حضرت امام حسن عليهالسلام نے فرمایا:
جس کے پاس ادب نہیں اس کے پاس عقل بھی نہیں
بحارالانوارج75ص111، تتمہ کتاب الروضۃ، تتمۃ ابواب المواعظ والحکم،باب 19مواعظ الحسن بن علی ؑ
المقصود من «السيرة»- كما هو واضح- استمرار عادة الناس و تبانيهم العملي على فعل شيءٍ، أو ترك شيءٍ.
و المقصود بالناس:
إمّا جميع العقلاء و العرف العامّ من كلّ ملّة و نحلة، فيعمّ المسلمين و غيرهم. و تُسمّى السيرة حينئذٍ «السيرة العقلائيّة». و التعبير الشائع عند الاصوليّين المتأخّرين تسميتها ب «بناء العقلاء».
و إمّا جميع المسلمين بما هم مسلمون، أو خصوص أهل نحلة خاصّة منهم كالإماميّة مثلًا. و تُسمّى السيرة حينئذٍ «سيرة المتشرّعة» أو «السيرة الشرعيّة» أو «السيرة الإسلاميّة».
و ينبغي التنبيه على حجّية كلّ من هذين القسمين لاستكشاف الحكم الشرعي فيما جرت عليه السيرة و على مدى دلالة السيرة، فنقول:
1- حجّية بناء العقلاء
لقد تكلّمنا أكثر من مرّة فيما سبق من هذا الجزء عن «بناء العقلاء» و استدللنا به على حجّية خبر الواحد و حجّية الظواهر. و قد أشبعنا الموضوع بحثاً في مسألة «حجّية قول اللغوي» ص 147 من هذا الجزء.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 177
و هناك قلنا: إنّ بناء العقلاء لا يكون دليلًا إلّا إذا كان يُستكشف منه على نحو اليقين موافقة الشارع و إمضاؤه لطريقة العقلاء، لأنّ اليقين تنتهي إليه حجّية كلّ حجّة.
و قلنا هناك: إنّ موافقة الشارع لا تُستكشف على نحو اليقين إلّا بأحد شروط ثلاثة. و نذكر خلاصتها هنا باسلوب آخر من البيان، فنقول:
إنّ السيرة إمّا أن ينتظر فيها أن يكون الشارع متّحد المسلك مع العقلاء إذ لا مانع من ذلك. و إمّا ألّا ينتظر ذلك، لوجود مانع من اتّحاده معهم في المسلك، كما في الاستصحاب.
فإن كان الأوّل:
فإن ثبت من الشارع الردع عن العمل بها فلا حجّية فيها قطعاً.
و إن لم يثبت الردع منه فلا بدّ أن يُعلم اتّحاده في المسلك معهم، لأنّه أحد العقلاء، بل رئيسهم، فلو لم يرتضها و لم يتّخذها مسلكاً له كسائر العقلاء لبيّن ذلك و لردعهم عنها و لذكر لهم مسلكه الّذي يتّخذه بدلًا عنها، لا سيّما في الأمارات المعمول بها عند العقلاء، كخبر الواحد الثقة و الظواهر.
و إن كان الثاني:
فإمّا أن يُعلم جريان سيرة العقلاء في العمل بها في الامور الشرعيّة، كما في الاستصحاب. و إمّا ألّا يُعلم ذلك، كما في الرجوع إلى أهل الخبرة في إثبات اللغات.
فإن كان الأوّل، فنفس عدم ثبوت ردعه كافٍ في استكشاف موافقته لهم، لأنّ ذلك ممّا يعنيه و يهمّه، فلو لم يرتضها- و هي بمرأى و مسمعٍ منه- لردعهم عنها و لبلّغهم بالردع بأيّ نحوٍ من أنحاء التبليغ، فبمجرّد عدم ثبوت الردع منه نعلم بموافقته، ضرورة أنّ الردع الواقعي غير الواصل لا يُعقل أن يكون ردعاً فعليّاً و حجّة.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 178
و بهذا نُثبت حجّية مثل الاستصحاب ببناء العقلاء، لأنّه لمّا كان ممّا بنى على العمل به العقلاء بما فيهم المسلمون و قد أجروه في الامور الشرعيّة بمرأى و مسمعٍ من الإمام، و المفروض أنّه لم يكن هناك ما يحول دون إظهار الردع و تبليغه- من تقيّة و نحوها- فلا بدّ أن يكون الشارع قد ارتضاه طريقة في الامور الشرعيّة.
