حضرت محمد مصطفیٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نے فرمایا: ہر نیکی کے اوپر ایک نیکی ہوتی ہے، یہاں تک کہ انسان راہِ خدا میں شہید ہوجائے کہ اس سے بالاتر کوئی اور نیکی نہیں ہوتی۔ بحارالانوار کتاب العشرۃ باب2حدیث25

المقصد الأول في القطع‏
و ينبغي التنبيه على أمور
الثاني [هل القطع الحاصل من المقدمات العقلية حجة]
الثالث قد اشتهر في السنة المعاصرين أن قطع القطاع لا اعتبار به‏
المقام الثاني و هو كفاية العلم الإجمالي في الامتثال‏
أما المقام الأول و هو كفاية العلم الإجمالي في تنجز التكليف و اعتباره كالتفصيلي‏
المقصد الثاني في الظن‏
المقام الثاني في وقوع التعبد بالظن في الأحكام الشرعية
الظنون المعتبرة
و ينبغي التنبيه على أمور
و أما القسم الثاني و هو الظن الذي يعمل لتشخيص الظواهر
و من جملة الظنون الخارجة عن الأصل الإجماع المنقول بخبر الواحد
و من جملة الظنون التي توهم حجيتها بالخصوص الشهرة في الفتوى‏
و من جملة الظنون ا...خبر الواحد في الجملة
أما حجة المانعين فالأدلة الثلاثة
و أما المجوزون فقد استدلوا على حجيته بالأدلة الأربعة
و أما السنة ف طوائف من الأخبار
و أما الإجماع فتقريره من وجوه‏
الرابع دليل العقل‏
الثاني حجية مطلق الظن‏
المقدمة الثالثة
المقدمة الرابعة
و ينبغي التنبيه على أمور
الأمر الثاني نتيجة دليل الانسداد قضية مهملة أو كلية
المقام الثاني في أنه على أحد التقريرين السابقين
ثم إن الإشكال هنا في مقامين‏
الأمر الثالث لا فرق بين الظن من أمارة على حكم و أمارة متعلقة بألفاظ الدليل‏
الأمر الرابع الثابت بالمقدمات هو الاكتفاء بالظن في الخروج عن عهدة الأحكام‏
الأمر الخامس في اعتبار الظن في أصول الدين‏
الأمر السادس إذا بنينا على عدم حجية ظن فهل يترتب عليه آثار أخر غيرها

رسائل حصہ اول

الأمر السادس إذا بنينا على عدم حجية ظن فهل يترتب عليه آثار أخر غيرها

إذا بنينا على عدم حجية ظن أو على عدم حجية الظن المطلق فهل يترتب عليه آثار أخر غير الحجية بالاستقلال مثل كونه جابرا لضعف سند أو قصور دلالة أو كونه موهنا لحجة أخرى أو كونه مرجحا لأحد المتعارضين على الآخر و مجمل القول في ذلك أنه كما يكون الأصل في الظن عدم الحجية كذلك الأصل فيه عدم ترتب الآثار المذكورة من الجبر و الوهن و الترجيح.

و أما تفصيل الكلام في ذلك فيقع في مقامات ثلاثة

المقام الأول الجبر بالظن الغير المعتبر

فنقول عدم اعتباره إما أن يكون من جهة ورود النهي عنه بالخصوص كالقياس و نحوه و إما من جهة دخوله تحت عمومات أصالة حرمة العمل بالظن.

و أما الأول فلا ينبغي التأمل في عدم كونه مفيدا للجبر لعموم ما دل على عدم جواز الاعتناء به و استعماله في الدين.

و أما الثاني فالأصل فيه و إن كان ذلك إلا أن الظاهر أنه إذا كان المجبور محتاجا إليه من جهة إفادته للظن بالمضمون كالخبر إذا قلنا بكونه حجة بالخصوص لوصف كونه مظنون الصدور فأفاد تلك الأمارة الغير المعتبرة الظن بصدور ذلك الخبر انجبر قصور سنده به إلا أن يدعى أن الظاهر اشتراط حجية ذلك الخبر بإفادته للظن بالصدور لا مجرد كونه مظنون الصدور و لو حصل الظن‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 291

بصدوره من غير سنده و بالجملة فالمتبع هو ما يفهم من دليل حجية المجبور.

و من هنا لا ينبغي التأمل في عدم انجبار قصور الدلالة بالظن المطلق لأن المعتبر في باب الدلالات هو ظهور الألفاظ نوعا في مدلولاتها لا مجرد الظن بمطابقة مدلولها للواقع و لو من الخارج.

فالكلام إن كان ظاهرا في معنى بنفسه أو بالقرائن الداخلة فهو و إلا بأن كان مجملا أو كان دلالته في الأصل ضعيفة كدلالة الكلام بمفهومه الوصفي فلا يجدي الظن بمراد الشارع من أمارة خارجية غير معتبرة بالفرض إذ التعويل حينئذ على ذلك الظن من غير مدخلية للكلام بل ربما لا تكون تلك الأمارة موجبة للظن بمراد الشارع من هذا الكلام غايته إفادته للظن بالحكم الفرعي و لا ملازمة بينه و بين الظن بإرادته من اللفظ فقد لا يريده بذلك اللفظ نعم قد يعلم من الخارج كون المراد هو الحكم الواقعي فالظن به يستلزم الظن بالمراد لكن هذا من باب الاتفاق.

و مما ذكرنا ظهر أن ما اشتهر من أن ضعف الدلالة منجبر بعمل الأصحاب غير معلوم المستند بل و كذلك دعوى انجبار قصور الدلالة بفهم الأصحاب لم يعلم لها بينة.

و الفرق أن فهم الأصحاب و تمسكهم به كاشف ظني عن قرينة على المراد بخلاف عمل الأصحاب فإن غايته الكشف عن الحكم الواقعي الذي قد عرفت أنه لا يستلزم كونه مرادا من ذلك اللفظ كما عرفت.

بقي الكلام في مستند المشهور في كون الشهرة في الفتوى جابرة لضعف سند الخبر فإنه إن كان من جهة إفادتها الظن بصدق الخبر ففيه مع أنه قد لا يوجب الظن بصدور ذلك الخبر نعم يوجب الظن بصدور حكم عن الشارع مطابق لمضمون الخبر أن جلهم لا يقولون بحجية الخبر المظنون الصدور مطلقا فإن المحكي عن المشهور اعتبار الإيمان في الراوي مع أنه لا يرتاب في إفادة الموثق للظن.

