المسئلة الرابعة عشرة الغیبة حرام بالأدلة الأربعة و یدل علیه من الکتاب قوله تعالى (و لا یغتب بعضکم بعضا أ یحب أحدکم أن یأکل لحم أخیه میتا فکرهتموه) فجعل المؤمن أخا و عرضه کلحمه و التفکه به أکلا و عدم شعوره بذلک بمنزلة حالة موته. و قوله تعالى (ویل لکل همزة لمزة) و قوله تعالى (لا یحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) و قوله تعالى (إن الذین یحبون أن تشیع الفاحشة فی الذین آمنوا لهم عذاب ألیم).
و یدل علیه من الأخبار ما لا یحصى فمنها ما روی عن النبی ص بعده طرق: أن الغیبة أشد من الزنى و إن الرجل یزنی فیتوب و یتوب الله علیه و إن صاحب الغیبة لا یغفر له حتى یغفر له صاحبه و عنه ص: أنه خطب یوما فذکر الربا و عظم شأنه فقال إن الدرهم یصیبه الرجل من الربا أعظم من ستة و ثلاثین زنیة و إن أربى الربا عرض الرجل المسلم و عنه ص: من اغتاب مسلما أو مسلمة لم یقبل الله صلاته و لا صیامه أربعین صباحا إلا أن یغفر له صاحبه و عنه ص: من اغتاب مؤمنا بما فیه لم یجمع الله بینهما فی الجنة و من اغتاب مؤمنا بما لیس فیه انقطعت العصمة بینهما و کان المغتاب خالدا فی النار و بئس المصیر و عنه ع: کذب من زعم أنه ولد من حلال و هو یأکل لحوم الناس بالغیبة فاجتنب الغیبة فإنها إدام کلاب النار. و عنه ع: من مشى فی غیبة أخیه و کشف عورته کانت أول خطوة خطاها وضعها فی جهنم و روی: أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من یدخل الجنة و إن لم یتب فهو أول من یدخل النار و عنه ص: إن الغیبة حرام على کل مسلم و إن الغیبة لتأکل الحسنات کما تأکل النار الحطب و أکل الحسنات إما أن یکون على وجه الإحباط أو لاضمحلال ثوابها فی جنب عقابه أو لأنها تنقل الحسنات إلى المغتاب کما فی غیر واحد من الأخبار. و منها النبوی ص: یؤتى بأحد یوم القیامة فیوقف بین یدی الرب عز و جل و یدفع إلیه کتابه فلا یرى حسناته فیه فیقول إلهی لیس هذا کتابی لا أرى فیه حسناتی فیقال له إن ربک لا یضل و لا ینسى ذهب عملک باغتیاب الناس ثم یؤتى بآخر و یدفع إلیه کتابه فیرى فیه طاعات کثیرة فیقول إلهی ما هذا کتابی فإنی ما عملت هذه الطاعات فیقال له إن فلانا اغتابک فدفعت حسناته إلیک الخبر و منها ما ذکره کاشف الریبة رحمه الله روایة عن عبد الله بن سلیمان النوفلی الطویلة عن الصادق ع و فیها عن النبی ص: أدنى الکفر أن یسمع الرجل من أخیه کلمة فیحفظها علیه یرید أن یفضحه بها أولئک لا خلاق لهم و حدثنی أبی عن آبائه عن علی ع أنه: من قال فی مؤمن ما رأته عیناه و سمعت أذناه مما یشینه و یهدم مروته فهو من الذین قال الله عز و جل (إن الذین یحبون أن تشیع الفاحشة فی الذین آمنوا لهم عذاب ألیم).
ثم إن ظاهر هذه الأخبار کون الغیبة من الکبائر کما ذکر جماعة بل أشد من بعضها- و عد فی غیر واحد من الأخبار من الکبائر الخیانة و یمکن إرجاع الغیبة إلیها فأی خیانة أعظم من التفکه بلحم الأخ على غفلة منه و عدم شعوره بذلک. و کیف کان فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة فی عدها من الکبائر إظهار فی غیر المحل.
ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغیبة بالمؤمن فیجوز اغتیاب المخالف کما یجوز لعنه و توهم عموم الآیة کبعض الروایات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم و عدم جریان أحکام الإسلام علیهم إلا قلیلا مما یتوقف استقامة نظم معاش المؤمنین علیه مثل عدم انفعال ما یلاقیهم بالرطوبة و حل ذبائحهم و مناکحتهم و حرمة دمائهم لحکمة دفع الفتنة و نسائهم لأن لکل قوم نکاحا و نحو ذلک مع أن التمثیل المذکور فی الآیة مختص بمن ثبت إخوته فلا یعم من وجب التبری عنه و کیف کان فلا إشکال فی المسألة بعد ملاحظة الروایات الواردة فی الغیبة و فی حکمه حرمتها و فی حال غیر المؤمن فی نظر الشارع.
ثم الظاهر دخول الصبی الممیز المتأثر بالغیبة لو سمعها لعموم بعض الروایات المتقدمة و غیرها الدالة على حرمة اغتیاب الناس و أکل لحومهم مع صدق الأخ علیه کما یشهد به قوله تعالى و إن تخالطوهم فإخوانکم فی الدین مضافا إلى إمکان الاستدلال بالآیة و إن کان الخطاب للمکلفین بناء على عد أطفالهم منهم تغلیبا و إمکان دعوى صدق المؤمن علیه مطلقا أو فی الجملة و لعله لما ذکرنا صرح فی کشف الریبة بعدم الفرق بین الصغیر و الکبیر و ظاهره الشمول لغیر الممیز أیضا.
و منه یظهر حکم المجنون إلا أنه صرح بعض الأساطین باستثناء من لا عقل له و لا تمییز معللا بالشک فی دخوله تحت أدلة الحرمة و لعله من جهة أن الإطلاقات منصرفة إلى من یتأثر لو سمع و سیتضح ذلک زیادة على ذلک.
بقی الکلام فی أمور:
الأول: الغیبة اسم مصدر لاغتاب أو مصدر لغاب ففی المصباح اغتابه إذا ذکره بما یکرهه من العیوب و هو حق و الاسم الغیبة و عن القاموس غابه أی عابه و ذکره بما فیه من السوء و عن النهایة أن یذکر الإنسان فی غیبته بسوء مما یکون فیه. و الظاهر من الکل خصوصا القاموس المفسر لها أولا بالعیب أن المراد ذکره فی مقام الانتقاص و المراد بالموصول هو نفس النقص الذی فیه و الظاهر من الکراهة فی عبارة المصباح کراهة وجوده و لکنه غیر مقصود قطعا فالمراد إما کراهة ظهوره و لو لم یکره وجوده کالمیل إلى القبائح و إما کراهة ذکره بذلک العیب.
و على هذا التعریف دلت جملة من الأخبار مثل: قوله ع و قد سأله أبو ذر عن الغیبة أنها ذکرک أخاک بما یکرهه و فی نبوی آخر قال ص: أ تدرون ما الغیبة قالوا الله و رسوله أعلم قال ذکرکم أخاکم بما یکرهه.
و لذا قال فی جامع المقاصد إن حد الغیبة على ما فی الأخبار أن تقول فی أخیک ما یکرهه لو سمعه مما هو فیه. و المراد بما یکرهه کما تقدم فی عبارة المصنف ما یکرهه ظهوره سواء کره وجوده کالبرص و الجذام أم لا کالمیل إلى القبائح و یحتمل أن یراد بالموصول نفس الکلام الذی یذکر الشخص به و یکون کراهته إما لکونه إظهارا للعیب و إما لکونه صادرا على جهة المذمة و الاستخفاف و الاستهزاء و إن لم یکن العیب مما یکره إظهاره لکونه ظاهرا بنفسه و إما لکونه مشعرا بالذم و إن لم یقصد المتکلم الذم به کالألقاب المشعرة بالذم قال فی الصحاح الغیبة أن یتکلم خلف إنسان مستور بما یغمه لو سمعه. و ظاهره التکلم بکلام یغمه لو سمعه.
بل فی کلام بعض من قارب عصرنا أن الإجماع و الأخبار متطابقان على أن حقیقة الغیبة أن یذکر الغیر بما یکره لو سمعه سواء أ کان بنقص فی نفسه أو بدنه أو دینه أو دنیاه أو فیما یتعلق به من الأشیاء و ظاهره أیضا إرادة الکلام المکروه.
و قال الشهید الثانی فی کشف الریبة أن الغیبة ذکر الإنسان فی حال غیبته بما یکره نسبته إلیه مما یعد نقصا فی العرف بقصد الانتقاص و الذم و یخرج على هذا التعریف ما إذا ذکر الشخص بصفات ظاهرة یکون وجودها نقصا مع عدم قصد انتقاصه بذلک مع أنه داخل فی التعریف عند الشهید أیضا حیث عد من الغیبة ذکر بعض الأشخاص بالصفات المعروف بها کالأعمش و الأعور و نحوهما. و کذلک ذکر عیوب الجاریة التی یراد شراؤها إذا لم یقصد من ذکرها إلا بیان الواقع و غیر ذلک مما ذکره هو و غیره من المستثنیات و دعوى أن قصد الانتقاص یحصل بمجرد بیان النقائص موجبة لاستدراک ذکره بعد قوله مما یعد نقصا.
و الأولى بملاحظة ما تقدم من الأخبار و کلمات الأصحاب بناء على إرجاع الکراهة إلى الکلام المذکور به لا إلى الوصف ما تقدم من أن الغیبة أن یذکر الإنسان بکلام یسوؤه إما بإظهار عیبه المستور و إن لم یقصد انتقاصه و إما بانتقاصه بعیب غیر مستور إما بقصد التکلم أو بکون الکلام بنفسه منقصا له کما إذا اتصف الشخص بالألقاب المشعرة بالذم. نعم لو أرجعت الکراهة إلى الوصف الذی یسند إلى الإنسان تعین إرادة کراهة ظهورها فیختص بالقسم الأول و هو ما کان إظهارا لأمر مستور.
و یؤید هذا الاحتمال بل یعینه الأخبار المستفیضة الدالة على اعتبار کون المقول مستورا غیر منکشف مثل قوله ع فیما رواه العیاشی بسنده عن ابن سنان: الغیبة أن تقول فی أخیک ما فیه مما قد ستره الله علیه و روایة داود بن سرحان المرویة فی الکافی قال: سألت أبا عبد الله ع عن الغیبة قال هو أن تقول لأخیک فی دینه ما لم یفعل و تبث علیه أمر قد ستره الله تعالى علیه لم یقم علیه فیه حد و روایة أبان عن رجل لا یعلمه إلا یحیى الأزرق قال: قال لی أبو الحسن ع من ذکر رجلا من خلفه بما هو فیه مما عرفه الناس لم یغتبه و من ذکره من خلفه بما هو فیه مما لا یعرفه الناس فقد اغتابه و من ذکره بما لیس فیه فقد بهته و حسنة عبد الرحمن بن سیابة ب ابن هاشم قال قال سمعت أبا عبد الله ع یقول: الغیبة أن تقول فی أخیک ما ستره الله علیه و أما الأمر الظاهر فیه مثل الحدة و العجلة فلا و البهتان أن تقول فیه ما لیس فیه و هذه الأخبار کما ترى صریحة فی اعتبار کون الشیء غیر منکشف.
و یؤید ذلک ما فی الصحاح من أن الغیبة أن یتکلم خلف إنسان مستور بما یغمه لو سمعه فإن کان صدقا سمی غیبة و إن کان کذبا سمی بهتانا فإن أراد من المستور من حیث ذلک المقول وافق الأخبار و إن أراد مقابل المتجاهر احتمل الموافقة و المخالفة.
و الملخص من مجموع ما ورد فی المقام أن الشیء المقول إن لم یکن نقصا فلا یکون ذکر الشخص حینئذ غیبة و إن اعتقد المقول فیه کونه نقصا علیه نظیر ما إذا نفی عنه الاجتهاد و لیس ممن یکون ذلک نقصا فی حقه إلا أنه معتقد باجتهاد نفسه. نعم قد یحرم هذا من وجه آخر.
و إن کان نقصا شرعا أو عرفا بحسب حال المغتاب فإن کان مخفیا للسامع بحیث یستنکف عن ظهوره للناس و أراد القائل تنقیص المغتاب به فهو المتیقن من أفراد الغیبة و إن لم یرد القائل التنقیص فالظاهر حرمته لکونه کشفا لعورة المؤمن و قد تقدم الخبر من مشى فی غیبة أخیه و کشف عورته. و فی صحیحة ابن سنان عن أبی عبد الله ع قال: قلت عورة المؤمن على المؤمن حرام قال نعم قلت تعنی سفلتیه قال لیس حیث تذهب إنما هی إذاعة سره و فی روایة محمد بن فضل عن أبی الحسن ع: و لا تذیعن علیه شیئا تشینه به و تهدم به مروته فتکون من الذین قال الله عز و جل فی کتابه إن الذین یحبون أن تشیع الفاحشة فی الذین آمنوا لهم عذاب ألیم و لا یقید إطلاق النهی بصورة قصد الشین و الهدم من جهة الاستشهاد بآیة حب شیاع الفاحشة بل الظاهر أن المراد مجرد فعل ما یوجب شیاعها مع أنه لا فائدة کثیرة فی التنبیه على دخول القاصد لإشاعة الفاحشة فی عموم الآیة و إنما یحسن التنبیه على أن قاصد السبب قاصد للمسبب و إن لم یقصده بعنوانه.
و کیف کان فلا إشکال من حیث النقل و العقل فی حرمة إذاعة ما یوجب مهانة المؤمن و سقوطه عن أعین الناس فی الجملة. و إنما الکلام فی أنها غیبة أم لا مقتضى الأخبار المتقدمة بأسرها ذلک خصوصا المستفیضة الأخیرة فإن التفصیل فیها بین الظاهر و الخفی إنما یکون مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص و أما مع قصده فلا فرق بینهما فی الحرمة و المنفی فی تلک الأخبار و إن کان تحقق موضوع الغیبة دون الحکم بالحرمة إلا أن ظاهر سیاقها نفی الحرمة فیما عداها أیضا لکن مقتضى ظاهر التعریف المتقدم عن کشف الریبة عدمه لأنه اعتبر قصد الانتقاص و الذم إلا أن یراد اعتبار ذلک فیما یقع على وجهین دون ما لا یقع إلا على وجه واحد فإن قصد ما لا ینفک عن الانتقاص قصد له.
و إن کان المقول نقصا ظاهرا للسامع فإن لم یقصد القائل الذم و لم یکن الوصف من الأوصاف المشعرة بالذم نظیر الألقاب المشعرة به فالظاهر أنه خارج عن الغیبة لعدم حصول کراهة للمقول فیه لا من حیث الإظهار و لا من حیث ذم المتکلم و لا من حیث الإشعار و إن کان من الأوصاف المشعرة بالذم أو قصد المتکلم التعییر و المذمة لوجوده فلا إشکال فی حرمة الثانی بل و کذا الأول لعموم ما دل على حرمة إیذاء المؤمن و إهانته- و حرمة التنابز بالألقاب و حرمة تعییر المؤمن على صدور معصیة منه فضلا عن غیرها. ففی عدة من الأخبار: من عیر مؤمنا على معصیة لم یمت حتى یرتکبه و إنما الکلام فی کونهما من الغیبة فإن ظاهر المستفیضة المتقدمة عدم کونهما منها. و ظاهر ما عداها من الأخبار المتقدمة بناء على إرجاع الکراهة فیها إلى کراهة الکلام الذی یذکر به الغیر و کذلک کلام أهل اللغة عدا الصحاح على بعض احتمالاته کونهما غیبة. و العمل بالمستفیضة لا یخلو عن قوة و إن کان ظاهر الأکثر خلافه فیکون ذکر الشخص بالعیوب الظاهرة التی لا یفید السامع اطلاعا لم یعلمه و لا یعلمه عادة من غیر خبر مخبر لیس غیبة- فلا یحرم إلا إذا ثبتت الحرمة من حیث المذمة و التعییر أو من جهة کون نفس الاتصاف بتلک الصفة مما یستنکفه المغتاب و لو باعتبار بعض التعبیرات فیحرم من جهة الإیذاء و الاستخفاف و الذم و التعییر.
