للواجب عدّة تقسيمات لا بأس بالتعرّض لها، إلحاقاً بمباحث الأوامر و إتماماً للفائدة.
- 1 المطلق و المشروط
إنّ الواجب إذا قيس وجوبه إلى شيءٍ آخر خارجٍ عن الواجب، فهو لا يخرج عن أحد نحوين:
1- أن يكون متوقّفاً وجوبه على ذلك الشيء، و هو- أي الشيء- مأخوذاً في وجوب الواجب على نحو الشرطيّة، كوجوب الحجّ بالقياس إلى الاستطاعة. و هذا هو المسمّى ب «الواجب المشروط» لاشتراط وجوبه بحصول ذلك الشيء الخارج، و لذا لا يجب الحجّ إلّا عند حصول الاستطاعة.
2- أن يكون وجوب الواجب غير متوقّف على حصول ذلك الشيء الآخر- كالحجّ بالقياس إلى قطع المسافة- و إن توقّف وجوده عليه. و هذا هو المسمّى ب «الواجب المطلق» لأنّ وجوبه مطلق غير مشروط بحصول
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 135
ذلك الشيء الخارج. و منه الصلاة بالقياس إلى الوضوء و الغسل و الساتر و نحوها.
و من مثال الحجّ يظهر أنّه- و هو واجب واحد- يكون واجباً مشروطاً بالقياس إلى شيءٍ و واجباً مطلقاً بالقياس إلى شيء آخر. فالمشروط و المطلق أمران إضافيّان.
ثم اعلم أنّ كلّ واجب هو واجب مشروط بالقياس إلى الشرائط العامّة، و هي: البلوغ و القدرة و العقل، فالصبيّ و العاجز و المجنون لا يكلَّفون بشيء في الواقع.
و أمّا «العلم» فقد قيل: إنّه من الشروط العامّة. و الحقّ أنّه ليس شرطاً في الوجوب و لا في غيره من الأحكام، بل التكاليف الواقعيّة مشتركة بين العالم و الجاهل على حدّ سواء. نعم العلم شرط في استحقاق العقاب على مخالفة التكليف على تفصيلٍ يأتي في مباحث الحجّة و غيرها- إن شاء اللَّه تعالى- و ليس هذا «1» موضعه.
- 2 المعلَّق و المنجَّز
لا شكّ أنّ الواجب المشروط بعد حصول شرطه يكون وجوبه فعليّاً شأنَ الواجب المطلق، فيتوجّه التكليف فعلًا إلى المكلّف. و لكن فعليّة التكليف تتصوّر على وجهين:
1- أن تكون فعليّة الوجوب مقارنة زماناً لفعليّة الواجب، بمعنى أن يكون زمان الواجب نفس زمان الوجوب. و يُسمّى هذا القسم «الواجب المنجّز» كالصلاة بعد دخول وقتها، فإنّ وجوبها فعليّ، و الواجب- و هو الصلاة- فعليّ أيضاً.
______________________________
(1) الظاهر: هنا.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 136
2- أن تكون فعليّة الوجوب سابقة زماناً على فعليّة الواجب، فيتأخّر زمان الواجب عن زمان الوجوب. و يُسمّى هذا القسم «الواجب المعلَّق» لتعليق الفعل- لا وجوبه- على زمان غير حاصل بعدُ، كالحجّ- مثلًا- فإنّه عند حصول الاستطاعة يكون وجوبه فعليّاً- كما قيل- و لكنّ الواجب معلَّق على حصول الموسم، فإنّه عند حصول الاستطاعة وجب الحجّ؛ و لذا يجب عليه أن يهيّئ المقدّمات و الزاد و الراحلة حتّى يحصل وقته و موسمه ليفعله في وقته المحدَّد له.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى ) ؛ ج1 ؛ ص136
و قد وقع البحث و الكلام هنا في مقامين:
الأوّل: في إمكان الواجب المعلَّق. و المعروف عن صاحب الفصول القول بإمكانه و وقوعه «1» و الأكثر على استحالته. و هو المختار، و سنتعرّض له- إن شاء اللَّه تعالى- في مقدّمة الواجب مع بيان السرّ في الذهاب إلى إمكانه و وقوعه «2» و سنبيّن أنّ الواجب فعلًا في مثال الحجّ هو السير و التهيئة للمقدّمات، و أمّا نفس أعمال الحجّ فوجوبها مشروط بحضور الموسم و القدرة عليها في زمانه.
و الثاني: في أنّ ظاهر الجملة الشرطيّة في مثل قولهم: «إذا دخل الوقت فصلّ» هل إنّ الشرط شرط للوجوب فلا تجب الصلاة في المثال إلّا بعد دخول الوقت، أو إنّه شرط للواجب فيكون الواجب نفسه معلّقاً على دخول الوقت في المثال، و أمّا الوجوب فهو فعليّ مطلق؟
و بعبارةٍ اخرى هل إنّ القيد شرط لمدلول هيئة الأمر في الجزاء، أو إنّه شرط لمدلول مادّة الأمر في الجزاء؟
و هذا البحث يجري حتّى لو كان الشرط غير الزمان، كما إذا قال المولى: «إذا تطهّرت فصلّ».
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 137
فعلى القول بظهور الجملة في رجوع القيد إلى الهيئة- أي أنّه شرط للوجوب- يكون الواجب واجباً مشروطاً، فلا يجب تحصيل شيءٍ من المقدّمات قبل حصول الشرط. و على القول بظهورها في رجوع القيد إلى المادّة- أي أنّه شرط للواجب- يكون الواجب واجباً مطلقاً «1» فيكون الوجوب «2» فعليّاً قبل حصول الشرط، فيجب عليه تحصيل مقدّمات المأمور به إذا علم بحصول الشرط فيما بعدُ.
و هذا النزاع هو النزاع المعروف بين المتأخّرين في رجوع القيد في الجملة الشرطيّة إلى الهيئة أو المادّة. و سيجيء تحقيق الحال في موضعه «3» إن شاء اللَّه تعالى.
- 3 الأصلي و التبعي
الواجب الأصلي: ما قُصدت إفادة وجوبه مستقلّاً بالكلام، كوجوبي الصلاة و الوضوء المستفادين من قوله تعالى: «وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ» «4»* و قوله تعالى: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ» «5».
و الواجب التبعي: ما لم تُقصد إفادة وجوبه، بل كان [وجوبه] «6» من توابع ما قُصدت إفادته. و هذا كوجوب المشي إلى السوق المفهوم من أمر المولى بوجوب شراء اللحم من السوق، فإنّ المشي إليها حينئذٍ يكون واجباً لكنّه لم يكن مقصوداً بالإفادة من الكلام. كما في كلّ دلالة التزاميّة فيما لم يكن اللزوم فيها من قبيل البيّن بالمعنى الأخصّ.
______________________________
(1) كذا، و الظاهر: معلّقاً.
(2) في ط 2: الواجب.
(3) يجيء في ص 338.
(4) البقرة: 43.
(5) المائدة: 6.
