حضرت محمد مصطفیٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم نے فرمایا:
جس بھائی کے ساتھ تو خدا کے لیے محبت کرتا ہے اس کی طرف دیکھنا بھی عبادت ہے
بحارالانوار ج71 ص279، کتاب العشرۃ، ابواب حقوق المومنین، باب 18فضل حب المومنین والنظر الیھم
کثیراً ما یحتاج المشرعون ودعاة المبادئ والسیاسیون ونحوهم الى إقناع الجماهیر فیما یریدون تحقیقه إذ تحقیق فکرتهم أو دعوتهم لا تتم إلا برضا الجمهور عنها وقناعتهم بها.
والجمهور لا یخضع للبرهان ولا یقنع به کما لا یخضع للطرق الجدلیة لأنَّ الجمهور تتحکم به العاطفة أکثر من التعقل والتبصر بل لیس له الصبر على التأمل والتفکیر ومحاکمة الأدلة والبراهین وإنما هو سطحی التفکیر فاقد للتمییز الدقیق. تؤثر فیه المغریات وتبهره العبارات البراقة وتقنعه الظواهر الخلاّبة. ولعدم صبره على التمییز الدقیق نجده إذا عرضت علیه فکرة لا یتمکن من التفکیک بین صحیحها وسقیمها فیقبلها کلها أو یرفضها کلها.
وعلیه فیحتاج من یرید التأثیر على الجماهیر فی إقناعهم أن یسلک مسلکاً آخر غیر مسلک البرهان والجدل المتقدمین فإن الذی یبدو أن الطرق العقلیة عاجزة عن التأثیر على عقائد الناس وتحویلها لعجزها عن التأثیر على عواطفهم المتحکمة فیهم.
بل لا یقتصر هذا الأمر على الجمهور بما هو جمهور فإن کلّ فرد من أفراد العامة إذا کان قلیل الثقافة والمعرفة هو أبعد ما یکون عن الإقتناع بالطرق البرهانیة أو الجدلیة بل أکثر الخاصة المثقفین ـ وإن ظنوا فی أنفسهم المعرفة وحریة الرأی ـ ینجذبون إلى الطرق المقنعة المؤثرة على العواطف وینخدعون بها. بل لا یستغنون عنها فی کثیر من آرائهم واعتقاداتهم بالرغم على قناعتهم بمعرفتهم وثقافتهم التی قد یتخیلون أنهم قد بلغوا بها الغایة.
فیجب أن تکون المخاطبة التی یتلقاها الجمهور والعامی وشبهه من نوع لا تکون مرتفعة ارتفاعاً بعیداً عن درجة مثله. ولذا قیل: (کلم الناس على قدر عقولهم).
ولم تبق لنا صناعة هذا الغرض غیر صناعة الخطابة فإن الأسلوب الخطابی أحسن شیء للتأثیر على الجمهور والعامی. وکلّ شخص استطاع أن یکون خطیباً بالمعنى المقصود من الخطابة فی هذا الفن فإنّه هو الذی یستطیع أن یستغل الجمهور والعوام ویأخذ بأیدیهم إلى الخیر أو الشر.
فهذا وجه حاجتنا ـ معاشر الناس ـ إلى صناعة الخطابة ولزم على من یرید قیادة الجمهور إلى الخیر أن یتعلم هذه الصناعة وهی عبارة عن معرفة طرق الإقناع.
فإن الخطابة أنجح من غیرها فی الإقناع کما أن الجدل فی الإلزام أنفع.
2. وظائف الخطابة وفوائدها:
مما تقدم نستطیع أن نعرف أن وظائف الخطابة هو الدفاع عن الرأی وتنویر الرأی العام فی أیّ أمر من الأمور والحض على الاقتناع بمبدأ من المبادئ والتحریض على اکتساب الفضائل والکمالات واجتناب الرذائل والسیئات وإثارة شعور العامة وإیقاظ الوجدان والضمیر فیهم. وبالاختصار وظیفتها إعداد النفوس لتقبل ما یرید الخطیب أن تقتنع به.
وبهذا نعرف أن فائدة الخطابة فائدة کبیرة بل هی ضرورة اجتماعیة فی حیاة الناس العامة.
وهی ـ بعد ـ وظیفة شاقة إذ أنّها تعتمد ـ بالإضافة إلى معرفة هذه الصناعة ـ على مواهب الخطیب الشخصیة التی تصقل بالتمرین والتجارب ولا تکتسب بهذه الصناعة ولا بغیرها وإنما وظیفة هذه الصناعة توجیه تلک المواهب وإعداد ما یلزم لمعرفة طرق اکتساب ملکة الخطابة مع المران الطویل وکثرة التجارب. وسیأتی التنصیص على حاجة الخطابة إلى المواهب الشخصیة.
3. تعریف هذه الصناعة وبیان معنى الخطابة:
یمکن مما تقدم أن نتصید تعریف صناعة الخطابة على النحو الآتی حسبما هو معروف عند المنطقیین:
«إنها صناعة علمیة بسببها یمکن إقناع الجمهور فی الأمر الذی یتوقع حصول التصدیق به بقدر الإمکان».
هذا هو تعریف أصل هذه الصناعة التی غایتها حصول ملکة الخطابة التی بها یتمکن الشخص الخطیب من إقناع الجمهور. والمراد من القناعة هو التصدیق بالشیء مع الاعتقاد بعدم إمکان أن یکون له ما ینقض ذلک التصدیق أو مع الاعتقاد بإمکان ما ینقضه إلاّ أنَّ النفس تصیر بسبب الطرق المقنعة أمیل إلى التصدیق من خلافه. وهذا الأخیر هو المسمى عندهم (بالظن) على نحو ما تقدم فی هذا الجزء.
ثمّ أَنّه لیس المراد من لفظ (الخطابة) التی وضعت لها هذه الصناعة مجرد معنى الخطابة المفهوم من لفظها فی هذا العصر وهو أنْ یقف الشخص ویتکلم بما یسمع المجتمعین بأی أسلوب کان بل أسلوب البیان وأداء المقاصد بما یتکفل إقناع الجمهور هو الذی یقوم معنى الخطابة وإن کان بالکتابة أو المحاورة کما یحصل فی محاورة المرافعة عند القضاة والحکام.
وهذه الصناعة تتکفل ببیان هذا الأسلوب وکیف یتوصل إلى إقناع الناس بالکلام وما لهذا الأسلوب من مساعدات وأعوان من صعود على مرتفع ورفع صوت ونبرات خاصة وما إلى ذلک مما سیأتی شرحه.
4. أجزاء الخطابة:
الخطابة تشتمل على جزأین: العمود والأعوان.
أ ـ (العمود) ویقصدون بالعمود هنا مادة قضایا الخطابة التی تتألف منها الحجة الإقناعیة. وتسمى الحجّة الإقناعیة باصطلاح هذه الصناعة (التثبیت) على ما سیأتی. وبعبارة أخرى: العمود هو کل قول منتج لذاته للمطلوب إنتاجاً بحسب الإقناع. وإنما سمی عموداً فباعتبار أنّه قوام الخطابة وعلیه الاعتماد فی الإقناع.
ب ـ (الأعوان) ویقصدون بها الأقوال والأفعال والهیئات الخارجیة عن العمود المعینة له على الإقناع المساعدة له على التأثیر المهیئة للمستمعین على قبوله.
وکل من الأمرین (العمود والأعوان) یعد فی الحقیقة جزءاً مقوماً للخطابة لأنّ العمود وحده قد لا یؤدی تمام الغرض من الإقناع بل على الأکثر یفشل فی تحقیقه. والمقصود الأصلی من الخطابة هو الإقناع کما تقدم فکل ما هو مقتض له دخیل فی تحققه لابّد أنْ یکون فی الخطابة دخیلاً وإن کان من الأمور الخارجة عن مادة القضایا التی تتألف منه الحجّة (العمود).
و قولنا هنا: (مقتض للإقناع) نقصد به أعم مما یکون مقتضیا لنفس الإقناع أو مقتضیا للاستعداد له. والمقتضی لنفس الإقناع لیس العمود وحده ـ کما ربما یتخیل ـ بل شهادة الشاهد أیضاً تقتضیه مع أنّها من الأعوان.
وشهادة الشاهد على قسمین شهادة قول وشهادة حال. فهذه أربعة أقسام ینبغی البحث عنها: العمود والشهادة القولیة وشهادة الحال والمقتضی للاستعداد للإقناع.
ویمکن فتح البحث فیها بإسلوب آخر من التقسیم بأنْ تقول:
الخطابة تشتمل على عمود وأعوان. ثم الأعوان على قسمین إما بصناعة وحیلة وإما بغیر صناعة وحیلة. والأول وهو ما کان بصناعة وحیلة ویسمى (استدراجات) فعلى ثلاثة أقسام: استدراجات بحسب القائل أو بحسب القول أو بحسب المستمع. والثانی هو ما کان بغیر صناعة وحیلة یسمى (نصرة) و(شهادة). وهی ـ الشهادة ـ على قسمین شهادة قول وشهادة حال. فهذه ستة أقسام:
1ـ العمود.
2ـ استدراجات القائل.
3ـ استدراجات بحسب القول.
4ـ استدراجات بحسب المستمع.
5ـ شهادة القول.
6ـ شهادة الحال.
فهذه الستة هی ـ بالأخیر ـ تکون أجزاء الخطابة فینبغی البحث عنها واحدة واحدة.
5. العمود:
(العمود) ـ وقد تقدم معناه ـ یتألف من المظنونات أو المقبولات أو المشهورات أو المختلفة بینها. وقد سبق شرح هذه المعانی تفصیلاً فی مقدمة الصناعات الخمس فلا نعید.