ثم الظاهر المصرح به فی بعض الروایات- عدم الفرق فی ذلک على ما صرح به غیر واحد بین ما کان نقصانا فی بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دینه أو دنیاه حتى فی ثوبه أو داره أو دابته أو غیر ذلک. و قد روی عن مولانا الصادق ع الإشارة إلى ذلک بقوله: وجوه الغیبة تقع بذکر عیب فی الخلق و الفعل و المعاملة و المذهب و الجهل و أشباهه.
قیل أما البدن فکذکرک فیه العمش و الحول و العور و القرع و القصر و الطول و السواد و الصفرة و جمیع ما یتصور أن یوصف به مما یکرهه. و أما النسب فبأن تقول أبوه فاسق أو خبیث أو خسیس أو إسکاف أو حائک أو نحو ذلک مما یکره. و أما الخلق فبأن تقول إنه سیئ الخلق بخیل مراء متکبر شدید الغضب جبان ضعیف القلب و نحو ذلک. و أما فی أفعاله المتعلقة بالدین فکقولک إنه سارق کذاب شارب خائن ظالم متهاون بالصلاة لا یحسن الرکوع و السجود و لا یجتنب من النجاسات لیس بارا بوالدیه لا یحرس نفسه من الغیبة و التعرض لإعراض الناس. و أما أفعاله المتعلقة بالدنیا فکقولک إنه قلیل الأدب متهاون بالناس لا یرى لأحد علیه حقا کثیر الکلام کثیر الأکل نئوم یجلس فی غیر موضعه. و أما فی ثوبه فکقولک إنه واسع الکم طویل الذیل وسخ الثیاب و نحو ذلک.
ثم إن ظاهر النص و إن کان منصرفا إلى الذکر باللسان لکن المراد حقیقة الذکر فهو مقابل الإغفال فکل ما یوجب التذکر للشخص من القول و الفعل و الإشارة و غیرها فهو ذکر له و من ذلک المبالغة فی تهجین المطلب الذی ذکره بعض المصنفین بحیث یفهم منها الإزراء بحال ذلک المصنف فإن قولک إن هذا المطلب بدیهی البطلان تعریض لصاحبه بأنه لا یعرف البدیهیات- بخلاف ما إذا قیل إنه مستلزم لما هو بدیهی البطلان لأن فیه تعریضا بأن صاحبه لم ینتقل إلى الملازمة بین المطلب و بین ما هو بدیهی البطلان و لعل الملازمة نظریة و قد وقع من بعض الأعلام بالنسبة إلى بعضهم ما لا بد له من الحمل و التوجیه- أعوذ بالله من الغرور و إعجاب المرء بنفسه و حسده على غیره و الاستیکال بالعلم.
ثم إن دواعی الغیبة کثیرة، روی عن مولانا الصادق ع التنبیه علیها إجمالا بقوله ع: أصل الغیبة تتنوع بعشرة أنواع شفاء غیظ و مساعدة قوم و تصدیق خبر بلا کشف و تهمة و سوء ظن و حسد و سخریة و تعجب و تبرم و تزین إلى آخر الخبر.
ثم إن ذکر الشخص قد یتضح کونها غیبة و قد یخفى على النفس لحب أو بغض فیرى أنه لم یغتب و قد وقع فی أعظمها و من ذلک أن الإنسان قد یغتم بسبب ما یبتلى به أخوه فی الدین لأجل أمر یرجع إلى نقص فی فعله أو رأیه فیذکره المغتم فی مقام التأسف علیه بما یکره ظهوره للغیر مع أنه کان یمکنه بیان حاله للغیر على وجه لا یذکر اسمه لیکون قد أحرز ثواب الاغتمام على ما أصاب المؤمن لکن الشیطان یخدعه و یوقعه فی ذکر الاسم.
بقی الکلام فی أنه هل یعتبر فی الغیبة حضور مخاطب عند المغتاب أو یکفی ذکره عند نفسه ظاهر الأکثر الدخول کما صرح به بعض المعاصرین.
نعم ربما یستثنى من حکمها عند من استثنى ما لو علم اثنان صفة شخص فیذکر أحدهما بحضرة الآخر و أما على ما قویناه من الرجوع فی تعریف الغیبة إلى ما دلت علیه المستفیضة المتقدمة من کونها هتک سر مستور فلا یدخل ذلک فی الغیبة.
و منه یظهر أیضا أنه لا یدخل فیها ما لو کان الغائب مجهولا عند المخاطب مرددا بین أشخاص غیر محصورة کما إذا قال جاءنی الیوم رجل بخیل دنی ذمیم فإن ظاهر تعریف الأکثر دخوله و إن خرج عن الحکم بناء على اعتبار التأثیر عند السامع و ظاهر المستفیضة المتقدمة عدم الدخول. نعم لو قصد المذمة و التعییر حرم من هذه الجهة فیجب على السامع نهی المتکلم عنه إلا إذا احتمل أن یکون الشخص متجاهرا بالفسق فیحمل فعل المتکلم على المصلحة کما سیجیء فی مسألة الاستماع و الظاهر أن الذم و التعییر لمجهول العین لا یجب الردع عنه مع کون الذم و التعبیر فی موقعهما بأن کان مستحقا لهما- و إن لم یستحق مواجهته بالذم أو ذکره عند غیره بالذم.
هذا کله لو کان الغائب المذکور مشتبها على الإطلاق أما لو کان مرددا بین أشخاص فإن کان بحیث لا یکره کلهم ذکر واحد مبهم منهم کان کالمشتبه على الإطلاق کما لو قال جاءنی عجمی أو عربی کذا و کذا إذا لم یکن الذم راجعا إلى العنوان کأن یکون فی المثالین تعریض إلى ذم تمام العجم أو العرب و إن کان بحیث یکره کلهم ذکر واحد مبهم منهم کأن یقول أحد ابنی زید أو أحد أخویه کذا و کذا ففی کونه اغتیابا لکل منهما لذکرهما بما یکرهانه من التعریض لاحتمال کونه هو المعیوب و عدمه لعدم تهتک ستر العیوب منهما کما لو قال أحد أهل البلد الفلانی کذا و کذا و إن کان فرق بینهما من جهة کون ما نحن فیه محرما من حیث الإساءة إلى المؤمن بتعریضه للاحتمال دون المثال أو کونه اغتیابا للمعیوب الواقعی منهما و إساءة بالنسبة إلى غیره لأنه هتک بالنسبة إلیه لأنه إظهار فی الجملة لعیبه بتقلیل مشارکیه فی احتمال المعیب فیکون الاطلاع علیه قریبا. و أما الآخر فقد أساء بالنسبة إلیه حیث عرضه لاحتمال العیب وجوه.
قال فی جامع المقاصد و یوجد فی کلام بعض الفضلاء أن من شرط الغیبة أن یکون متعلقها محصورا و إلا فلا تعد غیبة فلو قال عن أهل بلدة غیر محصورین ما لو قاله عن شخص واحد کان غیبته لم یحتسب غیبته انتهى.
أقول إن أراد أن ذم جمع غیر محصور لا یعد غیبة و إن قصد انتقاص کل منهم کما لو قال أهل هذه القریة أو هذه البلدة کلهم کذا و کذا فلا إشکال فی کونها غیبة محرمة و لا وجه لإخراجه عن موضوعها أو حکمها و إن أراد ذم المتردد بین غیر المحصور لا یعد غیبة فلا بأس کما ذکرنا و لذا ذکر بعض تبعا لبعض الأساطین فی مستثنیات الغیبة ما لو علق الذم بطائفة أو أهل بلدة أو أهل قریة مع قیام القرینة على عدم إرادة الجمع کذم العرب أو العجم أو أهل الکوفة أو البصرة أو بعض القرى انتهى. و لو أراد الأغلب ففی کونه اغتیابا لکل منهم و عدمه ما تقدم فی المحصور و بالجملة فالمدار فی التحریم غیر المدار فی صدق الغیبة و بینهما عموم من وجه.
الثانی فی کفارة الغیبة الماحیة لها، و مقتضى کونها من حقوق الناس توقف رفعها على إسقاط صاحبها حقه.
أما کونها من حقوق الناس فلأنه ظلم على المغتاب و للأخبار فی أن من حق المؤمن على المؤمن أن لا یغتابه و أن حرمة عرض المسلم کحرمة دمه و ماله و أما توقف رفعها على إبراء ذی الحق فللمستفیضة المعتضدة بالأصل، منها ما تقدم من أن الغیبة لا تغفر حتى یغفر صاحبها و أنها نافلة للحسنات و السیئات.
و منها ما حکاه غیر واحد عن الشیخ الکراجکی بسنده المتصل إلى علی بن الحسین عن أبیه عن آبائه عن أمیر المؤمنین ع قال قال رسول الله ص: للمؤمن على أخیه ثلاثون حقا لا براءة منها إلا بأدائها أو العفو إلى أن قال سمعت رسول الله ص یقول إن أحدکم لیدع من حقوق أخیه شیئا فیطالبه به یوم القیامة فیقضى له و علیه و النبوی المحکی فی السرائر و کشف الریبة: من کانت لأخیه عنده مظلمة فی عرض أو مال فلیستحلها من قبل أن یأتی یوم لیس هناک درهم و لا دینار فیؤخذ من حسناته فإن لم تکن له حسنات أخذ من سیئات صاحبه فتتزاید على سیئاته و فی نبوی آخر: من اغتاب مسلما أو مسلمة لم یقبل الله صلاته و لا صیامه أربعین یوما و لیلة إلا أن یغفر له صاحبه. و فی دعاء التاسع و الثلاثین من أدعیة الصحیفة السجادیة و دعاء یوم الاثنین من ملحقاتها ما یدل على هذا المعنى أیضا.
و لا فرق فی مقتضى الأصل و الأخبار بین التمکن من الوصول إلى صاحبه و تعذره لأن تعذر البراءة لا یوجب سقوط الحق کما فی غیر هذا المقام، لکن روى السکونی عن أبی عبد الله ع عن النبی ص: إن کفارة الاغتیاب أن تستغفر لمن اغتبته کلما ذکرته و لو صح سنده أمکن تخصیص الإطلاقات المتقدمة به فیکون الاستغفار طریقا أیضا إلى البراءة مع احتمال العدم أیضا لأن کون الاستغفار کفارة لا یدل على البراءة فلعله کفارة للذنب من حیث کونه حقا لله تعالى- نظیر کفارة قتل الخطاء التی لا توجب براءة القاتل إلا أن یدعى ظهور السیاق فی البراءة.
قال فی کشف الریبة بعد ذکر النبویین الأخیرین المتعارضین و یمکن الجمع بینهما بحمل الاستغفار- على من لم تبلغه غیبته المغتاب فینبغی له الاقتصار على الدعاء و الاستغفار لأن فی محالته إثارة للفتنة و جلبا للضغائن و فی حکم من لم تبلغه من لم یقدر على الوصول إلیه لموت أو غیبة و حمل المحالة على من یمکن التوصل إلیه مع بلوغه الغیبة.
أقول إن صح النبوی الأخیر سندا فلا مانع عن العمل به بجعله طریقا إلى البراءة مطلقا فی مقابل الاستبراء و إلا تعین طرحه و الرجوع إلى الأصل لإطلاق الأخبار المتقدمة و تعذر الاستبراء أو وجود المفسدة فیه لا یوجب وجود مبرئ آخر. نعم أرسل بعض من قارب عصرنا عن الإمام الصادق ع: أنک إن اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه و إن لم یبلغه فاستغفر الله له و فی روایة السکونی المرویة فی الکافی فی باب الظلم عن أبی عبد الله ع قال قال رسول الله ص: من ظلم أحدا ففاته فلیستغفر الله له فإنه کفارة له
و الإنصاف أن الأخبار الواردة فی هذا الباب کلها غیر نقیة السند و أصالة البراءة تقتضی عدم وجوب الاستحلال و الاستغفار و أصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب بالفتح- على المغتاب بالکسر تقتضی عدم الخروج منه إلا بالاستحلال خاصة لکن المثبت لکون الغیبة حقا بمعنى وجوب البراءة منه لیس إلا الأخبار غیر نقیة السند مع أن السند لو کان نقیا کانت الدلالة ضعیفة- لذکر حقوق أخرى فی الروایات لا قائل بوجوب البراءة منها. و معنى القضاء یوم القیامة لذیها على من علیها المعاملة معه معاملة من لم یراع حقوق المؤمن لا العقاب علیها کما لا یخفى على من لاحظ الحقوق الثلاثین المذکورة فی روایة الکراجکی.
فالقول بعدم کونه حقا للناس بمعنى وجوب البراءة نظیر الحقوق المالیة لا یخلو عن قوة و إن کان الاحتیاط فی خلافه بل لا یخلو عن قرب من جهة کثرة الأخبار الدالة على وجوب الاستبراء منها بل اعتبار سند بعضها و الأحوط الاستحلال إن تیسر و إلا الاستغفار غفر الله لمن اغتبناه و لمن اغتابنا بحق محمد و آله الطاهرین صلوات الله علیهم أجمعین.
الثالث فیما استثنی من الغیبة و حکم بجوازها بالمعنى الأعم.
فاعلم أن المستفاد من الأخبار المتقدمة و غیرها- أن حرمة الغیبة لأجل انتقاص المؤمن و تأذیه منه فإذا فرض هناک مصلحة راجعة إلى المغتاب بالکسر أو بالفتح أو ثالث دل العقل أو الشرع على کونها أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترک ذلک القول فیه وجب کون الحکم على طبق أقوى المصلحتین کما هو الحال فی کل معصیة من حقوق الله و حقوق الناس و قد نبه علیه غیر واحد. قال فی جامع المقاصد بعد ما تقدم عنه فی تعریف الغیبة إن ضابط الغیبة المحرمة کل فعل یقصد به هتک عرض المؤمن أو التفکه به أو إضحاک الناس منه و أما ما کان لغرض صحیح فلا یحرم کنصح المستشیر و التظلم و سماعه و الجرح و التعدیل و رد من ادعى نسبا لیس له و القدح فی مقالة باطلة خصوصا فی الدین انتهى و فی کشف الریبة اعلم أن المرخص فی ذکر مساوئ الغیر غرض صحیح لا یمکن التوصل إلیه إلا بها انتهى. و على هذا فموارد الاستثناء لا تنحصر فی عدد.
نعم الظاهر استثناء موضعین لجواز الغیبة من دون مصلحة:
أحدهما ما إذا کان المغتاب متجاهرا بالفسق، فإن من لم یبال بظهور فسقه بین الناس لا یکره ذکره بالفسق نعم لو کان فی مقام ذمه کرهه من حیث المذمة لکن المذمة على الفسق المتجاهر به لا تحرم کما لا یحرم لعنه. و قد تقدم عن الصحاح أخذ المستور فی المغتاب.
