حضرت امام جعفر صادق عليه‌السلام نے فرمایا: تم اپنے ماں باپ سے نیکی کرو، تمہاری اولاد تمہارے ساتھ نیکی کرے گی۔ مستدرک الوسائل حدیث 17908

المقام الثاني في (الاستصحاب‏
بقي الكلام في أمور
السادس في تقسيم الاستصحاب إلى أقسام‏
[أدلة حجية الاستصحاب‏]
[أدلة الأقوال في الاستصحاب‏]
حجة من أنكر اعتبار الاستصحاب في الأمور الخارجية
حجة القول السادس‏
حجة القول الثامن‏
حجة القول التاسع‏
حجة القول الحادي عشر
و ينبغي التنبيه على أمور.
الأمر الثاني‏
الأمر الثالث‏
الأمر السادس‏
الأمر السابع‏
الأمر التاسع‏
الأمر العاشر.
خاتمة
تقديم الاستصحاب على الأصول الثلاثة.
المسألة الثالثة في أصالة الصحة في فعل الغير
المقام الثاني في بيان تعارض الاستصحاب مع القرعة
و أما الكلام في تعارض الاستصحابين‏
و أما القسم الثاني و هو ما إذا كان الشك في كليهما مسببا عن أمر ثالث‏
خاتمة في التعادل و الترجيح‏
المقام الأول في المتكافئين‏
المقام الثاني في التراجيح‏
المقام الثالث في عدم جواز الاقتصار على المرجحات المنصوصة
المقام الرابع في بيان المرجحات‏
بقي في المقام شي‏ء
مرجحات الرواية من الجهات الأخر
بقي في هذا المقام أمور
المقام الثالث‏
بقي هنا شي‏ء
المصادر

رسائل حصہ سوم

خاتمة في التعادل و الترجيح‏

و حيث إن موردهما الدليلان المتعارضان فلا بد من تعريف التعارض و بيانه و هو لغة من العرض بمعنى الإظهار و غلب في الاصطلاح على تنافي الدليلين و تمانعهما باعتبار مدلولهما و لذا ذكروا أن التعارض تنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضاد و كيف كان فلا يتحقق إلا بعد اتحاد الموضوع و إلا لم يمتنع اجتماعهما.

و منه يعلم أنه لا تعارض بين الأصول و ما يحصله المجتهد من الأدلة الاجتهادية لأن موضوع الحكم في الأصول الشي‏ء بوصف أنه مجهول الحكم و الدليل المفروض إن كان بنفسه يفيد العلم صار المحصل له عالما بحكم العصير فلا يقتضي الأصل حليته لأنه إنما اقتضى حلية مجهول الحكم.

فالحكم بالحرمة ليس طرحا للأصل بل هو بنفسه غير جار و غير مقتض لأن موضوعه مجهول الحكم و إن كان بنفسه لا يفيد العلم بل هو محتمل الخلاف لكن ثبت اعتباره بدليل علمي فإن كان الأصل مما كان مؤداه بحكم العقل كأصالة البراءة العقلية و الاحتياط و التخيير العقليين فالدليل أيضا وارد عليه و رافع لموضوعه لأن موضوع الأول عدم البيان و موضوع الثاني احتمال العقاب و مورد الثالث عدم الترجيح لأحد طرفي التخيير و كل ذلك مرتفع بالدليل العلمي المذكور.

و إن كان مؤداه من المجعولات الشرعية كالاستصحاب و نحوه كان ذلك الدليل حاكما على الأصل بمعنى أنه يحكم عليه بخروج مورده عن مجرى الأصل فالدليل العلمي المذكور و إن لم يرفع موضوعه أعني الشك إلا أنه يرفع حكم الشك أعني الاستصحاب.

(و ضابط الحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضا لحال الدليل الآخر و رافعا

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 751

للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض أفراد موضوعه فيكون مبينا لمقدار مدلوله مسوقا لبيان حاله عليه) نظير الدليل الدال على أنه لا حكم للشك في النافلة أو مع كثرة الشك أو مع حفظ الإمام أو المأموم أو بعد الفراغ من العمل فإنه حاكم على الأدلة المتكفلة لأحكام هذه الشكوك فلو فرض أنه لم يرد من الشارع حكم الشكوك لا عموما و لا خصوصا لم يكن مورد للأدلة النافية لحكم الشك في هذه الصور.

