حضرت امام علی عليه‌السلام نے فرمایا: جو فضول خرچی پر فخر کرتا ہے وہ مفلس ہوکر ذلیل ہوتا ہے۔ غررالحکم حدیث8141

اصول الفقہ حصہ دوم

المسألة الاولى الإجزاء

تصدير:

لا شكّ في أنّ المكلّف إذا فعل بما أمر به مولاه على الوجه المطلوب- أي أتى بالمطلوب على طبق ما امر به جامعاً لجميع ما هو معتبر فيه من الأجزاء أو الشرائط شرعيّة أو عقليّة- فإنّ هذا الفعل منه يعتبر امتثالًا لنفس ذلك الأمر، سواء كان الأمر اختياريّاً واقعيّاً، أو اضطراريّاً، أو ظاهريّاً.

و ليس في هذا خلاف أو يمكن أن يقع فيه الخلاف.

و كذا لا شكّ و لا خلاف في أنّ هذا الامتثال على تلك الصفة يجزئ و يكتفى به عن امتثال آخر، لأنّ المكلّف- حسب الفرض- قد جاء بما عليه من التكليف على الوجه المطلوب، و كفى.

و حينئذٍ يسقط الأمر الموجّه إليه، لأنّه قد حصل بالفعل ما دعا إليه و انتهى أمده. و يستحيل أن يبقى بعد حصول غرضه و ما كان قد دعا إليه، لانتهاء أمد دعوته بحصول غايته الداعية إليه، إلّا إذا جوّزنا المحال و هو حصول المعلول بلا علّة «2».

______________________________ (1) (*) الإجزاء: مصدر «اجزأ» أي أغنى عنه و قام مقامه.

(2) و إذا صحّ أن يقال شي‏ء في هذا الباب فليس في إجزاء المأتيّ به و الاكتفاء بامتثال الأمر، ف فإنّ هذا قطعي- كما قلنا في المتن- و إنّما الّذي يصحّ أن يقال و يبحث عنه ففي جواز الامتثال مرّة اخرى بدلًا عن الامتثال الأوّل على وجه يلغى الامتثال الأوّل و يكتفى بالثاني. و هو خارج عن مسألة الإجزاء، و يعبّر عنه في لسان الاصوليّين بقولهم: «تبديل الامتثال بالامتثال»

و قد يتصوّر الطالب أنّ هذا لا مانع منه عقلًا، بأن يتصوّر أنّ هناك حالة منتظرة بعد الامتثال الأوّل، بمعنى أن نتصوّر أنّ الغرض من الأمر لم يحصل بمجرّد الامتثال الأوّل، فلا يسقط عنده الأمر، بل يبقى مجال لامتثاله ثانياً، لا سيّما إذا كان الامتثال الثاني أفضل. و يساعد على هذا التصوير أنّه قد ورد في الشريعة ما يؤيّد ذلك بظاهره مثل ما ورد في باب إعادة من صلّى فرادى عند حضور الجماعة: «إنّ اللَّه تعالى يختار أحبّهما إليه» (1).

و الحقّ عدم جواز تبديل الامتثال بامتثال آخر، لأنّ الإتيان بالمامور به بحدوده و قيوده علّة تامّة لحصول الغرض، فلا تبقى حالة منتظرة بعد الامتثال الأوّل، فيسقط الأمر لانتهاء أمده كما قلنا في المتن.

و أمّا ما ورد في جواز ذلك فيُحمل على استحباب الإعادة بأمر آخر ندبي، و ينبغي أن يحمل قوله عليه السلام: «يختار أحبّهما إليه» على أنّ المراد: يختار ذلك في مقام إعطاء الثواب و الأجر، لا في مقام امتثال الأمر الوجوبي بالصلاة [و أنّ الامتثال يقع بالثاني‏] (2).

(1) الوسائل: ج 5 ص 456، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة ح 10.

(2) لم يرد في ط 2.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 302

و إنّما وقع الخلاف- أو يمكن ان يقع- في مسألة الإجزاء فيما إذا كان هناك أمران: أمر أوّلي واقعي لم يمتثله المكلّف إمّا لتعذّره عليه أو لجهله به، و أمر ثانوي إمّا اضطراري في صورة تعذّر الأوّل و إمّا ظاهري في صورة الجهل بالأوّل، فإنّه إذا امتثل المكلّف هذا الأمر الثانوي الاضطراري أو الظاهري ثمّ زال العذر و الاضطرار أو زال الجهل و انكشف الواقع صحّ الخلاف في كفاية ما أتى به امتثالًا للأمر الثاني عن امتثال الأمر الأوّل، و إجزائه عنه إعادةً في الوقت و قضاءً في خارجه.