و قد ورد فی الأخبار المستفیضة جواز غیبة المتجاهر منها قوله ع فی روایة هارون بن الجهم: إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غیبة و قوله ع: من ألقى جلباب الحیاء فلا غیبة له و روایة أبی البختری: ثلاثة لیس لهم حرمة صاحب هوى مبتدع و الإمام الجائر و الفاسق المعلن بفسقه و مفهوم قوله ع: من عامل الناس فلم یظلمهم و حدثهم فلم یکذبهم و وعدهم فلم یخلفهم فهو ممن کملت مروته و ظهرت عدالته و وجبت إخوته و حرمت غیبته و فی صحیحة ابن أبی یعفور الواردة: فی بیان العدالة بعد تعریف العدالة أن الدلیل على ذلک أن یکون ساترا لجمیع عیوبه حتى یحرم على المسلمین تفتیش ما وراء ذلک من عثراته دل على ترتب حرمة التفتیش على کون الرجل ساترا فتنتفی عند انتفائه. و مفهوم قوله ع فی روایة علقمة المحکیة عن المحاسن: من لم تره بعینک یرتکب ذنبا و لم یشهد علیه بذلک شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و إن کان فی نفسه مذنبا و من اغتابه بما فیه فهو خارج عن ولایة الله تعالى داخل فی ولایة الشیطان إلى آخر الخبر دل على ترتب حرمة الاغتیاب و قبول الشهادة على کونه من أهل الستر و کونه من أهل العدالة على طریق اللف و النشر أو على اشتراط الکل- بکون الرجل غیر مرئی منه المعصیة و لا مشهود علیه بها و مقتضى المفهوم جواز الاغتیاب مع عدم الشرط خرج منه غیر المتجاهر. و کون قوله من اغتابه إلى آخره جملة مستأنفة غیر معطوفة على الجزاء خلاف الظاهر.
ثم إن مقتضى إطلاق الروایات جواز غیبة المتجاهر فیما تجاهر به و لو مع عدم قصد غرض صحیح و لم أجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحیح و هو ارتداعه عن المنکر. نعم تقدم عن الشهید الثانی- احتمال اعتبار قصد النهی عن المنکر فی جواز سب المتجاهر مع اعترافه بأن ظاهر النص و الفتوى عدمه.
و هل یجوز اغتیاب المتجاهر فی غیر ما تجاهر به صرح الشهید الثانی و غیره بعدم الجواز و حکی عن الشهید أیضا. و ظاهر الروایات النافیة لاحترام المتجاهر و غیر الساتر هو الجواز و استظهره فی الحدائق من کلام جملة من الإعلام و صرح به بعض الأساطین.
و ینبغی إلحاق ما یتستر به بما یتجاهر فیه إذا کان دونه فی القبح فمن تجاهر باللواط العیاذ بالله جاز اغتیابه بالتعرض للنساء الأجنبیات و من تجاهر بقطع الطرق جاز اغتیابه بالسرقة و من تجاهر بکونه جلاد السلطان یقتل الناس و ینکلهم جاز اغتیابه بشرب الخمر و من تجاهر بالقبائح المعروفة جاز اغتیابه بکل قبیح و لعل هذا هو المراد بمن ألقى جلباب الحیاء لا من تجاهر بمعصیة خاصة و عد مستورا بالنسبة إلى غیرها کبعض عمال الظلمة.
ثم المراد بالمتجاهر من تجاهر بالقبیح بعنوان أنه قبیح فلو تجاهر به مع إظهار محمل له لا یعرف فساده إلا القلیل کما إذا کان من عمال الظلمة ادعى فی ذلک عذرا مخالفا للواقع أو غیر مسموع منه لم یعد متجاهرا. نعم لو کان اعتذاره واضح الفساد لم یخرج عن التجاهر.
و لو کان متجاهرا عند أهل بلده أو محلته مستورا عند غیرهم هل یجوز ذکره عند غیرهم ففیه إشکال من إمکان دعوى ظهور روایات المرخصة فیمن لا یستنکف عن الإطلاق على عمله مطلقا فرب متجاهر فی بلده متستر فی بلاد الغربة أو فی طریق الحج و الزیارة لئلا یقع عن عیون الناس.
و بالجملة ف حیث کان الأصل فی المؤمن الاحترام على الإطلاق وجب الاقتصار على ما تیقن خروجه فالأحوط الاقتصار على ذکر المتجاهر بما لا یکرهه لو سمعه و لا یستنکف من ظهوره للغیر. نعم لو تأذى من ذمه بذلک دون ظهوره لم یقدح فی الجواز و لذا جاز سبه بما لا یکون کذبا.
و هذا هو الفارق بین السب و الغیبة حیث إن مناط الأول المذمة و التنقیص فیجوز و مناط الثانی إظهار عیوبه فلا یجوز إلا بمقدار الرخصة.
الثانی تظلم المظلوم و إظهار ما فعل به الظالم و إن کان متسترا به کما إذا ضربه فی اللیل الماضی و شتمه أو أخذ ماله جاز ذکره بذلک عند من لا یعلم ذلک منه.
لظاهر قوله تعالى و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئک ما علیهم من سبیل إنما السبیل على الذین یظلمون الناس و یبغون فی الأرض بغیر الحق و قوله تعالى لا یحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم فعن تفسیر القمی أنه لا یحب الله أن یجهر الرجل بالظلم و السوء و یظلم إلا من ظلم فقد أطلق له أن یعارضه بالظلم و عن تفسیر العیاشی عنه ع: من أضاف قوما فأساء ضیافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح علیهم فیما قالوا فیه و هذه الروایة و إن وجب توجیهها إما بحمل الإساءة على ما یکون ظلما و هتکا لاحترامهم أو بغیر ذلک إلا أنها دالة على عموم من ظلم فی الآیة الشریفة و أن کل من ظلم فلا جناح علیه فیما قال فی الظالم و نحوها فی وجوب التوجیه روایة أخرى فی هذا المعنى محکیة عن المجمع: إن الضیف ینزل بالرجل فلا یحسن ضیافته فلا جناح علیه فی أن یذکره بسوء ما فعله.
و یؤید الحکم فیما نحن فیه أن فی منع المظلوم من هذا الذی هو نوع من التشفی حرجا عظیما و لأن فی تشریع الجواز مظنة ردع للظالم و هی مصلحة خالیة عن مفسدة فیثبت الجواز لأن الأحکام تابعة للمصالح.
و یؤیده ما تقدم من عدم الاحترام للإمام الجائر بناء على أن عدم احترامه من جهة جوره لا من جهة تجاهره و إلا لم یذکره فی مقابل الفاسق المعلن بالفسق و فی النبوی: لصاحب الحق مقال.
و الظاهر من جمیع ما ذکر عدم تقیید جواز الغیبة بکونها عند من یرجو إزالة الظلم عنه بسببه و قواه بعض الأساطین خلافا لکاشف الریبة و جمع ممن تأخر عنه فقیدوه اقتصارا فی مخالفة الأصل على المتیقن من الأدلة لعدم عموم فی الآیة و عدم نهوض ما تقدم فی تفسیرها للحجیة مع أن المروی عن الإمام الباقر ع فی تفسیرها المحکی عن مجمع البیان أنه: لا یحب الله الشتم فی الانتصار إلا من ظلم فلا بأس له أن ینتصر ممن ظلمه بما یجوز الانتصار به فی الدین. قال فی الکتاب المذکور و نظیره و انتصروا من بعد ما ظلموا و ما بعد الآیة لا یصلح للخروج بها عن الأصل الثابت بالأدلة العقلیة و النقلیة و مقتضاه الاقتصار على مورد رجاء تدارک الظلم فلو لم یکن قابلا للتدارک لم تکن فائدة فی هتک الظالم.
و کذا لو لم یکن ما فعل به ظلما- بل کان من ترک الأولى و إن کان یظهر من بعض الأخبار جواز الاشتکاء لذلک فعن الکافی و التهذیب بسندهما عن حماد بن عثمان قال: دخل رجل على أبی عبد الله ع فشکا إلیه رجلا من أصحابه فلم یلبث إن جاء المشکو علیه فقال أبو عبد الله ع ما لفلان یشکوک فقال له یشکونی أنی استقضیت منه حقی قال فجلس أبو عبد الله ع مغضبا ثم قال فقال کأنک إذا استقضیت حقک لم تسئ أ رأیت ما حکى الله عز و جل فی کتابه و یخافون سوء الحساب أ ترى أنهم خافوا الله عز و جل أن یجوز علیهم لا و الله ما خافوا إلا الاستقضاء فسماه الله عز و جل سوء الحساب فمن استقضى فقد أساء و مرسلة ثعلبة بن میمون المرویة عن الکافی قال: کان عنده قوم یحدثهم إذ ذکر رجل منهم رجلا فوقع فیه و شکاه فقال له أبو عبد الله ع و أنى لک بأخیک الکامل و أی الرجال المهذب فإن الظاهر من الجواب أن الشکوى إنما کانت من ترک الأولى الذی لا یلیق بالأخ الکامل المهذب. و مع ذلک کله فالأحوط عد هذه الصورة من الصور العشر الآتیة التی رخص فیها فی الغیبة لغرض صحیح أقوى من مصلحة احترام المغتاب کما أن الأحوط جعل الصورة السابقة خارجة عن موضوع الغیبة ب ذکر المتجاهر بما لا یکره نسبته إلیه من الفسق المتجاهر به و إن جعلها من تعرض لصور الاستثناء منها.
فیبقى من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم صور تعرضوا لها:
منها نصح المستشیر، فإن النصیحة واجبة للمستشیر فإن خیانته قد تکون أقوى مفسدة من الوقوع فی المغتاب. و کذلک النصح من غیر استشاره فإن من أراد تزوج امرأة و أنت تعلم بقبائحها التی توجب وقوع الرجل من أجلها فی الغیبة و الفساد فلا ریب أن التنبیه على بعضها و إن أوجب الوقیعة فیها أولى من ترک نصح المؤمن مع ظهور عدة من الأخبار فی وجوبه.
و منها الاستفتاء، بأن یقول للمفتی ظلمنی فلان فی حقی فکیف طریقی فی الخلاص هذا إذا کان الاستفتاء موقوفا على ذکر الظالم بالخصوص و إلا فلا یجوز.
و یمکن الاستدلال علیه بحکایة هند زوجة أبی سفیان و اشتکائها إلى رسول الله ص و قولها إنه رجل شحیح لا یعطینی ما یکفینی و ولدی فلم یرد ص علیها غیبة أبی سفیان. و لو نوقش فی هذا الاستدلال بخروج غیبة مثل أبی سفیان عن محل الکلام أمکن الاستدلال بصحیحة عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله ع قال: جاء رجل إلى النبی ص فقال إن أمی لا تدفع ید لامس فقال احبسها قال قد فعلت فقال ص فامنع من یدخل علیها قال قد فعلت قال ص فقیدها فإنک لا تبرها بشیء أفضل من أن تمنعها عن محارم الله عز و جل إلى آخر الخبر و احتمال کونها متجاهرة مدفوع بالأصل.
و منها قصد ردع المغتاب عن المنکر الذی یفعله فإنه أولى من ستر المنکر علیه فهو فی الحقیقة إحسان فی حقه مضافا إلى عموم أدلة النهی عن المنکر.
و منها قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس، کالمبتدع الذی یخاف من إضلاله الناس و یدل علیه مضافا إلى أن مصلحة دفع فتنته عن الناس أولى من ستر المغتاب ما عن الکافی بسنده الصحیح عن أبی عبد الله ع قال قال رسول الله ص: إذا رأیتم أهل الریب و البدع من بعدی فأظهروا البراءة منهم و أکثروا من سبهم و القول فیهم و الوقیعة و باهتوهم کیلا یطمعوا فی الفساد فی الإسلام و یحذرهم الناس و لا یتعلموا من بدعهم یکتب الله لکم بذلک الحسنات و یرفع لکم به الدرجات.
و منها جرح الشهود، فإن الإجماع دل على جوازه و لأن مصلحة عدم الحکم بشهادة الفساق أولى من الستر على الفاسق و مثله بل أولى بالجواز جرح الرواة فإن مفسدة العمل بروایة الفاسق أعظم من مفسدة شهادته و یلحق بذلک الشهادة بالزنى و غیره لإقامة الحدود.
و منها دفع الضرر عن المغتاب و علیه یحمل ما ورد فی ذم زرارة من عدة أحادیث و قد بین ذلک الإمام ع بقوله فی بعض ما أمر به عبد الله بن زرارة بتبلیغ أبیه: اقرأ منی على والدک السلام فقل له إنما أعیبک دفاعا منی عنک فإن الناس یسارعون إلى کل من قربناه و حمدناه لإدخال الأذى علیه فیمن نحبه و نقربه و یذمونه لمحبتنا له و قربه و دنوة منا و یرون إدخال الأذى علیه و قتله و یحمدون کل من عیبناه نحن و إنما أعیبک لأنک رجل اشتهرت منا بمیلک إلینا و أنت فی ذلک مذموم غیر محمود الأمر بمودتک لنا و میلک إلینا فأحببت أن أعیبک لیحمدوا أمرک فی الدین ب عیبک و نقصک و یکون ذلک منا دافع شرهم عنک یقول الله عز و جل أما السفینة فکانت لمساکین یعملون فی البحر فأردت أن أعیبها و کان وراءهم ملک یأخذ کل سفینة غصبا هذا التنزیل من عند الله ألا و الله ما عابها إلا لکی تسلم من الملک و لا تغصب على یدیه و لقد کانت صالحة لیس للعیب فیها مساغ و الحمد لله فافهم المثل رحمک الله فإنک أحب الناس إلى و أحب أصحاب أبی إلى حیا و میتا و إنک أفضل سفن ذلک البحر القمقام الزاخر و إن وراءک لملکا ظلوما غصوبا یرقب عبور کل سفینة صالحة ترد من بحر الهدى لیأخذها غصبا و یغصب أهلها فرحمة الله علیک حیا و رحمة الله علیک میتا إلى آخر الخبر.
و یلحق بذلک الغیبة للتقیة على نفس المتکلم أو ماله أو عرضه أو على ثالث فإن الضرورات تبیح المحظورات.
و منها ذکر الشخص بعیبه الذی صار بمنزلة الصفة الممیزة له التی لا یعرف إلا بها کالأعمش و الأعرج و الأشتر و الأحول و نحوها و فی الحدیث جاءت زینب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله ص. و لا بأس بذلک فیما إذا صارت الصفة فی اشتهار یوصف الشخص بها إلى حیث لا یکره ذلک صاحبها و علیه یحمل ما صدر عن الإمام ع و غیره من العلماء الأعلام لکن کون هذا مستثنى مبنی على کون مجرد العیب الظاهر من دون قصد الانتقاص غیبة و قد منعنا ذلک سابقا إذ لا وجه لکراهة المغتاب لعدم کونها إظهارا لعیب غیر ظاهر و المفروض عدم قصد الذم أیضا اللهم إلا أن یقال إن الصفات المشعرة بالذم کالألقاب المشعرة به یکره الإنسان الاتصاف بها و لو من دون قصد الذم بها فإن إشعارها بالذم کاف فی الکراهة.
و منها ما حکاه فی کشف الریبة عن بعض من أنه إذا علم اثنان من رجل معصیة شاهداها فأجرى أحدهما ذکره فی غیبته ذلک العاصی جاز لأنه لا یؤثر عند السامع شیئا و إن کان الأولى تنزیه النفس و اللسان عن ذلک لغیر غرض من الأغراض الصحیحة خصوصا مع احتمال نسیان المخاطب لذلک أو خوف اشتهارها عنهما انتهى. أقول إذا فرض عدم کون ذکرهما فی مقام التعییر و المذمة و لیس هنا هتک ستر أیضا فلا وجه للتحریم و لا لکونها غیبة إلا على ظاهر بعض التعاریف المتقدمة.
