حضرت امام علی عليهالسلام نے فرمایا:
بھائی چارے کے پردے میں اپنے بھائی کا حق ضائع نہ کرو، کیونکہ وہ شخص بھائی قرار نہیں پاسکتا جس کا تو حق ضائع کردے
شرح ابن ابی الحدیدج16ص105، من لا یحضرہ الفقیہ حدیث5835
الأمر الأول [لا فرق في الامتثال الظني بين الحكم الواقعي و الحكم الظاهري]
أنك قد عرفت أن قضية المقدمات المذكورة وجوب الامتثال الظني للأحكام المجهولة فاعلم أنه لا فرق في الامتثال الظني بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الواقعي كأن يحصل من شهرة القدماء الظن بنجاسة العصير العنبي و بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الظاهري كأن يحصل من أمارة الظن بحجية أمر لا يفيد الظن كالقرعة مثلا فإذا ظن حجية القرعة حصل الامتثال الظني في مورد القرعة و إن لم يحصل ظن بالحكم الواقعي إلا أنه حصل ظن ببراءة ذمة المكلف في الواقعة الخاصة و ليس الواقع بما هو واقع مقصودا للمكلف إلا من حيث كون تحققه مبرئا للذمة.
فكما أنه لا فرق في مقام التمكن من العلم بين تحصيل العلم بنفس الواقع و بين تحصيل العلم بموافقة طريق علم كون سلوكه مبرئا للذمة في نظر الشارع فكذا لا فرق عند تعذر العلم بين الظن بتحقق الواقع و بين الظن ببراءة الذمة في نظر الشارع.
و قد خالف في هذا التعميم فريقان أحدهما من يرى أن مقدمات دليل الانسداد لا تثبت إلا اعتبار الظن و حجيته في كون الشيء طريقا شرعيا مبرئا للذمة في نظر الشارع و لا تثبت اعتباره في نفس الحكم الفرعي زعما منهم عدم نهوض المقدمات المذكورة لإثبات حجية الظن في نفس الأحكام الفرعية إما مطلقا أو بعد العلم الإجمالي بنصب الشارع طرقا للأحكام الفرعية.
الثاني مقابل هذا و هو من يرى أن المقدمات المذكورة لا تثبت إلا اعتبار الظن في نفس الأحكام الفرعية أما الظن بكون الشيء طريقا مبرئا للذمة فهو ظن في المسألة الأصولية لم يثبت اعتباره فيها من دليل الانسداد لجريانها في المسائل الفرعية دون الأصولية.
و أما الطائفة الأولى فقد ذكروا لذلك وجهين
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 213
أحدهما و هو الذي اقتصر عليه بعضهم ما لفظه (أنا كما نقطع بأنا مكلفون في زماننا هذا تكليفا فعليا بأحكام فرعية كثيرة لا سبيل لنا بحكم العيان و شهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع و لا بطريق معين نقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه أو قيام طريقه مقام القطع و لو عنده تعذره كذلك نقطع بأن الشارع قد جعل لنا إلى تلك الأحكام طرقا مخصوصة و كلفنا تكليفا فعليا بالرجوع إليها في معرفتها.
و مرجع هذين القطعين عند التحقيق إلى أمر واحد و هو القطع بأنا مكلفون تكليفا فعليا بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة و حيث إنه لا سبيل غالبا إلى تعيينها بالقطع و لا بطريق نقطع عن السمع بقيامه بالخصوص أو قيام طريقه كذلك مقام القطع و لو بعد تعذره فلا ريب أن الوظيفة في مثل ذلك بحكم العقل إنما هو الرجوع في تعيين تلك الطرق إلى الظن الفعلي الذي لا دليل على عدم حجيته لأنه أقرب إلى العلم و إلى إصابة الواقع مما عداه).
و فيه أولا إمكان منع نصب الشارع طرقا خاصة للأحكام الواقعية وافية بها كيف و إلا لكان وضوح تلك الطرق كالشمس في رابعة النهار لتوفر الدواعي بين المسلمين على ضبطها لاحتياج كل مكلف إلى معرفتها أكثر من حاجته إلى معرفة صلواته الخمس.
و احتمال اختفائها مع ذلك لعروض دواعي الاختفاء إذ ليس الحاجة إلى معرفة الطريق أكثر من الحاجة إلى معرفة المرجع بعد النبي صلى اللَّه عليه و آله مدفوع بالفرق بينهما كما لا يخفى.
و كيف كان فيكفي في رد الاستدلال احتمال عدم نصب الطريق الخاص للأحكام و إرجاع امتثالها إلى ما يحكم به العقلاء و جرى عليه ديدنهم في امتثال أحكام الملوك و الموالي مع العلم بعدم نصب الطريق الخاص للأحكام من الرجوع إلى العلم الحاصل من تواتر النقل عن صاحب الحكم أو باجتماع جماعة من أصحابه على عمل خاص أو الرجوع إلى الظن الاطمئناني
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 214
الذي يسكن إليه النفس و يطلق عليه العلم عرفا و لو تسامحا في إلقاء احتمال الخلاف و هو الذي يحتمل حمل كلام السيد عليه حيث ادعى انفتاح باب العلم هذا حال المجتهد.
و أما المقلد فلا كلام في نصب الطريق الخاص له و هو فتوى مجتهده مع احتمال عدم النصب في حقه أيضا فيكون رجوعه إلى المجتهد من باب الرجوع إلى أهل الخبرة المركوز في أذهان جميع العقلاء و يكون بعض ما ورد من الشارع في هذا الباب تقريرا لهم لا تأسيسا.
و بالجملة فمن المحتمل قريبا إحالة الشارع للعباد في طريق امتثال الأحكام إلى ما هو المتعارف بينهم في امتثال أحكامهم العرفية من الرجوع إلى العلم أو الظن الاطمئناني.
فإذا فقدا تعين الرجوع أيضا بحكم العقلاء إلى الظن الغير الاطمئناني كما أنه لو فقد و العياذ بالله الأمارات المفيدة لمطلق الظن لتعين الامتثال بأخذ أحد طرفي الاحتمال فرارا عن المخالفة القطعية و الإعراض عن التكاليف الإلهية الواقعية فظهر مما ذكرنا اندفاع ما يقال من أن منع نصب الطريق لا يجامع القول ببقاء الأحكام الواقعية إذ بقاء التكليف من دون نصب طريق إليها ظاهر البطلان.
توضيح الاندفاع أن التكليف إنما يقبح مع عدم ثبوت الطريق رأسا و لو بحكم العقل الحاكم بالعمل بالظن مع عدم الطريق الخاص أو مع ثبوته و عدم رضاء الشارع بسلوكه و إلا فلا يقبح التكليف مع عدم الطريق الخاص و حكم العقل بمطلق الظن و رضاء الشارع به و لهذا اعترف هذا المستدل على أن الشارع لم ينصب طريقا خاصا يرجع إليه عند انسداد باب العلم في تعيين الطرق الخاصة الشرعية مع بقاء التكليف بها.
و ربما يستشهد للعلم الإجمالي بنصب الطريق بأن المعلوم من سيرة العلماء في استنباطهم هو اتفاقهم على طريق خاص و إن اختلفوا في تعيينه.
و هو ممنوع أولا بأن جماعة من أصحابنا كالسيد رحمه الله و بعض من تقدم عليه و تأخر عنه منعوا نصب الطريق الخاص رأسا بل أحاله بعضهم.
و ثانيا لو أغمضنا عن مخالفة السيد و أتباعه لكن مجرد قول كل من العلماء بحجية طريق خاص حسب ما أدى إليه نظره لا يوجب العلم الإجمالي بأن بعض هذه الطرق منصوبة لجواز خطإ كل واحد فيما أدى إليه نظره و اختلاف الفتاوى في الخصوصيات لا يكشف عن تحقق القدر المشترك إلا إذا كان اختلافهم راجعا إلى التعيين على وجه ينبئ عن اتفاقهم على قدر مشترك نظير الأخبار المختلفة في الوقائع المختلفة فإنها لا توجب تواتر القدر المشترك إلا إذا علم من
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 215
أخبارهم كون الاختلاف راجعا إلى التعيين و قد حقق ذلك في باب التواتر الإجمالي و الإجماع المركب و ربما يجعل تحقق الإجماع على المنع عن العمل بالقياس و شبهه و لو مع انسداد باب العلم كاشفا عن أن المرجع إنما هو طريق خاص.
و ينتقض أولا بأنه مستلزم لكون المرجع في تعيين الطريق أيضا طريقا خاصا للإجماع على المنع عن العمل فيه بالقياس.
و يحل ثانيا بأن مرجع هذا إلى الإشكال الآتي في خروج القياس عن مقتضى دليل الانسداد فيدفع بأحد الوجوه الآتية.
فإن قلت ثبوت الطريق إجمالا مما لا مجال لإنكاره حتى على مذهب من يقول بالظن المطلق فإن غاية الأمر أنه يجعل مطلق الظن طريقا عقليا رضي به الشارع فنصب الشارع للطريق بالمعنى الأعم من الجعل و التقرير معلوم.
قلت هذه مغالطة فإن مطلق الظن ليس طريقا في عرض الطرق المجعولة حتى يتردد الأمر بين كون الطريق هو مطلق الظن أو طريقا آخر مجعولا بل الطريق العقلي بالنسبة إلى الطريق الجعلي كالأصل بالنسبة إلى الدليل إن وجد الطريق الجعلي لم يحكم العقل بكون الظن طريقا لأن الظن بالواقع لا يعمل به في مقابلة القطع ببراءة الذمة و إن لم يوجد كان طريقا لأن احتمال البراءة لسلوك الطريق المحتمل لا يلتفت إليه مع الظن بالواقع فمجرد عدم ثبوت الطريق الجعلي كما في ما نحن فيه كاف في حكم العقل بكون مطلق الظن طريقا و على كل حال فتردد الأمر بين مطلق الظن و طريق خاص آخر مما لا معنى له.