واستعمال (المشهورات) فی الخطابة باعتبار ما لها من التأثیر على السامعین فی الإقناع. ولذا لا یعتبر فیها إلا أن تکون مشهورات ظاهریة وهی التی تحمد فی بادئ الرأی وإن لم تکن مشهورات حقیقیة. وبهذا تفترق الخطابة عن الجدل إذ الجدل لا یستعمل فیه إلا المشهورات الحقیقیة. وقد سبق ذلک فی الجدل.
وقلنا هناک: (إن الظاهریة تنفع فقط فی صناعة الخطابة) وإنما قلنا ذلک فلأن الخطابة غایتها الإقناع ویکتفى بما هو مشهور أو مقبول لدى المستمعین وإن کان مشهورا فی بادئ الرأی وتذهب شهرته بالتعقیب إذ لیس فیها رد وبدل ومناقشة وتعقیب على العکس من الجدل المبنی على المحاورة والمناقضة فلا ینبغی فیه استعمال المشهورات الظاهریة إذ یعطی بذلک مجال للخصم لنقضها وتعقیبها بالرد.
أما المظنونات والمقبولات فواضح اعتبارها فی عمود الخطابة.
6. الاستدراجات بحسب القائل:
وهی من أقسام ما یقتضی الاستعداد للإقناع وتکون بصناعة وحیلة. وذلک بأن یظهر الخطیب قبل الشروع فی الخطابة بمظهر مقبول القول عندهم. ویتحقق ذلک على نحوین:
1ـ أن یثبت فضیلة نفسه ـ إذا لم یکن معروفا لدى المستمعین ـ إما بتعریفه هو لنفسه أو بتعریف غیره یقدمه لهم بالثناء بأن یعرف نسبه وعلمه ومنزلته الاجتماعیة أو وظیفته إذا کان موظفاً أو نحو ذلک.
ولمعرفة شخصیة الخطیب الأثر البالغ ـ إذا کانت له شخصیة محترمة ـ فی سهولة انقیاد المستمعین إلیه والإصغاء له وقبول قوله فإن الناس تنظر إلى من قال لا إلى ما قیل وذلک اتباعا لطبیعة المحاکاة التی هی من غریزة الإنسان لا سیما فی محاکاته لمن یستطیع أن یسیطر على مشاعره وإعجابه.
ولا سیما فی المجتمعات العامة فإن غرائز الإنسان ـ وبالخصوص غریزة المحاکاة ـ تحیا فی حال الاجتماع أو تقوى.
2ـ أن یظهر بما یدعو إلى تقدیره واحترامه وتصدیقه والوثوق بقوله. وذلک یحصل بأمور:
(منها) لباسه وهندامه فاللازم على الخطیب أن یقدر المجتمعین ونفسیاتهم وما یقدر من مثله أن یظهر به فقد یقتضی أن یظهر بأفخر اللباس وبأحسن بزة تلیق بمثله وقد یقتضی أن یظهر بمظهر الزاهد الناسک. وهذا یختلف باختلاف الدعوة وباختلاف الحاضرین. وعلى کل حال ینبغی أن یکون الخطیب مقبول الهیئة عند الحاضرین حتى لا یثیر تهکمهم أو اشمئزازهم أو تحقیرهم له.
و(منها) ملامح وجهه وتقاطیع جبینه ونظرات عینیه وحرکات یدیه وبدنه فإن هذه أمور معبرة ومؤثرة فی السامعین إذا استطاع الخطیب أن یحسن التصرف بها حسبما یریده من البیان والإقناع. وبعبارة أصرح: ینبغی أن یکون ممثلاً فی مظهره فیبدو حزیناً فی موضع الحزن وقد یلزم له أن یبکی أو یتباکى ویبدو مسروراً مبتشاً فی موضع السرور ویبدو بمظهر الصالح الواثق من قوله المؤمن بدعوته فی موضع ذلک...وهکذا.
وکثیر من الواعظین یتأثر الناس بهم بمجرد النظر إلیهم قبل أن یتفوهوا وکم من خطیب فی مجالس ذکرى مصرع سید الشهداء ع یدفع الناس إلى البکاء والرقة بمجرد مشاهدة هیئته وسمته قبل أن یتکلم.
7. الاستدراجات بحسب القول:
وهی أیضاً من أقسام ما یقتضی الاستعداد للإقناع وتکون بصناعة وحیلة. وذلک بأن تکون لهجة کلامه مؤثرة مناسبة للغرض الذی یقصده إما برفع صوته أو بخفضه أو ترجیعه أو الاسترسال فیه بسرعة أو التأنِّی به أو تقطیعه. کل ذلک حسب ما تقتضیه الحال من التأثیر على المستمعین.
وحسن الصوت وحسن الإلقاء والتمکن من التصرف بنبرات الصوت وتغییره حسب الحاجة من أهم ما یتمیز به الخطیب الناجح. وذلک فی أصله موهبة ربانیة یختص بها بعض البشر من غیر کسب غیر أنها تقوى وتنمو بالتمرین والتعلم کجمیع المواهب الشخصیة. ولیس هناک قواعد عامة مدونة یمکن بها ضبط تغییرات الصوت ونبراته حسب الحاجة وإنما معرفة ذلک تتبع نباهة الخطیب فی اختیاره للتغیرات الصوتیة المناسبة التی یجدها بالتجربة والتمرین مؤثرة فی المستمعین.
ولأجل هذا یظهر لنا کیف یفشل بعض الخطباء لأنّه یحاول (المسکین) تقلید خطیب ناجح فی لهجته وإلقائه فیبدو نابیاً سخیفاً إذ یظهر بمظهر المتصنع الفاشل.
والسر أن هذا أمر یدرک بالغریزة والتجربة قبل أن یدرک بالتقلید للغیر.
8. الاستدراجات بحسب المخاطب:
وهی أیضاً من أقسام ما یقتضی الاستعداد للإقناع وتکون بصناعة من الخطیب. وذلک بأن یحاول استمالة المستمعین وجلب عواطفهم نحوه لیتمکن قوله فیهم ویتهیأوا للإصغاء إلیه: مثل أن یحدث فیهم انفعالاً نفسیاً مناسباً لغرضه کالرقة والرحمة أو القوة والغضب أو یضحکهم بنکتة عابرة لتنفتح نفوسهم للإقبال علیه. ومثل أن یشعرهم بأنهم یتخلقون بأخلاق فاضلة کالشجاعة والکرم أو الإنصاف والعدل أو إیثار الحق أو یتحلون بالوطنیة الصادقة والتضحیة فی سبیل بلادهم أو نحو ذلک ممّا یناسب غرضه. وهذا یکون بمدحهم والثناء علیهم أو بذکر سوابق محمودة لهم أو لآبائهم أو أسلافهم.
وإذا اضطر إلى التعریض بخصومه الحاضرین فیظهر بأنهم الأقلیة القلیلة فیهم أو یتظاهر بأنّه لا یعرف بأنهم موجودون فی الاجتماع أو أنّهم لا قیمة لهم ولا وزن عند الناس.
ولیس شیء أفسد للخطیب من التعریض بذم المستمعین أو تحقیرهم أو التهکم بهم أو إخجالهم فإنّ خطابه سیکون قلیل الأثر أو عدیمه أصلاً وإن کان یأتی بذلک بقصد إثارة الحمیة والغیرة فیهم لأن هذه الأمور ـ بالعکس ـ تثیر غضبهم علیه وکرهه والاشمئزاز من کلامه. ولإثارة الحمیة طرق أخرى غیر هذه.
وبعبارة أشمل وأدق إن التجاوب النفسی بین الخطیب والمستمعین شرط أساسی فی التأثر بکلامه فإذا ذمهم أو تهکم بهم بعَّدهم عنه وخسر هذا التجاوب النفسی. وهکذا لو أضجرهم بطول الکلام أو التکرار الممل أو التعقید فی العبارة أو ذکر ما لا نفع فیه لهم أو ما ألفوا استماعه.
و الخطیب الحاذق الناجح من یستطیع أن یمتزج بالمستمعین ویهیمن علیهم بأن یجعلهم یشعرون بأنه واحد منهم وشریکهم فی السراء والضراء وبأنه یعطف على منافعهم ویرعى مصالحهم وبأنه یحبهم ویحترمهم لا سیما الخطیب السیاسی والقائد فی الحرب.
9. شهادة القول:
وهی من أقسام (النصرة) التی لیست بصناعة وحیلة ومن أقسام ما یقتضی نفس الإقناع. وهی تحصل إما بقول من یقتدی به مع العلم بصدقه کالنبی والإمام أو مع الظن بصدقه کالحکیم والشاعر. وإما بقول الجماهیر أو الحاکم أو النظارة وذلک بتصدیقهم للخطیب أو تأییدهم له بهتاف أو تصفیق أو نحوها. وإما بوثائق ثابتة کالصکوک والمسجلات والآثار التاریخیة ونحوها.
وهذه الشهادة ـ على أنها من الأعوان ـ تفید بنفسها الإقناع. وقد تکون بنفسها عموداً لو صح أخذها مقدمة فی الحجّة الخطابیة وتکون حینئذ من قسم (المقبولات) التی قلنا أن الحجّة الخطابیة قد تتألف منها.
10. شهادة الحال:
وهی أیضاً من أقسام (النصرة) التی لیست بصناعة وحیلة ومن أقسام ما یقتضی نفس الإقناع. وهذه الشهادة تحصل إما بحسب نفس القائل أو بحسب القول.