و منها رد من ادعى نسبا لیس له فإن مصلحة حفظ الأنساب أولى من مراعاة حرمة المغتاب.
و منها القدح فی مقالة باطلة و إن دل على نقصان قائلها إذا توقف حفظ الحق و إضاعة الباطل علیه و أما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة إلى من تقدم علیه منهم من الجهر بالسوء من القول فلم یعرف له وجه مع شیوعه بینهم من قدیم الأیام ثم إنهم ذکروا موارد للاستثناء لا حاجة إلى ذکرها بعد ما قدمنا أن الضابط فی الرخصة وجود مصلحة غالبة على مفسدة هتک احترام المؤمن و هذا یختلف باختلاف تلک المصالح و مراتب مفسدة هتک المؤمن فإنها متدرجة فی القوة و الضعف فرب مؤمن لا یساوی عرضه شیء فالواجب التحری فی الترجیح بین المصلحة و المفسدة.
الرابع یحرم استماع الغیبة بلا خلاف فقد ورد: أن السامع للغیبة أحد المغتابین. و الأخبار فی حرمته کثیرة إلا أن ما یدل على کونه من الکبائر کالروایة المذکورة و نحوها ضعیفة السند ثم المحرم سماع الغیبة المحرمة دون ما علم حلیتها.
و لو کان متجاهرا عند المغتاب مستورا عند المستمع و قلنا بجواز الغیبة حینئذ للمتکلم فالمحکی جواز الاستماع من احتمال کونه متجاهرا إلا مع العلم بعدمه.
قال فی کشف الریبة إذا سمع أحد مغتابا لآخر و هو لا یعلم المغتاب مستحقا للغیبة و لا عدمه قیل لا یجب نهی القائل لإمکان الاستحقاق فیحمل فعل القائل على الصحة ما لم یعلم فساده لأن ردعه یستلزم انتهاک حرمته و هو أحد المحرمین ثم قال و الأولى التنزیه عن ذلک حتى یتحقق المخرج منه لعموم الأدلة و ترک الاستفصال فیها و هو دلیل إرادة العموم حذرا من الإغراء بالجهل و لأن ذلک لو تم لتمشی فیمن یعلم عدم استحقاق المقول فیه بالنسبة إلى السامع مع احتمال اطلاع القائل على ما یوجب تسویغ مقالته و هو هدم قاعدة النهی عن الغیبة انتهى أقول و المحکی بقوله قیل لا دلالة فیه على جواز الاستماع و إنما یدل على عدم وجوب النهی عنه و یمکن القول بحرمة استماع هذه الغیبة مع فرض جوازها للقائل لأن السامع أحد المغتابین فکما أن المغتاب تحرم علیه الغیبة إلا إذا علم التجاهر المسوغ کذلک السامع یحرم علیه الاستماع إلا إذا علم التجاهر و إما نهی القائل فغیر لازم مع دعوى القائل العذر المسوغ بل مع احتماله فی حقه و إن اعتقد الناهی عدم التجاهر. نعم لو علم عدم اعتقاد القائل بالتجاهر وجب ردعه.
هذا و لکن الأقوى جواز الاستماع إذا جاز للقائل لأنه قول غیر منکر فلا یحرم الإصغاء إلیه للأصل. و الروایة على تقدیر صحتها تدل على أن السامع لغیبة کقائل تلک الغیبة فإن کان القائل عاصیا کان المستمع کذلک فتکون دلیلا على الجواز فیما نحن فیه. نعم لو استظهر منها أن السامع للغیبة کأنه متکلم بها فإن جاز السامع التکلم بغیبة جاز سماعها و إن حرم علیه حرم سماعها أیضا لکانت الروایة على تقدیر صحتها دلیلا للتحریم فیما نحن فیه لکنه خلاف الظاهر من الروایة على تقدیر قراءة المغتابین بالتثنیة و إن کان هو الظاهر على تقدیر قراءته بالجمع لکن هذا التقدیر خلاف الظاهر و قد تقدم فی مسألة التشبیب أنه إذا کان شک السامع فی حصول شرط حرمته من القائل لم یحرم استماعه فراجع.
ثم إنه یظهر من الأخبار المستفیضة وجوب رد الغیبة. فعن المجالس بإسناده عن أبی ذر رضوان الله علیه عن النبی ص: من اغتیب عنده أخوه المؤمن و هو یستطیع نصره فنصره نصره الله تعالى فی الدنیا و الآخرة و إن خذله و هو یستطیع نصره خذله الله فی الدنیا و الآخرة و نحوها عن الصدوق بإسناده عن الصادق عن آبائه ع فی وصیة النبی ص لعلی ع. و عن عقاب الأعمال بسنده عن النبی ص: من رد عن أخیه غیبة سمعها فی مجلس رد الله عنه ألف باب من الشر فی الدنیا و الآخرة فإن لم یرد عنه و أعجبه کان علیه کوزر من اغتابه و عن الصدوق بإسناده عن الصادق ع فی حدیث الملاهی عن النبی ص: من تطول على أخیه فی غیبة سمعها فیه فی مجلس فردها عنه رد الله عنه ألف باب من الشر فی الدنیا و الآخرة فإن هو لم یردها و هو قادر على ردها کان علیه کوزر من اغتابه سبعین مرة إلى آخر الخبر. و لعل وجه زیادة عقابه أنه إذا لم یرده تجری المغتاب على الغیبة فیصر على هذه الغیبة و غیرها.
و الظاهر أن الرد غیر النهی عن الغیبة و المراد به الانتصار للغائب بما یناسب تلک الغیبة فإن کان عیبا دنیویا انتصر له بأن العیب لیس إلا ما عاب الله به من المعاصی التی من أکبرها ذکرک أخاک بما لم یعبأ الله به و إن کان عیبا دینیا وجهه بمحامل تخرجه عن المعصیة فإن لم یقبل التوجیه انتصر له بأن المؤمن قد یبتلى بالمعصیة فینبغی أن تستغفر له و تهتم له لا أن تعیره و أن تعییرک إیاه لعله أعظم عند الله من معصیته و نحو ذلک.
ثم إنه قد یتضاعف عقاب المغتاب إذا کان ممن یمدح المغتاب فی حضوره و هذا و إن کان فی نفسه مباحا إلا أنه إذا انضم مع ذمه فی غیبته سمی صاحبه ذا لسانین یوم القیامة و تتأکد حرمتها و لذا ورد فی المستفیضة أنه یجیء ذو لسانین یوم القیامة و له لسانان من النار فإن لسان المدح فی الحضور و إن لم یکن لسانا من نار إلا أنه إذا انضم إلى لسان الذم فی الغیاب صار کذلک. و عن المجالس بسنده عن حفص بن غیاث عن الصادق عن أبیه عن آبائه عن علی ع قال رسول الله ص: من مدح أخاه المؤمن فی وجهه و اغتابه من ورائه فقد انقطع ما بینهما من العصمة و عن الباقر ع: بئس العبد عبد یکون ذا وجهین و ذا لسانین یطرأ أخاه شاهدا و یأکله غائبا إن أعطی حسده و إن ابتلی خذله.
و اعلم أنه قد یطلق الاغتیاب على البهتان و هو أن یقال فی شخص ما لیس فیه و هو أغلظ تحریما من الغیبة و وجهه ظاهر لأنه جامع بین مفسدتی الکذب و الغیبة و یمکن القول بتعدد العقاب- من جهة کل من العنوانین و المرکب. و فی روایة علقمة عن الصادق ع حدثنی أبی عن آبائه ع عن رسول الله ص أنه قال: من اغتاب مؤمنا بما فیه لم یجمع الله بینهما فی الجنة أبدا و من اغتاب مؤمنا بما لیس فیه فقد انقطعت العصمة بینهما و کان المغتاب فی النار خالدا فیها و بئس المصیر.
خاتمة فی بعض ما ورد من حقوق المسلم على أخیه:
ففی صحیحة مرازم عن أبی عبد الله ع: ما عبد الله بشیء أفضل من أداء حق المؤمن و روی فی الوسائل و کشف الریبة عن کنز الفوائد للشیخ الکراجکی عن الحسین بن محمد بن علی الصیرفی عن محمد بن علی الجعابی عن القاسم بن محمد بن جعفر العلوی عن أبیه عن آبائه عن علی ع قال: قال رسول الله ص للمسلم على أخیه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بأدائها أو العفو یغفر زلته و یرحم عبرته و یستر عورته و یقیل عثرته و یقبل معذرته و یرد غیبته و یدیم نصیحته و یحفظ خلته و یرعى ذمته و یعود مرضه و یشهد میته و یجیب دعوته و یقبل هدیته و یکافئ صلته و یشکر نعمته و یحسن نصرته و یحفظ حلیلته و یقضى حاجته و یستنجح مسألته و یسمت عطسته و یرشد ضالته و یرد سلامه و یطیب کلامه و یبر إنعامه- و یصدق أقسامه و یوالی ولیه و لا یعادیه و ینصره ظالما و مظلوما فأما نصرته ظالما فیرده عن ظلمه و أما نصرته مظلوما فیعینه على أخذ حقه و لا یسلمه و لا یخذله و یحب له من الخیر ما یحب لنفسه و یکره له من الشر ما یکره لنفسه ثم قال ع سمعت رسول الله ص یقول إن أحدکم لیدع من حقوق أخیه شیئا فیطالبه به یوم القیامة فیقضى له و علیه. و الأخبار فی حقوق المؤمن کثیرة و الظاهر إرادة الحقوق المستحبة التی ینبغی أداؤها. و معنى القضاء لذیها على من هی علیه المعاملة معه معاملة من أهملها بالحرمان عما أعد لمن أدى حقوق الإخوة.
ثم إن ظاهرها و إن کان عاما إلا أنه یمکن تخصیصها بالأخ العارف بهذه الحقوق المؤدی لها بحسب الیسر أما المؤمن المضیع لها فالظاهر عدم تأکد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة إلیه و لا یوجب إهمالها مطالبته یوم القیامة لتحقق المقاصة فإن التهاتر یقع فی الحقوق کما یقع فی الأموال.
و قد ورد فی غیر واحد من الأخبار ما یظهر منه الرخصة فی ترک هذه الحقوق لبعض الإخوان بل لجمیعهم إلا القلیل منهم. فعن الصدوق رحمه الله فی الخصال و کتاب الإخوان و الکلینی بسندهما عن أبی جعفر ع قال: قام إلى أمیر المؤمنین ص رجل بالبصرة فقال أخبرنا عن الإخوان فقال ع الإخوان صنفان إخوان الثقة و إخوان المکاشرة فأما إخوان الثقة فهم کالکف و الجناح و الأهل و المال فإذا کنت من أخیک على ثقة فابذل له مالک و یدک و صاف من صافاه و عاد من عاداه و اکتم سره و عیبه و أظهر منه الحسن و اعلم أیها السائل أنهم أعز من الکبریت الأحمر و أما إخوان المکاشرة فإنک تصیب منهم لذتک فلا تقطعن ذلک منهم و لا تطلبن ما وراء ذلک من ضمیرهم و ابذل لهم ما بذلوا لک من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان.
و فی روایة عبید الله الحلبی المرویة فی الکافی عن أبی عبد الله ع قال: لا تکون الصداقة إلا بحدودها فمن کانت فیه هذه الحدود أو شیء منها فانسبه إلى الصداقة و من لم یکن فیه شیء منها فلا تنسبه إلى شیء من الصداقة فأولها أن تکون سریرته و علانیته لک واحدة و الثانیة أن یرى زینک زینه و شینک شینه و الثالثة أن لا تغیره علیک ولایة و لا مال و الرابعة أن لا یمنعک شیئا تناله مقدرته و الخامسة و هی تجمع هذه الخصال أن لا یسلمک عند النکبات و لا یخفى أنه إذا لم تکن الصداقة لم تکن الأخوة فلا بأس بترک الحقوق المذکورة بالنسبة إلیه. و فی نهج البلاغة: لا یکون الصدیق صدیقا حتى یحفظ أخاه فی ثلاث فی نکبته و فی غیبته و فی وفاته.
و فی کتاب الإخوان بسنده عن الوصافی عن أبی جعفر ع قال: قال لی أ رأیت من قبلکم إذا کان الرجل لیس علیه رداء و عند بعض إخوانه رداء یطرحه علیه قلت لا قال فإذا کان لیس عنده إزار یوصل إلیه بعض إخوانه بفضل إزاره حتى یجد له إزارا قلت لا قال فضرب بیده على فخذه و قال ما هؤلاء بإخوة إلى آخر الخبر دل على أن من لا یواسی المؤمن لیس بأخ له فلا یکون له حقوق الأخوة المذکورة فی روایات الحقوق. و نحوه روایة ابن أبی عمیر عن خلاد رفعه قال: أبطأ على رسول الله ص رجل فقال ما أبطأ بک فقال العری یا رسول الله فقال ص أ ما کان لک جار له ثوبان یعیرک أحدهما فقال بلى یا رسول الله فقال ص ما هذا لک بأخ و فی روایة یونس بن ظبیان قال قال أبو عبد الله ع: اختبروا إخوانکم بخصلتین فإن کانتا فیهم و إلا فأعزب ثم اعزب ثم اعزب المحافظة على الصلاة فی مواقیتها و البر بالإخوان فی الیسر و العسر.
