حضرت فاطمه زهرا عليها‌السلام نے فرمایا: حضرت پیغمبر خدا (ص) نے مجھے فرمایا: اے زہراؑ--میرے اہلِ بیتؑ میں سب سے پہلے مجھے آملو گی ، لہذا خدا کا تقویٰ اختیار کرو اور صبر سے کام لو، کیونکہ میں تم سے جدا ہو کر آگے جانے والوں میں سب سے بہتر ہوں۔ الصواعق المحرقۃ باب 11 فصل3

المقصد الأول في القطع‏
و ينبغي التنبيه على أمور
الثاني [هل القطع الحاصل من المقدمات العقلية حجة]
الثالث قد اشتهر في السنة المعاصرين أن قطع القطاع لا اعتبار به‏
المقام الثاني و هو كفاية العلم الإجمالي في الامتثال‏
أما المقام الأول و هو كفاية العلم الإجمالي في تنجز التكليف و اعتباره كالتفصيلي‏
المقصد الثاني في الظن‏
المقام الثاني في وقوع التعبد بالظن في الأحكام الشرعية
الظنون المعتبرة
و ينبغي التنبيه على أمور
و أما القسم الثاني و هو الظن الذي يعمل لتشخيص الظواهر
و من جملة الظنون الخارجة عن الأصل الإجماع المنقول بخبر الواحد
و من جملة الظنون التي توهم حجيتها بالخصوص الشهرة في الفتوى‏
و من جملة الظنون ا...خبر الواحد في الجملة
أما حجة المانعين فالأدلة الثلاثة
و أما المجوزون فقد استدلوا على حجيته بالأدلة الأربعة
و أما السنة ف طوائف من الأخبار
و أما الإجماع فتقريره من وجوه‏
الرابع دليل العقل‏
الثاني حجية مطلق الظن‏
المقدمة الثالثة
المقدمة الرابعة
و ينبغي التنبيه على أمور
الأمر الثاني نتيجة دليل الانسداد قضية مهملة أو كلية
المقام الثاني في أنه على أحد التقريرين السابقين
ثم إن الإشكال هنا في مقامين‏
الأمر الثالث لا فرق بين الظن من أمارة على حكم و أمارة متعلقة بألفاظ الدليل‏
الأمر الرابع الثابت بالمقدمات هو الاكتفاء بالظن في الخروج عن عهدة الأحكام‏
الأمر الخامس في اعتبار الظن في أصول الدين‏
الأمر السادس إذا بنينا على عدم حجية ظن فهل يترتب عليه آثار أخر غيرها

رسائل حصہ اول

و أما المجوزون فقد استدلوا على حجيته بالأدلة الأربعة

أما الكتاب فقد ذكروا منه آيات ادعوا دلالتها

منها قوله تعالى في سورة الحجرات يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى‏ ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ.

و المحكي في وجه الاستدلال بها وجهان أحدهما أنه سبحانه علق وجوب التثبت على مجي‏ء الفاسق فينتفي عند انتفائه عملا بمفهوم الشرط و إذا لم يجب التثبت عند مجي‏ء غير الفاسق فإما أن يجب القبول و هو المطلوب أو الرد و هو باطل لأنه يقتضي كون العادل أسوأ حالا من الفاسق و فساده بين.

الثاني أنه تعالى أمر بالتثبت عند إخبار الفاسق و قد اجتمع فيه وصفان ذاتي و هو كونه خبر واحد و عرضي و هو كونه خبر فاسق و مقتضى التثبت هو الثاني للمناسبة و الاقتران فإن الفسق يناسب عدم القبول فلا يصلح الأول للعلية و إلا لوجب الاستناد إليه إذ التعليل بالذاتي الصالح للعلية أولى من التعليل بالعرضي لحصوله قبل حصول العرضي فيكون الحكم قد حصل قبل حصول العرضي و إذا لم يجب التثبت عند إخبار العدل فإما أن يجب القبول و هو المطلوب أو الرد فيكون حاله أسوأ من حال الفاسق و هو محال.

أقول الظاهر أن أخذهم للمقدمة الأخيرة و هي أنه إذا لم يجب التثبت وجب القبول لأن الرد مستلزم لكون العادل أسوأ حالا من الفاسق مبني على ما يتراءى من ظهور الأمر بالتبين في الوجوب النفسي فيكون هنا أمور ثلاثة الفحص عن الصدق و الكذب و الرد من دون تبين و القبول‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 117

كذلك.

لكنك خبير بأن الأمر بالتبين هنا مسوق لبيان الوجوب الشرطي و أن التبين شرط للعمل بخبر الفاسق دون العادل فالعمل بخبر العادل غير مشروط بالتبين فيتم المطلوب من دون ضم مقدمة خارجية و هي كون العادل أسوأ حالا من الفاسق. و الدليل على كون الأمر بالتبين للوجوب الشرطي لا النفسي مضافا إلى أنه المتبادر عرفا في أمثال المقام و إلى أن الإجماع قائم على عدم ثبوت الوجوب النفسي للتبين في خبر الفاسق و إنما أوجبه من أوجبه عند إرادة العمل به لا مطلقا هو أن التعليل في الآية بقوله تعالى أن تصيبوا لا يصلح أن يكون تعليلا للوجوب النفسي لأن حاصله يرجع إلى أنه لئلا تصيبوا قوما بجهالة بمقتضى العمل بخبر الفاسق فتندموا على فعلكم بعد تبين الخلاف و من المعلوم أن هذا لا يصلح إلا علة لحرمة العمل بدون التبين فهذا هو المعلوم و مفهومه جواز العمل بخبر العادل من دون تبين.

مع أن في الأسوئية المذكورة في كلام الجماعة بناء على كون وجوب التبين نفسيا ما لا يخفى لأن الآية على هذا ساكتة عن حكم العمل بخبر الواحد قبل التبين و بعده فيجوز اشتراك الفاسق و العادل في عدم جواز العمل قبل التبين كما أنهما يشتركان قطعا في جواز العمل بعد التبين و العلم بالصدق لأن العمل حينئذ بمقتضى التبين لا باعتبار الخبر. فاختصاص الفاسق بوجوب التعرض بخبره و التفتيش عنه دون العادل لا يستلزم كون العادل أسوأ حالا بل مستلزم لمزية كاملة للعادل على الفاسق فتأمل.

و كيف كان فقد أورد على الآية إيرادات كثيرة ربما تبلغ إلى نيف و عشرين إلا أن كثيرا منها قابلة للدفع فلنذكر أولا ما لا يمكن الذب عنه ثم نتبعه بذكر بعض ما أورد من الإيرادات القابلة للدفع.

أما ما لا يمكن الذب عنه فإيرادان أحدهما أن الاستدلال إن كان راجعا إلى اعتبار مفهوم الوصف أعني الفسق ففيه أن المحقق في محله عدم اعتبار المفهوم في الوصف خصوصا في الوصف الغير المعتمد على موصوف محقق كما

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 118

فيما نحن فيه فإنه أشبه بمفهوم اللقب و لعل هذا مراد من أجاب عن الآية كالسيدين و أمين الإسلام و المحقق و العلامة و غيرهم بأن هذا الاستدلال مبني على دليل الخطاب و لا نقول به.

