حضرت امام علی عليه‌السلام نے فرمایا: مومن کو اپنی ذات پر تسلط ہوتا ہےوہ اپنی خواہشات اور جذبات پر قابو رکھتاہے۔ غررالحکم حدیث 2204

المقصد الأول في القطع‏
و ينبغي التنبيه على أمور
الثاني [هل القطع الحاصل من المقدمات العقلية حجة]
الثالث قد اشتهر في السنة المعاصرين أن قطع القطاع لا اعتبار به‏
المقام الثاني و هو كفاية العلم الإجمالي في الامتثال‏
أما المقام الأول و هو كفاية العلم الإجمالي في تنجز التكليف و اعتباره كالتفصيلي‏
المقصد الثاني في الظن‏
المقام الثاني في وقوع التعبد بالظن في الأحكام الشرعية
الظنون المعتبرة
و ينبغي التنبيه على أمور
و أما القسم الثاني و هو الظن الذي يعمل لتشخيص الظواهر
و من جملة الظنون الخارجة عن الأصل الإجماع المنقول بخبر الواحد
و من جملة الظنون التي توهم حجيتها بالخصوص الشهرة في الفتوى‏
و من جملة الظنون ا...خبر الواحد في الجملة
أما حجة المانعين فالأدلة الثلاثة
و أما المجوزون فقد استدلوا على حجيته بالأدلة الأربعة
و أما السنة ف طوائف من الأخبار
و أما الإجماع فتقريره من وجوه‏
الرابع دليل العقل‏
الثاني حجية مطلق الظن‏
المقدمة الثالثة
المقدمة الرابعة
و ينبغي التنبيه على أمور
الأمر الثاني نتيجة دليل الانسداد قضية مهملة أو كلية
المقام الثاني في أنه على أحد التقريرين السابقين
ثم إن الإشكال هنا في مقامين‏
الأمر الثالث لا فرق بين الظن من أمارة على حكم و أمارة متعلقة بألفاظ الدليل‏
الأمر الرابع الثابت بالمقدمات هو الاكتفاء بالظن في الخروج عن عهدة الأحكام‏
الأمر الخامس في اعتبار الظن في أصول الدين‏
الأمر السادس إذا بنينا على عدم حجية ظن فهل يترتب عليه آثار أخر غيرها

رسائل حصہ اول

المقدمة الثالثة

المقدمة الثالثة

في بيان بطلان وجوب تحصيل الامتثال بالطرق المقررة للجاهل من الاحتياط أو الرجوع في كل مسألة إلى ما يقتضيه الأصل في تلك المسألة أو الرجوع إلى فتوى العالم بالمسألة و تقليده فيها فنقول إن كلا من هذه الأمور الثلاثة و إن كان طريقا شرعيا في الجملة لامتثال الحكم المجهول إلا أن منها ما لا يجب في المقام و منها ما لا يجري.

أما الاحتياط فهو و إن كان مقتضى الأصل و القاعدة العقلية و النقلية عند ثبوت العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات إلا أنه في المقام أعني صورة انسداد باب العلم في معظم المسائل الفقهية غير واجب لوجهين أحدهما الإجماع القطعي على عدم وجوبه في المقام لا بمعنى أن أحدا من العلماء لم يلتزم بالاحتياط في كل الفقه أو جله حتى يرد عليه أن عدم التزامهم به إنما هو لوجود المدارك المعتبرة عندهم للأحكام فلا يقاس عليهم من لا يجد مدركا في المسألة بل بالمعنى الذي تقدم نظيره في الإجماع على عدم الرجوع إلى البراءة.

و حاصله دعوى الإجماع القطعي على أن المرجع في الشريعة على تقدير انسداد باب العلم في معظم الأحكام و عدم ثبوت حجية أخبار الآحاد رأسا أو باستثناء قليل هو في جنب الباقي كالمعدوم ليس هو الاحتياط في الدين و الالتزام بفعل كل ما يحتمل الوجوب و لو موهوما و ترك كل ما يحتمل الحرمة كذلك.

و صدق هذه الدعوى مما يجده المنصف من نفسه بعد ملاحظة قلة المعلومات مضافا إلى ما يستفاد من أكثر كلمات العلماء المتقدمة في بطلان الرجوع إلى البراءة و عدم التكليف في المجهولات فإنها واضحة الدلالة في أن بطلان الاحتياط كالبراءة مفروغ عنه فراجع.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 195

الثاني لزوم العسر الشديد و الحرج الأكيد في التزامه لكثرة ما يحتمل موهوما وجوبه خصوصا في أبواب الطهارة و الصلاة فمراعاته مما يوجب الحرج و المثال لا يحتاج إليه فلو بنى العالم الخبير بموارد الاحتياط فيما لم ينعقد عليه إجماع قطعي أو خبر متواتر على الالتزام بالاحتياط في جميع أموره يوما و ليلة لوجد صدق ما ادعيناه هذا كله بالنسبة إلى نفس العمل بالاحتياط.

و أما تعليم المجتهد موارد الاحتياط لمقلده و تعلم المقلد موارد الاحتياط الشخصية و علاج تعارض الاحتياطات و ترجيح الاحتياط الناشئ عن الاحتمال القوي على الاحتياط الناشئ عن الاحتمال الضعيف فهو أمر مستغرق لأوقات المجتهد و المقلد فيقع الناس من جهة تعليم هذه الموارد و تعلمها في حرج يخل بنظام معاشهم و معادهم.