***
حوزوی کتب
مکاسب حصہ اول
*کتاب المکاسب*
فی المکاسب المحرمة
تقسیم المکاسب إلى الأحکام الخمسة
النوع الأول الاکتساب بالأعیان النجسة عدا ما استثنی
المسئلة الأولى یحرم المعاوضة على بول
المسئلة الثانیة یحرم بیع العذرة النجسة
المسئلة الثالثة یحرم المعاوضة على الدم
المسئلة الرابعة لا إشکال فی حرمة بیع المنی
المسئلة الخامسة تحرم المعاوضة على المیتة
المسئلة السادسة یحرم التکسب بالکلب و الخنزیر
المسئلة السابعة یحرم التکسب بالخمر
المسئلة الثامنة یحرم المعاوضة على الأعیان المتنجسة
و أما المستثنى من الأعیان المتقدمة
المسئلة الأولى یجوز بیع المملوک الکافر
المسئلة الثانیة یجوز المعاوضة على غیر کلب الهراش
المسئلة الثالثة المعاوضة على العصیر العنبی
المسئلة الرابعة یجوز المعاوضة على الدهن المتنجس
بقی الکلام فی حکم نجس العین
النوع الثانی مما یحرم التکسب به لتحریم ما یقصد به
القسم الأول ما لا یقصد من وجوده إلا الحرام
منها هیاکل العبادة المبتدعة
منها آلات القمار بأنواعه
منها آلات اللهو على اختلاف أصنافها
منها أوانی الذهب و الفضة
منها الدراهم الخارجة المعمولة لأجل غش الناس
القسم الثانی ما یقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة
المسئلة الأولى بیع العنب على أن یعمل خمرا
المسألة الثانیة یحرم المعاوضة على الجاریة المغنیة
المسألة الثالثة یحرم بیع العنب ممن یعمله خمرا
القسم الثالث ما یحرم لتحریم ما یقصد منه شأنا
النوع الثالث ما لا منفعة فیه محللة معتدا بها
النوع الرابع ما یحرم الاکتساب به لکونه عملا محرما
المسألة الأولى تدلیس الماشطة
المسألة الثانیة تزیبن الرجل بما یحرم علیه
المسألة الثالثة التشبیب بالمرأة
المسألة الرابعة تصویر ذوات الأرواح
المسألة الخامسة التطفیف
المسألة السادسة التنجیم
المسألة السابعة حفظ کتب الضلال
المسألة الثامنة الرشوة
المسئلة التاسعة سب المؤمنین
المسئلة العاشرة السحر
المسئلة الحادیة عشرة الشعبذة
المسئلة الثانیة عشرة الغش
المسئلة الثالثة عشرة الغناء
المسئلة الرابعة عشرة الغیبة
المسئلة الخامسة عشرة القمار
المسئلة السادسة عشرة القیادة
المسئلة السابعة عشرة القیافة
المسئلة الثامنة عشرة الکذب
المسئلة التاسعة عشرة الکهانة
المسئلة العشرون اللهو
المسئلة الحادیة و العشرون مدح من لا یستحق المدح
المسئلة الثانیة و العشرون معونة الظالمین
المسئلة الثالثة و العشرون النجش
المسئلة الرابعة و العشرون النمیمة
المسئلة الخامسة و العشرون النوح بالباطل
المسئلة السادسة و العشرون الولایة من قبل الجائر
و ینبغی التنبیه على أمور
خاتمة فیما ینبغی للوالی العمل به فی نفسه و فی رعیته
المسئلة السابعة و العشرون هجاء المؤمن
المسئلة الثامنة و العشرون الهجر
النوع الخامس حرمة التکسب بالواجبات
الأولى بیع المصحف
الثانیة جوائز السلطان و عماله
الثالثة ما یأخذه السلطان لأخذ الخراج و المقاسمة
التنبیه الاول
التنبیه الثانی
التنبیه الثالث
التنبیه الرابع
التنبیه الخامس
التنبیه السادس
التنبیه السابع
التنبیه الثامن
مکاسب حصہ اول
المسئلة الرابعة عشرة الغیبة
المسئلة الرابعة عشرة الغیبة حرام بالأدلة الأربعة و یدل علیه من الکتاب قوله تعالى (و لا یغتب بعضکم بعضا أ یحب أحدکم أن یأکل لحم أخیه میتا فکرهتموه) فجعل المؤمن أخا و عرضه کلحمه و التفکه به أکلا و عدم شعوره بذلک بمنزلة حالة موته. و قوله تعالى (ویل لکل همزة لمزة) و قوله تعالى (لا یحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) و قوله تعالى (إن الذین یحبون أن تشیع الفاحشة فی الذین آمنوا لهم عذاب ألیم).
و یدل علیه من الأخبار ما لا یحصى فمنها ما روی عن النبی ص بعده طرق: أن الغیبة أشد من الزنى و إن الرجل یزنی فیتوب و یتوب الله علیه و إن صاحب الغیبة لا یغفر له حتى یغفر له صاحبه و عنه ص: أنه خطب یوما فذکر الربا و عظم شأنه فقال إن الدرهم یصیبه الرجل من الربا أعظم من ستة و ثلاثین زنیة و إن أربى الربا عرض الرجل المسلم و عنه ص: من اغتاب مسلما أو مسلمة لم یقبل الله صلاته و لا صیامه أربعین صباحا إلا أن یغفر له صاحبه و عنه ص: من اغتاب مؤمنا بما فیه لم یجمع الله بینهما فی الجنة و من اغتاب مؤمنا بما لیس فیه انقطعت العصمة بینهما و کان المغتاب خالدا فی النار و بئس المصیر و عنه ع: کذب من زعم أنه ولد من حلال و هو یأکل لحوم الناس بالغیبة فاجتنب الغیبة فإنها إدام کلاب النار. و عنه ع: من مشى فی غیبة أخیه و کشف عورته کانت أول خطوة خطاها وضعها فی جهنم و روی: أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من یدخل الجنة و إن لم یتب فهو أول من یدخل النار و عنه ص: إن الغیبة حرام على کل مسلم و إن الغیبة لتأکل الحسنات کما تأکل النار الحطب و أکل الحسنات إما أن یکون على وجه الإحباط أو لاضمحلال ثوابها فی جنب عقابه أو لأنها تنقل الحسنات إلى المغتاب کما فی غیر واحد من الأخبار. و منها النبوی ص: یؤتى بأحد یوم القیامة فیوقف بین یدی الرب عز و جل و یدفع إلیه کتابه فلا یرى حسناته فیه فیقول إلهی لیس هذا کتابی لا أرى فیه حسناتی فیقال له إن ربک لا یضل و لا ینسى ذهب عملک باغتیاب الناس ثم یؤتى بآخر و یدفع إلیه کتابه فیرى فیه طاعات کثیرة فیقول إلهی ما هذا کتابی فإنی ما عملت هذه الطاعات فیقال له إن فلانا اغتابک فدفعت حسناته إلیک الخبر و منها ما ذکره کاشف الریبة رحمه الله روایة عن عبد الله بن سلیمان النوفلی الطویلة عن الصادق ع و فیها عن النبی ص: أدنى الکفر أن یسمع الرجل من أخیه کلمة فیحفظها علیه یرید أن یفضحه بها أولئک لا خلاق لهم و حدثنی أبی عن آبائه عن علی ع أنه: من قال فی مؤمن ما رأته عیناه و سمعت أذناه مما یشینه و یهدم مروته فهو من الذین قال الله عز و جل (إن الذین یحبون أن تشیع الفاحشة فی الذین آمنوا لهم عذاب ألیم).
ثم إن ظاهر هذه الأخبار کون الغیبة من الکبائر کما ذکر جماعة بل أشد من بعضها- و عد فی غیر واحد من الأخبار من الکبائر الخیانة و یمکن إرجاع الغیبة إلیها فأی خیانة أعظم من التفکه بلحم الأخ على غفلة منه و عدم شعوره بذلک. و کیف کان فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة فی عدها من الکبائر إظهار فی غیر المحل.
ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغیبة بالمؤمن فیجوز اغتیاب المخالف کما یجوز لعنه و توهم عموم الآیة کبعض الروایات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم و عدم جریان أحکام الإسلام علیهم إلا قلیلا مما یتوقف استقامة نظم معاش المؤمنین علیه مثل عدم انفعال ما یلاقیهم بالرطوبة و حل ذبائحهم و مناکحتهم و حرمة دمائهم لحکمة دفع الفتنة و نسائهم لأن لکل قوم نکاحا و نحو ذلک مع أن التمثیل المذکور فی الآیة مختص بمن ثبت إخوته فلا یعم من وجب التبری عنه و کیف کان فلا إشکال فی المسألة بعد ملاحظة الروایات الواردة فی الغیبة و فی حکمه حرمتها و فی حال غیر المؤمن فی نظر الشارع.
ثم الظاهر دخول الصبی الممیز المتأثر بالغیبة لو سمعها لعموم بعض الروایات المتقدمة و غیرها الدالة على حرمة اغتیاب الناس و أکل لحومهم مع صدق الأخ علیه کما یشهد به قوله تعالى و إن تخالطوهم فإخوانکم فی الدین مضافا إلى إمکان الاستدلال بالآیة و إن کان الخطاب للمکلفین بناء على عد أطفالهم منهم تغلیبا و إمکان دعوى صدق المؤمن علیه مطلقا أو فی الجملة و لعله لما ذکرنا صرح فی کشف الریبة بعدم الفرق بین الصغیر و الکبیر و ظاهره الشمول لغیر الممیز أیضا.
و منه یظهر حکم المجنون إلا أنه صرح بعض الأساطین باستثناء من لا عقل له و لا تمییز معللا بالشک فی دخوله تحت أدلة الحرمة و لعله من جهة أن الإطلاقات منصرفة إلى من یتأثر لو سمع و سیتضح ذلک زیادة على ذلک.
بقی الکلام فی أمور: الأول: الغیبة اسم مصدر لاغتاب أو مصدر لغاب ففی المصباح اغتابه إذا ذکره بما یکرهه من العیوب و هو حق و الاسم الغیبة و عن القاموس غابه أی عابه و ذکره بما فیه من السوء و عن النهایة أن یذکر الإنسان فی غیبته بسوء مما یکون فیه. و الظاهر من الکل خصوصا القاموس المفسر لها أولا بالعیب أن المراد ذکره فی مقام الانتقاص و المراد بالموصول هو نفس النقص الذی فیه و الظاهر من الکراهة فی عبارة المصباح کراهة وجوده و لکنه غیر مقصود قطعا فالمراد إما کراهة ظهوره و لو لم یکره وجوده کالمیل إلى القبائح و إما کراهة ذکره بذلک العیب. و على هذا التعریف دلت جملة من الأخبار مثل: قوله ع و قد سأله أبو ذر عن الغیبة أنها ذکرک أخاک بما یکرهه و فی نبوی آخر قال ص: أ تدرون ما الغیبة قالوا الله و رسوله أعلم قال ذکرکم أخاکم بما یکرهه. و لذا قال فی جامع المقاصد إن حد الغیبة على ما فی الأخبار أن تقول فی أخیک ما یکرهه لو سمعه مما هو فیه. و المراد بما یکرهه کما تقدم فی عبارة المصنف ما یکرهه ظهوره سواء کره وجوده کالبرص و الجذام أم لا کالمیل إلى القبائح و یحتمل أن یراد بالموصول نفس الکلام الذی یذکر الشخص به و یکون کراهته إما لکونه إظهارا للعیب و إما لکونه صادرا على جهة المذمة و الاستخفاف و الاستهزاء و إن لم یکن العیب مما یکره إظهاره لکونه ظاهرا بنفسه و إما لکونه مشعرا بالذم و إن لم یقصد المتکلم الذم به کالألقاب المشعرة بالذم قال فی الصحاح الغیبة أن یتکلم خلف إنسان مستور بما یغمه لو سمعه. و ظاهره التکلم بکلام یغمه لو سمعه. بل فی کلام بعض من قارب عصرنا أن الإجماع و الأخبار متطابقان على أن حقیقة الغیبة أن یذکر الغیر بما یکره لو سمعه سواء أ کان بنقص فی نفسه أو بدنه أو دینه أو دنیاه أو فیما یتعلق به من الأشیاء و ظاهره أیضا إرادة الکلام المکروه. و قال الشهید الثانی فی کشف الریبة أن الغیبة ذکر الإنسان فی حال غیبته بما یکره نسبته إلیه مما یعد نقصا فی العرف بقصد الانتقاص و الذم و یخرج على هذا التعریف ما إذا ذکر الشخص بصفات ظاهرة یکون وجودها نقصا مع عدم قصد انتقاصه بذلک مع أنه داخل فی التعریف عند الشهید أیضا حیث عد من الغیبة ذکر بعض الأشخاص بالصفات المعروف بها کالأعمش و الأعور و نحوهما. و کذلک ذکر عیوب الجاریة التی یراد شراؤها إذا لم یقصد من ذکرها إلا بیان الواقع و غیر ذلک مما ذکره هو و غیره من المستثنیات و دعوى أن قصد الانتقاص یحصل بمجرد بیان النقائص موجبة لاستدراک ذکره بعد قوله مما یعد نقصا. و الأولى بملاحظة ما تقدم من الأخبار و کلمات الأصحاب بناء على إرجاع الکراهة إلى الکلام المذکور به لا إلى الوصف ما تقدم من أن الغیبة أن یذکر الإنسان بکلام یسوؤه إما بإظهار عیبه المستور و إن لم یقصد انتقاصه و إما بانتقاصه بعیب غیر مستور إما بقصد التکلم أو بکون الکلام بنفسه منقصا له کما إذا اتصف الشخص بالألقاب المشعرة بالذم. نعم لو أرجعت الکراهة إلى الوصف الذی یسند إلى الإنسان تعین إرادة کراهة ظهورها فیختص بالقسم الأول و هو ما کان إظهارا لأمر مستور. و یؤید هذا الاحتمال بل یعینه الأخبار المستفیضة الدالة على اعتبار کون المقول مستورا غیر منکشف مثل قوله ع فیما رواه العیاشی بسنده عن ابن سنان: الغیبة أن تقول فی أخیک ما فیه مما قد ستره الله علیه و روایة داود بن سرحان المرویة فی الکافی قال: سألت أبا عبد الله ع عن الغیبة قال هو أن تقول لأخیک فی دینه ما لم یفعل و تبث علیه أمر قد ستره الله تعالى علیه لم یقم علیه فیه حد و روایة أبان عن رجل لا یعلمه إلا یحیى الأزرق قال: قال لی أبو الحسن ع من ذکر رجلا من خلفه بما هو فیه مما عرفه الناس لم یغتبه و من ذکره من خلفه بما هو فیه مما لا یعرفه الناس فقد اغتابه و من ذکره بما لیس فیه فقد بهته و حسنة عبد الرحمن بن سیابة ب ابن هاشم قال قال سمعت أبا عبد الله ع یقول: الغیبة أن تقول فی أخیک ما ستره الله علیه و أما الأمر الظاهر فیه مثل الحدة و العجلة فلا و البهتان أن تقول فیه ما لیس فیه و هذه الأخبار کما ترى صریحة فی اعتبار کون الشیء غیر منکشف. و یؤید ذلک ما فی الصحاح من أن الغیبة أن یتکلم خلف إنسان مستور بما یغمه لو سمعه فإن کان صدقا سمی غیبة و إن کان کذبا سمی بهتانا فإن أراد من المستور من حیث ذلک المقول وافق الأخبار و إن أراد مقابل المتجاهر احتمل الموافقة و المخالفة. و الملخص من مجموع ما ورد فی المقام أن الشیء المقول إن لم یکن نقصا فلا یکون ذکر الشخص حینئذ غیبة و إن اعتقد المقول فیه کونه نقصا علیه نظیر ما إذا نفی عنه الاجتهاد و لیس ممن یکون ذلک نقصا فی حقه إلا أنه معتقد باجتهاد نفسه. نعم قد یحرم هذا من وجه آخر. و إن کان نقصا شرعا أو عرفا بحسب حال المغتاب فإن کان مخفیا للسامع بحیث یستنکف عن ظهوره للناس و أراد القائل تنقیص المغتاب به فهو