حضرت محمد مصطفیٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نے فرمایا: مومن وہ ہوتا ہے،جسے لوگ اپنے خون اور مال کا امین بنائیں۔ کنزالعمال حدیث739

اصول الفقہ حصہ چہارم

الدليل الرابع- الأخبار:

و هي العمدة في إثبات الاستصحاب و عليها التعويل. و إذا كانت أخبار آحاد فقد تقدّم حجّية خبر الواحد، مضافاً إلى أنّها مستفيضة و مؤيّدة بكثير من القرائن العقليّة و النقليّة. و إذا كان الشيخ الأنصاري قد شكّ فيها بقوله: «هذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار المستدلّ بها للاستصحاب، و قد عرفت عدم ظهور الصحيح منها و عدم صحّة الظاهر منها» «1» فإنّها

______________________________ (1) فرائد الاصول: ج 2 ص 570.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 298

في الحقيقة هي جلّ اعتماده في مختاره، و قد عقّب هذا الكلام بقوله:

«فلعلّ الاستدلال بالمجموع باعتبار التجابر و التعاضد» ثمّ أيّدها بالأخبار الواردة في الموارد الخاصّة.

و على كلّ حالٍ، فينبغي النظر فيها لمعرفة حجّيتها و مدى دلالتها، و لنذكرها واحدةً واحدةً، فنقول:

- 1- صحيحة زرارة الاولى‏

و هي مضمرة، لعدم ذكر الإمام المسئول فيها، و لكنّه كما قال الشيخ الأنصاري: لا يضرّها الإضمار «1». و الوجه في ذلك: أنّ «زرارة» لا يروي عن غير الإمام لا سيّما مثل هذا الحكم بهذا البيان. و المنقول عن فوائد العلّامة الطباطبائي: أنّ المقصود به الإمام الباقر عليه السلام‏ «2».

قال زرارة:

قلت له: الرجل ينام و هو على وضوء، أ يوجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟

قال: يا زرارة! قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذُن، فإذا نامت العين و الاذُن فقد وجب الوضوء.

قلت: فإن حُرّك في جنبه شي‏ء و هو لا يعلم؟

قال: لا! حتّى يستيقن أنّه قد نام، حتى يجي‏ء من ذلك أمر بيّن، و إلّا فإنّه على يقينٍ من وضوئه. و لا ينقض اليقين بالشكّ أبداً و لكنّه ينقضه بيقين آخر «3».

______________________________ (1) فرائد الاصول ج 2 ص 63

(2) قاله فى الفائدة 33 من فوائد (3) الوسائل ج 1 ص 174 الباب 1 من ابواب نواقص الوضوء ح 1

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 299

و نذكر في هذه الصحيحة بحثين:

الأوّل في فقهها:

و لا يخفى أنّ فيها سؤالين: أوّلهما عن شبهةٍ مفهوميّة حكميّة، لغرض معرفة سعة موضوع «النوم» من جهة كونه ناقضاً للوضوء، إذ لا شكّ في أنّه ليس المقصود السؤال عن معنى النوم لغةً و لا عن كون الخفقة أو الخفقتين ناقضة للوضوء على نحو الاستقلال في مقابل النوم. فينحصر أن يكون مراده- و الجواب قرينة على ذلك أيضاً- هو السؤال عن شمول النوم الناقض للخفقة و الخفقتين، مع علم السائل بأنّ النوم في نفسه له مراتب تختلف شدّةً و ضعفاً و منه الخفقة و الخفقتان، و مع علمه بأنّ النوم ناقض للوضوء في الجملة. فلذلك أجاب الإمام بتحديد النوم الناقض و هو الّذي تنام فيه العين و الاذُن معاً، أمّا ما تنام فيه العين دون القلب و الاذُن كما في الخفقة و الخفقتين فليس ناقضاً.

و أمّا السؤال الثاني: فهو- لا شكّ- عن الشبهة الموضوعيّة بقرينة الجواب، لأنّه لو كان مراد السائل الاستفهام عن مرتبةٍ اخرى من النوم الّتي لا يحسّ معها بما يتحرّك فيه جنبه، لكان ينبغي أن يرفع الإمام شبهتَه بتحديدٍ آخر للنوم الناقض. و لو كانت شبهة السائل شبهةً مفهوميّة حكميّة لما كان معنى لفرض الشكّ في الحكم الواقعي في جواب الإمام ثمّ إجراء الاستصحاب، و لما صحّ أن يفرض الإمام استيقان السائل بالنوم تارةً و عدم استيقانه اخرى، لأنّ الشبهة لو كانت مفهوميّة حكميّة لكان السائل عالماً بأنّ هذه المرتبة هي من النوم، و لكن يجهل حكمها كالسؤال الأوّل.

