حضرت امام علی عليه‌السلام نے فرمایا: مجھے بخیل پر تعجب ہوتا ہے کہ جس غربت سے وہ بچنا چاہتا ہے بڑی تیزی کے ساتھ اُسی کی طرف جارہا ہوتا ہے اور جس تونگری کا وہ طلبگار ہوتا ہے اُسی کو کھودیتا ہے۔ غررالحکم حدیث 8373

اصول الفقہ حصہ سوم

الباب السادس: الشهرة

إنّ «الشهرة» لغةً تتضمّن معنى ذيوع الشي‏ء و وضوحه. و منه قولهم:

«شهر فلان سيفه» و «سيف مشهور». و قد اطلقت «الشهرة» باصطلاح أهل الحديث على كلّ خبرٍ كثر راويه على وجهٍ لا يبلغ حدّ التواتر. و الخبر يقال له حينئذٍ: «المشهور» كما قد يقال له: «مستفيض».

و كذلك يطلقون «الشهرة» باصطلاح الفقهاء على ما لا يبلغ درجة الإجماع من الأقوال في المسألة الفقهيّة. فهي عندهم لكلّ قولٍ كثر القائل به في مقابل القول النادر. و القول يقال له: «مشهور» كما أنّ المفتين الكثيرين أنفسهم يقال لهم: «المشهور» فيقولون: ذهب المشهور إلى كذا، و قال المشهور بكذا ... و هكذا.

و على هذا، فالشهرة في الاصطلاح على قسمين:

1- الشهرة في الرواية: و هي كما تقدّم عبارة عن شيوع نقل الخبر من عدّة رواةٍ على وجهٍ لا يبلغ حدَّ التواتر. و لا يشترط في تسميتها بالشهرة أن يشتهر العمل بالخبر عند الفقهاء أيضاً، فقد يشتهر و قد لا يشتهر. و سيأتي في مبحث التعادل و التراجيح: أنّ هذه الشهرة من أسباب ترجيح الخبر على ما يعارضه من الأخبار، فيكون الخبر المشهور حجّة من هذه الجهة.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏3، ص: 169

2- الشهرة في الفتوى: و هي كما تقدّم عبارة عن شيوع الفتوى عند الفقهاء بحكمٍ شرعي، و ذلك بأن يكثر المفتون على وجهٍ لا تبلغ الشهرة درجةَ الاجماع الموجب للقطع بقول المعصوم.

فالمقصود بالشهرة إذاً ذيوع الفتوى‏ الموجبة للاعتقاد بمطابقتها للواقع من غير ان يبلغ درجةَ القطع. و هذه الشهرة في الفتوى على قسمين من جهة وقوع البحث عنها و النزاع فيها:

الأوّل: أن يُعلم فيها أنّ مستندها خبر خاصّ موجود بين أيدينا. و تُسمّى حينئذٍ «الشهرة العمليّة». و سيأتي في باب التعادل و التراجيح البحث عمّا إذا كانت هذه الشهرة العمليّة موجبة لجبر الخبر الضعيف من جهة السند، و البحث أيضاً عمّا إذا كانت موجبة لجبر الخبر غير الظاهر من جهة الدلالة.

الثاني: ألّا يُعلم فيها أنّ مستندها أيّ شي‏ءٍ هو، فتكون شهرة في الفتوى مجرّدةً، سواء كان هناك خبر على طبق الشهرة و لكن لم يستند إليها المشهور أو لم يُعلم استنادهم إليه، أم لم يكن خبر أصلًا. و ينبغي أن تسمّى هذه ب «الشهرة الفتوائيّة».

و هي- أعني الشهرة الفتوائيّة- موضوع بحثنا هنا الّذي لأجله عقدنا هذا الباب، فقد قيل‏ «1»: إنّ هذه الشهرة حجّة على الحكم الّذي وقعت عليه الفتوى من جهة كونها شهرةً فتكون من الظنون الخاصّة كخبر الواحد.

و قيل: لا دليل على حجّيتها «2». و هذا الاختلاف بعد الاتّفاق على أنّ فتوى‏

______________________________ (1) (*) نُسب إلى الشهيد الأوّل ترجيحه هذا القول و نقله عن بعض الأصحاب من دون أن يذكر اسمه، و نُسب أيضاً إلى المحقّق الخوانساري اختيار هذا القول، و عُزي كذلك إلى صاحب المعالم. و لكن الشهرة على خلافهم.