و الفرق بينه و بين التخصيص أن كون التخصيص بيانا للعام بحكم العقل الحاكم بعدم جواز إرادة العموم مع القرينة الصارفة و هذا بيان بلفظه للمراد و مفسر للمراد من العام فهو تخصيص في المعنى بعبارة التفسير.

ثم الخاص إن كان قطعيا تعين طرح عموم العام و إن كان ظنيا دار الأمر بين طرحه و طرح العموم و يصلح كل منهما لرفع اليد بمضمونه على تقدير مطابقته للواقع عن الآخر فلا بد من الترجيح بخلاف الحاكم فإنه يكتفى به في صرف المحكوم عن ظاهره فلا يكتفى بالمحكوم و صرف الحاكم عن ظاهره بل يحتاج إلى قرينة أخرى كما يتضح ذلك بملاحظة الأمثلة المذكورة.

فالثمرة بين التخصيص و الحكومة تظهر في الظاهرين حيث لا يقدم المحكوم و لو كان الحاكم أضعف منه لأن صرفه عن ظاهره لا يحسن بلا قرينة أخرى هي مدفوعة بالأصل و أما الحكم بالتخصيص فيتوقف على ترجيح ظهور الخاص و إلا أمكن رفع اليد عن ظهوره و إخراجه عن الخصوص بقرينة صاحبه فلنرجع إلى ما نحن بصدده من ترجيح حكومة الأدلة الظنية من الأصول فنقول قد جعل الشارع للشي‏ء المحتمل للحل و الحرمة حكما شرعيا أعني الحل ثم حكم بأن الأمارة الفلانية كخبر العادل الدال على حرمة العصير حجة بمعنى أنه لا يعبأ باحتمال مخالفة مؤداه للواقع فاحتمال حلية العصير المخالف للأمارة بمنزلة العدم لا يترتب عليه حكم شرعي كأن يترتب عليه لو لا هذه الأمارة و هو ما ذكرنا من الحكم بالحلية الظاهرية فمؤدى الأمارات بحكم الشارع كالمعلوم لا يترتب عليه الأحكام الشرعية المجعولة للمجهولات.

ثم إن ما ذكرنا من الورود و الحكومة جار في الأصول اللفظية أيضا فإن أصالة الحقيقة أو العموم معتبرة إذا لم يكن هناك قرينة على المجاز.

فإن كان المخصص مثلا دليلا علميا كان واردا على الأصل المذكور فالعمل بالنص‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 752

القطعي في مقابل الظاهر كالعمل بالدليل العلمي في مقابل الأصل العملي و إن كان المخصص ظنيا معتبرا كان حاكما على الأصل لأن معنى حجية الظن جعل احتمال مخالفة مؤداه للواقع بمنزلة العدم في عدم ترتب ما كان يترتب عليه من الأثر لو لا حجية هذه الأمارة و هو وجوب العمل بالعموم فإن الواجب عرفا و شرعا العمل بالعموم عند احتمال وجود المخصص و عدمه فعدم العبرة باحتمال عدم التخصيص إلغاء للعمل بالعموم فثبت أن النص وارد على أصالة الحقيقة في الظاهر إذا كان قطعيا من جميع الجهات و حاكم عليه إذا كان ظنيا في الجملة كالخاص الظني السند مثلا و يحتمل أن يكون الظن أيضا واردا بناء على كون العمل بالظاهر عرفا و شرعا معلقا على عدم التعبد بالتخصيص فحالها حال الأصول العقلية فتأمل.

هذا كله على تقدير كون أصالة الظهور من حيث أصالة عدم القرينة.

و أما إذا كان من جهة الظن النوعي الحاصل بإرادة الحقيقة الحاصل من الغلبة أو من غيرها فالظاهر أن النص وارد عليها مطلقا و إن كان النص ظنيا لأن الظاهر أن دليل حجية الظن الحاصل بإرادة الحقيقة الذي هو مستند أصالة الظهور مقيد بصورة عدم وجود ظن معتبر على خلافه.

فإذا وجد ارتفع موضوع ذلك الدليل نظير ارتفاع موضوع الأصل بالدليل.