و ان كان الثاني- أي لم يُعلم ثبوت السيرة في الامور الشرعيّة- فإنّه لا يكفي حينئذٍ في استكشاف موافقة الشارع عدم ثبوت الردع منه، إذ لعلّه ردعهم عن إجرائها في الامور الشرعيّة فلم يجروها، أو لعلّهم لم يجروها في الامور الشرعيّة من عند أنفسهم فلم يكن من وظيفة الشارع أن يردع عنها في غير الامور الشرعيّة لو كان لا يرتضيها في الشرعيّات.
وعليه، فلأجل استكشاف رضا الشارع و موافقته على إجرائها في الشرعيّات لا بدّ من إقامة دليلٍ خاصّ قطعي على ذلك.
و بعض السير من هذا القبيل قد ثبت عن الشارع إمضاؤه لها، مثل الرجوع إلى أهل الخبرة عند النزاع في تقدير قيم الأشياء و مقاديرها، نظير القيميّات المضمونة بالتلف و نحوه، و تقدير قدر الكفاية في نفقة الأقارب، و نحو ذلك.
أمّا ما لم يثبت فيها دليل خاصّ كالسيرة في الرجوع إلى أهل الخبرة في اللغات، فلا عبرة بها و إن حصل الظنّ منها، لأنّ الظنّ لا يغنى عن الحقّ شيئاً، كما تقدّم ذلك هناك.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى ) ؛ ج3 ؛ ص178
2- حجّية سيرة المتشرّعة
إنّ السيرة عند المتشرّعة من المسلمين على فعل شيءٍ أو تركه هي
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 179
في الحقيقة من نوع الإجماع، بل هي أرقى أنواع الإجماع، لأنّها إجماعٌ عملي من العلماء و غيرهم، و الإجماع في الفتوى إجماعٌ قولي و من العلماء خاصّة.
و السيرة على نحوين: تارةً يُعلم فيها أنّها كانت جارية في عصور المعصومين عليهم السلام حتّى يكون المعصوم أحد العاملين بها أو يكون مقرّراً لها. و اخرى لا يُعلم ذلك أو يُعلم حدوثها بعد عصورهم.
فإن كانت على النحو الأوّل: فلا شكّ في أنّها حجّة قطعيّة على موافقة الشارع، فتكون بنفسها دليلًا على الحكم كالإجماع القولي الموجب للحدس القطعي برأي المعصوم. و بهذا تختلف «1» عن «سيرة العقلاء» فإنّها إنّما تكون حجّة إذا ثبت من دليل آخر إمضاء الشارع لها و لو من طريق عدم ثبوت الردع من قِبَله، كما سبق.
و إن كانت على النحو الثاني: فلا نجد مجالًا للاعتماد عليها في استكشاف موافقة المعصوم على نحو القطع و اليقين، كما قلنا في الإجماع، و هي نوع منه. بل هي دون الإجماع القولي في ذلك، كما سيأتي وجهه.
قال الشيخ الأعظم في كتاب البيع في مبحث المعاطاة: و أمّا ثبوت السيرة و استمرارها على التوريث (يقصد توريث ما يباع معاطاةً) فهي كسائر سيراتهم الناشئة من المسامحة و قلّة المبالاة في الدين ممّا لا يحصى في عباداتهم و معاملاتهم، كما لا يخفى «2».
