حضرت امام علی عليه‌السلام نے فرمایا: ابھی کھانے کی خواہش باقی ہو تو اس سے ہاتھ اٹھالو، اس طرح کھانا تمہارے لیے خوشگوار ہوگا مستدرک الوسائل حدیث19648، بحارالانوار ج74ص268، کتاب الروضۃ ابواب المواعظ والحکم، باب11 وصیتہ(ع) لکمیل بن زیاد

اصول الفقہ حصہ دوم

المسألة الخامسة دلالة النهي على الفساد

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى ) ؛ ج‏2 ؛ ص410

تحرير محلّ النزاع:

هذه المسألة من امّهات المسائل الاصوليّة الّتي بُحثت من القديم.

و لأجل تحرير محلّ النزاع فيها و توضيحه، علينا أن نشرح الألفاظ الواردة في عنوانها و هي كلمة: الدلالة، النهي، الفساد. و لا بدّ من ذكر المراد من الشي‏ء المنهيّ عنه أيضاً، لأنّه مدلول عليه بكلمة «النهي» إذ النهي لا بدّ له من متعلّق.

إذن ينبغي البحث عن أربعة امور:

1- الدلالة:

فإنّ ظاهر اللفظة يعطي أنّ المراد منها الدلالة اللفظيّة.

و لعلّه لأجل هذا الظهور البدوي أدرج بعضهم هذه المسألة في مباحث الألفاظ «1». و لكن المعروف أنّ مرادهم منها ما يؤدّي إليه لفظ «الاقتضاء»

______________________________ (1) لم نظفر بمن بحث عنها قبلَ مبحثي الأوامر و النواهي، فإن كان البحث عنهما من مباحث الألفاظ فهو الطريقة الدارجة بين الاصوليّين. قال المحقّق الخراساني: لا يخفى أنّ عدّ هذه المسألة من مباحث الألفاظ إنّما هو لأجل أنّه في الأقوال قول بدلالته على الفساد في المعاملات مع إنكار الملازمة بينه و بين الحرمة الّتي هي مفاده فيها، كفاية الاصول: ص 217. و راجع فوائد الاصول: ج 1- 2 ص 455.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 411

حسبما يفهم من بحثهم المسألة و جملة من الأقوال فيها، لا سيّما المتأخّرون من الاصوليّين.

وعليه، فيكون المراد من «الدلالة» خصوص الدلالة العقليّة. و حينئذٍ يكون المقصود من النزاع: البحث عن اقتضاء طبيعة النهي عن الشي‏ء فساد المنهيّ عنه عقلًا. و من هنا يُعلم أنّه لا يشترط في النهي أن يكون مستفاداً من دليل لفظي. و في الحقيقة يكون النزاع هنا عن ثبوت الملازمة العقليّة بين النهي عن الشي‏ء و فساده، أو عن الممانعة و المنافرة عقلًا بين النهي عن الشي‏ء و صحّته. لا فرق بين التعبيرين.

و لأجل هذا أدرجنا نحن هذه المسألة في قسم الملازمات العقليّة.

نعم، قد يدّعي بعضهم: أنّ هذه الملازمة- على تقدير ثبوتها- من نوع الملازمات البيّنة بالمعنى الأخصّ‏ «1». و حينئذٍ يكون اللفظ الدالّ بالمطابقة على النهي دالّاً بالدلالة الالتزاميّة على فساد المنهيّ عنه، فيصحّ أن يراد من «الدلالة» ما هو أعمّ من الدلالة اللفظيّة و العقليّة.

و نحن نقول: هذا صحيح على هذا القول، و لا بأس بتعميم الدلالة إلى‏ «2» اللفظيّة و العقليّة في العنوان حينئذٍ. و لكنّ النزاع مع هذا القائل أيضاً يقع في الملازمة العقليّة قبلَ فرض الدلالة اللفظيّة الالتزاميّة، فالبحث معه أيضاً يرجع إلى البحث عن الاقتضاء العقلي. فالأولى أن يراد من «الدلالة» في العنوان الاقتضاء العقلي، فإنّه يجمع جميع الأقوال و الاحتمالات، لا سيّما أنّ البحث يشمل كلّ نهي و إن لم يكن مستفاداً من دليلٍ لفظي.