(6) لم يرد في ط 2.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 138
- 4 التخييري و التعييني
الواجب التعييني: ما تعلّق به الطلب بخصوصه، و ليس له عِدْل في مقام الامتثال، كالصلاة و الصوم في شهر رمضان، فإنّ الصلاة واجبة لمصلحةٍ في نفسها لا يقوم مقامها واجب آخر في عرضها. و قد عرّفناه فيما سبق (ص 124) بقولنا: «هو الواجب بلا واجبٍ آخر يكون عِدْلًا له و بديلًا عنه في عرضه». و إنّما قيّدنا «البديل» في عرضه، لأنّ بعض الواجبات التعيينيّة قد يكون لها بديل في طولها و لا يخرجها عن كونها واجبات تعيينيّة، كالوضوء مثلًا الّذي له بديل في طوله و هو التيمّم لأنّه إنّما يجب إذا تعذّر الوضوء، و كالغسل بالنسبة إلى التيمّم أيضاً كذلك، و كخصال الكفّارة المرتّبة نحو كفّارة قتل الخطأ، و هي العتق أوّلًا، فإن تعذّر فصيام شهرين، فإن تعذّر فإطعام ستّين مسكيناً.
و الواجب التخييري ما كان له عِدْل و بديل في عرضه، و لم يتعلّق به الطلب بخصوصه، بل كان المطلوب هو أو غيره يتخيّر بينهما المكلَّف.
و هو كالصوم الواجب في كفّارة إفطار شهر رمضان عمداً، فإنّه واجب و لكن يجوز تركه و تبديله بعتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً.
و الأصل في هذا التقسيم أنّ غرض المولى ربما يتعلّق بشيءٍ معيّن، فإنّه لا مناص حينئذٍ من أن يكون هو المطلوب و المبعوث إليه وحده، فيكون «واجباً تعيينيّاً». و ربما يتعلّق غرضه بأحد شيئين أو أشياء لا على التعيين- بمعنى أنّ كلّاً منها محصِّل لغرضه- فيكون البعث نحوها جميعاً على نحو التخيير بينها.
و كلا القسمين واقعان في إراداتنا نحن أيضاً. فلا وجه للإشكال في إمكان الواجب التخييري، و لا موجب لإطالة الكلام.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 139
ثمّ إنّ أطراف الواجب التخييري إن كان بينها جامع يمكن التعبير عنه بلفظٍ واحد، فإنّه يمكن أن يكون البعث في مقام الطلب نحو هذا الجامع.
فإذا وقع الطلب كذلك فإنّ التخيير حينئذٍ بين الأطراف يُسمّى «عقليّاً» و هو ليس من الواجب التخييري المبحوث عنه، فإنّ هذا يُعدّ من الواجب التعييني، فإنّ كلّ واجب تعييني كلّي يكون المكلَّف مخيّراً عقلًا بين أفراده و التخيير يُسمّى حينئذٍ «عقليّاً». مثاله: قول الاستاذ لتلميذه: «اشتر قلماً» الجامع بين أنواع الأقلام من قلم الحبر و قلم الرصاص «1» و غيرهما، فإنّ التخيير بين هذه الأنواع يكون عقليّاً. كما أنّ التخيير بين أفراد كلّ نوع يكون عقليّاً أيضاً.
و إن لم يكن هناك جامع مثل ذلك «2»- كما في مثال خصال الكفّارة- فإنّ البعث إمّا أن يكون نحوَ عنوان انتزاعي كعنوان «أحد هذه الامور» أو نحوَ كلّ واحد منها مستقلّاً و لكن مع العطف ب «أو» و نحوها ممّا يدلّ على التخيير. فيقال في النحو الأوّل مثلًا: «أوجد أحد هذه الامور» و يقال في النحو الثاني مثلًا: «صم أو أطعم أو أعتق». و يُسمّى حينئذٍ التخيير بين الأطراف «شرعيّاً» و هو المقصود من التخيير المقابل للتعيين هنا.
ثمّ هذا التخيير الشرعي تارةً: يكون بين المتباينين كالمثال المتقدّم، و اخرى: بين الأقلّ و الأكثر كالتخيير بين تسبيحة واحدة و ثلاث تسبيحات في ثلاثيّة الصلاة اليوميّة و رباعيّتها على قولٍ «3». و كما لو أمر المولى برسم خطّ مستقيم- مثلًا- مخيّراً فيه بين القصير و الطويل.
و هذا الأخير- أعني التخيير بين الأقلّ و الأكثر- إنّما يتصوّر فيما إذا
______________________________
(1) في ط الاولى: مثاله: قول الطبيب: «اشرب مسهلًا» الجامع بين أنواع المسهل من زيت الخروع و الملح الافرنكي ...
(2) في ط الاولى: و إن لم يكن جامع كذلك.
(3) قال به السيّد ابن طاووس في البشري، حكاه عنه الشهيد في الذكرى: ج 3 ص 315.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 140
كان الغرض مترتّباً على الأقلّ بحدّه و يترتّب على الأكثر بحدّه أيضاً، أمّا لو كان الغرض مترتّباً على الأقلّ مطلقاً و إن وقع في ضمن الأكثر فالواجب حينئذٍ هو الأقلّ فقط، و لا تكون الزيادة واجبة، فلا يكون من باب الواجب التخييري، بل الزيادة لا بدّ أن تحمل على الاستحباب.
- 5 العيني و الكفائي
تقدّم (ص 123) أنّ الواجب العيني: «ما يتعلّق بكلّ مكلّف و لا يسقط بفعل الغير» و يقابله الواجب الكفائي و هو «المطلوب فيه وجود الفعل من أيّ مكلَّف كان». فهو يجب على جميع المكلّفين، و لكن يكتفى بفعل بعضهم فيسقط عن الآخرين و لا يستحقّ العقاب بتركه.
نعم إذا تركوه جميعاً من دون أن يقوم به واحد فالجميع منهم «1» يستحقّون العقاب، كما يستحقّ الثواب كلّ من اشترك في فعله.
و أمثلة الواجب الكفائي كثيرة في الشريعة، منها تجهيز الميّت و الصلاة عليه، و منها إنقاذ الغريق و نحوه من التهلكة، و منها إزالة النجاسة عن المسجد، و منها الحرف و المهن و الصناعات الّتي بها نظام معايش الناس، و منها طلب الاجتهاد، و منها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و الأصل في هذا التقسيم: أنّ المولى يتعلّق غرضه بالشيء المطلوب له من الغير على نحوين:
1- أن يصدر من كلّ واحد من الناس، حينما تكون المصلحة المطلوبة تحصل من كلّ واحد مستقلّاً، فلا بدّ أن يوجّه الخطاب إلى كلّ
______________________________
(1) الظاهر: واحد منهم فالجميع.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 141
واحد منهم على أن يصدر من كلّ واحد عيناً، كالصوم أو الصلاة و أكثر التكاليف الشرعيّة. و هذا هو «الواجب العيني».
2- أن يصدر من أحد المكلّفين لا بعينه، حينما تكون المصلحة في صدور الفعل و لو مرّةً واحدة من أيّ شخص كان، فلا بدّ أن يوجه الخطاب إلى جميع المكلّفين لعدم خصوصيّة مكلَّف دون مكلَّف، و يكتفي بفعل بعضهم الّذي يحصل به الغرض. فيجب على الجميع بفرض الكفاية الّذي هو «الواجب الكفائي».