و ثانيا سلمنا نصب الطريق لكن بقاء ذلك الطريق لنا غير معلوم بيان ذلك أن ما حكم بطريقيته لعله قسم من الأخبار ليس منه بأيدينا اليوم إلا قليل كأن يكون الطريق المنصوب هو الخبر المفيد للاطمئنان الفعلي بالصدور الذي كان كثيرا في الزمان السابق لكثرة القرائن و لا ريب في ندرة هذا القسم في هذا الزمان أو خبر العادل أو الثقة الثابت عدالته أو وثاقته بالقطع أو البينة الشرعية أو الشياع مع إفادته الظن الفعلي بالحكم.
و يمكن دعوى ندرة هذا القسم في هذا الزمان إذ غاية الأمر أن نجد الراوي في الكتب الرجالية محكي التعديل بوسائط عديدة من مثل الكشي و النجاشي و غيرهما و من المعلوم أن مثل هذا لا تعد بينة شرعية و لذا لا يقبل مثله في الحقوق و دعوى حجية مثل ذلك بالإجماع ممنوعة بل المسلم أن الخبر المعدل بمثل هذا حجة بالاتفاق لكن قد عرفت سابقا عند تقرير الإجماع على
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 216
حجية خبر الواحد أن مثل هذا الاتفاق العملي لا يجدي في الكشف عن قول الحجة مع أن مثل هذا الخبر في غاية القلة خصوصا إذا انضم إليه إفادة الظن الفعلي.
و ثالثا سلمنا نصب الطريق و وجوده في جملة ما بأيدينا من الطرق الظنية من أقسام الخبر و الإجماع المنقول و الشهرة و ظهور الإجماع و الاستقراء و الأولوية الظنية إلا أن اللازم من ذلك هو الأخذ بما هو المتيقن من هذه فإن وفى بغالب الأحكام اقتصر عليه و إلا فالمتيقن من الباقي مثلا الخبر الصحيح و الإجماع المنقول متيقن بالنسبة إلى الشهرة و ما بعدها من الأمارات إذ لم يقل أحد بحجية الشهرة و ما بعدها دون الخبر الصحيح و الإجماع المنقول فلا معنى لتعيين الطريق بالظن بعد وجود القدر المتيقن و وجوب الرجوع في المشكوك إلى أصالة حرمة العمل نعم لو احتيج إلى العمل بإحدى أمارتين و احتمل نصب كل منهما صح تعيينه بالظن بعد الإغماض عما سيجيء من الجواب و رابعا سلمنا عدم وجود القدر المتيقن لكن اللازم من ذلك وجوب الاحتياط لأنه مقدم على العمل بالظن لما عرفت من تقديم الامتثال العلمي على الظني اللهم إلا أن يدل دليل على عدم وجوبه و هو في المقام مفقود.
و دعوى أن الأمر دائر بين الواجب و الحرام لأن العمل بما ليس طريقا حرام مدفوعة بأن العمل بما ليس طريقا إذا لم يكن على وجه التشريع غير محرم و العمل بكل ما يحتمل الطريقية رجاء أن يكون هذا هو الطريق لا حرمة فيه جهة التشريع نعم قد عرفت أن حرمته مع عدم قصد التشريع إنما هي من جهة أن فيه طرحا للأصول المعتبرة من دون حجة شرعية.
و هذا أيضا غير لازم في المقام لأن مورد العمل بالطريق المحتمل إن كان الأصول على طبقه فلا مخالفة و إن كان مخالفا للأصول فإن كان مخالفا للاستصحاب النافي للتكليف فلا إشكال لعدم حجية الاستصحابات بعد العلم الإجمالي بأن بعض الأمارات الموجودة على خلافها معتبرة عند الشارع و إن كان مخالفا للاحتياط فحينئذ يعمل بالاحتياط في المسألة الفرعية و كذا لو كان مخالفا للاستصحاب المثبت للتكليف.
فحاصل الأمر يرجع إلى العمل بالاحتياط في المسألة الأصولية أعني نصب الطريق إذا لم يعارضه الاحتياط في المسألة الفرعية فالعمل مطلقا على الاحتياط اللهم إلا أن يقال إنه يلزم الحرج من الاحتياط في موارد جريان الاحتياط في نفس المسألة كالشك في الجزئية و في موارد الاستصحابات المثبتة للتكليف و النافية له بعد العلم الإجمالي بوجوب العمل في بعضها على
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 217
خلاف الحالة السابقة إذ يصير حينئذ كالشبهة المحصورة فتأمل.
و خامسا سلمنا العلم الإجمالي بوجود الطريق المجعول و عدم المتيقن و عدم وجوب الاحتياط لكن نقول إن ذلك لا يوجب تعيين العمل بالظن في مسألة تعيين الطريق فقط بل هو مجوز له كما يجوز العمل بالظن في المسألة الفرعية.
و ذلك لأن الطريق المعلوم نصبه إجمالا إن كان منصوبا حتى حال انفتاح باب العلم فيكون هو في عرض الواقع مبرئا للذمة بشرط العلم به كالواقع المعلوم مثلا إذا فرضنا حجية الخبر مع الانفتاح تخير المكلف بين امتثال ما علم كونه حكما واقعيا بتحصيل العلم به و بين امتثال مؤدى الطريق المجعول الذي علم جعله بمنزلة الواقع فكل من الواقع و مؤدى الطريق مبرئ مع العلم به فإذا انسد باب العلم التفصيلي بأحدهما تعين الآخر و إذا انسد باب العلم التفصيلي بهما تعين العمل فيهما بالظن فلا فرق بين الظن بالواقع و الظن بمؤدى الطريق في كون كل واحد منهما امتثالا ظنيا.
و إن كان ذلك الطريق منصوبا عند انسداد باب العلم بالواقع فنقول إن تقديمه حينئذ على العمل بالظن إنما هو مع العلم به و تمييزه عن غيره إذ حينئذ يحكم العقل بعدم جواز العمل بمطلق الظن مع وجود هذا الطريق المعلوم إذ فيه عدول عن الامتثال القطعي إلى الظني فكذا مع العلم الإجمالي بناء على أن الامتثال التفصيلي مقدم على الإجمالي أو لأن الاحتياط يوجب الحرج المؤدي إلى الاختلال.
أما مع انسداد باب العلم بهذا الطريق و عدم تميزه عن غيره إلا بإعمال مطلق الظن فالعقل لا يحكم بتقديم إحراز الطريق بمطلق الظن على إحراز الواقع بمطلق الظن.
و كأن المستدل توهم أن مجرد نصب الطريق و لو مع عروض الاشتباه فيه موجب لصرف التكليف عن الواقع إلى العمل بمؤدى الطريق كما ينبئ عنه قوله و حاصل القطعين إلى أمر واحد و هو التكليف الفعلي بالعمل بمؤديات الطرق و سيأتي مزيد توضيح لاندفاع هذا التوهم إن شاء الله تعالى.
فإن قلت نحن نرى أنه إذا عين الشارع طريقا للواقع عند انسداد باب العلم به ثم انسد باب العلم بذلك الطريق كان البناء على العمل بالظن في الطريق دون نفس الواقع أ لا ترى أن المقلد يعمل بالظن في تعيين المجتهد لا في نفس الحكم الواقعي و القاضي يعمل بالظن في تحصيل الطرق المنصوبة لقطع المرافعات لا في تحصيل الحق الواقعي بين المتخاصمين.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 218
قلت فرق بين ما نحن فيه و بين المثالين فإن الظنون الحاصلة للمقلد و القاضي في المثالين بالنسبة إلى نفس الواقع أمور غير مضبوطة كثيرة المخالفة للواقع مع قيام الإجماع على عدم جواز العمل بها كالقياس بخلاف ظنونهما المعمولة في تعيين الطريق فإنها حاصلة من أمارات منضبطة غالبة المطابقة لم يدل دليل بالخصوص على عدم جواز العمل بها.
فالمثال المطابق لما نحن فيه أن يكون الظنون المعمولة في تعيين الطريق بعينها هي المعمولة في تحصيل الواقع لا يوجد بينهما فرق من جهة العلم الإجمالي بكثرة مخالفة إحداهما للواقع و لا من جهة منع الشارع عن إحداهما بالخصوص كما أنا لو فرضنا أن الظنون المعمولة في نصب الطريق على العكس في المثالين كان المتعين العمل بالظن في نفس الواقع دون الطريق.
فما ذكرنا من العمل على الظن سواء تعلق بالطريق أم بنفس الواقع فإنما هو مع مساواتهما من جميع الجهات فإنا لو فرضنا أن المقلد يقدر على إعمال نظير الظنون التي يعملها لتعيين المجتهد في الأحكام الشرعية مع قدرة الفحص عما يعارضها على الوجه المعتبر في العمل بالظن لم يجب عليه العمل بالظن في تعيين المجتهد بل وجب عليه العمل بظنه في تعيين الحكم الواقعي و كذا القاضي إذا شهد عنده عادل واحد بالحق لا يعمل به و إذا أخبره هذا العادل بعينه بطريق قطع هذه المخاصمة يأخذ به فإنما هو لأجل قدرته على الاجتهاد في مسألة الطريق بإعمال الظنون و بذل الجهد في المعارضات و دفعها بخلاف الظن بحقية أحد المتخاصمين فإنه مما يصعب الاجتهاد و بذل الوسع في فهم الحق من المتخاصمين لعدم انضباط الأمارات في الوقائع الشخصية و عدم قدرة المجتهد على الإحاطة بها حتى يأخذ بالأخرى.
و كما أن المقلد عاجز عن الاجتهاد في المسألة الكلية كذلك القاضي عاجز عن الاجتهاد في الوقائع الشخصية فتأمل.