و إذا كان الأمر كذلك فالجواب الأخير إذا كان متضمّناً لقاعدة

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 300

الاستصحاب- كما سيأتي- فموردها يكون حينئذٍ خصوص الشبهة الموضوعيّة، فيقال حينئذ: لا يُستكشف من إطلاق الجواب عموم القاعدة للشبهة الحكميّة الّذي يهمّنا بالدرجة الاولى إثباته، إذ يكون المورد من قبيل القدر المتيقّن في مقام التخاطب، و قد تقدّم في الجزء الأوّل‏ «1» أنّ ذلك يمنع من التمسّك بالإطلاق و إن لم يكن صالحاً للقرينيّة، لما هو المعروف أنّ المورد لا يخصّص العامّ و لا يقيّد المطلق.

نعم، قد يقال في الجواب: إنّ كلمة «أبداً» لها من قوّة الدلالة على العموم و الإطلاق ما لا يحدّ منها القدر المتيقّن في مقام التخاطب، فهي تعطي في ظهورها القويّ أنّ كلّ يقين مهما كان متعلّقه و في أيّ موردٍ كان لا ينقض بالشك أبداً.

الثاني في دلالتها على الاستصحاب:

و تقريب الاستدلال بها: أنّ قوله عليه السلام: «فإنّه على يقينٍ من وضوئه» جملة خبريّة هي جواب الشرط «2» و معنى هذه الجملة الشرطيّة: أنّه إن لم يستيقن بأنّه قد نام فإنّه باقٍ على يقينٍ من وضوئه، أي أنّه لم يحصل‏

______________________________ (1) راجع ص 240.

(2) (*) بنى الشيخ الأنصاري- و من حذا حذوه- الاستدلال بهذه الصحيحة على أنّ جواب الشرط محذوف و أنّ قوله: «فإنّه على يقينٍ من وضوئه» علّة للجواب قامت مقامه. و قال: «و جعله نفس الجزاء يحتاج إلى تكلّف».

فيكون معنى الرواية على قوله: «إن لم يستيقن أنّه قد نام فلا يجب عليه الوضوء، لأنّه على يقين من وضوئه في السابق» فحُذف «فلا يجب عليه الوضوء» و أقام العلّة مقامه.

و هذا الوجه الّذي ذكره و إن كان وجيهاً، و لكن الحذف خلاف الأصل و لا موجب له؛ و لا تكلّف في جعل الموجود نفس الجزاء على ما بيّنّاه في المتن. و لا يتوقّف الاستدلال بالصحيحة على هذا الوجه و لا على ذلك الوجه و لا على أيّ وجهٍ آخر ذكروه. فإنّ المقصود منها في بيان قاعدة الاستصحاب مفهوم واضح يحصل في جميع هذه الوجوه.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 301

ما يرفع اليقين به و هو اليقين بالنوم. و هذه مقدّمة تمهيدية و توطئة لبيان أنّ الشكّ ليس رافعاً لليقين و إنّما الّذي يرفعه اليقين بالنوم. و ليس الغرض منها إلّا بيان أنّه على يقينٍ من وضوئه، ليقول ثانياً: إنّه لا ينبغي أن يرفع اليد عن هذا اليقين، إذ لا موجب لانحلاله و رفع اليد عنه إلّا الشكّ الموجود، و الشكّ بما هو شكّ لا يصلح أن يكون رافعاً و ناقضاً لليقين، و إنّما ينقض اليقين اليقين لا غير.

فقوله: «و إلّا فإنّه على يقينٍ من وضوئه» بمنزلة الصغرى، و قوله:

«و لا ينقض اليقين بالشك أبدا» بمنزلة الكبرى. و هذه الكبرى مفادها قاعدة الاستصحاب، و هي البناء على اليقين السابق و عدم نقضه بالشكّ اللاحق. فيُفهم منها أنّ كلّ يقينٍ سابق لا ينقضه الشكّ اللاحق.