1. ما هی بحسب القائل: إما لکونه مشهوراً بالفضیلة من الصدق والأمانة والمعرفة والتمییز أو معروفاً بما یثیر احترامه أو الإعجاب به أو التقدیر لما یقوله ویحکم به کأن یکون معروفاً بالبراعة الخطابیة أو الشجاعة النادرة أو بالثراء الکثیر أو بالحنکة السیاسیة أو صاحب منصب رفیع أو نحو ذلک. وقد قلنا أن لمعرفة الخطیب الأثر البالغ فی التأثیر على المستمعین فکیف إذا کان محبوباً أو موضع الإعجاب أو الثقة. وکلما کبرت سمعة الخطیب وتمکن حبه واحترامه من القلوب کان قوله أکثر قبولاً وأبعد أثراً.
وإما لکونه تظهر علیه إمارات الصدق ـ وإن لم یکن معروفاً بأنحاء المعرفة السابقة ـ مثل أن تطفح على وجهه أساریر السرور إذا بشر بخیر أو علامات الخوف والهلع إذا أنذر بشر أو هیئة الحزن إذا حدّث عما یحزن... وهکذا.
ولتقاطیع وجه الخطیب وملامحه ونبرات صوته الأثر الفعال فی شعور المستمعین بأن ما یقوله کان مؤمناً به أو غیر مؤمن به. والوجه الجامد القاحل من التعبیر لا یستجیب له المستمع. ولذا اشتهر أن الکلمة إذا خرجت من القلب دخلت فی القلب. وما هذا إلا لأنّ إیمان الخطیب بما یقول یظهر على ملامح وجهه ونبرات صوته رضی أم أبى فیدرک المستمع ذلک حینئذ بغریزته فیؤثر على شعوره بمقتضى طبیعة المحاکاة والتقلید.
2ـ ما هی بحسب القول: مثل الحلف على صدق القول والعهد أو التحدی کما تحدى نبینا الأکرم - صلى الله علیه وآله وسلم - قومه أن یأتوا بسورة أو آیة من مثل القرآن المجید وإذ عجزوا عن ذلک التجأوا إلى الاعتراف بصدقه. ومثل ما لو تحدى الصانع أو الطبیب أو نحوهما خصمه المشارک له فی صناعته بأن یأتی بمثل ما یعمل ویقول له: إن عجزت عن مثل عملی فاعترف بفضلی علیک واخضع لقولی.
11. الفرق بین الخطابة والجدل:
لما کان الجدل والخطابة یشترکان فی کثیر من الأشیاء استدعى ذلک التنبیه على جهات الافتراق بینهما لئلا یقع الخلط بینهما:
أما اشتراکهما ففی الموضوع فإن موضوع کل منهما عام غیر محدد بعلم ومسألة کما قلنا فی الجدل: أنه یقع فی جمیع المسائل الفلسفیة والدینیة والاجتماعیة وجمیع الفنون والمعارف. والخطابة کذلک وما یستثنى هناک یستثنى هنا. ویشترکان أیضا فی الغایة فإن غایة کل منهما الغلبة ویشترکان فی بعض مواد قضایاهما إذ تدخل المشهورات فیهما کما تقدم.
أما افتراقهما ففی هذه الأمور الثلاثة نفسها:
1ـ فی الموضوع فإن الخطابة یستثنى من عموم موضوعها المطالب العلمیة التی یطلب فیها الیقین فإن استعمال الأسلوب الخطابی فیها معیب مستهجن إذا کان المخاطب بها الخاصة وإن جاز استعمال الأسلوب الجدلی لإلزام الخصم وإفحامه أو لتعلیم المبتدئین. کما أنه ـ على العکس ـ لا یحسن من الخطیب أن یستعمل البراهین العلمیة والمسائل الدقیقة لغرض الإقناع.
2ـ فی الغایة فإن غایة الجدلی الغلبة بإلزام الخصم وإن لم تحصل له حالة القناعة. وغایة الخطابة الغلبة بالإقناع.
3ـ فی المواد فقد تقدم فی الکلام عن العمود بیان الفرق فیها إذ قلنا: أن الخطابة تستعمل فیها مطلق المشهورات الظاهریة وفی الجدل لا تستعمل إلا الحقیقیة.
وهناک فروق أخرى لا یهمنا التعرض لها. وسیأتی فی باب إعداد المنافرات التشابه بین الجدل والمنافرة بالخصوص والفرق بینهما کذلک.
ثم المستمع ثلاثة أشخاص على الأکثر: مخاطب وحاکم ونظارة وقد یکون مخاطباً فقط:
1ـ (المخاطب) وهو الموجه إلیه الخطاب وهو الجمهور أو من هو الخصم فی المفاوضة والمحاورة.
2ـ (الحاکم) وهو الذی یحکم للخطیب أو علیه إما لسلطة عامة له فی الحکم شرعیة أو مدنیة أو لسلطة خاصة برضا الطرفین إذ یحکمانه ویضعان ثقتهما به وإن لم تکن له سلطة عامة.
3ـ (النظارة) وهم المستمعون المتفرجون الذین لیس لهم شأن إلا تقویة الخطیب أو توهینه مثل أن یهتفوا له أو یصفقوا باستحسان ونحوه حسبما هو عادة شعبهم فی تأیید الخطباء ومثل أن یسکتوا فی موضع التأیید والاستحسان أو یظهروا توهینه بهتاف ونحوه وذلک إذا أرادوا توهینه. والنظارة عادة مألوفة عند بعض الأمم الغربیة فی المحاکمات ولهم تأثیر فی سیر المحاکمة وربما یسمونهم (العدول) أو (المعدلین).
ولیس وجود الحاکم والنظارة یلازم فی جمیع أصناف الخطابة بل فی خصوص المشاجرات کما سیأتی.
13. أصناف المخاطبات:
إن الغرض الأصلی لصاحب الصناعة الخطابیة ـ على الأغلب ـ إثبات فضیلة شیء ما أو رذیلته أو إثبات نفعه أو ضرره. ولکن لا أی شیء کان بل الشیء الذی له نفع أو ضرر للعموم بوجه من الوجوه على نحو له دخالة فی المخاطبین وعلاقة بهم.
وهذا الشیء لا یخلو عن حالات ثلاث:
1ـ أن یکون حاصلا فعلا فالخطابة فیه تسمى (منافرة).
2ـ أن یکون غیر حاصل فعلاً ولکنه حاصل فی الماضی فالخطابة فیه تسمى (مشاجرة).
3ـ أن یکون غیر حاصل فعلاً أیضاً ولکنه یحصل فی المستقبل فالخطابة فیه تسمى (مشاورة). وهی أهم الأصناف.
فالمفاوضات الخطابیة على ثلاثة أصناف.
1ـ (المنافرات) المتعلقة بالحاصل فعلا فإن قرر الخطیب فضیلته أو نفعه سمیت (مدحاً) وإن قرر ضد ذلک سمیت (ذماً).
2ـ (المشاجرات) وتسمى (الخصامیات) أیضاً وهی المتعلقة بالحاصل سابقاً. ولابد أن تکون الخطابة لأجل تقریر وصول فائدته ونفعه أو ما فیه من عدل وإنصاف إن کان نافعاً ولأجل تقریر وصول ضرورة أو ما فیه من ظلم وعدوان. فمن الجهة الأولى تسمى الخطابة (شکراً) إما أصالةً عن نفسه أو نیابةً عن غیره. وإنما سمیت کذلک لأن تقریر الخطیب یکون اعترافاً منه للمخاطبین بفضیلة ذلک الشیء فلا یقع فیه نزاع منهم. ومن الجهة الثانیة تسمى الخطابة (شکایة) إما عن نفسه أو عن غیره. والمدافع یسمى (معتذراً) والمعترف به (نادماً).
3ـ (المشاورات) المتعلقة بما یقع فی المستقبل. ولا محالة أن الخطابة حینئذ لا تکون من جهة وجوده أو عدمه فإن هذا لیس شأن هذه الصناعة. بل لابد أن تکون من جهة ما فیه من نفع وفائدة فینبغی أن یفعل فتکون الخطابة فیه ترغیباً وتشویقاً وإذناً فی فعله. أو من جهة ما فیه من ضرر وخسارة فینبغی ألا یفعل فتکون الخطابة فیه تحذیراً وتخویفاً ومنعاً من فعله.
فهذه الأنواع الثلاثة هی الأغراض الأصلیة التی تقع للخطیب وقد یتوصل إلى غرضه ببیان أمور تقع فی طریقه وتکون ممهدة للوصول إلیه ومعینة للإقناع وتسمى (التصدیرات) مثل أن یمدح شیئاً أو شخصاً فینتقل منه إلى المشاورة للتنظیر بما وقع أو لغیر ذلک.
والتشبیب الذی یستعمله الشعراء سابقاً فی صدر مدائحهم من هذا القبیل فإن الغرض الأصلی هو المدح والتشبیب تصدر به القصیدة للتوصل إلیه. وکثیراً ما لا یکون الشاعر عاشقاً وإنما یتشبه به اتباعاً لعادة الشعراء.
وفی هذا العصر یمهد خطباء المنبر الحسینی أمام مقصودهم من ذکر فاجعة الطف ببیان أمور تاریخیة أو أخلاقیة أو دینیة من موعظة ونحوها. وما ذاک إلا لجلب انتباه السامعین أو لإثارة شعورهم وانفعالاتهم مقدمة للغرض الأصلی من ذکر الفاجعة.
14. صور تألیف الخطابة ومصطلحاته:
قد قلنا فی الجدل: أن المعول فی تألیف صوره غالباً على القیاس والاستقراء وفی الخطابة أکثر ما یعول على القیاس والتمثیل وإن استعمل الاستقراء أحیاناً.
ولا یجب فی القیاس وغیره عند استعماله هنا أن یکون یقینیاً من ناحیة تألیفه أی لا یجب أن یکون حافظاً لجمیع شرائط الإنتاج بل یکفی أن یکون تألیفه منتجاً بحسب الظن الغالب وإن لم یکن منتجاً دائماً کما لو تألف القیاس مثلاً على نحو الشکل الثانی من موجبتین کما یقال: فلان یمشی متأنیاً فهو مریض فحذفت کبراه الموجبة وهی (کل مریض یمشی متأنیاً) مع أن الشکل الثانی من شروطه اختلاف المقدمتین بالکیف.