و من الواضح أنّه يعني من السيرة هذا النحو الثاني. و السرّ في عدم الاعتماد على هذا النحو من السيرة هو ما نعرف من اسلوب نشأة العادات عند البشر و تأثير العادات على عواطف الناس:
______________________________
(1) (*) راجع حاشية شيخنا الأصفهاني على مكاسب الشيخ ص 25 [ج 1 ص 104، ط الحديثة].
(2) المكاسب: ج 3 ص 42 (ط- مجمع الفكر الإسلامي).
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 180
إنّ بعض الناس المتنفّذين أو المغامرين قد يعمل شيئاً استجابةً لعادةٍ غير إسلاميّة، أو لهوىً في نفسه، أو لتأثيرات خارجيّة نحو تقليد الأغيار، أو لبواعث انفعالات نفسيّة مثل حبّ التفوّق على الخصوم، أو إظهار عظمة شخصه أو دينه أو نحو ذلك.
و يأتى آخر فيقلّد الأوّل في عمله، و يستمرّ العمل، فيشيع بين الناس من دون أن يحصل من يردعهم عن ذلك، لغفلةٍ أو لتسامحٍ أو لخوفٍ أو لغلبة العاملين فلا يصغون إلى من ينصحهم، أو لغير ذلك.
و إذا مضت على العمل عهود طويلة يتلقّاه الجيل بعد الجيل، فيصبح سيرة المسلمين! و يُنسى تأريخ تلك العادة. و إذا استقرّت السيرة يكون الخروج عليها خروجاً على العادات المستحكمة الّتي من شأنها أن تتكوّن لها قدسيّة و احترام لدى الجمهور، فيعدّون مخالفتها من المنكرات القبيحة.
و حينئذٍ يتراءى أنّها عادة شرعيّة و سيرة إسلاميّة، و أنّ المخالف لها مخالف لقانون الإسلام و خارج على الشرع!
و يشبه أن يكون من هذا الباب سيرة تقبيل اليد، و القيام احتراماً للقادم، و الاحتفاء بيوم النوروز، و زخرفة المساجد و المقابر ... و ما إلى ذلك من عادات اجتماعية حادثة.
و كلّ من يغترّ بهذه السيرات و أمثالها، فإنّه لم يتوصّل إلى ما توصّل إليه الشيخ الأنصاري الأعظم من إدراك سرّ نشأة العادات عند الناس على طول الزمن، و أنّ لكلّ جيلٍ من العادات في السلوك و الاجتماع و المعاملات و المظاهر و الملابس ما قد يختلف كلّ الاختلاف عن عادات الجيل الآخر.
هذا بالنسبة إلى شعبٍ واحد و قطرٍ واحد، فضلًا عن الشعوب و الأقطار
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 181
بعضها مع بعض. و التبدّل في العادات غالباً يحدث بالتدريج في زمنٍ طويل قد لا يحسّ به من جرى على أيديهم التبديل.
و لأجل هذا لا نثق في السيرات الموجودة في عصورنا أنّها كانت موجودة في العصور الإسلاميّة الاولى. و مع الشكّ في ذلك فأجدر بها ألّا تكون حجّة، لأنّ الشكّ في حجّية الشيء كافٍ في وهن حجّيته، إذ لا حجّة إلّا بعلمٍ.
3- مدى دلالة السيرة
إنّ السيرة عند ما تكون حجّة فأقصى ما تقتضيه أن تدلّ على مشروعيّة الفعل و عدم حرمته في صورة السيرة على الفعل، أو تدلّ على مشروعيّة الترك و عدم وجوب الفعل في صورة السيرة على الترك.
أمّا استفادة الوجوب من سيرة الفعل و الحرمة من سيرة الترك، فأمر لا تقتضيه نفس السيرة. بل كذلك الاستحباب و الكراهة، لأنّ العمل في حدّ ذاته مجمل لا دلالة له على أكثر من مشروعيّة الفعل أو الترك.