و قد وقع الأقدمون من الاصوليّين في حيرةٍ من أمر «الوجوب الكفائي» و تطبيقه على القاعدة في الوجوب الّذي قوامه بل لازمه «المنع من الترك» إذ رأوا أنّ وجوبه على الجميع لا يتلاءم مع جواز تركه بفعل بعضهم، و لا وجوب بدون المنع من الترك. و لذا ظنّ بعضهم: أنّه ليس المكلّف المخاطب فيه الجميع بل البعض غير المعيّن، أي أحد المكلّفين «1».
و ظنّ بعضهم: أنّه معيّن عند اللَّه غير معيّن عندنا ويتعيّن من يسبق إلى الفعل منهم، فهو المكلَّف حقيقة «2» ... إلى غير ذلك من الظنون.
و نحن لمّا صوَّرناه بذلك التصوير المتقدّم لا يبقى مجال لهذه الظنون، فلا نشغل أنفسنا بذكرها و ردّها. و تُدفع الحيرة بأدنى التفات، لأنّه إذا كان غرض المولى يحصل بفعل البعض فلا بدّ أن يسقط وجوبه عن الباقي، إذ لا يبقى ما يدعو إليه. فهو- إذاً- واجب على الجميع من أوّل الأمر، و لذا يُمنعون جميعاً من تركه و يسقط بفعل بعضهم لحصول الغرض منه.
______________________________
(1) حكاه السيّد المجاهد عن صاحب المعراج و محكيّ الرازي و البيضاوي، راجع مفاتيح الاصول: ص 313.
(2) لم نظفر على ظانّه بالخصوص، ذكره السيّد المجاهد وجهاً للقول بأنّ الوجوب يتعلّق بواحد مبهم، و حكم ببطلانه، راجع المصدر السابق.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 142
- 6 الموسّع و المضيّق
ينقسم الواجب باعتبار الوقت إلى قسمين: موقَّت و غير موقَّت
ثمّ الموقَّت إلى: موسَّع و مضيَّق
ثمّ غير الموقَّت إلى: فوري و غير فوري
و لنبدأ بغير الموقّت- مقدّمةً- فنقول:
غير الموقّت: ما لم يعتبر فيه شرعاً وقت مخصوص و إن كان كلّ فعل- لا تخلو عقلًا من زمن يكون ظرفاً له- كقضاء الفائتة و إزالة النجاسة عن المسجد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و نحو ذلك.
و هو- كما قلنا- على قسمين: فوري، و هو: ما لا يجوز تأخيره عن أوّل أزمنة إمكانه كإزالة النجاسة عن المسجد، و ردّ السلام، و الأمر بالمعروف. و غير فوري، و هو: ما يجوز تأخيره عن أوّل أزمنة إمكانه، كالصلاة على الميّت، و قضاء الصلاة الفائتة، و الزكاة، و الخمس.
و الموقَّت: ما اعتبر فيه شرعاً وقت مخصوص، كالصلاة و الحجّ و الصوم و نحوها. و هو لا يخلو- عقلًا- من وجوه ثلاثة: إمّا أن يكون فعله زائداً على وقته المعيَّن له أو مساوياً له أو ناقصاً عنه.
و الأوّل ممتنع، لأنّه من التكليف بما لا يطاق.
و الثاني لا ينبغي الإشكال في إمكانه و وقوعه. و هو المسمّى «المضيَّق» كالصوم، إذ فعله ينطبق على وقته بلا زيادة و لا نقصان من طلوع الفجر إلى الغروب.
و الثالث هو المسمّى «الموسَّع» لأنّ فيه توسعة على المكلَّف في أوّل الوقت و في أثنائه و آخره، كالصلاة اليوميّة و صلاة الآيات، فإنّه لا يجوز تركه في جميع الوقت، و يكتفي بفعله مرّة واحدة في ضمن الوقت المحدَّد له.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 143
و لا إشكال عند العلماء في ورود ما ظاهره التوسعة في الشريعة، و إنّما اختلفوا في جوازه عقلًا على قولين: إمكانه «1» و امتناعه «2» و من قال بامتناعه أوَّلَ ما ورد «3» على الوجه الّذي يدفع الإشكال عنده، على ما سيأتي.
و الحقّ عندنا جواز الموسَّع عقلًا و وقوعه شرعاً.
و منشأ الإشكال عند القائل بامتناع الموسَّع: أنّ حقيقة الوجوب متقوّمة بالمنع من الترك- كما تقدّم- فينافيه الحكم بجواز تركه في أوّل الوقت أو وسطه.
و الجواب عنه واضح، فإنّ الواجب الموسَّع فعلٌ واحد، و هو طبيعة الفعل المقيّد بطبيعة الوقت المحدود بحدّين على ألّا يخرج الفعل عن الوقت، فتكون الطبيعة بملاحظة ذاتها واجبة لا يجوز تركها، غير أنّ الوقت لمّا كان يسع لإيقاعها فيه عدّة مرّات، كان لها أفراد طوليّة تدريجيّة مقدّرة الوجود في أوّل الوقت و ثانية و ثالثة ... إلى آخره، فيقع التخيير العقلي بين الأفراد الطوليّة كالتخيير العقلي بين الأفراد العرضيّة للطبيعة المأمور بها، فيجوز الإتيان بفردٍ و ترك الآخر من دون أن يكون جواز الترك له مساس في نفس المأمور به، و هو طبيعة الفعل في الوقت المحدود. فلا منافاة بين وجوب الطبيعة بملاحظة ذاتها و بين جواز ترك أفرادها عدا فرد واحد.
و القائلون بالامتناع التجئوا إلى تأويل ما ظاهره التوسعة في الشريعة، فقال بعضهم: بوجوبه في أوّل الوقت و الإتيان به في الزمان الباقي يكون
______________________________
(1) قال بإمكانه أكثر الأصحاب، كالمرتضى و الشيخ و المحقّق و العلّامة و جمهور المحقّقين من العامّة، معالم الدين: ص 73.
(2) عزاه العلّامة في النهاية إلى أبي الحسن الكرخي و جماعة من الأشاعرة و جماعة من الحنفيّة، راجع نهاية الوصول: الورقة 37.
(3) يعني ما ورد ممّا ظاهره التوسعة.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 144
من باب القضاء و التدارك لما فات من الفعل في أوّل الوقت «1». و قال آخر:
بوجوبه في آخر الوقت و الإتيان به قبلَه من باب النفل يسقط به الفرض «2» نظير إيقاع غسل الجمعة في يوم الخميس و ليلة الجمعة. و قيل غير ذلك «3».
و كلّها أقوال متروكة عند علمائنا، واضحة البطلان. فلا حاجة إلى الإطالة في ردّها.
هل يتبع القضاء الأداء؟
مما يتفرّع عادة على البحث عن الموقَّت مسألة «تبعيّة القضاء للأداء» و هي من مباحث الألفاظ، و تدخل في باب الأوامر.
و لكن اخّر «4» ذكرها إلى الخاتمة مع أنّ من حقّها أن تذكر قبلها، لأنّها- كما قلنا- من فروع بحث الموقّت عادةً. فنقول:
إنّ الموقّت قد يفوت في وقته، إمّا لتركه عن عذر أو عن عمد و اختيار، و إمّا لفساده لعذر أو لغير عذر. فإذا فات على أيّ نحو من هذه الأنحاء، فقد ثبت في الشريعة وجوب تدارك بعض الواجبات كالصلاة و الصوم، بمعنى أن يأتي بها «5» خارج الوقت. و يسمّى هذا التدارك «قضاءً».