و إن كان باعتبار مفهوم الشرط كما يظهر من المعالم و المحكي عن جماعة ففيه أن مفهوم الشرط عدم مجي‏ء الفاسق بالنبإ و عدم التبين هنا لأجل عدم ما يتبين فالجملة الشرطية هنا مسوقة لبيان تحقق الموضوع كما في قول القائل إن رزقت ولدا فاختنه و إن ركب زيد فخذ ركابه و إن قدم من السفر فاستقبله و إن تزوجت فلا تضيع حق زوجتك و إذا قرأت الدرس فاحفظه قال الله سبحانه و إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا و إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إلى غير ذلك مما لا يحصى.

و مما ذكرنا ظهر فساد ما يقال تارة إن عدم مجي‏ء الفاسق يشمل ما لو جاء العادل بنبإ فلا يجب تبينه فيثبت المطلوب و أخرى إن جعل مدلول الآية هو عدم وجوب التبين في خبر الفاسق لأجل عدمه يوجب حمل السالبة على المنتفية بانتفاء الموضوع و هو خلاف الظاهر.

وجه الفساد أن الحكم إذا ثبت لخبر الفاسق بشرط مجي‏ء الفاسق به كان المفهوم بحسب الدلالة العرفية أو العقلية انتفاء الحكم المذكور في المنطوق عن الموضوع المذكور فيه عند انتفاء الشرط المذكور فيه ففرض مجي‏ء العادل بنبإ عند عدم الشرط و هو مجي‏ء الفاسق بالنبإ لا يوجب انتفاء التبين عن خبر العادل الذي جاء به لأنه لم يكن مثبتا في المنطوق حتى ينفى في المفهوم فالمفهوم في الآية و أمثالها ليس قابلا لغير السالبة بانتفاء الموضوع و ليس هنا قضية لفظية سالبة دار الأمر بين كون سلبها لسلب المحمول عن الموضوع الموجود أو لانتفاء الموضوع.

الثاني ما أورده في محكي العدة و الذريعة و الغنية و مجمع البيان و المعارج و غيرها من أنا لو سلمنا دلالة المفهوم على قبول خبر العادل الغير المفيد للعلم لكن نقول إن مقتضى عموم التعليل وجوب التبين في كل خبر لا يؤمن الوقوع في الندم من العمل به و إن كان المخبر عادلا فيعارض المفهوم و الترجيح مع ظهور التعليل.

لا يقال إن النسبة بينهما و إن كان عموما من وجه فيتعارضان في مادة الاجتماع و هي خبر العادل الغير المفيد للعلم لكن يجب تقديم عموم المفهوم و إدخال مادة الاجتماع فيه إذ لو خرج عنه و انحصر مورده في خبر العادل المفيد للعلم كان لغوا لأن خبر الفاسق المفيد للعلم أيضا واجب‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 119

العمل بل الخبر المفيد للعلم خارج عن المنطوق و المفهوم معا فيكون المفهوم أخص مطلقا من عموم التعليل.

لأنا نقول ما ذكره أخيرا من أن المفهوم أخص مطلقا من عموم التعليل مسلم إلا أنا ندعي التعارض بين ظهور عموم التعليل في عدم جواز العمل بخبر العادل الغير العلمي و ظهور الجملة الشرطية أو الوصفية في ثبوت المفهوم فطرح المفهوم و الحكم بخلو الجملة الشرطية عن المفهوم أولى من ارتكاب التخصيص في التعليل و إليه أشار (في محكي العدة بقوله لا نمنع ترك دليل الخطاب لدليل و التعليل دليل).

و ليس في ذلك منافاة لما هو الحق و عليه الأكثر من جواز تخصيص العام بمفهوم المخالفة لاختصاص ذلك أولا بالمخصص المنفصل و لو سلم جريانه في الكلام الواحد منعناه في العلة و المعلول فإن الظاهر عند العرف أن المعلول يتبع العلة في العموم و الخصوص.

فالعلة تارة تخصص مورد المعلول و إن كان عاما بحسب اللفظ كما في قول القائل لا تأكل الرمان لأنه حامض فيخصصه بالأفراد الحامضة فيكون عدم التقييد في الرمان لغلبة الحموضة فيه.

و قد توجب عموم المعلول و إن كان بحسب الدلالة اللفظية خاصا كما في قول القائل لا تشرب الأدوية التي يصفها لك النسوان أو إذا وصفت لك امرأة دواء فلا تشربه لأنك لا تأمن ضرره.

فيدل على أن الحكم عام في كل دواء لا يؤمن ضرره من أي واصف كان و يكون تخصيص النسوان بالذكر من بيان الجهال لنكتة خاصة أو عامة لاحظها المتكلم.

و ما نحن فيه من هذا القبيل فلعل النكتة فيه التنبيه على فسق الوليد كما نبه عليه في المعارج.

و هذا الإيراد مبني على أن المراد بالتبين هو التبين العلمي كما هو مقتضى اشتقاقه.

و يمكن أن يقال إن المراد منه ما يعم الظهور العرفي الحاصل من الاطمئنان الذي هو مقابل الجهالة.

و هذا إن كان يدفع الإيراد المذكور عن المفهوم من حيث رجوع الفرق بين الفاسق و العادل في وجوب التبين إلى أن العادل الواقعي يحصل منه غالبا الاطمئنان المذكور بخلاف‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 120

الفاسق فلهذا وجب فيه تحصيل الاطمئنان من الخارج لكنك خبير بأن الاستدلال بالمفهوم على حجية الخبر العادل المفيد للاطمئنان غير محتاج إليه إذ المنطوق على هذا التقرير يدل على حجية كل ما يفيد الاطمئنان كما لا يخفى فيثبت اعتبار مرتبة خاصة من مطلق الظن.

ثم إن المحكي عن بعض منع دلالة التعليل على عدم جواز الإقدام على ما هو مخالف للواقع بأن المراد بالجهالة السفاهة و فعل ما لا يجوز فعله لا مقابل العلم بدليل قوله تعالى فَتُصْبِحُوا عَلى‏ ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ و لو كان المراد الغلط في الاعتقاد لما جاز الاعتماد على الشهادة و الفتوى.

و فيه مضافا إلى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة أن الإقدام على مقتضى قول الوليد لم يكن سفاهة قطعا إذ العاقل بل جماعة من العقلاء لا يقدمون على الأمور من دون وثوق بخبر المخبر بها فالآية تدل على المنع عن العمل بغير العلم لعله هي كونه في معرض المخالفة للواقع.

و أما جواز الاعتماد على الفتوى و الشهادة فلا يجوز القياس بها لما تقدم في توجيه كلام ابن قبة من أن الإقدام على ما فيه مخالفة الواقع أحيانا قد يحسن لأجل الاضطرار إليه و عدم وجود الأقرب إلى الواقع منه كما في الفتوى و قد يكون لأجل مصلحة تزيد على مصلحة إدراك الواقع فراجع.

فالأولى لمن يريد التفصي عن هذا الإيراد التشبث بما ذكرنا من أن المراد بالتبين تحصيل الاطمئنان و بالجهالة الشك أو الظن الابتدائي الزائل بعد الدقة و التأمل فتأمل.

ففيها إرشاد إلى عدم جواز مقايسة الفاسق بغيره و إن حصل منه الاطمئنان لأن الاطمئنان الحاصل من الفاسق يزول بالالتفات إلى فسقه و عدم مبالاته بالمعصية و إن كان متحرزا عن الكذب.

و منه يظهر الجواب عما ربما يقال من أن العاقل لا يقبل الخبر من دون اطمئنان بمضمونه عادلا كان المخبر أو فاسقا فلا وجه للأمر بتحصيل الاطمئنان في الفاسق و أما ما أورد على الآية بما هو قابل للذب عنه فكثير منها معارضة مفهوم الآية بالآيات الناهية عن العمل بغير العلم و النسبة عموم من وجه فالمرجع إلى أصالة عدم الحجية.

