حضرت امام علی عليه‌السلام نے فرمایا: جس کا تجربہ کم ہوتا ہے وہ دھوکا کھا جاتا ہے اور جس کا تجربہ زیادہ ہوتا ہے اُسے کم دھوکا دیا جاسکتا ہے۔ غررالحکم حدیث10158

اصول الفقہ حصہ چہارم

تنبيهات الاستصحاب‏

بعد فراغ الشيخ الأنصاري من ذكر الأقوال في المسألة و مناقشتها شرع في بيان امورٍ تتعلّق به بلغت اثني عشر أمراً، و اشتهرت باسم «تنبيهات الاستصحاب» فصار لها شأن كبير عند الاصوليّين و صارت موضع عنايتهم، لما لاكثرها من الفوائد الكبيرة في الفقه، و لما لها من المباحث الدقيقة الاصوليّة. و زاد فيها شيخ أساتذتنا في الكفاية تنبيهين فصارت أربعة عشر تنبيهاً. و نحن ذاكرون- بعون اللَّه تعالى- أهمّها متوخّين الاختصار حدّ الإمكان و الاقتصار على ما ينفع الطالب المبتدئ.

التنبيه الأوّل استصحاب الكلّي‏ «1» الغرض من استصحاب الكلّي: هو استصحابه فيما إذا تيقّن بوجوده في ضمن فردٍ من أفراده ثمّ شكّ في بقاء نفس ذلك الكلّي. و هذا الشك في بقاء الكلّي في ضمن أفراده يتصوّر على أنحاء ثلاثة عُرفت باسم «أقسام استصحاب الكلّي»:

______________________________ (1) (*) هذا هو التنبيه الأوّل في تعداد الرسائل، و التنبيه الثالث في تعداد الكفاية.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 328

1- أن يكون الشكّ في بقاء الكلّي من جهة الشكّ في بقاء نفس ذلك الفرد الّذي تيقّن بوجوده.

2- أن يكون الشكّ في بقاء الكلّي من جهة الشكّ في تعيين ذلك الفرد المتيقّن سابقاً، بأن يتردّد الفرد بين ما هو باقٍ جزماً و بين ما هو مرتفع جزماً، أي أنّه كان قد تيقّن على الإجمال بوجود فردٍ ما من أفراد الكلّي فيتيقّن بوجود الكلّي في ضمنه، و لكن هذا الفرد الواقعي مردّد عنده بين أن يكون له عمر طويل فهو باقٍ جزماً في الزمان الثاني و بين أن يكون له عمر قصير فهو مرتفع جزماً في الزمان الثاني. و من أجل هذا الترديد يحصل له الشكّ في بقاء الكلّي.

مثاله: ما إذا علم على الإجمال بخروج بلل مردّد بين أن يكون بولًا أو منيّاً ثمّ توضّأ، فإنّه في هذا الحال يتيقّن بحصول الحدث الكلّي في ضمن هذا الفرد المردّد، فإن كان البلل بولًا فحدثه أصغر قد ارتفع بالوضوء جزماً، و إن كان منيّاً فحدثه أكبر لم يرتفع بالوضوء. فعلى القول بجريان استصحاب الكلّي يستصحب هنا كلّي الحدث، فتترتّب عليه آثار كلّي الحدث مثل حرمة مسّ المصحف. أمّا آثار خصوص الحدث الأكبر أو الأصغر فلا تترتّب، مثل حرمة دخول المسجد و قراءة العزائم.

3- أن يكون الشك في بقاء الكلّي من جهة الشكّ في وجود فردٍ آخر مقام الفرد المعلوم حدوثه و ارتفاعه، أي أنّ الشكّ في بقاء الكلّي مستند إلى احتمال وجود فردٍ ثانٍ غير الفرد المعلوم حدوثه و ارتفاعه، لأنّه إن كان الفرد الثاني قد وُجد واقعاً فإنّ الكلّي باقٍ بوجوده، و إن لم يكن قد وُجد فقد انقطع وجود الكلّي بارتفاع الفرد الأوّل.