و هذا لا كلام فيه.
إلّا أنّ الاصوليّين اختلفوا في أنّ وجوب القضاء هل هو على مقتضى القاعدة، بمعنى أنّ الأمر بنفس الموقّت يدلّ على وجوب قضائه إذا فات في وقته فيكون وجوب القضاء بنفس دليل الأداء، أو أنّ القاعدة لا تقتضي
______________________________
(1) قاله جماعة من الأشاعرة، راجع نهاية الوصول: الورقة 37.
(2) قاله جماعة من الحنفيّة، المصدر السابق.
(3) مثل ما عن الكرخي: أنّ الصلاة المأتيّة في أوّل الوقت موقوفة فإن أدرك المصلّي آخر الوقت و هو على صفة التكليف كان ما فعله واجباً و إن لم يبق على صفات المكلّفين كان نفلًا، المصدر السابق.
(4) في ط الاولى: أخّرتُ.
(5) كذا، و المناسب: بهما، أو به.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 145
ذلك، بل وجوب القضاء يحتاج إلى دليل خاصّ غير نفس دليل الأداء؟
و في المسألة أقوال ثلاثة:
قول بالتبعية مطلقاً «1».
و قول بعدمها مطلقاً «2».
و قول بالتفصيل بين ما إذا كان الدليل على التوقيت متّصلًا، فلا تبعيّة و بين ما إذا كان منفصلًا فالقضاء تابع للأداء «3».
و الظاهر أنّ منشأ النزاع في المسألة يرجع إلى أنّ المستفاد من التوقيت هو وحدة المطلوب أو تعدّده؟ أي أنّ في الموقَّت مطلوباً واحداً هو الفعل المقيّد بالوقت بما هو مقيَّد، أو مطلوبين و هما ذات الفعل و كونه واقعاً في وقتٍ معيّن؟
فعلى الأوّل: إذا فات الامتثال في الوقت لم يبقَ طلب بنفس الذات، فلا بدّ من فرض أمر جديد للقضاء بالإتيان بالفعل خارجَ الوقت. و على الثاني: إذا فات الامتثال في الوقت فإنّما فات امتثال أحد الطلبين و هو طلب كونه في الوقت المعيّن، و أمّا الطلب بذات الفعل فباقٍ على حاله.
و لذا ذهب بعضهم إلى التفصيل المذكور باعتبار أنّ المستفاد من دليل التوقيت في المتّصل وحدة المطلوب فيحتاج القضاء إلى أمر جديد، و المستفاد في المنفصل تعدّد المطلوب، فلا يحتاج القضاء إلى أمر جديد و يكون تابعاً للأداء.
و المختار هو القول الثاني، و هو عدم التبعيّة مطلقاً.
______________________________
(1) نسبه السيّد عميد الدين إلى بعض الفقهاء و جماعة من الحنابلة، راجع مُنية اللبيب: ص 135. و في المبسوط للسرخسي (ج 1 ص 46): و أكثر مشايخنا رحمهم اللَّه على أنّ القضاء يجب بالسبب الّذي به وجب الأداء عند فواته، و هو الأصحّ.
(2) قاله به المحقّق في معارج الاصول: ص 75، و العلّامة في مبادئ الوصول: ص 112، و نسبه في المُنية إلى محقّق الاصوليّين.
(3) قاله المحقّق الخراساني في كفاية الاصول: ص 178.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 146
لأنّ الظاهر من التقييد أنّ القيد ركن في المطلوب، فإذا قال مثلًا: «صم يوم الجمعة» فلا يفهم منه إلّا مطلوب واحد لغرضٍ واحد، و هو خصوص صوم هذا اليوم، لا أنّ الصوم بذاته مطلوب و كونه في يوم الجمعة مطلوب آخر.
و أمّا في مورد دليل التوقيت المنفصل، كما إذا قال: «صم» ثمّ قال مثلًا: «اجعل صومك يوم الجمعة» فأيضاً كذلك، نظراً إلى أنّ هذا من باب المطلق و المقيّد، فيجب فيه حمل المطلق على المقيّد، و معنى حمل المطلق على المقيّد هو: تقييد أصل المطلوب الأوّل بالقيد، فيكشف ذلك التقييد عن أنّ المراد بالمطلق واقعاً من أوّل الأمر خصوص المقيّد، فيصبح الدليلان بمقتضى الجمع بينهما دليلًا واحداً، لا أنّ المقيّد مطلوب آخر غير المطلق، و إلّا كان معنى ذلك بقاء المطلق على إطلاقه، فلم يكن حملًا و لم يكن جمعاً بين الدليلين، بل يكون أخذاً بالدليلين.
نعم، يمكن أن يفرض- و إن كان هذا فرضاً بعيدَ الوقوع في الشريعة- أن يكون دليل التوقيت المنفصل مقيّداً بالتمكّن كأن يقول في المثال:
«اجعل صومك يوم الجمعة إن تمكّنت» أو كان دليل التوقيت ليس فيه إطلاق يعمّ صورتي التمكّن و عدمه و صورة التمكّن هي القدر المتيقّن منه.
فإنّه في هذا الفرض يمكن التمسّك بإطلاق دليل الواجب لإثبات وجوب الفعل خارجَ الوقت، لأنّ دليل التوقيت غير صالح لتقييد إطلاق دليل الواجب إلّا في صورة التمكّن، و مع الاضطرار إلى ترك الفعل في الوقت يبقى دليل الواجب على إطلاقه.
و هذا الفرض هو الّذي يظهر من الكفاية لشيخ أساتذتنا الآخوند قدس سره «1» و لكنّه فرض بعيد جدّاً.
على أنّه مع هذا الفرض لا يصدق «الفوت» و لا «القضاء» بل يكون وجوبه خارج الوقت من نوع الأداء.
حوزوی کتب
اصول الفقہ حصہ اول
تعريف علم الاصول:
المقدّمة
- 2 من الواضع؟
- 3 الوضع تعيينىٌّ و تعيّنيٌ
- 4 أقسام الوضع
- 6 وقوع الوضع العامّ و الموضوع له الخاصّ و تحقيق المعنى الحرفي
- 7- الاستعمال حقيقيٌّ و مجازيٌ
- 8 الدلالة تابعة للإرادة
- 9 الوضع شخصيٌّ و نوعيٌ
- 10 وضع المركَّبات
- 11- الحقيقة و المجاز
- 12 الاصول اللفظيّة تمهيد:
- 13- الترادف و الاشتراك
استعمال اللفظ في أكثر من معنى:
- 14 الحقيقة الشرعيّة
الصحيح و الأعمّ
المقصد الأوّل: مباحث الألفاظ
الباب الأوّل: المشتقّ
- 2- جريان النزاع في اسم الزمان
- 3 اختلاف المشتقّات من جهة المبادئ
- 4 استعمال المشتقّ بلحاظ حال التلبّس حقيقة
الباب الثاني: الأوامر
المبحث الثاني: صيغة الأمر
الخاتمة: في تقسيمات الواجب
الباب الثالث: النواهي
الباب الرابع: المفاهيم
الأوّل مفهوم الشرط
الثاني مفهوم الوصف
الثالث مفهوم الغاية
الرابع مفهوم الحصر
الخامس مفهوم العدد
السادس مفهوم اللقب
خاتمة في دلالة الاقتضاء و التنبيه و الإشارة
الباب الخامس: العامّ و الخاصّ
المسألة الاولى معنى المطلق و المقيّد
الباب السابع: المجملُ و المبيّن
اصول الفقہ حصہ اول
الخاتمة: في تقسيمات الواجب
للواجب عدّة تقسيمات لا بأس بالتعرّض لها، إلحاقاً بمباحث الأوامر و إتماماً للفائدة.