و فيه أن المراد بالنبإ في المنطوق ما لا يعلم صدقه و لا كذبه فالمفهوم أخص مطلقا من تلك الآيات فيتعين تخصيصها بناء على ما تقرر من أن ظهور الجملة الشرطية في المفهوم أقوى من ظهور العام في العموم و أما منع ذلك فيما تقدم من التعارض بين عموم التعليل و ظهور المفهوم فلما

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 121

عرفت من منع ظهور الجملة الشرطية المعللة بالتعليل الجاري في صورتي وجود الشرط و انتفائه في إفادة الانتفاء عند الانتفاء فراجع.

و ربما يتوهم أن للآيات الناهية جهة خصوص إما من جهة اختصاصها بصورة التمكن من العلم و إما من جهة اختصاصها بغير البينة العادلة و أمثالها مما خرج عن تلك الآيات قطعا.

و يندفع الأول بعد منع الاختصاص بأنه يكفي المستدل كون الخبر حجة بالخصوص عند الانسداد و الثاني بأن خروج ما خرج من أدلة حرمة العمل بالظن لا يوجب جهة عموم في المفهوم لأن المفهوم أيضا دليل خاص مثل الخاص الذي خصص أدلة حرمة العمل بالظن فلا يجوز تخصيص العام بأحدهما أولا ثم ملاحظة النسبة بين العام بعد ذلك التخصيص و بين الخاص الأخير.

فإذا ورد أكرم العلماء ثم قام الدليل على عدم وجوب إكرام جماعة من فساقهم ثم ورد دليل ثالث على عدم وجوب إكرام مطلق الفساق منهم فلا مجال لتوهم تخصيص العام بالخاص الأول أولا ثم جعل النسبة بينه و بين الخاص الثاني عموما من وجه و هذا أمر واضح نبهنا عليه في باب التعارض.

و منها أن مفهوم الآية لو دل على حجية خبر العادل لدل على حجية الإجماع الذي أخبر به السيد المرتضى و أتباعه قدست أسرارهم من عدم حجية خبر العادل لأنهم عدول أخبروا بحكم الإمام عليه السلام بعدم حجية الخبر.

و فساد هذا الإيراد أوضح من أن يبين إذ بعد الغض عما ذكرنا سابقا في عدم شمول آية النبإ للإجماع المنقول و بعد الغض عن أن إخبار هؤلاء معارض بإخبار الشيخ قدس سره نقول إنه لا يمكن دخول هذا الخبر تحت الآية.

أما أولا فلأن دخوله يستلزم خروجه لأنه خبر العادل فيستحيل دخوله و دعوى أنه لا يعم نفسه مدفوعة بأنه و إن لا يعم نفسه لقصور دلالة اللفظ عليه إلا أنه يعلم أن الحكم ثابت لهذا الفرد أيضا للعلم بعدم خصوصية مخرجة له عن الحكم و لذا لو سألنا السيد عن أنه إذا ثبت إجماعك لنا بخبر واحد هل يجوز الاتكال عليه فيقول لا.

و أما ثانيا فلو سلمنا جواز دخوله لكن نقول إنه وقع الإجماع على خروجه من النافين بحجية الخبر و من المثبتين فتأمل. و أما ثالثا فلدوران الأمر بين دخوله و خروج ما عداه و بين العكس و لا ريب أن العكس‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 122

متعين لا لمجرد قبح انتهاء التخصيص إلى الواحد بل لأن المقصود من الكلام حينئذ ينحصر في بيان عدم حجية خبر العادل و لا ريب أن التعبير عن هذا المقصود بما يدل على عموم حجية خبر العادل قبيح في الغاية و فضيح إلى النهاية كما يعلم من قول القائل صدق زيدا في جميع ما يخبرك فأخبرك زيد بألف من الأخبار ثم أخبر بكذب جميعها فأراد القائل من قوله صدق إلخ خصوص هذا الخبر.

و قد أجاب بعض من لا تحصيل له بأن الإجماع المنقول مظنون الاعتبار و ظاهر الكتاب مقطوع الاعتبار.

و منها أن الآية لا تشمل الأخبار مع الواسطة لانصراف النبإ إلى الخبر بلا واسطة فلا يعم الروايات المأثورة عن الأئمة عليهم السلام لاشتمالها على وسائط.

و ضعف هذا الإيراد على ظاهره واضح لأن كل واسطة من الوسائط إنما يخبر خبرا بلا واسطة فإن الشيخ قدس سره إذا قال حدثني المفيد قال حدثني الصدوق قال حدثني أبي قال حدثني الصفار قال كتبت إلى العسكري عليه السلام بكذا فإن هناك أخبارا متعددة بتعدد الوسائط فخبر الشيخ قوله حدثني المفيد إلخ و هذا خبر بلا واسطة يجب تصديقه فإذا حكم بصدقه و ثبت شرعا أن المفيد حدث الشيخ بقوله حدثني الصدوق فهذا الأخبار أعني قول المفيد الثابت بخبر الشيخ حدثني الصدوق أيضا خبر عادل و هو المفيد فنحكم بصدقه و أن الصدوق حدثه فيكون كما لو سمعنا من الصدوق إخباره بقوله حدثني أبي و الصدوق عادل فيصدق في خبره فيكون كما لو سمعنا أباه يحدث بقوله حدثني الصفار فنصدقه لأنه عادل فيثبت خبر الصفار أنه كتب إليه العسكري عليه السلام و إذا كان الصفار عادلا وجب تصديقه و الحكم بأن العسكري عليه السلام كتب إليه ذلك القول كما لو شاهدنا الإمام عليه السلام يكتب إليه فيكون المكتوب حجة فيثبت بخبر كل لاحق أخبار سابقه و لهذا يعتبر العدالة في جميع الطبقات لأن كل واسطة مخبر بخبر مستقل هذا.

و لكن قد يشكل الأمر بأن [الآية انّما تدلّ على وجوب تصديق كلّ مخبر، و معنى وجوب تصديقه ليس إلّا ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على صدقه عليه، فإذا قال المخبر: إنّ زيدا عدل، فمعنى وجوب تصديقه وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على عدالة زيد من جواز الاقتداء به و قبول شهادته، و إذا قال المخبر: أخبرني عمر و أنّ زيدا عادل، فمعنى تصديق المخبر على ما عرفت وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على إخبار عمرو بعدالة زيد، و من الآثار الشرعية المترتبة على إخبار عمرو بعدالة زيد إذا كان عادلا، و إن كان هو وجوب تصديقه في عدالة زيد إلّا أنّ هذا الحكم الشرعي لاخبار عمرو إنّما حدث بهذه الآية، و ليس من الآثار الشرعية الثابتة للمخبر به مع قطع النظر عن الآية حتى يحكم بمقتضى الآية بترتيبه على إخبار عمرو به.

و الحاصل أنّ الآية تدلّ على ترتيب الآثار الشرعية الثابتة للمخبر به الواقعي على إخبار العادل، و من المعلوم أنّ المراد من الآثار غير هذا الأثر الشرعي الثابت بنفس الآية، فاللازم على هذا دلالة الآية على ترتيب جميع آثار المخبر به على الخبر، إلّا الأثر الشرعي الثابت بهذه الآية للمخبر به إذا كان خبرا.