و لأجل هذا عقدت هذه المسألة (مسألة الإجزاء).

و حقيقتها هو البحث عن ثبوت الملازمة- عقلًا- بين الإتيان بالمأمور

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 303

به بالأمر الاضطراري أو الظاهري و بين الإجزاء و الاكتفاء به عن امتثال الأمر الأوّلى الاختياري الواقعي.

و قد عبّر بعض علماء الاصول المتأخّرين عن هذه المسألة بقوله: هل الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء أو لا يقتضي؟ «1»

و المراد من «الاقتضاء» في كلامه: الاقتضاء بمعنى العلّية و التأثير، أي أنّه هل يلزم- عقلًا- من الإتيان بالمأمور به سقوط التكليف شرعاً أداءً و قضاءً؟

و من هنا تدخل هذه المسألة في باب الملازمات العقليّة، على ما حرّرنا البحث في صدر هذا المقصد عن المراد بالملازمة العقليّة. و لا وجه لجعلها من باب مباحث الألفاظ، لأنّ ذلك ليس من شئون الدلالة اللفظيّة. و علينا أن نعقد البحث في مقامين: الأوّل في إجزاء المأمور به بالأمر الاضطراري. الثاني في إجزاء المأمور به بالأمر الظاهري.

المقام الأوّل الأمر الاضطراري‏

وردت في الشريعة المطهّرة أوامر لا تُحصى تختصّ بحال الضرورات و تعذّر امتثال الأوامر الاولى أو بحال الحرج في امتثالها، مثل التيمّم و وضوء الجبيرة و غسلها، و صلاة العاجز عن القيام أو القعود، و صلاة الغريق.

و لا شكّ في أنّ الاضطرار ترتفع به فعليّة التكليف، لأنّ اللَّه تعالى‏ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. و قد ورد في الحديث النبوي المشهور الصحيح «رفع عن امّتي ما اضطرّوا إليه» «2».

______________________________ (1) راجع مطارح الأنظار: ص 18، كفاية الاصول: ص 104، فوائد الاصول: ج 1 ص 241.

(2) الخصال: ج 2 ص 417، باب التسعة، ح 9.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 304

غير أنّ الشارع المقدّس حرصاً على بعض العبادات- لا سيّما الصلاة الّتي لا تُترك بحالٍ- أمر عباده بالاستعاضة عمّا اضطرّوا إلى تركه بالإتيان ببدل عنه، فأمر- مثلًا- بالتيمّم بدلًا عن الوضوء أو الغسل، و قد جاء في الحديث «يكفيك عشر سنين» «1». و أمر بالمسح على الجبيرة بدلًا عن غسل بشرة العضو في الوضوء و الغسل. و أمر بالصلاة من جلوسٍ بدلًا عن الصلاة من قيام ... و هكذا فيما لا يُحصى من الأوامر الواردة في حال اضطرار المكلّف و عجزه عن امتثال الأمر الأوّلي الاختياري أو في حال الحرج في امتثاله. و لا شكّ في أنّ هذه الأوامر الاضطراريّة هي أوامر واقعيّة حقيقيّة ذات مصالح ملزمة كالأوامر الأوّلية. و قد تُسمّى «الأوامر الثانويّة» تنبيهاً على أنّها واردة لحالات طارئة ثانويّة على المكلّف و إذا امتثلها المكلّف أدّى ما عليه في هذا الحال و سقط عنه التكليف بها.