- 1 المطلق و المشروط
إنّ الواجب إذا قيس وجوبه إلى شيءٍ آخر خارجٍ عن الواجب، فهو لا يخرج عن أحد نحوين:
1- أن يكون متوقّفاً وجوبه على ذلك الشيء، و هو- أي الشيء- مأخوذاً في وجوب الواجب على نحو الشرطيّة، كوجوب الحجّ بالقياس إلى الاستطاعة. و هذا هو المسمّى ب «الواجب المشروط» لاشتراط وجوبه بحصول ذلك الشيء الخارج، و لذا لا يجب الحجّ إلّا عند حصول الاستطاعة.
2- أن يكون وجوب الواجب غير متوقّف على حصول ذلك الشيء الآخر- كالحجّ بالقياس إلى قطع المسافة- و إن توقّف وجوده عليه. و هذا هو المسمّى ب «الواجب المطلق» لأنّ وجوبه مطلق غير مشروط بحصول أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 135
ذلك الشيء الخارج. و منه الصلاة بالقياس إلى الوضوء و الغسل و الساتر و نحوها.
و من مثال الحجّ يظهر أنّه- و هو واجب واحد- يكون واجباً مشروطاً بالقياس إلى شيءٍ و واجباً مطلقاً بالقياس إلى شيء آخر. فالمشروط و المطلق أمران إضافيّان.
ثم اعلم أنّ كلّ واجب هو واجب مشروط بالقياس إلى الشرائط العامّة، و هي: البلوغ و القدرة و العقل، فالصبيّ و العاجز و المجنون لا يكلَّفون بشيء في الواقع.
و أمّا «العلم» فقد قيل: إنّه من الشروط العامّة. و الحقّ أنّه ليس شرطاً في الوجوب و لا في غيره من الأحكام، بل التكاليف الواقعيّة مشتركة بين العالم و الجاهل على حدّ سواء. نعم العلم شرط في استحقاق العقاب على مخالفة التكليف على تفصيلٍ يأتي في مباحث الحجّة و غيرها- إن شاء اللَّه تعالى- و ليس هذا «1» موضعه.
- 2 المعلَّق و المنجَّز
لا شكّ أنّ الواجب المشروط بعد حصول شرطه يكون وجوبه فعليّاً شأنَ الواجب المطلق، فيتوجّه التكليف فعلًا إلى المكلّف. و لكن فعليّة التكليف تتصوّر على وجهين:
1- أن تكون فعليّة الوجوب مقارنة زماناً لفعليّة الواجب، بمعنى أن يكون زمان الواجب نفس زمان الوجوب. و يُسمّى هذا القسم «الواجب المنجّز» كالصلاة بعد دخول وقتها، فإنّ وجوبها فعليّ، و الواجب- و هو الصلاة- فعليّ أيضاً.
______________________________ (1) الظاهر: هنا.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 136
2- أن تكون فعليّة الوجوب سابقة زماناً على فعليّة الواجب، فيتأخّر زمان الواجب عن زمان الوجوب. و يُسمّى هذا القسم «الواجب المعلَّق» لتعليق الفعل- لا وجوبه- على زمان غير حاصل بعدُ، كالحجّ- مثلًا- فإنّه عند حصول الاستطاعة يكون وجوبه فعليّاً- كما قيل- و لكنّ الواجب معلَّق على حصول الموسم، فإنّه عند حصول الاستطاعة وجب الحجّ؛ و لذا يجب عليه أن يهيّئ المقدّمات و الزاد و الراحلة حتّى يحصل وقته و موسمه ليفعله في وقته المحدَّد له.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى ) ؛ ج1 ؛ ص136
و قد وقع البحث و الكلام هنا في مقامين:
الأوّل: في إمكان الواجب المعلَّق. و المعروف عن صاحب الفصول القول بإمكانه و وقوعه «1» و الأكثر على استحالته. و هو المختار، و سنتعرّض له- إن شاء اللَّه تعالى- في مقدّمة الواجب مع بيان السرّ في الذهاب إلى إمكانه و وقوعه «2» و سنبيّن أنّ الواجب فعلًا في مثال الحجّ هو السير و التهيئة للمقدّمات، و أمّا نفس أعمال الحجّ فوجوبها مشروط بحضور الموسم و القدرة عليها في زمانه.
و الثاني: في أنّ ظاهر الجملة الشرطيّة في مثل قولهم: «إذا دخل الوقت فصلّ» هل إنّ الشرط شرط للوجوب فلا تجب الصلاة في المثال إلّا بعد دخول الوقت، أو إنّه شرط للواجب فيكون الواجب نفسه معلّقاً على دخول الوقت في المثال، و أمّا الوجوب فهو فعليّ مطلق؟
و بعبارةٍ اخرى هل إنّ القيد شرط لمدلول هيئة الأمر في الجزاء، أو إنّه شرط لمدلول مادّة الأمر في الجزاء؟ و هذا البحث يجري حتّى لو كان الشرط غير الزمان، كما إذا قال المولى: «إذا تطهّرت فصلّ».
______________________________ (1) الفصول الغرويّة: ص 79.
(2) يجيء التعرّض له في ص 338.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 137
فعلى القول بظهور الجملة في رجوع القيد إلى الهيئة- أي أنّه شرط للوجوب- يكون الواجب واجباً مشروطاً، فلا يجب تحصيل شيءٍ من المقدّمات قبل حصول الشرط. و على القول بظهورها في رجوع القيد إلى المادّة- أي أنّه شرط للواجب- يكون الواجب واجباً مطلقاً «1» فيكون الوجوب «2» فعليّاً قبل حصول الشرط، فيجب عليه تحصيل مقدّمات المأمور به إذا علم بحصول الشرط فيما بعدُ.
و هذا النزاع هو النزاع المعروف بين المتأخّرين في رجوع القيد في الجملة الشرطيّة إلى الهيئة أو المادّة. و سيجيء تحقيق الحال في موضعه «3» إن شاء اللَّه تعالى.
- 3 الأصلي و التبعي
الواجب الأصلي: ما قُصدت إفادة وجوبه مستقلّاً بالكلام، كوجوبي الصلاة و الوضوء المستفادين من قوله تعالى: «وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ» «4»* و قوله تعالى: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ» «5».
و الواجب التبعي: ما لم تُقصد إفادة وجوبه، بل كان [وجوبه] «6» من توابع ما قُصدت إفادته. و هذا كوجوب المشي إلى السوق المفهوم من أمر المولى بوجوب شراء اللحم من السوق، فإنّ المشي إليها حينئذٍ يكون واجباً لكنّه لم يكن مقصوداً بالإفادة من الكلام. كما في كلّ دلالة التزاميّة فيما لم يكن اللزوم فيها من قبيل البيّن بالمعنى الأخصّ.