و بعبارة أخرى: الآية لا تدلّ على وجوب قبول الخبر الذي لم يثبت موضوع الخبرية له إلّا بدلالة الآية على وجوب قبول الخبر، لأنّ الحكم لا يشمل الفرد الذي يصير موضوعا له بواسطة ثبوته لفرد آخر.

و من هنا يتجه أن يقال إنّ أدلّة قبول الشهادة لا تشمل الشهادة على الشهادة، لأنّ الأصل لا يدخل في موضوع الشاهد إلّا بعد قبول شهادة الفرع.] ما يحكيه الشيخ عن المفيد صار خبرا للمفيد بحكم وجوب التصديق فكيف يصير موضوعا لوجوب التصديق الذي لم يثبت موضوع الخبرية إلا به.

و لكن يضعف هذا الإشكال أولا بانتقاضه بورود مثله في نظيره الثابت بالإجماع كالإقرار بالإقرار فتأمل و إخبار العادل بعدالة مخبر فإن الآية تشمل الإخبار بالعدالة بغير إشكال و عدم قبول الشهادة على الشهادة لو سلم ليس من هذه الجهة و ثانيا، بالحل: و هو أن الممتنع هو توقف فردية بعض أفراد العام على إثبات الحكم لبعضها الآخر، كما في قول القائل: كل خبري صادق أو كاذب، أمّا توقف العلم ببعض الأفراد و انكشاف فرديته على ثبوت الحكم لبعضها الآخر كما فيما نحن فيه، فلا مانع منه.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 123

و ثالثا بأن عدم قابلية اللفظ العام لأن يدخل فيه الموضوع الذي لا يتحقق و لا يوجد إلا بعد ثبوت حكم هذا العام لفرد آخر لا يوجب التوقف في الحكم إذا علم المناط الملحوظ في الحكم العام و أن المتكلم لم يلاحظ موضوعا دون آخر فيثبت الحكم لذلك الموضوع الموجود بعد تحقق الحكم و إن لم يكن كلام المتكلم قابلا لإرادة ذلك الموضوع الغير الثابت إلا بعد الحكم العام فإخبار عمرو بعدالة زيد فيما لو قال المخبر أخبرني عمرو بأن زيدا عادل و إن لم يكن داخلا في موضوع ذلك الحكم العام و إلا لزم تأخير الموضوع وجودا عن الحكم إلا أنهم معلوم أن هذا الخروج مستند إلى قصور العبارة و عدم قابليتها لشموله لا للفرق بينه و بين غيره في نظر المتكلم حتى يتأمل في شمول حكم العام له بل لا قصور في العبارة بعد ما فهم منها أن هذا المحمول وصف لازم لطبيعة الموضوع و لا ينفك عن مصاديقه فهو مثل ما لو أخبر زيد بعض عبيد المولى بأنه قال لا تعمل بإخبار زيد فإنه لا يجوز أن يعمل به و لو اتّكالا على دليل عام يدل على الجواز و يقول إن هذا العام لا يشمل نفسه لأن عدم شموله له ليس إلا لقصور اللفظ و عدم قابليته للشمول لا لتفاوت بينه و بين غيره من إخبار زيد في نظر المولى و قد تقدم في الإيراد الثاني من هذه الإيرادات ما يوضح لك فراجع.

و منها أن العمل بالمفهوم في الأحكام الشرعية غير ممكن لوجوب التفحص عن المعارض لخبر العدل في الأحكام الشرعية فيجب تنزيل الآية على الإخبار في الموضوعات الخارجية فإنها هي التي لا يجب التفحص فيها عن المعارض و يجعل المراد من القبول فيها هو القبول في الجملة فلا ينافي اعتبار انضمام عدل آخر إليه فلا يقال إن قبول خبر الواحد في الموضوعات الخارجية مطلقا يستلزم قبوله في الأحكام بالإجماع المركب و الأولوية.

و فيه أن وجوب التفحص عن المعارض لخبر العدل في الأحكام الشرعية غير وجوب التبين في الخبر فإن الأول يؤكد حجية خبر العادل و لا ينافيها لأن مرجع التفحص عن المعارض إلى الفحص عما أوجب الشارع العمل به كما أوجب العمل بهذا و التبين المنافي للحجية هو التوقف عن العمل و التماس دليل آخر فيكون ذلك الدليل هو المتبع و لو كان أصلا من الأصول فإذا يئس عن المعارض عمل بهذا الخبر و إذا وجده أخذ بالأرجح منهما و إذا يئس عن التبين توقف عن العمل و رجع إلى ما يقتضيه الأصول العملية فخبر الفاسق و إن اشترك مع خبر العادل في عدم جواز العمل بمجرد المجي‏ء إلا أنه بعد اليأس عن وجود المنافي يعمل بالثاني دون الأول و مع وجدان المنافي يؤخذ به في الأول و يؤخذ بالأرجح في الثاني فتتبع الأدلة في الأول لتحصيل المقتضي الشرعي للحكم الذي تضمنه خبر الفاسق و في الثاني لطلب المانع عما اقتضاه الدليل الموجود. فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 124

و منها أن مفهوم الآية غير معمول به في الموضوعات الخارجية التي منها مورد الآية و هو إخبار الوليد بارتداد طائفة و من المعلوم أنه لا يكفي فيه خبر العادل الواحد بل لا أقل من اعتبار العدلين فلا بد من طرح المفهوم لعدم جواز إخراج المورد. و فيه أن غاية الأمر لزوم تقيد المفهوم بالنسبة إلى الموضوعات بما إذا تعدد المخبر العادل فكل واحد من خبري العدلين في البينة لا يجب التبين فيه و أما لزوم إخراج المورد فممنوع لأن المورد داخل في منطوق الآية لا مفهومها و جعل أصل خبر الارتداد موردا للحكم بوجوب التبين إذا كان المخبر به فاسقا و لعدمه إذا كان المخبر به عادلا لا يلزم منه إلا تقييد الحكم في طرف المفهوم و إخراج بعض أفراده و هذا ليس من إخراج المورد المستهجن في شي‏ء.

و منها ما عن غاية البادي من أن المفهوم يدل على عدم وجوب التبين و هو لا يستلزم العمل لجواز وجوب التوقف. و كأن هذا الإيراد مبني على ما تقدم فساده من إرادة وجوب التبين نفسيا و قد عرفت ضعفه و أن المراد وجوب التبين لأجل العمل عند إرادته و ليس التوقف حينئذ واسطة.

و منها أن المسألة أصولية فلا يكتفى فيها بالظن.

و فيه أن الظهور اللفظي لا بأس بالتمسك به في أصول الفقه و الأصول التي لا يتمسك لها بالظن مطلقا هو أصول الدين لا أصول الفقه و الظن الذي لا يتمسك به في الأصول مطلقا هو مطلق الظن لا الظن الخاص.

و منها أن المراد بالفاسق مطلق الخارج عن طاعة الله و لو بالصغائر فكل من كان كذلك أو احتمل في حقه ذلك وجب التبين في خبره و غيره ممن يفيد قوله العلم لانحصاره في المعصوم و من هو دونه فيكون في تعليق الحكم بالفسق إشارة إلى أن مطلق خبر المخبر غير المعصوم لا عبرة به لاحتمال فسقه لأن المراد الفاسق الواقعي لا المعلوم فهذا وجه آخر لإفادة الآية حرمة اتباع غير العلم لا يحتاج معه إلى التمسك في ذلك بتعليل الآية كما تقدم في الإيراد الثاني من الإيرادين الأولين.