و لكن يقع البحث و التساؤل فيما لو ارتفعت تلك الحالة الاضطراريّة الثانويّة و رجع المكلّف إلى حالته الاولى من التمكّن من أداء ما كان عليه واجباً في حالة الاختيار، فهل يجزئه ما كان قد أتى به في حال الاضطرار، أولا يجزئه بل لا بدّ له من إعادة الفعل في الوقت أداءً إذا كان ارتفاع الاضطرار قبل انتهاء وقت الفعل و كنّا قلنا بجواز البدار «2» أو إعادته خارج الوقت قضاءً إذا كان ارتفاع الاضطرار بعد الوقت؟

إنّ هذا أمر يصحّ فيه الشكّ و التساؤل، و إن كان المعروف بين الفقهاء

______________________________ (1) الوسائل: ج 2 ص 984، الباب 14 من أبواب التيمّم، ح 12.

(2) (*) لأنّه إذا لم يجز البدار، فان ابتدر فعمله باطل فكيف يجزئ، و إن لم يبتدر فلا يبقى مجال لزوال العذر في الوقت حتّى يتصوّر الأداء.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 305

في فتاويهم القول بالإجزاء مطلقاً أداءً و قضاءً.

غير أنّ إطباقهم على القول بالإجزاء ليس مستنداً إلى دعوى أنّ البديهيّة «1» العقليّة تقضي به، لأنّه هنا يمكن تصوّر عدم الإجزاء بلا محذور عقلي، أعني يمكننا أن نتصوّر عدم الملازمة بين الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري و بين الإجزاء به عن الأمر الواقعي الاختياري.

توضيح ذلك: أنّه لا إشكال في أنّ المأتيّ به في حال الاضطرار أنقص من المأمور به حال الاختيار، و القول بالإجزاء فيه معناه كفاية الناقص عن الكامل مع فرض حصول التمكّن من أداء الكامل في الوقت أو خارجه. و لا شكّ في أنّ العقل لا يرى بأساً بالأمر بالفعل ثانياً بعد زوال الضرورة، تحصيلًا للكامل الّذي قد فات منه، بل قد يُلزم العقل بذلك إذا كان في الكامل مصلحة ملزمة لا يفي بها الناقص و لا يسدّ مسدّ الكامل في تحصيلها. و المقصود الّذي نريد أن نقوله بصريح العبارة: إنّ الإتيان بالناقص ليس بالنظرة الاولى ممّا يقتضي عقلًا الإجزاء عن الكامل.

فلا بدّ أن يكون ذهاب الفقهاء إلى الإجزاء لسرٍّ هناك: إمّا لوجود ملازمة بين الإتيان بالناقص و بين الإجزاء عن الكامل، و إمّا لغير ذلك من الأسباب. فيجب أن نتبيّن ذلك، فنقول: هناك وجوه أربعة تصلح أن تكون كلّها أو بعضها مستنداً للقول بالإجزاء نذكرها كلّها:

1- إنّه من المعلوم أنّ الأحكام الواردة في حال الاضطرار واردة للتخفيف على المكلّفين و التوسعة عليهم في تحصيل مصالح التكاليف الأصليّة الأوّليّة «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» «2». و ليس من شأن التخفيف و التوسعة أن يكلّفهم ثانياً بالقضاء أو الأداء، و إن كان الناقص لا يسدّ مسدّ الكامل في تحصيل كلّ مصلحته الملزمة.

______________________________ (1) في ط الاولى: البديهة.

(2) البقرة: 185.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 306

2- إنّ أكثر الأدلّة الواردة في التكاليف الاضطراريّة مطلقة، مثل قوله تعالى: «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» «1»* أي أنّ ظاهرها بمقتضى الإطلاق الاكتفاء بالتكليف الثاني لحال الضرورة، و أنّ التكليف منحصر فيه و ليس وراءه تكليف آخر، فلو أنّ الاداء أو القضاء واجبان أيضاً لوجب البيان و التنصيص على ذلك، و إذ لم يبيّن ذلك عُلم أنّ الناقص يجزئ عن أداء الكامل أداءً و قضاءً، لا سيّما مع ورود مثل قوله عليه السلام: «إنّ التراب يكفيك عشر سنين» «2».

3- إنّ القضاء بالخصوص إنّما يجب فيما إذا صدق الفوت، و يمكن أن يقال: إنّه لا يصدق «الفوت» في المقام، لأنّ القضاء إنّما يُفرض فيما إذا كانت الضرورة مستمرّة في جميع وقت الأداء، و على هذا التقدير لا أمر بالكامل في الوقت، و إذا لم يكن أمر فقد يقال: إنّه لا يصدق بالنسبة إليه «فوت الفريضة» إذ لا فريضة.