المتیقن من أفراد الغیبة و إن لم یرد القائل التنقیص فالظاهر حرمته لکونه کشفا لعورة المؤمن و قد تقدم الخبر من مشى فی غیبة أخیه و کشف عورته. و فی صحیحة ابن سنان عن أبی عبد الله ع قال: قلت عورة المؤمن على المؤمن حرام قال نعم قلت تعنی سفلتیه قال لیس حیث تذهب إنما هی إذاعة سره و فی روایة محمد بن فضل عن أبی الحسن ع: و لا تذیعن علیه شیئا تشینه به و تهدم به مروته فتکون من الذین قال الله عز و جل فی کتابه إن الذین یحبون أن تشیع الفاحشة فی الذین آمنوا لهم عذاب ألیم و لا یقید إطلاق النهی بصورة قصد الشین و الهدم من جهة الاستشهاد بآیة حب شیاع الفاحشة بل الظاهر أن المراد مجرد فعل ما یوجب شیاعها مع أنه لا فائدة کثیرة فی التنبیه على دخول القاصد لإشاعة الفاحشة فی عموم الآیة و إنما یحسن التنبیه على أن قاصد السبب قاصد للمسبب و إن لم یقصده بعنوانه. و کیف کان فلا إشکال من حیث النقل و العقل فی حرمة إذاعة ما یوجب مهانة المؤمن و سقوطه عن أعین الناس فی الجملة. و إنما الکلام فی أنها غیبة أم لا مقتضى الأخبار المتقدمة بأسرها ذلک خصوصا المستفیضة الأخیرة فإن التفصیل فیها بین الظاهر و الخفی إنما یکون مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص و أما مع قصده فلا فرق بینهما فی الحرمة و المنفی فی تلک الأخبار و إن کان تحقق موضوع الغیبة دون الحکم بالحرمة إلا أن ظاهر سیاقها نفی الحرمة فیما عداها أیضا لکن مقتضى ظاهر التعریف المتقدم عن کشف الریبة عدمه لأنه اعتبر قصد الانتقاص و الذم إلا أن یراد اعتبار ذلک فیما یقع على وجهین دون ما لا یقع إلا على وجه واحد فإن قصد ما لا ینفک عن الانتقاص قصد له. و إن کان المقول نقصا ظاهرا للسامع فإن لم یقصد القائل الذم و لم یکن الوصف من الأوصاف المشعرة بالذم نظیر الألقاب المشعرة به فالظاهر أنه خارج عن الغیبة لعدم حصول کراهة للمقول فیه لا من حیث الإظهار و لا من حیث ذم المتکلم و لا من حیث الإشعار و إن کان من الأوصاف المشعرة بالذم أو قصد المتکلم التعییر و المذمة لوجوده فلا إشکال فی حرمة الثانی بل و کذا الأول لعموم ما دل على حرمة إیذاء المؤمن و إهانته- و حرمة التنابز بالألقاب و حرمة تعییر المؤمن على صدور معصیة منه فضلا عن غیرها. ففی عدة من الأخبار: من عیر مؤمنا على معصیة لم یمت حتى یرتکبه و إنما الکلام فی کونهما من الغیبة فإن ظاهر المستفیضة المتقدمة عدم کونهما منها. و ظاهر ما عداها من الأخبار المتقدمة بناء على إرجاع الکراهة فیها إلى کراهة الکلام الذی یذکر به الغیر و کذلک کلام أهل اللغة عدا الصحاح على بعض احتمالاته کونهما غیبة. و العمل بالمستفیضة لا یخلو عن قوة و إن کان ظاهر الأکثر خلافه فیکون ذکر الشخص بالعیوب الظاهرة التی لا یفید السامع اطلاعا لم یعلمه و لا یعلمه عادة من غیر خبر مخبر لیس غیبة- فلا یحرم إلا إذا ثبتت الحرمة من حیث المذمة و التعییر أو من جهة کون نفس الاتصاف بتلک الصفة مما یستنکفه المغتاب و لو باعتبار بعض التعبیرات فیحرم من جهة الإیذاء و الاستخفاف و الذم و التعییر. ثم الظاهر المصرح به فی بعض الروایات- عدم الفرق فی ذلک على ما صرح به غیر واحد بین ما کان نقصانا فی بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دینه أو دنیاه حتى فی ثوبه أو داره أو دابته أو غیر ذلک. و قد روی عن مولانا الصادق ع الإشارة إلى ذلک بقوله: وجوه الغیبة تقع بذکر عیب فی الخلق و الفعل و المعاملة و المذهب و الجهل و أشباهه. قیل أما البدن فکذکرک فیه العمش و الحول و العور و القرع و القصر و الطول و السواد و الصفرة و جمیع ما یتصور أن یوصف به مما یکرهه. و أما النسب فبأن تقول أبوه فاسق أو خبیث أو خسیس أو إسکاف أو حائک أو نحو ذلک مما یکره. و أما الخلق فبأن تقول إنه سیئ الخلق بخیل مراء متکبر شدید الغضب جبان ضعیف القلب و نحو ذلک. و أما فی أفعاله المتعلقة بالدین فکقولک إنه سارق کذاب شارب خائن ظالم متهاون بالصلاة لا یحسن الرکوع و السجود و لا یجتنب من النجاسات لیس بارا بوالدیه لا یحرس نفسه من الغیبة و التعرض لإعراض الناس. و أما أفعاله المتعلقة بالدنیا فکقولک إنه قلیل الأدب متهاون بالناس لا یرى لأحد علیه حقا کثیر الکلام کثیر الأکل نئوم یجلس فی غیر موضعه. و أما فی ثوبه فکقولک إنه واسع الکم طویل الذیل وسخ الثیاب و نحو ذلک. ثم إن ظاهر النص و إن کان منصرفا إلى الذکر باللسان لکن المراد حقیقة الذکر فهو مقابل الإغفال فکل ما یوجب التذکر للشخص من القول و الفعل و الإشارة و غیرها فهو ذکر له و من ذلک المبالغة فی تهجین المطلب الذی ذکره بعض المصنفین بحیث یفهم منها الإزراء بحال ذلک المصنف فإن قولک إن هذا المطلب بدیهی البطلان تعریض لصاحبه بأنه لا یعرف البدیهیات- بخلاف ما إذا قیل إنه مستلزم لما هو بدیهی البطلان لأن فیه تعریضا بأن صاحبه لم ینتقل إلى الملازمة بین المطلب و بین ما هو بدیهی البطلان و لعل الملازمة نظریة و قد وقع من بعض الأعلام بالنسبة إلى بعضهم ما لا بد له من الحمل و التوجیه- أعوذ بالله من الغرور و إعجاب المرء بنفسه و حسده على غیره و الاستیکال بالعلم. ثم إن دواعی الغیبة کثیرة، روی عن مولانا الصادق ع التنبیه علیها إجمالا بقوله ع: أصل الغیبة تتنوع بعشرة أنواع شفاء غیظ و مساعدة قوم و تصدیق خبر بلا کشف و تهمة و سوء ظن و حسد و سخریة و تعجب و تبرم و تزین إلى آخر الخبر. ثم إن ذکر الشخص قد یتضح کونها غیبة و قد یخفى على النفس لحب أو بغض فیرى أنه لم یغتب و قد وقع فی أعظمها و من ذلک أن الإنسان قد یغتم بسبب ما یبتلى به أخوه فی الدین لأجل أمر یرجع إلى نقص فی فعله أو رأیه فیذکره المغتم فی مقام التأسف علیه بما یکره ظهوره للغیر مع أنه کان یمکنه بیان حاله للغیر على وجه لا یذکر اسمه لیکون قد أحرز ثواب الاغتمام على ما أصاب المؤمن لکن الشیطان یخدعه و یوقعه فی ذکر الاسم. بقی الکلام فی أنه هل یعتبر فی الغیبة حضور مخاطب عند المغتاب أو یکفی ذکره عند نفسه ظاهر الأکثر الدخول کما صرح به بعض المعاصرین. نعم ربما یستثنى من حکمها عند من استثنى ما لو علم اثنان صفة شخص فیذکر أحدهما بحضرة الآخر و أما على ما قویناه من الرجوع فی تعریف الغیبة إلى ما دلت علیه المستفیضة المتقدمة من کونها هتک سر مستور فلا یدخل ذلک فی الغیبة. و منه یظهر أیضا أنه لا یدخل فیها ما لو کان الغائب مجهولا عند المخاطب مرددا بین أشخاص غیر محصورة کما إذا قال جاءنی الیوم رجل بخیل دنی ذمیم فإن ظاهر تعریف الأکثر دخوله و إن خرج عن الحکم بناء على اعتبار التأثیر عند السامع و ظاهر المستفیضة المتقدمة عدم الدخول. نعم لو قصد المذمة و التعییر حرم من هذه الجهة فیجب على السامع نهی المتکلم عنه إلا إذا احتمل أن یکون الشخص متجاهرا بالفسق فیحمل فعل المتکلم على المصلحة کما سیجیء فی مسألة الاستماع و الظاهر أن الذم و التعییر لمجهول العین لا یجب الردع عنه مع کون الذم و التعبیر فی موقعهما بأن کان مستحقا لهما- و إن لم یستحق مواجهته بالذم أو ذکره عند غیره بالذم. هذا کله لو کان الغائب المذکور مشتبها على الإطلاق أما لو کان مرددا بین أشخاص فإن کان بحیث لا یکره کلهم ذکر واحد مبهم منهم کان کالمشتبه على الإطلاق کما لو قال جاءنی عجمی أو عربی کذا و کذا إذا لم یکن الذم راجعا إلى العنوان کأن یکون فی المثالین تعریض إلى ذم تمام العجم أو العرب و إن کان بحیث یکره کلهم ذکر واحد مبهم منهم کأن یقول أحد ابنی زید أو أحد أخویه کذا و کذا ففی کونه اغتیابا لکل منهما لذکرهما بما یکرهانه من التعریض لاحتمال کونه هو المعیوب و عدمه لعدم تهتک ستر العیوب منهما کما لو قال أحد أهل البلد الفلانی کذا و کذا و إن کان فرق بینهما من جهة کون ما نحن فیه محرما من حیث الإساءة إلى المؤمن بتعریضه للاحتمال دون المثال أو کونه اغتیابا للمعیوب الواقعی منهما و إساءة بالنسبة إلى غیره لأنه هتک بالنسبة إلیه لأنه إظهار فی الجملة لعیبه بتقلیل مشارکیه فی احتمال المعیب فیکون الاطلاع علیه قریبا. و أما الآخر فقد أساء بالنسبة إلیه حیث عرضه لاحتمال العیب وجوه. قال فی جامع المقاصد و یوجد فی کلام بعض الفضلاء أن من شرط الغیبة أن یکون متعلقها محصورا و إلا فلا تعد غیبة فلو قال عن أهل بلدة غیر محصورین ما لو قاله عن شخص واحد کان غیبته لم یحتسب غیبته انتهى. أقول إن أراد أن ذم جمع غیر محصور لا یعد غیبة و إن قصد انتقاص کل منهم کما لو قال أهل هذه القریة أو هذه البلدة کلهم کذا و کذا فلا إشکال فی کونها غیبة محرمة و لا وجه لإخراجه عن موضوعها أو حکمها و إن أراد ذم المتردد بین غیر المحصور لا یعد غیبة فلا بأس کما ذکرنا و لذا ذکر بعض تبعا لبعض الأساطین فی مستثنیات الغیبة ما لو علق الذم بطائفة أو أهل بلدة أو أهل قریة مع قیام القرینة على عدم إرادة الجمع کذم العرب أو العجم أو أهل الکوفة أو البصرة أو بعض القرى انتهى. و لو أراد الأغلب ففی کونه اغتیابا لکل منهم و عدمه ما تقدم فی المحصور و بالجملة فالمدار فی التحریم غیر المدار فی صدق الغیبة و بینهما عموم من وجه. الثانی فی کفارة الغیبة الماحیة لها، و مقتضى کونها من حقوق الناس توقف رفعها على إسقاط صاحبها حقه. أما کونها من حقوق الناس فلأنه ظلم على المغتاب و للأخبار فی أن من حق المؤمن على المؤمن أن لا یغتابه و أن حرمة عرض المسلم کحرمة دمه و ماله و أما توقف رفعها على إبراء ذی الحق فللمستفیضة المعتضدة بالأصل، منها ما تقدم من أن الغیبة لا تغفر حتى یغفر صاحبها و أنها نافلة للحسنات و السیئات. و منها ما حکاه غیر واحد عن الشیخ الکراجکی بسنده المتصل إلى علی بن الحسین عن أبیه عن آبائه عن أمیر المؤمنین ع قال قال رسول الله ص: للمؤمن على أخیه ثلاثون حقا لا براءة منها إلا بأدائها أو العفو إلى أن قال سمعت رسول الله ص یقول إن أحدکم لیدع من حقوق أخیه شیئا فیطالبه به یوم القیامة فیقضى له و علیه و النبوی المحکی فی السرائر و کشف الریبة: من کانت لأخیه عنده مظلمة فی عرض أو مال فلیستحلها من قبل أن یأتی یوم لیس هناک درهم و لا دینار فیؤخذ من حسناته فإن لم تکن له حسنات أخذ من سیئات صاحبه فتتزاید على سیئاته و فی نبوی آخر: من اغتاب مسلما أو مسلمة لم یقبل الله صلاته و لا صیامه أربعین یوما و لیلة إلا أن یغفر له صاحبه. و فی دعاء التاسع و الثلاثین من أدعیة الصحیفة السجادیة و دعاء یوم الاثنین من ملحقاتها ما یدل على هذا المعنى أیضا. و لا فرق فی مقتضى الأصل و الأخبار بین التمکن من الوصول إلى صاحبه و تعذره لأن تعذر البراءة لا یوجب سقوط الحق کما فی غیر هذا المقام، لکن روى السکونی عن أبی عبد الله ع عن النبی ص: إن کفارة الاغتیاب أن تستغفر لمن اغتبته کلما ذکرته و لو صح سنده أمکن تخصیص الإطلاقات المتقدمة به فیکون الاستغفار طریقا أیضا إلى البراءة مع احتمال العدم أیضا لأن کون الاستغفار کفارة لا یدل على البراءة فلعله کفارة للذنب من حیث کونه حقا لله تعالى- نظیر کفارة قتل الخطاء التی لا توجب براءة القاتل إلا أن یدعى ظهور السیاق فی البراءة. قال فی کشف الریبة بعد ذکر النبویین الأخیرین المتعارضین و یمکن الجمع بینهما بحمل الاستغفار- على من لم تبلغه غیبته المغتاب فینبغی له الاقتصار على الدعاء و الاستغفار لأن فی محالته إثارة للفتنة و جلبا للضغائن و فی حکم من لم تبلغه من لم یقدر على الوصول إلیه لموت أو غیبة و حمل المحالة على من یمکن التوصل إلیه مع بلوغه الغیبة. أقول إن صح النبوی الأخیر سندا فلا مانع عن العمل به بجعله طریقا إلى البراءة مطلقا فی مقابل الاستبراء و إلا تعین طرحه و الرجوع إلى الأصل لإطلاق الأخبار المتقدمة و تعذر الاستبراء أو وجود المفسدة فیه لا یوجب وجود مبرئ آخر. نعم أرسل بعض من قارب عصرنا عن الإمام الصادق ع: أنک إن اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه و إن لم یبلغه فاستغفر الله له و فی روایة السکونی المرویة فی الکافی فی باب الظلم عن أبی عبد الله ع قال قال رسول الله ص: من ظلم أحدا ففاته فلیستغفر الله له فإنه کفارة له و الإنصاف أن الأخبار الواردة فی هذا الباب کلها غیر نقیة السند و أصالة البراءة تقتضی عدم وجوب الاستحلال و الاستغفار و أصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب بالفتح- على المغتاب بالکسر تقتضی عدم الخروج منه إلا بالاستحلال خاصة لکن المثبت لکون الغیبة حقا بمعنى وجوب البراءة منه لیس إلا الأخبار غیر نقیة السند مع أن السند لو کان نقیا کانت الدلالة ضعیفة- لذکر حقوق أخرى فی الروایات لا قائل بوجوب البراءة منها. و معنى القضاء یوم القیامة لذیها على من علیها المعاملة معه معاملة من لم یراع