هذا مع إمكان أن يقال إن مسألة عمل القاضي بالظن في الطريق مغايرة لمسألتنا من جهة أن الشارع لم يلاحظ الواقع في نصب الطريق و أعرض عنه و جعل مدار قطع الخصومة على الطرق التعبدية مثل الإقرار و البينة و اليمين و النكول و القرعة و شبهها بخلاف الطرق المنصوبة للمجتهد على الأحكام الواقعية فإن الظاهر أن مبناها على الكشف الغالبي عن الواقع و وجه تخصيصها من بين سائر الأمارات كونها أغلب مطابقة للواقع و كون غيرها غير غالب المطابقة بل غالب المخالفة كما ينبئ عنه ما ورد في العمل بالعقول في دين الله (: و أنه ليس شيء أبعد عن دين الله من عقول الرجال و أن ما يفسده أكثر مما يصلحه و أن الدين يمحق بالقياس)
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 219
و نحو ذلك.
و لا ريب أن المقصود من نصب الطريق إذا كان غلبة الوصول إلى الواقع لخصوصية فيها من بين سائر الأمارات ثم انسد باب العلم بذلك الطريق المنصوب و التجأ إلى إعمال سائر الأمارات التي لم يعتبرها الشارع في نفس الحكم لوجوب الأوفق منها بالواقع فلا فرق بين إعمال هذه الأمارات في تعيين ذلك الطريق و بين إعمالها في نفس الحكم الواقعي بل الظاهر أن إعمالها في نفس الواقع أولى لإحراز المصلحة الأولية التي هي أحق بالمراعاة من مصلحة نصب الطريق فإن غاية ما في نصب الطريق من المصلحة ما به يتدارك المفسدة المترتبة على مخالفة الواقع اللازمة من العمل بذلك الطريق لا إدراك المصلحة الواقعية و لهذا اتفق العقل و النقل على ترجيح الاحتياط على تحصيل الواقع بالطريق المنصوب في غير العبادات مما لا يعتبر فيه نية الوجه اتفاقا بل الحق ذلك فيها أيضا كما مرت الإشارة إليه في إبطال وجوب الاحتياط فإن قلت العمل بالظن في الطريق عمل بالظن في الامتثال الظاهري و الواقعي لأن الفرض إفادة الطريق للظن بالواقع بخلاف غير ما ظن طريقيته فإنه ظن بالواقع و ليس ظنا بتحقق الامتثال في الظاهر بل الامتثال الظاهري مشكوك أو موهوم بحسب احتمال اعتبار ذلك الظن قلت أولا إن هذا خروج عن الفرض لأن مبنى الاستدلال المتقدم على وجوب العمل بالظن في الطريق و إن لم يكن الطريق مفيدا للظن به أصلا نعم قد اتفق في الخارج أن الأمور التي يعلم بوجود الطريق فيها إجمالا مفيدة للظن شخصا أو نوعا لا أن مناط الاستدلال اتباع الظن بالطريق المفيد للظن بالواقع.
و ثانيا أن هذا يرجع إلى ترجيح بعض الأمارات الظنية على بعض باعتبار الظن باعتبار بعضها شرعا دون الآخر بعد الاعتراف بأن مؤدى دليل الانسداد حجية الظن بالواقع لا بالطريق.
و سيجيء الكلام في أن نتيجة دليل الانسداد على تقدير إفادته اعتبار الظن بنفس الحكم كلية بحيث لا يرجع بعض الظنون على بعض أو مهملة بحيث يجب الترجيح بين الظنون ثم التعميم مع فقد المرجح.
و الاستدلال المذكور مبني على إنكار ذلك كله و أن دليل الانسداد جار في مسألة تعيين
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 220
الطريق و هي المسألة الأصولية لا في نفس الأحكام الواقعية الفرعية بناء منه على أن الأحكام الواقعية بعد نصب الطرق ليست مكلفا بها تكليفا فعليا إلا بشرط قيام تلك الطرق عليها فالمكلف به في الحقيقة مؤديات تلك الطرق لا الأحكام الواقعية من حيث هي.
و قد عرفت مما ذكرنا أن نصب هذه الطرق ليس إلا لأجل كشفها الغالبي عن الواقع و مطابقتها له فإذا دار الأمر بين إعمال الظن في تعيينها أو في تعيين الواقع لم يكن رجحان للأول.
ثم إذا فرضنا أن نصبها ليس لمجرد الكشف بل لأجل مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع لكن ليس مفاد نصبها تقييد الواقع بها و اعتبار مساعدتها في إرادة الواقع بل مؤدى وجوب العمل بها جعلها عين الواقع و لو بحكم الشارع لا قيدا له و الحاصل أنه فرق بين أن يكون مرجع نصب هذه الطرق إلى قول الشارع لا أريد من الواقع إلا ما ساعد عليه ذلك الطريق فينحصر التكليف الفعلي حينئذ في مؤديات الطرق و لازمه إهمال ما لم يؤد إليه الطريق من الواقع سواء انفتح باب العلم بالطريق أم انسد و بين أن يكون التكليف الفعلي بالواقع باقيا على حاله إلا أن الشارع حكم بوجوب البناء على كون مؤدى الطريق هو ذلك الواقع فمؤدى هذه الطرق واقع جعلي فإذا انسد طريق العلم إليه و دار الأمر بين الظن بالواقع الحقيقي و بين الظن بما جعله الشارع واقعا فلا ترجيح إذ الترجيح مبني على إغماض الشارع عن الواقع.
و بذلك ظهر ما في قول بعضهم من (أن التسوية بين الظن بالواقع و الظن بالطريق إنما تحسن لو كان أداء التكليف المتعلق بكل من الفعل و الطريق المقرر مستقلا لقيام الظن بكل من التكليفين حينئذ مقام العلم به مع قطع النظر عن الآخر و أما لو كان أحد التكليفين منوطا بالآخر مقيدا له فمجرد حصول الظن بأحدهما دون حصول الظن بالآخر المقيد له لا يقتضي الحكم بالبراءة و حصول البراءة في صورة العلم بأداء الواقع إنما هو لحصول الأمرين به نظرا إلى أداء الواقع و كونه من الوجه المقرر لكون العلم طريقا إلى الواقع في العقل و الشرع فلو كان الظن بالواقع ظنا بالطريق جرى ذلك فيه أيضا لكنه ليس كذلك فلذا لا يحكم بالبراءة معه انتهى).
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 221
الوجه الثاني (ما ذكره بعض المحققين من المعاصرين مع الوجه الأول و بعض الوجوه الآخر قال لا ريب في كوننا مكلفين بالأحكام الشرعية و لم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية في الجملة و أن الواجب علينا أولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف بأن يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به و سقوط التكليف عنا سواء حصل العلم منه بأداء الواقع أو لا حسب ما مر تفصيل القول فيه.
و حينئذ فنقول إن صح لنا تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم الشارع فلا إشكال في وجوبه و حصول البراءة به و إن انسد علينا سبيل العلم به كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه إذ هو الأقرب إلى العلم به فتعين الأخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم به و القطع ببقاء التكليف دون ما يحصل معه الظن بأداء الواقع كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن.
و بينهما بون بعيد إذ المعتبر في الوجه الأول هو الأخذ بما يظن كونه حجة بقيام دليل ظني على حجيته سواء حصل منه الظن بالواقع أو لا و في الوجه الثاني لا يلزم حصول الظن بالبراءة في حكم الشارع إذ لا يستلزم مجرد الظن بالواقع الظن باكتفاء المكلف بذلك الظن في العمل سيما بعد النهي عن اتباع الظن فإذا تعين تحصيل ذلك بمقتضى حكم العقل حسب ما عرفت يلزم اعتبار أمر آخر يظن معه رضا المكلف بالعمل به و ليس ذلك إلا الدليل الظني الدال على حجيته فكل طريق قام دليل ظني على حجيته و اعتباره عند الشارع يكون حجة دون ما لم يقم عليه ذلك انتهى بألفاظه) و أشار بقوله حسب ما مر تفصيل القول فيه إلى ما ذكره سابقا في مقدمات هذا المطلب (حيث قال في المقدمة الرابعة من تلك المقدمات
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 222
أن المناط في وجوب الأخذ بالعلم و تحصيل اليقين من الدليل هل هو اليقين بمصادفة الأحكام الواقعية الأولية إلا أن يقوم دليل على الاكتفاء بغيره أو أن الواجب أولا هو تحصيل اليقين بتحصيل الأحكام و أداء الأعمال على وجه إرادة الشارع منا في الظاهر و حكم معه قطعا بتفريغ ذمتنا بملاحظة الطرق المقررة لمعرفتها مما جعلها وسيلة للوصول إليها سواء علم مطابقته للواقع أو ظن ذلك أو لم يحصل به شيء منهما وجهان) (الذي يقتضيه التحقيق هو الثاني فإنه القدر الذي يحكم العقل بوجوبه و دلت الأدلة المتقدمة على اعتباره و لو حصل العلم بها على الوجه المذكور لم يحكم العقل قطعا بوجوب تحصيل العلم بما في الواقع و لم يقض شيء من الأدلة الشرعية بوجوب تحصيل شيء آخر وراء ذلك بل الأدلة الشرعية قائمة على خلاف ذلك إذ لم يبن الشريعة من أول الأمر على وجوب تحصيل كل من الأحكام الواقعية على سبيل القطع و اليقين و لم يقع التكليف به حين انفتاح سبيل العلم بالواقع و في ملاحظة طريقة السلف من زمن النبي صلى اللَّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام كفاية في ذلك إذ لم يوجب النبي صلى اللَّه عليه و آله على جميع من في بلده من الرجال و النسوان السماع منه في تبليغ الأحكام أو حصول التواتر لآحادهم بالنسبة إلى آحاد الأحكام أو قيام القرينة القاطعة على عدم تعمد الكذب أو الغلط في الفهم أو في سماع اللفظ بالنظر إلى الجميع بل لو سمعوه من الثقة اكتفوا به انتهى.