توضيح ذلك أن الاحتياط في مسألة التطهير بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر ترك التطهير به لكن قد يعارضه في الموارد الشخصية احتياطات أخر بعضها أقوى منه و بعضها أضعف و بعضها مساو فإنه قد يوجد ماء آخر للطهارة و قد لا يوجد معه إلا التراب و قد لا يوجد من مطلق الطهور غيره.

فإن الاحتياط في الأول هو الطهارة من ماء آخر لو لم يزاحمه الاحتياط من جهة أخرى كما إذا كان قد أصابه ما لم ينعقد الإجماع على طهارته و في الثاني هو الجمع بين الطهارة المائية و الترابية إن لم يزاحمه ضيق الوقت المجمع عليه و في الثالث الطهارة من ذلك المستعمل و الصلاة إن لم يزاحمه أمر آخر واجب أو محتمل الوجوب.

فكيف يسوغ للمجتهد أن يلقي إلى مقلده أن الاحتياط في ترك الطهارة بالماء المستعمل مع كون الاحتياط في كثير من الموارد استعماله فقط أو الجمع بينه و بين غيره.

و بالجملة فتعليم موارد الاحتياط الشخصية و تعلمها فضلا عن العمل بها أمر يكاد يلحق بالمتعذر و يظهر ذلك بالتأمل في الوقائع الاتفاقية.

فإن قلت لا يجب على المقلد متابعة هذا الشخص الذي أدى نظره إلى انسداد باب العلم في معظم المسائل و وجوب الاحتياط بل يقلد غيره.

قلت مع أن لنا أن نفرض انحصار المجتهد في هذا الشخص إن كلامنا في حكم الله سبحانه بحسب اعتقاد هذا المجتهد الذي اعتقد انسداد باب العلم و عدم الدليل على ظن خاص يكتفى به في تحصيل غالب الأحكام و إن من يدعي وجود الدليل على ذلك فإنما نشأ اعتقاده مما لا ينبغي الركون إليه و يكون الركون إليه جزما في غير محله.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 196

فالكلام في أن حكم الله تعالى على تقدير انسداد باب العلم و عدم نصب الطريق الخاص لا يمكن أن يكون هو الاحتياط بالنسبة إلى العباد للزوم الحرج البالغ حد اختلال النظام.

و لا يخفى أنه لا وجه لدفع هذا الكلام بأن العوام يقلدون مجتهدا غير هذا قائلا بعد انسداد باب العلم أو بنصب الطرق الظنية الوافية بأغلب الأحكام فلا يلزم عليهم حرج و ضيق.

ثم إن هذا كله مع كون المسألة في نفسها مما يمكن فيه الاحتياط و لو بتكرار العمل في العبادات أما مع عدم إمكان الاحتياط كما لو دار المال بين صغيرين يحتاج كل واحد منهما إلى صرفه عليه في الحال و كما في المرافعات فلا مناص عن العمل بالظن و قد يورد على إبطال الاحتياط ب لزوم الحرج بوجوه لا بأس بالإشارة إلى بعضها منها النقض بما لو أدى اجتهاد المجتهد و عمله بالظن إلى فتوى يوجب الحرج كوجوب الترتيب بين الحاضرة و الفائتة لمن عليه فوائت كثيرة أو وجوب الغسل على مريض أجنب متعمدا و إن أصابه من المرض ما أصابه كما هو قول بعض أصحابنا و كذا لو فرضنا أداء ظن المجتهد إلى وجوب أمور كثيرة يحصل العسر لمراعاتها و بالجملة فلزوم الحرج من العمل بالقواعد لا يوجب الإعراض عنها و فيما نحن فيه إذا اقتضى القاعدة رعاية الاحتياط لم يرفع اليد عنها للزوم العسر.

و الجواب أن ما ذكر في غاية الفساد.

لأن مرجعه إن كان إلى منع نهوض أدلة نفي الحرج للحكومة على مقتضيات القواعد و العمومات و تخصيصها بغير صورة لزوم الحرج فينبغي أن ينقل الكلام في منع ثبوت قاعدة الحرج و لا يخفى أن منعه في غاية السقوط لدلالة الأخبار المتواترة معنى عليه مضافا إلى دلالة ظاهر الكتاب.

و الحاصل أن قاعدة نفي الحرج مما ثبتت بالأدلة الثلاثة بل الأربعة في مثل المقام لاستقلال العقل بقبح التكليف بما يوجب اختلال نظام أمر المكلف نعم هي في غير ما يوجب الاختلال قاعدة ظنية تقبل الخروج عنها بالأدلة الخاصة المحكمة و إن لم تكن قطعية.

و أما القواعد و العمومات المثبتة للتكليف فلا إشكال بل لا خلاف في حكومة أدلة نفي الحرج عليها فليس الوجه في التقديم كون النسبة بينهما عموما من وجه فيرجع إلى أصالة البراءة كما قيل أو إلى المرجحات الخارجية المعاضدة لقاعدة نفي الحرج كما زعم بل لأن أدلة نفي العسر بمدلولها اللفظي حاكمة على العمومات المثبتة للتكليف فهي بالذات مقدمة عليها و هذا هو السر

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 197

في عدم ملاحظة الفقهاء المرجح الخارجي بل يقدمونها من غير مرجح خارجي.

نعم جعل بعض متأخري المتأخرين عمل الفقهاء بها في الموارد من المرجحات لتلك القاعدة زعما منه أن عملهم لمرجح توقيفي اطلعوا عليه و اختفى علينا و لم يشعر أن وجه التقديم كونها حاكمة على العمومات.