(2) قال المحقّق الآشتياني: ذهب إليه الأكثر، بل نقلت الشهرة عليه من عدم حجّيتها بالخصوص، في بحر الفوائد: ص 140. و قد أفرد المحقّق النراقي رسالة في المسألة، و استدلّ على عدم حجّية الشهرة بأنّه يلزم من إثباتها نفيها، فإنّ المشهور عدم حجّية الشهرة، المصدر السابق.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏3، ص: 170

مجتهدٍ واحد أو أكثر ما لم تبلغ الشهرة لا تكون حجّة على مجتهدٍ آخر و لا يجوز التعويل عليها. و هذا معنى ما ذهبوا إليه من عدم جواز التقليد، أي بالنسبة إلى من يتمكّن من الاستنباط.

و الحقّ أنّه لا دليل على حجّية الظن الناشئ من الشهرة، مهما بلغ من القوّة، و إن كان من المسلّم به أنّ الخبر الّذي عمل به المشهور حجّة و لو كان ضعيفاً من ناحية السند، كما سيأتي بيانه في محلّه. و قد ذكروا لحجّية الشهرة جملة من الأدلّة، كلّها مردودة:

الدليل الأوّل أولويّتها من خبر العادل‏

قيل: إنّ أدلّة حجّية خبر الواحد تدلّ على حجّية الشهرة بمفهوم الموافقة، نظراً إلى أنّ الظنّ الحاصل من الشهرة أقوى غالباً من الظنّ الحاصل من خبر الواحد حتّى العادل، فالشهرة أولى بالحجّية من خبر العادل‏ «1».

و الجواب: أنّ هذا المفهوم إنّما يتمّ إذا أحرزنا على نحو اليقين أنّ العلّة في حجّية خبر العادل هو إفادته الظنّ ليكون ما هو أقوى ظنّاً أولى بالحجّية. و لكن هذا غير ثابت في وجه حجّية خبر الواحد إذا لم يكن الثابت عدم اعتبار الظن الفعلي.

الدليل الثاني عموم تعليل آية النبأ

و قيل: إنّ عموم التعليل في آية النبأ «أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ» يدلّ‏

______________________________ (1) نسبه الشيخ الأعظم الأنصاري إلى بعضٍ تخيّله في بعض رسائله، فرائد الاصول: ج 1 ص 105. أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏3، ص: 171

على اعتبار مثل الشهرة، لأنّ الّذي يُفهم من التعليل أنّ الإصابة من الجهالة هي المانع من قبول خبر الفاسق بلا تبيّن، فيدلّ على أنّ كلّ ما يؤمَن معه من الإصابة بجهالةٍ فهو حجّة يجب الأخذ به. و الشهرة كذلك‏ «1».

و الجواب: أنّ هذا ليس تمسّكاً بعموم التعليل- على تقدير تسليم أنّ هذه الفقرة من الآية واردة مورد التعليل و قد تقدّم بيان ذلك في أدلّة حجّية خبر الواحد- بل هذا الاستدلال تمسّك بعموم نقيض التعليل. و لا دلالة في الآية على نقيض التعليل بالضرورة، لأنّ هذه الآية نظير قول الطبيب:

لا تأكل الرمّان‏ «2» لأنّه حامض- مثلًا- فإنّ هذا التعليل لا يدلّ على أنّ كلّ ما هو ليس بحامض يجوز أو يجب أكله. و كذلك هنا، فإنّ «حرمة العمل بنبإ الفاسق بدون تبيّنٍ لأنّه يستلزم الإصابة بجهالةٍ» لا تدلّ على وجوب الأخذ بكلّ ما يؤمَن فيه ذلك و ما لا يستلزم الإصابة بجهالةٍ.

و أمّا دلالتها على خصوص حجّية خبر الواحد العادل فقد استفدناه من طريقٍ آخر، و هو طريق مفهوم الشرط- على ما تقدّم شرحه- لا من طريق عموم نقيض التعليل.

و بعبارةٍ اخرى: أنّ أكثر ما تدلّ الآية في تعليلها على‏ «3» أنّ الإصابة بجهالةٍ مانع عن تأثير المقتضي لحجّية الخبر، و لا تدلّ على وجود المقتضي للحجّية في كلّ شي‏ءٍ آخر حيث لا يوجد فيه المانع، حتّى تكون دالّة على حجّية مثل الشهرة المفقود فيها المانع. أو نقول: إنّ فقدان المانع عن الحجّية في مثل الشهرة لا يستلزم وجود المقتضى فيها للحجّية.