ثم شرع في إبطال دعوى حصول العلم بقول الثقة مطلقا إلى أن قال فتحصل مما قررناه أن العلم الذي هو مناط التكليف أولا هو العلم بالأحكام من الوجه المقرر لمعرفتها و الوصول إليها و الواجب بالنسبة إلى العمل هو أداؤه على وجه يقطع معه بتفريغ الذمة في حكم الشرع سواء حصل العلم بأدائه على طبق الواقع أو على طبق الطريق المقرر من الشارع و إن لم يعلم أو لم يظن بمطابقتها للواقع.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 223
و بعبارة أخرى لا بد من المعرفة بالتكليف و أداء المكلف به على وجه اليقين أو على وجه منته إلى اليقين من غير فرق بين الوجهين و لا ترتيب بينهما نعم لو لم يظهر طريق مقرر من الشارع لمعرفتها تعين الأخذ بالعلم بالواقع على حسب إمكانه إذ هو طريق إلى الواقع بحكم العقل من غير توقف لإيصاله إلى الواقع على بيان الشرع بخلاف غيره من الطرق المقررة انتهى كلامه رفع مقامه).
أقول ما ذكره في مقدمات مطلبه من عدم الفرق بين علم المكلف بأداء الواقع على ما هو عليه و بين العلم بأدائه من الطريق المقرر مما لا إشكال فيه نعم ما جزم به من أن المناط في تحصيل العلم أولا هو العلم بتفريغ الذمة دون أداء الواقع على ما هو عليه فيه أن تفريغ الذمة عما اشتغلت به إما بفعل نفس ما أراده الشارع في ضمن الأوامر الواقعية و إما بفعل ما حكم حكما جعليا بأنه نفس المراد و هو مضمون الطرق المجعولة فتفريغ الذمة بهذا على مذهب المخطئة من حيث إنه نفس المراد الواقعي بجعل الشارع لا من حيث إنه شيء مستقل في مقابل المراد الواقعي فضلا عن أن يكون هو المناط في لزوم تحصيل العلم و اليقين.
و الحاصل أن مضمون الأوامر الواقعية المتعلقة بأفعال المكلفين مراد واقعي حقيقي و مضمون الأوامر الظاهرية المتعلقة بالعمل بالطرق المقررة ذلك المراد الواقعي لكن على سبيل الجعل لا الحقيقة.
و قد اعترف المحقق المذكور حيث عبر عنه بأداء الواقع من الطريق المجعول فأداء كل من الواقع الحقيقي و الواقع الجعلي لا يكون بنفسه امتثالا و إطاعة للأمر المتعلق به ما لم يحصل العلم به نعم لو كان كل من الأمرين المتعلقين بالأداءين مما لا يعتبر في سقوطه قصد الإطاعة و الامتثال كان مجرد كل منهما مسقطا للأمرين من دون امتثال و أما الامتثال للأمر بهما فلا يحصل إلا مع العلم.
ثم إن هذين الأمرين مع التمكن من امتثالهما يكون المكلف مخيرا في امتثال أيهما بمعنى أن المكلف مخير بين تحصيل العلم بالواقع فيتعين عليه و ينتفي موضوع الأمر الآخر إذ المفروض كونه ظاهريا قد أخذ في موضوعه عدم العلم بالواقع و بين ترك تحصيل الواقع و امتثال الأمر الظاهري هذا مع التمكن من امتثالهما.
و أما لو تعذر عليه امتثال أحدهما تعين عليه امتثال الآخر كما لو عجز عن تحصيل العلم
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 224
بالواقع و تمكن من سلوك الطريق المقرر لكونه معلوما له أو انعكس الأمر بأن تمكن من العلم و انسد عليه باب سلوك الطريق المقرر لعدم العلم به و لو عجز عنهما معا قام الظن بهما مقام العلم بهما بحكم العقل.
فترجيح الظن بسلوك الطريق المقرر على الظن بسلوك الواقع لم يعلم وجهه بل الظن بالواقع أولى في مقام الامتثال لما أشرنا إليه سابقا من حكم العقل و النقل بأولوية إحراز الواقع هذا في الطريق المجعول في عرض العلم بأن أذن في سلوكه مع التمكن من العلم.
و أما إذا نصبه بشرط العجز عن تحصيل العلم فهو أيضا كذلك ضرورة أن القائم مقام تحصيل العلم الموجب للإطاعة الواقعية عند تعذره هي الإطاعة الظاهرية المتوقفة على العلم بسلوك الطريق المجعول لا على مجرد سلوكه
و الحاصل أن سلوك الطريق المجعول مطلقا أو عند تعذر العلم في مقابل العمل بالواقع فكما أن العمل بالواقع مع قطع النظر عن العلم لا يوجب امتثالا و إنما يوجب فراغ الذمة من المأمور به واقعا لو لم يأخذ فيه تحققه على وجه الامتثال فكذلك سلوك الطريق المجعول مطلقا فكل منهما موجب لبراءة الذمة واقعا و إن لم يعلم بحصوله بل و لو اعتقد عدم حصوله.
و أما العلم بالفراغ المعتبر في الإطاعة فلا يتحقق في شيء منهما إلا بعد العلم أو الظن القائم مقامه.
فالحكم بأن الظن بسلوك الطريق المجعول يوجب الظن بفراغ الذمة بخلاف الظن بأداء الواقع فإنه لا يوجب الظن بفراغ الذمة إلا إذا ثبت حجية ذلك الظن و إلا فربما يظن بأداء الواقع من طريق يعلم بعدم حجيته تحكم صرف.
و منشأ ما ذكره قدس سره تخيل أن نفس سلوك الطريق الشرعي المجعول في مقابل سلوك الطريق العقلي الغير المجعول و هو العلم بالواقع الذي هو سبب تام لبراءة الذمة فيكون هو أيضا كذلك فيكون الظن بالسلوك ظنا بالبراءة بخلاف الظن بالواقع لأن نفس أداء الواقع ليس سببا تاما للبراءة حتى يحصل من الظن به الظن بالبراءة فقد قاس الطريق الشرعي بالطريق العقلي.
و أنت خبير بأن الطريق الشرعي لا يتصف بالطريقية فعلا إلا بعد العلم به تفصيلا و إلا فسلوكه أعني مجرد تطبيق الأعمال عليه مع قطع النظر عن حكم الشارع لغو صرف و لذلك أطلنا الكلام في أن سلوك الطريق المجعول في مقابل العمل بالواقع لا في مقابل العلم بالعمل بالواقع.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 225
و يلزم من ذلك كون كل من العلم و الظن المتعلق بأحدهما في مقابل المتعلق بالآخر فدعوى أن الظن بسلوك الطريق يستلزم الظن بالفراغ بخلاف الظن بإتيان الواقع فاسدة.
هذا كله مع ما علمت سابقا في رد الوجه الأول من إمكان منع جعل الشارع طريقا إلى الأحكام و إنما اقتصر على الطرق المنجعلة عند العقلاء و هو العلم ثم على الظن الاطمئناني.
ثم إنك حيث عرفت أن مال هذا القول إلى أخذ نتيجة دليل الانسداد بالنسبة إلى المسائل الأصولية و هي حجية الأمارات المحتملة للحجية لا بالنسبة إلى نفس الفروع فاعلم أن في مقابله قولا آخر لغير واحد من مشايخنا المعاصرين قدست أسرارهم و هو عدم جريان دليل الانسداد على وجه يشمل مثل هذه المسألة الأصولية أعني حجية الأمارات المحتملة و هذا هو القول الذي ذكرنا في أول التنبيه أنه ذهب إليه فريق و سيأتي الكلام فيه عند التكلم في حجية الظن المتعلق بالمسائل الأصولية إن شاء الله تعالى.
ثم اعلم أن بعض من لا خبرة له لما لم يفهم من دليل الانسداد إلا ما تلقن من لسان بعض مشايخه و ظاهر عبارة كتاب القوانين رد القول الذي ذكرناه أولا عن بعض المعاصرين من حجية الظن في الطريق لا في نفس الأحكام بمخالفته لإجماع العلماء حيث زعم أنهم بين من يعمم دليل الانسداد لجميع المسائل العلمية أصولية أو فقهية كصاحب القوانين و بين من يخصصه بالمسائل الفرعية فالقول بعكس هذا خرق للإجماع المركب.
و يدفعه أن المسألة ليست من التوقيفيات التي يدخلها الإجماع المركب مع أن دعواه في مثل هذه المسائل المستحدثة بشيعة جدا بل المسألة عقلية فإذا فرض استقلال العقل بلزوم العمل بالظن في مسألة تعيين الطرق فلا معنى لرده بالإجماع المركب فلا سبيل إلى رده إلا بمنع جريان حكم العقل و جريان مقدمات الانسداد في خصوصها كما عرفته منا أو فيها او في ضمن مطلق الأحكام الشرعية كما فعله غير واحد من مشايخنا
حوزوی کتب
رسائل حصہ اول
المقصد الأول في القطع
و ينبغي التنبيه على أمور
الثاني [هل القطع الحاصل من المقدمات العقلية حجة]
الثالث قد اشتهر في السنة المعاصرين أن قطع القطاع لا اعتبار به
المقام الثاني و هو كفاية العلم الإجمالي في الامتثال
أما المقام الأول و هو كفاية العلم الإجمالي في تنجز التكليف و اعتباره كالتفصيلي
المقصد الثاني في الظن
المقام الثاني في وقوع التعبد بالظن في الأحكام الشرعية
الظنون المعتبرة
و ينبغي التنبيه على أمور
و أما القسم الثاني و هو الظن الذي يعمل لتشخيص الظواهر
و من جملة الظنون الخارجة عن الأصل الإجماع المنقول بخبر الواحد
و من جملة الظنون التي توهم حجيتها بالخصوص الشهرة في الفتوى
و من جملة الظنون ا...خبر الواحد في الجملة
أما حجة المانعين فالأدلة الثلاثة
و أما المجوزون فقد استدلوا على حجيته بالأدلة الأربعة
و أما السنة ف طوائف من الأخبار
و أما الإجماع فتقريره من وجوه
الرابع دليل العقل
الثاني حجية مطلق الظن
المقدمة الثالثة
المقدمة الرابعة
و ينبغي التنبيه على أمور
الأمر الثاني نتيجة دليل الانسداد قضية مهملة أو كلية
المقام الثاني في أنه على أحد التقريرين السابقين
ثم إن الإشكال هنا في مقامين
الأمر الثالث لا فرق بين الظن من أمارة على حكم و أمارة متعلقة بألفاظ الدليل
الأمر الرابع الثابت بالمقدمات هو الاكتفاء بالظن في الخروج عن عهدة الأحكام
الأمر الخامس في اعتبار الظن في أصول الدين
الأمر السادس إذا بنينا على عدم حجية ظن فهل يترتب عليه آثار أخر غيرها
رسائل حصہ اول
و ينبغي التنبيه على أمور
الأمر الأول [لا فرق في الامتثال الظني بين الحكم الواقعي و الحكم الظاهري]
أنك قد عرفت أن قضية المقدمات المذكورة وجوب الامتثال الظني للأحكام المجهولة فاعلم أنه لا فرق في الامتثال الظني بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الواقعي كأن يحصل من شهرة القدماء الظن بنجاسة العصير العنبي و بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الظاهري كأن يحصل من أمارة الظن بحجية أمر لا يفيد الظن كالقرعة مثلا فإذا ظن حجية القرعة حصل الامتثال الظني في مورد القرعة و إن لم يحصل ظن بالحكم الواقعي إلا أنه حصل ظن ببراءة ذمة المكلف في الواقعة الخاصة و ليس الواقع بما هو واقع مقصودا للمكلف إلا من حيث كون تحققه مبرئا للذمة.