أمّا القسم الأوّل: فالحقّ فيه جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الكلّي‏

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 329

فيترتّب عليه أثره الشرعي. كما لا كلام في جريان استصحاب نفس الفرد، فيترتّب عليه أثره الشرعي بما له من الخصوصيّة الفرديّة. و هذا لا خلاف فيه.

و أمّا القسم الثاني: فالحقّ فيه أيضاً جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الكلّي. و أمّا بالنسبة إلى الفرد فلا يجري قطعاً، بل الفرد يجري فيه استصحاب عدم خصوصيّة الفرد. ففي المثال المتقدّم يجري استصحاب كلّي الحدث بعد الوضوء، فلا يجوز له مسّ المصحف، أمّا بالنسبة إلى خصوصيّة الفرد فالأصل عدمها، فما هو من آثار خصوص الجنابة- مثلًا- لا يجب الأخذ بها، فلا يحرم قبل الغسل ما يحرم على الجنب من نحو دخول المساجد و قراءة العزائم، كما تقدّم.

و لأجل بيان صحّة جريان الاستصحاب في الكلّي في هذا القسم الثاني و حصول أركانه لا بدّ من ذكر ما قيل: إنّه مانع من جريانه، و الجواب عنه. و قد أشار الشيخ إلى وجهين في المنع و أجاب عنهما، و هما كلّ ما يمكن أن يقال في المنع:

الأوّل: قال: و توهّم عدم جريان الأصل في القدر المشترك من حيث دورانه بين ما هو مقطوع الانتفاء و ما هو مشكوك الحدوث و هو محكوم الانتفاء بحكم الأصل‏ «1».

توضيح التوهّم: أنّ أهمّ أركان الاستصحاب هو اليقين بالحدوث و الشك في البقاء، و في المقام إن حصل الركن الأوّل (و هو اليقين بالحدوث) فإنّ الركن الثاني (و هو الشك في البقاء) غير حاصل. وجه ذلك: أنّ الكلّي لا وجود له إلّا بوجود أفراده، و من الواضح: أنّ وجود الكلّي في ضمن الفرد القصير مقطوع الارتفاع في الزمان الثاني وجداناً،

______________________________ (1) فرائد الاصول: ج 2 ص 639.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 330

و أمّا وجوده في ضمن الفرد الطويل فهو مشكوك الحدوث من أوّل الأمر و هو منفيّ بالأصل، فيكون الكلّي مرتفعاً في الزمان الثاني إما وجداناً أو بالأصل تعبّداً، فلا شكّ في بقائه.

و الجواب: أنّ هذا التوهّم فيه خلط بين الكلّي و فرده، أو فقل: فيه خلط بين ذات الحصّة من الكلّي- أي ذات الكلّي الطبيعي- و بين الحصّة منه بما لها من الخصوصيّة و التعيّن الخاصّ، فإنّ الّذي هو معلوم الارتفاع إمّا وجداناً أو تعبّداً إنّما هو الحصّة بما لها من التعيّن الخاصّ، و هي بالإضافة إلى ذلك غير معلومة الحدوث أيضاً، فلم يتحقّق فيها الركنان معاً، لأنّه كما أنّ كلّ فردٍ من الفردين مشكوك الحدوث في نفسه، فإنّ الحصّة الموجودة به بما لها من التعيّن الخاصّ كذلك مشكوكة الحدوث، إذ لا يقين بوجود هذه الحصّة و لا يقين بوجود تلك الحصّة، و لا موجود ثالث حسب الفرض. و أمّا ذات الحصّة المتعيّنة واقعاً لا بما لها من التعيّن الخاصّ بهذا الفرد أو بذلك الفرد- أي القدر المشترك بينهما- ففي الوقت الّذي هي فيه معلومة الحدوث هي مشكوكة البقاء، إذ لا علم بارتفاعها و لا تعبّد بارتفاعها بل لأجل القطع بزوال التعيّن الخاصّ يشكّ في ارتفاعها و بقائها لاحتمال كون تعيّنها هو التعيّن الباقي أو هو التعيّن الزائل، و ارتفاع الفرد لا يقتضي إلّا ارتفاع الحصّة المتعيّنة به، و هي- كما قدّمنا- غير معلومة الحدوث و إنّما المعلوم ذات الحصّة، أي القدر المشترك.