و العبارة تكون أكثر استقامةً لو عُبّر عن عنوان المسألة بما عبّر به صاحب الكفاية قدس سره بقوله: «اقتضاء النهي الفساد» «3» فأبدل كلمة «الدلالة»

______________________________ (1) لم نظفر بمن صرّح به.

(2) لم ترد «إلى» في ط الاولى.

(3) كفاية الاصول: ص 217.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 412

بكلمة «الاقتضاء» و لكن نحن عبّرنا بما جرت عليه عادة القدماء في عنوان المسألة متابعةً لهم.

2- النهي:

إنّ كلمة «النهي» ظاهرة- كما تقدّم في الجزء الأوّل ص 149- في خصوص الحرمة، و قلنا هناك: إنّ هذا الظهور ليس من جهة الوضع، بل بمقتضى حكم العقل. أمّا نفس الكلمة من جهة الوضع فهي تشمل النهي التحريمي و النهي التنزيهي- أي الكراهة-. و لعلّ كلمة «النهي» في مثل عنوان المسألة ليس فيها ما يقتضي عقلًا ظهورها في الحرمة، فلا بأس من تعميم «النهي» في العنوان لكلّ من القسمين بعد أن كان النزاع قد وقع في كلّ منهما.

و كذلك كلمة «النهي» بإطلاقها ظاهرة في خصوص الحرمة النفسيّة دون الغيريّة. و لكن النزاع أيضاً وقع في كلّ منهما، فإذن ينبغي تعميم كلمة «النهي» في العنوان للتحريمي و التنزيهي و للنفسي و الغيري، كما صنع صاحب الكفاية قدس سره. و شيخنا النائيني قدس سره جزم باختصاص النهي في عنوان المسألة بخصوص التحريمي النفسي‏ «1» لأنّه يجزم بأنّ التنزيهي لا يقتضي الفساد و كذا الغيري.

و الّذي ينبغي أن يقال له: إنّ الاختيار شي‏ء و عموم النزاع في المسألة شي‏ء آخر، فإنّ اختياركم بأنّ النهي التنزيهي و الغيري لا يقتضيان الفساد ليس معناه اتّفاق الكلّ على ذلك حتّى يكون النزاع في المسألة مختصّاً بما عداهما، و المفروض أنّ هناك من يقول بأنّ النهي التنزيهي و الغيري يقتضيان الفساد.

فتعميم كلمة «النهي» في العنوان هو الأولى.

______________________________ (1) راجع فوائد الاصول: ج 1- 2 ص 456.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 413

3- الفساد:

إنّ «الفساد» كلمة ظاهرة المعنى، و المراد منها ما يقابل «الصحّة» تقابلَ العدم و الملكة على الأصحّ، لا تقابلَ النقيضين و لا تقابل الضدّين. وعليه، فما له قابليّة أن يكون صحيحاً يصحّ أن يتّصف بالفساد، و ما ليس له ذلك لا يصحّ وصفه بالفساد. و صحّة كلّ شي‏ءٍ بحسبه، فمعنى صحّة العبادة مطابقتها لما هو المأمور به من جهة تمام أجزائها و جميع ما هو معتبر فيها «1». و معنى فسادها عدم مطابقتها له من جهة نقصان فيها. و لازم عدم مطابقتها لما هو مأمور به عدم سقوط الامر و عدم سقوط الأداء و القضاء.

و معنى صحّة المعاملة مطابقتها لما هو المعتبر فيها من أجزاء و شرائط و نحوها. و معنى فسادها عدم مطابقتها لما هو معتبر فيها، و لازم عدم مطابقتها عدم ترتّب أثرها المرغوب فيه عليها: من نحو النقل و الانتقال في عقد البيع و الإجارة، و من نحو العُلقة الزوجيّة في عقد النكاح ... و هكذا.

4- متعلّق النهي:

لا شكّ في أنّ متعلّق النهي- هنا- يجب أن يكون ممّا يصحّ أن يتّصف بالصحّة و الفساد ليصحّ النزاع فيه، و إلّا فلا معنى لأن يقال- مثلًا-: إنّ النهي عن شرب الخمر يقتضي الفساد أولا يقتضي.

وعليه، فليس كلّ ما هو متعلق للنهي يقع موضعاً للنزاع في هذه المسألة، بل خصوص ما يقبل وصفي الصحّة و الفساد. و هذا واضح.

ثمّ إنّ متعلّق النهي يعمّ العبادة و المعاملة اللتين يصحّ وصفهما بالفساد، فلا اختصاص للمسألة بالعبادة، كما ربما ينسب إلى بعضهم‏ «2».

