات الظنية القائمة عليها ليكون الاتكال في حجيتها على مجرد الظن (إن الدليل العقلي المثبت لحجيتها هو الدليل العقلي المذكور و الحاصل من تلك الأمارات الظنية هو ترجيح بعض الظنون على البعض فيمنع ذلك من إرجاع القضية المهملة إلى الكلية بل يقتصر في مفاد القضية المهملة على تلك الجملة فالظن المفروض إنما يبعث على صرف مفاد الدليل المذكور إلى ذلك و عدم صرفه إلى سائر الظنون نظرا إلى حصول القوة بالنسبة إليها لانضمام الظن بحجيتها إلى الظن بالواقع فإذا قطع العقل بحجية الظن بالقضية المهملة ثم وجد الحجية متساوية بالنظر إلى الجميع حكم بحجية الكل و أما إذا وجدها مختلفة و كان جملة منها أقرب إلى الحجية من الباقي نظرا إلى الظن بحجيتها دون الباقي فلا محالة يقدم المظنون على المشكوك و المشكوك على الموهوم في مقام الحيرة و الجهالة فليس الظن مثبتا لحجية ذلك الظن و إنما هو قاض بتقديم جانب الحجية في تلك الظنون فينصرف إليه ما قضي به الدليل المذكور.

ثم اعترض على نفسه بأن صرف الدليل إليها إن كان على وجه اليقين تم ما ذكر و إلا كان اتّكالا على الظن و الحاصل أنه لا قطع لصرف الدليل إلى تلك الظنون)

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 234

(ثم أجاب بأن الاتكال ليس على الظن بحجيتها و لا على الظن بترجيح تلك الظنون على غيرها بل التعويل على القطع بالترجيح.

و توضيحه أن قضية دليل الانسداد حجية الظن على سبيل الإهمال فيدور الأمر بين القول بحجية الجميع و البعض ثم الأمر في البعض يدور بين المظنون و غيره و قضية العقل في الدوران بين الكل و البعض هو الاقتصار على البعض أخذا بالمتيقن و لذا قال علماء الميزان إن المهملة في قوة الجزئية و لو لم يتعين البعض في المقام و دارت الحجية بينه و بين سائر الأبعاض من غير تفاوت في نظر العقل لزم الحكم بحجية الكل لبطلان الترجيح من غير مرجح و أما لو كانت حجية البعض مما فيه الكفاية مظنونة بخصوصه بخلاف الباقي كان ذلك أقرب إلى الحجية من غيره مما لم يقم على حجيته دليل فيتعين عند العقل الأخذ به دون غيره فإن الرجحان حينئذ قطعي وجداني و الترجيح من جهته ليس ترجيحا بمرجح ظني و إن كان ظنا بحجية تلك الظنون فإن كون المرجح ظنيا لا يقتضي كون الترجيح ظنيا و هو ظاهر انتهى كلامه رفع مقامه).

أقول قد عرفت سابقا أن مقدمات دليل الانسداد إما أن تجعل كاشفة عن كون الظن في الجملة حجة علينا بحكم الشارع كما يشعر به قوله كان بعض الظنون أقرب إلى الحجية من الباقي و إما أن تجعل منشأ لحكم العقل بتعيين إطاعة الله سبحانه حين الانسداد على وجه الظن كما يشعر به قوله نظرا إلى حصول القوة لتلك الجملة لانضمام الظن بحجيتها إلى الظن بالواقع.

فعلى الأول إذا كان الظن المذكور مرددا بين الكل و البعض اقتصر على البعض كما ذكره لأنه القدر المتيقن و أما إذا تردد ذلك البعض بين الأبعاض فالمعين لأحد المحتملين أو المحتملات لا يكون إلا بما يقطع بحجيته كما أنه إذا احتمل في الواقعة الوجوب و الحرمة لا يمكن ترجيح أحدهما بمجرد الظن به إلا بعد إثبات حجية ذلك الظن.

بل التحقيق أن المرجح لأحد الدليلين عند التعارض كالمعين لأحد الاحتمالين يتوقف على القطع باعتباره عقلا أو نقلا و إلا فأصالة عدم اعتبار الظن لا فرق في مجراها بين جعله دليلا و جعله مرجحا هذا مع أن الظن المفروض إنما قام على حجية بعض الظنون في الواقع من حيث الخصوص‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 235

لا على تعيين الثابت حجيته بدليل الانسداد فتأمل. و أما على الثاني فالعقل إنما يحكم بوجوب الإطاعة على الوجوب الأقرب إلى الواقع فإذا فرضنا أن مشكوك الاعتبار يحصل منه ظن بالواقع أقوى مما يحصل من الظن المظنون الاعتبار كان الأول أولى بالحجية في نظر العقل.

(و لذا قال صاحب المعالم إن العقل قاض بأن الظن إذا كان له جهات متعددة متفاوتة بالقوة و الضعف فالعدول عن القوي منها إلى الضعيف قبيح انتهى).

نعم لو كان قيام الظن على حجية بعضها مما يوجب قوتها في نظر العقل لأنها جامعة لإدراك الواقع أو بدله على سبيل الظن بخلافه رجع الترجيح به إلى ما ذكرنا سابقا و ذكرنا ما فيه.

و حاصل الكلام يرجع إلى أن الظن بالاعتبار إنما يكون صارفا للقضية إلى ما قام عليه من الظنون إذا حصل القطع بحجيته في تعيين الاحتمالات أو صار موجبا لكون الإطاعة بمقتضاها أتم لجمعها بين الظن بالواقع و الظن بالبدل و الأول موقوف على حجية مطلق الظن و الثاني لا اطراد له لأنه قد يعارضها قوة المشكوك الاعتبار.

و ربما التزم بالأول بعض من أنكر حجية مطلق الظن و أورده إلزاما على القائلين بمطلق الظن فقال كما يقولون (يجب علينا في كل واقعة البناء على حكم و لعدم كونه معلوما لنا يجب في تعيينه العمل بالظن فكذا نقول بعد ما وجب علينا العمل بالظن و لم نعلم تعيينه يجب علينا في تعيين هذا الظن العمل بالظن.

ثم اعترض على نفسه بما حاصله أن وجوب العمل بمظنون الحجية لا ينفي غيره فقال قلنا نعم و لكن لا يكون حينئذ دليل على حجية ظن آخر إذ بعد ثبوت حجية الظن المظنون الحجية ينفتح باب الأحكام و لا يجري دليلك فيه و يبقى تحت أصالة عدم الحجية).

و فيه أنه إذا التزم باقتضاء مقدمات الانسداد مع فرض عدم المرجح العمل بمطلق الظن في الفروع دخل الظن المشكوك الاعتبار و موهومه فلا مورد للترجيح و التعيين حتى يعين بمطلق‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 236

الظن لأن الحاجة إلى التعيين بمطلق الظن فرع عدم العمل بمطلق الظن و بعبارة أخرى إما أن يكون مطلق الظن حجة و إما لا فعلى الأول لا مورد للتعيين و الترجيح و على الثاني لا يجوز الترجيح بمطلق الظن فالترجيح بمطلق الظن ساقط على كل تقدير و ليس للمتعرض القلب بأنه إن ثبت حجية مطلق الظن تعين ترجيح مظنون الاعتبار به إذ على تقدير ثبوت حجية مطلق الظن لا يتعقل ترجيح حتى يتعين الترجيح بمطلق الظن.