و الحاصل: أنّ ما هو غير مشكوك البقاء إمّا وجداناً أو تعبّداً لا يقين بحدوثه أصلًا و هو الحصّة بما لها من التعيّن الخاصّ، و ما هو متيقّن الحدوث هو مشكوك البقاء وجداناً و هو ذات الحصّة لا بما لها من التعيّن الخاصّ.

و قد أشار الشيخ إلى هذا الجواب بقوله: إنّه لا يقدح ذلك في‏

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 331

استصحابه بعد فرض الشكّ في بقائه و ارتفاعه‏ «1». الثاني: قال الشيخ الأعظم: توهّم كون الشكّ في بقائه مسبّباً عن الشكّ في حدوث ذلك المشكوك الحدوث، فإذا حكم بأصالة عدم حدوثه لزمه ارتفاع القدر المشترك، لأنّه من آثاره‏ «2».

و الجواب الصحيح هو ما أشار إليه بقوله: إنّ ارتفاع القدر المشترك من لوازم كون الحادث ذلك الأمر المقطوع الارتفاع، لا من لوازم عدم حدوث الأمر الآخر. نعم، اللازم من عدم حدوثه هو عدم وجود ما هو في ضمنه من القدر المشترك في الزمان الثاني، لا ارتفاع القدر المشترك بين الأمرين. و بينهما فرق واضح‏ «3».

توضيح ما أفاده من الجواب: إنّا نمنع أن يكون الشكّ في بقاء القدر المشترك- أي الكلّي- مسبّباً عن الشكّ في حدوث الفرد الطويل و عدمه، لأنّ وجود الكلّي- حسب الفرض- متيقّن الحدوث من أوّل الأمر إمّا في ضمن القصير أو الطويل، فلا يُعقل أن يكون عدمه بعد وجوده مستنداً إلى عدم الفرد الطويل من الأوّل، و إلّا لما وجد من الأوّل، بل في الحقيقة أنّ الشكّ في بقاء الكلّي- أي في وجوده و عدمه بعد فرض القطع بوجوده- مستند إلى احتمال وجود هذا الفرد الطويل مع احتمال وجود ذلك الفرد القصير، يعني يستند إلى الاحتمالين معاً، لا لخصوص احتمال وجود الطويل، إذ يُحتمل بقاء وجوده الأوّل لاحتمال حدوث الطويل، و يُحتمل عدمه بعد الوجود لاحتمال حدوث القصير المرتفع قطعاً في ثاني الحال.

و الحاصل: أنّ احتمال وجود الكلّي و عدمه في ثاني الحال مسبّب عن الشكّ في أنّ الحادث المعلوم هل هو الطويل أو القصير، لا أنّه مسبّب عن‏

______________________________ (1) فرائد الاصول: ج 2 ص 639.

(2) فرائد الاصول: ج 2 ص 639.

(3) فرائد الاصول: ج 2 ص 639.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 332

خصوص احتمال حدوث الطويل حتّى يكون نفيه بالأصل موجباً لنفي الشكّ في وجود الكلّي في ثاني الحال، فلا بدّ من نفي كلّ من الفردين بالأصل حتّى يكون ذلك موجباً لارتفاع القدر المشترك، و الأصلان معاً لا يجريان مع فرض العلم الإجمالي.

و أمّا القسم الثالث: و هو ما إذا كان الشكّ في بقاء الكلّي مستنداً إلى احتمال وجود فردٍ ثانٍ غير الفرد المعلوم حدوثه ثمّ ارتفاعه، فهو على نحوين:

1- أن يُحتمل حدوث الفرد الثاني في ظرف وجود الأوّل.

2- أن يُحتمل حدوثه مقارناً لارتفاع الأوّل. و هو على نحوين: إمّا بتبدّله إليه، أو بمجرّد المقارنة الاتّفاقية بين ارتفاع الأوّل و حدوث الثاني. و في جريان الاستصحاب في هذا «القسم الثالث» من الكلّي احتمالات أو أقوال ثلاثة:

أ- جريانه مطلقاً.