و فيه أن إرادة مطلق الخارج عن طاعة الله من إطلاق الفاسق خلاف الظاهر عرفا فالمراد به إما الكافر كما هو الشائع إطلاقه في الكتاب حيث إنه يطلق غالبا في مقابل المؤمن و إما الخارج‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 125

عن طاعة الله بالمعاصي الكبيرة الثابتة تحريمها في زمان نزول هذه الآية ف المرتكب للصغيرة غير داخل تحت إطلاق الفاسق في عرفنا المطابق للعرف السابق مضافا إلى قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ مع أنه يمكن فرض الخلو عن الصغيرة و الكبيرة كما إذا علم منه التوبة من الذنب السابق و به يندفع الإيراد المذكور حتى على مذهب من يجعل كل ذنب كبيرة.

و أما احتمال فسقه بهذا الخبر لكذبه فيه فهو غير قادح لأن ظاهر قوله إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ تحقق الفسق قبل النبإ لا به فالمفهوم يدل على قبول خبر من ليس فاسقا مع قطع النظر عن هذا النبإ و احتمال فسقه به.

هذه جملة مما أوردوه على ظاهر الآية و قد عرفت أن الوارد منها إيرادان و العمدة الإيراد الأول الذي أورده جماعة من القدماء و المتأخرين.

ثم إنه كما استدل بمفهوم الآية على حجية خبر العادل كذلك قد يستدل بمنطوقها على حجية خبر غير العادل إذا حصل الظن بصدقه بناء على أن المراد بالتبين ما يعم تحصيل الظن فإذا حصل من الخارج ظن بصدق خبر الفاسق كفى في العمل به. و من التبين الظني تحصيل شهرة العلماء على العمل بالخبر أو على مضمونه أو على روايته و من هنا تمسك بعض بمنطوق الآية على حجية الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة و في حكم الشهرة أمارة أخرى غير معتبرة.

و لو عمم التبين للتبين الإجمالي و هو تحصيل الظن بصدق مخبره دخل خبر الفاسق المتحرز عن الكذب فيدخل الموثق و شبهه بل الحسن أيضا.

و على ما ذكر فيثبت من آية النبإ منطوقا و مفهوما حجي ة الأقسام الأربعة للخبر الصحيح و الحسن و الموثق و الضعيف المحفوف بقرينة ظنية.

و لكن فيه من الإشكال ما لا يخفى لأن التبين ظاهر في العلمي كيف و لو كان المراد مجرد الظن لكان الأمر به في خبر الفاسق لغوا إذ العاقل لا يعمل بخبر إلا بعد رجحان صدقه على كذبه إلا أن يدفع اللغوية بما ذكرنا سابقا من أن المقصود التنبيه و الإرشاد على أن الفاسق لا ينبغي أن‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 126

يعتمد عليه و أنه لا يؤمن من كذبه و إن كان المظنون صدقه.

و كيف كان فمادة التبين و لفظ الجهالة و ظاهر التعليل كلها آبية من إرادة مجرد الظن نعم يمكن دعوى صدقه على الاطمئنان الخارج عن التحير و التزلزل بحيث لا يعد في العرف العمل به تعريضا للوقوع في الندم فحينئذ لا يبعد انجبار خبر الفاسق به. لكن لو قلنا بظهور المنطوق في ذلك كان دالا على حجية الظن الاطمئناني المذكور و إن لم يكن معه خبر فاسق نظرا إلى أن الظاهر من الآية أن خبر الفاسق وجوده كعدمه و أنه لا بد من تبين الأمر من الخارج و العمل على ما يقتضيه التبين الخارجي نعم ربما يكون نفس الخبر من الأمارات التي يحصل من مجموعها التبين فالمقصود الحذر عن الوقوع في مخالفة الواقع فكلما حصل الأمن منه جاز العمل فلا فرق حينئذ بين خبر الفاسق المعتضد بالشهرة إذا حصل الاطمئنان بصدقه و بين الشهرة المجردة إذا حصل الاطمئنان بصدق مضمونها.

و الحاصل أن الآية تدل على أن العمل يعتبر فيه التبين من دون مدخلية لوجود خبر الفاسق و عدمه سواء قلنا بأن المراد منه العلم أو الاطمئنان أو مطلق الظن حتى أن من قال بأن خبر الفاسق يكفي فيه مجرد الظن بمضمونه بحسن أو توثيق أو غيرهما من صفات الراوي فلازمه القول بدلالة الآية على حجية مطلق الظن بالحكم الشرعي و إن لم يكن معه خبر أصلا فافهم و اغتنم و استقم هذا.

و لكن لا يخفى أن حمل التبين على تحصيل مطلق الظن أو الاطمئنان يوجب خروج مورد المنطوق و هو الإخبار بالارتداد. و من جملة الآيات قوله تعالى في سورة البراءة فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.

دلت على وجوب الحذر عند إنذار المنذرين من دون اعتبار إفادة خبرهم العلم لتواتر أو قرينة فيثبت وجوب العمل بخبر الواحد. أما وجوب الحذر فمن وجهين‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 127

أحدهما أن لفظة لعل بعد انسلاخها عن معنى الترجي ظاهرة في كون مدخولها محبوبا للمتكلم و إذا تحقق حسن الحذر ثبت وجوبه إما لما ذكره في المعالم من أنه لا معنى لندب الحذر إذ مع قيام المقتضي يجب و مع عدمه لا يحسن و إما لأن رجحان العمل بخبر الواحد مستلزم لوجوبه بالإجماع المركب لأن كل من أجازه فقد أوجبه.

الثاني أن ظاهر الآية وجوب الإنذار لوقوعه غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لو لا فإذا وجب الإنذار أفاد وجوب الحذر لوجهين. أحدهما وقوعه غاية للواجب فإن الغاية المترتبة على فعل الواجب مما لا يرضى الأمر بانتفائه سواء كان من الأفعال المتعلقة للتكليف أم لا كما في قولك تب لعلك تفلح و أسلم لعلك تدخل الجنة و قوله تعالى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى‏. الثاني أنه إذا وجب الإنذار ثبت وجوب القبول و إلا لغا الإنذار.

و نظير ذلك ما تمسك به (في المسالك على وجوب قبول قول المرأة و تصديقها في العدة من قوله تعالى وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ فاستدل بتحريم الكتمان و وجوب الإظهار عليهن على قبول قولهن بالنسبة إلى ما في الأرحام).

فإن قلت المراد بالنفر النفر إلى الجهاد كما يظهر من صدر الآية و هو قوله تعالى وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً و من المعلوم أن النفر إلى الجهاد ليس للتفقه و الإنذار نعم ربما يترتبان عليه بناء على ما قيل من أن المراد حصول البصيرة في الدين من مشاهدة آيات الله و ظهور أوليائه على أعدائه و سائر ما يتفق في حرب المسلمين مع الكفار من آيات عظمة الله و حكمته فيخبروا بذلك عند رجوعهم إلى الفرقة المتخلفة الباقية في المدينة فالتفقه و الإنذار من قبيل الفائدة لا الغاية حتى تجب بوجوب ذيها.