حقوق المؤمن لا العقاب علیها کما لا یخفى على من لاحظ الحقوق الثلاثین المذکورة فی روایة الکراجکی. فالقول بعدم کونه حقا للناس بمعنى وجوب البراءة نظیر الحقوق المالیة لا یخلو عن قوة و إن کان الاحتیاط فی خلافه بل لا یخلو عن قرب من جهة کثرة الأخبار الدالة على وجوب الاستبراء منها بل اعتبار سند بعضها و الأحوط الاستحلال إن تیسر و إلا الاستغفار غفر الله لمن اغتبناه و لمن اغتابنا بحق محمد و آله الطاهرین صلوات الله علیهم أجمعین. الثالث فیما استثنی من الغیبة و حکم بجوازها بالمعنى الأعم. فاعلم أن المستفاد من الأخبار المتقدمة و غیرها- أن حرمة الغیبة لأجل انتقاص المؤمن و تأذیه منه فإذا فرض هناک مصلحة راجعة إلى المغتاب بالکسر أو بالفتح أو ثالث دل العقل أو الشرع على کونها أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترک ذلک القول فیه وجب کون الحکم على طبق أقوى المصلحتین کما هو الحال فی کل معصیة من حقوق الله و حقوق الناس و قد نبه علیه غیر واحد. قال فی جامع المقاصد بعد ما تقدم عنه فی تعریف الغیبة إن ضابط الغیبة المحرمة کل فعل یقصد به هتک عرض المؤمن أو التفکه به أو إضحاک الناس منه و أما ما کان لغرض صحیح فلا یحرم کنصح المستشیر و التظلم و سماعه و الجرح و التعدیل و رد من ادعى نسبا لیس له و القدح فی مقالة باطلة خصوصا فی الدین انتهى و فی کشف الریبة اعلم أن المرخص فی ذکر مساوئ الغیر غرض صحیح لا یمکن التوصل إلیه إلا بها انتهى. و على هذا فموارد الاستثناء لا تنحصر فی عدد. نعم الظاهر استثناء موضعین لجواز الغیبة من دون مصلحة: أحدهما ما إذا کان المغتاب متجاهرا بالفسق، فإن من لم یبال بظهور فسقه بین الناس لا یکره ذکره بالفسق نعم لو کان فی مقام ذمه کرهه من حیث المذمة لکن المذمة على الفسق المتجاهر به لا تحرم کما لا یحرم لعنه. و قد تقدم عن الصحاح أخذ المستور فی المغتاب. و قد ورد فی الأخبار المستفیضة جواز غیبة المتجاهر منها قوله ع فی روایة هارون بن الجهم: إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غیبة و قوله ع: من ألقى جلباب الحیاء فلا غیبة له و روایة أبی البختری: ثلاثة لیس لهم حرمة صاحب هوى مبتدع و الإمام الجائر و الفاسق المعلن بفسقه و مفهوم قوله ع: من عامل الناس فلم یظلمهم و حدثهم فلم یکذبهم و وعدهم فلم یخلفهم فهو ممن کملت مروته و ظهرت عدالته و وجبت إخوته و حرمت غیبته و فی صحیحة ابن أبی یعفور الواردة: فی بیان العدالة بعد تعریف العدالة أن الدلیل على ذلک أن یکون ساترا لجمیع عیوبه حتى یحرم على المسلمین تفتیش ما وراء ذلک من عثراته دل على ترتب حرمة التفتیش على کون الرجل ساترا فتنتفی عند انتفائه. و مفهوم قوله ع فی روایة علقمة المحکیة عن المحاسن: من لم تره بعینک یرتکب ذنبا و لم یشهد علیه بذلک شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و إن کان فی نفسه مذنبا و من اغتابه بما فیه فهو خارج عن ولایة الله تعالى داخل فی ولایة الشیطان إلى آخر الخبر دل على ترتب حرمة الاغتیاب و قبول الشهادة على کونه من أهل الستر و کونه من أهل العدالة على طریق اللف و النشر أو على اشتراط الکل- بکون الرجل غیر مرئی منه المعصیة و لا مشهود علیه بها و مقتضى المفهوم جواز الاغتیاب مع عدم الشرط خرج منه غیر المتجاهر. و کون قوله من اغتابه إلى آخره جملة مستأنفة غیر معطوفة على الجزاء خلاف الظاهر. ثم إن مقتضى إطلاق الروایات جواز غیبة المتجاهر فیما تجاهر به و لو مع عدم قصد غرض صحیح و لم أجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحیح و هو ارتداعه عن المنکر. نعم تقدم عن الشهید الثانی- احتمال اعتبار قصد النهی عن المنکر فی جواز سب المتجاهر مع اعترافه بأن ظاهر النص و الفتوى عدمه. و هل یجوز اغتیاب المتجاهر فی غیر ما تجاهر به صرح الشهید الثانی و غیره بعدم الجواز و حکی عن الشهید أیضا. و ظاهر الروایات النافیة لاحترام المتجاهر و غیر الساتر هو الجواز و استظهره فی الحدائق من کلام جملة من الإعلام و صرح به بعض الأساطین. و ینبغی إلحاق ما یتستر به بما یتجاهر فیه إذا کان دونه فی القبح فمن تجاهر باللواط العیاذ بالله جاز اغتیابه بالتعرض للنساء الأجنبیات و من تجاهر بقطع الطرق جاز اغتیابه بالسرقة و من تجاهر بکونه جلاد السلطان یقتل الناس و ینکلهم جاز اغتیابه بشرب الخمر و من تجاهر بالقبائح المعروفة جاز اغتیابه بکل قبیح و لعل هذا هو المراد بمن ألقى جلباب الحیاء لا من تجاهر بمعصیة خاصة و عد مستورا بالنسبة إلى غیرها کبعض عمال الظلمة. ثم المراد بالمتجاهر من تجاهر بالقبیح بعنوان أنه قبیح فلو تجاهر به مع إظهار محمل له لا یعرف فساده إلا القلیل کما إذا کان من عمال الظلمة ادعى فی ذلک عذرا مخالفا للواقع أو غیر مسموع منه لم یعد متجاهرا. نعم لو کان اعتذاره واضح الفساد لم یخرج عن التجاهر. و لو کان متجاهرا عند أهل بلده أو محلته مستورا عند غیرهم هل یجوز ذکره عند غیرهم ففیه إشکال من إمکان دعوى ظهور روایات المرخصة فیمن لا یستنکف عن الإطلاق على عمله مطلقا فرب متجاهر فی بلده متستر فی بلاد الغربة أو فی طریق الحج و الزیارة لئلا یقع عن عیون الناس. و بالجملة ف حیث کان الأصل فی المؤمن الاحترام على الإطلاق وجب الاقتصار على ما تیقن خروجه فالأحوط الاقتصار على ذکر المتجاهر بما لا یکرهه لو سمعه و لا یستنکف من ظهوره للغیر. نعم لو تأذى من ذمه بذلک دون ظهوره لم یقدح فی الجواز و لذا جاز سبه بما لا یکون کذبا. و هذا هو الفارق بین السب و الغیبة حیث إن مناط الأول المذمة و التنقیص فیجوز و مناط الثانی إظهار عیوبه فلا یجوز إلا بمقدار الرخصة. الثانی تظلم المظلوم و إظهار ما فعل به الظالم و إن کان متسترا به کما إذا ضربه فی اللیل الماضی و شتمه أو أخذ ماله جاز ذکره بذلک عند من لا یعلم ذلک منه. لظاهر قوله تعالى و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئک ما علیهم من سبیل إنما السبیل على الذین یظلمون الناس و یبغون فی الأرض بغیر الحق و قوله تعالى لا یحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم فعن تفسیر القمی أنه لا یحب الله أن یجهر الرجل بالظلم و السوء و یظلم إلا من ظلم فقد أطلق له أن یعارضه بالظلم و عن تفسیر العیاشی عنه ع: من أضاف قوما فأساء ضیافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح علیهم فیما قالوا فیه و هذه الروایة و إن وجب توجیهها إما بحمل الإساءة على ما یکون ظلما و هتکا لاحترامهم أو بغیر ذلک إلا أنها دالة على عموم من ظلم فی الآیة الشریفة و أن کل من ظلم فلا جناح علیه فیما قال فی الظالم و نحوها فی وجوب التوجیه روایة أخرى فی هذا المعنى محکیة عن المجمع: إن الضیف ینزل بالرجل فلا یحسن ضیافته فلا جناح علیه فی أن یذکره بسوء ما فعله. و یؤید الحکم فیما نحن فیه أن فی منع المظلوم من هذا الذی هو نوع من التشفی حرجا عظیما و لأن فی تشریع الجواز مظنة ردع للظالم و هی مصلحة خالیة عن مفسدة فیثبت الجواز لأن الأحکام تابعة للمصالح. و یؤیده ما تقدم من عدم الاحترام للإمام الجائر بناء على أن عدم احترامه من جهة جوره لا من جهة تجاهره و إلا لم یذکره فی مقابل الفاسق المعلن بالفسق و فی النبوی: لصاحب الحق مقال. و الظاهر من جمیع ما ذکر عدم تقیید جواز الغیبة بکونها عند من یرجو إزالة الظلم عنه بسببه و قواه بعض الأساطین خلافا لکاشف الریبة و جمع ممن تأخر عنه فقیدوه اقتصارا فی مخالفة الأصل على المتیقن من الأدلة لعدم عموم فی الآیة و عدم نهوض ما تقدم فی تفسیرها للحجیة مع أن المروی عن الإمام الباقر ع فی تفسیرها المحکی عن مجمع البیان أنه: لا یحب الله الشتم فی الانتصار إلا من ظلم فلا بأس له أن ینتصر ممن ظلمه بما یجوز الانتصار به فی الدین. قال فی الکتاب المذکور و نظیره و انتصروا من بعد ما ظلموا و ما بعد الآیة لا یصلح للخروج بها عن الأصل الثابت بالأدلة العقلیة و النقلیة و مقتضاه الاقتصار على مورد رجاء تدارک الظلم فلو لم یکن قابلا للتدارک لم تکن فائدة فی هتک الظالم. و کذا لو لم یکن ما فعل به ظلما- بل کان من ترک الأولى و إن کان یظهر من بعض الأخبار جواز الاشتکاء لذلک فعن الکافی و التهذیب بسندهما عن حماد بن عثمان قال: دخل رجل على أبی عبد الله ع فشکا إلیه رجلا من أصحابه فلم یلبث إن جاء المشکو علیه فقال أبو عبد الله ع ما لفلان یشکوک فقال له یشکونی أنی استقضیت منه حقی قال فجلس أبو عبد الله ع مغضبا ثم قال فقال کأنک إذا استقضیت حقک لم تسئ أ رأیت ما حکى الله عز و جل فی کتابه و یخافون سوء الحساب أ ترى أنهم خافوا الله عز و جل أن یجوز علیهم لا و الله ما خافوا إلا الاستقضاء فسماه الله عز و جل سوء الحساب فمن استقضى فقد أساء و مرسلة ثعلبة بن میمون المرویة عن الکافی قال: کان عنده قوم یحدثهم إذ ذکر رجل منهم رجلا فوقع فیه و شکاه فقال له أبو عبد الله ع و أنى لک بأخیک الکامل و أی الرجال المهذب فإن الظاهر من الجواب أن الشکوى إنما کانت من ترک الأولى الذی لا یلیق بالأخ الکامل المهذب. و مع ذلک کله فالأحوط عد هذه الصورة من الصور العشر الآتیة التی رخص فیها فی الغیبة لغرض صحیح أقوى من مصلحة احترام المغتاب کما أن الأحوط جعل الصورة السابقة خارجة عن موضوع الغیبة ب ذکر المتجاهر بما لا یکره نسبته إلیه من الفسق المتجاهر به و إن جعلها من تعرض لصور الاستثناء منها. فیبقى من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم صور تعرضوا لها: منها نصح المستشیر، فإن النصیحة واجبة للمستشیر فإن خیانته قد تکون أقوى مفسدة من الوقوع فی المغتاب. و کذلک النصح من غیر استشاره فإن من أراد تزوج امرأة و أنت تعلم بقبائحها التی توجب وقوع الرجل من أجلها فی الغیبة و الفساد فلا ریب أن التنبیه على بعضها و إن أوجب الوقیعة فیها أولى من ترک نصح المؤمن مع ظهور عدة من الأخبار فی وجوبه. و منها الاستفتاء، بأن یقول للمفتی ظلمنی فلان فی حقی فکیف طریقی فی الخلاص هذا إذا کان الاستفتاء موقوفا على ذکر الظالم بالخصوص و إلا فلا یجوز. و یمکن الاستدلال علیه بحکایة هند زوجة أبی سفیان و اشتکائها إلى رسول الله ص و قولها إنه رجل شحیح لا یعطینی ما یکفینی و ولدی فلم یرد ص علیها غیبة أبی سفیان. و لو نوقش فی هذا الاستدلال بخروج غیبة مثل أبی سفیان عن محل الکلام أمکن الاستدلال بصحیحة عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله ع قال: جاء رجل إلى النبی ص فقال إن أمی لا تدفع ید لامس فقال احبسها قال قد فعلت فقال ص فامنع من یدخل علیها قال قد فعلت قال ص فقیدها فإنک لا تبرها بشیء أفضل من أن تمنعها عن محارم الله عز و جل إلى آخر الخبر و احتمال کونها متجاهرة مدفوع بالأصل. و منها قصد ردع المغتاب عن المنکر الذی یفعله فإنه أولى من ستر المنکر علیه فهو فی الحقیقة إحسان فی حقه مضافا إلى عموم أدلة النهی عن المنکر. و منها قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس، کالمبتدع الذی یخاف من إضلاله الناس و یدل علیه مضافا إلى أن مصلحة دفع فتنته عن الناس أولى من ستر المغتاب ما عن الکافی بسنده الصحیح عن أبی عبد الله ع قال قال رسول الله ص: إذا رأیتم أهل الریب و البدع من بعدی فأظهروا البراءة منهم و أکثروا من سبهم و القول فیهم و الوقیعة و باهتوهم کیلا یطمعوا فی الفساد فی الإسلام و یحذرهم الناس و لا یتعلموا من بدعهم یکتب الله لکم بذلک الحسنات و یرفع لکم به الدرجات. و منها جرح الشهود، فإن الإجماع دل على جوازه و لأن مصلحة عدم الحکم بشهادة الفساق أولى من الستر على الفاسق و مثله بل أولى بالجواز جرح الرواة فإن مفسدة العمل بروایة الفاسق أعظم من مفسدة شهادته و یلحق بذلک الشهادة بالزنى و غیره لإقامة الحدود. و منها دفع الضرر عن المغتاب و علیه یحمل ما ورد فی ذم زرارة من عدة أحادیث و قد بین ذلک الإمام ع بقوله فی بعض ما أمر به عبد الله بن زرارة بتبلیغ أبیه: اقرأ منی على والدک السلام فقل له إنما أعیبک دفاعا منی عنک فإن الناس یسارعون إلى کل من قربناه و حمدناه لإدخال الأذى علیه فیمن نحبه و نقربه و یذمونه لمحبتنا له و قربه و دنوة منا و یرون إدخال الأذى علیه و قتله و یحمدون کل من عیبناه نحن و إنما أعیبک لأنک رجل اشتهرت منا بمیلک إلینا و أنت فی ذلک مذموم غیر محمود الأمر بمودتک لنا و میلک إلینا فأحببت أن أعیبک لیحمدوا أمرک فی الدین ب عیبک و نقصک و یکون ذلک منا دافع شرهم عنک یقول الله عز و جل أما السفینة فکانت لمساکین یعملون فی البحر فأردت أن أعیبها و کان وراءهم ملک یأخذ کل سفینة غصبا هذا التنزیل من عند الله ألا و الله ما عابها إلا لکی تسلم