و مما يوضح ما ذكرنا و يدعو إلى التأمل في وجه التقديم المذكور في محله و يوجب الإعراض عما زعمه غير واحد من وقوع التعارض بينها و بين سائر العمومات فيجب الرجوع إلى الأصول أو المرجحات هو ما (: رواه عبد الأعلى مولى آل سام في من عثر فانقطع ظفره فجعل عليه مرارة فكيف يصنع بالوضوء فقال عليه السلام يعرف هذا و أشباهه من كتاب الله ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه).

فإن في إحالة الإمام عليه السلام لحكم هذه الواقعة إلى عموم نفي الحرج و بيان أنه ينبغي أن يعلم منه أن الحكم في هذه الواقعة المسح فوق المرارة مع معارضة العموم المذكور بالعمومات الموجبة للمسح على البشرة دلالة واضحة على حكومة عمومات نفي الحرج بأنفسها على العمومات المثبتة للتكاليف من غير حاجة إلى ملاحظة تعارض و ترجيح في البين فافهم.

و إن كان مرجع ما ذكره إلى أن التزام العسر إذا دل عليه الدليل لا بأس به كما في ما ذكر من المثال و الفرض.

ففيه ما عرفت من أنه لا يخصص تلك العمومات إلا ما يكون أخص منها معاضدا بما يوجب قوتها على تلك العمومات الكثيرة الواردة في الكتاب و السنة و المفروض أنه ليس في المقام إلا قاعدة الاحتياط التي قد رفع اليد عنها لأجل العسر في موارد كثيرة مثل الشبهة الغير المحصورة و ما لو علم أن عليه فوائت لا يحصي عددها و غير ذلك بل أدلة نفي العسر بالنسبة إلى قاعدة الاحتياط من قبيل الدليل بالنسبة إلى الأصل فتقديمها عليها أوضح من تقديمها على العمومات الاجتهادية.

و أما ما ذكره من فرض أداء ظن المجتهد إلى وجوب بعض ما يوجب العسر كالترتيب في الفوائت أو الغسل في المثالين فظهر جوابه مما ذكرنا من أن قاعدة نفي العسر في غير مورد الاختلال قابلة للتخصيص.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 198

و أما ما ذكره من فرض أداء ظن المجتهد إلى وجوب أمور يلزم من فعلها الحرج.

فيرد عليه أولا منع إمكانه لأنا علمنا بأدلة نفي الحرج أن الواجبات الشرعية في الواقع ليست بحيث يوجب العسر على المكلف و مع هذا العلم الإجمالي يمتنع الظن التفصيلي بوجوب أمور في الشريعة يوجب ارتكابها العسر على ما مر نظيره في الإيراد على دفع الرجوع إلى البراءة و ثانيا سلمنا إمكان ذلك إما لكون الظنون الحاصلة في المسائل الفرعية كلها أو بعضها ظنونا نوعية لا تنافي العلم الإجمالي بمخالفة البعض للواقع أو بناء على أن المستفاد من أدلة نفي العسر ليس هو القطع و لا الظن الشخصي بانتفاء العسر بل غايته الظن النوعي الحاصل من العمومات بذلك فلا ينافي الظن الشخصي التفصيلي في المسائل الفرعية على الخلاف و أما بناء على ما ربما يدعى من عدم التنافي بين الظنون التفصيلية الشخصية و العلم الإجمالي بخلافها كما في الظن الحاصل من الغلبة مع العلم الإجمالي بوجود الفرد النادر على الخلاف لكن نمنع وقوع ذلك لأن الظنون الحاصلة للمجتهد بناء على مذهب الإمامية من عدم اعتبار الظن القياسي و أشباهه ظنون حاصلة من أمارات مضبوطة محصورة كأقسام الخبر و الشهرة و الاستقراء و الإجماع المنقول و الأولوية الاعتبارية و نظائرها و من المعلوم للمتتبع فيها أن مؤدياتها لا تفضي إلى الحرج لكثرة ما يخالف الاحتياط فيها كما لا يخفى على من لاحظها و سبرها سبرا إجماليا.

و ثالثا سلمنا إمكانه و وقوعه لكن العمل بتلك الظنون لا يؤدي إلى اختلال النظام حتى لا يمكن إخراجها من عمومات نفي العسر فنعمل بها في مقابلة عمومات نفي العسر و نخصصها بها لما عرفت من قبولها التخصيص في غير مورد الاختلال و ليس هذا كرا على ما فر منه حيث إنا عملنا بالظن فرارا عن لزوم العسر فإذا أدى إليه فلا وجه للعمل به لأن العسر اللازم على تقدير طرح العمل بالظن كان بالغا حد اختلال النظام من جهة لزوم مراعاة الاحتمالات الموهومة و المشكوكة و أما الظنون المطابقة لمقتضى الاحتياط فلا بد من العمل بها سواء عملنا بالظن أم عملنا بالاحتياط و حينئذ ليس العسر اللازم من العمل بالظنون الاجتهادية في فرض المعترض من جهة العمل بالظن بل من جهة مطابقته لمقتضى الاحتياط فلو عمل بالاحتياط وجب عليه أن يضيف إلى تلك الظنون الاحتمالات الموهومة و المشكوكة المطابقة للاحتياط.