فكما أنه لا فرق في مقام التمكن من العلم بين تحصيل العلم بنفس الواقع و بين تحصيل العلم بموافقة طريق علم كون سلوكه مبرئا للذمة في نظر الشارع فكذا لا فرق عند تعذر العلم بين الظن بتحقق الواقع و بين الظن ببراءة الذمة في نظر الشارع.
و قد خالف في هذا التعميم فريقان أحدهما من يرى أن مقدمات دليل الانسداد لا تثبت إلا اعتبار الظن و حجيته في كون الشيء طريقا شرعيا مبرئا للذمة في نظر الشارع و لا تثبت اعتباره في نفس الحكم الفرعي زعما منهم عدم نهوض المقدمات المذكورة لإثبات حجية الظن في نفس الأحكام الفرعية إما مطلقا أو بعد العلم الإجمالي بنصب الشارع طرقا للأحكام الفرعية.
الثاني مقابل هذا و هو من يرى أن المقدمات المذكورة لا تثبت إلا اعتبار الظن في نفس الأحكام الفرعية أما الظن بكون الشيء طريقا مبرئا للذمة فهو ظن في المسألة الأصولية لم يثبت اعتباره فيها من دليل الانسداد لجريانها في المسائل الفرعية دون الأصولية.
و أما الطائفة الأولى فقد ذكروا لذلك وجهين
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 213
أحدهما و هو الذي اقتصر عليه بعضهم ما لفظه (أنا كما نقطع بأنا مكلفون في زماننا هذا تكليفا فعليا بأحكام فرعية كثيرة لا سبيل لنا بحكم العيان و شهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع و لا بطريق معين نقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه أو قيام طريقه مقام القطع و لو عنده تعذره كذلك نقطع بأن الشارع قد جعل لنا إلى تلك الأحكام طرقا مخصوصة و كلفنا تكليفا فعليا بالرجوع إليها في معرفتها.
و مرجع هذين القطعين عند التحقيق إلى أمر واحد و هو القطع بأنا مكلفون تكليفا فعليا بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة و حيث إنه لا سبيل غالبا إلى تعيينها بالقطع و لا بطريق نقطع عن السمع بقيامه بالخصوص أو قيام طريقه كذلك مقام القطع و لو بعد تعذره فلا ريب أن الوظيفة في مثل ذلك بحكم العقل إنما هو الرجوع في تعيين تلك الطرق إلى الظن الفعلي الذي لا دليل على عدم حجيته لأنه أقرب إلى العلم و إلى إصابة الواقع مما عداه).
و فيه أولا إمكان منع نصب الشارع طرقا خاصة للأحكام الواقعية وافية بها كيف و إلا لكان وضوح تلك الطرق كالشمس في رابعة النهار لتوفر الدواعي بين المسلمين على ضبطها لاحتياج كل مكلف إلى معرفتها أكثر من حاجته إلى معرفة صلواته الخمس.
و احتمال اختفائها مع ذلك لعروض دواعي الاختفاء إذ ليس الحاجة إلى معرفة الطريق أكثر من الحاجة إلى معرفة المرجع بعد النبي صلى اللَّه عليه و آله مدفوع بالفرق بينهما كما لا يخفى.
و كيف كان فيكفي في رد الاستدلال احتمال عدم نصب الطريق الخاص للأحكام و إرجاع امتثالها إلى ما يحكم به العقلاء و جرى عليه ديدنهم في امتثال أحكام الملوك و الموالي مع العلم بعدم نصب الطريق الخاص للأحكام من الرجوع إلى العلم الحاصل من تواتر النقل عن صاحب الحكم أو باجتماع جماعة من أصحابه على عمل خاص أو الرجوع إلى الظن الاطمئناني فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 214
الذي يسكن إليه النفس و يطلق عليه العلم عرفا و لو تسامحا في إلقاء احتمال الخلاف و هو الذي يحتمل حمل كلام السيد عليه حيث ادعى انفتاح باب العلم هذا حال المجتهد.
و أما المقلد فلا كلام في نصب الطريق الخاص له و هو فتوى مجتهده مع احتمال عدم النصب في حقه أيضا فيكون رجوعه إلى المجتهد من باب الرجوع إلى أهل الخبرة المركوز في أذهان جميع العقلاء و يكون بعض ما ورد من الشارع في هذا الباب تقريرا لهم لا تأسيسا.
و بالجملة فمن المحتمل قريبا إحالة الشارع للعباد في طريق امتثال الأحكام إلى ما هو المتعارف بينهم في امتثال أحكامهم العرفية من الرجوع إلى العلم أو الظن الاطمئناني.
فإذا فقدا تعين الرجوع أيضا بحكم العقلاء إلى الظن الغير الاطمئناني كما أنه لو فقد و العياذ بالله الأمارات المفيدة لمطلق الظن لتعين الامتثال بأخذ أحد طرفي الاحتمال فرارا عن المخالفة القطعية و الإعراض عن التكاليف الإلهية الواقعية فظهر مما ذكرنا اندفاع ما يقال من أن منع نصب الطريق لا يجامع القول ببقاء الأحكام الواقعية إذ بقاء التكليف من دون نصب طريق إليها ظاهر البطلان.
توضيح الاندفاع أن التكليف إنما يقبح مع عدم ثبوت الطريق رأسا و لو بحكم العقل الحاكم بالعمل بالظن مع عدم الطريق الخاص أو مع ثبوته و عدم رضاء الشارع بسلوكه و إلا فلا يقبح التكليف مع عدم الطريق الخاص و حكم العقل بمطلق الظن و رضاء الشارع به و لهذا اعترف هذا المستدل على أن الشارع لم ينصب طريقا خاصا يرجع إليه عند انسداد باب العلم في تعيين الطرق الخاصة الشرعية مع بقاء التكليف بها.
و ربما يستشهد للعلم الإجمالي بنصب الطريق بأن المعلوم من سيرة العلماء في استنباطهم هو اتفاقهم على طريق خاص و إن اختلفوا في تعيينه.
و هو ممنوع أولا بأن جماعة من أصحابنا كالسيد رحمه الله و بعض من تقدم عليه و تأخر عنه منعوا نصب الطريق الخاص رأسا بل أحاله بعضهم.
و ثانيا لو أغمضنا عن مخالفة السيد و أتباعه لكن مجرد قول كل من العلماء بحجية طريق خاص حسب ما أدى إليه نظره لا يوجب العلم الإجمالي بأن بعض هذه الطرق منصوبة لجواز خطإ كل واحد فيما أدى إليه نظره و اختلاف الفتاوى في الخصوصيات لا يكشف عن تحقق القدر المشترك إلا إذا كان اختلافهم راجعا إلى التعيين على وجه ينبئ عن اتفاقهم على قدر مشترك نظير الأخبار المختلفة في الوقائع المختلفة فإنها لا توجب تواتر القدر المشترك إلا إذا علم من فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 215
أخبارهم كون الاختلاف راجعا إلى التعيين و قد حقق ذلك في باب التواتر الإجمالي و الإجماع المركب و ربما يجعل تحقق الإجماع على المنع عن العمل بالقياس و شبهه و لو مع انسداد باب العلم كاشفا عن أن المرجع إنما هو طريق خاص. و ينتقض أولا بأنه مستلزم لكون المرجع في تعيين الطريق أيضا طريقا خاصا للإجماع على المنع عن العمل فيه بالقياس. و يحل ثانيا بأن مرجع هذا إلى الإشكال الآتي في خروج القياس عن مقتضى دليل الانسداد فيدفع بأحد الوجوه الآتية. فإن قلت ثبوت الطريق إجمالا مما لا مجال لإنكاره حتى على مذهب من يقول بالظن المطلق فإن غاية الأمر أنه يجعل مطلق الظن طريقا عقليا رضي به الشارع فنصب الشارع للطريق بالمعنى الأعم من الجعل و التقرير معلوم.