وکذلک قد یستعمل التمثیل فی الخطابة خالیاً من جامع حیث یفید الظن بأن هناک جامعاً مثل أن یقال: مر بالأمس من هناک رجل مسرع وکان هارباً والیوم یمر مسرع آخر من هنا فهو هارب.
وکذلک یستعمل الاستقراء فیها بدون استقصاء لجمیع الجزئیات مثل أن یقال: الظالمون قصیرو الأعمار لأن فلان الظالم وفلان وفلان قصیرو الأعمار فیعد جزئیات کثیرة یظن معها إلحاق القلیل بالأعم الأغلب.
وبحسب تألیف صور الخطابة مصطلحات ینبغی بیانها فنقول:
1ـ (التثبیت) والمقصود به کل قول یقع حجة فی الخطابة ویمکن فیه أن یوقع التصدیق بنفس المطلوب بحسب الظن سواء کان قیاساً أو تمثیلاً.
2ـ (الضمیر) والمقصود به التثبیت إذا کان قیاساً. والضمیر باصطلاح المناطقة فی باب القیاس کل قیاس حذفت منه کبراه. ولما کان اللائق فی الخطابة أن تحذف من قیاسها کبراه للاختصار من جهة ولإخفاء کذب الکبرى من جهة أخرى سموا کل قیاس هنا (ضمیراً) لأنّه دائماً أو غالباً تحذف کبراه.
3ـ (التفکیر) وهو الضمیر نفسه ویسمى (تفکیراً) باعتبار اشتماله على الحد الأوسط الذی یقتضیه الفکر.
4ـ (الاعتبار) ویقصدون به التثبیت إذا کان تمثیلاً فیقولون مثلاً: (یساعد على هذا الأمر الاعتبار). وهذه الکلمة شایعة الاستعمال عند الفقهاء وما أحسب إلا أنهم یریدون هذا المعنى منها.
5ـ (البرهان) وهو کل اعتبار یستتبع المقصود بسرعة فهو غیر البرهان المصطلح علیه فی صناعة البرهان. فلا تغرنک کلمة البرهان فی بعض الکتب الجدلیة والخطابیة.
6ـ (الموضع) والمقصود به هنا کل مقدمة من شأنها أن تکون جزءا من التثبیت سواء کانت مقدمة بالفعل أو صالحة للمقدمیة. وهو غیر الموضع المصطلح علیه فی صناعة الجدل. ومعنى الموضع هناک یسمى (نوعاً) هنا وسیأتی فی الباب الثانی. ولا بأس بالبحث عن الضمیر والتمثیل اختصاراً هنا:
15. الضمیر:
للضمیر شأن خاص فی هذه الصناعة فإن على الخطیب أن یکون متمکناً من إخفاء کبراه فی أقیسته أو إهمالها. إن باقی الصناعات قد تحذف الکبرى فی أقیستها ولکن لا لحاجة وغرض خاص بل لمجرد الإیجاز عند وضوح الکبرى أما فی الخطابة فإن إخفاءها غالباً ما یضطر إلیه الخطیب بما هو خطیب لأحد أمور:
1ـ إخفاء عدم الصدق الکلی فیها مثل أن یقول: (فلان یکف غضبه عن الناس فهو محبوب) فإنه لو صرح بالکبرى وهی (کل من کف غضبه عن الناس هو محبوب لهم) ربما لا یجدها السامع صادقة صدقا کلیاً وقد یتنبه بسرعة إلى کذبها إذ قد یعرف شخصاً معیناً متمکناً من کف غضبه ومع ذلک لا یحبه الناس.
2ـ تجنب أن یکون بیانه منطقیاً وعلمیاً معقداً فلا یمیل إلیه الجمهور الذی من طبعه المیل إلى الصور الکلامیة الواضحة السریعة الخفیفة. والسر أن ذکر الکبرى یصبغه بصبغة الکلام المنطقی العلمی الذی ینصرف عن الإصغاء إلیه الجمهور. بل قد یثیر شکوکهم وعدم حسن ظنهم بالخطیب أو سخریتهم به.
3ـ تجنب التطویل فإن ذکر الکبرى غالباً یبدو مستغنیاً عنه والجمهور إذا أحس أن الخطیب یذکر ما لا حاجة إلى ذکره أو یأتی بالمکررات یسرع إلیه الملل والضجر والاستیحاش منه. وقد یؤثر فیه ذلک انفعالاً معکوساً فیثیر فی نفوسهم التهمة له فی صدق قوله. فلذلک ینبغی للخطیب دائماً تجنب زیادة الشرح والتکرار الممل فإنه یثیر التهمة فی نفوس المستمعین وشکوکهم فی قولهم وضجرهم منه.
وبعد هذا فلو اضطر الخطیب إلى ذکر الکبرى کما لو کان حذفها یوجب أن یکون خطابه غامضاً ـ فینبغی أن یوردها مهملة حتى لا یظهر کذبها لو کانت کاذبة وإلا یوردها بعبارة منطقیة جافة.
وصنعة الخطابة تعتمد کثیرا على المقدرة فی إیراد الضمیر أو إهمال الکبرى فمن الجمیل بالخطیب أن یراقب هذا فی خطابه. وهذا ما یحتاج إلى مران وصنعة وحذق والله تعالى قبل ذلک هو المسدد للصواب الملهم للمعرفة.
16. التمثیل:
سبق أن قلنا فی الفصل 14: أن الخطابة تعتمد على القیاس والتمثیل. وفی الحقیقة تعتمد على التمثیل أکثر نظراً إلى أنّه أقرب إلى أذهان العامة وأمکن فی نفوسهم. وهو فی الخطابة یقع على أنحاء ثلاثة:
1ـ أن یکون من أجل اشتراک الممثل به مع المطلوب فی معنى عام یظن أنه العلة للحکم فی الممثل به. وهذا النحو هو التمثیل المنطقی الذی تقدم الکلام فیه آخر الجزء الثانی.
2ـ أن یکون من أجل التشابه فی النسبة فیهما کما یقال مثلاً: کلما زاد تواضع المتعلم زادت معارفه بسرعة کالأرض کلما زاد انخفاضها انحدرت إلیها المیاه الکثیرة بسرعة.
وکل من هذین القسمین قد یکون الاشتراک والتشابه فی النسبة حقیقة وقد یکون بحسب الرأی الواقع کقوله تعالى:{مَثَلُ الَّذِینَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ یَحْمِلُوهَا کَمَثَلِ الْحِمَارِ یَحْمِلُ أَسْفَاراً} أو کقوله تعالى:
وقد یکون بحسب رأی یظهر ویلوح سداده لأول وهلة ویعلم عدم صحته بالتعقیب کقول عمر بن الخطاب یوم السقیفة: (هیهات لا یجتمع اثنان فی قرن).
والقرن بالتحریک الحبل الذی یقرن به البعیران قال ذلک رداً على قول بعض الأنصار: (منا أمیر ومنکم أمیر). بینما أن هذا القائل غرضه أن الإمارة مرة لنا ومرة لکم لا على أن یجتمع أمیران فی وقت واحد حتى یصبح تشبیهه باجتماع اثنین فی قرن.
على أنه أیة استحالة فی الممثل به وهو أن یجتمع بعیران فی حبل واحد یقرنان به لو أراد هذا القائل اجتماع أمیرین فی آن واحد فالاستحالة فی الممثل نفسه لا فی الممثل به.
3ـ أن یکون التمثیل بحسب الاشتراک بالاسم فقط وقد ینطلی هذا الأمر على غیر المتنبه المثقف. وهو مغالطة ولکن لا بأس بها فی الخطابة حیث تکون مقنعة وموجبة لظن المستمعین بصدقها.
مثاله أن یحبب الخطیب شخصاً ویمدحه لأنَّ شخصاً آخر محبوب ممدوح له هذا الاسم. أو یتشاءم من شخص ویذمه لأن آخر له اسمه معروف بالشر والمساوئ.
ویشبه أن یکون من هذا الباب قول الأرجانی:
یزداد دمعی على مقدار بعدهم * تزاید الشهب إثر الشمس فی الأفق
فحکم بتزاید الدموع على مقدار بعد الأحبة قیاساً على تزاید الشهب بمقدار تزاید بعد الشمس فی الأفق لاشتراک الدموع والشهب بالاسم إذ تسمى الدموع بالشهب مجازاً ولاشتراک الحبیب والشمس بالاسم إذ یسمى الحبیب شمساً مجازاً.
حوزوی کتب
المنطق حصہ سوم
*الباب السادس: الصناعات الخمس*
المقدمة فی مبادئ الأقیسة
الیقینیات
تمرینات
المظنونات
المشهورات
الوهمیات
المسلمات
المقبولات
المشبهات
المخیلات
أقسام الأقیسة بحسب المادة
فائدة الصناعات الخمس على الإجمال
الفصل الأول: صناعة البرهان
البرهان لمی و انی
اقسام البرهان الإنَّی
الطریق الأساس الفکری لتحصیل البرهان
البرهان اللمّی مطلق و غیر مطلق
معنى العلة فی البرهان اللمّی
توضیح فی أخذ العلل حدودا وسطى
شروط مقدمات البرهان
معنى الذاتی فی کتاب البرهان
معنى الأوّلی
الفصل الثانی: صناعة الجدل أو آداب المناظرة
المبحث الأول القواعد والأصول
المبحث الثانی المواضع
المبحث الثالث الوصایا
الفصل الثالث: صناعة الخطابة
المبحث الأول الأصول والقواعد
المبحث الثانی الأنواع
المبحث الثالث التوابع
الفصل الرابع: صناعة الشعر
الفصل الخامس: صناعة المغالطة
المبحث الأول المقدمات
المبحث الثانی أجزاء الصناعة الذاتیة
المبحث الثالث أجزاء الصناعة العرضیة
المنطق حصہ سوم
المبحث الأول الأصول والقواعد
1. وجه الحاجة إلى الخطابة:
کثیراً ما یحتاج المشرعون ودعاة المبادئ والسیاسیون ونحوهم الى إقناع الجماهیر فیما یریدون تحقیقه إذ تحقیق فکرتهم أو دعوتهم لا تتم إلا برضا الجمهور عنها وقناعتهم بها.