و يكشف عما ذكرنا أنا لم نجد و لا نجد من أنفسنا موردا يقدم فيه العام من حيث هو على الخاص و إن فرض كونه أضعف الظنون المعتبرة فلو كان حجية ظهور العام غير معلق على عدم الظن المعتبر على خلافه لوجد مورد نفرض فيه أضعفية مرتبة الظن الخاص من الظن العام حتى يقدم عليه أو مكافأته له حتى يتوقف مع أنا لم نسمع موردا يتوقف في مقابلة العام من حيث هو و الخاص فضلا عن أن يرجح عليه نعم لو فرض الخاص ظاهرا أيضا خرج عن النص و صارا من باب تعارض الظاهرين و ربما يقدم العام.

و هذا نظير ظن الاستصحاب على القول به فإنه لم يسمع مورد يقدم الاستصحاب على الأمارة المعتبرة المخالفة له فيكشف عن أن إفادته للظن أو اعتبار ظنه النوعي مقيد بعدم قيام ظن آخر على خلافه فافهم.

ثم إن التعارض على ما عرفت من تعريفه لا يكون في الأدلة القطعية لأن حجيتها إنما هي من حيث صفة القطع و القطع بالمتنافيين أو بأحدهما مع الظن بالآخر غير ممكن.

و منه يعلم عدم وقوع التعارض بين الدليلين يكون حجيتهما باعتبار صفة الظن الفعلي لأن‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 753

اجتماع الظنين بالمتنافيين محال فإذا تعارض سببان للظن الفعلي فإن بقي الظن في أحدهما فهو المعتبر و إلا تساقطا و قولهم إن التعارض لا يكون إلا في الظنين يريدون به الدليلين المعتبرين من حيث إفادة نوعهما الظن. و إنما أطلقوا القول في ذلك لأن أغلب الأمارات بل جميعها عند جل العلماء بل ما عدا جمع ممن قارب عصرنا معتبرة من هذه الحيثية لا لإفادة الظن الفعلي بحيث يناط الاعتبار به.

و مثل هذا في القطعيات غير موجود إذ ليس هنا ما يكون اعتباره من باب إفادة نوعه للقطع.

لأن هذا يحتاج إلى جعل الشارع فيدخل حينئذ في الأدلة الغير القطعية لأن الاعتبار في الأدلة القطعية من حيث صفة القطع فهي في المقام منتفية فيدخل في الأدلة الغير القطعية لا أن المراد من الدليل هو ما يكون اعتباره بجعل الشارع و اعتباره إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أن الكلام في أحكام التعارض يقع في مقامين لأن المتعارضين إما أن يكون لأحدهما مرجح على الآخر و إما أن لا يكون بل يكونان متعادلين متكافئين.

و قبل الشروع في بيان حكمهما لا بد من الكلام في القضية المشهورة و هي أن الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح و المراد بالطرح على الظاهر المصرح به في كلام بعضهم و في معقد إجماع بعض آخر أعم من طرح أحدهما لمرجح في الآخر فيكون الجمع مع التعادل أولى من التخيير و مع وجود المرجح أولى من الترجيح. (قال الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللئالي على ما حكي عنه إن كل حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك أولا البحث عن معناهما و كيفية دلالة ألفاظهما فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل و الدلالات فاحرص عليه و اجتهد في تحصيله فإن العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما و تعطيله بإجماع العلماء فإذا لم تتمكن من ذلك أو لم يظهر لك وجهه فارجع إلى العمل بهذا الحديث و أشار بهذا إلى مقبولة عمر بن حنظلة انتهى).

و استدل عليه تارة بأن الأصل في الدليلين الإعمال فيجب الجمع بينهما مهما أمكن‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 754

لاستحالة الترجيح من غير مرجح و أخرى بأن دلالة اللفظ على تمام معناه أصلية و على جزئه تبعية و على تقدير الجمع يلزم إهمال دلالة تبعية و هو أولى مما يلزم على تقدير عدمه و هو إهمال دلالة أصلية. و لا يخفى أن العمل بهذه القضية على ظاهرها يوجب سد باب الترجيح و الهرج في الفقه كما لا يخفى و لا دليل عليه بل الدليل على خلافه من الإجماع و النص.

أما عدم الدليل عليه فلأن ما ذكر من أن الأصل في الدليل الإعمال مسلم لكن المفروض عدم إمكانه في المقام فإن العمل (بقوله عليه السلام: ثمن العذرة سحت) و (قوله: لا بأس ببيع العذرة) على ظاهرهما غير ممكن و إلا لم يكونا متعارضين.