فإن قيل إن ذلك لخروج خبر غير الإمامي بالدليل الخاص مثل منطوق آية النبإ و مثل (قوله عليه السلام: لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا).

قلنا إن كان ما خرج بحكم الآية و الرواية مختصا بما لا يفيد الظن فلا يشمل الموثق و إن كان عاما لما ظن بصدوره كان خبر غير الإمامي المنجبر بالشهرة و الموثق متساويين في الدخول تحت الدليل المخرج و مثل الموثق خبر الفاسق المتحرز عن الكذب و الخبر المعتضد بالأولوية و الاستقراء

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 292

و سائر الأمارات الظنية مع أن المشهور لا يقولون بذلك و إن كان لقيام دليل خاص عليه ففيه المنع من وجود هذا الدليل.

و بالجملة فالفرق بين الضعيف المنجبر بالشهرة و المنجبر بغيرها من الأمارات و بين الخبر الموثق المفيد لمثل الظن الحاصل من الضعيف المنجبر في غاية الإشكال خصوصا مع عدم العلم باستناد المشهور إلى تلك الرواية.

(و إليه أشار شيخنا في موضع من المسالك بأن جبر الضعيف بالشهرة ضعيف مجبور بالشهرة).

و ربما يدعى كون الخبر الضعيف المنجبر من الظنون الخاصة حيث ادعي الإجماع على حجيته و لم يثبت. و أشكل من ذلك دعوى دلالة منطوق آية النبإ عليه بناء على أن التبين يعم الظن الحاصل من ذهاب المشهور إلى مضمون الخبر و هو بعيد إذ لو أريد مطلق الظن فلا يخفى بعده لأن المنهي عنه ليس إلا خبر الفاسق المفيد للظن إذ لا يعمل أحد بالخبر المشكوك صدقه و إن أريد البالغ حد الاطمئنان فله وجه غير أنه يقتضي دخول سائر الظنون الجابرة إذا بلغت و لو بضميمة المجبور حد الاطمئنان و لا يختص بالشهرة فالآية تدل على حجية الخبر المفيد للوثوق و الاطمئنان و لا بعد فيه.

و قد مر في أدلة حجية الأخبار ما يؤيده أو يدل عليه من حكايات الإجماع و الأخبار.

و أبعد من الكل دعوى استفادة حجيته مما دل من الأخبار كمقبولة ابن حنظلة و المرفوعة إلى زرارة على الأمر بالأخذ بما اشتهر بين الأصحاب من المتعارضين فإن ترجيحه على غيره في مقام التعارض يوجب حجيته في مقام عدم المعارض بالإجماع و الأولوية.

و توضيح فساد ذلك أن الظاهر من الروايتين شهرة الخبر من حيث الرواية كما يدل عليه قول السائل فيما بعد ذلك فإنهما معا مشهوران مع أن ذكر الشهرة من المرجحات يدل على كون الخبرين في أنفسهما معتبرين مع قطع النظر عن الشهرة

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 293

المقام الثاني في كون الظن الغير المعتبر موهنا

و الكلام هنا أيضا يقع تارة فيما علم بعدم اعتباره و أخرى فيما لم يثبت اعتباره.

و تفصيل الكلام في الأول أن المقابل له إن كان من الأمور المعتبرة لأجل إفادة الظن النوعي أي لكون نوعه لو خلي و طبعه مفيدا للظن و إن لم يكن مفيدا له في المقام الخاص فلا إشكال في عدم وهنه بمقابلة ما علم عدم اعتباره كالقياس في مقابل الخبر الصحيح بناء على كونه من الظنون الخاصة على هذا الوجه. و من هذا القبيل القياس في مقابلة الظواهر اللفظية فإنه لا عبرة به أصلا بناء على كون اعتبارها من باب الظن النوعي و لو كان من باب التعبد فالأمر أوضح نعم لو كان حجيته سواء كان من باب الظن النوعي أو كان من باب التعبد مقيدة بصورة عدم الظن على خلافه كان للتوقف مجال.

و لعله الوجه فيما حكاه لي بعض المعاصرين عن شيخه أنه ذكر له مشافهة أنه يتوقف في الظواهر المعارضة بمطلق الظن على الخلاف حتى القياس و أشباهه.

لكن هذا القول أعني تقييد حجية الظواهر بصورة عدم الظن على خلافها بعيد في الغاية.

و بالجملة فيكفي في المطلب ما دل على عدم جواز الاعتناء بالقياس مضافا إلى استمرار سيرة الأصحاب على ذلك.

مع أنه يمكن أن يقال إن مقتضى النهي عن القياس معللا بما حاصله غلبة مخالفته للواقع يقتضي أن لا يترتب شرعا على القياس أثر لا من حيث تأثيره في الكشف و لا من حيث قدحه فيما هو كاشف بالذات فحكمه حكم عدمه فكان مضمونه مشكوك لا مظنون بل مقتضى ظاهر التعليل أنه كالموهوم فكما أنه لا ينجبر به ضعيف لا يضعف به قوي.

و يؤيد ما ذكرنا الرواية المتقدمة عن أبان الدالة على ردع الإمام له في رد الخبر الوارد في تنصيف دية أصابع المرأة بمجرد مخالفته للقياس فراجع و هذا حسن.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 294

لكن الأحسن منه تخصيص ذلك بما كان اعتباره من قبل الشارع كما لو دل الشرع على حجية الخبر ما لم يكن ظن على خلافه فإن نفي الأثر شرعا من الظن القياسي يوجب بقاء اعتبار تلك الأمارة على حاله. و أما ما كان اعتباره من باب بناء العرف و كان مرجع حجيته شرعا إلى تقرير ذلك البناء كظواهر الألفاظ فإن وجود القياس إن كان يمنع عن بنائهم فلا يرتفع ذلك بما ورد من قصور القياس عن الدلالة على الواقع فتأثير الظن بالخلاف في القدح في حجية الظواهر ليس مثل تأثيره في القدح في حجية الخبر المظنون الخلاف في كونه مجعولا شرعيا يرتفع بحكم الشارع بنفي الأثر عن القياس لأن المنفي في حكم الشارع من آثار الشي‏ء الموجود حسا هي الآثار المجعولة دون غيرها.

