حضرت امام علی عليه‌السلام نے فرمایا: دین کو ذریعہ معاش بنا کر کھانے والے کا دین میں سے صرف وہی حصہ ہوتا ہے جو وہ کھاتا ہے۔ بحارالانوارابواب المواعظ والحکم باب16 حدیث152

المقام الثاني في (الاستصحاب‏
بقي الكلام في أمور
السادس في تقسيم الاستصحاب إلى أقسام‏
[أدلة حجية الاستصحاب‏]
[أدلة الأقوال في الاستصحاب‏]
حجة من أنكر اعتبار الاستصحاب في الأمور الخارجية
حجة القول السادس‏
حجة القول الثامن‏
حجة القول التاسع‏
حجة القول الحادي عشر
و ينبغي التنبيه على أمور.
الأمر الثاني‏
الأمر الثالث‏
الأمر السادس‏
الأمر السابع‏
الأمر التاسع‏
الأمر العاشر.
خاتمة
تقديم الاستصحاب على الأصول الثلاثة.
المسألة الثالثة في أصالة الصحة في فعل الغير
المقام الثاني في بيان تعارض الاستصحاب مع القرعة
و أما الكلام في تعارض الاستصحابين‏
و أما القسم الثاني و هو ما إذا كان الشك في كليهما مسببا عن أمر ثالث‏
خاتمة في التعادل و الترجيح‏
المقام الأول في المتكافئين‏
المقام الثاني في التراجيح‏
المقام الثالث في عدم جواز الاقتصار على المرجحات المنصوصة
المقام الرابع في بيان المرجحات‏
بقي في المقام شي‏ء
مرجحات الرواية من الجهات الأخر
بقي في هذا المقام أمور
المقام الثالث‏
بقي هنا شي‏ء
المصادر

رسائل حصہ سوم

الأمر الثالث‏

أن المتيقن السابق إذا كان مما يستقل به العقل كحرمة الظلم و قبح التكليف بما لا يطاق و نحوهما من المحسنات و المقبحات العقلية فلا يجوز استصحابه لأن الاستصحاب إبقاء ما كان و الحكم العقلي موضوعه معلوم تفصيلا للعقل الحاكم به فإن أدرك العقل بقاء الموضوع في الآن الثاني حكم به حكما قطعيا كما حكم أولا و إن أدرك ارتفاعه قطع بارتفاع ذلك الحكم و لو ثبت مثله بدليل لكان حكما جديدا حادثا في موضوع جديد.

و أما الشك في بقاء الموضوع فإن كان لاشتباه خارجي كالشك في بقاء الإضرار في السم الذي حكم العقل بقبح شربه فذلك خارج عما نحن فيه و سيأتي الكلام فيه و إن كان لعدم تعيين الموضوع تفصيلا و احتمال مدخلية موجود مرتفع أو معدوم حادث في موضوعية الموضوع فهذا غير متصور في المستقلات العقلية لأن العقل لا يستقل بالحكم إلا بعد إحراز الموضوع و معرفته تفصيلا لأن القضايا العقلية إما ضرورية لا يحتاج العقل في حكمه إلى أزيد من تصور الموضوع بجميع ما له دخل في موضوعيته من قيوده و إما نظرية تنتهي إلى ضرورية كذلك فلا يعقل إجمال الموضوع في حكم العقل مع أنك ستعرف في مسألة اشتراط بقاء الموضوع أن الشك في الموضوع خصوصا لأجل مدخلية شي‏ء مانع عن إجراء الاستصحاب.

فإن قلت فكيف يستصحب الحكم الشرعي مع أنه كاشف عن حكم عقلي مستقل فإنه إذا ثبت حكم العقل برد الوديعة و حكم الشارع على وجوب الرد ثم عرض ما يوجب الشك مثل الاضطرار و الخوف فيستصحب الحكم مع أنه كان تابعا للحكم العقلي.