هذا، و قد وقعت المناقشة في الاستدلال بهذه الصحيحة من عدّة وجوه:

منها: ما أفاده الشيخ الأنصاري، إذ قال: و لكن مبنى الاستدلال على كون «اللام» في «اليقين» للجنس، إذ لو كانت للعهد لكانت الكبرى المنضمّة إلى الصغرى «و لا ينقض اليقين بالوضوء بالشكّ» فيفيد قاعدة كلّية في باب الوضوء ... إلى آخر ما أفاده. و لكنّه استظهر أخيراً كون اللام للجنس‏ «1».

أقول: إنّ كون «اللام» للعهد يقتضي أن يكون المراد من «اليقين» في الكبرى شخص اليقين المتقدّم فإنّ هذا هو معنى العهد. وعليه، فلا تفيد قاعدة كلّيّة حتّى في باب الوضوء. و منه يتّضح غرابة احتمال إرادة العهد من «اللام» بل ذلك مستهجن جدّاً، فإنّ ظاهر الكلام هو تطبيق كبرى على صغرى، لا سيّما مع إضافة كلمة «أبداً».

______________________________ (1) فرائد الاصول: ج 2 ص 564.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 302

فيتعيّن أن تكون «اللام» للجنس. و لكن مع ذلك هذا وحده غير كافٍ في التعميم لكلّ يقينٍ حتّى في غير الوضوء، لإمكان أن يراد جنس اليقين بالوضوء بقرينة تقييده في الصغرى به، لا كلّ يقين، فيكون ذلك من قبيل القدر المتيقّن في مقام التخاطب، فيمنع من التمسّك بالإطلاق، كما سبق نظيره. و هذا الاحتمال لا ينافي كون الكبرى كلّية، غاية الأمر تكون كبرى كلّية خاصّة بالوضوء.

فيتّضح أنّ مجرّد كون «اللام» للجنس لا يتمّ به الاستدلال مع تقدّم ما يصلح للقرينة. و لعلّ هذا هو مراد الشيخ من التعبير بالعهد، و مقصوده تقدّم القرينة، فكان ذلك تسامحاً في التعبير.

و على كلّ حالٍ، فالظاهر من الصحيحة ظهوراً قويّاً: إرادة مطلق اليقين لا خصوص اليقين بالوضوء، و ذلك لمناسبة الحكم و الموضوع، فإنّ المناسب لعدم النقض بالشكّ بما هو شكّ هو اليقين بما هو يقين، لا بما هو يقين بالوضوء، لأنّ المقابلة بين الشكّ و اليقين و إسناد عدم النقض إلى الشكّ تجعل اللفظ كالصريح في أنّ العبرة في عدم جواز النقض هو جهة اليقين بما هو يقين لا اليقين المقيّد بالوضوء من جهة كونه مقيّداً بالوضوء.

و لا يصلح ذكر قيد «من وضوئه» في الصغرى أن يكون قرينة على التقييد في الكبرى، و لا أن يكون من قبيل القدر المتيقّن في مقام التخاطب، لأنّ طبيعة الصغرى أن تكون في دائرةٍ أضيق من دائرة الكبرى، و مفروض المسألة في الصغرى باب الوضوء فلا بدّ من ذكره.

وعليه، فلا يبعد أنّ مؤدّى الصغرى هكذا «فإنّه من وضوئه على يقين» فلا تكون كلمة «من وضوئه» قيداً لليقين، يعني أنّ الحدّ الأوسط المتكرّر هو «اليقين» لا «اليقين من وضوئه».

و منها: أنّ الوضوء أمرٌ آنيّ متصرّم ليس له استمرار في الوجود، و إنّما

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 303

الّذي إذا ثبت استدام هو أثره و هو الطهارة، و متعلّق اليقين في الصحيحة هو «الوضوء» لا «الطهارة» و متعلّق الشكّ هو المانع من استمرار الطهارة (أثر المتيقّن) فيكون الشكّ في استمرار أثر المتيقّن لا المتيقّن نفسه.

وعليه، فلا يكون متعلّق اليقين نفس متعلّق الشك، فانخرم الشرط الخامس في الاستصحاب، و يكون ذلك مورداً لقاعدة المقتضي و المانع، فتكون الصحيحة دليلًا عليه، لا على الاستصحاب.