نعم يمكن أن يقال إن العرف بعد تبين حال القياس لهم من قبل الشارع لا يعبئون به في مقام استنباط أحكام الشارع من خطاباته فيكون النهي عن القياس ردعا لبنائهم على تعطيل الظواهر لأجل مخالفتها للقياس.

و مما ذكرنا يعلم حال القياس في مقابل الدليل الثابت حجيته بشرط الظن كما لو جعلنا الحجة من الأخبار المظنون الصدور منها أو الموثوق به منها فإن في وهنهما بالقياس الوجهين من حيث رفعه للقيد المأخوذ في حجيتهما على وجه الشرطية فمرجعه إلى فقدان شرط وجداني أعني وصف الظن بسبب القياس و نفي الآثار الشرعية للظن القياسي لا يجدي لأن الأثر المذكور أعني رفع الظن ليس من الأمور المجعولة و من أن أصل اشتراط الظن من الشارع فإذا علمنا من الشارع أن الخبر المزاحم بالظن القياسي لا ينقص أصلا من حيث الإيصال إلى الواقع و عدمه من الخبر السليم عن مزاحمته و أن وجود القياس و عدمه في نظره سيان فلا إشكال في الحكم بكون الخبرين المذكورين عنده على حد سواء.

و من هنا يمكن جريان التفصيل السابق بأنه إن كان الدليل المذكور المقيد اعتباره بالظن مما دل الشرع على اعتباره لم يزاحمه القياس الذي دل الشرع على كونه كالعدم من جميع الجهات التي لها مدخل في الوصول إلى دين الله و إن كان مما دل على اعتباره العقل الحاكم بتعيين الأخذ بالراجح عند انسداد باب العلم و الطرق الشرعية فلا وجه لاعتباره مع مزاحمة القياس الرافع لما هو مناط حجيته أعني الظن فإن غاية الأمر صيرورة مورد اجتماع تلك الأمارة و القياس مشكوكا فلا يحكم العقل فيه بشي‏ء إلا أن يدعي المدعي أن العقل بعد تبين حال القياس لا يسقط عنده الأمارة المزاحمة به عن القوة التي تكون لها على تقدير عدم المزاحم و إن كان لا يعبر عن تلك القوة حينئذ بالظن و عن مقابلها بالوهم.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 295

و الحاصل أن العقلاء إذا وجدوا في شهرة خاصة أو إجماع منقول مقدارا من القوة و القرب إلى الواقع و التجئوا إلى العمل على طبقهما مع فقد العلم و علموا حال القياس ببيان الشارع أنه لا عبرة بما يفيده من الظن و لا يرضى الشارع بدخله في دين الله لم يفرقوا بين كون الشهرة و الإجماع المذكورين مزاحمين بالقياس أم لا لأنه لا ينقصهما عما هما عليه من القوة و المزية المسماة بالظن الشأني و النوعي و الطبعي.

و مما ذكرنا صح للقائلين بمطلق الظن لأجل الانسداد إلا ما خرج أن يقولوا بحجية الظن الشأني بمعنى أن الظن الشخصي إذا ارتفع عن الأمارات المشمولة لدليل الانسداد بسبب الأمارات الخارجة عنه لم يقدح ذلك في حجيتها بل يجب القول بذلك على رأي بعضهم ممن يجري دليل الانسداد في كل مسألة مسألة لأنه إذا فرض في مسألة وجود أمارة مزاحمة بالقياس فلا وجه للأخذ بخلاف تلك الأمارة فافهم.

هذا كله مع استمرار السيرة على عدم ملاحظة القياس في مورد من الموارد الفقهية و عدم الاعتناء به في الكتب الأصولية فلو كان له أثر شرعي و لو في الوهن لوجب التعرض لأحكامه في الأصول و البحث و التفتيش عن وجوده في كل مورد من موارد الفروع لأن الفحص عن الموهن كالفحص عن المعارض واجب و قد تركه أصحابنا في الأصول و الفروع بل تركوا روايات من اعتنى به منهم و إن كان من المؤسسين لتقرير الأصول و تحرير الفروع كالإسكافي الذي نسب إليه أن تدوين أصول الفقه من الإمامية منه و من العماني يعني ابن عقيل قدس سرهما و في كلام آخر أن تحرير الفتاوى في الكتب المستقلة منهما أيضا جزاهما الله و جميع من سبقهما و لحقهما خير الجزاء.

ثم إنك تقدر بملاحظة ما ذكرنا في التفصي عن إشكال خروج القياس عن عموم دليل الانسداد من الوجوه على التكلم فيما سطرنا هاهنا نقضا و إبراما.

هذا تمام الكلام في وهن الأمارة المعتبرة بالظن المنهي عنه بالخصوص كالقياس و شبهه.

و أما الظن الذي لم يثبت إلغاؤه إلا من جهة بقائه تحت أصالة حرمة العمل بالظن فلا إشكال في وهنه لما كان من الأمارات اعتبارها مشروطا بعدم الظن بالخلاف فضلا عما كان اعتباره مشروطا بإفادة الظن و السر فيه انتفاء الشرط كما أنه لا إشكال في عدم الوهنية إذا كان اعتبارها من باب الظن النوعي.

و توهم جريان ما ذكرنا في القياس هنا من جهة أن النهي يدل على عدم كونه مؤثرا أصلا فوجوده كعدمه من جميع الجهات مدفوع‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 296

المقام الثالث في الترجيح بالظن الغير المعتبر

و قد عرفت أنه على قسمين أحدهما ما ورد النهي عنه بالخصوص كالقياس و شبهه و الآخر ما لم يعتبر لأجل عدم الدليل و بقائه تحت أصالة الحرمة.