ثم إن لهذا المعترض كلاما في ترجيح مظنون الاعتبار بمطلق الظن لا من حيث حجية مطلق الظن حتى يقال إن بعد ثبوتها لا مورد للترجيح لا بأس بالإشارة إليه و إلى ما وقع من الخلط و الغفلة منه في المراد بالترجيح هنا فقال معترضا على القائل بما قدمنا من أن ترجيح أحد المحتملين عين تعيينه بالاستدلال بقوله (إن هذا القائل خلط بين ترجيح الشي‏ء و تعيينه و لم يعرف الفرق بينهما و لبيان هذا المطلب نقدم مقدمة ثم نجيب عن كلامه و هي أنه لا ريب في بطلان الترجيح بلا مرجح فإنه مما يحكم بقبحه العقل و العرف و العادة بل يقولون بامتناعه الذاتي كالترجيح بلا مرجح و المراد بالترجيح بلا مرجح هو سكون النفس إلى أحد الطرفين و الميل إليه من غير مرجح و إن لم يحكم بتعيينه وجوبا و أما الحكم بذلك فهو أمر آخر وراء ذلك.

ثم أوضح ذلك بأمثلة منها أنه لو دار أمر العبد في أحكام السلطان المرسلة إليه بين أمور و كان بعضها مظنونا بظن لم يعلم حجيته من طرف السلطان صح له ترجيح المظنون و لا يجوز له الحكم بلزوم ذلك و منها أنه لو أقدم على أحد طعامان أحدهما ألذ من الآخر فاختاره عليه لم يرتكب ترجيحا بلا مرجح و إن لم يلزم أكل الألذ و لكن لو حكم بلزوم الأكل لا بد من تحقق دليل عليه و لا يكفي مجرد الألذية نعم لو كان أحدهما مضرا صح الحكم باللزوم.

ثم قال و بالجملة فالحكم بلا دليل غير الترجيح بلا مرجح فالمرجح غير الدليل و الأول يكون في مقام الميل و العمل و الثاني يكون في مقام التصديق و الحكم.

ثم قال أن ليس المراد أنه يجب العمل بالظن المظنون حجيته و أنه الذي يجب العمل به بعد انسداد باب العلم بل مراده أنه بعد ما وجب على المكلف‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 237

لانسداد باب العلم و بقاء التكليف العمل بالظن و لا يعلم أي ظن لو عمل بالظن المظنون حجيته أي نقض يلزم عليه فإن قلت ترجيح بلا مرجح فقد غلطت غلطا ظاهرا و إن كان غيره فبينه حتى ننظر انتهى كلامه).

أقول لا يخفى أنه ليس المراد من أصل دليل الانسداد إلا وجوب العمل بالظن فإذا فرض أن هذا الواجب تردد بين ظنون فلا غرض إلا في تعيينه بحيث يحكم بأن هذا هو الذي يجب العمل به شرعا حتى يبني المجتهد عليه في مقام العمل و يلتزم بمؤداه على أنه حكم شرعي عزمي من الشارع و أما دواعي ارتكاب بعض الظنون دون بعض فهي مختلفة غير منضبطة فقد يكون الداعي إلى الاختيار موجودا في موهوم الاعتبار لغرض من الأغراض و قد يكون في مظنون الاعتبار فليس الكلام إلا في أن الظن بحجية بعض الظنون هل يوجب الأخذ بتلك الظنون شرعا بحيث يكون الآخذ بغيره لداع من الدواعي معاقبا عند الله في ترك ما هو وظيفته من سلوك الطريق و بعبارة أخرى هل يجوز شرعا أن يعمل المجتهد بغير مظنون الاعتبار أم لا يجوز. إن قلت لا يجوز شرعا قلنا فما الدليل الشرعي بعد جواز العمل بالظن في الجملة على أن تلك المهملة غير هذه الجزئية و إن قلت يجوز لكن بدلا عن مظنون الاعتبار لا جمعا بينهما فهذا هو التخيير الذي التزم المعمم ببطلانه و إن قلت يجوز جمعا بينهما فهذا هو مطلب المعمم.

فليس المراد بالمرجح ما يكون داعيا إلى إرادة أحد الطرفين بل المراد ما يكون دليلا على حكم الشارع و من المعلوم أن هذا الحكم الوجوبي لا يكون إلا عن حجة شرعية فلو كان هي مجرد الظن بوجوب العمل بذلك البعض فقد لزم العمل بمطلق الظن عند اشتباه الحكم الشرعي فإذا جاز ذلك في هذا المقام لم لا يجوز في سائر المقامات فلم قلتم إن نتيجة دليل الانسداد حجية الظن في الجملة.

و بعبارة أخرى لو اقتضى انسداد باب العلم في الأحكام تعيين الأحكام المجهولة بمطلق الظن فلم منعتم إفادة ذلك الدليل إلا لإثبات حجية الظن في الجملة و إن اقتضى تعيين الأحكام بالظن في الجملة لم يوجب انسداد باب العلم في تعيين الظن في الجملة الذي وجب العمل به بمقتضى الانسداد العمل في تعيينه بمطلق الظن حاصل الكلام أن المراد من المرجح هنا هو المعين و الدليل الملزم من جانب الشارع ليس‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 238

إلا فإن كان في المقام شي‏ء غير الظن فليذكر و إن كان مجرد الظن فلم تثبت حجية مطلق الظن.

فثبت من جميع ذلك أن الكلام ليس في المرجح للفعل بل المطلوب المرجح للحكم بأن الشارع أوجب بعد الانسداد العمل بهذا دون ذاك.

و مما ذكرنا يظهر ما في آخر كلام البعض المتقدم ذكره في توضيح مطلبه من أن كون المرجح ظنيا لا يقتضي كون الترجيح ظنيا فإنا نقول إن كون المرجح قطعيا لا يقتضي ذلك بل إن قام دليل على اعتبار ذلك المرجح شرعا كان الترجيح به قطعيا و إلا فليس ظنيا أيضا.

ثم إن ما ذكره الأخير في مقدمته من أن الترجيح بلا مرجح قبيح بل محال يظهر منه خلط بين الترجيح بلا مرجح في الإيجاد و التكوين و بينة في مقام الإلزام و التكليف فإن الأول محال لا قبيح و الثاني قبيح لا محال فالإضراب في كلامه عن القبيح إلى الاستحالة لا مورد له فافهم فثبت مما ذكرنا أن تعيين الظن في الجملة من بين الظنون بالظن غير مستقيم و في حكمه ما لو عين بعض الظنون لأجل الظن بعدم حجية ما سواه كالأولوية و الاستقراء بل الشهرة حيث إن المشهور على عدم اعتبارها بل لا يبعد دخول الأولين تحت القياس المنهي عنه بل النهي عن العمل بالأولى منهما وارد في قضية أبان المتضمنة لحكم دية أصابع المرأة فإنه يظن بذلك أن الظن المعتبر بحكم الانسداد في ما عدا هذه الثلاثة و قد ظهر ضعف ذلك مما ذكرنا من عدم استقامة تعيين القضية المهملة بالظن.