و إذا اتّضح المقصود من الكلمات الّتي وردت في العنوان يتّضح‏

______________________________ (1) هذا بناءً على اعتبار الأمر في عباديّة العبادة. أمّا إذا قلنا بكفاية الرجحان الذاتي في عباديّتها إذا قصدها متقرّباً بها إلى اللَّه تعالى- كما هو الصحيح- فيكون معنى صحّة العبادة ما هو أعمّ من مطابقتها لما هو مأمور به و من مطابقتها لما هو راجح ذاتاً و إن لم يكن هناك أمر.

(2) لم نظفر بالناسب و لا بالمنسوب إليه.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 414

المقصود من النزاع و محلّه هنا، فإنّه يرجع إلى النزاع في الملازمة العقليّة بين النهي عن الشي‏ء و فساده. فمن يقول بالاقتضاء فإنّما يقول بأنّ النهي يستلزم عقلًا فساد متعلّقه، و قد يقول مع ذلك بأنّ اللفظ الدالّ على النهي دالّ على فساد المنهيّ عنه بالدلالة الالتزاميّة. و من يقول بعدمه إنّما يقول بأنّ النهي عن الشي‏ء لا يستلزم عقلًا فساده.

أو فقل: إنّ النزاع هنا يرجع إلى النزاع في وجود الممانعة و المنافرة عقلًا بين كون الشي‏ء صحيحاً و بين كونه منهيّاً عنه، أي أنّه هل هناك مانعة جمع بين صحّة الشي‏ء و النهي عنه أولا؟

و لأجل هذا تدخل هذه المسألة في بحث الملازمات العقليّة كما صنعنا.

و لمّا كان البحث يختلف اختلافاً كثيراً في كلّ واحدة من العبادة و المعاملة عقدوا البحثَ في موضعين: العبادة، و المعاملة. فينبغي البحث عن كلّ منهما مستقلّاً في مبحثين:

المبحث الأوّل النهي عن العبادة

المقصود من «العبادة» الّتي هي محلّ النزاع في المقام: العبادة بالمعنى الأخصّ، أي خصوص ما يشترط في صحّتها قصد القربة، أو فقل هي خصوص الوظيفة الّتي شرعها اللَّه تعالى لأجل التقرّب بها إليه.

و لا يشمل النزاع العبادة بالمعنى الأعمّ، مثل غَسل الثوب من النجاسة، لأنّه و إن صحّ أن يقع عبادة متقرّباً به إلى اللَّه تعالى لا يتوقّف حصول أثره المرغوب فيه- و هو زوال النجاسة- على وقوعه قُربيّاً، فلو فُرض وقوعه منهيّاً عنه- كالغَسل بالماء المغصوب- فإنّه يقع به الامتثال و يسقط الأمر

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 415

به، فلا يتصوّر وقوعه فاسداً من أجل تعلّق النهي به.

نعم، إذا وقع محرّماً منهيّاً عنه، فإنّه لا يقع عبادة متقرّباً به إلى اللَّه تعالى. فإذا قُصد من الفساد هذا المعنى فلا بأس في أن يقال: إنّ النهي عن العبادة بالمعنى الأعمّ يقتضي الفساد، فإنّ من يدّعي الممانعة بين الصحّة و النهي يمكن أن يدّعي الممانعة بين وقوع غسل الثوب صحيحاً- أي عبادةً متقرّباً به إلى اللَّه تعالى- و بين النهي عنه.

و ليس معنى العبادة هنا: أنّها ما كانت متعلّقة للأمر فعلًا، لأنّه مع فرض تعلّق النهي بها فعلًا لا يُعقل فرض تعلق الأمر بها أيضاً. و ليس ذلك كباب اجتماع الأمر و النهي الّذي فُرض فيه تعلّق النهي بعنوانٍ غير العنوان الّذي تعلّق به الأمر، فإنّه إن جاز هناك اجتماع الأمر و النهي فلا يجوز هنا، لعدم تعدّد العنوان، و إنّما العنوان الّذي تعلق به الأمر هو نفسه صار متعلّقاً للنهي. و على هذا، فلا بدّ أن يراد بالعبادة المنهيّ عنها ما كانت طبيعتها متعلّقة للأمر و إن لم تكن شاملة- بما هي مأمور بها- لما هو متعلّق النهي، أو ما كانت من شأنها أن يتقرّب بها لو تعلّق بها أمر. و بعبارة اخرى جامعة أن يقال: إنّ المقصود بالعبادة هنا هي الوظيفة الّتي لو شرعها الشارع لشرعها لأجل التعبّد بها و إن لم يتعلّق بها أمر فعليّ لخصوصيّة المورد. ثمّ إن النهي عن العبادة يتصوّر على أنحاء:

أحدها: أن يتعلّق النهي بأصل العبادة، كالنهي عن صوم العيدين، وصوم الوصال، و صلاة الحائض و النفساء.