______________________________ (1) كذا، و الظاهر: معلّقاً.
(2) في ط 2: الواجب.
(3) يجيء في ص 338.
(4) البقرة: 43.
(5) المائدة: 6.
(6) لم يرد في ط 2.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 138
- 4 التخييري و التعييني
الواجب التعييني: ما تعلّق به الطلب بخصوصه، و ليس له عِدْل في مقام الامتثال، كالصلاة و الصوم في شهر رمضان، فإنّ الصلاة واجبة لمصلحةٍ في نفسها لا يقوم مقامها واجب آخر في عرضها. و قد عرّفناه فيما سبق (ص 124) بقولنا: «هو الواجب بلا واجبٍ آخر يكون عِدْلًا له و بديلًا عنه في عرضه». و إنّما قيّدنا «البديل» في عرضه، لأنّ بعض الواجبات التعيينيّة قد يكون لها بديل في طولها و لا يخرجها عن كونها واجبات تعيينيّة، كالوضوء مثلًا الّذي له بديل في طوله و هو التيمّم لأنّه إنّما يجب إذا تعذّر الوضوء، و كالغسل بالنسبة إلى التيمّم أيضاً كذلك، و كخصال الكفّارة المرتّبة نحو كفّارة قتل الخطأ، و هي العتق أوّلًا، فإن تعذّر فصيام شهرين، فإن تعذّر فإطعام ستّين مسكيناً.
و الواجب التخييري ما كان له عِدْل و بديل في عرضه، و لم يتعلّق به الطلب بخصوصه، بل كان المطلوب هو أو غيره يتخيّر بينهما المكلَّف.
و هو كالصوم الواجب في كفّارة إفطار شهر رمضان عمداً، فإنّه واجب و لكن يجوز تركه و تبديله بعتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً.
و الأصل في هذا التقسيم أنّ غرض المولى ربما يتعلّق بشيءٍ معيّن، فإنّه لا مناص حينئذٍ من أن يكون هو المطلوب و المبعوث إليه وحده، فيكون «واجباً تعيينيّاً». و ربما يتعلّق غرضه بأحد شيئين أو أشياء لا على التعيين- بمعنى أنّ كلّاً منها محصِّل لغرضه- فيكون البعث نحوها جميعاً على نحو التخيير بينها.
و كلا القسمين واقعان في إراداتنا نحن أيضاً. فلا وجه للإشكال في إمكان الواجب التخييري، و لا موجب لإطالة الكلام.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 139
ثمّ إنّ أطراف الواجب التخييري إن كان بينها جامع يمكن التعبير عنه بلفظٍ واحد، فإنّه يمكن أن يكون البعث في مقام الطلب نحو هذا الجامع.
فإذا وقع الطلب كذلك فإنّ التخيير حينئذٍ بين الأطراف يُسمّى «عقليّاً» و هو ليس من الواجب التخييري المبحوث عنه، فإنّ هذا يُعدّ من الواجب التعييني، فإنّ كلّ واجب تعييني كلّي يكون المكلَّف مخيّراً عقلًا بين أفراده و التخيير يُسمّى حينئذٍ «عقليّاً». مثاله: قول الاستاذ لتلميذه: «اشتر قلماً» الجامع بين أنواع الأقلام من قلم الحبر و قلم الرصاص «1» و غيرهما، فإنّ التخيير بين هذه الأنواع يكون عقليّاً. كما أنّ التخيير بين أفراد كلّ نوع يكون عقليّاً أيضاً.
و إن لم يكن هناك جامع مثل ذلك «2»- كما في مثال خصال الكفّارة- فإنّ البعث إمّا أن يكون نحوَ عنوان انتزاعي كعنوان «أحد هذه الامور» أو نحوَ كلّ واحد منها مستقلّاً و لكن مع العطف ب «أو» و نحوها ممّا يدلّ على التخيير. فيقال في النحو الأوّل مثلًا: «أوجد أحد هذه الامور» و يقال في النحو الثاني مثلًا: «صم أو أطعم أو أعتق». و يُسمّى حينئذٍ التخيير بين الأطراف «شرعيّاً» و هو المقصود من التخيير المقابل للتعيين هنا.
ثمّ هذا التخيير الشرعي تارةً: يكون بين المتباينين كالمثال المتقدّم، و اخرى: بين الأقلّ و الأكثر كالتخيير بين تسبيحة واحدة و ثلاث تسبيحات في ثلاثيّة الصلاة اليوميّة و رباعيّتها على قولٍ «3». و كما لو أمر المولى برسم خطّ مستقيم- مثلًا- مخيّراً فيه بين القصير و الطويل.
و هذا الأخير- أعني التخيير بين الأقلّ و الأكثر- إنّما يتصوّر فيما إذا
______________________________ (1) في ط الاولى: مثاله: قول الطبيب: «اشرب مسهلًا» الجامع بين أنواع المسهل من زيت الخروع و الملح الافرنكي ...
(2) في ط الاولى: و إن لم يكن جامع كذلك.
(3) قال به السيّد ابن طاووس في البشري، حكاه عنه الشهيد في الذكرى: ج 3 ص 315.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 140
كان الغرض مترتّباً على الأقلّ بحدّه و يترتّب على الأكثر بحدّه أيضاً، أمّا لو كان الغرض مترتّباً على الأقلّ مطلقاً و إن وقع في ضمن الأكثر فالواجب حينئذٍ هو الأقلّ فقط، و لا تكون الزيادة واجبة، فلا يكون من باب الواجب التخييري، بل الزيادة لا بدّ أن تحمل على الاستحباب.
- 5 العيني و الكفائي
تقدّم (ص 123) أنّ الواجب العيني: «ما يتعلّق بكلّ مكلّف و لا يسقط بفعل الغير» و يقابله الواجب الكفائي و هو «المطلوب فيه وجود الفعل من أيّ مكلَّف كان». فهو يجب على جميع المكلّفين، و لكن يكتفى بفعل بعضهم فيسقط عن الآخرين و لا يستحقّ العقاب بتركه.
نعم إذا تركوه جميعاً من دون أن يقوم به واحد فالجميع منهم «1» يستحقّون العقاب، كما يستحقّ الثواب كلّ من اشترك في فعله.
و أمثلة الواجب الكفائي كثيرة في الشريعة، منها تجهيز الميّت و الصلاة عليه، و منها إنقاذ الغريق و نحوه من التهلكة، و منها إزالة النجاسة عن المسجد، و منها الحرف و المهن و الصناعات الّتي بها نظام معايش الناس، و منها طلب الاجتهاد، و منها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و الأصل في هذا التقسيم: أنّ المولى يتعلّق غرضه بالشيء المطلوب له من الغير على نحوين:
1- أن يصدر من كلّ واحد من الناس، حينما تكون المصلحة المطلوبة تحصل من كلّ واحد مستقلّاً، فلا بدّ أن يوجّه الخطاب إلى كلّ
______________________________ (1) الظاهر: واحد منهم فالجميع.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 141
واحد منهم على أن يصدر من كلّ واحد عيناً، كالصوم أو الصلاة و أكثر التكاليف الشرعيّة. و هذا هو «الواجب العيني».