و نزيد هنا أن دعوى حصول الظن على عدم اعتبار هذه الأمور ممنوعة لأن مستند الشهرة على عدم اعتبارها ليس إلا عدم الدليل عند المشهور على اعتبارها فيبقى تحت الأصل لا لكونها منهيا عنها بالخصوص كالقياس و مثل هذه الشهرة المستندة إلى الأصل لا يوجب الظن بالواقع.

و أما دعوى كون الأولين قياسا فنكذبه بعمل غير واحد من أصحابنا عليهما بل الأولوية قد عمل بها غير واحد من أهل الظنون الخاصة في بعض الموارد.

و منه يظهر الوهن في دلالة قضية أبان على حرمة العمل عليها بالخصوص فلا يبقى ظن من الرواية بحرمة العمل عليها بالخصوص.

و لو فرض ذلك دخل الأولوية في ما قام الدليل على عدم اعتباره لأن الظن الحاصل من رواية أبان متيقن الاعتبار بالنسبة إلى الأولوية فحجيتها مع عدم حجية الخبر الدال على المنع عنها غير محتملة فتأمل.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 239

ثم بعد ما عرفت من عدم استقامة تعيين القضية المهملة بمطلق الظن فاعلم أنه قد يصح تعيينها بالظن في مواضع أحدها أن يكون الظن القائم على حجية بعض الظنون من المتيقن اعتباره بعد الانسداد إما مطلقا كما إذا قام فرد من الخبر الصحيح المتيقن اعتباره من بين سائر الأخبار و سائر الأمارات على حجية بعض ما دونه فإنه يصير حينئذ متيقن الاعتبار لأجل قيام الظن المتيقن الاعتبار على اعتباره و إما بالإضافة إلى ما قام على اعتباره إذا ثبت حجية ذلك الظن القائم كما لو قام الإجماع المنقول على حجية الاستقراء مثلا فإنه يصير بعد إثبات حجية الإجماع المنقول على بعض الوجوه ظنا معتبرا و يلحق به ما هو متيقن بالنسبة إليه كالشهرة إذا كانت متيقنة الاعتبار بالنسبة إلى الاستقراء بحيث لا يحتمل اعتباره دونها. لكن هذا مبني على عدم الفرق في حجية الظن بين كونه في المسائل الفروعية و كونه في المسائل الأصولية و إلا فلو قلنا إن الظن في الجملة الذي قضى به مقدمات دليل الانسداد إنما هو المتعلق بالمسائل الفرعية دون غيرها فالقدر المتيقن إنما هو متيقن بالنسبة إلى الفروع لا غير.

و ما ذكرنا سابقا من عدم الفرق بين تعلق الظن بنفس الحكم الفرعي و بين تعلقه بما جعل طريقا إليه إنما هو بناء على ما هو التحقيق من تقرير مقدمات الانسداد على وجه يوجب حكومة العقل دون كشفه عن جعل الشارع و القدر المتيقن مبني على الكشف كما سيجي‏ء إلا أن يدعى أن القدر المتيقن في الفروع هو متيقن في المسائل الأصولية أيضا.

الثاني أن يكون الظن القائم على حجية ظن متحدا لا تعدد فيه كما إذا كان مظنون الاعتبار منحصرا فيما قام أمارة واحدة على حجيته فإنه يعمل به في تعيين المتبع و إن كان أضعف الظنون لأنه إذا انسد باب العلم في مسألة تعيين ما هو المتبع بعد الانسداد و لم يجز الرجوع فيها إلى الأصول حتى الاحتياط كما سيجي‏ء تعين الرجوع إلى الظن الموجود في المسألة فيؤخذ به لما عرفت من أن كل مسألة انسد فيها باب العلم و فرض عدم صحة الرجوع فيها إلى مقتضى الأصول تعين بحكم العقل العمل بأي ظن وجد في تلك المسألة.

الثالث أن يتعدد الظنون في مسألة تعيين المتبع بعد الانسداد بحيث يقوم كل واحد منها على اعتبار طائفة من الأمارات كافية في الفقه لكن يكون هذه الظنون القائمة كلها في مرتبة لا يكون اعتبار بعضها مظنونا فحينئذ إذا وجب بحكم مقدمات الانسداد في مسألة تعيين المتبع الرجوع فيها إلى الظن في الجملة و المفروض تساوي الظنون الموجودة في تلك المسألة و عدم المرجح لبعضها

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 240

وجب الأخذ بالكل بعد بطلان التخيير بالإجماع و تعسر ضبط البعض الذي لا يلزم العسر من الاحتياط فيه.

ثم على تقدير صحة تقرير دليل الانسداد على وجه الكشف فالذي ينبغي أن يقال إن اللازم على هذا أولا هو الاقتصار على المتيقن من الظنون و هل يلحق به كل ما قام المتيقن على اعتباره وجهان أقواهما العدم كما تقدم إذ بناء على هذا التقرير لا نسلم كشف العقل بواسطة مقدمات الانسداد إلا عن اعتبار الظن في الجملة في الفروع دون الأصول و الظن بحجية الأمارة الفلانية ظن بالمسألة الأصولية.

نعم مقتضى تقرير الدليل على وجه حكومة العقل أنه لا فرق بين تعلق الظن بالحكم الفرعي أو بحجية طريق. ثم إن كان القدر المتيقن كافيا في الفقه بمعنى أنه لا يلزم من العمل بالأصول في مجاريها المحذور اللازم على تقدير الاقتصار على المعلومات فهو و إلا فالواجب الأخذ بما هو المتيقن من الأمارات الباقية الثابتة بالنسبة إلى غيرها فإن كفى في الفقه بالمعنى الذي ذكرنا فهو و إلا فيؤخذ بما هو المتيقن بالنسبة و هكذا.

ثم لو فرضنا عدم القدر المتيقن بين الأمارات أو عدم كفاية ما هو القدر المتيقن مطلقا أو بالنسبة فإن لم يكن على شي‏ء منها أمارة فاللازم الأخذ بالكل لبطلان التخيير بالإجماع و بطلان طرح الكل بالفرض و فقد المرجح فتعين الجمع. و إن قام على بعضها أمارة فإن كانت أمارة واحدة كما إذا قامت الشهرة على حجية جملة من الأمارات كان اللازم الأخذ بها لتعين الرجوع إلى الشهرة في تعيين المتبع من بين الظنون و إن كانت أمارات متعددة قامت كل واحدة منها على حجية ظن مع الحاجة إلى جميع تلك الظنون في الفقه و عدم كفاية بعضها عمل بها و لا فرق حينئذ بين تساوي تلك الأمارات القائمة من حيث الظن بالاعتبار و العدم و بين تفاوتها في ذلك.