و فيه: أنّ الجمود على لفظ «الوضوء» يوهم ذلك، و لكنّ المتعارف من مثل هذا التعبير في لسان الأخبار إرادة الطهارة الّتي هي أثر له بإطلاق السبب و إرادة المسبّب، و نفس صدر الصحيحة «الرجل ينام و هو على وضوء» يشعر بذلك. فالمتبادر و الظاهر من قوله: «فإنّه على يقينٍ من وضوئه» أنّه متيقّن بالطهارة المستمرّة لو لا الرافع لها، و الشكّ إنّما هو في ارتفاعها للشكّ في وجود الرافع، فيكون متعلّق اليقين نفس متعلّق الشكّ.

فما أبعدها عن قاعدة المقتضي و المانع!

و منها: ما أفاده الشيخ الأنصاري في مناقشة جميع الأخبار العامّة المستدلّ بها على حجّية مطلق الاستصحاب، و استنتج من ذلك أنّها مختصّة بالشكّ في الرافع، فيكون الاستصحاب حجّة فيه فقط، قال رحمه الله:

فالمعروف بين المتأخّرين الاستدلال بها على حجّية الاستصحاب في جميع الموارد. و فيه تأمّل، قد فتح بابه المحقّق الخوانساري في شرح الدروس‏ «1».

و سيأتي- إن شاء اللَّه تعالى- في آخر الأخبار بيان هذه المناقشة و نقدها.

______________________________ (1) فرائد الاصول: ج 2 ص 574.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 304

- 2- صحيحة زرارة الثانية

و هي مضمرة أيضاً كالسابقة.

قال زرارة:

قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‏ء من المنيّ فعلَّمت أثره إلى أن اصيب له الماء، فحضرت الصلاة و نسيت أنّ بثوبي شيئاً و صلّيت ثم إنّي ذكرت بعد ذلك؟

قال: تعيد الصلاة و تغسله.

قلت: فإن لم أكن رأيت موضعه و علمت أنّه أصابه فطلبته و لم أقدر عليه، فلمّا صلّيت وجدته؟

قال: تغسله و تعيد.

قلت: فإن ظننت أنّه أصابه و لم أتيقّن، فنظرت و لم أرَ شيئاً، فصلّيت فيه، فرأيت فيه؟

قال: تغسله و لا تعيد الصلاة.

قلت: لِمَ ذلك؟

قال: لأنّك كنت على يقينٍ من طهارتك فشككت، و ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً.

قلت: فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه و لم أدرِ أين هو فأغسله؟

قال: تغسل من ثوبك الناحية الّتي ترى أنّه قد أصابها، حتّى تكون على يقينٍ من طهارتك.

قلت: فهل عليَّ إن شككت أنّه أصابه شي‏ء أن أنظر فيه؟

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 305

قال: لا! و لكنّك إنّما تريد أن تذهب بالشكّ الّذي وقع في نفسك.

قلت: إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة؟

قال: تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته، و إن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً قطعت الصلاة و غسلته، ثمّ بنيت على الصلاة، لأنّك لا تدري لعلّه شي‏ء اوقع عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ ...

الحديث‏ «1».

و الاستدلال بهذه الصحيحة للمطلوب في فقرتين منها، بل قيل في ثلاث:

الاولى: قوله: «لأنّك كنت على يقينٍ من طهارتك فشككت ... الخ» بناءً على أنّ المراد من «اليقين بالطهارة» هو اليقين بالطهارة الواقع قبل ظنّ الإصابة بالنجاسة. و هذا المعنى هو الظاهر منها. و يحتمل بعيداً أن يراد منه اليقين بالطهارة الواقع بعد ظنّ الإصابة و بعد الفحص عن النجاسة، إذ قال: «فنظرت و لم أر شيئاً» على أن يكون قوله: «و لم أر شيئاً» عبارة اخرى عن اليقين بالطهارة. و على هذا الاحتمال يكون مفاد الرواية «قاعدة اليقين» لا «الاستصحاب» لأنّه يكون حينئذٍ مفاد قوله: «فرأيت فيه» تبدّل اليقين بالطهارة باليقين بالنجاسة. و وجه بُعد هذا الاحتمال أنّ قوله: «و لم أر شيئاً» ليس فيه أيّ ظهور بحصول اليقين بالطهارة بعد النظر و الفحص.