و أمّا الأداء فإنّما يُفرض فيما يجوز البدار به، و قد ابتدر المكلّف- حسب الفرض- إلى فعل الناقص في الأزمنة الاولى من الوقت ثمّ زالت الضرورة قبل انتهاء الوقت، و نفس الرخصة في البدار- لو ثبتت- تشير إلى مسامحة الشارع في تحصيل الكامل عند التمكّن، و إلّا لفرض عليه الانتظار تحصيلًا للكامل.

4- إذا كنّا قد شككنا في وجوب الأداء و القضاء، و المفروض أنّ وجوبهما لم ننفه بإطلاقٍ و نحوه فإنّ هذا شكّ في أصل التكليف، و في مثله تجري أصالة البراءة القاضية بعدم وجوبهما.

فهذه الوجوه الأربعة كلّها أو بعضها أو نحوها هي سرّ حكم الفقهاء

______________________________ (1) النساء: 43، المائدة: 6.

(2) الوسائل: ج 2 ص 984، الباب 14 من أبواب التيمّم، ح 12.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 307

بالإجزاء قضاءً و أداءً. و القول بالإجزاء- على هذا- أمرٌ لا مفرّ منه.

و يتأكّد ذلك في الصلاة الّتي هي العمدة في الباب.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى ) ؛ ج‏2 ؛ ص307

المقام الثاني الأمر الظاهري‏

تمهيد:

للحكم الظاهري اصطلاحان:

أحدهما: ما تقدّم في أوّل الجزء الأوّل (ص 50) و هو المقابل للحكم الواقعي و إن كان الواقعي مستفاداً من الأدلّة الاجتهاديّة الظنّية، فيختصّ الظاهري بما ثبت بالاصول العمليّة.

و ثانيهما: كلّ حكم ثبت ظاهراً عند الجهل بالحكم الواقعي الثابت في علم اللَّه تعالى، فيشمل الحكم الثابت بالأمارات و الاصول معاً. فيكون الحكم الظاهري بالمعنى الثاني أعمّ من الأوّل.

و هذا المعنى الثاني العامّ هو المقصود هنا بالبحث. فالأمر الظاهري:

ما تضمّنه الأصل أو الأمارة.

ثمّ إنّه لا شكّ في أنّ الأمر الواقعي في موردي الأصل و الأمارة غير منجّز على المكلّف، بمعنى أنّه لا عقاب على مخالفته بسبب العمل بالأمارة و الأصل لو اتّفق مخالفتهما له، لأنّه من الواضح أنّ كلّ تكليف غير واصل إلى المكلّف بعد الفحص و اليأس غير منجّز عليه، ضرورة أنّ التكليف إنّما يتنجّز بوصوله بأيّ نحو من أنحاء الوصول، و لو بالعلم الإجمالي.

هذا كلّه لا كلام فيه، و سيأتي في مباحث الحجّة تفصيل الحديث عنه.

و إنّما الّذي يحسن أن نبحث عنه هنا في هذا الباب هو أنّ الأمر الواقعي المجهول لو انكشف فيه بعد ذلك خطأ الامارة أو الأصل و قد عمل‏

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 308

المكلف- حسب الفرض- على خلافه اتّباعاً للأمارة الخاطئة أو الأصل المخالف للواقع، فهل يجب على المكلّف امتثال الأمر الواقعي في الوقت أداءً و في خارج الوقت قضاءً، أو أنّه لا يجب شي‏ء عليه بل يجزئ ما أتى به على طبق الأمارة أو الأصل و يكتفي به؟؟

ثمّ إنّ العمل على خلاف الواقع- كما سبق- تارةً يكون بالأمارة، و اخرى بالأصل. ثمّ الانكشاف على نحوين:

انكشاف على نحو اليقين و انكشاف بمقتضى حجّة معتبرة. فهذه أربع صور.

و لاختلاف البحث في هذه الصور مع اتّفاق صورتين منها في الحكم- و هما صورتا الانكشاف بحجّة معتبرة مع العمل على طبق الأمارة و مع العمل بمقتضى الأصل- نعقد البحث في ثلاث مسائل:

1- الإجزاء في الأمارة مع انكشاف الخطأ يقيناً

إنّ قيام الأمارة تارةً يكون في الأحكام، كقيام الأمارة على وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة حال الغيبة بدلًا عن صلاة الجمعة. و اخرى في الموضوعات، كقيام البيّنة على طهارة ثوبٍ صلّى به أو ماءٍ توضّأ منه، ثمّ بانت نجاسته.