و إخراجهما عن ظاهرهما بحمل الأول على عذرة غير مأكول اللحم و الثاني على عذرة مأكول اللحم ليس عملا بهما إذ كما يجب مراعاة السند في الرواية و التعبد بصدورها إذا اجتمعت شرائط الحجية كذلك يجب التعبد بإرادة المتكلم ظاهر الكلام المفروض وجوب التعبد بصدوره إذا لم يكن هنا قرينة صارفة و لا ريب أن التعبد بصدور أحدهما المعين إذا كان هناك مرجح و المخير إذا لم يكن ثابت على تقدير الجمع و عدمه فالتعبد بظاهره واجب كما أن التعبد بصدور الآخر أيضا واجب.

فيدور الأمر بين عدم التعبد بصدور ما عدا الواحد المتفق على التعبد به و بين عدم التعبد بظاهر الواحد المتفق على التعبد به و لا أولوية للثاني.

بل قد يتخيل العكس فيه من حيث إن في الجمع ترك التعبد بظاهرين و في طرح أحدهما ترك التعبد بسند واحد. لكنه فاسد من حيث إن ترك التعبد بظاهر ما لم يثبت التعبد بصدوره و لم يحرز كونه صادرا عن المتكلم و هو ما عدا الواحد المتيقن العمل به ليس مخالفا للأصل بل التعبد غير معقول إذ لا ظاهر حتى يتعبد به فليس مخالفا للأصل و تركا للتعبد بما يجب التعبد به.

و مما ذكرنا يظهر فساد توهم أنه إذا عملنا بدليل حجية الأمارة فيهما و قلنا بأن الخبرين معتبران سندا فيصيران كمقطوعي الصدور و لا إشكال و لا خلاف في أنه إذا وقع التعارض بين ظاهري مقطوعي الصدور كآيتين أو متواترين وجب تأويلهما و العمل بخلاف ظاهرهما فيكون‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 755

القطع بصدورهما عن المعصوم عليه السلام قرينة صارفة لتأويل كل من الظاهرين.

و توضيح الفرق و فساد القياس أن وجوب التعبد بالظواهر لا يزاحم القطع بالصدور بل القطع بالصدور قرينة على إرادة خلاف الظاهر و فيما نحن فيه يكون وجوب التعبد بالظاهر مزاحما لوجوب التعبد بالسند و بعبارة أخرى العمل بمقتضى أدلة اعتبار السند و الظاهر بمعنى الحكم بصدورهما و إرادة ظاهرهما غير ممكن و الممكن من هذه الأمور الأربعة اثنان لا غير إما الأخذ بالسندين و إما الأخذ بظاهر و سند من أحدهما فالسند الواحد منهما متيقن الأخذ به.

و طرح أحد الظاهرين و هو ظاهر الآخر الغير المتيقن الأخذ بسنده ليس مخالفا للأصل لأن المخالف للأصل ارتكاب التأويل في الكلام بعد الفراغ عن التعبد بصدوره فيدور الأمر بين مخالفة أحد أصلين إما مخالفة دليل التعبد بالصدور في غير المتيقن التعبد و إما مخالفة الظاهر في متيقن التعبد و أحدهما ليس حاكما على الآخر لأن الشك فيهما مسبب عن ثالث فيتعارضان.

و منه يظهر فساد قياس ذلك بالنص الظني السند مع الظاهر حيث يوجب الجمع بينهما بطرح ظهور الظاهر لا سند النص.

توضيحه أن سند الظاهر لا يزاحم دلالته و لا سند النص و لا دلالته أما دلالته فواضح إذ لا يبقى مع طرح السند مراعاة للظاهر و أما سند النص و دلالته فإنما يزاحمان ظاهره لا سنده و هما حاكمان على ظهوره لأن من آثار التعبد به رفع اليد عن ذلك الظهور لأن الشك فيه مسبب عن الشك في التعبد بالنص.