الثانية: قوله أخيراً: «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ» و دلالتها كالفقرة الاولى ظاهرة، على ما تقدّم في الصحيحة الاولى من‏

______________________________ (1) التهذيب: ج 1 ص 421، باب تطهير البدن و الثياب من النجاسات ح 8.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 306

ظهور كون «اللام» في «اليقين» لجنس اليقين بما هو يقين. و هذا المعنى هنا أظهر ممّا هو في الصحيحة الاولى.

الثالثة: قوله: «حتّى تكون على يقينٍ من طهارتك» فإنّه عليه السلام إذ جعل الغاية حصول اليقين بالطهارة من غسل الثوب في مورد سبق العلم بنجاسته، يظهر منه أنّه لو لم يحصل اليقين بالطهارة فهو محكوم بالنجاسة لمكان سبق اليقين بها.

و لكن الاستدلال بهذه الفقرة مبنيّ على أنّ إحراز الطهارة ليس شرطاً في الدخول في الصلاة، و إلّا لو كان الإحراز شرطاً فيحتمل أن يكون عليه السلام إنّما جعل الغاية حصول اليقين بالطهارة لأجل إحراز الشرط المذكور، لا لأجل التخلّص من جريان استصحاب النجاسة. فلا يكون لها ظهور في الاستصحاب.

- 3- صحيحة زرارة الثالثة

قال زرارة:

قلت له- أي الباقر أو الصادق عليهما السلام-: من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين و قد أحرز الثنتين؟

قال: يركع بركعتين و أربع سجدات و هو قائم بفاتحة الكتاب و يتشهد، و لا شي‏ء عليه. و إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع و قد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها اخرى، و لا شي‏ء عليه. و لا ينقض اليقين بالشكّ، و لا يدخل الشكّ في اليقين، و لا يخلط أحدهما بالآخر. و لكن ينقض الشكّ باليقين، و يتمّ على اليقين فيبني عليه، و لا يعتد بالشكّ في حالٍ من الحالات‏ «1».

______________________________ (1) الوسائل: ج 5 ص 321، الباب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 3.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 307

وجه الاستدلال بها- على ما قيل- أنّه في الشكّ بين الثلاث و الأربع و قد أحرز الثلاث يكون قد سبق منه اليقين بعدم الإتيان بالرابعة، فيستصحب؛ و لذلك وجب عليه أن يضيف إليها رابعة، لأنّه لا يجوز نقض اليقين بالشك، بل لا بدّ أن ينقضه باليقين بإتيان الرابعة فينقض شكّه باليقين. و تكون هذه الفقرات الستّ كلّها تأكيداً على قاعدة الاستصحاب.

و قد تأمّل الشيخ الأنصاري في هذا الاستدلال، لأنّه إنّما يتمّ إذا كان المراد بقوله: «قام فأضاف إليها اخرى» القيام للركعة الرابعة من دون تسليم في الركعة المردّدة بين الثالثة و الرابعة حتّى يكون حاصل جواب الإمام البناء على الأقلّ. و لكن هذا مخالف للمذهب و موافق لقول العامّة، بل مخالف لظاهر الفقرة الاولى و هي قوله: «ركع بركعتين و هو قائم بفاتحة الكتاب» فإنّها ظاهرة بسبب تعيين الفاتحة في إرادة ركعتين منفصلتين، أعني صلاة الاحتياط.

وعليه، فيتعيّن أن يكون المراد به القيام بعد التسليم في الركعة المردّدة إلى ركعةٍ مستقلّةٍ منفصلة. و إذا كان الأمر كذلك فيكون المراد من «اليقين» في جميع الفقرات اليقين بالبراءة الحاصل من الاحتياط بإتيان الركعة.

فتكون الفقرات الستّ واردة لبيان وجوب الاحتياط و تحصيل اليقين بفراغ الذمّة. و هذا أجنبيّ عن قاعدة الاستصحاب.

أقول: هذا خلاصة ما أفاده الشيخ‏ «1».

و لكن حمل الفقرة الاولى «و لا ينقض اليقين بالشكّ» على إرادة اليقين ببراءة الذمّة الحاصل من الأخذ بالاحتياط بعيد جدّاً عن مساقها، بل أبعد من البعيد! لأنّ ظاهر هذا التعبير بل صريحه فرض حصول اليقين ثمّ النهي‏

______________________________ (1) راجع فرائد الاصول: ج 2 ص 567- 569.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 308

عن نقضه في فرض حصوله. بينما أنّ اليقين بالبراءة إنّما المطلوب تحصيله و هو غير حاصل، فكيف يصحّ حمل هذه الجملة على الأمر بتحصيله، فلا بدّ أن يراد اليقين بشي‏ءٍ آخر غير البراءة.