قلت أولا إنه ليس في صدر الآية دلالة على أن المراد النفر إلى الجهاد و ذكر الآية في آيات الجهاد لا يدل على ذلك. و ثانيا لو سلم أن المراد النفر إلى الجهاد لكن لا يتعين أن يكون النفر من كل قوم طائفة لأجل مجرد الجهاد بل لو كان لمحض الجهاد لم يتعين أن ينفر من كل قوم طائفة فيمكن أن يكون التفقه غاية لإيجاب النفر على كل طائفة من كل قوم لا لإيجاب أصل النفر.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 128

و ثالثا أنه قد فسر الآية بأن المراد نهي المؤمنين عن نفر جميعهم إلى الجهاد كما يظهر من قوله وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً و أمر بعضهم بأن يتخلفوا عند النبي صلى اللَّه عليه و آله و لا يخلوه وحده فيتعلموا مسائل حلالهم و حرامهم حتى ينذروا قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم.

و الحاصل أن ظهور الآية في وجوب التفقه و الإنذار مما لا ينكر فلا محيص عن حمل الآية عليه و إن لزم مخالفة الظاهر في سياق الآية أو بعض ألفاظها.

و مما يدل على ظهور الآية في وجوب التفقه و الإنذار استشهاد الإمام بها على وجوبه في أخبار كثيرة.

منها (ما عن الفضل بن شاذان في علله عن الرضا عليه السلام في حديث قال: إنما أمروا بالحج لعلة الوفادة إلى الله و طلب الزيادة و الخروج عن كل ما اقترف العبد إلى أن قال و لأج ل ما فيه من التفقه و نقل أخبار الأئمة عليهم السلام إلى كل صفح و ناحية كما قال الله عزّ و جل فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ الآية).

و منها ما ذكره في ديباجة المعالم من رواية (علي بن حمزة قال سمعت أبا عبد الله عليه ا لسلام يقول: تفقهوا في الدين فإن من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي إن الله عزّ و جل يقول لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

و منها ما (رواه في الكافي في باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام عليه السلام عن صحيحة يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع الناس قال أين قول الله عزّ و جل فلو لا نفر ... اه قال هم في عذر ما داموا في الطلب و هؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم).

و منها (صحيحة عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول العامة إن رسول الله صلى اللَّه عليه و آله قال من مات و ليس له إمام مات ميتة جاهلية قال حق و الله قلت فإن إماما هلك و رجل بخراسان لا يعلم من وصيه لم يسعه ذلك قال لا يسعه إن الإمام إذا مات وقعت حجة وصيه على من هو معه في البلد و حق النفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم إن الله عزّ و جل يقول فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ اه)

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 129

(و منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام و فيها قلت: أ فيسع الناس إذا مات العالم أن لا يعرفوا الذي بعده فقال أما أهل هذه البلدة فلا يعني أهل المدينة و أما غيرها من البلدان فبقدر مسيرهم إن الله عزّ و جل يقول فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ).

و منها صحيحة البزنطي المروية في قرب الإسناد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.

و منها رواية عبد المؤمن الأنصاري الواردة في جواب من سأل عن قوله صلى اللَّه عليه و آله (: اختلاف أمتي رحمة) قال إذا كان اختلافهم رحمة فاتفاقهم عذاب ليس هذا يراد إنما يراد الاختلاف في طلب العلم على ما قال الله عزّ و جل فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ الحديث منقول بالمعنى و لا يحضرني ألفاظه.

و جميع هذا هو السر في استدلال أصحابنا بالآية الشريفة على وجوب تحصيل العلم و كونه كفائيا.

هذا غاية ما قيل أو يقال في توجيه الاستدلال بالآية الشريفة لكن الإنصاف عدم جواز الاستدلال بها من وجوه الأول أنه لا يستفاد من الكلام إلا مطلوبية الحذر عقيب الإنذار بما يتفقهون في الجملة لكن ليس فيها إطلاق وجوب الحذر بل يمكن أن يتوقف وجوبه على حصول العلم فالمعنى لعله يحصل لهم العلم فيحذروا فالآية مسوقة لبيان مطلوبية الإنذار بما يتفقهون و مطلوبية العمل من المنذرين بما أنذروا و هذا لا ينافي اعتبار العلم في العمل و لهذا صح ذلك فيما يطلب فيه العلم فليس في هذه الآية تخصيص للأدلة الناهية عن العمل بما لم يعلم و لذا استشهد الإمام فيما سمعت من الأخبار المتقدمة على وجوب النفر في معرفة الإمام عليه السلام و إنذار النافرين للمتخلفين مع أن الإمامة لا تثبت إلا بالعلم.

الثاني أن التفقه الواجب ليس إلا معرفة الأمور الواقعية من الدين فالإنذار الواجب هو الإنذار بهذه الأمور المتفقة فيها فالحذر لا يجب إلا عقيب الإنذار بها فإذا لم يعرف المنذر بالفتح أن الإنذار هل وقع بالأمور الدينية الواقعية أو بغيرها خطأ أو تعمدا من المنذر بالكسر لم يجب الحذر حينئذ فانحصر وجوب الحذر فيما إذا علم المنذر صدق المنذر في إنذاره بالأحكام الواقعية فهو نظير

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 130

قول القائل أخبر فلانا بأوامري لعله يمتثلها.

فهذه الآية نظير ما ورد من الأمر بنقل الروايات فإن المقصود من هذا الكلام ليس إلا وجوب العمل بالأمور الواقعية لا وجوب تصديقه فيما يحكي و لو لم يعلم مطابقته للواقع و لا يعد هذا ضابطا لوجوب العمل بالخبر الظني الصادر من المخاطب في الأمر الكذائي.

و نظيره جميع ما ورد من بيان الحق للناس و وجوب تبليغه إليهم فإن المقصود منه اهتداء الناس إلى الحق الواقعي لا إنشاء حكم ظاهري لهم بقبول كل ما يخبرون به و إن لم يعلم مطابقته للواقع.

ثم الفرق بين هذا الإيراد و سابقه أن هذا الإيراد مبني على أن الآية ناطقة باختصاص مقصود المتكلم بالحذر عن الأمور الواقعية المستلزم لعدم وجوبه إلا بعد إحراز كون الإنذار متعلقا بالحكم الواقعي و أما الإيراد السابق فهو مبني على سكوت الآية عن التعرض لكون الحذر واجبا على الإطلاق أو بشرط حصول العلم.

الثالث لو سلمنا دلالة الآية على وجوب الحذر مطلقا عند إنذار المنذر و لو لم يفد العلم لكن لا تدل على وجوب العمل بالخبر من حيث إنه خبر لأن الإنذار هو الإبلاغ مع التخويف فإنشاء التخويف مأخوذ فيه و الحذر هو التخوف الحاصل عقيب هذا التخويف الداعي إلى العمل بمقتضاه فعلا و من المعلوم أن التخويف لا يجب إلا على الوعاظ في مقام الإيعاد على الأمور التي يعلم المخاطبون بحكمها من الوجوب و الحرمة كما يوعد على شرب الخمر و فعل الزنى و ترك الصلاة أو على المرشدين في مقام إرشاد الجهال فالتخوف لا يجب إلا على المتعظ و المسترشد و من المعلوم أن تصديق الحاكي فيما يحكيه من لفظ الخبر الذي هو محل الكلام خارج عن الأمرين.

توضيح ذلك أن المنذر إما أن ينذر و يخوف على وجه الإفتاء و نقل ما هو مدلول الخبر باجتهاده و إما أن ينذر و يخوف بلفظ الخبر حاكيا له عن الحجة.

فالأول كأن يقول في مقام التخويف يا أيها الناس اتقوا الله في شرب العصير فإن شربه يوجب المؤاخذة و الثاني كأن يقول قال الإمام عليه السلام من شرب العصير فكأنما شرب الخمر.