و أما لو قامت كل واحدة منها على مقدار من الأمارات كاف في الفقه فإن لم تتفاوت الأمارات القائمة في الظن بالاعتبار وجب الأخذ بالكل كالأمارة الواحد ة لفقد المرجح و إن تفاوتت فما قام متيقن أو مظنون الاعتبار على اعتباره يصير معينا لغيره كما إذا قام الإجماع المنقول بناء على كونه مظنون الاعتبار على حجية أمارة غير مظنون الاعتبار و قامت تلك الأمارة فإنها تتعين بذلك.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 241

هذا كله على تقدير كون دليل الانسداد كاشفا و أما على ما هو المختار من كونه حاكما فسيجي‏ء الكلام فيه بعد الفراغ عن المعممات التي ذكروها لتعميم النتيجة إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاللازم على المجتهد أن يتأمل في الأمارات حتى يعرف المتيقن منها حقيقة أو بالإضافة إلى غير ها و يحصل ما يمكن تحصيله من الأمارات القائمة على حجية تلك الأمارات و يميز بين تلك الأمارات القائمة من حيث التساوي و التفاوت من حيث الظن بحجية بعضها من أمارة أخرى و يعرف كفاية ما أحرز اعتباره من تلك الأمارات و عدم كفايته في الفقه. و هذا يحتاج إلى سير مسائل الفقه إجمالا حتى يعرف أن القدر المتيقن من الأخبار مثلا لا يكفي في الفقه بحيث يرجع في موارد خلت عن هذا الخبر إلى الأصول التي يقتضيها الجهل بالحكم في ذلك المورد فإنه إذا انضم إليه قسم آخر من الخبر لكونه متيقنا إضافيا أو لكونه مظنون الاعتبار بظن متبع هل يكفي أم لا فليس له الفتوى على وجه يوجب طرح سائر الظنون حتى يعرف كفاية ما أحرزه من جهة اليقين أو الظن المتبع وفقنا الله للاجتهاد الذي هو أشد من طول الجهاد بحق محمد و آله الأمجاد

الثاني من طرق التعميم ما سلكه غير واحد من المعاصرين من عدم الكفاية

حيث اعترفوا بعد تقسيم الظنون إلى مظنون الاعتبار و مشكوكه و موهومه بأن مقتضى القاعدة بعد إهمال النتيجة الاقتصار على مظنون الاعتبار ثم على المشكوك ثم يتسرى إلى الموهوم.

لكن الظنون المظنونة الاعتبار غير كافية إما بأنفسها بناء على انحصارها في الأخبار الصحيحة بتزكية عدلين و إما لأجل العلم الإجمالي بمخالفة كثير من ظواهرها للمعاني الظاهرة منها و وجود ما يظن منه ذلك في الظنون المشكوكة الاعتبار. فلا يجوز التمسك بتلك الظواهر للعلم الإجمالي المذكور فيكون حالها حال ظاهر الكتاب و السنة المتواترة في عدم الوفاء بمعظم الأحكام.

فلا بد من التسري بمقتضى قاعدة الانسداد و لزوم المحذور من الرجوع إلى الأصول إلى الظنون المشكوكة الاعتبار التي دلت على إرادة خلاف الظاهر في ظواهر مظنون الاعتبار فيعمل بما هو من مشكوك الاعتبار مخصص لعمومات مظنون الاعتبار و مقيد لإطلاقاته و قرائن لمجازاته.

فإذا وجب العمل بهذه الطائفة من مشكوك الاعتبار ثبت وجوب العمل لغيرها مما ليس فيها معارضة لظواهر الأمارات المظنونة الاعتبار بالإجماع على عدم الفرق بين أفراد مشكوك‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 242

الاعتبار فإن أحدا لم يفرق بين الخبر الحسن المعارض لإطلاق الصحيح و بين خبر حسن آخر غير معارض لخبر صحيح بل بالأولوية القطعية لأنه إذا وجب العمل بمشكوك الاعتبار الذي له معارضة لظاهر مظنون الاعتبار فالعمل بما ليس له معارض أولى.

ثم نقول إن في ظواهر مشكوك الاعتبار موارد كثيرة نعلم إجمالا بعدم إرادة المعاني الظاهرة و الكاشف عن ذلك ظنا هي الأمارات الموهومة الاعتبار فنعمل بتلك الأمارات ثم نعمل بباقي أفراد الموهوم الاعتبار بالإجماع المركب حيث إن أحدا لم يفرق بين الشهرة المعارضة للخبر الحسن بالعموم و الخصوص و بين غير المعارض له بل بالأولوية كما عرفت. أقول الإنصاف أن التعميم بهذا الطريق أضعف من التخصيص بمظنون الاعتبار لأن هذا المعمم قد جمع ضعف القولين حيث اعترف بأن مقتضى القاعدة لو لا عدم الكفاية الاقتصار على مظنون الاعتبار و قد عرفت أنه لا دليل على اعتبار مطلق الظن بالاعتبار إلا إذا ثبت جواز العمل بمطلق الظن عند انسداد باب العلم.

و أما ما ذكره من التعميم لعدم الكفاية ففيه أولا أنه مبني على زعم كون مظنون الاعتبار منحصرا في الخبر الصحيح بتزكية عدلين و ليس كذلك بل الأمارات الظنية من الشهرة و ما دل على اعتبار قول الثقة مضافا إلى ما استفيد من سيرة القدماء في العمل بما يوجب سكون النفس من الروايات و في تشخيص أحوال الرواة توجب الظن القوي بحجية الخبر الصحيح بتزكية عدل واحد و الخبر الموثق و الضعيف المنجبر بالشهرة من حيث الرواية و من المعلوم كفاية ذلك و عدم لزوم محذور من الرجوع في موارد فقد تلك الأمارات إلى الأصول.

و ثانيا أن العلم الإجمالي الذي ادعاه يرجع حاصله إلى العلم بمطابقة بعض مشكوكات الاعتبار للواقع من جهة كشفها عن المرادات في مظنونات الاعتبار و من المعلوم أن العمل بها لأجل ذلك لا يوجب التعدي إلى ما ليس فيه هذه العلة أعني مشكوكات الاعتبار الغير الكاشفة عن مرادات مظنونات الاعتبار فإن العلم الإجمالي بوجود شهرات متعددة مقيدة لإطلاقات الأخبار أو مخصصة لعموماتها لا يوجب التعدي إلى الشهرات الغير المزاحمة للأخبار بتقييد أو تخصيص فضلا عن التسري إلى الاستقراء و الأولوية.

و دعوى الإجماع لا يخفى ما فيها لأن الحكم بالحجية في القسم الأول لعله غير مطردة في القسم الثاني حكم عقلي فعلم بعدم تعرض الإمام عليه السلام له قولا و لا فعلا إلا من باب تقرير

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 243

حكم العقل و المفروض عدم جريان حكم العقل في غير مورد العلة و هي وجود العلم الإجمالي.

و من ذلك يعرف الكلام في دعوى الأولوية فإن المناط في العمل بالقسم الأول إذا كان هو العلم الإجمالي فكيف يتعدى إلى ما لا يوجد فيه المناط فضلا عن كونه أولى.

