حضرت محمد مصطفیٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نے فرمایا: جس نے کسی مومن کو اذیت دی، اس نے مجھے اذیت دی بحارالانوار ج64 ص72، کتاب الایمان والکفر، ابواب الایمان والاسلام، باب1فضل الایمان، مستدرک الوسائل حدیث 10335

اصول الفقہ حصہ دوم

المبحث الثالث ثبوت الملازمة العقليّة بين حكم العقل و حكم الشرع‏

و معنى الملازمة العقليّة هنا- على ما تقدّم- أنّه إذا حكم العقل بحسن شي‏ء أو قبحه هل يلزم عقلًا أن يحكم الشرع على طبقه؟

و هذه هي المسألة الاصولية الّتي تخصّ علمنا، و كلّ ما تقدّم من الكلام كان كالمقدّمة لها. و قد قلنا سابقاً: أنّ الأخباريّين فُسّر كلامهم- في أحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة الّذي يظهر من كلام بعضهم- بإنكار هذه الملازمة. و أمّا الاصوليّون فقد أنكرها منهم صاحب الفصول‏ «1» و لم نعرف له موافقاً. و سيأتي توجيه كلامهم و كلام الأخباريّين.

و الحقّ أنّ الملازمة ثابتة عقلًا، فإنّ العقل إذا حكم بحسن شي‏ءٍ أو قبحه- أي أنّه إذا تطابقت آراء العقلاء جميعاً بما هم عقلاء على حسن شي‏ء لما فيه من حفظ النظام و بقاء النوع، أو على قبحه لما فيه من الإخلال بذلك- فإنّ الحكم هذا يكون بادي رأي الجميع، فلا بدّ أن يحكم الشارع بحكمهم، لأنّه منهم بل رئيسهم. فهو بما هو عاقل- بل خالق العقل- كسائر العقلاء لا بدّ أن يحكم بما يحكمون، و لو فرضنا أنّه لم يشاركهم في حكمهم لما كان ذلك الحكم بادي رأي الجميع. و هذا خلاف‏

______________________________ (1) الفصول الغرويّة: 337.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 294

الفرض.

و بعد ثبوت ذلك ينبغي أن نبحث هنا عن مسألة اخرى:

و هي أنّه لو ورد من الشارع أمر في مورد حكم العقل كقوله تعالى:

«أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ» «1»* فهذا الأمر من الشارع هل هو أمر مولوي، أي أنّه أمر منه بما هو مولى. أو أنّه أمر إرشادي، أي أنّه أمر لأجل الإرشاد إلى ما حكم به العقل، أي أنّه أمر منه بما هو عاقل؟ و بعبارة اخرى: أنّ النزاع هنا في أنّ مثل هذا الأمر من الشارع هل هو أمر تأسيسي، و هذا معنى أنّه مولوي. أو أنّه أمر تأكيدي، و هو معنى أنّه إرشادي؟

لقد وقع الخلاف في ذلك. و الحقّ أنّه للإرشاد حيث يفرض أنّ حكم العقل هذا كافٍ لدعوة المكلّف إلى الفعل الحَسَن و انقداح‏ «2» إرادته للقيام به، فلا حاجة إلى جعل الداعي من قبل المولى ثانياً، بل يكون عبثاً و لغواً، بل هو مستحيل، لأنّه يكون من باب تحصيل الحاصل.

وعليه، فكلّ ما يرد في لسان الشرع من الأوامر في موارد المستقلّات العقليّة لا بدّ أن يكون تأكيداً لحكم العقل، لا تأسيساً.

نعم، لو قلنا بأنّ ما تطابقت عليه آراء العقلاء هو استحقاق المدح و الذمّ فقط على وجهٍ لا يلزم منه استحقاق الثواب و العقاب من قبل المولى، أو إنّه يلزم منه ذلك بل هو عينه‏ «3» و لكن لا يدرك ذلك كلّ أحد، فيمكن ألّا يكون نفس إدراك استحقاق المدح و الذمّ كافياً لدعوة كلّ أحد

______________________________ (1) آل عمران: 32.

(2) في ط 2: اندفاع.

(3) (*) الحقّ كما- صرح بذلك كثير من العلماء المحقّقين- أنّ معنى استحقاق المدح ليس إلّا استحقاق الثواب، و معنى استحقاق الذمّ ليس إلّا استحقاق العقاب، بمعنى أنّ المراد من المدح ما يعمّ الثواب لأنّ المراد بالمدح المجازاة بالخير، و المراد من الذّم ما يعمّ العقاب لأنّ المراد به المكافاة بالشرّ، و لذا قالوا: إنّ مدح الشارع ثوابه و ذمّه عقابه، و أرادوا به هذا المعنى.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 295

إلى الفعل إلّا للأوحديّ‏ «1» من الناس، فلا يستغني أكثر الناس عن الأمر من المولى المترتّب على موافقته الثواب و على مخالفته العقاب في مقام الدعوة إلى الفعل و انقياده، فإذا ورد أمر من المولى في مورد حكم العقل المستقلّ فلا مانع من حمله على الأمر المولوي، إلّا إذا استلزم منه محال التسلسل كالأمر بالطاعة و الأمر بالمعرفة. بل مثل هذه الموارد لا معنى لأن يكون الأمر فيها مولويّاً، لأنّه لا يترتّب على موافقته و مخالفته غير ما يترتّب على متعلّق المأمور به، نظير الأمر بالاحتياط في أطراف العلم الإجمالي. توضيح و تعقيب:

الحقّ أنّ الالتزام بالتحسين و التقبيح العقليّين هو نفس الالتزام بتحسين الشارع و تقبيحه، وفقاً لحكم العقلاء لأنّه من جملتهم، لا أنّهما شيئان أحدهما يلزم الآخر، و إن توهّم ذلك بعضهم‏ «2».