و منها أنه يقع التعارض بين الأدلة الدالة على حرمة العمل بالظن و العمومات النافية للحرج و الأول أكثر فيبقى أصالة الاحتياط مع العلم الإجمالي بالتكاليف الكثيرة سليمة عن المزاحم.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 199

و فيه ما لا يخفى لما عرفت في تأسيس الأصل من أن العمل بالظن ليس فيه إذا لم يكن بقصد التشريع و الالتزام شرعا بمؤداه حرمة ذاتية و إنما يحرم إذا أدى إلى مخالفة الواقع من وجوب أو تحريم فالنافي للعمل بالظن فيما نحن فيه ليس إلا قاعدة الاحتياط الآمرة بإحراز الاحتمالات الموهومة و ترك العمل بالظنون المقابلة لتلك الاحتمالات و قد فرضنا أن قاعدة الاحتياط ساقطة بأدلة نفي العسر ثم لو فرضنا ثبوت الحرمة الذاتية للعمل بالظن و لو لم يكن على جهة التشريع لكن عرفت سابقا عدم معارضة عمومات نفي العسر بشي‏ء من العمومات المثبتة للتكليف المتعسر.

و منها أن الأدلة النافية للعسر إنما تنفي وجوده في الشريعة بحسب أصل الشرع أولا و بالذات فلا تنافي وقوعه بسبب عارض لا يسند إلى الشارع و لذا لو نذر المكلف أمورا عسرة كالأخذ بالاحتياط في جميع الأحكام الغير المعلومة و كصوم الدهر أو إحياء بعض الليالي أو المشي إلى الحج أو الزيارات لم يمنع تعسرها عن انعقاد نذرها لأن الالتزام بها إنما جاء من قبل المكلف و كذا لو آجر نفسه لعمل شاق لم يمنع مشقته من صحة الإجارة و وجوب الوفاء بها.

و حينئذ فنقول لا ريب أن وجوب الاحتياط بإتيان كل ما يحتمل الوجوب و ترك كل ما يحتمل الحرمة إنما هو من جهة اختفاء الأحكام الشرعية المسبب عن المكلفين المقصرين في محافظة الآثار الصادرة عن الشارع المبينة للأحكام و المميزة للحلال عن الحرام و هذا السبب و إن لم يكن عن فعل كل مكلف لعدم مدخلية أكثر المكلفين في ذلك إلا أن التكليف بالعسر ليس قبيحا عقليا حتى يقبح أن يكلف به من لم يكن سببا له و يختص عدم قبحه بمن صار التعسر من سوء اختياره بل هو أمر منفي بالأدلة الشرعية السمعية و ظاهرها أن المنفي هو جعل الأحكام الشرعية أولا و بالذات على وجه يوجب العسر على المكلف فلا ينافي عروض التعسر لامتثالها من جهة تقصير المقصرين في ضبطها و حفظها عن الاختفاء مع كون ثواب الامتثال حينئذ أكثر بمراتب أ لا ترى أن الاجتهاد الواجب على المكلفين و لو كفاية من الأمور الشاقة جدا خصوصا في هذه الأزمنة فهل السبب فيه إلا تقصير المقصرين الموجبين لاختفاء آثار الشريعة و هل يفرق في نفي العسر بين الوجوب الكفائي و العيني.

و الجواب عن هذا الوجه أن أدلة نفي العسر سيما البالغ منه حد اختلال النظام و الإضرار بأمور المعاش و المعاد لا فرق فيها بين ما يكون بسبب يسند عرفا إلى الشارع و هو الذي أريد بقولهم عليهم السلام: (ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر) و بين ما يكون مسندا إلى غيره و وجوب‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 200

صوم الدهر على ناذره إذا كان فيه مشقة لا يتحمل عادة ممنوع و كذا أمثالها من المشي إلى بيت الله جل ذكره و إحياء الليالي و غيرهما مع إمكان أن يقال بأن ما ألزمه المكلف على نفسه من المشاق خارج عن العمومات لا ما كان السبب فيه نفس المكلف فيفرق بين الجنابة متعمدا فلا يجب الغسل مع المشقة و بين إجارة النفس للمشاق لأن الحكم في الأول تأسيس من الشارع و في الثاني إمضاء لما ألزمه المكلف على نفسه فتأمل.

و أما الاجتهاد الواجب كفاية عند انسداد باب العلم فمع أنه شي‏ء يقضي بوجوبه الأدلة القطعية فلا ينظر إلى تعسره و تيسره فهو ليس أمرا حرجا خصوصا بالنسبة إلى أهله فإن مزاولة العلوم لأهلها ليس بأشق من أكثر المشاغل الصعبة التي يتحملها الناس لمعاشهم و كيف كان فلا يقاس عليه.

و أما عمل العباد بالاحتياط و مراقبة ما هو أحوط الأمرين أو الأمور في الوقائع الشخصية إذا دار الأمر فيها بين الاحتياطات المتعارضة فإن هذا دونه خرط القتاد إذ أوقات المجتهد لا تفي بتميز موارد الاحتياطات ثم إرشاد المقلدين إلى ترجيح بعض الاحتياطات على بعض عند تعارضها في الموارد الشخصية التي تتفق للمقلدين كما مثلنا لك سابقا في الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 201

و قد يرد الاحتياط بوجوه أخر غير ما ذكرنا من الإجماع و الحرج منها أنه لا دليل على وجوب الاحتياط و أن الاحتياط أمر مستحب إذا لم يوجب إلغاء الحقوق الواجبة.