2- أن يصدر من أحد المكلّفين لا بعينه، حينما تكون المصلحة في صدور الفعل و لو مرّةً واحدة من أيّ شخص كان، فلا بدّ أن يوجه الخطاب إلى جميع المكلّفين لعدم خصوصيّة مكلَّف دون مكلَّف، و يكتفي بفعل بعضهم الّذي يحصل به الغرض. فيجب على الجميع بفرض الكفاية الّذي هو «الواجب الكفائي».
و قد وقع الأقدمون من الاصوليّين في حيرةٍ من أمر «الوجوب الكفائي» و تطبيقه على القاعدة في الوجوب الّذي قوامه بل لازمه «المنع من الترك» إذ رأوا أنّ وجوبه على الجميع لا يتلاءم مع جواز تركه بفعل بعضهم، و لا وجوب بدون المنع من الترك. و لذا ظنّ بعضهم: أنّه ليس المكلّف المخاطب فيه الجميع بل البعض غير المعيّن، أي أحد المكلّفين «1».
و ظنّ بعضهم: أنّه معيّن عند اللَّه غير معيّن عندنا ويتعيّن من يسبق إلى الفعل منهم، فهو المكلَّف حقيقة «2» ... إلى غير ذلك من الظنون.
و نحن لمّا صوَّرناه بذلك التصوير المتقدّم لا يبقى مجال لهذه الظنون، فلا نشغل أنفسنا بذكرها و ردّها. و تُدفع الحيرة بأدنى التفات، لأنّه إذا كان غرض المولى يحصل بفعل البعض فلا بدّ أن يسقط وجوبه عن الباقي، إذ لا يبقى ما يدعو إليه. فهو- إذاً- واجب على الجميع من أوّل الأمر، و لذا يُمنعون جميعاً من تركه و يسقط بفعل بعضهم لحصول الغرض منه.
______________________________ (1) حكاه السيّد المجاهد عن صاحب المعراج و محكيّ الرازي و البيضاوي، راجع مفاتيح الاصول: ص 313. (2) لم نظفر على ظانّه بالخصوص، ذكره السيّد المجاهد وجهاً للقول بأنّ الوجوب يتعلّق بواحد مبهم، و حكم ببطلانه، راجع المصدر السابق.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 142
- 6 الموسّع و المضيّق
ينقسم الواجب باعتبار الوقت إلى قسمين: موقَّت و غير موقَّت
ثمّ الموقَّت إلى: موسَّع و مضيَّق ثمّ غير الموقَّت إلى: فوري و غير فوري
و لنبدأ بغير الموقّت- مقدّمةً- فنقول:
غير الموقّت: ما لم يعتبر فيه شرعاً وقت مخصوص و إن كان كلّ فعل- لا تخلو عقلًا من زمن يكون ظرفاً له- كقضاء الفائتة و إزالة النجاسة عن المسجد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و نحو ذلك.
و هو- كما قلنا- على قسمين: فوري، و هو: ما لا يجوز تأخيره عن أوّل أزمنة إمكانه كإزالة النجاسة عن المسجد، و ردّ السلام، و الأمر بالمعروف. و غير فوري، و هو: ما يجوز تأخيره عن أوّل أزمنة إمكانه، كالصلاة على الميّت، و قضاء الصلاة الفائتة، و الزكاة، و الخمس.
و الموقَّت: ما اعتبر فيه شرعاً وقت مخصوص، كالصلاة و الحجّ و الصوم و نحوها. و هو لا يخلو- عقلًا- من وجوه ثلاثة: إمّا أن يكون فعله زائداً على وقته المعيَّن له أو مساوياً له أو ناقصاً عنه.
و الأوّل ممتنع، لأنّه من التكليف بما لا يطاق.
و الثاني لا ينبغي الإشكال في إمكانه و وقوعه. و هو المسمّى «المضيَّق» كالصوم، إذ فعله ينطبق على وقته بلا زيادة و لا نقصان من طلوع الفجر إلى الغروب.
و الثالث هو المسمّى «الموسَّع» لأنّ فيه توسعة على المكلَّف في أوّل الوقت و في أثنائه و آخره، كالصلاة اليوميّة و صلاة الآيات، فإنّه لا يجوز تركه في جميع الوقت، و يكتفي بفعله مرّة واحدة في ضمن الوقت المحدَّد له.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 143
و لا إشكال عند العلماء في ورود ما ظاهره التوسعة في الشريعة، و إنّما اختلفوا في جوازه عقلًا على قولين: إمكانه «1» و امتناعه «2» و من قال بامتناعه أوَّلَ ما ورد «3» على الوجه الّذي يدفع الإشكال عنده، على ما سيأتي.
و الحقّ عندنا جواز الموسَّع عقلًا و وقوعه شرعاً.
و منشأ الإشكال عند القائل بامتناع الموسَّع: أنّ حقيقة الوجوب متقوّمة بالمنع من الترك- كما تقدّم- فينافيه الحكم بجواز تركه في أوّل الوقت أو وسطه.
و الجواب عنه واضح، فإنّ الواجب الموسَّع فعلٌ واحد، و هو طبيعة الفعل المقيّد بطبيعة الوقت المحدود بحدّين على ألّا يخرج الفعل عن الوقت، فتكون الطبيعة بملاحظة ذاتها واجبة لا يجوز تركها، غير أنّ الوقت لمّا كان يسع لإيقاعها فيه عدّة مرّات، كان لها أفراد طوليّة تدريجيّة مقدّرة الوجود في أوّل الوقت و ثانية و ثالثة ... إلى آخره، فيقع التخيير العقلي بين الأفراد الطوليّة كالتخيير العقلي بين الأفراد العرضيّة للطبيعة المأمور بها، فيجوز الإتيان بفردٍ و ترك الآخر من دون أن يكون جواز الترك له مساس في نفس المأمور به، و هو طبيعة الفعل في الوقت المحدود. فلا منافاة بين وجوب الطبيعة بملاحظة ذاتها و بين جواز ترك أفرادها عدا فرد واحد.
و القائلون بالامتناع التجئوا إلى تأويل ما ظاهره التوسعة في الشريعة، فقال بعضهم: بوجوبه في أوّل الوقت و الإتيان به في الزمان الباقي يكون
______________________________ (1) قال بإمكانه أكثر الأصحاب، كالمرتضى و الشيخ و المحقّق و العلّامة و جمهور المحقّقين من العامّة، معالم الدين: ص 73.
(2) عزاه العلّامة في النهاية إلى أبي الحسن الكرخي و جماعة من الأشاعرة و جماعة من الحنفيّة، راجع نهاية الوصول: الورقة 37.
(3) يعني ما ورد ممّا ظاهره التوسعة.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 144
من باب القضاء و التدارك لما فات من الفعل في أوّل الوقت «1». و قال آخر:
بوجوبه في آخر الوقت و الإتيان به قبلَه من باب النفل يسقط به الفرض «2» نظير إيقاع غسل الجمعة في يوم الخميس و ليلة الجمعة. و قيل غير ذلك «3».
و كلّها أقوال متروكة عند علمائنا، واضحة البطلان. فلا حاجة إلى الإطالة في ردّها.
هل يتبع القضاء الأداء؟
مما يتفرّع عادة على البحث عن الموقَّت مسألة «تبعيّة القضاء للأداء» و هي من مباحث الألفاظ، و تدخل في باب الأوامر.