القسم الأول و هو الظن الذي ورد النهي عنه بالخصوص‏

أما الأول فالظاهر من أصحابنا عدم الترجيح به (نعم يظهر من المعارج وجود القول به بين أصحابنا حيث قال في باب القياس ذهب ذاهب إلى أن الخبرين إذا تعارضا و كان القياس موافقا لما تضمنه أحدهما كان ذلك وجها يقتضي ترجيح ذلك الخبر على معارضه و يمكن أن يحتج لذلك بأن الحق في أحد الخبرين فلا يمكن العمل بهما و لا طرحهما فتعين العمل بأحدهما و إذا كان التقدير تقدير التعارض فلا بد في العمل بأحدهما من مرجح و القياس يصلح أن يكون مرجحا لحصول الظن به فتعين العمل بما طابقه.

لا يقال أجمعنا على أن القياس مطروح في الشريعة.

لأنا نقول بمعنى أنه ليس بدليل على الحكم لا بمعنى أنه لا يكون مرجحا لأحد الخبرين على الآخر و هذا لأن فائدة كونه مرجحا كونه رافعا للعمل بالخبر المرجوح فيعود الراجح كالخبر السليم عن المعارض فيكون العمل به لا بذلك القياس و فيه نظر انتهى).

و مال إلى ذلك بعض سادة مشايخنا المعاصرين قدست أسرارهم بعض الميل و الحق خلافه لأن رفع الخبر المرجوح بالقياس عمل به حقيقة فإنه لو لا القياس كان العمل به جائزا و المقصود تحريم العمل به لأجل القياس و أي عمل أعظم من هذا و الفرق بين المرجح‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 297

و الدليل ليس إلا أن الدليل مقتض لتعين العمل به و المرجح رافع للمزاحم عنه فلكل منهما مدخل في العلة التامة لتعين العمل به فإذا كان استعمال القياس محظورا و أنه لا يعبأ به في الشرعيات كان وجوده كعدمه غير مؤثر مع أن مقتضى الاستناد في الترجيح به إلى إفادته للظن كونه من قبيل الجزء لمقتضى تعين العمل لا من قبيل دفع المزاحم فيشترك مع الدليل المنضم إليه في الاقتضاء.

هذا كله على مذهب غير القائلين بمطلق الظن و أما على مذهبهم فيكون القياس تمام المقتضي بناء على كون الحجة عندهم الظن الفعلي لأن الخبر المنضم إليه ليس له مدخل في حصول الظن الفعلي بمضمونه نعم قد يكون الظن مستندا إليهما فيصير من قبيل جزء المقتضي.

و يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه استمرار سيرة أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم في الاستنباط على هجره و ترك الاعتناء بما حصل لهم من الظن القياسي أحيانا فضلا عن أن يتوقفوا في التخيير بين الخبرين المتعارضين مع عدم مرجح آخر أو الترجيح بمرجح موجود إلى أن يبحثوا عن القياس كيف و لو كان كذلك لاحتاجوا إلى عنوان مباحث القياس و البحث فيه بما يقتضي البحث عنها على تقدير الحجية.

و أما القسم الآخر و هو الظن الغير المعتبر لأجل بقائه تحت أصالة حرمة العمل‏ فالكلام في الترجيح به يقع في مقامات الأول الترجيح به في الدلالة بأن يقع التعارض بين ظهوري الدليلين كما في العامين من وجه و أشباهه و هذا لا اختصاص له بالدليل الظني السند بل يجري في الكتاب و السنة المتواترة.

الثاني الترجيح به في وجه الصدور بأن نفرض الخبرين صادرين و ظاهري الدلالة و انحصر التحير في تعيين ما صدر لبيان الحكم و تمييزه عما صدر على وجه التقية أو غيرها من الحكم المقتضية لبيان خلاف الواقع و هذا يجري في مقطوعي الصدور و في مظنوني الصدور مع بقاء الظن بالصدور في كل منهما. الثالث الترجيح به من حيث الصدور بأن صار بالمرجح أحدهما مظنون الصدور.

أما المقام الأول و هو الترجيح بالظن الغير المعتبر في الدلالة فتفصيل القول فيه أنه إن قلنا بأن مطلق الظن على خلاف الظواهر يسقطها عن الاعتبار

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 298

لاشتراط حجيتها بعدم الظن على الخلاف فلا إشكال في وجوب الأخذ بمقتضى ذلك الظن المرجح لكن يخرج حينئذ عن كونه مرجحا بل يصير سببا لسقوط الظهور المقابل له عن الحجية لا لدفع مزاحمته للظهور المنضم إليه فيصير ما وافقه حجة سليمة عن المعارض إذ لو لم يكن في مقابل ذلك المعارض إلا هذا الظن لأسقطه عن الاعتبار نظير الشهرة في أحد الخبرين الموجبة لدخول الآخر في الشواذ التي لا اعتبار بها بل أمرنا بتركها و لو لم يكن في مقابلها خبر معتبر.

و أولى من هذا إذا قلنا باشتراط حجية الظواهر بحصول الظن منها أو من غيرها على طبقها لكن هذا القول سخيف جدا و الأول أيضا بعيد كما حققناه في مسألة حجية الظواهر.

و إن قلنا بأن حجية الظواهر من حيث إفادتها للظن الفعلي و أنه لا عبرة بالظن الحاصل من غيرها على طبقها أو قلنا بأن حجيتها من حيث الاتكال على أصالة عدم القرينة التي لا يعتبر فيها إفادتها للظن الفعلي فالأقوى عدم اعتبار مطلق الظن في مقام الترجيح إذ المفروض على هذين القولين سقوط كلا الظاهرين عن الحجية في مورد التعارض فإنه إذا صدر عنه قوله مثلا اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه و ورد أيضا كل شي‏ء يطير لا بأس بخرئه و بوله و فرض عدم قوة أحد الظاهرين من حيث نفسه على الآخر كان ذلك مسقطا لظاهر كليهما عن الحجية في مادة التعارض أعني خرء الطير الغير المأكول و بوله.

أما على القول الأول فلأن حجية الظواهر مشروطة بالظن المفقود في المقام.