و فيه أنه إن أريد أنه لا دليل على وجوبه في كل واقعة إذا لوحظت مع قطع النظر عن العلم الإجمالي بوجود التكليف بينها و بين الوقائع الأخر فهو مسلم بمعنى أن كل واقعة ليست مما يقتضي الجهل فيها بنفسها الاحتياط بل الشك فيها إن رجع إلى التكليف كما في شرب التتن و وجوب الدعاء عند رؤية الهلال لم يجب فيها الاحتياط و إن رجع إلى تعيين المكلف به كالشك في القصر و الإتمام و الظهر و الجمعة و كالشك في مدخلية شي‏ء في العبادات بناء على وجوب الاحتياط فيما شك في مدخليته وجب فيها الاحتياط لكن وجوب الاحتياط في ما نحن فيه في الوقائع المجهولة من جهة العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات فيها و إن كان الشك في نفس الواقعة شكا في التكليف و لذا ذكرنا سابقا أن الاحتياط هو مقتضى القاعدة الأولية عند انسداد باب العلم نعم من لا يوجب الاحتياط حتى مع العلم الإجمالي بالتكليف فهو يستريح عن كلفة الجواب عن الاحتياط.

و منها أن العمل بالاحتياط مخالف للاحتياط لأن مذهب جماعة من العلماء بل المشهور بينهم اعتبار معرفة الوجه بمعنى تمييز الواجب عن المستحب اجتهادا أو تقليدا (قال في الإرشاد في أوائل الصلاة يجب معرفة واجب أفعال الصلاة من مندوبها و إيقاع كل منهما على وجهه) و حينئذ ففي الاحتياط إخلال بمعرفة الوجه التي أفتى جماعة بوجوبها و بإطلاق بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد و التقليد.

و فيه أولا أن معرفة الوجه مما يمكن للمتأمل في الأدلة و في إطلاقات العبارات و في سيرة

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 202

المسلمين و في سيرة النبي صلى اللَّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام مع الناس الجزم بعدم اعتبارها حتى مع التمكن من المعرفة العلمية و لذا (ذكر المحقق قدس سره كما في محكي المدارك في باب الوضوء أن ما حققه المتكلمون من وجوب إيقاع الفعل لوجهه أو وجه وجوبه كلام شعري) و تمام الكلام في غير هذا المقام.

و ثانيا لو سلمنا وجوب المعرفة أو احتمال وجوبها الموجب للاحتياط فإنما هو مع التمكن من المعرفة العلمية أما مع عدم التمكن فلا دليل عليه قطعا.

لأن اعتبار معرفة الوجه إن كان لتوقف نية الوجه عليها فلا يخفى أنه لا يجدي المعرفة الظنية في نية الوجه فإن مجرد الظن بوجوب شي‏ء لا يتأتى معه القصد إليه لوجوبه إذ لا بد من الجزم بالنية و لو اكتفي بمجرد الظن بالوجوب و لو لم يكن نية حقيقة فهو مما لا يفي بوجوبه ما ذكروه في اشتراط نية الوجه نعم لو كان الظن المذكور مما ثبت وجوب العمل به تحقق معه نية الوجه الظاهري على سبيل الجزم لكن الكلام بعد في وجوب العمل بالظن فالتحقيق أن الظن بالوجه إذا لم يثبت حجيته فهو كالشك فيه لا وجه لمراعاة نية الوجه معه أصلا.

و إن كان اعتبارها لأجل توقف الامتثال التفصيلي المطلوب عقلا أو شرعا عليه و لذا أجمعوا ظاهرا على عدم كفاية الامتثال الإجمالي مع التمكن من التفصيلي بأن يتمكن من الصلاة إلى القبلة في مكان و يصلي في مكان آخر غير معلوم القبلة إلى أربع جهات أو يصلي في ثوبين مشتبهين أو أكثر مرتين أو أكثر مع إمكان صلاة واحدة في ثوب معلوم الطهارة إلى غير ذلك ففيه أن ذلك إنما هو مع التمكن من العلم التفصيلي و أما مع عدم التمكن منه كما في ما نحن فيه فلا دليل على ترجيح الامتثال التفصيلي الظني على الامتثال الإجمالي العلمي إذ لا دليل على ترجيح صلاة واحدة في مكان إلى جهة مظنونة على الصلاة المكررة في مكان مشتبه الجهة بل بناء العقلاء في إطاعتهم العرفية على ترجيح العلم الإجمالي على الظن التفصيلي.

و بالجملة فعدم جواز الاحتياط مع التمكن من تحصيل الظن مما لم يقم له وجه فإن كان و لا بد من إثبات العمل بالظن فهو بعد تجويز الاحتياط و الاعتراف برجحانه و كونه مستحبا بل لا يبعد ترجيح الاحتياط على تحصيل الظن الخاص الذي قام الدليل عليه بالخصوص فتأمل.

نعم الاحتياط مع التمكن من العلم التفصيلي في العبادات مما انعقد الإجماع ظاهرا على عدم جوازه كما أشرنا إليه في أول الرسالة في مسألة اعتبار العلم الإجمالي و أنه كالتفصيلي من جميع الجهات أم لا فراجع.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 203

و مما ذكرنا ظهر أن القائل بانسداد باب العلم و انحصار المناص في مطلق الظن ليس له أن يتأمل في صحة عبادة تارك طريقي الاجتهاد و التقليد إذا أخذ بالاحتياط لأنه لم يبطل عند انسداد باب العلم إلا وجوب الاحتياط لا جوازه أو رجحانه فالأخذ بالظن عنده و ترك الاحتياط عنده من باب الترخيص و دفع العسر و الحرج لا من باب العزيمة.