و كأن متوهم الإجماع رأى أن أحدا من العلماء لم يفرق بين أفراد الخبر الحسن أو أفراد الشهرة و لم يعلم أن الوجه عندهم ثبوت الدليل عليهما مطلقا أو نفيه كذلك لأنهم أهل الظنون الخاصة بل لو ادعي الإجماع على أن كل من عمل بجملة من الأخبار الحسان أو الشهرات لأجل العلم الإجمالي بمطابقة بعضها للواقع لم يعمل بالباقي الخالي عن هذا العلم الإجمالي كان في محله الثالث من طرق التعميم ما ذكره بعض مشايخنا طاب ثراه من قاعدة الاشتغال بناء على أن الثابت من دليل الانسداد وجوب العمل بالظن في الجملة فإذا لم يكن قدر متيقن كاف في الفقه وجب العمل بكل ظن و منع جريان قاعدة الاشتغال هنا لكون ما عدا واجب العمل من الظنون محرم العمل فقد عرفت الجواب عنه في بعض أجوبة الدليل الأول من أدلة اعتبار الظن بالطريق.

و لكن فيه أن قاعدة الاشتغال في مسألة العمل بالظن معارضة في بعض الموارد بقاعدة الاشتغال في المسألة الفرعية كما إذا اقتضى الاحتياط في الفروع وجوب السورة و كان ظن مشكوك الاعتبار على عدم وجوبها فإنه يجب مراعاة قاعدة الاحتياط في الفروع و قراءة السورة لاحتمال وجوبها و لا ينافيه الاحتياط في المسألة الأصولية لأن الحكم الأصولي المعلوم بالإجمال و هو وجوب العمل بالظن القائم على عدم الوجوب معناه وجوب العمل على وجه ينطبق مع عدم الوجوب و يكفي فيه أن يقع الفعل لا على وجه الوجوب و لا تنافي بين الاحتياط بفعل السورة لاحتمال الوجوب و كونه لا على وجه الوجوب الواقعي. و توضيح ذلك أن معنى وجوب العمل بالظن وجوب تطبيق عمله عليه فإذا فرضنا أنه يدل على عدم وجوب شي‏ء فليس معنى وجوب العمل به إلا أنه لا يتعين عليه ذلك الفعل.

فإذا اختار فعل ذلك فيجب أن يقع الفعل لا على وجه الوجوب كما لو لم يكن هذا الظن و كان غير واجب بمقتضى الأصل لا أنه يجب أن يقع على وجه عدم الوجوب إذ لا يعتبر في الأفعال الغير الواجبة قصد عدم الوجوب نعم يجب التشرع و التدين بعدم الوجوب سواء فعله أو

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 244

تركه من باب وجوب التدين بجميع ما علم من الشرع.

و حينئذ فإذا تردد الظن الواجب العمل المذكور بين ظنون تعلقت بعدم وجوب أمور فمعنى وجوب ملاحظة ذلك الظن المجمل المعلوم إجمالا وجوبه أن لا يكون فعله لهذه الأمور على وجه الوجوب كما لو لم يكن هذه الظنون و كانت هذه الأمور مباحة بحكم الأصل و لذا يستحب الاحتياط و إتيان الفعل لاحتمال أنه واجب.

ثم إذا فرض العلم الإجمالي من الخارج بوجوب أحد هذه الأشياء على وجه يجب الاحتياط و الجمع بين تلك الأمور فيجب على المكلف الالتزام بفعل كل واحد منها لاحتمال أن يكون هو الواجب و ما اقتضاه الظن القائم على عدم وجوبه من وجوب أن يكون فعله لا على وجه الوجوب باق بحاله لأن الاحتياط في الجميع لا يقتضي إتيان كل منها بعنوان الوجوب الواقعي بل بعنوان أنه محتمل الوجوب و الظن القائم على عدم وجوبه لا يمنع من لزوم إتيانه على هذا الوجه كما أنه لو فرضنا ظنا معتبرا معلوما بالتفصيل كظاهر الكتاب دل على عدم وجوب شي‏ء لم يناف مؤداه لاستحباب الإتيان بهذا الشي‏ء لاحتمال الوجوب هذا.

و أما ما قرع سمعك من تقديم قاعدة الاحتياط في المسألة الأصولية على الاحتياط في المسألة الفرعية أو تعارضهما فليس في مثل المقام.

بل مثال الأول منهما ما إذا كان العمل بالاحتياط في المسألة الأصولية مزيلا للشك الموجب للاحتياط في المسألة الفرعية كما إذا تردد الواجب بين القصر و الإتمام و دل على أحدهما أمارة من الأمارات التي يعلم إجمالا بوجوب العمل ببعضها فإنه إذا قلنا بوجوب العمل بهذه الأمارات يصير حجة معينة لإحدى الصلاتين إلا أن يقال إن الاحتياط في المسألة الأصولية إنما يقتضي إتيانها لا نفي غيرها فالصلاة الأخرى حكمها حكم السورة في عدم جواز إتيانها على وجه الوجوب فلا تنافي وجوب إتيانها لاحتمال الوجوب فيصير نظير ما نحن فيه.

و أما الثاني و هو مورد المعارضة فهو كما إذا علمنا إجمالا بحرمة شي‏ء من بين أشياء و دلت على وجوب كل منها أمارات نعلم إجمالا بحجية إحداها فإن مقتضى هذا وجوب الإتيان بالجميع و مقتضى ذلك ترك الجميع فافهم.

و أما دعوى أنه إذا ثبت وجوب العمل بكل ظن في مقابل غير الاحتياط من الأصول وجب العمل به في مقابل الاحتياط للإجماع المركب فقد عرفت شناعته.

فإن قلت إذا عملنا في مقابل الاحتياط بكل ظن يقتضي التكليف و عملنا في مورد الاحتياط

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 245

بالاحتياط لزم العسر و الحرج إذ يجمع حينئذ بين كل مظنون الوجوب و كل مشكوك الوجوب أو موهوم الوجوب مع كونه مطابقا للاحتياط اللازم فإذا فرض لزوم العسر من مراعاة الاحتياطين معا في الفقه تعين دفعه بعدم وجوب الاحتياط في مقابل الظن فإذا فرض هذا الظن مجملا لزم العمل بكل ظن مما يقتضي الظن بالتكليف احتياطا و أما الظنون المخالفة للاحتياط اللازم فيعمل بها فرارا عن لزوم العسر.

قلت دفع العسر يمكن بالعمل ببعضها فما المعمم فيرجع الأمر إلى أن قاعدة الاشتغال لا ينفع و لا يثمر في الظنون المخالفة للاحتياط لأنك عرفت أنه لا يثبت وجوب التسري إليها فضلا عن التعميم فيها لأن التسري إليها كان للزوم العسر فافهم. هذا كله على تقدير تقرير مقدمات دليل الانسداد على وجه يكشف عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظن في الجملة و قد عرفت أن التحقيق خلاف هذا التقرير و عرفت أيضا ما ينبغي سلوكه على تقدير تماميته من وجوب اعتبار المتيقن حقيقة أو بالإضافة ثم ملاحظة مظنون الاعتبار بالتفصيل الذي تقدم في آخر المعمم الأول من المعممات الثلاثة.