و أما على الثاني فلأن أصالة عدم القرينة في كل منهما معارضة بمثلها في الآخر و الحكم في باب تعارض الأصلين مع عدم حكومة أحدهما على الآخر التساقط و الرجوع إلى عموم أو أصل يكون حجيته مشروطا بعدم وجودهما على قابلية الاعتبار فلو عمل حينئذ بالظن الموجود مع أحدهما كالشهرة القائمة في المسألة المذكورة على النجاسة كنا قد عملنا بذلك الظن مستقلا لا من باب كونه مرجحا لفرض تساقط الظاهرين و صيرورتهما كالعدم فالمتجه حينئذ الرجوع في المسألة بعد الفراغ من المرجحات من حيث السند أو من حيث الصدور تقية أو لبيان الواقع إلى قاعدة الطهارة

أما المقام الثاني و هو الترجيح بالظن الغير المعتبر في وجه الصدور فتفصيل القول فيه أن أصالة عدم التقية إن كان المستند فيها أصل العدم في كل حادث بناء على أن دواعي التقية التي هي من قبيل الموانع لإظهار الحق حادثة تدفع بالأصل فالمرجع بعد

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 299

معارضة هذا الأصل في كل خبر بمثله في الآخر هو التساقط.

و كذلك لو استندنا فيها إلى أن ظاهر حال المتكلم بالكلام خصوصا الإمام عليه السلام في مقام إظهار الأحكام التي نصب لأجلها هو بيان الحق و قلنا بأن اعتبار هذا الظهور مشروط بإفادته الظن الفعلي المفروض سقوطه من الطرفين.

و حينئذ فإن عملنا بمطلق الظن في تشخيص التقية و خلافها بناء على حجية الظن في هذا المقام لأجل الحاجة إليه من جهة العلم بصدور كثير من الأخبار تقية و أن الرجوع إلى أصالة عدمها في كل مورد يوجب الإفتاء بكثير مما صدر تقية فتعين العمل بالظن أو لأنا نفهم مما ورد في ترجيح ما خالف العامة على ما وافقهم كون ذلك من أجل كون الموافقة مظنة للتقية فتعين العمل بما هو أبعد عنها بحسب كل أمارة كان ذلك الظن دليلا مستقلا في ذلك المقام و خرج عن كونه مرجحا.

و لو استندنا فيها إلى الظهور المذكور و اشترطنا في اعتباره عدم الظن على خلافه كان الخبر الموافق لذلك الظن حجة سليمة عن المعارض لا عن المزاحم كما عرفت نظيره في المقام الأول.

و إن استندنا فيها إلى الظهور النوعي نظير ظهور فعل المسلم في الصحيح و ظهور تكلم المتكلم في كونه قاصدا لا هازلا و لم يشترط في اعتباره الظن الفعلي و لا عدم الظن بالخلاف تعارض الظاهران فيقع الكلام في الترجيح بهذا الظن المفروض و الكلام فيه يعلم مما سيجي‏ء.

أما المقام الثالث و هو ترجيح السند بمطلق الظن‏

فالكلام فيه أيضا مفروض فيما إذا لم نقل بحجية الظن المطلق و لا بحجية الخبرين بشرط إفادة الظن و لا بشرط عدم الظن على خلافه إذ يخرج الظن المفروض على هذه التقادير عن المرجحية بل يصير حجة مستقلة على الأول سواء كان حجية المتعارضين من باب الظن المطلق أو من باب الاطمئنان أو من باب الظن الخاص فإن القول بالظن المطلق لا ينافي القول بالظن الخاص في بعض الأمارات كالخبر الصحيح بعدلين و يسقط المرجوح عن الحجية على الأخيرين فيتعين أن الكلام في مرجحيته فيما إذا قلنا بحجية كل منهما من حيث الظن النوعي كما هو مذهب الأكثر.

و الكلام يقع تارة في الترجيح بالظن في مقام لولاه لحكم بالتخيير و أخرى في الترجيح به في مقام المرجحات المنصوصة في الأخبار العلاجية.

أما الكلام في الأول و ملخصه‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 300

أنه لا ريب في أن مقتضى الأصل عدم الترجيح كما أن الأصل عدم الحجية لأن العمل بالخبر الموافق لذلك الظن إن كان على وجه التدين و الالتزام بتعين العمل به من جانب الشارع و أن الحكم الشرعي الواقعي هو مضمونه لا مضمون الآخر من غير دليل قطعي يدل على ذلك فهو تشريع محرم بالأدلة الأربعة و العمل به لا على هذا الوجه محرم إذا استلزم مخالفة القاعدة أو الأصل الذي يرجع إليه على تقدير فقد هذا الظن فالوجه المقتضي لتحريم العمل بالظن مستقلا من التشريع أو مخالفة الأصول القطعية الموجودة في المسألة جار بعينه في الترجيح بالظن و الآيات و الأخبار الناهية عن القول بغير علم كلها متساوية النسبة إلى الحجية و إلى المرجحية و قد عرفت في الترجيح بالقياس أن المرجح يحدث حكما شرعيا لم يكن مع عدمه و هو وجوب العمل بموافقته عينا مع كون الحكم لا معه هو التخيير أو الرجوع إلى الأصل الموافق للآخر هذا.

و لكن الذي يظهر من كلمات معظم الأصوليين هو الترجيح بمطلق الظن. و ليعلم أولا أن محل الكلام كما عرفت في عنوان المقامات الثلاثة أعني الجبر و الوهن و الترجيح هو الظن الذي لم يعلم اعتباره.

فالترجيح به من حيث السند أو الدلالة ترجيح بأمر خارجي و هذا لا دخل له بمسألة أخرى اتفاقية و هي وجوب العمل بأقوى الدليلين و أرجحهما.

فإن الكلام فيها في ترجيح أحد الخبرين الذي يكون بنفسه أقوى من الآخر من حيث السند كالأعدل و الأفقه أو المسند أو الأشهر رواية أو غير ذلك أو من حيث الدلالة كالعام على المطلق و الحقيقة على المجاز و المجاز على الإضمار و غير ذلك و بعبارة أخرى الترجيح بالمرجحات الداخلية من جهة السند اتفاقي و استفاض نقل الإجماع من الخاصة و العامة على وجوب العمل بأقوى الدليلين عن الآخر.

و الكلام هنا في المرجحات الخارجية المعاضدة لمضمون أحد الخبرين الموجبة لصيرورة مضمونه أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر.

نعم لو كشف تلك الأمارة عن مزية داخلية لأحد الخبرين على الآخر من حيث سنده أو دلالته دخلت في المسألة الاتفاقية و وجب الأخذ بها لأن العمل بالراجح من الدليلين واجب إجماعا سواء علم وجه الرجحان تفصيلا أم لم يعلم إلا إجمالا.