و أضعف مما ذكر توهم قياس ذلك بما إذا كان خبر بلا معارض لكن ظاهره مخالف للإجماع فإنه يحكم بمقتضى اعتبار سنده بإرادة خلاف الظاهر من مدلوله لكن لا دوران هناك بين طرح السند و العمل بالظاهر و بين العكس إذ لو طرحنا سند ذلك الخبر لم يبق مورد للعمل بظاهره بخلاف ما نحن فيه فإنا إذا طرحنا سند أحد الخبرين أمكننا العمل بظاهر الآخر و لا مرجح لعكس ذلك بل الظاهر هو الطرح لأن المرجح و المحكم في الإمكان الذي قيد به وجوب العمل بالخبرين هو العرف و لا شك في حكم العرف و أهل اللسان بعدم إمكان العمل بقوله أكرم العلماء و لا تكرم العلماء نعم لو فرض علمهم بصدور كليهما حملوا أمر الأمر بالعمل بهما على إرادة ما يعم العمل بخلاف ما يقتضيانه بحسب اللغة و العرف. و لأجل ما ذكرنا وقع من جماعة من أجلاء الرواة السؤال عن حكم الخبرين المتعارضين مع‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 756

ما هو مركوز في ذهن كل أحد من أن كل دليل شرعي يجب العمل به مهما أمكن فلو لم يفهموا عدم الإمكان في المتعارضين لم يبق وجه للتحير الموجب للسؤال مع أنه لم يقع الجواب في شي‏ء من تلك الأخبار العلاجية بوجوب الجمع بتأويلهما معا و حمل مورد السؤال على صورة تعذر تأويلهما و لو بعيدا تقييد بفرد غير واقع في الأخبار المتعارضة.

و هذا دليل آخر على عدم كلية هذه القاعدة هذا كله مضافا إلى مخالفتها للإجماع فإن علماء الإسلام من زمن الصحابة إلى يومنا هذا لم يزالوا يستعملون المرجحات في الأخبار المتعارضة بظواهرها ثم اختيار أحدهما و طرح الآخر من دون تأويلهما معا لأجل الجمع.

و أما ما تقدم من عوالي اللئالي فليس نصا بل و لا ظاهرا في دعوى تقديم الجمع بهذا النحو على التخيير و الترجيح فإن الظاهر من الإمكان في قوله فإن أمكنك التوفيق بينهما هو الإمكان العرفي في مقابل الامتناع العرفي بحكم أهل اللسان فإن حمل اللفظ على خلاف ظاهره بلا قرينة غير ممكن عند أهل اللسان بخلاف حمل العام و المطلق على الخاص و المقيد.

و يؤيده قوله أخيرا فإذا لم تتمكن من ذلك و لم يظهر لك وجهه فارجع إلى العمل بهذا الحديث فإن مورد عدم التمكن نادر جدا.

و بالجملة فلا يظن بصاحب العوالي و لا بمن هو دونه أن يقتصر في الترجيح على موارد لا يمكن تأويل كليهما فضلا عن دعواه الإجماع على ذلك.

و التحقيق الذي عليه أهله أن الجمع بين الخبرين المتنافيين بظاهرهما على أقسام ثلاثة أحدها ما يكون متوقفا على تأويلهما معا.

و الثاني ما يتوقف على تأويل أحدهما المعين.

و الثالث ما يتوقف على تأويل أحدهما لا بعينه.

أما الأول فهو الذي تقدم أنه مخالف للدليل و النص و الإجماع.

و أما الثاني فهو تعارض النص و الظاهر الذي تقدم أنه ليس بتعارض في الحقيقة.

و أما الثالث فمن أمثلته العام و الخاص من وجه حيث يحصل الجمع بتخصيص أحدهما مع بقاء الآخر على ظاهره و مثل قوله اغتسل يوم الجمعة بناء على أن ظاهر الصيغة الوجوب و قوله ينبغي غسل الجمعة بناء على ظهور هذه المادة في الاستحباب فإن الجمع يحصل برفع اليد عن ظاهر أحدهما.

و حينئذ فإن كان لأحد الظاهرين مزية و قوة على الآخر بحيث لو اجتمعا في كلام واحد نحو

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 757

رأيت أسدا يرمي أو اتصلا في كلامين لمتكلم واحد تعين العمل بالأظهر و صرف الظاهر إلى ما لا يخالفه كان حكم هذا حكم القسم الثاني في أنه إذا تعبد بصدور الأظهر يصير قرينة صارفة للظاهر من دون عكس نعم الفرق بينه و بين القسم الثاني أن التعبد بصدور النص لا يمكن إلا بكونه صارفا عن الظاهر و لا معنى له غير ذلك و لذا ذكرنا دوران الأمر فيه بين طرح دلالة الظاهر و طرح سند النص.