قلت هذه مغالطة فإن مطلق الظن ليس طريقا في عرض الطرق المجعولة حتى يتردد الأمر بين كون الطريق هو مطلق الظن أو طريقا آخر مجعولا بل الطريق العقلي بالنسبة إلى الطريق الجعلي كالأصل بالنسبة إلى الدليل إن وجد الطريق الجعلي لم يحكم العقل بكون الظن طريقا لأن الظن بالواقع لا يعمل به في مقابلة القطع ببراءة الذمة و إن لم يوجد كان طريقا لأن احتمال البراءة لسلوك الطريق المحتمل لا يلتفت إليه مع الظن بالواقع فمجرد عدم ثبوت الطريق الجعلي كما في ما نحن فيه كاف في حكم العقل بكون مطلق الظن طريقا و على كل حال فتردد الأمر بين مطلق الظن و طريق خاص آخر مما لا معنى له.
و ثانيا سلمنا نصب الطريق لكن بقاء ذلك الطريق لنا غير معلوم بيان ذلك أن ما حكم بطريقيته لعله قسم من الأخبار ليس منه بأيدينا اليوم إلا قليل كأن يكون الطريق المنصوب هو الخبر المفيد للاطمئنان الفعلي بالصدور الذي كان كثيرا في الزمان السابق لكثرة القرائن و لا ريب في ندرة هذا القسم في هذا الزمان أو خبر العادل أو الثقة الثابت عدالته أو وثاقته بالقطع أو البينة الشرعية أو الشياع مع إفادته الظن الفعلي بالحكم.
و يمكن دعوى ندرة هذا القسم في هذا الزمان إذ غاية الأمر أن نجد الراوي في الكتب الرجالية محكي التعديل بوسائط عديدة من مثل الكشي و النجاشي و غيرهما و من المعلوم أن مثل هذا لا تعد بينة شرعية و لذا لا يقبل مثله في الحقوق و دعوى حجية مثل ذلك بالإجماع ممنوعة بل المسلم أن الخبر المعدل بمثل هذا حجة بالاتفاق لكن قد عرفت سابقا عند تقرير الإجماع على
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 216
حجية خبر الواحد أن مثل هذا الاتفاق العملي لا يجدي في الكشف عن قول الحجة مع أن مثل هذا الخبر في غاية القلة خصوصا إذا انضم إليه إفادة الظن الفعلي.
و ثالثا سلمنا نصب الطريق و وجوده في جملة ما بأيدينا من الطرق الظنية من أقسام الخبر و الإجماع المنقول و الشهرة و ظهور الإجماع و الاستقراء و الأولوية الظنية إلا أن اللازم من ذلك هو الأخذ بما هو المتيقن من هذه فإن وفى بغالب الأحكام اقتصر عليه و إلا فالمتيقن من الباقي مثلا الخبر الصحيح و الإجماع المنقول متيقن بالنسبة إلى الشهرة و ما بعدها من الأمارات إذ لم يقل أحد بحجية الشهرة و ما بعدها دون الخبر الصحيح و الإجماع المنقول فلا معنى لتعيين الطريق بالظن بعد وجود القدر المتيقن و وجوب الرجوع في المشكوك إلى أصالة حرمة العمل نعم لو احتيج إلى العمل بإحدى أمارتين و احتمل نصب كل منهما صح تعيينه بالظن بعد الإغماض عما سيجيء من الجواب و رابعا سلمنا عدم وجود القدر المتيقن لكن اللازم من ذلك وجوب الاحتياط لأنه مقدم على العمل بالظن لما عرفت من تقديم الامتثال العلمي على الظني اللهم إلا أن يدل دليل على عدم وجوبه و هو في المقام مفقود.
و دعوى أن الأمر دائر بين الواجب و الحرام لأن العمل بما ليس طريقا حرام مدفوعة بأن العمل بما ليس طريقا إذا لم يكن على وجه التشريع غير محرم و العمل بكل ما يحتمل الطريقية رجاء أن يكون هذا هو الطريق لا حرمة فيه جهة التشريع نعم قد عرفت أن حرمته مع عدم قصد التشريع إنما هي من جهة أن فيه طرحا للأصول المعتبرة من دون حجة شرعية. و هذا أيضا غير لازم في المقام لأن مورد العمل بالطريق المحتمل إن كان الأصول على طبقه فلا مخالفة و إن كان مخالفا للأصول فإن كان مخالفا للاستصحاب النافي للتكليف فلا إشكال لعدم حجية الاستصحابات بعد العلم الإجمالي بأن بعض الأمارات الموجودة على خلافها معتبرة عند الشارع و إن كان مخالفا للاحتياط فحينئذ يعمل بالاحتياط في المسألة الفرعية و كذا لو كان مخالفا للاستصحاب المثبت للتكليف.
فحاصل الأمر يرجع إلى العمل بالاحتياط في المسألة الأصولية أعني نصب الطريق إذا لم يعارضه الاحتياط في المسألة الفرعية فالعمل مطلقا على الاحتياط اللهم إلا أن يقال إنه يلزم الحرج من الاحتياط في موارد جريان الاحتياط في نفس المسألة كالشك في الجزئية و في موارد الاستصحابات المثبتة للتكليف و النافية له بعد العلم الإجمالي بوجوب العمل في بعضها على
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 217
خلاف الحالة السابقة إذ يصير حينئذ كالشبهة المحصورة فتأمل.
و خامسا سلمنا العلم الإجمالي بوجود الطريق المجعول و عدم المتيقن و عدم وجوب الاحتياط لكن نقول إن ذلك لا يوجب تعيين العمل بالظن في مسألة تعيين الطريق فقط بل هو مجوز له كما يجوز العمل بالظن في المسألة الفرعية.
و ذلك لأن الطريق المعلوم نصبه إجمالا إن كان منصوبا حتى حال انفتاح باب العلم فيكون هو في عرض الواقع مبرئا للذمة بشرط العلم به كالواقع المعلوم مثلا إذا فرضنا حجية الخبر مع الانفتاح تخير المكلف بين امتثال ما علم كونه حكما واقعيا بتحصيل العلم به و بين امتثال مؤدى الطريق المجعول الذي علم جعله بمنزلة الواقع فكل من الواقع و مؤدى الطريق مبرئ مع العلم به فإذا انسد باب العلم التفصيلي بأحدهما تعين الآخر و إذا انسد باب العلم التفصيلي بهما تعين العمل فيهما بالظن فلا فرق بين الظن بالواقع و الظن بمؤدى الطريق في كون كل واحد منهما امتثالا ظنيا.
و إن كان ذلك الطريق منصوبا عند انسداد باب العلم بالواقع فنقول إن تقديمه حينئذ على العمل بالظن إنما هو مع العلم به و تمييزه عن غيره إذ حينئذ يحكم العقل بعدم جواز العمل بمطلق الظن مع وجود هذا الطريق المعلوم إذ فيه عدول عن الامتثال القطعي إلى الظني فكذا مع العلم الإجمالي بناء على أن الامتثال التفصيلي مقدم على الإجمالي أو لأن الاحتياط يوجب الحرج المؤدي إلى الاختلال.
أما مع انسداد باب العلم بهذا الطريق و عدم تميزه عن غيره إلا بإعمال مطلق الظن فالعقل لا يحكم بتقديم إحراز الطريق بمطلق الظن على إحراز الواقع بمطلق الظن.
و كأن المستدل توهم أن مجرد نصب الطريق و لو مع عروض الاشتباه فيه موجب لصرف التكليف عن الواقع إلى العمل بمؤدى الطريق كما ينبئ عنه قوله و حاصل القطعين إلى أمر واحد و هو التكليف الفعلي بالعمل بمؤديات الطرق و سيأتي مزيد توضيح لاندفاع هذا التوهم إن شاء الله تعالى.
فإن قلت نحن نرى أنه إذا عين الشارع طريقا للواقع عند انسداد باب العلم به ثم انسد باب العلم بذلك الطريق كان البناء على العمل بالظن في الطريق دون نفس الواقع أ لا ترى أن المقلد يعمل بالظن في تعيين المجتهد لا في نفس الحكم الواقعي و القاضي يعمل بالظن في تحصيل الطرق المنصوبة لقطع المرافعات لا في تحصيل الحق الواقعي بين المتخاصمين. فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 218
قلت فرق بين ما نحن فيه و بين المثالين فإن الظنون الحاصلة للمقلد و القاضي في المثالين بالنسبة إلى نفس الواقع أمور غير مضبوطة كثيرة المخالفة للواقع مع قيام الإجماع على عدم جواز العمل بها كالقياس بخلاف ظنونهما المعمولة في تعيين الطريق فإنها حاصلة من أمارات منضبطة غالبة المطابقة لم يدل دليل بالخصوص على عدم جواز العمل بها.
فالمثال المطابق لما نحن فيه أن يكون الظنون المعمولة في تعيين الطريق بعينها هي المعمولة في تحصيل الواقع لا يوجد بينهما فرق من جهة العلم الإجمالي بكثرة مخالفة إحداهما للواقع و لا من جهة منع الشارع عن إحداهما بالخصوص كما أنا لو فرضنا أن الظنون المعمولة في نصب الطريق على العكس في المثالين كان المتعين العمل بالظن في نفس الواقع دون الطريق.
فما ذكرنا من العمل على الظن سواء تعلق بالطريق أم بنفس الواقع فإنما هو مع مساواتهما من جميع الجهات فإنا لو فرضنا أن المقلد يقدر على إعمال نظير الظنون التي يعملها لتعيين المجتهد في الأحكام الشرعية مع قدرة الفحص عما يعارضها على الوجه المعتبر في العمل بالظن لم يجب عليه العمل بالظن في تعيين المجتهد بل وجب عليه العمل بظنه في تعيين الحكم الواقعي و كذا القاضي إذا شهد عنده عادل واحد بالحق لا يعمل به و إذا أخبره هذا العادل بعينه بطريق قطع هذه المخاصمة يأخذ به فإنما هو لأجل قدرته على الاجتهاد في مسألة الطريق بإعمال الظنون و بذل الجهد في المعارضات و دفعها بخلاف الظن بحقية أحد المتخاصمين فإنه مما يصعب الاجتهاد و بذل الوسع في فهم الحق من المتخاصمين لعدم انضباط الأمارات في الوقائع الشخصية و عدم قدرة المجتهد على الإحاطة بها حتى يأخذ بالأخرى.