و المعروف عند الإماميّة عدم الإجزاء مطلقاً، في الأحكام و الموضوعات.

أمّا في الأحكام: فلأجل اتّفاقهم على مذهب التخطئة، أي أنّ المجتهد يخطئ و يصيب، لأنّ للَّه تعالى أحكاماً ثابتة في الواقع يشترك فيها العالم و الجاهل، أي أنّ الجاهل مكلّف بها كالعالم، غاية الأمر أنّها غير منجّزة بالفعل بالنسبة إلى الجاهل القاصر «1» حين جهله، و إنّما يكون معذوراً في‏

______________________________ (1) (*) الجاهل القاصر من لم يتمكّن من الفحص أو فَحَصَ فلم يعثر. و يقابله المقصّر، و هو بعكسه. و الأحكام منجّزة بالنسبة إلى المقصّر، لحصول العلم الإجمالي بها عنده، و العلم منجّز للأحكام و إن كان إجماليّاً، فلا يكون معذوراً. بل الاحتمال وحده بالنسبة إليه يكون منجّزاً. و سيأتي البحث عن ذلك في مباحث الحجّة.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 309

المخالفة لو اتّفقت له باتّباع الأمارة، إذ لا تكون الأمارة عندهم إلّا طريقاً محضاً لتحصيل الواقع.

و مع انكشاف الخطأ لا يبقى مجال للعذر، بل يتنجّز الواقع حينئذٍ في حقّه من دون أن يكون قد جاء بشي‏ء يسدّ مسدّه و يغني عنه.

و لا يصحّ القول بالإجزاء إلّا إذا قلنا: إنّه بقيام الأمارة على وجوب شي‏ء تحدث فيه مصلحة ملزمة على أن تكون هذه المصلحة وافية بمصلحة الواقع يتدارك بها مصلحة الواجب الواقعي، فتكون الأمارة مأخوذة على نحو الموضوعيّة للحكم، ضرورة أنّه مع هذا الفرض يكون ما أتى به على طبق الأمارة مجزئاً عن الواقع، لأنّه قد أتى بما يسدّ مسدّه و يغني عنه في تحصيل مصلحة الواقع.

و لكن هذا معناه التصويب المنسوب إلى المعتزلة «1» أي أنّ أحكام اللَّه تعالى تابعة لآراء المجتهدين و إن كانت له أحكام واقعيّة ثابتة في نفسها، فإنّه يكون- عليه- كل رأي أدّى إليه نظر المجتهد قد أنشأ اللَّه تعالى على طبقه حكماً من الأحكام. و التصويب بهذا المعنى قد أجمعت‏ «2» الإماميّة على بطلانه. و سيأتي البحث عنه في مباحث الحجّة.

و أمّا القول بالمصلحة السلوكيّة- أي أنّ نفس متابعة الأمارة فيه مصلحة ملزمة يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع و إن لم تحدث مصلحة في نفس الفعل الّذي أدّت الأمارة إلى وجوبه- فهذا قول لبعض الإماميّة لتصحيح جعل الطريق و الأمارات في فرض التمكّن من تحصيل‏

______________________________ (1) راجع المعتمد في اصول الفقه: ج 2 ص 370.

(2) في ط 2: اجتمعت.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 310

العلم‏ «1» على ما سيأتي بيانه في محلّه إن شاء اللَّه تعالى.

و لكنّه- على تقدير صحة هذا القول- لا يقتضي الإجزاء أيضاً، لأنّه على فرضه تبقى مصلحة الواقع على ما هي عليه عند انكشاف خطأ الأمارة في الوقت أو في خارجه.

توضيح ذلك: أنّ المصلحة السلوكيّة المدّعاة هي مصلحة تدارك الواقع باعتبار أنّ الشارع لمّا جعل الأمارة في حال تمكّن المكلّف من تحصيل العلم بالواقع فإنّه قد فوّت عليه الواقع، فلا بدّ من فرض تداركه بمصلحةٍ تكون في نفس اتّباع الأمارة، و اللازم من المصلحة الّتي يتدارك بها الواقع أن تُقدّر بقدر ما فات من الواقع من مصلحة، لا أكثر. و عند انكشاف الخطأ في الوقت لم يفت من مصلحة الواقع إلّا مصلحة فضيلة أوّل الوقت، و عند انكشاف الخطأ في خارج الوقت لم تفت إلّا مصلحة الوقت، أمّا مصلحة أصل الفعل فلم تفت من المكلّف لإمكان تحصيلها بعد الانكشاف، فما هو الملزم للقول بحصول مصلحة يتدارك بها أصل مصلحة الفعل حتّى يلزم الإجزاء؟!