و لكن اخّر «4» ذكرها إلى الخاتمة مع أنّ من حقّها أن تذكر قبلها، لأنّها- كما قلنا- من فروع بحث الموقّت عادةً. فنقول:
إنّ الموقّت قد يفوت في وقته، إمّا لتركه عن عذر أو عن عمد و اختيار، و إمّا لفساده لعذر أو لغير عذر. فإذا فات على أيّ نحو من هذه الأنحاء، فقد ثبت في الشريعة وجوب تدارك بعض الواجبات كالصلاة و الصوم، بمعنى أن يأتي بها «5» خارج الوقت. و يسمّى هذا التدارك «قضاءً».
و هذا لا كلام فيه.
إلّا أنّ الاصوليّين اختلفوا في أنّ وجوب القضاء هل هو على مقتضى القاعدة، بمعنى أنّ الأمر بنفس الموقّت يدلّ على وجوب قضائه إذا فات في وقته فيكون وجوب القضاء بنفس دليل الأداء، أو أنّ القاعدة لا تقتضي ______________________________ (1) قاله جماعة من الأشاعرة، راجع نهاية الوصول: الورقة 37.
(2) قاله جماعة من الحنفيّة، المصدر السابق.
(3) مثل ما عن الكرخي: أنّ الصلاة المأتيّة في أوّل الوقت موقوفة فإن أدرك المصلّي آخر الوقت و هو على صفة التكليف كان ما فعله واجباً و إن لم يبق على صفات المكلّفين كان نفلًا، المصدر السابق.
(4) في ط الاولى: أخّرتُ.
(5) كذا، و المناسب: بهما، أو به.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 145
ذلك، بل وجوب القضاء يحتاج إلى دليل خاصّ غير نفس دليل الأداء؟
و في المسألة أقوال ثلاثة:
قول بالتبعية مطلقاً «1».
و قول بعدمها مطلقاً «2».
و قول بالتفصيل بين ما إذا كان الدليل على التوقيت متّصلًا، فلا تبعيّة و بين ما إذا كان منفصلًا فالقضاء تابع للأداء «3».
و الظاهر أنّ منشأ النزاع في المسألة يرجع إلى أنّ المستفاد من التوقيت هو وحدة المطلوب أو تعدّده؟ أي أنّ في الموقَّت مطلوباً واحداً هو الفعل المقيّد بالوقت بما هو مقيَّد، أو مطلوبين و هما ذات الفعل و كونه واقعاً في وقتٍ معيّن؟
فعلى الأوّل: إذا فات الامتثال في الوقت لم يبقَ طلب بنفس الذات، فلا بدّ من فرض أمر جديد للقضاء بالإتيان بالفعل خارجَ الوقت. و على الثاني: إذا فات الامتثال في الوقت فإنّما فات امتثال أحد الطلبين و هو طلب كونه في الوقت المعيّن، و أمّا الطلب بذات الفعل فباقٍ على حاله.
و لذا ذهب بعضهم إلى التفصيل المذكور باعتبار أنّ المستفاد من دليل التوقيت في المتّصل وحدة المطلوب فيحتاج القضاء إلى أمر جديد، و المستفاد في المنفصل تعدّد المطلوب، فلا يحتاج القضاء إلى أمر جديد و يكون تابعاً للأداء.
و المختار هو القول الثاني، و هو عدم التبعيّة مطلقاً.
______________________________ (1) نسبه السيّد عميد الدين إلى بعض الفقهاء و جماعة من الحنابلة، راجع مُنية اللبيب: ص 135. و في المبسوط للسرخسي (ج 1 ص 46): و أكثر مشايخنا رحمهم اللَّه على أنّ القضاء يجب بالسبب الّذي به وجب الأداء عند فواته، و هو الأصحّ.
(2) قاله به المحقّق في معارج الاصول: ص 75، و العلّامة في مبادئ الوصول: ص 112، و نسبه في المُنية إلى محقّق الاصوليّين.
(3) قاله المحقّق الخراساني في كفاية الاصول: ص 178.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 146
لأنّ الظاهر من التقييد أنّ القيد ركن في المطلوب، فإذا قال مثلًا: «صم يوم الجمعة» فلا يفهم منه إلّا مطلوب واحد لغرضٍ واحد، و هو خصوص صوم هذا اليوم، لا أنّ الصوم بذاته مطلوب و كونه في يوم الجمعة مطلوب آخر.
و أمّا في مورد دليل التوقيت المنفصل، كما إذا قال: «صم» ثمّ قال مثلًا: «اجعل صومك يوم الجمعة» فأيضاً كذلك، نظراً إلى أنّ هذا من باب المطلق و المقيّد، فيجب فيه حمل المطلق على المقيّد، و معنى حمل المطلق على المقيّد هو: تقييد أصل المطلوب الأوّل بالقيد، فيكشف ذلك التقييد عن أنّ المراد بالمطلق واقعاً من أوّل الأمر خصوص المقيّد، فيصبح الدليلان بمقتضى الجمع بينهما دليلًا واحداً، لا أنّ المقيّد مطلوب آخر غير المطلق، و إلّا كان معنى ذلك بقاء المطلق على إطلاقه، فلم يكن حملًا و لم يكن جمعاً بين الدليلين، بل يكون أخذاً بالدليلين.
نعم، يمكن أن يفرض- و إن كان هذا فرضاً بعيدَ الوقوع في الشريعة- أن يكون دليل التوقيت المنفصل مقيّداً بالتمكّن كأن يقول في المثال:
«اجعل صومك يوم الجمعة إن تمكّنت» أو كان دليل التوقيت ليس فيه إطلاق يعمّ صورتي التمكّن و عدمه و صورة التمكّن هي القدر المتيقّن منه.
فإنّه في هذا الفرض يمكن التمسّك بإطلاق دليل الواجب لإثبات وجوب الفعل خارجَ الوقت، لأنّ دليل التوقيت غير صالح لتقييد إطلاق دليل الواجب إلّا في صورة التمكّن، و مع الاضطرار إلى ترك الفعل في الوقت يبقى دليل الواجب على إطلاقه.
و هذا الفرض هو الّذي يظهر من الكفاية لشيخ أساتذتنا الآخوند قدس سره «1» و لكنّه فرض بعيد جدّاً.
على أنّه مع هذا الفرض لا يصدق «الفوت» و لا «القضاء» بل يكون وجوبه خارج الوقت من نوع الأداء.
______________________________ (1) راجع كفاية الاصول: ص 178.
أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج1، ص: 148
مقبول
طہارۃ، استعمال طہور مشروط بالنیت
المدخل۔۔۔
الزکاۃ،کتاب الزکاۃ وفصولہ اربعۃ۔۔۔
مقدمہ و تعریف :الامرلاول تعریف علم الاصول۔۔۔
الطہارۃ و مختصر حالات زندگانی
الفصل السابع :نسخ الوجوب۔۔
الفصل الثالث؛ تقسیم القطع الی طریقی ...
مقالات
دینی مدارس کی قابل تقلید خوبیاں
ایک اچھے مدرس کے اوصاف
اسلام میں استاد کا مقام و مرتبہ
طالب علم کے لئے کامیابی کے زریں اصول