أما الإنذار على الوجه الأول فلا يجب الحذر عقيبه إلا على المقلدين لهذا المفتي و أما الثاني فله جهتان إحداهما جهة تخويف و إيعاد و الثانية جهة حكاية قول الإمام عليه السلام.

و من المعلوم أن الجهة الأولى ترجع إلى الاجتهاد في معنى الحكاية فهي ليست حجة إلا على من هو مقلد له إذ هو الذي يجب عليه التخوف عند تخويفه.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 131

و أما الجهة الثانية فهي التي تنفع المجتهد الآخر الذي يسمع منه هذه الحكاية لكن وظيفته مجرد تصديقه في صدور هذا الكلام عن الإمام عليه السلام و إما أن مدلوله متضمن لما يوجب التحريم الموجب للخوف أو الكراهة فهو مما ليس فهم المنذر حجة فيه بالنسبة إلى هذا المجتهد.

فالآية الدالة على وجوب التخوف عند تخويف المنذرين مختصة بمن يجب عليه اتباع المنذر في مضمون الحكاية و هو المقلد له للإجماع على أنه لا يجب على المجتهد التخوف عند إنذار غيره إنما الكلام في أنه هل يجب عليه تصديق غيره في الألفاظ و الأصوات التي يحكيها عن المعصوم عليه السلام أم لا و الآية لا تدل على وجوب ذلك على من لا يجب عليه التخوف عند التخويف.

فالحق أن الاستدلال بالآية على وجوب الاجتهاد كفاية و وجوب التقليد على العوام أولى من الاستدلال بها على وجوب العمل بالخبر.

(و ذكر شيخنا البهائي قدس سره في أول أربعينه أن الاستدلال بالنبوي المشهور (: من حفظ على أمتي أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما) على حجية الخبر لا يقصر عن الاستدلال عليها بهذه الآية).

و كأن فيه إشارة إلى ضعف الاستدلال بها لأن الاستدلال بالحديث المذكور ضعيف جدا كما سيجي‏ء إن شاء الله عند ذكر الأخبار و لكن ظاهر الرواية المتقدمة عن علل الفضل يدفع هذا الإيراد لكنها من الآحاد فلا ينفع في صرف الآية من ظاهرها في مسألة حجية الآحاد مع إمكان منع دلالتها على المدعى لأن الغالب تعدد من يخرج إلى الحج من كل صقع بحيث يكون الغالب حصول القطع من حكايتهم لحكم الله الواقعي عن الإمام عليه السلام و حينئذ فيجب الحذر عقيب إنذارهم فإطلاق الرواية منزل على الغالب.

و من جملة الآيات التي استدل بها جماعة تبعا للشيخ في العدة على حجية الخبر قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى‏ مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ الآية.

و التقريب فيه نظير ما بيناه في آية النفر من أن حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول عند الإظهار.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 132

و يرد عليها ما ذكرنا من الإيرادين الأولين في آية النفر من سكوتها و عدم التعرض فيها لوجوب القبول و إن لم يحصل العلم عقيب الإظهار أو اختصاص وجوب القبول المستفاد منها بالأمر الذي يحرم كتمانه و يجب إظهاره فإن من أمر غيره بإظهار الحق للناس ليس مقصوده إلا عمل الناس بالحق و لا يريد بمثل هذا الخطاب تأسيس حجية قول المظهر تعبدا و وجوب العمل بقوله و إن لم يطابق الحق.

و يشهد لما ذكرنا أن مورد الآية كتمان اليهود لعلامات النبي صلى اللَّه عليه و آله بعد ما بين الله لهم ذلك في التوراة و معلوم أن آيات النبوة لا يكتفى فيها بالظن نعم لو وجب الإظهار على من لا يفيد قوله العلم غالبا أمكن جعل ذلك دليلا على أن المقصود العمل بقوله و إن لم يفد العلم لئلا يكون إلقاء هذا الكلام كاللغو.

و من هنا يمكن الاستدلال بما تقدم من آية تحريم كتمان ما في الأرحام على النساء على وجوب تصديقهن و بآية وجوب إقامة الشهادة على وجوب قبولها بعد الإقامة مع إمكان كون وجوب الإظهار لأجل رجاء وضوح الحق من تعدد المظهرين. و من جملة الآيات التي استدل بها بعض المعاصرين قوله تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ*.

بناء على أن وجوب السؤال يستلزم وجوب قبول الجواب و إلا لغا وجوب السؤال و إذا وجب قبول الجواب وجب قبول كل ما يصح أن يسأل عنه و يقع جوابا له لأن خصوصية المسبوقية بالسؤال لا دخل فيه قطعا فإذا سئل الراوي الذي هو من أهل العلم عما سمعه عن الإمام عليه السلام في خصوص الواقعة فأجاب بأني سمعته يقول كذا وجب القبول بحكم الآية فيجب قبول قوله ابتداء إني سمعت الإمام عليه السلام يقول كذا لأن حجية قوله هو الذي أوجب السؤال عنه لا أن وجوب السؤال أوجب قبول قوله كما لا يخفى.

و يرد عليه أن الاستدلال إن كان بظاهر الآية فظاهرها بمقتضى السياق إرادة علماء أهل الكتاب كما عن ابن عباس و مجاهد و الحسن و قتادة فإن المذكور في سورة النحل وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ و في سورة الأنبياء وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 133

و إن كان مع قطع النظر عن سياقها.

ففيه أولا أنه ورد في الأخبار المستفيضة أن أهل الذكر هم الأئمة عليهم السلام و قد عقد في أصول الكافي بابا لذلك و قد أرسله في المجمع عن علي عليه السلام.

و رد بعض مشايخنا هذه الأخبار بضعف السند بناء على اشتراك بعض الرواة في بعضها و ضعف بعضها في الباقي.

و فيه نظر لأن روايتين منها صحيحتان و هما روايتا محمد بن مسلم و الوشاء فلاحظ و رواية أبي بكر الحضرمي حسنة أو موثقة نعم ثلاث روايات أخر منها لا تخلو من ضعف و لا تقدح قطعا.

و ثانيا أن الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم وجوب تحصيل العلم لا وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبدا كما يقال في العرف سل إن كنت جاهلا و يؤيده أن الآية واردة في أصول الدين و علامات النبي صلى اللَّه عليه و آله التي لا يؤخذ فيها بالتعبد إجماعا.

و ثالثا لو سلم حمله على إرادة وجوب السؤال للتعبد بالجواب لا لحصول العلم منه قلنا إن المراد من أهل العلم ليس مطلق من علم و لو بسماع رواية من الإمام عليه السلام و إلا لدل على حجية قول كل عالم بشي‏ء و لو من طريق السمع و البصر مع أنه يصح سلب هذا العنوان من مطلق من أحس شيئا بسمعه أو بصره و المتبادر من وجوب سؤال أهل العلم بناء على إرادة التعبد بجوابهم هو سؤالهم عما هم عالمون به و يعدون من أهل العلم في مثله فينحصر مدلول الآية في التقليد و لذا تمسك به جماعة على وجوب التقليد على العامي.

و بما ذكرنا يندفع ما يتوهم من أنا نفرض الراوي من أهل العلم فإذا وجب قبول روايته وجب قبول رواية من ليس من أهل العلم بالإجماع المركب.