و ثانيها: أن يتعلّق بجزئها، كالنهي عن قراءة سورة من سور العزائم في الصلاة.

و ثالثها: أن يتعلّق بشرطها أو بشرط جزئها، كالنهي عن الصلاة

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 416

باللباس المغصوب أو المتنجس.

و رابعها: أن يتعلّق بوصفٍ ملازم لها أو لجزئها، كالنهي عن الجهر بالقراءة في موضع الإخفات، و النهي عن الإخفات في موضع الجهر.

و الحقّ: أنّ النهي عن العبادة يقتضي الفساد، سواء كان نهياً عن أصلها أو جزئها أو شرطها أو وصفها، للتمانع الظاهر بين العبادة الّتي يراد بها التقرب إلى اللَّه تعالى و مرضاته، و بين النهي عنها المبعِّد عصيانه عن اللَّه و المثير لسخطه، فيستحيل التقرّب بالمبعِّد و الرضا بما يُسخطه. و يستحيل أيضاً التقرّب بما يشتمل على المبعِّد المبغوض المسخط له، أو بما هو متقيّد بالمبعِّد، أو بما هو موصوف بالمبعِّد.

و من الواضح: أنّ المقصود من القرب و البعد من المولى القرب و البعد المعنويان، و هما يشبهان القرب و البعد المكانيّين، فكما يستحيل التقرّب المكاني بما هو مبعِّد مكاناً كذلك يستحيل التقرّب المعنوي بما هو مبعِّد معنىً.

و نحن إذ نقول ذلك في النهي عن الجزء و الشرط و الوصف، نقول به لا لأجل أنّ النهي عن هذه الامور يسري إلى أصل العبادة و أنّ ذلك واسطة في الثبوت أو واسطة في العروض كما قيل‏ «1» و لا لأجل أنّ جزء العبادة و شرطها عبادة فإذا فسد الجزء و الشرط استلزم فسادُهما فسادَ المركّب و المشروط.

بل نحن لا نستند في قولنا في الجزء و الشرط و الوصف إلى ذلك، لأنّه لا حاجة إلى مثل هذه التعليلات، و لا تصل النوبة إليها بعد ما قلناه: من أنّه يستحيل التقرّب بما يشتمل على المبعِّد أو بما هو مقيّد أو موصوف بالمبعِّد، كما يستحيل التقرّب بنفس المبعِّد بلا فرق.

______________________________ (1) انظر فوائد الاصول: ج 1- 2 ص 463.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 417

على أنّ في هذه التعليلات من المناقشة ما لا يسعه هذا المختصر، و لا حاجة إلى مناقشتها بعد ما ذكرناه. هذا كلّه في النهي النفسي.

أمّا النهي الغيري المقدّمي: فحكمه حكم النفسي بلا فرق، كما أشرنا إلى ذلك في ما تقدّم ص 412.

فإنّه أشرنا هناك إلى الوجه الّذي ذكره بعض أعاظم مشايخنا قدس سره للفرق بينهما، بأنّ النهي الغيري لا يكشف عن وجود مفسدة و حزازة في المنهيّ عنه، فيبقى المنهيّ عنه على ما كان عليه من المصلحة الذاتيّة بلا مزاحمٍ لها من مفسدة للنهي، فيمكن التقرّب به بقصد تلك المصلحة الذاتيّة المفروضة. بخلاف النهي النفسي الكاشف عن المفسدة و الحزازة في المنهيّ عنه المانعة من التقرّب به.

و قد ناقشناه هناك بأنّ التقرّب و الابتعاد ليسا يدوران مدار المصلحة و المفسدة الذاتيّتين حتّى يتمّ هذا الكلام، بل- كما ذكرناه هناك- أنّ الفعل المبعِّد عن المولى في حال كونه مبعِّداً لا يُعقل أن يكون متقرّباً به إليه- كالتقرّب و الابتعاد المكانيّين- و النهي و إن كان غيريّاً يوجب البُعد و مبغوضيّة المنهيّ عنه و إن لم يشتمل على مفسدة نفسيّة.