ثالثا سلمنا تقديم الامتثال التفصيلي و لو كان ظنيا على الإجمالي و لو كان علميا لكن الجمع ممكن بين تحصيل الظن في المسألة و معرفة الوجه ظنا و القصد إليه على وجه الاعتقاد الظني و العمل على الاحتياط مثلا إذا حصل الظن بوجوب القصر في ذهاب أربعة فراسخ فيأتي بالقصر بالنية الظنية الوجوبية و يأتي بالإتمام بقصد القربة احتياطا أو بقصد الندب و كذلك إذا حصل الظن بعدم وجوب السورة في الصلاة فينوي الصلاة الخالية عن السورة على وجه الوجوب ثم يأتي بالسورة قربة إلى الله تعالى للاحتياط.

و رابعا لو أغمضنا عن جميع ما ذكرنا فنقول إن الظن إذا لم يثبت حجيته فقد كان اللازم بمقتضى العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات في الوقائع المشتبهة هو الاحتياط كما عرفت سابقا فإذا وجب الاحتياط حصل معرفة وجه العبادة و هو الوجوب و تأتي نية الوجه الظاهري كما تأتي في جميع الموارد التي يفتي فيها الفقهاء بالوجوب من باب الاحتياط و استصحاب الاشتغال فتأمل.

فتحصل مما ذكرنا أن العمدة في رد الاحتياط هي ما تقدم من الإجماع و لزوم العسر دون غيرهما اللهم إلا أن يقال إن هناك شيئا ينبغي أن ينبه عليه و هو أن نفي الاحتياط بالإجماع و العسر لا يثبت إلا أنه لا يجب مراعاة جميع الاحتمالات مظنونها و مشكوكها و موهومها.

و يندفع العسر بترخيص موافقة الظنون المخالفة للاحتياط كلا أو بعضا بمعنى عدم وجوب مراعاة الاحتمالات الموهومة لأنها الأولى بالإهمال.

و إذا ساغ لدفع الحرج ترك الاحتياط في مقدار ما من المحتملات يندفع به العسر يبقى الاحتياط على حاله في الزائد على هذا المقدار لما تقرر في مسألة الاحتياط من أنه إذا كان مقتضى الاحتياط هو الإتيان بمحتملات و قام الدليل الشرعي على عدم وجوب إتيان بعض المحتملات في الظاهر تعين مراعاة الاحتياط في باقي المحتملات و لم يسقط وجوب الاحتياط رأسا. توضيح ما ذكرنا أنا نفرض المشتبهات التي علم إجمالا بوجود الواجبات الكثيرة فيها بين مظنونات الوجوب و مشكوكات الوجوب و موهومات الوجوب و كان الإتيان بالكل عسرا أو قام‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 204

الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في الجميع تعين ترك الاحتياط و إهماله في موهومات الوجوب بمعنى أنه إذا تعلق ظن بعدم الوجوب لم يجب الإتيان.

و ليس هذا معنى حجية الظن لأن الفرق بين المعنى المذكور و هو أن مظنون عدم الوجوب لا يجب الإتيان به و بين حجية الظن بمعنى كونه في الشريعة معيارا لامتثال التكاليف الواقعية نفيا و إثباتا و بعبارة أخرى الفرق بين تبعيض الاحتياط في الموارد المشتبهة و بين جعل الظن فيها حجة هو أن الظن إذا كان حجة في الشرع كان الحكم في الواقعة الخالية عنه الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل في تلك الواقعة من دون التفات إلى العلم الإجمالي بوجود التكاليف الكثيرة بين المشتبهات إذ حال الظن حينئذ كحال العلم التفصيلي و الظن الخاص بالوقائع ف يكون الوقائع بين معلومة الوجوب تفصيلا أو ما هو بمنزلة المعلوم و بين مشكوكة الوجوب رأسا.

و أما إذا لم يكن الظن حجة بل كان غاية الأمر بعد قيام الإجماع و نفي الحرج على عدم لزوم الاحتياط في جميع الوقائع المشتبهة التي علم إجمالا بوجود التكاليف بينها عدم وجوب الاحتياط بالإتيان بما ظن عدم وجوبه لأن ملاحظة الاحتياط في موهومات الوجوب خلاف الإجماع و موجب للعسر كان اللازم في الواقعة الخالية عن الظن الرجوع إلى ما يقتضيه العلم الإجمالي المذكور من الاحتياط لأن سقوط الاحتياط في سلسلة الموهومات لا يقتضي سقوطه في المشكوكات لاندفاع الحرج بذلك.

و حاصل ذلك أن مقتضى القاعدة العقلية و النقلية لزوم الامتثال العلمي التفصيلي للأحكام و التكاليف المعلومة إجمالا و مع تعذره يتعين الامتثال العلمي الإجمالي و هو الاحتياط المطلق و مع تعذره لو دار الأمر بين الامتثال الظني في الكل و بين الامتثال العلمي الإجمالي في البعض و الظني في الباقي كان الثاني هو المتعين عقلا و نقلا.

ففيما نحن فيه إذا تعذر الاحتياط الكلي و دار الأمر بين إلغائه بالمرة و الاكتفاء بالإطاعة الظنية و بين إعماله في المشكوكات و المظنونات و إلغائه هو الموهومات كان الثاني هو المتعين.