و كما أن المقلد عاجز عن الاجتهاد في المسألة الكلية كذلك القاضي عاجز عن الاجتهاد في الوقائع الشخصية فتأمل. هذا مع إمكان أن يقال إن مسألة عمل القاضي بالظن في الطريق مغايرة لمسألتنا من جهة أن الشارع لم يلاحظ الواقع في نصب الطريق و أعرض عنه و جعل مدار قطع الخصومة على الطرق التعبدية مثل الإقرار و البينة و اليمين و النكول و القرعة و شبهها بخلاف الطرق المنصوبة للمجتهد على الأحكام الواقعية فإن الظاهر أن مبناها على الكشف الغالبي عن الواقع و وجه تخصيصها من بين سائر الأمارات كونها أغلب مطابقة للواقع و كون غيرها غير غالب المطابقة بل غالب المخالفة كما ينبئ عنه ما ورد في العمل بالعقول في دين الله (: و أنه ليس شيء أبعد عن دين الله من عقول الرجال و أن ما يفسده أكثر مما يصلحه و أن الدين يمحق بالقياس)
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 219
و نحو ذلك.
و لا ريب أن المقصود من نصب الطريق إذا كان غلبة الوصول إلى الواقع لخصوصية فيها من بين سائر الأمارات ثم انسد باب العلم بذلك الطريق المنصوب و التجأ إلى إعمال سائر الأمارات التي لم يعتبرها الشارع في نفس الحكم لوجوب الأوفق منها بالواقع فلا فرق بين إعمال هذه الأمارات في تعيين ذلك الطريق و بين إعمالها في نفس الحكم الواقعي بل الظاهر أن إعمالها في نفس الواقع أولى لإحراز المصلحة الأولية التي هي أحق بالمراعاة من مصلحة نصب الطريق فإن غاية ما في نصب الطريق من المصلحة ما به يتدارك المفسدة المترتبة على مخالفة الواقع اللازمة من العمل بذلك الطريق لا إدراك المصلحة الواقعية و لهذا اتفق العقل و النقل على ترجيح الاحتياط على تحصيل الواقع بالطريق المنصوب في غير العبادات مما لا يعتبر فيه نية الوجه اتفاقا بل الحق ذلك فيها أيضا كما مرت الإشارة إليه في إبطال وجوب الاحتياط فإن قلت العمل بالظن في الطريق عمل بالظن في الامتثال الظاهري و الواقعي لأن الفرض إفادة الطريق للظن بالواقع بخلاف غير ما ظن طريقيته فإنه ظن بالواقع و ليس ظنا بتحقق الامتثال في الظاهر بل الامتثال الظاهري مشكوك أو موهوم بحسب احتمال اعتبار ذلك الظن قلت أولا إن هذا خروج عن الفرض لأن مبنى الاستدلال المتقدم على وجوب العمل بالظن في الطريق و إن لم يكن الطريق مفيدا للظن به أصلا نعم قد اتفق في الخارج أن الأمور التي يعلم بوجود الطريق فيها إجمالا مفيدة للظن شخصا أو نوعا لا أن مناط الاستدلال اتباع الظن بالطريق المفيد للظن بالواقع.
و ثانيا أن هذا يرجع إلى ترجيح بعض الأمارات الظنية على بعض باعتبار الظن باعتبار بعضها شرعا دون الآخر بعد الاعتراف بأن مؤدى دليل الانسداد حجية الظن بالواقع لا بالطريق.
و سيجيء الكلام في أن نتيجة دليل الانسداد على تقدير إفادته اعتبار الظن بنفس الحكم كلية بحيث لا يرجع بعض الظنون على بعض أو مهملة بحيث يجب الترجيح بين الظنون ثم التعميم مع فقد المرجح.
و الاستدلال المذكور مبني على إنكار ذلك كله و أن دليل الانسداد جار في مسألة تعيين
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 220
الطريق و هي المسألة الأصولية لا في نفس الأحكام الواقعية الفرعية بناء منه على أن الأحكام الواقعية بعد نصب الطرق ليست مكلفا بها تكليفا فعليا إلا بشرط قيام تلك الطرق عليها فالمكلف به في الحقيقة مؤديات تلك الطرق لا الأحكام الواقعية من حيث هي.
و قد عرفت مما ذكرنا أن نصب هذه الطرق ليس إلا لأجل كشفها الغالبي عن الواقع و مطابقتها له فإذا دار الأمر بين إعمال الظن في تعيينها أو في تعيين الواقع لم يكن رجحان للأول.
ثم إذا فرضنا أن نصبها ليس لمجرد الكشف بل لأجل مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع لكن ليس مفاد نصبها تقييد الواقع بها و اعتبار مساعدتها في إرادة الواقع بل مؤدى وجوب العمل بها جعلها عين الواقع و لو بحكم الشارع لا قيدا له و الحاصل أنه فرق بين أن يكون مرجع نصب هذه الطرق إلى قول الشارع لا أريد من الواقع إلا ما ساعد عليه ذلك الطريق فينحصر التكليف الفعلي حينئذ في مؤديات الطرق و لازمه إهمال ما لم يؤد إليه الطريق من الواقع سواء انفتح باب العلم بالطريق أم انسد و بين أن يكون التكليف الفعلي بالواقع باقيا على حاله إلا أن الشارع حكم بوجوب البناء على كون مؤدى الطريق هو ذلك الواقع فمؤدى هذه الطرق واقع جعلي فإذا انسد طريق العلم إليه و دار الأمر بين الظن بالواقع الحقيقي و بين الظن بما جعله الشارع واقعا فلا ترجيح إذ الترجيح مبني على إغماض الشارع عن الواقع.
و بذلك ظهر ما في قول بعضهم من (أن التسوية بين الظن بالواقع و الظن بالطريق إنما تحسن لو كان أداء التكليف المتعلق بكل من الفعل و الطريق المقرر مستقلا لقيام الظن بكل من التكليفين حينئذ مقام العلم به مع قطع النظر عن الآخر و أما لو كان أحد التكليفين منوطا بالآخر مقيدا له فمجرد حصول الظن بأحدهما دون حصول الظن بالآخر المقيد له لا يقتضي الحكم بالبراءة و حصول البراءة في صورة العلم بأداء الواقع إنما هو لحصول الأمرين به نظرا إلى أداء الواقع و كونه من الوجه المقرر لكون العلم طريقا إلى الواقع في العقل و الشرع فلو كان الظن بالواقع ظنا بالطريق جرى ذلك فيه أيضا لكنه ليس كذلك فلذا لا يحكم بالبراءة معه انتهى).
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 221
الوجه الثاني (ما ذكره بعض المحققين من المعاصرين مع الوجه الأول و بعض الوجوه الآخر قال لا ريب في كوننا مكلفين بالأحكام الشرعية و لم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية في الجملة و أن الواجب علينا أولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف بأن يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به و سقوط التكليف عنا سواء حصل العلم منه بأداء الواقع أو لا حسب ما مر تفصيل القول فيه.
و حينئذ فنقول إن صح لنا تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم الشارع فلا إشكال في وجوبه و حصول البراءة به و إن انسد علينا سبيل العلم به كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه إذ هو الأقرب إلى العلم به فتعين الأخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم به و القطع ببقاء التكليف دون ما يحصل معه الظن بأداء الواقع كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن.
و بينهما بون بعيد إذ المعتبر في الوجه الأول هو الأخذ بما يظن كونه حجة بقيام دليل ظني على حجيته سواء حصل منه الظن بالواقع أو لا و في الوجه الثاني لا يلزم حصول الظن بالبراءة في حكم الشارع إذ لا يستلزم مجرد الظن بالواقع الظن باكتفاء المكلف بذلك الظن في العمل سيما بعد النهي عن اتباع الظن فإذا تعين تحصيل ذلك بمقتضى حكم العقل حسب ما عرفت يلزم اعتبار أمر آخر يظن معه رضا المكلف بالعمل به و ليس ذلك إلا الدليل الظني الدال على حجيته فكل طريق قام دليل ظني على حجيته و اعتباره عند الشارع يكون حجة دون ما لم يقم عليه ذلك انتهى بألفاظه) و أشار بقوله حسب ما مر تفصيل القول فيه إلى ما ذكره سابقا في مقدمات هذا المطلب (حيث قال في المقدمة الرابعة من تلك المقدمات فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 222
أن المناط في وجوب الأخذ بالعلم و تحصيل اليقين من الدليل هل هو اليقين بمصادفة الأحكام الواقعية الأولية إلا أن يقوم دليل على الاكتفاء بغيره أو أن الواجب أولا هو تحصيل اليقين بتحصيل الأحكام و أداء الأعمال على وجه إرادة الشارع منا في الظاهر و حكم معه قطعا بتفريغ ذمتنا بملاحظة الطرق المقررة لمعرفتها مما جعلها وسيلة للوصول إليها سواء علم مطابقته للواقع أو ظن ذلك أو لم يحصل به شيء منهما وجهان) (الذي يقتضيه التحقيق هو الثاني فإنه القدر الذي يحكم العقل بوجوبه و دلت الأدلة المتقدمة على اعتباره و لو حصل العلم بها على الوجه المذكور لم يحكم العقل قطعا بوجوب تحصيل العلم بما في الواقع و لم يقض شيء من الأدلة الشرعية بوجوب تحصيل شيء آخر وراء ذلك بل الأدلة الشرعية قائمة على خلاف ذلك إذ لم يبن الشريعة من أول الأمر على وجوب تحصيل كل من الأحكام الواقعية على سبيل القطع و اليقين و لم يقع التكليف به حين انفتاح سبيل العلم بالواقع و في ملاحظة طريقة السلف من زمن النبي صلى اللَّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام كفاية في ذلك إذ لم يوجب النبي صلى اللَّه عليه و آله على جميع من في بلده من الرجال و النسوان السماع منه في تبليغ الأحكام أو حصول التواتر لآحادهم بالنسبة إلى آحاد الأحكام أو قيام القرينة القاطعة على عدم تعمد الكذب أو الغلط في الفهم أو في سماع اللفظ بالنظر إلى الجميع بل لو سمعوه من الثقة اكتفوا به انتهى.