و يبقى الكلام في النهي التنزيهي- أي الكراهة- فالحقّ أيضاً أنّه يقتضي الفساد كالنهي التحريمي، لنفس التعليل السابق من استحالة التقرّب بما هو مبعِّد بلا فرق، غاية الأمر أنّ مرتبة البُعد في التحريمي أشدّ و أكثر منها في التنزيهي، كاختلاف مرتبة القرب في موافقة الأمر الوجوبي و الاستحبابي. و هذا الفرق لا يوجب تفاوتاً في استحالة التقرّب بالمبعِّد.

و لأجل هذا حمل الأصحاب الكراهة في العبادة على أقلّية الثواب مع ثبوت صحّتها شرعاً لو أتى بها المكلّف، لا الكراهة الحكميّة الشرعيّة.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 418

و معنى حمل الكراهة على أقلّية الثواب: أنّ النهي الوارد فيها يكون مسوقاً لبيان هذا المعنى و بداعي الإرشاد إلى أقلّية الثواب، و ليس مسوقاً لبيان الحكم التكليفي المقابل للأحكام الأربعة الباقية بداعي الزجر عن الفعل و الردع عنه.

وعليه، فلو احرز بدليلٍ خاصّ أنّ النهي بداعي الزجر التنزيهي، أ و لم يُحرز من دليل خاصّ صحّة العبادة المكروهة، فلا محالة لا نقول بصحّة العبادة المنهيّ عنها بالنهي التنزيهي.

هذا فيما إذا كان النهي التنزيهي عن نفس عنوان العبادة أو جزئها أو شرطها أو وصفها. أمّا لو كان النهي عن عنوان آخر غير عنوان المأمور به، كما لو كان بين المنهيّ عنه و المأمور به عموم و خصوص من وجه، فإنّ هذا المورد يدخل في باب الاجتماع، و قد قلنا هناك بجواز الاجتماع في الأمر و النهي التحريمي فضلًا عن الامر و النهي التنزيهي. و ليس هو من باب النهي عن العبادة إلّا إذا ذهبنا إلى امتناع الاجتماع، فيدخل في مسألتنا.

تنبيه: إنّ النهي الّذي هو موضع النزاع- و قلنا باقتضائه الفساد في العبادة- هو النهي بالمعنى الظاهر من مادّته و صيغته، أعني ما يتضمّن حكماً تحريميّاً أو تنزيهيّاً بان يكون إنشاؤه بداعي الردع و الزجر.

أمّا النهي بداعٍ آخر- كداعي بيان أقلّية الثواب، أو داعي الإرشاد إلى مانعيّة الشي‏ء مثل النهي عن لبس جلد الميتة في الصلاة، أو نحو ذلك من الدواعي- فإنّه ليس موضع النزاع في مسألتنا، و لا يقتضي الفساد بما هو نهي. إلّا أن يتضمّن اعتبار شي‏ء في المأمور به، فمع فقد ذلك الشي‏ء لا ينطبق المأتيّ به على المأمور به فيقع فاسداً، كالنهي بداعي الإرشاد إلى مانعيّة شي‏ءٍ، فيستفاد منه أنّ عدم ذلك الشي‏ء يكون شرطاً في‏

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 419

المأمور به. و لكن هذا شي‏ء آخر لا يرتبط بمسألتنا، فإنّ هذا يجري حتّى في الواجبات التوصّليّة، فإنّ فقد أحد شروطها يوجب فسادها.

المبحث الثاني النهي عن المعاملة

إنّ النهي في المعاملة على نحوين- كالنهي عن العبادة- فإنّه تارةً يكون النهي بداعي بيان مانعيّة الشي‏ء المنهيّ عنه أو بداعٍ آخر مشابهٍ له، و اخرى يكون بداعي الردع و الزجر من أجل مبغوضيّة ما تعلّق به النهي و وجود الحزازة فيه.

فإن كان الأوّل: فهو خارج عن مسألتنا- كما تقدّم في التنبيه السابق- إذ لا شكّ في أنّه لو كان النهي بداعي الإرشاد إلى مانعيّة الشي‏ء في المعاملة، فإنّه يكون دالّاً على فسادها عند الإخلال، لدلالة النهي على اعتبار عدم المانع فيها، فتخلّفه تخلّفٌ للشرط المعتبر في صحّتها. و هذا لا ينبغي أن يختلف فيه اثنان.