والجمهور لا یخضع للبرهان ولا یقنع به کما لا یخضع للطرق الجدلیة لأنَّ الجمهور تتحکم به العاطفة أکثر من التعقل والتبصر بل لیس له الصبر على التأمل والتفکیر ومحاکمة الأدلة والبراهین وإنما هو سطحی التفکیر فاقد للتمییز الدقیق. تؤثر فیه المغریات وتبهره العبارات البراقة وتقنعه الظواهر الخلاّبة. ولعدم صبره على التمییز الدقیق نجده إذا عرضت علیه فکرة لا یتمکن من التفکیک بین صحیحها وسقیمها فیقبلها کلها أو یرفضها کلها.
وعلیه فیحتاج من یرید التأثیر على الجماهیر فی إقناعهم أن یسلک مسلکاً آخر غیر مسلک البرهان والجدل المتقدمین فإن الذی یبدو أن الطرق العقلیة عاجزة عن التأثیر على عقائد الناس وتحویلها لعجزها عن التأثیر على عواطفهم المتحکمة فیهم.
بل لا یقتصر هذا الأمر على الجمهور بما هو جمهور فإن کلّ فرد من أفراد العامة إذا کان قلیل الثقافة والمعرفة هو أبعد ما یکون عن الإقتناع بالطرق البرهانیة أو الجدلیة بل أکثر الخاصة المثقفین ـ وإن ظنوا فی أنفسهم المعرفة وحریة الرأی ـ ینجذبون إلى الطرق المقنعة المؤثرة على العواطف وینخدعون بها. بل لا یستغنون عنها فی کثیر من آرائهم واعتقاداتهم بالرغم على قناعتهم بمعرفتهم وثقافتهم التی قد یتخیلون أنهم قد بلغوا بها الغایة.
فیجب أن تکون المخاطبة التی یتلقاها الجمهور والعامی وشبهه من نوع لا تکون مرتفعة ارتفاعاً بعیداً عن درجة مثله. ولذا قیل: (کلم الناس على قدر عقولهم).
ولم تبق لنا صناعة هذا الغرض غیر صناعة الخطابة فإن الأسلوب الخطابی أحسن شیء للتأثیر على الجمهور والعامی. وکلّ شخص استطاع أن یکون خطیباً بالمعنى المقصود من الخطابة فی هذا الفن فإنّه هو الذی یستطیع أن یستغل الجمهور والعوام ویأخذ بأیدیهم إلى الخیر أو الشر.
فهذا وجه حاجتنا ـ معاشر الناس ـ إلى صناعة الخطابة ولزم على من یرید قیادة الجمهور إلى الخیر أن یتعلم هذه الصناعة وهی عبارة عن معرفة طرق الإقناع.
فإن الخطابة أنجح من غیرها فی الإقناع کما أن الجدل فی الإلزام أنفع.
2. وظائف الخطابة وفوائدها:
مما تقدم نستطیع أن نعرف أن وظائف الخطابة هو الدفاع عن الرأی وتنویر الرأی العام فی أیّ أمر من الأمور والحض على الاقتناع بمبدأ من المبادئ والتحریض على اکتساب الفضائل والکمالات واجتناب الرذائل والسیئات وإثارة شعور العامة وإیقاظ الوجدان والضمیر فیهم. وبالاختصار وظیفتها إعداد النفوس لتقبل ما یرید الخطیب أن تقتنع به.
وبهذا نعرف أن فائدة الخطابة فائدة کبیرة بل هی ضرورة اجتماعیة فی حیاة الناس العامة. وهی ـ بعد ـ وظیفة شاقة إذ أنّها تعتمد ـ بالإضافة إلى معرفة هذه الصناعة ـ على مواهب الخطیب الشخصیة التی تصقل بالتمرین والتجارب ولا تکتسب بهذه الصناعة ولا بغیرها وإنما وظیفة هذه الصناعة توجیه تلک المواهب وإعداد ما یلزم لمعرفة طرق اکتساب ملکة الخطابة مع المران الطویل وکثرة التجارب. وسیأتی التنصیص على حاجة الخطابة إلى المواهب الشخصیة.
3. تعریف هذه الصناعة وبیان معنى الخطابة:
یمکن مما تقدم أن نتصید تعریف صناعة الخطابة على النحو الآتی حسبما هو معروف عند المنطقیین:
«إنها صناعة علمیة بسببها یمکن إقناع الجمهور فی الأمر الذی یتوقع حصول التصدیق به بقدر الإمکان».
هذا هو تعریف أصل هذه الصناعة التی غایتها حصول ملکة الخطابة التی بها یتمکن الشخص الخطیب من إقناع الجمهور. والمراد من القناعة هو التصدیق بالشیء مع الاعتقاد بعدم إمکان أن یکون له ما ینقض ذلک التصدیق أو مع الاعتقاد بإمکان ما ینقضه إلاّ أنَّ النفس تصیر بسبب الطرق المقنعة أمیل إلى التصدیق من خلافه. وهذا الأخیر هو المسمى عندهم (بالظن) على نحو ما تقدم فی هذا الجزء.
ثمّ أَنّه لیس المراد من لفظ (الخطابة) التی وضعت لها هذه الصناعة مجرد معنى الخطابة المفهوم من لفظها فی هذا العصر وهو أنْ یقف الشخص ویتکلم بما یسمع المجتمعین بأی أسلوب کان بل أسلوب البیان وأداء المقاصد بما یتکفل إقناع الجمهور هو الذی یقوم معنى الخطابة وإن کان بالکتابة أو المحاورة کما یحصل فی محاورة المرافعة عند القضاة والحکام.
وهذه الصناعة تتکفل ببیان هذا الأسلوب وکیف یتوصل إلى إقناع الناس بالکلام وما لهذا الأسلوب من مساعدات وأعوان من صعود على مرتفع ورفع صوت ونبرات خاصة وما إلى ذلک مما سیأتی شرحه.
4. أجزاء الخطابة:
الخطابة تشتمل على جزأین: العمود والأعوان.
أ ـ (العمود) ویقصدون بالعمود هنا مادة قضایا الخطابة التی تتألف منها الحجة الإقناعیة. وتسمى الحجّة الإقناعیة باصطلاح هذه الصناعة (التثبیت) على ما سیأتی. وبعبارة أخرى: العمود هو کل قول منتج لذاته للمطلوب إنتاجاً بحسب الإقناع. وإنما سمی عموداً فباعتبار أنّه قوام الخطابة وعلیه الاعتماد فی الإقناع.
ب ـ (الأعوان) ویقصدون بها الأقوال والأفعال والهیئات الخارجیة عن العمود المعینة له على الإقناع المساعدة له على التأثیر المهیئة للمستمعین على قبوله.
وکل من الأمرین (العمود والأعوان) یعد فی الحقیقة جزءاً مقوماً للخطابة لأنّ العمود وحده قد لا یؤدی تمام الغرض من الإقناع بل على الأکثر یفشل فی تحقیقه. والمقصود الأصلی من الخطابة هو الإقناع کما تقدم فکل ما هو مقتض له دخیل فی تحققه لابّد أنْ یکون فی الخطابة دخیلاً وإن کان من الأمور الخارجة عن مادة القضایا التی تتألف منه الحجّة (العمود).
و قولنا هنا: (مقتض للإقناع) نقصد به أعم مما یکون مقتضیا لنفس الإقناع أو مقتضیا للاستعداد له. والمقتضی لنفس الإقناع لیس العمود وحده ـ کما ربما یتخیل ـ بل شهادة الشاهد أیضاً تقتضیه مع أنّها من الأعوان.
وشهادة الشاهد على قسمین شهادة قول وشهادة حال. فهذه أربعة أقسام ینبغی البحث عنها: العمود والشهادة القولیة وشهادة الحال والمقتضی للاستعداد للإقناع.
ویمکن فتح البحث فیها بإسلوب آخر من التقسیم بأنْ تقول:
الخطابة تشتمل على عمود وأعوان. ثم الأعوان على قسمین إما بصناعة وحیلة وإما بغیر صناعة وحیلة. والأول وهو ما کان بصناعة وحیلة ویسمى (استدراجات) فعلى ثلاثة أقسام: استدراجات بحسب القائل أو بحسب القول أو بحسب المستمع. والثانی هو ما کان بغیر صناعة وحیلة یسمى (نصرة) و(شهادة). وهی ـ الشهادة ـ على قسمین شهادة قول وشهادة حال. فهذه ستة أقسام:
1ـ العمود.
2ـ استدراجات القائل.
3ـ استدراجات بحسب القول.
4ـ استدراجات بحسب المستمع.
5ـ شهادة القول.
6ـ شهادة الحال.
فهذه الستة هی ـ بالأخیر ـ تکون أجزاء الخطابة فینبغی البحث عنها واحدة واحدة.
5. العمود:
(العمود) ـ وقد تقدم معناه ـ یتألف من المظنونات أو المقبولات أو المشهورات أو المختلفة بینها. وقد سبق شرح هذه المعانی تفصیلاً فی مقدمة الصناعات الخمس فلا نعید.