وعليه، فمن القريب جدّاً أن يراد من «اليقين» اليقين بوقوع الثلاث و صحّتها- كما هو مفروض المسألة بقوله: «و قد أحرز الثلاث»- لا اليقين بعدم الإتيان بالرابعة كما تصوّره هذا المستدلّ حتّى يرد عليه ما أفاده الشيخ. و حينئذٍ فلو أراد المكلّف أن يعتدّ بشكّه فقد نقض اليقين بالشكّ. و اعتداده بشكّه بأحد امور ثلاثة: إمّا بابطال الصلاة و إعادتها رأساً، و إمّا بالأخذ باحتمال نقصانها فيكملها برابعة- كما هو مذهب العامّة- و إمّا بالأخذ باحتمال كمالها بالبناء على الأكثر فيسلّم على المشكوكة من دون إتيان برابعة متّصلة و خلط أحدهما بالآخر.

و لأجل هذا عالج الإمام عليه السلام صلاة هذا الشاكّ لأجل المحافظة على يقينه بالثلاث و عدم نقضه بالشكّ، و ذلك بأن أمره بالقيام و إضافة ركعة اخرى، و لا بدّ أنّها مفصولة. و يُفهم كونها مفصولة من صدر الرواية «ركع بركعتين و هو قائم بفاتحة الكتاب» فإنّ اسلوب العلاج لا بدّ أن يكون واحداً في الفرضين. مضافاً إلى أنّ ذلك يُفهم من تأكيد الإمام بأن لا يدخل الشكّ في اليقين و لا يخلط أحدهما بالآخر، لأنّه بإضافة ركعة متّصلة يقع الخلط و إدخال الشكّ في اليقين.

وعليه، فتكون الرواية دالّة على قاعدة الاستصحاب من جهةٍ، و لكن المقصود فيها استصحاب وقوع الثلاث صحيحة. كما أنّها تكون دالّة على علاج حالة الشكّ الّذي لا يجوز نقض اليقين به من جهةٍ اخرى، و ذلك بأمره بالقيام و إضافة ركعةٍ منفصلة لتحصيل اليقين بصحّة الصلاة، لأنّها إن‏

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 309

كانت ثلاثاً فقد جاء بالرابعة، و إن كانت أربعاً تكون الركعة المنفصلة نفلًا.

و منه يُعلم أنّ المراد من «اليقين» في الفقرتين الرابعة و الخامسة «و لكنّه ينقض الشكّ باليقين، و يتمّ على اليقين و يبنى عليه» غير «اليقين» من الفقرات الاولى، فإنّ المراد به هناك اليقين بوقوع الثلاث صحيحة، و المراد به في هاتين الفقرتين اليقين بالبراءة، لأنّه بإتيان ركعةٍ منفصلة يحصل له اليقين ببراءة الذمّة، فيكون ذلك نقضاً للشكّ باليقين الحادث من الاحتياط. و يُفهم هذا التفصيل من المراد باليقين من الاستدراك و هو قوله:

«و لكنه» فإنّه بعد أن نهى عن نقض اليقين بالشكّ ذكر العلاج بقوله:

«لكنّه» فهو أمر بنقض الشكّ باليقين و الإتمام على اليقين و البناء عليه، و لا يتصوّر ذلك إلّا بإتيان ركعة منفصلة. و لا يجب- كما قيل- أن يكون المراد من «اليقين» في جميع الفقرات معنى واحداً، بل لا يصحّ ذلك، فإنّ اسلوب الكلام لا يساعد عليه، فإنّ الناقض للشكّ يجب أن يكون غير الّذي ينقضه الشكّ.

و الحاصل: أنّ الرواية تكون خلاصة معناها النهي عن الإبطال و النهي عن الركون إلى ما تذهب إليه العامّة من البناء على الأقلّ، و النهي عن البناء على الأكثر مع عدم الإتيان بركعةٍ منفصلة. ثمّ تضمّنت الأمر بعد ذلك بما يؤدّي معنى الأخذ بالاحتياط بالإتيان بركعةٍ منفصلة، لأنّه بهذا يتحقّق نقض الشكّ باليقين و الإتمام على اليقين و البناء عليه.