نعم، المداومة و الاستمرار على العمل من قبل جميع الناس المتشرّعين قد يستظهر منها استحبابه، لأنّه يدلّ ذلك على استحسانه عندهم على الأقلّ. و لكن يمكن أن يقال: إنّ الاستحسان له ربما ينشأ من كونه أصبح عادةً لهم، و العادات من شأنها أن يكون فاعلها ممدوحاً مرغوباً فيه لدى الجمهور و تاركها مذموماً عندهم. فلا يوثق- إذاً- فيما جرت عليه السيرة بأنّ المدح للفاعل و الذم للتارك كانا من ناحية شرعيّة.
و الغرض أنّ السيرة بما هي سيرة لا يُستكشف منها وجوب الفعل
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 182
و لا استحبابه في سيرة الفعل، و لا يُستكشف منها حرمة الفعل و لا كراهته في سيرة الترك.
نعم، هناك بعض الامور يكون لازم مشروعيّتها وجوبها، و إلّا لم تكن مشروعة. و ذلك مثل الأمارة كخبر الواحد و الظواهر، فإنّ السيرة على العمل بالأمارة لمّا دلّت على مشروعيّة العمل بها فإنّ لازمه أن يكون واجباً، لأنّه لا يُشرع العمل بها و لا يصلح إلّا إذا كانت حجّة منصوبة من قِبَل الشارع لتبليغ الأحكام و استكشافها، و إذا كانت حجّة وجب العمل بها قطعاً، لوجوب تحصيل الأحكام و تعلّمها. فينتج من ذلك: أنّه لا يمكن فرض مشروعيّة العمل بالأمارة مع فرض عدم وجوبه.
***
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 184
حوزوی کتب
اصول الفقہ حصہ سوم
المقصد الثالث مباحث الحجّة
المقدّمة
الباب الأوّل: الكتاب العزيز
الباب الثاني: السنّة
الباب الثالث: الإجماع
الباب الرابع: الدليلُ العقلي
*** الباب الخامس: حجّية الظواهر
الباب السادس: الشهرة
الباب السابع: السيرة
الباب الثامن: القياس
اصول الفقہ حصہ سوم
الباب السابع: السيرة
المقصود من «السيرة»- كما هو واضح- استمرار عادة الناس و تبانيهم العملي على فعل شيءٍ، أو ترك شيءٍ.
و المقصود بالناس:
إمّا جميع العقلاء و العرف العامّ من كلّ ملّة و نحلة، فيعمّ المسلمين و غيرهم. و تُسمّى السيرة حينئذٍ «السيرة العقلائيّة». و التعبير الشائع عند الاصوليّين المتأخّرين تسميتها ب «بناء العقلاء».
و إمّا جميع المسلمين بما هم مسلمون، أو خصوص أهل نحلة خاصّة منهم كالإماميّة مثلًا. و تُسمّى السيرة حينئذٍ «سيرة المتشرّعة» أو «السيرة الشرعيّة» أو «السيرة الإسلاميّة».
و ينبغي التنبيه على حجّية كلّ من هذين القسمين لاستكشاف الحكم الشرعي فيما جرت عليه السيرة و على مدى دلالة السيرة، فنقول: 1- حجّية بناء العقلاء
لقد تكلّمنا أكثر من مرّة فيما سبق من هذا الجزء عن «بناء العقلاء» و استدللنا به على حجّية خبر الواحد و حجّية الظواهر. و قد أشبعنا الموضوع بحثاً في مسألة «حجّية قول اللغوي» ص 147 من هذا الجزء.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 177
و هناك قلنا: إنّ بناء العقلاء لا يكون دليلًا إلّا إذا كان يُستكشف منه على نحو اليقين موافقة الشارع و إمضاؤه لطريقة العقلاء، لأنّ اليقين تنتهي إليه حجّية كلّ حجّة.
و قلنا هناك: إنّ موافقة الشارع لا تُستكشف على نحو اليقين إلّا بأحد شروط ثلاثة. و نذكر خلاصتها هنا باسلوب آخر من البيان، فنقول:
إنّ السيرة إمّا أن ينتظر فيها أن يكون الشارع متّحد المسلك مع العقلاء إذ لا مانع من ذلك. و إمّا ألّا ينتظر ذلك، لوجود مانع من اتّحاده معهم في المسلك، كما في الاستصحاب.