واستعمال (المشهورات) فی الخطابة باعتبار ما لها من التأثیر على السامعین فی الإقناع. ولذا لا یعتبر فیها إلا أن تکون مشهورات ظاهریة وهی التی تحمد فی بادئ الرأی وإن لم تکن مشهورات حقیقیة. وبهذا تفترق الخطابة عن الجدل إذ الجدل لا یستعمل فیه إلا المشهورات الحقیقیة. وقد سبق ذلک فی الجدل.
وقلنا هناک: (إن الظاهریة تنفع فقط فی صناعة الخطابة) وإنما قلنا ذلک فلأن الخطابة غایتها الإقناع ویکتفى بما هو مشهور أو مقبول لدى المستمعین وإن کان مشهورا فی بادئ الرأی وتذهب شهرته بالتعقیب إذ لیس فیها رد وبدل ومناقشة وتعقیب على العکس من الجدل المبنی على المحاورة والمناقضة فلا ینبغی فیه استعمال المشهورات الظاهریة إذ یعطی بذلک مجال للخصم لنقضها وتعقیبها بالرد.
أما المظنونات والمقبولات فواضح اعتبارها فی عمود الخطابة.
6. الاستدراجات بحسب القائل:
وهی من أقسام ما یقتضی الاستعداد للإقناع وتکون بصناعة وحیلة. وذلک بأن یظهر الخطیب قبل الشروع فی الخطابة بمظهر مقبول القول عندهم. ویتحقق ذلک على نحوین:
1ـ أن یثبت فضیلة نفسه ـ إذا لم یکن معروفا لدى المستمعین ـ إما بتعریفه هو لنفسه أو بتعریف غیره یقدمه لهم بالثناء بأن یعرف نسبه وعلمه ومنزلته الاجتماعیة أو وظیفته إذا کان موظفاً أو نحو ذلک.
ولمعرفة شخصیة الخطیب الأثر البالغ ـ إذا کانت له شخصیة محترمة ـ فی سهولة انقیاد المستمعین إلیه والإصغاء له وقبول قوله فإن الناس تنظر إلى من قال لا إلى ما قیل وذلک اتباعا لطبیعة المحاکاة التی هی من غریزة الإنسان لا سیما فی محاکاته لمن یستطیع أن یسیطر على مشاعره وإعجابه.
ولا سیما فی المجتمعات العامة فإن غرائز الإنسان ـ وبالخصوص غریزة المحاکاة ـ تحیا فی حال الاجتماع أو تقوى.
2ـ أن یظهر بما یدعو إلى تقدیره واحترامه وتصدیقه والوثوق بقوله. وذلک یحصل بأمور:
(منها) لباسه وهندامه فاللازم على الخطیب أن یقدر المجتمعین ونفسیاتهم وما یقدر من مثله أن یظهر به فقد یقتضی أن یظهر بأفخر اللباس وبأحسن بزة تلیق بمثله وقد یقتضی أن یظهر بمظهر الزاهد الناسک. وهذا یختلف باختلاف الدعوة وباختلاف الحاضرین. وعلى کل حال ینبغی أن یکون الخطیب مقبول الهیئة عند الحاضرین حتى لا یثیر تهکمهم أو اشمئزازهم أو تحقیرهم له.
و(منها) ملامح وجهه وتقاطیع جبینه ونظرات عینیه وحرکات یدیه وبدنه فإن هذه أمور معبرة ومؤثرة فی السامعین إذا استطاع الخطیب أن یحسن التصرف بها حسبما یریده من البیان والإقناع. وبعبارة أصرح: ینبغی أن یکون ممثلاً فی مظهره فیبدو حزیناً فی موضع الحزن وقد یلزم له أن یبکی أو یتباکى ویبدو مسروراً مبتشاً فی موضع السرور ویبدو بمظهر الصالح الواثق من قوله المؤمن بدعوته فی موضع ذلک...وهکذا.
وکثیر من الواعظین یتأثر الناس بهم بمجرد النظر إلیهم قبل أن یتفوهوا وکم من خطیب فی مجالس ذکرى مصرع سید الشهداء ع یدفع الناس إلى البکاء والرقة بمجرد مشاهدة هیئته وسمته قبل أن یتکلم.
7. الاستدراجات بحسب القول:
وهی أیضاً من أقسام ما یقتضی الاستعداد للإقناع وتکون بصناعة وحیلة. وذلک بأن تکون لهجة کلامه مؤثرة مناسبة للغرض الذی یقصده إما برفع صوته أو بخفضه أو ترجیعه أو الاسترسال فیه بسرعة أو التأنِّی به أو تقطیعه. کل ذلک حسب ما تقتضیه الحال من التأثیر على المستمعین.
وحسن الصوت وحسن الإلقاء والتمکن من التصرف بنبرات الصوت وتغییره حسب الحاجة من أهم ما یتمیز به الخطیب الناجح. وذلک فی أصله موهبة ربانیة یختص بها بعض البشر من غیر کسب غیر أنها تقوى وتنمو بالتمرین والتعلم کجمیع المواهب الشخصیة. ولیس هناک قواعد عامة مدونة یمکن بها ضبط تغییرات الصوت ونبراته حسب الحاجة وإنما معرفة ذلک تتبع نباهة الخطیب فی اختیاره للتغیرات الصوتیة المناسبة التی یجدها بالتجربة والتمرین مؤثرة فی المستمعین.
ولأجل هذا یظهر لنا کیف یفشل بعض الخطباء لأنّه یحاول (المسکین) تقلید خطیب ناجح فی لهجته وإلقائه فیبدو نابیاً سخیفاً إذ یظهر بمظهر المتصنع الفاشل.
والسر أن هذا أمر یدرک بالغریزة والتجربة قبل أن یدرک بالتقلید للغیر.
8. الاستدراجات بحسب المخاطب:
وهی أیضاً من أقسام ما یقتضی الاستعداد للإقناع وتکون بصناعة من الخطیب. وذلک بأن یحاول استمالة المستمعین وجلب عواطفهم نحوه لیتمکن قوله فیهم ویتهیأوا للإصغاء إلیه: مثل أن یحدث فیهم انفعالاً نفسیاً مناسباً لغرضه کالرقة والرحمة أو القوة والغضب أو یضحکهم بنکتة عابرة لتنفتح نفوسهم للإقبال علیه. ومثل أن یشعرهم بأنهم یتخلقون بأخلاق فاضلة کالشجاعة والکرم أو الإنصاف والعدل أو إیثار الحق أو یتحلون بالوطنیة الصادقة والتضحیة فی سبیل بلادهم أو نحو ذلک ممّا یناسب غرضه. وهذا یکون بمدحهم والثناء علیهم أو بذکر سوابق محمودة لهم أو لآبائهم أو أسلافهم.
وإذا اضطر إلى التعریض بخصومه الحاضرین فیظهر بأنهم الأقلیة القلیلة فیهم أو یتظاهر بأنّه لا یعرف بأنهم موجودون فی الاجتماع أو أنّهم لا قیمة لهم ولا وزن عند الناس.
ولیس شیء أفسد للخطیب من التعریض بذم المستمعین أو تحقیرهم أو التهکم بهم أو إخجالهم فإنّ خطابه سیکون قلیل الأثر أو عدیمه أصلاً وإن کان یأتی بذلک بقصد إثارة الحمیة والغیرة فیهم لأن هذه الأمور ـ بالعکس ـ تثیر غضبهم علیه وکرهه والاشمئزاز من کلامه. ولإثارة الحمیة طرق أخرى غیر هذه.
وبعبارة أشمل وأدق إن التجاوب النفسی بین الخطیب والمستمعین شرط أساسی فی التأثر بکلامه فإذا ذمهم أو تهکم بهم بعَّدهم عنه وخسر هذا التجاوب النفسی. وهکذا لو أضجرهم بطول الکلام أو التکرار الممل أو التعقید فی العبارة أو ذکر ما لا نفع فیه لهم أو ما ألفوا استماعه.
و الخطیب الحاذق الناجح من یستطیع أن یمتزج بالمستمعین ویهیمن علیهم بأن یجعلهم یشعرون بأنه واحد منهم وشریکهم فی السراء والضراء وبأنه یعطف على منافعهم ویرعى مصالحهم وبأنه یحبهم ویحترمهم لا سیما الخطیب السیاسی والقائد فی الحرب.
9. شهادة القول:
وهی من أقسام (النصرة) التی لیست بصناعة وحیلة ومن أقسام ما یقتضی نفس الإقناع. وهی تحصل إما بقول من یقتدی به مع العلم بصدقه کالنبی والإمام أو مع الظن بصدقه کالحکیم والشاعر. وإما بقول الجماهیر أو الحاکم أو النظارة وذلک بتصدیقهم للخطیب أو تأییدهم له بهتاف أو تصفیق أو نحوها. وإما بوثائق ثابتة کالصکوک والمسجلات والآثار التاریخیة ونحوها.
وهذه الشهادة ـ على أنها من الأعوان ـ تفید بنفسها الإقناع. وقد تکون بنفسها عموداً لو صح أخذها مقدمة فی الحجّة الخطابیة وتکون حینئذ من قسم (المقبولات) التی قلنا أن الحجّة الخطابیة قد تتألف منها.
10. شهادة الحال:
وهی أیضاً من أقسام (النصرة) التی لیست بصناعة وحیلة ومن أقسام ما یقتضی نفس الإقناع. وهذه الشهادة تحصل إما بحسب نفس القائل أو بحسب القول.