و لذا ترى أكثر الاصوليّين و الكلاميّين لم يجعلوهما مسألتين بعنوانين، بل لم يعنونوا إلّا مسألة واحدة، هي مسألة التحسين و التقبيح العقليّين.

وعليه، فلا وجه للبحث عن ثبوت الملازمة بعد فرض القول بالتحسين و التقبيح. و أمّا نحن فإنّما جعلنا الملازمة مسألة مستقلّة فللخلاف الّذي وقع فيها بتوهّم التفكيك.

و من العجيب! ما عن صاحب الفصول رحمه الله من إنكاره للملازمة مع‏

______________________________ (1) في ط 2: للأفذاذ.

(2) قال في التقريرات: اعلم أنّ المعروف بين من تقدّم على الفاضل التوني اكتفاؤهم عن هذا العنوان بعنوان مسألة إثبات إدراك العقل للحسن و القبح، و أوّل من جعل هذا المبحث عنواناً آخر هو الفاضل المذكور، و لعلّه أخذه من كلام الفاضل الزركشي، حيث التزم بالحكم العقلي و نفى الملازمة بينه و بين الحكم الشرعي، مطارح الأنظار: ص 230 و راجع الوافية للفاضل التوني: ص 171 (ط مجمع الفكر الاسلامي).

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 296

قوله بالتحسين و التقبيح العقليّين، و كأنّه ظنّ أنّ كلّ ما أدركه العقل من المصالح و المفاسد- و لو بطريق نظري أو من غير سبب عامّ من الأسباب المتقدّم ذكرها- يدخل في مسألة التحسين و التقبيح، و أنّ القائل بالملازمة يقول بالملازمة أيضاً في مثل ذلك.

و لكن نحن قلنا: إنّ قضايا التحسين و التقبيح هي القضايا الّتي تطابقت عليها آراء العقلاء كافّة بما هم عقلاء و هي بادي رأي الجميع، و في مثلها نقول بالملازمة لا مطلقاً، فليس كلّ ما أدركه العقل من أيّ سبب كان و لو لم تتطابق عليه الآراء أو تطابقت و لكن لا بما هم عقلاء يدخل في هذه المسألة.

و قد ذكرنا نحن سابقاً: أنّ ما يدركه العقل من الحسن و القبح بسبب العادة أو الانفعال و نحوهما و ما يدركه لا من سبب عامّ للجميع لا يدخل في موضوع مسألتنا.

و نزيد هذا بياناً و توضيحاً هنا، فنقول:

إنّ مصالح الأحكام الشرعيّة المولويّة الّتي هي نفسها ملاكات أحكام الشارع لا تندرج تحت ضابط نحن ندركه بعقولنا، إذ لا يجب فيها أن تكون هي بعينها المصالح العموميّة المبني عليها حفظ النظام العامّ و إبقاء النوع الّتي هي- أعني هذه المصالح العموميّة- مناطات الأحكام العقليّة في مسألة التحسين و التقبيح العقليّين.

و على هذا، فلا سبيل للعقل بما هو عقل إلى إدراك جميع ملاكات الأحكام الشرعيّة. فإذا أدرك العقل المصلحة في شي‏ء أو المفسدة في آخر و لم يكن إدراكه مستنداً إلى إدراك المصلحة أو المفسدة العامّتين اللتين يتساوى في إدراكهما جميع العقلاء، فإنّه- أعني العقل- لا سبيل له إلى الحكم بأنّ هذا المدرك يجب أن يحكم به الشارع على طبق حكم العقل، إذ يحتمل أنّ هناك ما هو مناط لحكم الشارع غير ما أدركه العقل، أو أنّ‏

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 297

هناك مانعاً يمنع من حكم الشارع على طبق ما أدركه العقل و إن كان ما أدركه مقتضياً لحكم الشارع. و لأجل هذا نقول: إنّه ليس كلّ ما حكم به الشرع يجب أن يحكم به العقل. و إلى هذا يرمي قول إمامنا الصادق عليه السلام: «إنّ دين اللَّه لا يصاب بالعقول» «1» و لأجل هذا أيضاً نحن لا نعتبر القياس و الاستحسان من الأدلّة الشرعيّة على الأحكام.

و على هذا التقدير، فإن كان ما أنكره صاحب الفصول و الأخباريّون من الملازمة هي الملازمة في مثل تلك المدركات العقليّة الّتي هي ليست من المستقلّات العقليّة الّتي تطابقت عليها آراء العقلاء بما هم عقلاء، فإنّ إنكارهم في محلّه و هم على حقٍّ فيه لا نزاع لنا معهم فيه. و لكن هذا أمر أجنبيّ عن الملازمة المبحوث عنها في المستقلّات العقليّة.

و إن كان ما أنكروه هي مطلق الملازمة حتّى في المستقلّات العقليّة- كما قد يظهر من بعض تعبيراتهم- فهم ليسوا على حقٍّ فيما أنكروا، و لا مستند لهم.

و على هذا، فيمكن التصالح بين الطرفين بتوجيه كلام الأخباريّين و صاحب الفصول بما يتّفق و ما أوضحناه. و لعلّه لا يأباه بعض كلامهم.

***______________________________ (1) في ط 2: العقل، نقله في البحار عن عليّ بن الحسين عليهما السلام بلفظ «إنّ دين اللَّه لا يصاب

بالعقول الناقصة و الآراء الباطلة و المقاييس الفاسدة ...» بحار الأنوار: ج 2 ص 303 ح 41.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 300