حاصل وجه الاندفاع أن سؤال أهل العلم عن الألفاظ التي سمعها من الإمام عليه السلام و التعبد بقوله فيها ليس سؤالا من أهل العلم من حيث هم أهل العلم أ لا ترى أنه لو قال سل الفقهاء إذا لم تعلم أو الأطباء لا يحتمل أن يكون قد أراد ما يشمل المسموعات و المبصرات الخارجية من قيام زيد و تكلم عمرو و غير ذلك.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 134

و من جملة الآيات قوله تعالى في سورة البراءة وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ.

مدح الله عزّ و جل رسوله صلى اللَّه عليه و آله بتصديقه للمؤمنين بل قرنه بالتصديق بالله جل ذكره فإذا كان التصديق حسنا يكون واجبا.

و يزيد في تقريب الاستدلال وضوحا ما (رواه في فروع الكافي في الحسن بإبراهيم بن هاشم: أنه كان لإسماعيل بن أبي عبد الله دنانير و أراد رجل من قريش أن يخرج بها إلى اليمن فقال له أبو عبد الله عليه السلام يا بني أ ما بلغك أنه يشرب الخمر قال سمعت الناس يقولون فقال يا بني إن الله عزّ و جل يقول يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين يقول يصدق الله و يصدق للمؤمنين فإذا شهد عندك المسلمون فصدقهم).

و يرد عليه أولا أن المراد بالأذن سريع التصديق و الاعتقاد بكل ما يسمع لا من يعمل تعبدا بما يسمع من دون حصول الاعتقاد بصدقه فمدحه عليه السلام بذلك لحسن ظنه بالمؤمنين و عدم اتهامهم.

و ثانيا أن المراد من التصديق في الآية ليس جعل المخبر به واقعا و ترتيب جميع آثاره عليه إذ لو كان المراد به ذلك لم يكن أذن خير لجميع الناس إذ لو أخبره أحد بزنى أحد أو شربه أو قذفه أو ارتداده فقتله النبي أو جلده لم يكن في سماعه ذلك الخبر خير للمخبر عنه بل كان محض الشر له خصوصا مع عدم صدور الفعل منه في الواقع نعم يكون خيرا للمخبر من حيث متابعة قوله و إن كان منافقا مؤذيا للنبي صلى اللَّه عليه و آله على ما يقتضيه الخطاب في لكم فثبوت الخير لكل من المخبر و المخبر عنه لا يكون إلا إذا صدق المخبر بمعنى إظهار القبول عنه و عدم تكذيبه و طرح قوله رأسا مع العمل في نفسه بما يقتضيه الاحتياط التام بالنسبة إلى المخبر عنه فإن كان المخبر به مما يتعلق بسوء حاله لا يؤذيه في الظاهر لكن يكون على حذر منه في الباطن كما كان هو مقتضى المصلحة في حكاية إسماعيل المتقدمة.

و يؤيد هذا المعنى (ما عن تفسير العياشي عن الصادق عليه السلام: من أنه يصدق المؤمنين‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 135

لأنه صلى اللَّه عليه و آله كان رءوفا رحيما بالمؤمنين) فإن تعليل التصديق بالرأفة و الرحمة على كافة المؤمنين ينافي إرادة قبول قول أحدهم على الآخر بحيث يرتب عليه آثاره و إن أنكر المخبر عنه وقوعه إذ مع الإنكار لا بد عن تكذيب أحدهما و هو مناف لكونه أذن خير و رءوفا رحيما لجميع المؤمنين فتعين إرادة التصديق بالمعنى الذي ذكرنا.

و يؤيده أيضا ما (عن القمي رحمه الله في سبب نزول الآية أنه نم منافق على النبي صلى اللَّه عليه و آله فأخبره الله ذلك فأحضره النبي صلى اللَّه عليه و آله و سأله فحلف أنه لم يكن شي‏ء مما ينم عليه فقبل منه النبي صلى اللَّه عليه و آله فأخذ هذا الرجل بعد ذلك يطعن على النبي صلى اللَّه عليه و آله و يقول إنه يقبل كل ما يسمع أخبره الله أني أنم عليه و أنقل أخباره فقبل فأخبرته أني لم أفعل فقبل فرده الله تعالى بقوله لنبيه صلى اللَّه عليه و آله قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ). و من المعلوم أن تصديقه صلى اللَّه عليه و آله للمنافق لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقا و هذا التفسير صريح في أن المراد من المؤمنين المقرون بالإيمان من غير اعتقاد فيكون الإيمان لهم على حسب إيمانهم و يشهد بتغاير معنى الإيمان في الموضعين مضافا إلى تكرار لفظه تعديته في الأول بالباء و في الثاني باللام فافهم.

و أما توجيه الرواية فيحتاج إلى بيان معنى التصديق فنقول إن المسلم إذا أخبر بشي‏ء فلتصديقه معنيان أحدهما ما يقتضيه أدلة تنزيل فعل المسلم على الصحيح و الأحسن فإن الأخبار من حيث إنه فعل من أفعال المكلفين صحيحة ما كان مباحا و فاسدة ما كان نقيضه كالكذب و الغيبة و نحوهما فحمل الأخبار على الصادق حمل على أحسنه.

و الثاني هو حمل أخباره من حيث إنه لفظ دال على معنى يحتمل مطابقته للواقع و عدمها على كونه مطابقا للواقع بترتيب آثار الواقع عليه.

و الحاصل أن المعنى الثاني هو الذي يراد من العمل بخبر العادل و أما المعنى الأول فهو الذي يقتضيه أدلة حمل فعل المسلم على الصحيح و الأحسن و هو ظاهر الأخبار الواردة في أن من حق المؤمن على المؤمن أن يصدقه و لا يتهمه خصوصا مثل (قوله عليه السلام:

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 136

يا أبا محمد كذب سمعك و بصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة أنه قال قولا و قال لم أقله فصدقه و كذبهم الخبر).

فإن تكذيب القسامة مع كونهم أيضا مؤمنين لا يراد منه إلا عدم ترتيب آثار الواقع على كلامهم لا ما يقابل تصديق المشهود عليه فإنه ترجيح بلا مرجح بل ترجيح المرجوح نعم خرج من ذلك مواضع وجوب قبول شهادة المؤمن على المؤمن و إن أنكر المشهود عليه.

و أنت إذا تأملت هذه الرواية و لاحظتها مع الرواية المتقدمة في حكاية إسماعيل لم يكن لك بد من حمل التصديق على ما ذكرنا.

و إن أبيت إلا عن ظهور خبر إسماعيل في وجوب التصديق بمعنى ترتيب آثار الواقع فنقول إن الاستعانة بها على دلالة الآية خروج عن الاستدلال بالكتاب إلى السنة و المقصود هو الأول غاية الأمر كون هذه الرواية في عداد الروايات الآتية إن شاء الله تعالى.

ثم إن هذه الآيات على تقدير تسليم دلالة كل واحد منها على حجية الخبر إنما تدل بعد تقييد المطلق منها الشامل لخبر العادل و غيره بمنطوق آية النبإ على حجية خبر العادل الواقعي أو من أخبر عدل واقعي بعدالته بل يمكن انصراف المفهوم بحكم الغلبة إلى صورة إفادة خبر العادل الظن الاطمئناني بالصدق كما هو الغالب مع القطع بالعدالة فيصير حاصل مدلول الآيات اعتبار خبر العادل الواقعي بشرط إفادته الظن الاطمئناني و الوثوق بل هذا أيضا منصرف سائر الآيات و إن لم يكن انصرافا موجبا لظهور عدم إرادة غيره حتى يعارض المنطوق‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 137