و إن كان الثاني: فإنّ النهي إمّا أن يكون عن ذات السبب، أي عن العقد الإنشائي- أو فقل: عن التسبيب به لإيجاد المعاملة- كالنهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة في قوله تعالى: «إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ...» «1». و إمّا أن يكون عن ذات المسبّب، أي عن نفس وجود المعاملة، كالنهي عن بيع الآبق و بيع المصحف.

فإن كان النهي على النحو الأوّل- أي عن ذات السبب- فالمعروف أنّه لا يدلّ على فساد المعاملة، إذ لم تثبت المنافاة لا عقلًا و لا عرفاً بين‏

______________________________ (1) الجمعة: 9.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 420

مبغوضيّة العقد و التسبيب به و بين إمضاء الشارع له بعد أن كان العقد مستوفياً لجميع الشروط المعتبرة فيه، بل ثبت خلافها كحرمة الظهار الّتي لم تنافِ ترتّب الأثر عليه من الفراق.

و إن كان النهي على النحو الثاني- أي عن المسبّب- فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنّ النهي في هذا القسم يقتضي الفساد «1».

و أقصى ما يمكن تعليل ذلك بما ذكره بعض أعاظم مشايخنا: من أنّ صحّة كلّ معاملة مشروطة بأن يكون العاقد مسلّطاً على المعاملة في حكم الشارع غير محجور عليه من قبله من التصرّف في العين الّتي تجري عليها المعاملة، و نفس النهي عن المسبّب يكون معجّزاً مولويّاً للمكلّف عن الفعل و رافعاً لسلطنته عليه، فيختلّ به ذلك الشرط المعتبر في صحّة المعاملة، فلا محالة يترتّب على ذلك فسادها «2».

هذا غاية ما يمكن أن يقال في بيان اقتضاء النهي عن المسبّب لفساد المعاملة. و لكن التحقيق أن يقال:

إنّ استناد الفساد إلى النهي إنّما يصحّ أن يُفرض و يتنازع فيه فيما إذا كان العقد بشرائطه موجوداً حتى بشرائط المتعاقدين و شرائط العوضين، و أنّه ليس في البين إلّا المبغوضيّة الصرفة المستفادة من النهي. و حينئذٍ يقع البحث في أنّ هذه المبغوضيّة هل تنافي صحّة المعاملة أو لا تنافيها؟

أمّا إذا كان النهي دالّاً على اعتبار شي‏ءٍ في المتعاقدين و العوضين أو العقد- مثل النهي عن أن يبيع السفيه و المجنون و الصغير الدالّ على اعتبار العقل و البلوغ في البائع، و كالنهي عن بيع الخمر و الميتة و الآبق و نحوها الدالّ- على اعتبار إباحة المبيع و التمكّن من التصرّف منه، و كالنهي عن‏

______________________________ (1) لم نجده إلّا في كلام النائيني، راجع فوائد الاصول: ج 1- 2 ص 471.

(2) أجود التقريرات: ج 1 ص 404.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 421

العقد بغير العربيّة مثلًا الدالّ على اعتبارها في العقد- فإنّ هذا النهي في كلّ ذلك لا شكّ في كونه دالّاً على فساد المعاملة، لأنّ هذا النهي في الحقيقة يرجع إلى القسم الأوّل الّذي ذكرناه، و هو ما كان النهي بداعي الإرشاد إلى اعتبار شي‏ءٍ في المعاملة. و قد تقدّم أنّ هذا ليس موضع الكلام: من منافاة نفس النهي بداعي الردع و الزجر لصحّة المعاملة.

فالعمدة هو الكلام في هذه المنافاة، و ليس من دليلٍ عليها حتّى تثبت الملازمة بين النهي و فساد المعاملة و كون النهي عن المسبّب يكون معجّزاً مولويّاً للمكلّف عن الفعل و رافعاً لسلطنته عليه، فإنّ معنى ذلك: أن النهي في المعاملة شأنه أن يدلّ على اختلال شرط في المعاملة بارتكاب المنهيّ عنه. و هذا لا كلام لنا فيه.

و في هذا القدر من البحث في هذه المسألة الكفاية

وفّقنا اللَّه تعالى لمراضيه***