و أما على تقدير تقريرها على وجه يوجب حكومة العقل بوجوب الإطاعة الظنية و الفرار عن المخالفة الظنية و أنه يقبح من الشارع تعالى إرادة أزيد من ذلك كما يقبح من المكلف الاكتفاء بما دون ذلك فالتعميم و عدمه لا يتصور بالنسبة إلى الأسباب لاستقلال العقل بعدم الفرق فيما إذا كان المقصود الانكشاف الظني بين الأسباب المحصلة له كما لا فرق فيما إذا كان المقصود الانكشاف الجزمي بين أسبابه و إنما يتصور من حيث مرتبة الظن و وجوب الاقتصار على الظن القوي الذي يرتفع معه التحير عرفا بيان ذلك أن الثابت من مقدمتي بقاء التكليف و عدم التمكن من العلم التفصيلي هو وجوب الامتثال الإجمالي بالاحتياط في إتيان كل ما يحتمل الوجوب و ترك كل ما يحتمل الحرمة لكن المقدمة الثالثة النافية للاحتياط إنما أبطلت وجوبه على وجه الموجبة الكلية بأن يحتاط في كل واقعة قابلة للاحتياط أو يرجع إلى الأصل كذلك و من المعلوم أن إبطال الموجبة الكلية لا يستلزم صدق السالبة الكلية و حينئذ فلا يثبت من ذلك إلا وجوب العمل بالظن على خلاف الاحتياط و الأصول في الجملة.

ثم إن العقل حاكم بأن الظن القوي الاطمئناني أقرب إلى العلم عند تعذره و أنه إذا لم يمكن القطع بإطاعة مراد الشارع و ترك ما يكرهه وجب تحصيل ذلك بالظن الأقرب إلى العلم.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 246

و حينئذ فكل واقعة تقتضي الاحتياط الخاص بنفس المسألة أو الاحتياط العام من جهة كونها إحدى المسائل التي يقطع بتحقق التكليف فيها إن قام على خلاف مقتضى الاحتياط أمارة ظنية توجب الاطمئنان بمطابقة الواقع تركنا الاحتياط و أخذنا بها.

و كل واقعة ليست فيها أمارة كذلك نعمل فيها بالاحتياط سواء لم يوجد أمارة أصلا كالوقائع المشكوكة أو كانت و لم تبلغ مرتبة الاطمئنان.

و كل واقعة لم يمكن فيها الاحتياط تعين التخيير في الأول و العمل بالظن في الثاني و إن كان في غاية الضعف لأن الموافقة الظنية أولى من غيرها و المفروض عدم جريان البراءة و الاستصحاب لانتقاضهما بالعلم الإجمالي فلم يبق من الأصول إلا التخيير و محله عدم رجحان أحد الاحتمالين و إلا فيؤخذ بالراجح و نتيجة هذا هو الاحتياط في المشكوكات و المظنونات بالظن الغير الاطمئناني إن أمكن و إلا فبالأصول و العمل بالظن في الوقائع المظنونة بالظن الاطمئناني فإذا عمل المكلف قطع بأنه لم يترك القطع بالموافقة الغير الواجب على المكلف من جهة العسر إلا إلى الموافقة الاطمئنانية فيكون مدار العمل على العلم بالبراءة و الظن الاطمئناني بها.

و أما مورد التخيير فالعمل فيه على الظن الموجود في المسألة و إن كان ضعيفا فهو خارج عن الكلام لأن العقل لا يحكم فيه بالاحتياط حتى يكون التنزل منه إلى شي‏ء آخر بل التخيير أو العمل بالظن الموجود تنزل من العلم التفصيلي إليهما بلا واسطة.

و إن شئت قلت إن العمل في الفقه في مورد الانسداد على الظن الاطمئناني و مطلق الظن و التخيير كل في مورد خاص و هذا هو الذي يحكم به العقل المستقل.

و قد سبق لذلك مثال في الخارج و هو ما إذا علمنا بوجود شياه محرمة في قطيع و كان أقسام القطيع بحسب احتمال كونها مصداقا للمحرمات خمسة قسم منها يظن كونها محرمة بالظن القوي الاطمئناني لا أن المحرم منحصر فيه و قسم منها يظن ذلك فيها بظن قريب من الشك و التحير و ثالث يشك في كونها محرمة و قسم منها في مقابل الظن الأول و قسم منها موهوما في مقابل الظن الثاني ثم فرضنا في المشكوكات و هذا القسم من الموهومات ما يحتمل أن يكون واجب الارتكاب و حينئذ فمقتضى الاحتياط وجوب اجتناب الجميع مما لا يحتمل الوجوب فإذا انتفى وجوب الاحتياط لأجل العسر و احتيج إلى ارتكاب موهوم الحرمة كان ارتكاب الموهوم في مقابل الظن الاطمئناني أولى من الكل فيبني على العمل به و يتخير في المشكوك الذي يحتمل الوجوب و يعمل بمطلق الظن في المظنون منه.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 247

لكنك خبير بأن هذا ليس من حجية مطلق الظن و لا الظن الاطمئناني في شي‏ء لأن معنى حجيته أن يكون دليلا في الفقه بحيث يرجع في موارد وجوده إليه لا إلى غيره و في موارد عدمه إلى مقتضى الأصل الذي يقتضيه.

و الظن هنا ليس كذلك إذ العمل إما في موارد وجوده ففيما طابق منه الاحتياط فالعمل على الاحتياط لا عليه إذ لم يدل على ذلك مقدمات الانسداد و فيما خالف الاحتياط لا يعول عليه إلا بمقدار مخالفة الاحتياط لدفع العسر و إلا فلو فرض فيه جهة أخرى لم يكن معتبرا من تلك الجهة كما لو دار الأمر بين شرطية شي‏ء و إباحته و استحبابه فظن باستحبابه فإنه لا يدل مقدمات دليل الانسداد إلا على عدم وجوب الاحتياط في ذلك الشي‏ء و الأخذ بالظن في عدم وجوبه لا في إثبات استحبابه. و إما في موارد عدمه و هو الشك فلا يجوز العمل إلا بالاحتياط الكلي الحاصل من احتمال كون الواقعة من موارد التكليف المعلومة إجمالا و إن كان لا يقتضيه نفس المسألة كما إذا شك في حرمة عصير التمر أو وجوب الاستقبال بالمحتضر بل العمل على هذا الوجه تبعيض في الاحتياط و طرحه في بعض الموارد دفعا للحرج ثم يعين العقل للطرح البعض الذي يكون وجود التكليف فيها احتمالا ضعيفا في الغاية.

فإن قلت إن العمل بالاحتياط في المشكوكات منضمة إلى المظنونات يوجب العسر فضلا عن انضمام العمل به في الموهومات المقابلة للظن الغير القوي فيثبت وجوب العمل بمطلق الظن و وجوب الرجوع في المشكوكات إلى مقتضى الأصل و هذا مساو في المعنى لحجية الظن المطلق و إن كان حقيقة تبعيضا في الاحتياط الكلي لكنه لا يقدح بعد عدم الفرق في العمل.