و من هنا ظهر أن الترجيح بالشهرة و الإجماع المنقول إذا كشفنا عن مزية داخلية في سند أحد الخبرين أو دلالته مما لا ينبغي الخلاف فيه نعم لو لم يكشفا عن ذلك إلا ظنا ففي حجيته أو

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 301

إلحاقه بالمرجح الخارجي وجهان أقواهما الأول كما سيجي‏ء.

و كيف كان فالذي يمكن أن يستدل به للترجيح بمطلق الظن الخارجي وجوه الأول قاعدة الاشتغال لدوران الأمر بين التخيير و تعيين الموافق للظن.

و توهم أنه قد يكون الطرف المخالف للظن موافقا للاحتياط اللازم في المسألة الفرعية فيعارض الاحتياط في المسألة الأصولية بل يرجح عليه في مثل المقام كما نبهنا عليه عند الكلام في معممات نتيجة دليل الانسداد مدفوع بأن المفروض فيما نحن فيه عدم وجوب الأخذ بما وافق الاحتياط من الخبرين لو لا الظن. لأن الأخذ به إن كان من جهة اقتضاء المورد للاحتياط فقد ورد عليه حكم الشارع بالتخيير المرخص للأخذ بخلاف الاحتياط و براءة الذمة من الواقع في حكم الشارع بالعمل بالخبر المخالف له و لهذا يحكم بالتخيير أيضا و إن كان أحدهما موافقا للاستصحاب و الآخر مخالفا إذ كما أن الدليل المعين للعمل به يكون حاكما على الأصول كذلك الدليل المخير في العمل به و بمعارضه.

و إن كان من جهة بعض الأخبار الدالة على وجوب الأخذ بما وافق الاحتياط و طرح ما خالفه ففيه ما تقرر في محله من عدم نهوض تلك الأخبار لتخصيص الأخبار الدالة على التخيير.

بل هنا كلام آخر و هو أن حجية الخبر المرجوح في المقام و جواز الأخذ به يحتاج إلى توقيف إذ لا يكفي في ذلك ما دل على حجية كلا المتعارضين بعد فرض امتناع العمل بكل منهما فيجب الأخذ بالمتيقن جواز العمل به و طرح المشكوك و ليس المقام مقام التكليف المردد بين التعيين و التخيير حتى يبنى على مسألة البراءة و الاشتغال و تمام الكلام في خاتمة الكتاب في مبحث التراجيح إن شاء الله تعالى.

الثاني ظهور الإجماع على ذلك كما استظهره بعض مشايخنا فتراهم يستدلون في موارد الترجيح ببعض المرجحات الخارجية بإفادته للظن بمطابقة أحد الدليلين للواقع فكان الكبرى و هي وجوب الأخذ بمطلق ما يفيد الظن على طبق أحد الدليلين مسلمة عندهم و ربما يستفاد ذلك من الإجماعات المستفيضة على وجوب الأخذ بأقوى المتعارضين إلا أنه يشكل بما ذكرنا من أن الظاهر أن المراد بأقوى الدليلين منهما ما كان كذلك في نفسه و لو انكشف أمر خارجي عن ذلك كعمل الأكثر الكاشف عن مرجح داخلي لا نعلمه تفصيلا فلا يدخل فيه ما كان مضمونه مطابقا لأمارة غير معتبرة كالاستقراء و الأولوية الظنية مثلا على تقدير عدم اعتبارهما فإن الظاهر خروج ذلك‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 302

عن معقد تلك الإجماعات و إن كان بعض أدلتهم الأخر قد يفيد العموم لما نحن فيه كقبح ترجيح المرجوح إلا أنه لا يبعد أن يكون المراد المرجوح في نفسه من المتعارضين لا مجرد المرجوح بحسب الواقع و إلا اقتضى ذلك حجية نفس المرجح مستقلا.

نعم الإنصاف أن بعض كلماتهم يستفاد منه أن العبرة في الترجيح بصيرورة مضمون أحد الخبرين بواسطة المرجح أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر.

و قد استظهر بعض مشايخنا الاتفاق على الترجيح بكل ظن ما عدا القياس (فمنها ما تقدم عن المعارج من الاستدلال للترجيح بالقياس بكون مضمون الخبر الموافق له أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر). و منها ما ذكروه في مسائل تعارض الناقل مع المقرر فإن مرجع ما ذكروا فيها لتقديم أحدهما على الآخر إلى الظن بموافقة أحدهما لحكم الله الواقعي إلا أن يقال إن هذا الظن حاصل من نفس الخبر المتصف بكونه مقررا أو ناقلا.

و منها ما ذكروه في ترجيح أحد الخبرين بعمل أكثر السلف معللين بأن الأكثر يوفق للصواب بما لا يوفق له الأقل و في ترجيحه بعمل علماء المدينة إلا أن يقال أيضا إن ذلك كاشف عن مرجح داخلي في أحد الخبرين. و بالجملة فتتبع كلماتهم يوجب الظن القوي بل القطع بأن بناءهم على الأخذ بكل ما يشتمل على ما يوجب أقربيته إلى الصواب سواء كان لأمر راجع إلى نفسه أو لاحتفافه بأمارة أجنبية توجب قوة مضمونها. ثم لو فرض عدم حصول القطع من هذه الكلمات بمرجحية الظن المطلق المطابق لمضمون أحد الخبرين فلا أقل من كونه مظنونا و الظاهر وجوب العمل به في مقابل التخيير و إن لم يجب العمل به في مقابل الأصول و سيجي‏ء بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

الثالث ما يظهر من بعض الأخبار من أن المناط في الترجيح كون أحد الخبرين أقرب مطابقة للواقع سواء كان المرجح داخلي كالأعدلية مثلا أو لمرجح خارجي كمطابقته لأمارة توجب كون مضمونه أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر.

مثل ما دل على الترجيح بالأصدقية في الحديث كما في مقبولة ابن حنظلة فإنا نعلم أن وجه الترجيح بهذه الصفة ليس إلا كون الخبر الموصوف بها أقرب إلى الواقع من الخبر غير الموصوف بها لا لمجرد كون راوي أحدهما أصدق و ليس هذه الصفة مثل الأعدلية و شبهها في احتمال كون العبرة

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 303

بالظن الحاصل من جهتها بالخصوص و لذا اعتبر الظن الحاصل من عدالة البينة دون الحاصل من مطلق الوثاقة لأن صفة الصدق ليست إلا المطابقة للواقع فمعنى الأصدق هو الأقرب إلى الواقع فالترجيح بها يدل على أن العبرة بالأقربية من أي سبب حصلت.