و أمّا في الموضوعات: فالظاهر أنّ المعروف عندهم أنّ الأمارة فيها قد اخذت على نحو «الطريقيّة» كقاعدة اليد و الصحّة و سوق المسلمين و نحوها، فإن أصابت الواقع فذاك، و إن أخطأت فالواقع على حاله و لا تحدث بسببها مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع، غاية الأمر أنّ المكلّف معها معذور عند الخطأ، و شأنها في ذلك شأن الأمارة في الأحكام.

و السرّ في حملها على «الطريقيّة» هو أنّ الدليل الّذي دلّ على حجّيّة الأمارة في الأحكام هو نفسه دلّ على حجّيتها في الموضوعات بلسانٍ‏

______________________________ (1) نسبه في أجود التقريرات (ج 2 ص 67) إلى جماعة من العدليّة. و راجع فرائد الاصول: ج 1 ص 43، فوائد الاصول: ج 3 ص 95.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 311

واحد في الجميع، لا أنّ القول بالموضوعيّة هنا يقتضي محذور التصويب المجمع على بطلانه عند الإماميّة كالأمارة في الأحكام.

وعليه، فالأمارة في الموضوعات أيضاً لا تقتضي الإجزاء بلا فرق بينها و بين الأمارة في الأحكام.

2- الإجزاء في الاصول مع انكشاف الخطأ يقيناً:

لا شكّ في أنّ العمل بالأصل إنّما يصحّ إذا فقد المكلَّف الدليل الاجتهادي على الحكم. فيرجع إليه باعتباره وظيفةً للجاهل لا بدّ منها للخروج من الحيرة.

فالأصل- في حقيقته- وظيفة للجاهل الشاكّ ينتهي إليه في مقام العمل، إذ لا سبيل له غير ذلك لرفع الحيرة و علاج حالة الشكّ.

ثمّ إنّ الأصل على قسمين:

1- أصل عقلي، و المراد منه ما يحكم به العقل و لا يتضمّن جعل حكم ظاهري من الشارع، كالاحتياط، و قاعدة التخيير، و البراءة العقليّة الّتي مرجعها إلى حكم العقل بنفي العقاب بلا بيان، فهي لا مضمون لها إلّا رفع العقاب، لاجعل حكم بالإباحة من الشارع.

2- أصل شرعي، و هو المجعول من الشارع في مقام الشكّ و الحيرة، فيتضمّن جعل حكم ظاهري،

كالاستصحاب، و البراءة الشرعيّة الّتي مرجعها إلى حكم الشارع بالإباحة. و مثلها أصالة الطهارة و الحلّية. إذا عرفت ذلك، فنقول:

أوّلًا: أنّ بحث الإجزاء لا يتصوّر في قاعدة الاحتياط مطلقاً سواء كانت عقليّة أو شرعيّة، لأنّ المفروض في الاحتياط هو العمل بما يحقّق امتثال التكليف الواقعي فلا يتصوّر فيه تفويت المصلحة.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 312

و ثانياً: كذلك لا يتصوّر بحث الإجزاء في الاصول العقليّة الاخرى كالبراءة و قاعدة التخيير، لأنّها حسب الفرض لا تتضمّن حكماً ظاهريّاً حتّى يتصوّر فيها الإجزاء و الاكتفاء بالمأتيّ به عن الواقع، بل إنّ مضمونها هو سقوط العقاب و المعذوريّة المجرّدة.

وعليه، فينحصر البحث في خصوص الاصول الشرعيّة عدا الاحتياط، كالاستصحاب، و أصالة البراءة و الحلّية، و أصالة الطهارة.

و هي لأوّل وهلةٍ لا مجال لتوهّم الإجزاء فيها لا في الأحكام و لا في الموضوعات، فإنّها أولى من الأمارات في عدم الإجزاء، باعتبار أنّها- كما ذكرنا في صدر البحث- وظيفة عمليّة يرجع إليها الجاهل الشاكّ لرفع الحيرة في مقام العمل و العلاج الوقتي. أمّا الواقع فهو على واقعيتّه، فيتنجّز حين العلم به و انكشافه، و لا مصلحة في العمل بالأصل غير رفع الحيرة عند الشكّ، فلا يتصوّر فيه مصلحة وافية يتدارك بها مصلحة الواقع حتّى يقتضي الإجزاء و الاكتفاء به عن الواقع.