ب- عدم جريانه مطلقاً. ج- التفصيل بين النحوين المذكورين، فيجري في الأوّل دون الثاني مطلقاً. و هذا التفصيل هو الّذي مال إليه الشيخ الأعظم‏ «1».

و السرّ في الخلاف يعود إلى: أنّ الأركان في الاستصحاب هل هي متوفّرة هنا أو غير متوفّرة. و المشكوك توفّره في المقام هو الركن الخامس، و هو اتّحاد متعلّق اليقين و الشكّ.

و لا شكّ في أنّ الكلّي المتيقّن نفسه هو المشكوك بقاؤه في هذا القسم، فهو واحد نوعاً، فينبغي أن يسأل:

______________________________ (1) فرائد الاصول: ج 2 ص 640.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 333

أوّلًا: هل هذه الوحدة النوعيّة بين المتيقّن و المشكوك كافية في تحقّق الوحدة المعتبرة في الاستصحاب، أو غير كافية بل لا بدّ له من وحدة خارجية؟

ثانياً: بعد فرض عدم كفاية الوحدة النوعيّة هل أنّ الكلّي الطبيعي له وحدة خارجيّة بوجود أفراده- بمعنى أنّه يكون بوحدته الخارجيّة معروضاً لتعيّنات أفراده المتباينة، بناءً على ما قيل: من أنّ نسبة الكلّي إلى أفراده من باب نسبة الأب الواحد إلى الأبناء الكثيرة، كما نقل ذلك ابن سينا عن بعض من عاصره‏ «1» أو أنّ الكلّي الطبيعي لا وجود له إلّا بوجود أفراده بالعرض؟ ففي كلّ فردٍ حصّة موجودة منه غير الحصّة الموجودة في فردٍ آخر، فلا تكون له وحدة خارجيّة بوجود أفراده المتعدّدة، بل نسبته إلى افراده من قبيل نسبة الآباء المتعدّدة إلى الأبناء المتعدّدة، و هذا هو المعروف عند المحقّقين؟

فالقائل بجريان الاستصحاب في هذا القسم إمّا أن يلتزم بكفاية الوحدة النوعيّة في تحقّق ركن الاستصحاب و إمّا أن يلتزم بأنّ الكلّي له وحدة خارجيّة بوجود أفراده المتعدّدة، و إلّا فلا يجري الاستصحاب.

و إذا اتّضح هذا التحليل الدقيق لمنشإ الأقوال في المسألة يتّضح الحقّ فيها. و هو القول الثاني، و هو عدم جريان الاستصحاب مطلقاً. أمّا أوّلًا: فلأنّه من الواضح عدم كفاية الوحدة النوعيّة في الاستصحاب، لأنّ معنى بقاء المستصحب فيه هو استمراره خارجاً بعد اليقين به. و نحن لا نعني من استصحاب الكلّي استصحاب نفس الماهيّة من حيث هي، فإنّ هذا لا معنى له، بل المراد استصحابها بما لها من الوجود الخارجي لغرض ترتيب أحكامها الفعليّة.

______________________________ (1) حكاه الحكيم السبزواري قدس سره في شرح منظومته (في المنطق): 22.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 334

و أمّا ثانياً: فلأنّه من الواضح أيضاً أنّ الحقّ أنّ نسبة الكلّي إلى أفراده من قبيل نسبة الآباء إلى الأبناء، لأنّه من الضروري أنّ الكلّي لا وجود له إلا بالعرض بوجود أفراده.

و في مقامنا قد وُجدت حصّة من الكلّي و قد ارتفعت هذه الحصّة يقيناً، و الحصّة الاخرى منه في الفرد الثاني هي من أوّل الأمر مشكوكة الحدوث، فلم يتّحد المتيقّن و المشكوك.