من الملک و لا تغصب على یدیه و لقد کانت صالحة لیس للعیب فیها مساغ و الحمد لله فافهم المثل رحمک الله فإنک أحب الناس إلى و أحب أصحاب أبی إلى حیا و میتا و إنک أفضل سفن ذلک البحر القمقام الزاخر و إن وراءک لملکا ظلوما غصوبا یرقب عبور کل سفینة صالحة ترد من بحر الهدى لیأخذها غصبا و یغصب أهلها فرحمة الله علیک حیا و رحمة الله علیک میتا إلى آخر الخبر. و یلحق بذلک الغیبة للتقیة على نفس المتکلم أو ماله أو عرضه أو على ثالث فإن الضرورات تبیح المحظورات. و منها ذکر الشخص بعیبه الذی صار بمنزلة الصفة الممیزة له التی لا یعرف إلا بها کالأعمش و الأعرج و الأشتر و الأحول و نحوها و فی الحدیث جاءت زینب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله ص. و لا بأس بذلک فیما إذا صارت الصفة فی اشتهار یوصف الشخص بها إلى حیث لا یکره ذلک صاحبها و علیه یحمل ما صدر عن الإمام ع و غیره من العلماء الأعلام لکن کون هذا مستثنى مبنی على کون مجرد العیب الظاهر من دون قصد الانتقاص غیبة و قد منعنا ذلک سابقا إذ لا وجه لکراهة المغتاب لعدم کونها إظهارا لعیب غیر ظاهر و المفروض عدم قصد الذم أیضا اللهم إلا أن یقال إن الصفات المشعرة بالذم کالألقاب المشعرة به یکره الإنسان الاتصاف بها و لو من دون قصد الذم بها فإن إشعارها بالذم کاف فی الکراهة. و منها ما حکاه فی کشف الریبة عن بعض من أنه إذا علم اثنان من رجل معصیة شاهداها فأجرى أحدهما ذکره فی غیبته ذلک العاصی جاز لأنه لا یؤثر عند السامع شیئا و إن کان الأولى تنزیه النفس و اللسان عن ذلک لغیر غرض من الأغراض الصحیحة خصوصا مع احتمال نسیان المخاطب لذلک أو خوف اشتهارها عنهما انتهى. أقول إذا فرض عدم کون ذکرهما فی مقام التعییر و المذمة و لیس هنا هتک ستر أیضا فلا وجه للتحریم و لا لکونها غیبة إلا على ظاهر بعض التعاریف المتقدمة. و منها رد من ادعى نسبا لیس له فإن مصلحة حفظ الأنساب أولى من مراعاة حرمة المغتاب. و منها القدح فی مقالة باطلة و إن دل على نقصان قائلها إذا توقف حفظ الحق و إضاعة الباطل علیه و أما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة إلى من تقدم علیه منهم من الجهر بالسوء من القول فلم یعرف له وجه مع شیوعه بینهم من قدیم الأیام ثم إنهم ذکروا موارد للاستثناء لا حاجة إلى ذکرها بعد ما قدمنا أن الضابط فی الرخصة وجود مصلحة غالبة على مفسدة هتک احترام المؤمن و هذا یختلف باختلاف تلک المصالح و مراتب مفسدة هتک المؤمن فإنها متدرجة فی القوة و الضعف فرب مؤمن لا یساوی عرضه شیء فالواجب التحری فی الترجیح بین المصلحة و المفسدة. الرابع یحرم استماع الغیبة بلا خلاف فقد ورد: أن السامع للغیبة أحد المغتابین. و الأخبار فی حرمته کثیرة إلا أن ما یدل على کونه من الکبائر کالروایة المذکورة و نحوها ضعیفة السند ثم المحرم سماع الغیبة المحرمة دون ما علم حلیتها. و لو کان متجاهرا عند المغتاب مستورا عند المستمع و قلنا بجواز الغیبة حینئذ للمتکلم فالمحکی جواز الاستماع من احتمال کونه متجاهرا إلا مع العلم بعدمه. قال فی کشف الریبة إذا سمع أحد مغتابا لآخر و هو لا یعلم المغتاب مستحقا للغیبة و لا عدمه قیل لا یجب نهی القائل لإمکان الاستحقاق فیحمل فعل القائل على الصحة ما لم یعلم فساده لأن ردعه یستلزم انتهاک حرمته و هو أحد المحرمین ثم قال و الأولى التنزیه عن ذلک حتى یتحقق المخرج منه لعموم الأدلة و ترک الاستفصال فیها و هو دلیل إرادة العموم حذرا من الإغراء بالجهل و لأن ذلک لو تم لتمشی فیمن یعلم عدم استحقاق المقول فیه بالنسبة إلى السامع مع احتمال اطلاع القائل على ما یوجب تسویغ مقالته و هو هدم قاعدة النهی عن الغیبة انتهى أقول و المحکی بقوله قیل لا دلالة فیه على جواز الاستماع و إنما یدل على عدم وجوب النهی عنه و یمکن القول بحرمة استماع هذه الغیبة مع فرض جوازها للقائل لأن السامع أحد المغتابین فکما أن المغتاب تحرم علیه الغیبة إلا إذا علم التجاهر المسوغ کذلک السامع یحرم علیه الاستماع إلا إذا علم التجاهر و إما نهی القائل فغیر لازم مع دعوى القائل العذر المسوغ بل مع احتماله فی حقه و إن اعتقد الناهی عدم التجاهر. نعم لو علم عدم اعتقاد القائل بالتجاهر وجب ردعه. هذا و لکن الأقوى جواز الاستماع إذا جاز للقائل لأنه قول غیر منکر فلا یحرم الإصغاء إلیه للأصل. و الروایة على تقدیر صحتها تدل على أن السامع لغیبة کقائل تلک الغیبة فإن کان القائل عاصیا کان المستمع کذلک فتکون دلیلا على الجواز فیما نحن فیه. نعم لو استظهر منها أن السامع للغیبة کأنه متکلم بها فإن جاز السامع التکلم بغیبة جاز سماعها و إن حرم علیه حرم سماعها أیضا لکانت الروایة على تقدیر صحتها دلیلا للتحریم فیما نحن فیه لکنه خلاف الظاهر من الروایة على تقدیر قراءة المغتابین بالتثنیة و إن کان هو الظاهر على تقدیر قراءته بالجمع لکن هذا التقدیر خلاف الظاهر و قد تقدم فی مسألة التشبیب أنه إذا کان شک السامع فی حصول شرط حرمته من القائل لم یحرم استماعه فراجع. ثم إنه یظهر من الأخبار المستفیضة وجوب رد الغیبة. فعن المجالس بإسناده عن أبی ذر رضوان الله علیه عن النبی ص: من اغتیب عنده أخوه المؤمن و هو یستطیع نصره فنصره نصره الله تعالى فی الدنیا و الآخرة و إن خذله و هو یستطیع نصره خذله الله فی الدنیا و الآخرة و نحوها عن الصدوق بإسناده عن الصادق عن آبائه ع فی وصیة النبی ص لعلی ع. و عن عقاب الأعمال بسنده عن النبی ص: من رد عن أخیه غیبة سمعها فی مجلس رد الله عنه ألف باب من الشر فی الدنیا و الآخرة فإن لم یرد عنه و أعجبه کان علیه کوزر من اغتابه و عن الصدوق بإسناده عن الصادق ع فی حدیث الملاهی عن النبی ص: من تطول على أخیه فی غیبة سمعها فیه فی مجلس فردها عنه رد الله عنه ألف باب من الشر فی الدنیا و الآخرة فإن هو لم یردها و هو قادر على ردها کان علیه کوزر من اغتابه سبعین مرة إلى آخر الخبر. و لعل وجه زیادة عقابه أنه إذا لم یرده تجری المغتاب على الغیبة فیصر على هذه الغیبة و غیرها. و الظاهر أن الرد غیر النهی عن الغیبة و المراد به الانتصار للغائب بما یناسب تلک الغیبة فإن کان عیبا دنیویا انتصر له بأن العیب لیس إلا ما عاب الله به من المعاصی التی من أکبرها ذکرک أخاک بما لم یعبأ الله به و إن کان عیبا دینیا وجهه بمحامل تخرجه عن المعصیة فإن لم یقبل التوجیه انتصر له بأن المؤمن قد یبتلى بالمعصیة فینبغی أن تستغفر له و تهتم له لا أن تعیره و أن تعییرک إیاه لعله أعظم عند الله من معصیته و نحو ذلک. ثم إنه قد یتضاعف عقاب المغتاب إذا کان ممن یمدح المغتاب فی حضوره و هذا و إن کان فی نفسه مباحا إلا أنه إذا انضم مع ذمه فی غیبته سمی صاحبه ذا لسانین یوم القیامة و تتأکد حرمتها و لذا ورد فی المستفیضة أنه یجیء ذو لسانین یوم القیامة و له لسانان من النار فإن لسان المدح فی الحضور و إن لم یکن لسانا من نار إلا أنه إذا انضم إلى لسان الذم فی الغیاب صار کذلک. و عن المجالس بسنده عن حفص بن غیاث عن الصادق عن أبیه عن آبائه عن علی ع قال رسول الله ص: من مدح أخاه المؤمن فی وجهه و اغتابه من ورائه فقد انقطع ما بینهما من العصمة و عن الباقر ع: بئس العبد عبد یکون ذا وجهین و ذا لسانین یطرأ أخاه شاهدا و یأکله غائبا إن أعطی حسده و إن ابتلی خذله. و اعلم أنه قد یطلق الاغتیاب على البهتان و هو أن یقال فی شخص ما لیس فیه و هو أغلظ تحریما من الغیبة و وجهه ظاهر لأنه جامع بین مفسدتی الکذب و الغیبة و یمکن القول بتعدد العقاب- من جهة کل من العنوانین و المرکب. و فی روایة علقمة عن الصادق ع حدثنی أبی عن آبائه ع عن رسول الله ص أنه قال: من اغتاب مؤمنا بما فیه لم یجمع الله بینهما فی الجنة أبدا و من اغتاب مؤمنا بما لیس فیه فقد انقطعت العصمة بینهما و کان المغتاب فی النار خالدا فیها و بئس المصیر. خاتمة فی بعض ما ورد من حقوق المسلم على أخیه: ففی صحیحة مرازم عن أبی عبد الله ع: ما عبد الله بشیء أفضل من أداء حق المؤمن و روی فی الوسائل و کشف الریبة عن کنز الفوائد للشیخ الکراجکی عن الحسین بن محمد بن علی الصیرفی عن محمد بن علی الجعابی عن القاسم بن محمد بن جعفر العلوی عن أبیه عن آبائه عن علی ع قال: قال رسول الله ص للمسلم على أخیه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بأدائها أو العفو یغفر زلته و یرحم عبرته و یستر عورته و یقیل عثرته و یقبل معذرته و یرد غیبته و یدیم نصیحته و یحفظ خلته و یرعى ذمته و یعود مرضه و یشهد میته و یجیب دعوته و یقبل هدیته و یکافئ صلته و یشکر نعمته و یحسن نصرته و یحفظ حلیلته و یقضى حاجته و یستنجح مسألته و یسمت عطسته و یرشد ضالته و یرد سلامه و یطیب کلامه و یبر إنعامه- و یصدق أقسامه و یوالی ولیه و لا یعادیه و ینصره ظالما و مظلوما فأما نصرته ظالما فیرده عن ظلمه و أما نصرته مظلوما فیعینه على أخذ حقه و لا یسلمه و لا یخذله و یحب له من الخیر ما یحب لنفسه و یکره له من الشر ما یکره لنفسه ثم قال ع سمعت رسول الله ص یقول إن أحدکم لیدع من حقوق أخیه شیئا فیطالبه به یوم القیامة فیقضى له و علیه. و الأخبار فی حقوق المؤمن کثیرة و الظاهر إرادة الحقوق المستحبة التی ینبغی أداؤها. و معنى القضاء لذیها على من هی علیه المعاملة معه معاملة من أهملها بالحرمان عما أعد لمن أدى حقوق الإخوة. ثم إن ظاهرها و إن کان عاما إلا أنه یمکن تخصیصها بالأخ العارف بهذه الحقوق المؤدی لها بحسب الیسر أما المؤمن المضیع لها فالظاهر عدم تأکد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة إلیه و لا یوجب إهمالها مطالبته یوم القیامة لتحقق المقاصة فإن التهاتر یقع فی الحقوق کما یقع فی الأموال. و قد ورد فی غیر واحد من الأخبار ما یظهر منه الرخصة فی ترک هذه الحقوق لبعض الإخوان بل لجمیعهم إلا القلیل منهم. فعن الصدوق رحمه الله فی الخصال و کتاب الإخوان و الکلینی بسندهما عن أبی جعفر ع قال: قام إلى أمیر المؤمنین ص رجل بالبصرة فقال أخبرنا عن الإخوان فقال ع الإخوان صنفان إخوان الثقة و إخوان المکاشرة فأما إخوان الثقة فهم کالکف و الجناح و الأهل و المال فإذا کنت من أخیک على ثقة فابذل له مالک و یدک و صاف من صافاه و عاد من عاداه و اکتم سره و عیبه و أظهر منه الحسن و اعلم أیها السائل أنهم أعز من الکبریت الأحمر و أما إخوان المکاشرة فإنک تصیب منهم لذتک فلا تقطعن ذلک منهم و لا تطلبن ما وراء ذلک من ضمیرهم و ابذل لهم ما بذلوا لک من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان. و فی روایة عبید الله الحلبی المرویة فی الکافی عن أبی عبد الله ع قال: لا تکون الصداقة إلا بحدودها فمن کانت فیه هذه الحدود أو شیء منها فانسبه إلى الصداقة و من لم یکن فیه شیء منها فلا تنسبه إلى شیء من الصداقة فأولها أن تکون سریرته و علانیته لک واحدة و الثانیة أن یرى زینک زینه و شینک شینه و الثالثة أن لا تغیره علیک ولایة و لا مال و الرابعة أن لا یمنعک شیئا تناله مقدرته و الخامسة و هی تجمع هذه الخصال أن لا یسلمک عند النکبات و لا یخفى أنه إذا لم تکن الصداقة لم تکن الأخوة فلا بأس بترک الحقوق المذکورة بالنسبة إلیه. و فی نهج البلاغة: لا یکون الصدیق صدیقا حتى یحفظ أخاه فی ثلاث فی نکبته و فی غیبته و فی وفاته. و فی کتاب الإخوان بسنده عن الوصافی عن أبی جعفر ع قال: قال لی أ رأیت من قبلکم إذا کان الرجل لیس علیه رداء و عند بعض إخوانه رداء یطرحه علیه قلت لا قال فإذا کان لیس عنده إزار یوصل إلیه بعض إخوانه بفضل إزاره حتى یجد له إزارا قلت لا قال فضرب بیده على فخذه و قال ما هؤلاء بإخوة إلى آخر الخبر دل على أن من لا یواسی المؤمن لیس بأخ له فلا یکون له حقوق الأخوة المذکورة فی روایات الحقوق. و نحوه روایة ابن أبی عمیر عن خلاد رفعه قال: أبطأ على رسول الله ص رجل فقال ما أبطأ بک فقال العری یا رسول الله فقال ص أ ما کان لک جار له ثوبان یعیرک أحدهما فقال بلى یا رسول الله فقال ص ما هذا لک بأخ و فی روایة یونس بن ظبیان قال قال أبو عبد الله ع: اختبروا إخوانکم بخصلتین فإن کانتا فیهم و إلا فأعزب ثم اعزب ثم اعزب المحافظة على الصلاة فی مواقیتها و البر بالإخوان فی الیسر و العسر. ***
مقبول
طہارۃ، استعمال طہور مشروط بالنیت
المدخل۔۔۔
الزکاۃ،کتاب الزکاۃ وفصولہ اربعۃ۔۔۔
مقدمہ و تعریف :الامرلاول تعریف علم الاصول۔۔۔
الطہارۃ و مختصر حالات زندگانی
الفصل السابع :نسخ الوجوب۔۔
الفصل الثالث؛ تقسیم القطع الی طریقی ...
مقالات
دینی مدارس کی قابل تقلید خوبیاں
ایک اچھے مدرس کے اوصاف
اسلام میں استاد کا مقام و مرتبہ
طالب علم کے لئے کامیابی کے زریں اصول