و على هذا، فالرواية تتضمّن «قاعدة الاستصحاب» و تنطبق أيضاً على باقي الروايات المبيّنة لمذهب الخاصّة، و إن كانت ليست ظاهرة فيه على وجهٍ تكون بياناً لمذهب الخاصّة، و لكن صدرها يفسّرها. و يظهر أن الإمام عليه السلام أوكل الحكم و تفصيله إلى معروفيّة هذا الحكم عند السائل و إلى‏

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 310

فهمه و ذوقه، و إنّما أراد أن يؤكّد على سرّ هذا الحكم و الردّ على من يرى خلافه الّذي فيه نقض لليقين بالشكّ و عدم الأخذ باليقين. - 4- رواية محمّد بن مسلم‏

محمّد بن مسلم عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال:

قال أمير المؤمنين- صلوات اللَّه و سلامه عليه-: من كان على يقينٍ فشكّ فليمض على يقينه، فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين‏ «1». و في روايةٍ اخرى عنه عليه السلام بهذا المضمون: من كان على يقينٍ فأصابه شكّ فليمضِ على يقينه، فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ‏ «2». استدلّ بعضهم بهذه الرواية على الاستصحاب مدّعياً ظهورها فيه‏ «3».

و لكن الّذي نراه أنّها غير ظاهرة فيه، فإنّ القدر المسلَّم منها أنّها صريحة في أنّ مبدأ حدوث الشكّ بعد حدوث اليقين من أجل كلمة «الفاء» الّتي تدلّ على الترتيب. غير أنّ هذا القدر من البيان يصحّ أن يراد منه «قاعدة اليقين» و يصحّ أن يراد منه «قاعدة الاستصحاب» إذ يجوز أن يراد أنّ اليقين قد زال بحدوث الشكّ فيتّحد زمان متعلّقهما، فتكون مورداً للقاعدة الاولى، و يجوز أن يراد أنّ اليقين قد بقي إلى زمان الشكّ فيختلف زمان متعلّقهما، فتكون مورداً للاستصحاب. و ليس في الرواية ظهور في أحدهما بالخصوص‏ «4» و إن قال الشيخ الأنصاري: أنّها ظاهرة في وحدة

______________________________ (1) الوسائل: ج 1 ص 175، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، ح 6.

(2) مستدرك الوسائل: ج 1 ص 228، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 4.

(3) الرسائل الاصولية للوحيد البهبهاني: ص 440.

(4) (*) لا يخفى أنّ هنا مقدّمة مطويّة يجب التنبّه لها، و هي أنّ تجرّد كلمة «اليقين» و «الشكّ» في الرواية من ذكر المتعلّق يدلّ على وحدة المتعلّق، يعني أنّ هذا التجرّد يدلّ على أنّ ما تعلّق به اليقين هو نفس ما تعلّق به الشكّ، و إلّا فإنّ من المقطوع به أنّه ليس المراد اليقين بأيّ شي‏ءٍ كان، و الشكّ بأيّ شي‏ءٍ كان لا يرتبط بالمتيقّن. و لكن كونها دالّة على وحدة المتعلّق لا يجعلها ظاهرة في كونه واحداً في جميع الجهات حتّى من جهة الزمان لتكون ظاهرة في «قاعدة اليقين» كما قيل.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 311

زمان متعلّقهما «1» و لذلك قرّب أن تكون دالّة على «قاعدة اليقين».

و قال الشيخ الآخوند: إنّها ظاهرة في اختلاف زمان متعلّقهما «2» فقرّب أن تكون دالّة على الاستصحاب. و قد ذكر كلّ منهما تقريبات لما استظهره لا نراها ناهضة على مطلوبهما.

وعليه، فتكون الرواية مجملة من هذه الناحية، إلّا إذا جوَّزنا الجمع في التعبير بين القاعدتين و حينئذٍ تدلّ عليهما معاً، يعني أنّها تدلّ على أنّ اليقين بما هو يقين لا يجوز نقضه بالشكّ سواء كان ذلك اليقين هو المجامع للشك أو غير المجامع له.

و قيل: إنّه لا يجوز الجمع في التعبير بين القاعدتين، لأنّه يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى و هو مستحيل‏ «3». و سيأتي- إن شاء اللَّه تعالى- ما ينفع في المقام.