و دعوى لزوم الحرج أيضا من الاحتياط في المشكوكات خلاف الإنصاف لقلة المشكوكات لأن الغالب حصول الظن إما بالوجوب و إما بالعدم.

اللهم إلا أن يدعى قيام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات أيضا و حاصله دعوى أن الشارع لا يريد الامتثال العلمي الإجمالي في التكاليف الواقعية المشتبهة بين الواقع فيكون حاصل دعوى الإجماع دعوى انعقاده على أنه لا يجب شرعا الإطاعة العلمية الإجمالية في‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 205

الوقائع المشتبهة مطلقا لا في الكل و لا في البعض و حينئذ تعين الانتقال إلى الإطاعة الظنية.

لكن الإنصاف أن دعواه مشكلة جدا و إن كان تحققه مظنونا بالظن القوي لكنه لا ينفع ما لم ينته إلى حد العلم.

فإن قلت إذا ظن بعدم وجوب الاحتياط في المشكوكات فقد ظن بأن المرجع في كل مورد منها إلى ما يقتضيه الأصل الجاري في ذلك المورد فيصير الأصول مظنونة الاعتبار في المسائل المشكوكة فالمظنون في تلك المسائل عدم وجوب الواقع فيها على المكلف و كفاية الرجوع إلى الأصول و سيجي‏ء أنه لا فرق في الظن الثابت حجيته بدليل الانسداد بين الظن المتعلق بالواقع و بين الظن المتعلق بكون شي‏ء طريقا إلى الواقع و كون العمل به مجزيا عن الواقع و بدلا عنه و لو تخلف عن الواقع. قلت مرجع الإجماع قطعيا كان أو ظنيا على الرجوع في المشكوكات إلى الأصول هو الإجماع على وجود الحجة الكافية في المسائل التي انسد فيها باب العلم حتى تكون المسائل الخالية عنها موارد للأصول و مرجع هذا إلى دعوى الإجماع على حجية الظن بعد الانسداد.

قلت مسألة اعتبار الظن بالطريق موقوف على هذه المسألة بيان ذلك أنه لو قلنا ببطلان لزوم الاحتياط في الشريعة رأسا من جهة اشتباه التكاليف الواقعية فيها و عدم لزوم الامتثال العلمي الإجمالي حتى في المشكوكات و كفاية الامتثال الظني في جميع تلك الواقعات المشتبهة لم يكن فرق بين حصول الظن بنفس الواقع و بين حصول الظن بقيام شي‏ء من الأمور التعبدية مقام الواقع في حصول البراءة الظنية عن الواقع و الظن بسقوط الواقع في الواقع أو في حكم الشارع و بحسب جعله.

أما لو لم يثبت ذلك بل كان غاية ما ثبت هو عدم لزوم الاحتياط بإحراز الاحتمالات الموهومة للزوم العسر كان اللازم جواز العمل على خلاف الاحتياط في الوقائع المظنون عدم وجوبها أو عدم تحريمها و أما الوقائع المشكوك وجوبها أو تحريمها فهي باقية على طبق مقتضى الأصل من الاحتياط اللازم المراعاة بل الوقائع المظنون وجوبها أو تحريمها يحكم فيها بلزوم الفعل أو الترك من جهة كونها من محتملات الواجبات و المحرمات الواقعية.

و حينئذ فإذا قام ما يظن كونه طريقا على عدم وجوب أحد الموارد المشكوك وجوبها فلا يقاس‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 206

بالظن القائم على عدم وجوب مورد من الموارد المشتبهة في ترك الاحتياط بل اللازم هو العمل بالاحتياط لأنه من الموارد المشكوكة و الظن بطريقية ما قام عليه لم يخرجه عن كونه مشكوكا.

و أنت خبير بأن جميع موارد الطرق المظنونة التي يراد إثبات اعتبار الظن بالطريق فيها إنما هي من المشكوكات إذ لو كان نفس المورد مظنونا مع ظن الطريق القائم عليه لم يحتج إلى إعمال الظن بالطريق و لو كان مظنونا بخلاف الطريق التعبدي المظنون كونه طريقا لتعارض الظن الحاصل هن الطريق و الظن الحاصل في المورد على خلاف الطريق و سيجي‏ء الكلام في حكمه على تقدير اعتبار الظن بالطريق.

و الحاصل أن اعتبار الظن بالطريق و كونه بالظن في الواقع مبني على القطع ببطلان الاحتياط رأسا بمعنى أن الشارع لم يرد منا في مقام امتثال الأحكام المشتبهة الامتثال العلمي الإجمالي حتى يستنتج من ذلك حكم العقل بكفاية الامتثال الظني لأنه المتعين بعد الامتثال العلمي بقسميه من التفصيلي و الإجمالي فيلزم من ذلك ما سنختاره من عدم الفرق بعد كفاية الامتثال الظني بين الظن بأداء الواقع و الظن بمتابعة طريق جعله الشارع مجزيا عن الواقع و سيجي‏ء تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

فإن قلت إذا لم يقم في موارد الشك ما ظن طريقيته لم يجب الاحتياط في ذلك المورد من جهة كونه أحد محتملات الواجبات أو المحرمات الواقعية و إن حكم بوجوب الاحتياط من جهة اقتضاء القاعدة في نفس المسألة كما لو كان الشك فيه في المكلف به و هذا إجماع من العلماء حيث لم يحتط أحد منهم في مورد الشك من جهة احتمال كونه من الواجبات و المحرمات الواقعية و إن احتاط الأخباريون في الشبهة التحريمية من جهة مجرد احتمال التحريم فإذا كان عدم وجوب الاحتياط إجماعيا مع عدم قيام ما يظن طريقيته على عدم الوجوب فمع قيامه لا يجب الاحتياط بالأولوية القطعية.