فإن كان الأوّل:
فإن ثبت من الشارع الردع عن العمل بها فلا حجّية فيها قطعاً.
و إن لم يثبت الردع منه فلا بدّ أن يُعلم اتّحاده في المسلك معهم، لأنّه أحد العقلاء، بل رئيسهم، فلو لم يرتضها و لم يتّخذها مسلكاً له كسائر العقلاء لبيّن ذلك و لردعهم عنها و لذكر لهم مسلكه الّذي يتّخذه بدلًا عنها، لا سيّما في الأمارات المعمول بها عند العقلاء، كخبر الواحد الثقة و الظواهر.
و إن كان الثاني:
فإمّا أن يُعلم جريان سيرة العقلاء في العمل بها في الامور الشرعيّة، كما في الاستصحاب. و إمّا ألّا يُعلم ذلك، كما في الرجوع إلى أهل الخبرة في إثبات اللغات. فإن كان الأوّل، فنفس عدم ثبوت ردعه كافٍ في استكشاف موافقته لهم، لأنّ ذلك ممّا يعنيه و يهمّه، فلو لم يرتضها- و هي بمرأى و مسمعٍ منه- لردعهم عنها و لبلّغهم بالردع بأيّ نحوٍ من أنحاء التبليغ، فبمجرّد عدم ثبوت الردع منه نعلم بموافقته، ضرورة أنّ الردع الواقعي غير الواصل لا يُعقل أن يكون ردعاً فعليّاً و حجّة.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 178
و بهذا نُثبت حجّية مثل الاستصحاب ببناء العقلاء، لأنّه لمّا كان ممّا بنى على العمل به العقلاء بما فيهم المسلمون و قد أجروه في الامور الشرعيّة بمرأى و مسمعٍ من الإمام، و المفروض أنّه لم يكن هناك ما يحول دون إظهار الردع و تبليغه- من تقيّة و نحوها- فلا بدّ أن يكون الشارع قد ارتضاه طريقة في الامور الشرعيّة.
و ان كان الثاني- أي لم يُعلم ثبوت السيرة في الامور الشرعيّة- فإنّه لا يكفي حينئذٍ في استكشاف موافقة الشارع عدم ثبوت الردع منه، إذ لعلّه ردعهم عن إجرائها في الامور الشرعيّة فلم يجروها، أو لعلّهم لم يجروها في الامور الشرعيّة من عند أنفسهم فلم يكن من وظيفة الشارع أن يردع عنها في غير الامور الشرعيّة لو كان لا يرتضيها في الشرعيّات.
وعليه، فلأجل استكشاف رضا الشارع و موافقته على إجرائها في الشرعيّات لا بدّ من إقامة دليلٍ خاصّ قطعي على ذلك.
و بعض السير من هذا القبيل قد ثبت عن الشارع إمضاؤه لها، مثل الرجوع إلى أهل الخبرة عند النزاع في تقدير قيم الأشياء و مقاديرها، نظير القيميّات المضمونة بالتلف و نحوه، و تقدير قدر الكفاية في نفقة الأقارب، و نحو ذلك.
أمّا ما لم يثبت فيها دليل خاصّ كالسيرة في الرجوع إلى أهل الخبرة في اللغات، فلا عبرة بها و إن حصل الظنّ منها، لأنّ الظنّ لا يغنى عن الحقّ شيئاً، كما تقدّم ذلك هناك.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى ) ؛ ج3 ؛ ص178
2- حجّية سيرة المتشرّعة
إنّ السيرة عند المتشرّعة من المسلمين على فعل شيءٍ أو تركه هي
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 179
في الحقيقة من نوع الإجماع، بل هي أرقى أنواع الإجماع، لأنّها إجماعٌ عملي من العلماء و غيرهم، و الإجماع في الفتوى إجماعٌ قولي و من العلماء خاصّة. و السيرة على نحوين: تارةً يُعلم فيها أنّها كانت جارية في عصور المعصومين عليهم السلام حتّى يكون المعصوم أحد العاملين بها أو يكون مقرّراً لها. و اخرى لا يُعلم ذلك أو يُعلم حدوثها بعد عصورهم.