و مثل ما دل على ترجيح أوثق الخبرين فإن معنى الأوثقية شدة الاعتماد عليه و ليس إلا لكون خبره أوثق فإذا حصل هذا المعنى في أحد الخبرين من مرجح خارجي اتبع.

و مما يستفاد منه المطلب على وجه الظهور ما دل على ترجيح أحد الخبرين على الآخر بكونه مشهورا بين الأصحاب بحيث يعرفه كلهم و كون الآخر غير مشهور الرواية بينهم بل ينفرد بروايته بعضهم دون بعض معللا ذلك بأن المجمع عليه لا ريب فيه فيدل على أن طرح الآخر لأجل ثبوت الريب فيه لا لأنه لا ريب في بطلانه كما قد يتوهم و إلا لم يكن معنى للتعارض و تحير السائل و لا لتقديمه على الخبر المجمع عليه إذا كان رواية أعدل كما يقتضيه صدر الخبر و لا لقول السائل بعد ذلك هما مشهوران معا.

فحاصل المرجح هو ثبوت الريب في الخبر الغير المشهور و انتفاؤه في المشهور فيكون المشهور من الأمر البين الرشد و غيره من الأمر المشكل لا بين الغي كما توهم و ليس المراد به نفي الريب من جميع الجهات لأن الإجماع على الرواية لا يوجب ذلك ضرورة بل المراد وجود ريب في غير المشهور يكون منتفيا في الخبر المشهور و هو احتمال وروده على بعض الوجوه أو عدم صدوره رأسا.

و ليس المراد بالريب مجرد الاحتمال و لو موهوما لأن الخبر المجمع عليه يحتمل فيه أيضا من حيث الصدور بعض الاحتمالات المتطرقة في غير المشهور غاية الأمر كونه في المشهور في غاية الضعف بحيث يكون خلافه واضحا في غير المشهور احتمالا مساويا يصدق عليه الريب عرفا.

و حينئذ فيدل على رجحان كل خبر يكون نسبته إلى معارضه مثل نسبة الخبر المجمع على روايته إلى الخبر الذي اختص بروايته بعض دون بعض مع كونه بحيث لو سلم عن المعارض أو كان راويه أعدل و أصدق من راوي معارضه المجمع عليه لأخذ به و من المعلوم أن الخبر المعتضد بأمارة توجب الظن بمطابقته و مخالفة معارضه للواقع نسبته إلى معارضة تلك النسبة.

و لعله لذا علل تقديم الخبر المخالف للعامة على الموافق بأن ذاك لا يحتمل إلا الفتوى و هذا يحتمل التقية لأن الريب الموجود في الثاني منتف في الأول و كذا كثير من المرجحات الراجعة إلى وجود احتمال في أحدهما مفقود علما أو ظنا في الآخر فتدبر فكل خبر من المتعارضين يكون فيه ريب لا يوجد في الآخر أو يوجد و لا يعد لغاية ضعفه ريبا فذاك الآخر مقدم عليه.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 304

و أظهر من ذلك كله في إفادة الترجيح بمطلق الظن ما دل من الأخبار العلاجية على الترجيح بمخالفة العامة بناء على أن الوجه في الترجيح بها أحد وجهين:

أحدهما كون الخبر المخالف أبعد من التقية كما علل به الشيخ و المحقق فيستفاد منه اعتبار كل قرينة خارجية توجب أبعدية أحدهما عن خلاف الحق و لو كانت مثل الشهرة و الاستقراء بل يستفاد منه عدم اشتراط الظن في الترجيح بل يكفي تطرق احتمال غير بعيد في أحد الخبرين بعيد في الآخر كما هو مفاد الخبر المتقدم الدال على ترجيح ما لا ريب فيه على ما فيه الريب بالنسبة إلى معارضه. لكن هذا الوجه لم ينص عليه في الأخبار و إنما هو شي‏ء مستنبط منها ذكره الشيخ و من تأخر عنه نعم (في رواية عبيد بن زرارة: ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية و ما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه) دلالة على ذلك.

الثاني كون الخبر المخالف أقرب من حيث المضمون إلى الواقع و الفرق بين الوجهين أن الأول كاشف عن وجه صدور الخبر و الثاني كاشف عن مطابقة مضمون أحدهما للواقع.

و هذا الوجه لما نحن فيه منصوص في الأخبار مثل تعليل الحكم المذكور فيها (بقولهم عليهم السلام: فإن الرشد في خلافهم) و (: ما خالف العامة ففيه الرشاد) فإن هذه القضية قضية غالبية لا دائمية فيدل على أنه يكفي في الترجيح الظن بكون الرشد في المضمون أحد الخبرين.

و يدل على هذا التعليل أيضا ما ورد في صورة عدم وجدان المفتي بالحق في بلد من قوله (: ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشي‏ء فخذ بخلافه فإن الحق فيه).

و أصرح من الكل في التعليل بالوجه المذكور مرفوعة (أبي إسحاق الأرجاني إلى أبي عبد الله عليه السلام قال قال عليه السلام: أ تدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله العامة فقلت لا أدري فقال إن عليا عليه السلام لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره و كانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشي‏ء الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم بشي‏ء جعلوا له ضدا من عند أنفسهم ليلبسوا على الناس).

و يصدق هذا الخبر سيرة أهل الباطل مع الأئمة عليهم السلام على هذا النحو تبعا لسلفهم حتى (أن أبا حنيفة حكي عنه أنه قال خالفت جعفرا في كل ما يقول أو يفعل لكني لا أدري هل يغمض عينيه في الركوع و السجود أو يفتحهما)

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 305

و الحاصل أن تعليل الأخذ بخلاف العامة في هذه الروايات بكونه أقرب إلى الواقع حتى أنه يجعل دليلا مستقلا عند فقد من يرجع إليه في البلد ظاهر في وجوب الترجيح بكل ما هو من قبيل هذه الأمارة في كون مضمونه مظنة الرشد فإذا انضم هذا الظهور إلى الظهور الذي ادعيناه في روايات الترجيح بالأصدقية و الأوثقية فالظاهر أنه يحصل من المجموع دلالة لفظية تامة.