و لذا أفتى علماؤنا المتقدّمون بعدم الإجزاء في الاصول العمليّة «1».

و مع هذا، فقد قال قوم من المتأخّرين بالإجزاء، منهم شيخنا صاحب الكفاية «2» و تبعه تلميذه استاذنا الشيخ محمّد حسين الأصفهاني‏ «3». و لكن ذلك في خصوص الاصول الجارية لتنقيح موضوع التكليف و تحقيق متعلّقه، كقاعدة الطهارة و أصالة الحلّية و استصحابهما، دون الاصول الجارية في نفس الأحكام.

و منشأ هذا الرأي عنده اعتقاده بأنّ دليل الأصل في موضوعات الأحكام موسِّع لدائرة الشرط أو الجزء المعتبر في موضوع التكليف‏

______________________________ (1) لم نتوفّق للفحص عن موارد فتاويهم.

(2) كفاية الاصول: ص 110.

(3) نهاية الدراية: ج 1 ص 392- 393.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 313

و متعلّقه بأن يكون مثل قوله عليه السلام: «كلّ شي‏ء نظيف حتى تعلم أنّه قذر» «1» يدلّ على أنّ كلّ شي‏ء قبل العلم بنجاسته محكوم بالطهارة، و الحكم بالطهارة حكمٌ بترتيب آثارها و إنشاءٌ لأحكامها التكليفيّة و الوضعيّة الّتي منها الشرطيّة، فتصحّ الصلاة بمشكوك الطهارة كما تصحّ بالطاهر الواقعي. و يلزم من ذلك أن يكون الشرط في الصلاة- حقيقةً- أعمّ من الطهارة الواقعيّة و الطهارة الظاهريّة.

و إذا كان الأمر كذلك، فإذا انكشف الخلاف لا يكون ذلك موجباً لانكشاف فقدان العمل لشرطه، بل يكون بالنسبة إليه من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل. فلا يتصوّر حينئذٍ معنى لعدم الإجزاء بالنسبة إلى ما أتى به حين الشكّ، و المفروض أنّ ما أتى به يكون واجداً لشرطه المعتبر فيه تحقيقاً، باعتبار أنّ الشرط هو الأعمّ من الطهارة الواقعيّة و الظاهريّة حين الجهل، فلا يكون فيه انكشاف للخلاف و لا فقدان للشرط.

و قد ناقشه شيخنا الميرزا النائيني بعدّة مناقشات‏ «2» يطول ذكرها و لا يسعها هذا المختصر. و الموضوع من المباحث الدقيقة الّتي هي فوق مستوى كتابنا.

3- الإجزاء في الأمارات و الاصول مع انكشاف الخطأ بحجّة معتبرة:

و هذه أهمّ مسألةٍ في الإجزاء من جهة عموم البلوى بها للمكلّفين، فإنّ المجتهدين كثيراً ما يحصل لهم تبدّل في الرأي بما يوجب فساد أعمالهم السابقة ظاهراً، و بتبعهم المقلّدون لهم. و المقلّدون أيضاً قد ينتقلون من تقليد شخص إلى تقليد شخص آخر يخالف الأوّل في الرأي بما يوجب فساد الأعمال السابقة.

______________________________ (1) الوسائل: ج 2 ص 1054، الباب 37 من أبواب النجاسات ح 4.

(2) راجع فوائد الاصول: ج 1 ص 249.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 314

فنقول في هذه الأحوال:

إنّه بعد قيام الحجّة المعتبرة اللاحقة بالنسبة إلى المجتهد أو المقلّد، لا إشكال في وجوب الأخذ بها في الوقائع اللاحقة غير المرتبطة بالوقائع السابقة.

و لا إشكال- أيضاً- في مضيّ الوقائع السابقة الّتي لا يترتّب عليها أثر أصلًا في الزمن اللاحق.