نعم، يمكن دعوى ظهورها في الاستصحاب بالخصوص، بأن يقال- كما قرّبه بعض أساتذتنا «4»-: إنّ الظاهر في كلّ كلامٍ هو اتّحاد زمان النسبة مع زمان الجري، فقوله عليه السلام: «فليمض على يقينه» يكون ظاهراً في أنّ زمان نسبة وجوب المضيّ على اليقين نفس زمان حصول اليقين. و لا ينطبق ذلك إلّا على الاستصحاب لبقاء اليقين في مورده محفوظاً إلى‏

______________________________ (1) فرائد الاصول: ج 2 ص 569.

(2) كفاية الاصول: 451.

(3) انظر فرائد الاصول: ج 2 ص 572 و بحر الفوائد للمحقّق الآشتياني: الجزء الثالث ص 179.v (4) انظر فوائد الاصول: ج 4 ص 365.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 312

زمان العمل به. و أمّا «قاعدة اليقين» فإنّ موردها الشكّ الساري، فيكون اليقين في ظرف وجوب العمل به معدوماً. و لعلّه من أجل هذا الظهور استظهر من استظهر دلالة الرواية على الاستصحاب.

- 5- مكاتبة عليّ بن محمّد القاساني‏

قال: كتبت إليه- و أنا بالمدينة- عن اليوم الّذي يشكّ فيه من رمضان هل يصام أم لا؟

فكتب: اليقين لا يدخله الشكّ، صم للرؤية و افطر للرؤية «1».

قال الشيخ الأنصاري: و الإنصاف أنّ هذه الرواية أظهرها في هذا الباب، إلّا أنّ سندها غير سليم‏ «2». و ذُكر في وجه دلالتها: أنّ تفريع تحديد كلّ من الصوم و الإفطار على رؤية هلالي رمضان و شوّال لا يستقيم إلّا بإرادة عدم جعل اليقين السابق مدخولًا بالشكّ، أي مزاحماً به‏ «3».

و قد أورد عليه صاحب الكفاية بما محصّله‏ «4» مع توضيح منّا: انّا نمنع من ظهور هذه الرواية في الاستصحاب فضلًا عن أظهريّتها، نظراً إلى أنّ دلالتها عليه تتوقّف على أن يراد من «اليقين» اليقين بعدم دخول رمضان و عدم دخول شوّال، و لكن ليس من البعيد أن يكون المراد به اليقين بدخول رمضان المنوط به وجوب الصوم و اليقين بدخول شوّال المنوط به وجوب الإفطار. و معنى أنّه لا يدخله الشكّ: أنّه لا يُعطى حكم اليقين للشكّ و لا يُنزّل منزلته، بل المدار في وجوب الصوم و الإفطار على اليقين‏

______________________________ (1) الوسائل: ج 7 ص 184، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 13.

(2) فرائد الاصول: ج 2 ص 570.

(3) ذكره المحقّق العراقي على ما في نهاية الأفكار: ج 4 ص 65.

(4) كفاية الاصول: ص 452.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 313

فقط، فإنّه وحده هو المناط في وجوبهما، أي أنّ الصوم و الإفطار يدوران مداره؛ و لذا قال بعده: «صم للرؤية و أفطر للرؤية» مؤكّداً لاشتراط وجوب الصوم و الإفطار باليقين.

و هذا المضمون دلّت عليه جملة من الأخبار بقريبٍ من هذا التعبير ممّا يقرّب إرادته من هذه الرواية و يؤكّده. و لا بأس في ذكر بعض هذه الأخبار لتتّضح موافقتها لهذه الرواية:

منها: قول أبي جعفر عليه السلام: إذا رأيتم الهلال فصوموا، و إذا رأيتموه فأفطروا. و ليس بالرأي و لا بالتظنّي، و لكن بالرؤية «1».

و منها: صم للرؤية و أفطر للرؤية. و إيّاك و الشكّ و الظنّ، فإن خفي عليكم فأتمّوا الشهر الأوّل ثلاثين‏ «2».

و منها: صيام شهر رمضان بالرؤية و ليس بالظنّ‏ «3».

***______________________________ (1) الوسائل: ج 7 ص 182، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 2.v (2) الوسائل: ج 7 ص 184 ب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 11.

(3) الوسائل: ج 7 ص 183، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 6.

أصول الفقه ( مظفر، محمد رضا - طبع انتشارات اسلامى )، ج‏4، ص: 314