و بهذا يفترق القسم الثالث عن القسم الثاني من استصحاب الكلّي، لأنّه في القسم الثاني- كما سبق- ذات الحصّة من الكلّي المتعيّنة واقعاً المعلومة الحدوث على الإجمال هي نفسها مشكوكة البقاء، حيث لا يُدرى أنّها الحصّة المضافة إلى الفرد الطويل أو الفرد القصير. و بهذا أيضاً يتّضح أنّه لا وجه للتفصيل المتقدّم الّذي مال إليه الشيخ الأعظم، فإنّ احتمال وجود الفرد الثاني في ظرف وجود الفرد الأوّل لا يقدّم و لا يؤخّر و لا يضمن الوحدة الخارجيّة للمتيقّن و المشكوك إلّا إذا قلنا بمقالة من يذهب إلى أنّ نسبة الكلّي إلى أفراده من قبيل نسبة الأب الواحد إلى أبنائه، و حاشا الشيخ أن يرى هذا الرأي! و لا شكّ أنّ الحصّة الموجودة في ضمن الفرد الثاني من أوّل الأمر مشكوكة الحدوث، و أمّا المتيقّن حدوثه فهو حصّة اخرى و هي في عين الحال متيقّنة الارتفاع.

و يكون وزان هذا القسم وزان استصحاب الفرد المردّد الآتي ذكره.

تنبيه:

و قد استثني من هذا القسم الثالث ما يتسامح به العرف، فيعدّون الفرد اللاحق المشكوك الحدوث مع الفرد السابق كالمستمرّ الواحد، مثل ما لو عُلم السواد الشديد في محلٍّ و شُكّ في ارتفاعه أصلًا أو تبدّله بسوادٍ أضعف، فإنّه في مثله حكم الجميع بجريان الاستصحاب. و من هذا الباب‏ أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 335

ما لو كان شخص كثير الشكّ ثمّ شكّ في زوال صفة كثرة الشكّ عنه أصلًا أو تبدّلها إلى مرتبةٍ من الشكّ دون الاولى.

قال الشيخ الاعظم في تعليل جريان الاستصحاب في هذا الباب: العبرة في جريان الاستصحاب عدّ الموجود السابق مستمرّاً إلى اللاحق و لو كان الأمر اللاحق على تقدير وجوده مغايراً بحسب الدقّة للفرد السابق‏ «1».

يعني أنّ العبرة في اتّحاد المتيقّن و المشكوك هو الاتّحاد عرفاً و بحسب النظر المسامحي و إن كانا بحسب الدقّة العقليّة متغايرين، كما في المقام.

التنبيه الثاني‏ «2» الشبهة العبائيّة أو استصحاب الفرد المردّد

يُنقل أنّ السيّد الجليل السيّد إسماعيل الصدر قدس سره زار النجف الأشرف أيّام الشيخ المحقّق الآخوند، فأثار في أوساطها العلميّة مسألة تناقلوها و صارت عندهم موضعاً للردّ و البدل و اشتهرت بالشبهة العبائيّة.

و حاصلها: أنّه لو وقعت نجاسة على أحد طرفي عباءة و لم يُعلم أنّه الطرف الأعلى أو الأسفل، ثمّ طهّر أحد الطرفين- و ليكن الأسفل مثلًا- فإنّ تلك النجاسة المعلومة الحدوث تصبح نفسها مشكوكة الارتفاع، فينبغي أن يجري استصحابها؛ بينما أنّ مقتضى جريان استصحاب النجاسة في هذه العباءة أن يحكم بنجاسة البدن- مثلًا- الملاقي لطرفي العباءة معاً. مع أنّ هذا اللازم باطل قطعاً بالضرورة، لأنّ ملاقي أحد طرفي الشبهة المحصورة محكوم عليه بالطهارة بالإجماع- كما تقدّم في محلّه‏ «3»-

______________________________ (1) فرائد الاصول: ج 2 ص 641.

(2) (*) لم يذكر هذا التنبيه في الرسائل، و لا في الكفاية.

(3) لم يصل إلينا من المؤلّف قدس سره من مباحث الاصول العمليّة سوى مبحث الاستصحاب، فلم يتقدّم ما ذكره في هذه المجموعة.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 336

و هنا لم يلاقِ البدن إلّا أحد طرفي الشبهة و هو الطرف الأعلى و أما الطرف الأسفل- و إن لاقاه- فإنّه قد خرج عن طرف الشبهة- حسب الفرض- بتطهيره يقيناً، فلا معنى للحكم بنجاسة ملاقيه.