و لا تدلّ الآية على أنّ كلّ ما ليس فيه مانع ففيه المقتضي موجود.

______________________________ (1) ذكره المحقّق النائيني- على ما في تقريرات درسه- من وجوه الاستدلال على حجّية الشهرة من دون أن يُسنده إلى شخص، راجع فوائد الاصول: ج 3 ص 155.

(2) في ط 2: نظير نهي الطبيب عن بعض الطعام.

(3) كذا، و المناسب في العبارة: أنّ أكثر ما تدلّ عليه الآية في تعليلها أنّ الإصابة.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏3، ص: 172

الدليل الثالث دلالة بعض الأخبار

قيل: إنّ بعض الأخبار دالّة على اعتبار الشهرة، مثل مرفوعة زرارة:

قال زرارة، قلت: جعلت فداك! يأتي عنكم الخبران و الحديثان المتعارضان، فبأيّهما نعمل؟ قال عليه السلام: خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذّ النادر.

قلت: يا سيّدي هما معاً مشهوران مأثوران عنكم. قال: خذ بما يقوله أعدلهما ... إلى آخر الخبر. و الاستدلال بهذه المرفوعة من وجهتين:

الأوّل: أنّ المراد من الموصول في قوله: «بما اشتهر» مطلق المشهور بما هو مشهور، لا خصوص «الخبر» فيعمّ المشهور بالفتوى، لأنّ الموصول من الأسماء المبهمة الّتي تحتاج إلى ما يعيّن مدلولها، و المعيِّن لمدلول الموصول هي الصلة، و هنا هي قوله: «اشتهر» تشمل كلّ شي‏ءٍ اشتهر حتّى الفتوى. الثاني: أنّه على تقدير أن يراد من الموصول خصوص «الخبر» فإنّ المفهوم من المرفوعة إناطة الحكم بالشهرة، فتدلّ على أنّ الشهرة بما هي شهرة توجب اعتبار المشتهر، فيدور الحكم معها حيثما دارت، فالفتوى المشتهرة أيضاً معتبرة كالخبر المشهور.

و الجواب:

أمّا عن الوجه الأوّل: فبأنّ الموصول كما يتعيّن المراد منه بالصلة، كذلك يتعيّن بالقرائن الاخرى المحفوفة به. و الذي يعيّنه هنا السؤال المتقدّم عليه، إذ السؤال وقع عن نفس الخبر، و الجواب لا بدّ أن يطابق‏ أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏3، ص: 173

السؤال. و هذا نظير ما لو سُئلتَ: أيّ إخوتك أحبّ إليك؟ فأجبت: من كان أكبر منّي، فإنّه لا ينبغي أن يتوهّم أحد أنّ الحكم في هذا الجواب يعمّ كلّ من كان أكبر منك و لو كان من غير إخوتك.

و أمّا عن الوجه الثاني، فبأنّه بعد وضوح إرادة «الخبر» من الموصول يكون الظاهر من الجملة تعليق الحكم على الشهرة في خصوص الخبر، فيكون المناط في الحكم شهرة الخبر بما أنّها شهرة الخبر، لا الشهرة بما هي و إن كانت منسوبة لشي‏ءٍ آخر.

و كذلك يقاس الحال في مقبولة «ابن حنظلة» الآتية في باب التعادل و التراجيح.

تنبيه:

من المعروف عن المحقّقين من علمائنا: أنّهم لا يجرءون على مخالفة المشهور إلّا مع دليلٍ قويّ و مستندٍ جليّ يصرفهم عن المشهور. بل ما زالوا يحرصون على موافقة المشهور و تحصيل دليلٍ يوافقه و لو كان الدالّ على غيره أولى بالأخذ و أقوى في نفسه. و ما ذلك من جهة التقليد للأكثر و لا من جهة قولهم بحجّية الشهرة. و إنّما منشأ ذلك إكبار المشهور من آراء العلماء لا سيّما إذا كانوا من أهل التحقيق و النظر.

و هذه طريقة جارية في سائر الفنون، فإنّ مخالفة أكثر المحقّقين في كلّ صناعة لا تسهل إلّا مع حجّةٍ واضحة و باعث قويّ، لأنّ المنصف قد يشكّ في صحّة رأيه مقابل المشهور، فيجوّز على نفسه الخطأ و يخشى أن يكون رأيه عن جهلٍ مركّب لا سيّما إذا كان قول المشهور هو الموافق للاحتياط.

*** أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏3، ص: 176