ثم شرع في إبطال دعوى حصول العلم بقول الثقة مطلقا إلى أن قال فتحصل مما قررناه أن العلم الذي هو مناط التكليف أولا هو العلم بالأحكام من الوجه المقرر لمعرفتها و الوصول إليها و الواجب بالنسبة إلى العمل هو أداؤه على وجه يقطع معه بتفريغ الذمة في حكم الشرع سواء حصل العلم بأدائه على طبق الواقع أو على طبق الطريق المقرر من الشارع و إن لم يعلم أو لم يظن بمطابقتها للواقع.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 223
و بعبارة أخرى لا بد من المعرفة بالتكليف و أداء المكلف به على وجه اليقين أو على وجه منته إلى اليقين من غير فرق بين الوجهين و لا ترتيب بينهما نعم لو لم يظهر طريق مقرر من الشارع لمعرفتها تعين الأخذ بالعلم بالواقع على حسب إمكانه إذ هو طريق إلى الواقع بحكم العقل من غير توقف لإيصاله إلى الواقع على بيان الشرع بخلاف غيره من الطرق المقررة انتهى كلامه رفع مقامه).
أقول ما ذكره في مقدمات مطلبه من عدم الفرق بين علم المكلف بأداء الواقع على ما هو عليه و بين العلم بأدائه من الطريق المقرر مما لا إشكال فيه نعم ما جزم به من أن المناط في تحصيل العلم أولا هو العلم بتفريغ الذمة دون أداء الواقع على ما هو عليه فيه أن تفريغ الذمة عما اشتغلت به إما بفعل نفس ما أراده الشارع في ضمن الأوامر الواقعية و إما بفعل ما حكم حكما جعليا بأنه نفس المراد و هو مضمون الطرق المجعولة فتفريغ الذمة بهذا على مذهب المخطئة من حيث إنه نفس المراد الواقعي بجعل الشارع لا من حيث إنه شيء مستقل في مقابل المراد الواقعي فضلا عن أن يكون هو المناط في لزوم تحصيل العلم و اليقين.
و الحاصل أن مضمون الأوامر الواقعية المتعلقة بأفعال المكلفين مراد واقعي حقيقي و مضمون الأوامر الظاهرية المتعلقة بالعمل بالطرق المقررة ذلك المراد الواقعي لكن على سبيل الجعل لا الحقيقة.
و قد اعترف المحقق المذكور حيث عبر عنه بأداء الواقع من الطريق المجعول فأداء كل من الواقع الحقيقي و الواقع الجعلي لا يكون بنفسه امتثالا و إطاعة للأمر المتعلق به ما لم يحصل العلم به نعم لو كان كل من الأمرين المتعلقين بالأداءين مما لا يعتبر في سقوطه قصد الإطاعة و الامتثال كان مجرد كل منهما مسقطا للأمرين من دون امتثال و أما الامتثال للأمر بهما فلا يحصل إلا مع العلم.
ثم إن هذين الأمرين مع التمكن من امتثالهما يكون المكلف مخيرا في امتثال أيهما بمعنى أن المكلف مخير بين تحصيل العلم بالواقع فيتعين عليه و ينتفي موضوع الأمر الآخر إذ المفروض كونه ظاهريا قد أخذ في موضوعه عدم العلم بالواقع و بين ترك تحصيل الواقع و امتثال الأمر الظاهري هذا مع التمكن من امتثالهما.
و أما لو تعذر عليه امتثال أحدهما تعين عليه امتثال الآخر كما لو عجز عن تحصيل العلم
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 224
بالواقع و تمكن من سلوك الطريق المقرر لكونه معلوما له أو انعكس الأمر بأن تمكن من العلم و انسد عليه باب سلوك الطريق المقرر لعدم العلم به و لو عجز عنهما معا قام الظن بهما مقام العلم بهما بحكم العقل.
فترجيح الظن بسلوك الطريق المقرر على الظن بسلوك الواقع لم يعلم وجهه بل الظن بالواقع أولى في مقام الامتثال لما أشرنا إليه سابقا من حكم العقل و النقل بأولوية إحراز الواقع هذا في الطريق المجعول في عرض العلم بأن أذن في سلوكه مع التمكن من العلم.
و أما إذا نصبه بشرط العجز عن تحصيل العلم فهو أيضا كذلك ضرورة أن القائم مقام تحصيل العلم الموجب للإطاعة الواقعية عند تعذره هي الإطاعة الظاهرية المتوقفة على العلم بسلوك الطريق المجعول لا على مجرد سلوكه
و الحاصل أن سلوك الطريق المجعول مطلقا أو عند تعذر العلم في مقابل العمل بالواقع فكما أن العمل بالواقع مع قطع النظر عن العلم لا يوجب امتثالا و إنما يوجب فراغ الذمة من المأمور به واقعا لو لم يأخذ فيه تحققه على وجه الامتثال فكذلك سلوك الطريق المجعول مطلقا فكل منهما موجب لبراءة الذمة واقعا و إن لم يعلم بحصوله بل و لو اعتقد عدم حصوله.
و أما العلم بالفراغ المعتبر في الإطاعة فلا يتحقق في شيء منهما إلا بعد العلم أو الظن القائم مقامه.
فالحكم بأن الظن بسلوك الطريق المجعول يوجب الظن بفراغ الذمة بخلاف الظن بأداء الواقع فإنه لا يوجب الظن بفراغ الذمة إلا إذا ثبت حجية ذلك الظن و إلا فربما يظن بأداء الواقع من طريق يعلم بعدم حجيته تحكم صرف.
و منشأ ما ذكره قدس سره تخيل أن نفس سلوك الطريق الشرعي المجعول في مقابل سلوك الطريق العقلي الغير المجعول و هو العلم بالواقع الذي هو سبب تام لبراءة الذمة فيكون هو أيضا كذلك فيكون الظن بالسلوك ظنا بالبراءة بخلاف الظن بالواقع لأن نفس أداء الواقع ليس سببا تاما للبراءة حتى يحصل من الظن به الظن بالبراءة فقد قاس الطريق الشرعي بالطريق العقلي.
و أنت خبير بأن الطريق الشرعي لا يتصف بالطريقية فعلا إلا بعد العلم به تفصيلا و إلا فسلوكه أعني مجرد تطبيق الأعمال عليه مع قطع النظر عن حكم الشارع لغو صرف و لذلك أطلنا الكلام في أن سلوك الطريق المجعول في مقابل العمل بالواقع لا في مقابل العلم بالعمل بالواقع.
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 225
و يلزم من ذلك كون كل من العلم و الظن المتعلق بأحدهما في مقابل المتعلق بالآخر فدعوى أن الظن بسلوك الطريق يستلزم الظن بالفراغ بخلاف الظن بإتيان الواقع فاسدة.
هذا كله مع ما علمت سابقا في رد الوجه الأول من إمكان منع جعل الشارع طريقا إلى الأحكام و إنما اقتصر على الطرق المنجعلة عند العقلاء و هو العلم ثم على الظن الاطمئناني.
ثم إنك حيث عرفت أن مال هذا القول إلى أخذ نتيجة دليل الانسداد بالنسبة إلى المسائل الأصولية و هي حجية الأمارات المحتملة للحجية لا بالنسبة إلى نفس الفروع فاعلم أن في مقابله قولا آخر لغير واحد من مشايخنا المعاصرين قدست أسرارهم و هو عدم جريان دليل الانسداد على وجه يشمل مثل هذه المسألة الأصولية أعني حجية الأمارات المحتملة و هذا هو القول الذي ذكرنا في أول التنبيه أنه ذهب إليه فريق و سيأتي الكلام فيه عند التكلم في حجية الظن المتعلق بالمسائل الأصولية إن شاء الله تعالى.
ثم اعلم أن بعض من لا خبرة له لما لم يفهم من دليل الانسداد إلا ما تلقن من لسان بعض مشايخه و ظاهر عبارة كتاب القوانين رد القول الذي ذكرناه أولا عن بعض المعاصرين من حجية الظن في الطريق لا في نفس الأحكام بمخالفته لإجماع العلماء حيث زعم أنهم بين من يعمم دليل الانسداد لجميع المسائل العلمية أصولية أو فقهية كصاحب القوانين و بين من يخصصه بالمسائل الفرعية فالقول بعكس هذا خرق للإجماع المركب.
و يدفعه أن المسألة ليست من التوقيفيات التي يدخلها الإجماع المركب مع أن دعواه في مثل هذه المسائل المستحدثة بشيعة جدا بل المسألة عقلية فإذا فرض استقلال العقل بلزوم العمل بالظن في مسألة تعيين الطرق فلا معنى لرده بالإجماع المركب فلا سبيل إلى رده إلا بمنع جريان حكم العقل و جريان مقدمات الانسداد في خصوصها كما عرفته منا أو فيها او في ضمن مطلق الأحكام الشرعية كما فعله غير واحد من مشايخنا
فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج1، ص: 226
مقبول
طہارۃ، استعمال طہور مشروط بالنیت
المدخل۔۔۔
الزکاۃ،کتاب الزکاۃ وفصولہ اربعۃ۔۔۔
مقدمہ و تعریف :الامرلاول تعریف علم الاصول۔۔۔
الطہارۃ و مختصر حالات زندگانی
الفصل السابع :نسخ الوجوب۔۔
الفصل الثالث؛ تقسیم القطع الی طریقی ...
مقالات
دینی مدارس کی قابل تقلید خوبیاں
ایک اچھے مدرس کے اوصاف
اسلام میں استاد کا مقام و مرتبہ
طالب علم کے لئے کامیابی کے زریں اصول