و إنّما الإشكال في الوقائع اللاحقة المرتبطة بالوقائع السابقة، مثل ما لو انكشف الخطأ اجتهاداً أو تقليداً في وقت العبادة و قد عمل بمقتضى الحجّة السابقة، أو انكشف الخطأ في خارج الوقت و كان عمله مما يُقضى كالصلاة. و مثل ما لو تزوّج زوجة بعقد غير عربي اجتهاداً أو تقليداً ثمّ قامت الحجّة عنده على اعتبار اللفظ العربي و الزوجة لا تزال موجودة.

فإنّ المعروف في الموضوعات الخارجيّة عدم الإجزاء.

أما في الأحكام فقد قيل بقيام الإجماع على الإجزاء لا سيّما في الامور العباديّة كالمثال الأوّل المتقدّم.

و لكن العمدة في الباب أن نبحث عن القاعدة ما ذا تقتضي هنا؟ هل تقتضي الإجزاء أو لا تقتضيه؟ و الظاهر أنّها لا تقتضي الإجزاء.

و خلاصة ما ينبغي أن يقال: إنّ من يدّعي الإجزاء لا بدّ أن يدّعي أنّ المكلّف لا يلزمه في الزمان اللاحق إلّا العمل على طبق الحجّة الأخيرة الّتي قامت عنده. و أمّا عمله السابق فقد كان على طبق حجّة ماضية عليه في حينها.

و لكن يقال له: إنّ التبدّل الّذي حصل له إمّا أن يدّعي أنّه تبدّل في الحكم الواقعي أو تبدّل في الحجّة عليه.

و لا ثالث لهما.

أمّا دعوى التبدّل في الحكم الواقعي فلا إشكال في بطلانها، لأنّها

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 315

تستلزم القول بالتصويب. و هو ظاهر.

و أمّا دعوى التبدّل في الحجّة، فإن أراد أنّ الحجة الاولى هي حجّة بالنسبة إلى الأعمال السابقة و بالنظر إلى وقتها فقط، فهذا لا ينفع في الإجزاء بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة و آثار الأعمال السابقة. و إن أراد أنّ الحجّة الاولى هي حجّة مطلقاً حتّى بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة و آثار الأعمال السابقة، فالدعوى باطلة قطعاً، لأنّه في تبدّل الاجتهاد ينكشف بحجّة معتبرة أنّ المدرك السابق لم يكن حجّة مطلقاً حتّى بالنسبة إلى أعماله اللاحقة، أو أنّه تخيّله حجّة و هو ليس بحجّة، لا أنّ المدرك الأوّل حجّة مطلقاً و هذا الثاني حجّة اخرى.

و كذلك الكلام في تبدّل التقليد، فإنّ مقتضى التقليد الثاني هو انكشاف بطلان الأعمال الواقعة على طبق التقليد الأوّل، فلا بدّ من ترتيب الأثر على طبق الحجّة الفعليّة، فإنّ الحجّة السابقة- أي التقليد الأوّل- كلا حجّة بالنسبة إلى الآثار اللاحقة و إن كانت حجّة عليه في وقته، و المفروض عدم التبدّل في الحكم الواقعي فهو باقٍ على حاله. فيجب العمل على طبق الحجّة الفعليّة و ما تقتضيه. فلا إجزاء إلّا إذا ثبت الإجماع عليه.

و تفصيل الكلام في هذا الموضوع يحتاج إلى سعة من القول فوق مستوى هذا المختصر.

تنبيه في تبدّل القطع‏

لو قطع المكلّف بأمر خطأ فعمل على طبق قطعه ثمّ بان له يقيناً خطؤه، فإنّه لا ينبغي الشكّ في عدم الإجزاء. و السرّ واضح، لأنّه عند القطع الأوّل لم يفعل ما يستوفي مصلحة الواقع بأيّ وجهٍ من وجوه‏ أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 316

الاستيفاء، فكيف يسقط التكليف الواقعي؟ لأنّه في الحقيقة لا أمر موجّه إليه و إنّما كان يتخيّل الأمر.

وعليه، فيجب امتثال الواقع في الوقت أداءً و في خارجه قضاءً.

نعم، لو أنّ العمل الّذي قطع بوجوبه كان من باب الاتّفاق محقِّقاً لمصلحة الواقع فإنّه لا بدّ أن يكون مجزئاً. و لكن هذا أمر آخر اتّفاقي ليس من جهة كونه مقطوع الوجوب.

*** أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 317