فإن كانت على النحو الأوّل: فلا شكّ في أنّها حجّة قطعيّة على موافقة الشارع، فتكون بنفسها دليلًا على الحكم كالإجماع القولي الموجب للحدس القطعي برأي المعصوم. و بهذا تختلف «1» عن «سيرة العقلاء» فإنّها إنّما تكون حجّة إذا ثبت من دليل آخر إمضاء الشارع لها و لو من طريق عدم ثبوت الردع من قِبَله، كما سبق. و إن كانت على النحو الثاني: فلا نجد مجالًا للاعتماد عليها في استكشاف موافقة المعصوم على نحو القطع و اليقين، كما قلنا في الإجماع، و هي نوع منه. بل هي دون الإجماع القولي في ذلك، كما سيأتي وجهه.
قال الشيخ الأعظم في كتاب البيع في مبحث المعاطاة: و أمّا ثبوت السيرة و استمرارها على التوريث (يقصد توريث ما يباع معاطاةً) فهي كسائر سيراتهم الناشئة من المسامحة و قلّة المبالاة في الدين ممّا لا يحصى في عباداتهم و معاملاتهم، كما لا يخفى «2». و من الواضح أنّه يعني من السيرة هذا النحو الثاني. و السرّ في عدم الاعتماد على هذا النحو من السيرة هو ما نعرف من اسلوب نشأة العادات عند البشر و تأثير العادات على عواطف الناس:
______________________________
(1) (*) راجع حاشية شيخنا الأصفهاني على مكاسب الشيخ ص 25 [ج 1 ص 104، ط الحديثة].
(2) المكاسب: ج 3 ص 42 (ط- مجمع الفكر الإسلامي).
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 180
إنّ بعض الناس المتنفّذين أو المغامرين قد يعمل شيئاً استجابةً لعادةٍ غير إسلاميّة، أو لهوىً في نفسه، أو لتأثيرات خارجيّة نحو تقليد الأغيار، أو لبواعث انفعالات نفسيّة مثل حبّ التفوّق على الخصوم، أو إظهار عظمة شخصه أو دينه أو نحو ذلك.
و يأتى آخر فيقلّد الأوّل في عمله، و يستمرّ العمل، فيشيع بين الناس من دون أن يحصل من يردعهم عن ذلك، لغفلةٍ أو لتسامحٍ أو لخوفٍ أو لغلبة العاملين فلا يصغون إلى من ينصحهم، أو لغير ذلك.
و إذا مضت على العمل عهود طويلة يتلقّاه الجيل بعد الجيل، فيصبح سيرة المسلمين! و يُنسى تأريخ تلك العادة. و إذا استقرّت السيرة يكون الخروج عليها خروجاً على العادات المستحكمة الّتي من شأنها أن تتكوّن لها قدسيّة و احترام لدى الجمهور، فيعدّون مخالفتها من المنكرات القبيحة.
و حينئذٍ يتراءى أنّها عادة شرعيّة و سيرة إسلاميّة، و أنّ المخالف لها مخالف لقانون الإسلام و خارج على الشرع!
و يشبه أن يكون من هذا الباب سيرة تقبيل اليد، و القيام احتراماً للقادم، و الاحتفاء بيوم النوروز، و زخرفة المساجد و المقابر ... و ما إلى ذلك من عادات اجتماعية حادثة.