1. ما هی بحسب القائل: إما لکونه مشهوراً بالفضیلة من الصدق والأمانة والمعرفة والتمییز أو معروفاً بما یثیر احترامه أو الإعجاب به أو التقدیر لما یقوله ویحکم به کأن یکون معروفاً بالبراعة الخطابیة أو الشجاعة النادرة أو بالثراء الکثیر أو بالحنکة السیاسیة أو صاحب منصب رفیع أو نحو ذلک. وقد قلنا أن لمعرفة الخطیب الأثر البالغ فی التأثیر على المستمعین فکیف إذا کان محبوباً أو موضع الإعجاب أو الثقة. وکلما کبرت سمعة الخطیب وتمکن حبه واحترامه من القلوب کان قوله أکثر قبولاً وأبعد أثراً.
وإما لکونه تظهر علیه إمارات الصدق ـ وإن لم یکن معروفاً بأنحاء المعرفة السابقة ـ مثل أن تطفح على وجهه أساریر السرور إذا بشر بخیر أو علامات الخوف والهلع إذا أنذر بشر أو هیئة الحزن إذا حدّث عما یحزن... وهکذا.
ولتقاطیع وجه الخطیب وملامحه ونبرات صوته الأثر الفعال فی شعور المستمعین بأن ما یقوله کان مؤمناً به أو غیر مؤمن به. والوجه الجامد القاحل من التعبیر لا یستجیب له المستمع. ولذا اشتهر أن الکلمة إذا خرجت من القلب دخلت فی القلب. وما هذا إلا لأنّ إیمان الخطیب بما یقول یظهر على ملامح وجهه ونبرات صوته رضی أم أبى فیدرک المستمع ذلک حینئذ بغریزته فیؤثر على شعوره بمقتضى طبیعة المحاکاة والتقلید.
2ـ ما هی بحسب القول: مثل الحلف على صدق القول والعهد أو التحدی کما تحدى نبینا الأکرم - صلى الله علیه وآله وسلم - قومه أن یأتوا بسورة أو آیة من مثل القرآن المجید وإذ عجزوا عن ذلک التجأوا إلى الاعتراف بصدقه. ومثل ما لو تحدى الصانع أو الطبیب أو نحوهما خصمه المشارک له فی صناعته بأن یأتی بمثل ما یعمل ویقول له: إن عجزت عن مثل عملی فاعترف بفضلی علیک واخضع لقولی.
11. الفرق بین الخطابة والجدل:
لما کان الجدل والخطابة یشترکان فی کثیر من الأشیاء استدعى ذلک التنبیه على جهات الافتراق بینهما لئلا یقع الخلط بینهما:
أما اشتراکهما ففی الموضوع فإن موضوع کل منهما عام غیر محدد بعلم ومسألة کما قلنا فی الجدل: أنه یقع فی جمیع المسائل الفلسفیة والدینیة والاجتماعیة وجمیع الفنون والمعارف. والخطابة کذلک وما یستثنى هناک یستثنى هنا. ویشترکان أیضا فی الغایة فإن غایة کل منهما الغلبة ویشترکان فی بعض مواد قضایاهما إذ تدخل المشهورات فیهما کما تقدم.
أما افتراقهما ففی هذه الأمور الثلاثة نفسها:
1ـ فی الموضوع فإن الخطابة یستثنى من عموم موضوعها المطالب العلمیة التی یطلب فیها الیقین فإن استعمال الأسلوب الخطابی فیها معیب مستهجن إذا کان المخاطب بها الخاصة وإن جاز استعمال الأسلوب الجدلی لإلزام الخصم وإفحامه أو لتعلیم المبتدئین. کما أنه ـ على العکس ـ لا یحسن من الخطیب أن یستعمل البراهین العلمیة والمسائل الدقیقة لغرض الإقناع.
2ـ فی الغایة فإن غایة الجدلی الغلبة بإلزام الخصم وإن لم تحصل له حالة القناعة. وغایة الخطابة الغلبة بالإقناع.
3ـ فی المواد فقد تقدم فی الکلام عن العمود بیان الفرق فیها إذ قلنا: أن الخطابة تستعمل فیها مطلق المشهورات الظاهریة وفی الجدل لا تستعمل إلا الحقیقیة.
وهناک فروق أخرى لا یهمنا التعرض لها. وسیأتی فی باب إعداد المنافرات التشابه بین الجدل والمنافرة بالخصوص والفرق بینهما کذلک.
12. أرکان الخطابة:
أرکان الخطابة المقومة لها ثلاثة: القائل (وهو الخطیب) والقول (وهو الخطاب). والمستمع.
ثم المستمع ثلاثة أشخاص على الأکثر: مخاطب وحاکم ونظارة وقد یکون مخاطباً فقط:
1ـ (المخاطب) وهو الموجه إلیه الخطاب وهو الجمهور أو من هو الخصم فی المفاوضة والمحاورة.
2ـ (الحاکم) وهو الذی یحکم للخطیب أو علیه إما لسلطة عامة له فی الحکم شرعیة أو مدنیة أو لسلطة خاصة برضا الطرفین إذ یحکمانه ویضعان ثقتهما به وإن لم تکن له سلطة عامة.
3ـ (النظارة) وهم المستمعون المتفرجون الذین لیس لهم شأن إلا تقویة الخطیب أو توهینه مثل أن یهتفوا له أو یصفقوا باستحسان ونحوه حسبما هو عادة شعبهم فی تأیید الخطباء ومثل أن یسکتوا فی موضع التأیید والاستحسان أو یظهروا توهینه بهتاف ونحوه وذلک إذا أرادوا توهینه. والنظارة عادة مألوفة عند بعض الأمم الغربیة فی المحاکمات ولهم تأثیر فی سیر المحاکمة وربما یسمونهم (العدول) أو (المعدلین).
ولیس وجود الحاکم والنظارة یلازم فی جمیع أصناف الخطابة بل فی خصوص المشاجرات کما سیأتی. 13. أصناف المخاطبات:
إن الغرض الأصلی لصاحب الصناعة الخطابیة ـ على الأغلب ـ إثبات فضیلة شیء ما أو رذیلته أو إثبات نفعه أو ضرره. ولکن لا أی شیء کان بل الشیء الذی له نفع أو ضرر للعموم بوجه من الوجوه على نحو له دخالة فی المخاطبین وعلاقة بهم.
وهذا الشیء لا یخلو عن حالات ثلاث:
1ـ أن یکون حاصلا فعلا فالخطابة فیه تسمى (منافرة).
2ـ أن یکون غیر حاصل فعلاً ولکنه حاصل فی الماضی فالخطابة فیه تسمى (مشاجرة).
3ـ أن یکون غیر حاصل فعلاً أیضاً ولکنه یحصل فی المستقبل فالخطابة فیه تسمى (مشاورة). وهی أهم الأصناف.
فالمفاوضات الخطابیة على ثلاثة أصناف.
1ـ (المنافرات) المتعلقة بالحاصل فعلا فإن قرر الخطیب فضیلته أو نفعه سمیت (مدحاً) وإن قرر ضد ذلک سمیت (ذماً).
2ـ (المشاجرات) وتسمى (الخصامیات) أیضاً وهی المتعلقة بالحاصل سابقاً. ولابد أن تکون الخطابة لأجل تقریر وصول فائدته ونفعه أو ما فیه من عدل وإنصاف إن کان نافعاً ولأجل تقریر وصول ضرورة أو ما فیه من ظلم وعدوان. فمن الجهة الأولى تسمى الخطابة (شکراً) إما أصالةً عن نفسه أو نیابةً عن غیره. وإنما سمیت کذلک لأن تقریر الخطیب یکون اعترافاً منه للمخاطبین بفضیلة ذلک الشیء فلا یقع فیه نزاع منهم. ومن الجهة الثانیة تسمى الخطابة (شکایة) إما عن نفسه أو عن غیره. والمدافع یسمى (معتذراً) والمعترف به (نادماً).
3ـ (المشاورات) المتعلقة بما یقع فی المستقبل. ولا محالة أن الخطابة حینئذ لا تکون من جهة وجوده أو عدمه فإن هذا لیس شأن هذه الصناعة. بل لابد أن تکون من جهة ما فیه من نفع وفائدة فینبغی أن یفعل فتکون الخطابة فیه ترغیباً وتشویقاً وإذناً فی فعله. أو من جهة ما فیه من ضرر وخسارة فینبغی ألا یفعل فتکون الخطابة فیه تحذیراً وتخویفاً ومنعاً من فعله.
فهذه الأنواع الثلاثة هی الأغراض الأصلیة التی تقع للخطیب وقد یتوصل إلى غرضه ببیان أمور تقع فی طریقه وتکون ممهدة للوصول إلیه ومعینة للإقناع وتسمى (التصدیرات) مثل أن یمدح شیئاً أو شخصاً فینتقل منه إلى المشاورة للتنظیر بما وقع أو لغیر ذلک.
والتشبیب الذی یستعمله الشعراء سابقاً فی صدر مدائحهم من هذا القبیل فإن الغرض الأصلی هو المدح والتشبیب تصدر به القصیدة للتوصل إلیه. وکثیراً ما لا یکون الشاعر عاشقاً وإنما یتشبه به اتباعاً لعادة الشعراء.
وفی هذا العصر یمهد خطباء المنبر الحسینی أمام مقصودهم من ذکر فاجعة الطف ببیان أمور تاریخیة أو أخلاقیة أو دینیة من موعظة ونحوها. وما ذاک إلا لجلب انتباه السامعین أو لإثارة شعورهم وانفعالاتهم مقدمة للغرض الأصلی من ذکر الفاجعة.
14. صور تألیف الخطابة ومصطلحاته:
قد قلنا فی الجدل: أن المعول فی تألیف صوره غالباً على القیاس والاستقراء وفی الخطابة أکثر ما یعول على القیاس والتمثیل وإن استعمل الاستقراء أحیاناً.