و النكتة في الشبهة أنّ هذا الاستصحاب يبدو من باب استصحاب الكلّي من القسم الثاني، و لا شكّ في أنّ مستصحب النجاسة لا بدّ أن يحكم بنجاسة ملاقيه؛ بينما أنّه هنا لا يحكم بنجاسة الملاقي. فيكشف ذلك عن عدم صحّة استصحاب الكلي القسم الثاني.

و قد استقرّ الجواب عند المحقّقين عن هذه الشبهة على: أنّ هذا الاستصحاب ليس من باب استصحاب الكلّي، بل هو من نوع آخر سمّوه «استصحاب الفرد المردّد» و قد اتّفقوا على عدم صحّة جريانه، عدا ما نُقل عن بعض الأجلّة في حاشيته على كتاب البيع للشيخ الأعظم. إذ قال بما محصّله: بأنّ تردّده بحسب علمنا لا يضرّ بيقينِ وجوده سابقاً، و المفروض أنّ أثر القدر المشترك أثر لكلٍّ من الفردين، فيمكن ترتيب ذلك الأثر باستصحاب الشخص الواقعي المعلوم سابقاً، كما في القسم الأوّل الّذي حكم الشيخ فيه باستصحاب كلٍّ من الكلّي و فرده‏ «1».

أقول: و يجب أن يُعلم- قبل كلّ شي‏ءٍ- الضابط لكون المورد من باب «استصحاب الكلّي القسم الثاني» أو من باب «استصحاب الفرد المردّد». فإنّ عدم التفرقة بين الموردين هو الموجب للاشتباه و تحكّم تلك الشبهة.

إذاً ما الضابط لهما؟

إنّ الضابط في ذلك: أنّ الأثر المراد ترتيبه إمّا أن يكون أثراً للكلّي (أي أثر لذات الحصّة من الكلّي لا بما لها من التعيّن الخاصّ و الخصوصيّة ______________________________ (1) هو السيّد الطباطبائي اليزدي قدس سره في البحث عن لزوم المعاطاة و عدمه، حاشية المكاسب: ص 73.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 337

المفردة) أو أثراً للفرد (أي أثر للحصّة بما لها من التعيّن الخاصّ و الخصوصيّة المفردة).

فإن كان الأوّل: فيكفي فيه استصحاب القدر المشترك، أي ذات الحصّة الموجودة، إمّا في ضمن الفرد المقطوع الارتفاع على تقدير أنّه هو الحادث، أو الفرد المقطوع البقاء على تقدير أنّه هو الحادث. و يكون ذلك من باب استصحاب الكلّي القسم الثاني، و قد تقدّم أنّنا لا نعني من «استصحاب الكلّي» استصحاب نفس الماهيّة الكلّية، بل استصحاب وجودها.

و إن كان الثاني: فلا يكفي استصحاب القدر المشترك، و إنّما الّذي ينفع استصحاب الفرد بما له من الخصوصيّة المفردة، المفروض فيه أنّه مردّد بين الفرد المقطوع الارتفاع على تقدير أنّه الحادث، أو الفرد المقطوع البقاء على تقدير أنّه الحادث. و يكون ذلك من باب «استصحاب الفرد المردّد». إذا عرفت هذا الضابط فالمثال الّذي وقعت فيه الشبهة هو من النوع الثاني، لأنّ الموضوع للنجاسة المستصحبة ليس أصل العباءة أو الطرف الكلّي منها، بل نجاسة الطرف الخاصّ بما هو طرف خاصّ إمّا الأعلى أو الأسفل.

و بعد هذا يبقى أن نتساءل: لما ذا لا يصحّ جريان استصحاب الفرد المردّد؟

نقول: لقد اختلفت تعبيرات الأساتذة في وجهه، فقد قيل: لأنّه لا يتوفّر فيه الركن الثاني، و هو الشكّ في البقاء «1». و قيل: بل لا يتوفّر الركن‏

______________________________ (1) انظر أجود التقريرات ج 2 ص 394.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 338

الأوّل، و هو اليقين بالحدوث فضلًا عن الركن الثاني‏ «1».