قلت لا نسلم لزوم الحرج من مراعاة الاحتياط في المظنونات بالظن الغير القوي في نفي التكليف فضلا عن لزومه من الاحتياط في المشكوكات فقط بعد الموهومات.

و ذلك لأن حصول الظن الاطمئناني في الأخبار و غيرها غير عزيز أما في غيرها فلأنه كثيرا ما يحصل الاطمئنان من الشهرة و الإجماع المنقول و الاستقراء و الأولوية و أما الأخبار فلأن الظن المبحوث عنه في هذا المقام هو الظن بصدور المتن و هو يحصل غالبا من خبر من يوثق بصدقه و لو في خصوص الرواية و إن لم يكن إماميا أو ثقة على الإطلاق إذ ربما يتسامح في غير الروايات بما لا يتسامح فيها.

و أما احتمال الإرسال فمخالف لظاهر كلام الراوي و هو داخل في ظواهر الألفاظ فلا يعتبر

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 248

فيها إفادة الظن فضلا عن الاطمئناني منه فلو فرض عدم حصول الظن بالصدور لأجل عدم الظن بالإسناد لم يقدح في اعتبار ذلك الخبر لأن الجهة التي يعتبر فيها إفادة الظن الاطمئناني هو جهة صدق الراوي في إخباره عمن يروي عنه و إما أن إخباره بلا واسطة فهو ظهور لفظي لا بأس بعدم إفادته للظن فيكون صدور المتن غير مظنون أصلا لأن النتيجة تابعة لأخس المقدمتين.

و بالجملة فدعوى كثرة الظنون الاطمئنانية في الأخبار و غيرها من الأمارات بحيث لا يحتاج إلى ما دونها و لا يلزم من الرجوع في الموارد الخالية عنها إلى الاحتياط محذور و إن كان هناك ظنون لا تبلغ مرتبة الاطمئنان قريبة جدا إلا أنه يحتاج إلى مزيد تتبع في الروايات و أحوال الرواة و فتاوى العلماء.

و كيف كان فلا أرى الظن الاطمئناني الحاصل من الأخبار و غيرها من الأمارات أقل عددا من الأخبار المصححة بعدلين بل لعل هذا أكثر.

ثم إن الظن الاطمئناني من أمارة أو أمارات إذا تعلقت بحجية أمارة ظنية كانت في حكم الاطمئنان و إن لم تفده بناء على ما تقدم من عدم الفرق بين الظن بالحكم و الظن بالطريق إلا أن يدعي مدع قلتها بالنسبة إلى نفسه لعدم الاطمئنان له غالبا من الأمارات القوية و عدم ثبوت حجية أمارة بها أيضا و حينئذ فيتعين في حقه التعدي منه إلى مطلق الظن. و أما العمل في المشكوكات بما يقتضيه الأصل في المورد فلم يثبت بل اللازم بقاؤه على الاحتياط نظرا إلى كون المشكوكات من المحتملات التي يعلم إجمالا بتحقق التكليف فيها وجوبا و تحريما و لا عسر في الاحتياط فيها نظرا إلى قلة المشكوكات لأن أغلب المسائل يحصل فيها الظن بأحد الطرفين كما لا يخفى مع أن الفرق بين الاحتياط في جميعها و العمل بالأصول الجارية في خصوص مواردها إنما يظهر في الأصول المخالفة للاحتياط و لا ريب أن العسر لا يحدث بالاحتياط فيها خصوصا مع كون مقتضى الاحتياط في شبهة التحريم الترك و هو غير موجب للعسر و حينئذ فلا يثبت المدعى من حجية الظن و كونه دليلا حيث يرجع في موارد عدمه إلى الأصل بل يثبت عدم وجوب الاحتياط في المظنونات.

و الحاصل أن العمل بالظن من باب الاحتياط لا يخرج المشكوكات عن حكم الاحتياط الكلي الثابت بمقتضى العلم الإجمالي في الوقائع.

نعم لو ثبت بحكم العقل أن الظن عند انسداد باب العلم مرجع في الأحكام الشرعية نفيا

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 249

و إثباتا كالعلم انقلب التكليف إلى الظن و حكمنا بأن الشارع لا يريد إلا الامتثال الظني و حيث لا ظن كما في المشكوكات فالمرجع إلى الأصول الموجودة في خصوصيات المقام فيكون كما لو انفتح باب العلم أو الظن الخاص فيصير لزوم العسر حكمه في عدم ملاحظة الشارع العلم الإجمالي في الامتثال بعد تعذر التفصيلي لا علة حتى يدور الحكم مدارها.

و لكن الإنصاف أن المقدمات المذكورة لا تنتج هذه النتيجة كما يظهر لمن راجعها و تأملها نعم لو ثبت أن الاحتياط في المشكوكات يوجب العسر ثبتت النتيجة المذكورة لكن عرفت فساد دعواه في الغاية كدعوى أن العلم الإجمالي المقتضي للاحتياط الكلي إنما هو في موارد الأمارات دون المشكوكات فلا مقتضى فيها للعدول عما يقتضيه الأصول الخاصة في مواردها فإن هذه الدعوة يكذبها ثبوت العلم الإجمالي بالتكليف الإلزامي قبل استقصاء الأمارات بل قبل الاطلاع عليها و قد مر تضعيفه سابقا فتأمل فيه فإن ادعاء ذلك ليس كل البعيد.

ثم إن نظير هذا الإشكال الوارد في المشكوكات من حيث الرجوع فيها بعد العمل بالظن إلى الأصول العملية وارد فيها من حيث الرجوع فيها بعد العمل بالظن إلى الأصول اللفظية الجارية في ظواهر الكتاب و السنة المتواترة و الأخبار المتيقن كونها ظنونا خاصة.

توضيحه أن مقدمات دليل الانسداد تقتضي إثبات عدم جواز العمل بأكثر تلك الظواهر للعلم الإجمالي بمخالفة ظواهرها في كثير من الموارد فتصير مجملة لا تصلح للاستدلال.

فإذا فرضنا رجوع الأمر إلى ترك الاحتياط في المظنونات أو في المشكوكات أيضا و جواز العمل بالظن المخالف للاحتياط و بالأصل المخالف للاحتياط فما الذي أخرج تلك الظواهر عن الإجمال حتى يصح بها الاستدلال في المشكوكات إذ لم يثبت كون الظن مرجعا كالعلم بحيث يكفي في الرجوع إلى الظواهر عدم الظن بالمخالفة.

مثلا إذا أردنا التمسك ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لإثبات صحة عقد انعقدت أمارة كالشهرة أو الإجماع المنقول على فساده قيل لا يجوز التمسك بعمومه للعلم الإجمالي بخروج كثير من العقود من هذا العموم لا نعلم تفصيلها.

ثم إذا ثبت وجوب العمل بالظن من جهة عدم إمكان الاحتياط في بعض الموارد و كون الاحتياط في جميع موارد إمكانه مستلزما للحرج فإذا شك في صحة عقد لم يقم على حكمه أمارة

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 250

ظنية قيل إن الواجب الرجوع إلى عموم الآية و لا يخفى أن إجمالها لا يرتفع بمجرد حكم العقل بعدم وجوب الاحتياط فيما ظن فيه بعدم التكليف.