ولا یجب فی القیاس وغیره عند استعماله هنا أن یکون یقینیاً من ناحیة تألیفه أی لا یجب أن یکون حافظاً لجمیع شرائط الإنتاج بل یکفی أن یکون تألیفه منتجاً بحسب الظن الغالب وإن لم یکن منتجاً دائماً کما لو تألف القیاس مثلاً على نحو الشکل الثانی من موجبتین کما یقال: فلان یمشی متأنیاً فهو مریض فحذفت کبراه الموجبة وهی (کل مریض یمشی متأنیاً) مع أن الشکل الثانی من شروطه اختلاف المقدمتین بالکیف.
وکذلک قد یستعمل التمثیل فی الخطابة خالیاً من جامع حیث یفید الظن بأن هناک جامعاً مثل أن یقال: مر بالأمس من هناک رجل مسرع وکان هارباً والیوم یمر مسرع آخر من هنا فهو هارب.
وکذلک یستعمل الاستقراء فیها بدون استقصاء لجمیع الجزئیات مثل أن یقال: الظالمون قصیرو الأعمار لأن فلان الظالم وفلان وفلان قصیرو الأعمار فیعد جزئیات کثیرة یظن معها إلحاق القلیل بالأعم الأغلب.
وبحسب تألیف صور الخطابة مصطلحات ینبغی بیانها فنقول:
1ـ (التثبیت) والمقصود به کل قول یقع حجة فی الخطابة ویمکن فیه أن یوقع التصدیق بنفس المطلوب بحسب الظن سواء کان قیاساً أو تمثیلاً.
2ـ (الضمیر) والمقصود به التثبیت إذا کان قیاساً. والضمیر باصطلاح المناطقة فی باب القیاس کل قیاس حذفت منه کبراه. ولما کان اللائق فی الخطابة أن تحذف من قیاسها کبراه للاختصار من جهة ولإخفاء کذب الکبرى من جهة أخرى سموا کل قیاس هنا (ضمیراً) لأنّه دائماً أو غالباً تحذف کبراه.
3ـ (التفکیر) وهو الضمیر نفسه ویسمى (تفکیراً) باعتبار اشتماله على الحد الأوسط الذی یقتضیه الفکر.
4ـ (الاعتبار) ویقصدون به التثبیت إذا کان تمثیلاً فیقولون مثلاً: (یساعد على هذا الأمر الاعتبار). وهذه الکلمة شایعة الاستعمال عند الفقهاء وما أحسب إلا أنهم یریدون هذا المعنى منها.
5ـ (البرهان) وهو کل اعتبار یستتبع المقصود بسرعة فهو غیر البرهان المصطلح علیه فی صناعة البرهان. فلا تغرنک کلمة البرهان فی بعض الکتب الجدلیة والخطابیة.
6ـ (الموضع) والمقصود به هنا کل مقدمة من شأنها أن تکون جزءا من التثبیت سواء کانت مقدمة بالفعل أو صالحة للمقدمیة. وهو غیر الموضع المصطلح علیه فی صناعة الجدل. ومعنى الموضع هناک یسمى (نوعاً) هنا وسیأتی فی الباب الثانی. ولا بأس بالبحث عن الضمیر والتمثیل اختصاراً هنا:
15. الضمیر:
للضمیر شأن خاص فی هذه الصناعة فإن على الخطیب أن یکون متمکناً من إخفاء کبراه فی أقیسته أو إهمالها. إن باقی الصناعات قد تحذف الکبرى فی أقیستها ولکن لا لحاجة وغرض خاص بل لمجرد الإیجاز عند وضوح الکبرى أما فی الخطابة فإن إخفاءها غالباً ما یضطر إلیه الخطیب بما هو خطیب لأحد أمور: 1ـ إخفاء عدم الصدق الکلی فیها مثل أن یقول: (فلان یکف غضبه عن الناس فهو محبوب) فإنه لو صرح بالکبرى وهی (کل من کف غضبه عن الناس هو محبوب لهم) ربما لا یجدها السامع صادقة صدقا کلیاً وقد یتنبه بسرعة إلى کذبها إذ قد یعرف شخصاً معیناً متمکناً من کف غضبه ومع ذلک لا یحبه الناس.
2ـ تجنب أن یکون بیانه منطقیاً وعلمیاً معقداً فلا یمیل إلیه الجمهور الذی من طبعه المیل إلى الصور الکلامیة الواضحة السریعة الخفیفة. والسر أن ذکر الکبرى یصبغه بصبغة الکلام المنطقی العلمی الذی ینصرف عن الإصغاء إلیه الجمهور. بل قد یثیر شکوکهم وعدم حسن ظنهم بالخطیب أو سخریتهم به.
3ـ تجنب التطویل فإن ذکر الکبرى غالباً یبدو مستغنیاً عنه والجمهور إذا أحس أن الخطیب یذکر ما لا حاجة إلى ذکره أو یأتی بالمکررات یسرع إلیه الملل والضجر والاستیحاش منه. وقد یؤثر فیه ذلک انفعالاً معکوساً فیثیر فی نفوسهم التهمة له فی صدق قوله. فلذلک ینبغی للخطیب دائماً تجنب زیادة الشرح والتکرار الممل فإنه یثیر التهمة فی نفوس المستمعین وشکوکهم فی قولهم وضجرهم منه.
وبعد هذا فلو اضطر الخطیب إلى ذکر الکبرى کما لو کان حذفها یوجب أن یکون خطابه غامضاً ـ فینبغی أن یوردها مهملة حتى لا یظهر کذبها لو کانت کاذبة وإلا یوردها بعبارة منطقیة جافة.
وصنعة الخطابة تعتمد کثیرا على المقدرة فی إیراد الضمیر أو إهمال الکبرى فمن الجمیل بالخطیب أن یراقب هذا فی خطابه. وهذا ما یحتاج إلى مران وصنعة وحذق والله تعالى قبل ذلک هو المسدد للصواب الملهم للمعرفة.
16. التمثیل:
سبق أن قلنا فی الفصل 14: أن الخطابة تعتمد على القیاس والتمثیل. وفی الحقیقة تعتمد على التمثیل أکثر نظراً إلى أنّه أقرب إلى أذهان العامة وأمکن فی نفوسهم. وهو فی الخطابة یقع على أنحاء ثلاثة:
1ـ أن یکون من أجل اشتراک الممثل به مع المطلوب فی معنى عام یظن أنه العلة للحکم فی الممثل به. وهذا النحو هو التمثیل المنطقی الذی تقدم الکلام فیه آخر الجزء الثانی.
2ـ أن یکون من أجل التشابه فی النسبة فیهما کما یقال مثلاً: کلما زاد تواضع المتعلم زادت معارفه بسرعة کالأرض کلما زاد انخفاضها انحدرت إلیها المیاه الکثیرة بسرعة.
وکل من هذین القسمین قد یکون الاشتراک والتشابه فی النسبة حقیقة وقد یکون بحسب الرأی الواقع کقوله تعالى:{مَثَلُ الَّذِینَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ یَحْمِلُوهَا کَمَثَلِ الْحِمَارِ یَحْمِلُ أَسْفَاراً} أو کقوله تعالى:
{مَّثَلُ الَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللّهِ کَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِی کُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ...}.
وقد یکون بحسب رأی یظهر ویلوح سداده لأول وهلة ویعلم عدم صحته بالتعقیب کقول عمر بن الخطاب یوم السقیفة: (هیهات لا یجتمع اثنان فی قرن).
والقرن بالتحریک الحبل الذی یقرن به البعیران قال ذلک رداً على قول بعض الأنصار: (منا أمیر ومنکم أمیر). بینما أن هذا القائل غرضه أن الإمارة مرة لنا ومرة لکم لا على أن یجتمع أمیران فی وقت واحد حتى یصبح تشبیهه باجتماع اثنین فی قرن.
على أنه أیة استحالة فی الممثل به وهو أن یجتمع بعیران فی حبل واحد یقرنان به لو أراد هذا القائل اجتماع أمیرین فی آن واحد فالاستحالة فی الممثل نفسه لا فی الممثل به.
3ـ أن یکون التمثیل بحسب الاشتراک بالاسم فقط وقد ینطلی هذا الأمر على غیر المتنبه المثقف. وهو مغالطة ولکن لا بأس بها فی الخطابة حیث تکون مقنعة وموجبة لظن المستمعین بصدقها.
مثاله أن یحبب الخطیب شخصاً ویمدحه لأنَّ شخصاً آخر محبوب ممدوح له هذا الاسم. أو یتشاءم من شخص ویذمه لأن آخر له اسمه معروف بالشر والمساوئ.
ویشبه أن یکون من هذا الباب قول الأرجانی:
یزداد دمعی على مقدار بعدهم * تزاید الشهب إثر الشمس فی الأفق فحکم بتزاید الدموع على مقدار بعد الأحبة قیاساً على تزاید الشهب بمقدار تزاید بعد الشمس فی الأفق لاشتراک الدموع والشهب بالاسم إذ تسمى الدموع بالشهب مجازاً ولاشتراک الحبیب والشمس بالاسم إذ یسمى الحبیب شمساً مجازاً.
***
مقبول
طہارۃ، استعمال طہور مشروط بالنیت
المدخل۔۔۔
الزکاۃ،کتاب الزکاۃ وفصولہ اربعۃ۔۔۔
مقدمہ و تعریف :الامرلاول تعریف علم الاصول۔۔۔
الطہارۃ و مختصر حالات زندگانی
الفصل السابع :نسخ الوجوب۔۔
الفصل الثالث؛ تقسیم القطع الی طریقی ...
مقالات
دینی مدارس کی قابل تقلید خوبیاں
ایک اچھے مدرس کے اوصاف
اسلام میں استاد کا مقام و مرتبہ
طالب علم کے لئے کامیابی کے زریں اصول