و فيما نحن فيه يمكن التعبد بصدور الأظهر و إبقاء الظاهر على حاله و صرف الأظهر لأن كلا من الظهورين مستند إلى أصالة الحقيقة إلا أن العرف يرجحون أحد الظهورين على الآخر فالتعارض موجود و الترجيح بالعرف بخلاف النص و الظاهر.

و أما لو لم يكن لأحد الظاهرين مزية على الآخر فالظاهر أن الدليل المتقدم في الجمع و هو ترجيح التعبد بالصدور على أصالة الظهور غير جار هنا إذ لو جمع بينهما و حكم باعتبار سندهما و بأن أحدهما لا بعينه مؤول لم يترتب على ذلك أزيد من الأخذ بظاهر أحدهما إما من باب عروض الإجمال لهما بتساقط أصالتي الحقيقة في كل منهما لأجل التعارض فيعمل بالأصل الموافق لأحدهما و إما من باب التخيير في الأخذ بواحد من أصالتي الحقيقة على أضعف الوجهين في حكم تعارض الأحوال إذا تكافأت و على كل تقدير يجب طرح أحدهما.

نعم يظهر الثمرة في إعمال المرجحات السندية في هذا القسم إذ على العمل بقاعدة الجمع يجب أن يحكم بصدورهما و إجمالهما كمقطوعي الصدور بخلاف ما إذا أدرجناه فيما لا يمكن الجمع فإنه يرجع فيه إلى المرجحات و قد عرفت أن هذا هو الأقوى و أنه لا محصل للعمل بهما على أن يكونا مجملين و يرجع إلى الأصل الموافق لأحدهما ليكون حاصل الأمر بالتعبد بهما ترك الجمع بينهما و الأخذ بالأصل المطابق لأحدهما.

و يؤيد ذلك بل يدل عليه أن الظاهر من العرف دخول هذا القسم في الأخبار العلاجية الآمرة بالرجوع إلى المرجحات.

لكن يوهنه أن اللازم حينئذ بعد فقد المرجحات التخيير بينهما كما هو صريح تلك الأخبار مع أن الظاهر من سيرة العلماء عدا ما سيجي‏ء من الشيخ رحمه الله في النهاية و الإستبصار في مقام الاستنباط التوقف و الرجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما.

إلا أن يقال إن هذا من باب الترجيح بالأصل فيعملون بمطابق الأصل منهما لا بالأصل‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 758

المطابق لأحدهما و مع مخالفتهما للأص ل فاللازم التخيير على كل تقدير غاية الأمر أن التخيير شرعي إن قلنا بدخولهما في عموم الأخبار و عقلي على القول به في مخالفي الأصل إن لم نقل.

و قد يفصل بين ما إذا كان لكل من الظاهرين مورد سليم عن المعارض كالعامين من وجه حيث إن مادة الافتراق في كل منهما سليم عن المعارض و بين غيره كقوله اغتسل للجمعة و ينبغي غسل الجمعة فيرجح الجمع على الطرح في الأول لوجوب العمل بكل منهما في الجملة فيستبعد الطرح في مادة الاجتماع بخلاف الثاني و سيجي‏ء تتمة الكلام إن شاء الله تعالى.

(بقي في المقام أن شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله فرع في تمهيده على قضية أولوية الجمع الحكم بتنصيف دار تداعياها و هي في يدهما أو لا يد لأحدهما و أقاما بينة انتهى المحكي عنه).

و لو خص المثال بالصورة الثانية لم يرد عليه ما ذكره المحقق القمي رحمه الله و إن كان ذلك أيضا لا يخلو عن مناقشة يظهر بالتأمل و كيف كان فالأولى التمثيل بها و بما أشبهها مثل حكمهم بوجوب العمل بالبينات في تقويم المعيب و الصحيح.

و كيف كان فالكلام في مستند أولوية الجمع بهذا النحو أعني العمل بكل من الدليلين في بعض مدلولهما المستلزم للمخالفة القطعية لمقتضى الدليلين لأن الدليل الواحد لا يتبعض في الصدق و الكذب و مثل هذا غير جار في أدلة الأحكام الشرعية.