و دفع هذا كالإشكال السابق منحصر في أن يكون نتيجة دليل الانسداد حجية الظن كالعلم ليرتفع الإجمال في الظواهر لقيامه في كثير من مواردها من جهة ارتفاع العلم الإجمالي كما لو علم تفصيلا بعض تلك الموارد بحيث لا يبقى علم إجمالا في الباقي أو يدعى أن العلم الإجمالي الحاصل في تلك الظواهر إنما هو بملاحظة موارد الأمارات فلا يقدح في المشكوكات سواء ثبت حجية الظن أم لا.

و أنت خبير بأن دعوى النتيجة على الوجه المذكور يكذبها مقدمات دليل الانسداد و دعوى اختصاص المعلوم إجمالا من مخالفة الظواهر بموارد الأمارات مضعفة بأن هذا العلم حاصل من دون ملاحظة الأمارات و مواردها و قد تقدم سابقا أن المعيار في دخول طائفة من المحتملات في أطراف العلم الإجمالي لنراعي فيها حكمه و عدم دخولها هو تبديل طائفة من محتملات المعلوم لها دخل في العلم الإجمالي بهذه الطائفة المشكوك دخولها فإن حصل العلم الإجمالي كانت في أطراف العلم و إلا فلا.

و قد يدفع الإشكالان بدعوى قيام الإجماع بل الضرورة على أن المرجع في المشكوكات إلى العمل بالأصول اللفظية إن كانت و إلا فإلى الأصول العملية.

و فيه أن هذا الإجماع مع ملاحظة الأصول في أنفسها و أما مع طرو العلم الإجمالي بمخالفتها في كثير من الموارد غاية الكثرة فالإجماع على سقوط العمل بالأصول مطلقا لا على ثبوته.

ثم إن هذا العلم الإجمالي و إن كان حاصلا لكن أحد قبل تمييز الأدلة عن غيرها إلا أن من تعينت له الأدلة و قام الدليل القطعي عنده على بعض الظنون عمل بمؤداها و صار المعلوم بالإجمال عنده معلوما بالتفصيل كما إذا نصب أمارة طريقا لتعيين المحرمات في القطيع الذي علم بحرمة كثير من شياهها فإنه يعمل بمقتضى الأمارة ثم يرجع في مورد فقدها إلى أصالة الحل لأن المعلوم إجمالا صار معلوما بالتفصيل و الحرام الزائد عليه غير معلوم التحقق في أول الأمر. و أما من لم يقم عنده الدليل على أمارة إلا أنه ثبت له عدم وجوب الاحتياط و العمل بالأمارات لا من حيث إنها أدلة بل من حيث إنها مخالفة للاحتياط و ترك الاحتياط فيها موجب لاندفاع العسر فلا دافع لذلك العلم الإجمالي لهذا الشخص بالنسبة إلى المشكوكات.

فعلم مما ذكرنا أن مقدمات دليل الانسداد على تقرير الحكومة و إن كانت تامة في الإنتاج إلا

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 251

أن نتيجتها لا تفي بالمقصود من حجية الظن و جعله كالعلم أو كالظن الخاص.

و أما على تقرير الكشف فالمستنتج منها و إن كان عين المقصود إلا أن الإشكال و النظر بل المنع في استنتاج تلك النتيجة. فإن كنت تقدر على إثبات حجية قسم من الخبر لا يلزم من الاقتصار عليه محذور كان أحسن و إلا فلا تتعد على تقرير الكشف عما ذكرناه من المسلك في آخره و على تقدير الحكومة ما بينا هنا أيضا من الاقتصار في مقابل الاحتياط على الظن الاطمئناني بالحكم أو بطريقية أمارة دلت على الحكم و إن لم تفد اطمئنانا بل و لا ظنا بناء على ما عرفت من مسلكنا المتقدم من عدم الفرق بين الظن بالحكم و الظن بالطريق.

و أما في ما لا يمكن الاحتياط فالمتبع فيه بناء على ما تقدم في المقدمات من سقوط الأصول عن الاعتبار للعلم الإجمالي بمخالفة الواقع فيها هو مطلق الظن إن وجد و إلا فالتخيير و حاصل الأمر عدم رفع اليد عن الاحتياط في الدين مهما أمكن إلا مع الاطمئنان بخلافه.

و عليك بمراجعة ما قدمنا من الأمارات على حجية الأخبار عساك تظفر فيها بأمارات توجب الاطمئنان بوجوب العمل بخبر الثقة عرفا إذا أفاد الظن و إن لم يفد الاطمئنان بل لعلك تظفر فيها بخبر مصحح بعدلين مطابق لعمل المشهور مفيد للاطمئنان يدل على حجية المصحح بواحد عدل نظرا إلى حجية قول الثقة المعدل في تعديله فيصير بمنزلة المعدل بعدلين حتى يكون المصحح بعدل واحد متبعا بناء على دليل الانسداد بكلا تقريريه لأن المفروض حصول الاطمئنان من الخبر القائم على حجية قول الثقة المعدل المستلزم لحجية المصحح بعدل واحد بناء على شمول دليل اعتبار خبر الثقة للتعديلات فيقضي به تقرير الحكومة و كون مثله متيقن الاعتبار من بين الأمارات فيقضي به تقرير الكشف‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 252

المقام الثالث تعميم الظن على تقرير الكشف أو على تقرير الحكومة في أنه إذا بني على تعميم الظن فإن كان التعميم على تقرير الكشف بأن يكون مقدمات الانسداد كاشفة عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظن في الجملة ثم تعميمه بإحدى المعممات المتقدمة فلا إشكال من جهة العلم بخروج القياس عن هذا العموم لعدم جريان المعمم فيه بعد وجود الدليل على حرمة العمل به فيكون التعميم بالنسبة إلى ما عداه كما لا يخفى على من راجع المعممات المتقدمة.

و أما على تقرير الحكومة بأن يكون مقدمات الدليل موجبة لحكومة العقل بقبح إرادة الشارع ما عدا الظن و قبح اكتفاء المكلف على ما دونه فيشكل توجيه خروج القياس و كيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم مناطا للإطاعة و المعصية و يقبح عن الأمر و المأمور التعدي عنه و مع ذلك يحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القياس و لا يجوز الشارع العمل به فإن المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممكنا جرى في غير القياس فلا يكون العقل مستقلا إذ لعله نهي عن أمارة مثل ما نهي عن القياس بل و أزيد و اختفى علينا و لا دافع لهذا الاحتمال إلا قبح ذلك على الشارع إذ احتمال صدور الممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلا بقبحه.

و هذا من أفراد ما اشتهر من أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص و منشؤه لزوم التناقض و لا يندفع إلا بكون الفرد الخارج عن الحكم خارجا عن الموضوع و هو التخصص و عدم التناقض في تخصيص العمومات اللفظية إنما هو لكون العموم صوريا فلا يلزم إلا التناقض الصوري‏

. فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 253