أمّا الوجه الأوّل: فبيانه أنّ الفرد بما له من الخصوصيّة مردّد- حسب الفرض- بين ما هو مقطوع البقاء و بين ما هو مقطوع الارتفاع، فلا شكّ في بقاء الفرد الواقعي الّذي كان معلوم الحدوث، لأنّه إمّا مقطوع البقاء أو مقطوع الارتفاع.

و أمّا الوجه الثاني- و هو الأصحّ- فبيانه: أنّ اليقين بالحدوث إن اريد به اليقين بحدوث الفرد مع قطع النظر عن الخصوصيّة المفردة- لأنّها مجهولة حسب الفرض- فاليقين موجود، و لكن المتيقّن حينئذٍ هو الكلّي الّذي يصلح للانطباق على كلٍّ من الفردين. و إن اريد به اليقين بالفرد بماله من الخصوصيّة المفردة فواضح أنّه غير حاصل فعلًا لأنّ المفروض أنّ الخصوصيّة المفردة مجهولة و مردّدة بين خصوصيّتين، فكيف تكون متيقّنة في عين الحال؟ إذ المردّد بما هو مردّد لا معنى لأن يكون معلوماً متعيّناً.

هذا خلف محال، و إنّما المعلوم هو القدر المشترك. و في الحقيقة أنّ كلّ علم إجمالي مؤلّف من علم و جهل، و متعلّق العلم هو القدر المشترك و متعلّق الجهل خصوصيّاته، و إلّا فلا معنى للإجمال في العلم و هو عين اليقين و الانكشاف. و إنّما سُمّي ب «العلم الإجمالي» لانضمام الجهل بالخصوصيّات إلى العلم بالجامع.

وعليه، فإنّ ما هو متيقّن- و هو الكلّي- لا فائدة في استصحابه لغرض ترتيب أثر الفرد بخصوصه، و ما له الأثر المراد ترتّبه عليه- و هو الفرد بخصوصيّته- غير متيقّن بل هو مجهول مردّد بين خصوصيتين، فلا يتحقّق في استصحاب الفرد المردّد ركن «اليقين بالحالة السابقة» لا أنّ الفرد المردّد متيقّن و لكن لا شكّ في بقائه.

______________________________ (1) انظر نهاية الدراية: ج 5 ص 140. أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 339

و الوجه الأصحّ هو الثاني كما ذكرنا.

و أمّا الوجه الأوّل- و هو أنّه لا شكّ في بقاء المتيقّن- فغريب صدوره عن بعض أهل التحقيق! فإنّ كونه مردداً بين ما هو مقطوع البقاء و بين ما هو مقطوع الارتفاع معناه في الحقيقة هو الشكّ فعلًا في بقاء الفرد الواقعي و ارتفاعه، لأنّ المفروض أنّ القطع بالبقاء و القطع بالارتفاع ليسا قطعين فعليّين، بل كلّ منهما قطع على تقدير مشكوك، و القطع على تقدير مشكوك ليس قطعاً فعلًا، بل هو عين الشكّ.

و على كلّ حالٍ، فلا معنى لاستصحاب الفرد المردّد، و لا معنى لأن يقال- كما سبق عن بعض الأجلّة «1»-: «أنّ تردّده بحسب علمنا لا يضرّ بيقين وجوده سابقاً» فإنّه كيف يكون تردّده بحسب علمنا لا يضرّ باليقين؟ و هل اليقين إلّا العلم؟ إلّا إذا أراد من «اليقين بوجوده سابقاً» اليقين بالقدر المشترك و التردّد في الفرد، فاليقين متعلق بشي‏ءٍ و التردّد بشي‏ءٍ آخر، فيتوفّر ركنا الاستصحاب بالنسبة إلى القدر المشترك، لا بالنسبة إلى الفرد المراد استصحابه، فما هو متيقّن لا يراد استصحابه، و ما يراد استصحابه غير متيقّن، على ما سبق بيانه.

***______________________________ (1) سبق في ص 336 عن السيّد الطباطبائي اليزدي قدس سره في حاشيته على المكاسب.مظفر، محمد رضا، أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، 4جلد، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، مؤسسة النشر الإسلامي - قم - ايران، چاپ: 5.