و لعل هذا الظهور المحصل من مجموع الأخبار العلاجية هو الذي دعا أصحابنا إلى العمل بكل ما يوجب رجحان أحد الخبرين على الآخر بل يوجب في أحدهما مزية مفقودة في الآخر و لو بمجرد كون خلاف الحق في أحدهما أبعد منه في الآخر كما هو كذلك في كثير من المرجحات.

فما ظنه بعض المتأخرين من أصحابنا على العلامة و غيره قدست أسرارهم من متابعهم في ذلك طريقة العامة ظن في غير المحل.

ثم إن الاستفادة التي ذكرناها إن دخلت تحت الدلالة اللفظية فلا إشكال في الاعتماد عليها و إن لم يبلغ هذا الحد بل لم يكن إلا مجرد الإشعار كان مؤيدا لما ذكرناه من ظهور الاتفاق فإن لم يبلغ المجموع حد الحجية فلا أقل من كونها أمارة مفيدة للظن بالمدعى و لا بد من العمل به لأن التكليف بالترجيح بين المتعارضين ثابت لأن التخيير في جميع الموارد و عدم ملاحظة المرجحات يوجب مخالفة الواقع في كثير من الموارد لأنا نعلم بوجوب الأخذ ببعض الأخبار المتعارضة و طرح بعضها معينا و المرجحات المنصوصة في الأخبار غير وافية مع أن تلك الأخبار معارض بعضها بعضا بل بعضها غير معمول به بظاهره كمقبولة ابن حنظلة المتضمنة لتقديم الأعدلية على الشهرة و مخالفة العامة و موافقة الكتاب.

و حاصل هذه المقدمات ثبوت التكليف بالترجيح و انتفاء المرجح اليقيني و انتفاء ما دل الشرع على كونه مرجحا فينحصر العمل في الظن بالمرجح فكل ما ظن أنه مرجح في نظر الشارع وجب الترجيح به و إلا لوجب ترك الترجيح أو العمل بما ظن من المتعارضين أن الشارع يرجح غيره عليه و الأول مستلزم للعمل بالتخيير في موارد كثيرة نعلم التكليف بوجوب الترجيح و الثاني ترجيح للمرجوح على الراجح في مقام وجوب البناء على أحدهما لأجل تعذر العلم على أحدهما و قبحه بديهي و حينئذ فإذا ظننا من الأمارات السابقة أن مجرد أقربية مضمون أحد الخبرين إلى الواقع مرجح في نظر الشارع تعين الأخذ به هذا.

و لكن لمانع أن يمنع وجوب الترجيح بين المتعارضين الفاقدين للمرجحات المعلومة كالتراجيح الراجعة إلى الدلالة التي دل العرف على وجوب الترجيح بها كتقديم النص و الأظهر على الظاهر.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 306

بيان ذلك أن ما كان من المتعارضين من قبيل النص و الظاهر كالعام و الخاص و شبههما مما لا يحتاج الجمع بينهما إلى شاهد فالمرجح فيه معلوم من العرف.

و ما كان من قبيل تعارض الظاهرين كالعامين من وجه و شبههما مما يحتاج الجمع بينهما إلى شاهد واحد فالوجه فيه كما عرفت سابقا عدم الترجيح إلا بقوة الدلالة لا بمطابقة أحدهما لظن خارجي غير معتبر و لذا لم يحكم فيه بالتخيير مع عدم ذلك الظن بل يرجع فيه إلى الأصول و القواعد فهذا كاشف عن أن الحكم فيهما ذلك من أول الأمر للتساقط لإجمال الدلالة.

و ما كان من قبيل المتباينين اللذين لا يمكن الجمع بينهما إلا بشاهدين فهذا هو المتيقن من مورد وجوب الترجيح بالمرجحات الخارجية.

و من المعلوم أن موارد هذا التعارض على قسمين.

أحدهما ما يمكن الرجوع فيه إلى أصل أو عموم كتاب أو سنة مطابق لأحدهما و هذا القسم يرجع فيه إلى ذلك العموم أو الأصل و إن كان الخبر المخالف لأحدهما مطابقا لأمارة خارجية و ذلك لأن العمل بالعموم و الأصل يقيني لا يرفع اليد عنه إلا بوارد يقيني و الخبر المخالف له لا ينهض لذلك لمعارضته بمثله و المفروض أن وجوب الترجيح بذلك الظن لم يثبت فلا وارد على العموم و الأصل.

القسم الثاني ما لا يكون كذلك و هذا أقل قليل بين المتعارضات فلو فرضنا العمل فيه بالتخيير مع وجود ظن خارجي على طبق أحدهما لم يكن محذور نعم الاحتياط يقتضي الأخذ بما يطابق الظن خصوصا مع أن مبنى المسألة على حجية الخبر من باب الظن غير مقيد بعدم الظن الفعلي على خلافه.

و الدليل على هذا الإطلاق مشكل خصوصا لو كان الظن المقابل من الشهرة المحققة أو نقل الإجماع الكاشف عن تحقق الشهرة فإن إثبات حجية الخبر المخالف للمشهور في غاية الإشكال و إن لم نقل بحجية الشهرة و لذا (قال صاحب المدارك إن العمل بالخبر المخالف للمشهور مشكل و موافقة الأصحاب من غير دليل أشكل).

و بالجملة فلا ينبغي ترك الاحتياط بالأخذ بالمظنون في مقابل التخيير و أما في مقابل العمل بالأصل فإن كان الأصل مثبتا للاحتياط كالاحتياط اللازم في بعض الموارد فالأحوط العمل بالأصل و إن كان نافيا للتكليف كأصل البراءة و الاستصحاب النافي للتكليف أو مثبتا له مع عدم التمكن من الاحتياط كأصالة الفساد في باب المعاملات و نحو ذلك ففيه الإشكال و في باب التراجيح تتمة المقال و الله العالم بحقيقة الحال و الحمد لله أولا و آخرا و صلى الله على محمد و آله باطنا و ظاهرا

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏1، ص: 307