و كلّ من يغترّ بهذه السيرات و أمثالها، فإنّه لم يتوصّل إلى ما توصّل إليه الشيخ الأنصاري الأعظم من إدراك سرّ نشأة العادات عند الناس على طول الزمن، و أنّ لكلّ جيلٍ من العادات في السلوك و الاجتماع و المعاملات و المظاهر و الملابس ما قد يختلف كلّ الاختلاف عن عادات الجيل الآخر.
هذا بالنسبة إلى شعبٍ واحد و قطرٍ واحد، فضلًا عن الشعوب و الأقطار
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 181
بعضها مع بعض. و التبدّل في العادات غالباً يحدث بالتدريج في زمنٍ طويل قد لا يحسّ به من جرى على أيديهم التبديل.
و لأجل هذا لا نثق في السيرات الموجودة في عصورنا أنّها كانت موجودة في العصور الإسلاميّة الاولى. و مع الشكّ في ذلك فأجدر بها ألّا تكون حجّة، لأنّ الشكّ في حجّية الشيء كافٍ في وهن حجّيته، إذ لا حجّة إلّا بعلمٍ.
3- مدى دلالة السيرة
إنّ السيرة عند ما تكون حجّة فأقصى ما تقتضيه أن تدلّ على مشروعيّة الفعل و عدم حرمته في صورة السيرة على الفعل، أو تدلّ على مشروعيّة الترك و عدم وجوب الفعل في صورة السيرة على الترك.
أمّا استفادة الوجوب من سيرة الفعل و الحرمة من سيرة الترك، فأمر لا تقتضيه نفس السيرة. بل كذلك الاستحباب و الكراهة، لأنّ العمل في حدّ ذاته مجمل لا دلالة له على أكثر من مشروعيّة الفعل أو الترك.
نعم، المداومة و الاستمرار على العمل من قبل جميع الناس المتشرّعين قد يستظهر منها استحبابه، لأنّه يدلّ ذلك على استحسانه عندهم على الأقلّ. و لكن يمكن أن يقال: إنّ الاستحسان له ربما ينشأ من كونه أصبح عادةً لهم، و العادات من شأنها أن يكون فاعلها ممدوحاً مرغوباً فيه لدى الجمهور و تاركها مذموماً عندهم. فلا يوثق- إذاً- فيما جرت عليه السيرة بأنّ المدح للفاعل و الذم للتارك كانا من ناحية شرعيّة.
و الغرض أنّ السيرة بما هي سيرة لا يُستكشف منها وجوب الفعل
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 182
و لا استحبابه في سيرة الفعل، و لا يُستكشف منها حرمة الفعل و لا كراهته في سيرة الترك.
نعم، هناك بعض الامور يكون لازم مشروعيّتها وجوبها، و إلّا لم تكن مشروعة. و ذلك مثل الأمارة كخبر الواحد و الظواهر، فإنّ السيرة على العمل بالأمارة لمّا دلّت على مشروعيّة العمل بها فإنّ لازمه أن يكون واجباً، لأنّه لا يُشرع العمل بها و لا يصلح إلّا إذا كانت حجّة منصوبة من قِبَل الشارع لتبليغ الأحكام و استكشافها، و إذا كانت حجّة وجب العمل بها قطعاً، لوجوب تحصيل الأحكام و تعلّمها. فينتج من ذلك: أنّه لا يمكن فرض مشروعيّة العمل بالأمارة مع فرض عدم وجوبه.
*** أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج3، ص: 184
مقبول
طہارۃ، استعمال طہور مشروط بالنیت
المدخل۔۔۔
الزکاۃ،کتاب الزکاۃ وفصولہ اربعۃ۔۔۔
مقدمہ و تعریف :الامرلاول تعریف علم الاصول۔۔۔
الطہارۃ و مختصر حالات زندگانی
الفصل السابع :نسخ الوجوب۔۔
الفصل الثالث؛ تقسیم القطع الی طریقی ...
مقالات
دینی مدارس کی قابل تقلید خوبیاں
ایک اچھے مدرس کے اوصاف
اسلام میں استاد کا مقام و مرتبہ
طالب علم کے لئے کامیابی کے زریں اصول