و التحقيق أن العمل بالدليلين بمعنى الحركة و السكون على طبق مدلولهما غير ممكن مطلقا فلا بد على القول بعموم القضية المشهورة من العمل على وجه يكون فيه جمع بينهما من جهة و إن كان طرحا من جهة أخرى في مقابل طرح أحدهما رأسا و الجمع في أدلة الأحكام عندهم بالعمل بهما من حيث الحكم بصدقهما و إن كان فيه طرح لهما من حيث ظاهرهما.

و في مثل تعارض البينات لما لم يمكن ذلك لعدم تأتي التأويل في ظاهر كلمات الشهود فهي بمنزلة النصين المتعارضين انحصر وجه الجمع في التبعيض فيهما من حيث التصديق بأن يصدق كل من المتعارضين في بعض ما يخبر به.

فمن أخبر بأن هذا كله لزيد فصدقه في نصف الدار و كذا من شهد بأن قيمة هذا الشي‏ء صحيحا كذا و معيبا كذا فصدقه في أن قيمة كل نصف منه منضما إلى نصفه الآخر نصف القيمة.

و هذا النحو غير ممكن في الأخبار لأن مضمون خبر العادل أعني صدور هذا القول الخاص من الإمام عليه السلام غير قابل للتبعيض بل هو نظير تعارض البينات في الزوجة أو النسب‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 759

نعم قد يتصور التبعيض في ترتيب الآثار على تصديق العادل إذا كان كل من الدليلين عاما ذا أفراد فيؤخذ بقوله في بعضها و بقول الآخر في بعضها فيكرم بعض العلماء و يهين بعضهم فيما إذا ورد أكرم العلماء و ورد أيضا أهن العلماء سواء كانا نصين بحيث لا يمكن التجوز في أحدهما أو ظاهرين فيمكن الجمع بينهما على وجه التجوز و على طريق التبعيض.

إلا أن المخالفة القطعية في الأحكام الشرعية لا ترتكب في واقعة واحدة لأن الحق فيها للشارع و لا يرضى بالمعصية القطعية مقدمة للعلم بالإطاعة فيجب اختيار أحدهما و طرح الآخر بخلاف حقوق الناس فإن الحق فيها لمتعدد فالعمل بالبعض في كل منهما جمع بين الحقين من غير ترجيح لأحدهما على الآخر بالدواعي النفسانية فهو أولى من الإهمال الكلي لأحدهما و تفويض تعيين ذلك إلى اختيار الحاكم و دواعيه النفسانية الغير المنضبطة في الموارد و لأجل هذا يعد الجمع بهذا النحو مصالحة بين الخصمين عند العرف و قد وقع التعبد به في بعض النصوص أيضا.

فظهر مما ذكرنا أن الجمع في أدلة الأحكام بالنحو المتقدم من تأويل كليهما لا أولوية له أصلا على طرح أحدهما و الأخذ بالآخر بل الأمر بالعكس.

و أما الجمع بين البينات في حقوق الناس فهو و إن كان لا أولية فيه على طرح أحدهما بحسب أدلة حجية البينة لأنها تدل على وجوب الأخذ بكل منهما في تمام مضمونه فلا فرق في مخالفتهما بين الأخذ لا بكل منهما بل بأحدهما أو بكل منهما لا في تمام مضمونه بل في بعضه.

إلا أن ما ذكره من الاعتبار لعله يكون مرجحا للثاني على الأول.

و يؤيده ورود الأمر بالجمع بين الحقين بهذا النحو في رواية السكوني المعمول بها فيمن أودعه رجل درهمين و آخر درهما فامتزجا بغير تفريط و تلف أحدهما هذا.

و لكن الإنصاف أن الأصل في موارد تعارض البينات و شبهها هي القرعة.

نعم يبقى الكلام في كون القرعة مرجحة للبينة المطابقة لها أو مرجعا بعد تساقط البينتين و كذا الكلام في عموم موارد القرعة أو اختصاصها بما لا يكون هناك أصل عملي كأصالة الطهارة مع إحدى البينتين و للكلام مورد آخر. فلنرجع إلى ما كنا فيه فنقول حيث تبين عدم تقدم الجمع على الترجيح و لا على التخيير فلا بد من الكلام في المقامين اللذين ذكرنا أن الكلام في أحكام التعارض يقع فيهما فنقول‏

إن المتعارضين إما أن لا يكون مع أحدهما مرجح فيكونان متكافئين متعادلين و إما أن يكون مع أحدهما مرجح. فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 760