قلت العلماء إنما لم يذهبوا إلى الاحتياط في موارد الشك لعدم العلم الإجمالي لهم بالتكاليف بل الوقائع لهم بين معلوم التكليف تفصيلا أو مظنون لهم بالظن الخاص و بين مشكوك التكليف رأسا و لا يجب الاحتياط في ذلك عند المجتهدين بل عند غيرهم في الشبهة الوجوبية.

و الحاصل أن موضوع عمل العلماء القائلين بانفتاح باب العلم أو الظن الخاص مغاير لموضوع عمل القائلين بالانسداد و قد نبهنا على ذلك غير مرة في بطلان التمسك على بطلان البراءة و الاحتياط بمخالفتهما لعمل العلماء فراجع.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 207

و يحصل مما ذكر إشكال آخر أيضا من جهة أن نفي الاحتياط ب لزوم العسر لا يوجب كون الظن حجة ناهضة لتخصيص العمومات الثابتة بالظنون الخاصة و مخالفة سائر الظواهر الموجودة فيها.

و دعوى أن باب العلم و الظن الخاص إذا فرض انسداده سقط عمومات الكتاب و السنة المتواترة و خبر الواحد الثابت حجيته بالخصوص عن الاعتبار للعلم الإجمالي بمخالفة ظواهر أكثرها لمراد المتكلم فلا يبقى ظاهر هاهنا على حاله حتى يكون الظن الموجود على خلافه من باب المخصص و المقيد مجازفة إذ لا علم و لا ظن بطرو مخالفة الظاهر في غير الخطابات التي علم إجمالها بالخصوص مثل أَقِيمُوا الصَّلاةَ* وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ و شبههما و أما كثير من العمومات التي لا نعلم بإجمال كل منها فلا يعلم و لا يظن بثبوت المجمل بينها لأجل طرو التخصيص في بعضها و سيجي‏ء بيان ذلك عند التعرض لحال نتيجة المقدمات إن شاء الله هذا كله حال الاحتياط في جميع الوقائع.

و أما الرجوع في كل واقعة إلى ما يقتضيه الأصل في تلك الواقعة من غير التفات إلى العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات بين الوقائع بأن يلاحظ نفس الواقعة فإن كان فيها حكم سابق يحتمل بقاؤه استصحب كالماء المتغير بعد زوال التغيير و إلا فإن كان الشك في أصل التكليف كشرب التتن أجري البراءة و إن كان الشك في تعيين المكلف به مثل القصر و الإتمام فإن أمكن الاحتياط وجب و إلا تخير كما إذا كان الشك في تعيين التكليف الإلزامي كما إذا دار الأمر بين الوجوب و التحريم.

فيرد هذا الوجه أن العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات يمنع عن إجراء البراءة و الاستصحاب المطابق لها المخالف للاحتياط بل و كذا العلم الإجمالي بوجود غير الواجبات و المحرمات في الاستصحابات المطابقة للاحتياط يمنع من العمل بالاستصحابات من حيث إنها استصحابات و إن كان لا يمنع من العمل بها من حيث الاحتياط فتأمل لكن الاحتياط في جميع ذلك يوجب العسر.

و بالجملة فالعمل بالأصول النافية للتكليف في مواردها مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة و بالأصول المثبتة للتكليف من الاحتياط و الاستصحاب مستلزم للحرج و هذا لكثرة المشتبهات في المقامين كما لا يخفى على المتأمل. و أما رجوع هذا الجاهل الذي انسد عليه باب العلم في المسائل المشتبهة إلى فتوى العالم بها و تقليده فيها فهو باطل لوجهين أحدهما الإجماع القطعي و الثاني أن الجاهل الذي وظيفته الرجوع‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 208

إلى العالم هو الجاهل العاجز عن الفحص. و أما الجاهل الذي يبذل الجهد و شاهد مستند العالم و غلطه في استناده إليه و اعتقاده عنه فلا دليل على حجية فتواه بالنسبة إليه و ليست فتواه من الطرق المقررة لهذا الجاهل فإن من يخطئ القائل بحجية خبر الواحد في فهم دلالة آية النبإ عليها كيف يجوز له متابعته و أي مزية له عليه حتى يجب رجوع هذا إليه و لا يجب العكس.

و هذا هو الوجه فيما أجمع عليه العلماء من أن المجتهد إذا لم يجد دليلا في المسألة على التكليف كان حكمه الرجوع إلى البراءة لا إلى من يعتقد وجود الدليل على التكليف.

و الحاصل أن اعتقاد مجتهد ليس حجة على مجتهد آخر خال عن ذلك الاعتقاد و أدلة وجوب رجوع الجاهل إلى العالم يراد بها العالم الذي يختفي منشأ علمه على ذلك الجاهل لا مجرد المعتقد بالحكم و لا فرق بين المجتهدين المعتقدين المختلفين في الاعتقاد و بين المجتهدين اللذين أحدهما اعتقد الحكم عن دلالة و الآخر اعتقد بفساد تلك الدلالة فلم يحصل له اعتقاد و هذا شي‏ء مطرد في باب مطلق رجوع الجاهل إلى العالم شاهدا كان أو مفتيا أو غيرهما

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 209