قلت أما الحكم الشرعي المستند إلى الحكم العقلي فحاله حال الحكم العقلي في عدم جريان الاستصحاب نعم لو ورد في مورد حكم العقل حكم شرعي من غير جهة العقل و حصل التغير في‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 651

حال من أحوال موضوعه مما يحتمل مدخليته وجودا أو عدما في الحكم جرى الاستصحاب و حكم بأن موضوعه أعم من موضوع حكم العقل و من هنا يجري استصحاب عدم التكليف في حال يستقل العقل بقبح التكليف فيه لكن العدم الأزلي ليس مستندا إلى القبح و إن كان موردا للقبح هذا حال نفس الحكم العقلي.

و أما موضوعه كالضرر المشكوك بقاؤه في المثال المتقدم فالذي ينبغي أن يقال فيه إن الاستصحاب إن اعتبر من باب الظن عمل به هنا لأنه يظن الضرر بالاستصحاب فيحمل عليه الحكم العقلي إن كان موضوعه أعم من القطع و الظن كما في مثال الضرر و إن اعتبر من باب التعبد لأجل الأخبار فلا يجوز العمل به للقطع بانتفاء حكم العقل مع الشك في الموضوع الذي كان يحكم عليه مع القطع فلا يثبت إلا الآثار الشرعية المجعولة القابلة للجعل الظاهري و تعبد الشارع بالحكم العقلي يخرجه عن كونه حكما عقليا.

غاية ما في الباب كون الحكم العقلي في مورد الشك المذكور ظنيا باعتبار ظنية الصغرى و إن اعتبر من باب التعبد لأجل الأخبار لم يجز العمل به لما سيجي‏ء من أن الثابت بالأخبار هي الآثار الشرعية المجعولة القابلة للجعل الظاهري دون الأحكام العقلية و العادية الغير القابلة للجعل.

مثلا إذا ثبت بقاء الضرر في السم في المثال المتقدم با لاستصحاب فمعنى ذلك ترتيب الآثار الشرعية المجعولة للضرر على مورد الشك و أما حكم العقل بالقبح و الحرمة فلا يثبت إلا مع إحراز الضرر نعم يثبت الحرمة الشرعية بمعنى نهي الشارع ظاهرا لثبوتها سابقا و لو بواسطة الحكم العقلي و لا منافاة بين انتفاء الحكم العقلي و ثبوت الحكم الشرعي لأن عدم حكم العقل مع الشك إنما هو لاشتباه الموضوع عنده و باشتباهه يشتبه الحكم الشرعي الواقعي أيضا إلا أن الشارع حكم على هذا المشتبه الواقعي ب حكم ظاهري هي الحرمة.

و مما ذكرنا من عدم جريان الاستصحاب في الحكم العقلي يظهر ما في تمسك بعضهم لأجزاء ما فعله الناسي لجزء من العبادة أو شرطها باستصحاب عدم التكليف الثابت حال النسيان و ما في اعتراض بعض المعاصرين على من خص من القدماء و المتأخرين استصحاب حال العقل باستصحاب العدم بأنه لا وجه للتخصيص فإن حكم العقل المستصحب قد يكون وجوديا تكليفيا كاستصحاب تحريم التصرف في مال الغير و وجوب رد الأمانة إذا عرض هناك ما يحتمل معه زوالهما كالاضطرار و الخوف أو وضعيا كشرطية العلم للتكليف إذا عرض ما يوجب الشك في بقائها

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 652

و يظهر حال المثالين الأولين مما ذكرنا سابقا و أما المثال الثالث فلم يتصور فيه الشك في بقاء شرطية العلم للتكليف في زمان نعم ربما يستصحب التكليف فيما كان المكلف به معلوما بالتفصيل ثم اشتبه و صار معلوما بالإجمال لكنه خارج عما نحن فيه مع عدم جريان الاستصحاب فيه كما سننبه عليه.

و يظهر أيضا فساد التمسك باستصحاب البراءة و الاشتغال الثابتين بقاعدتي البراءة و الاشتغال.

مثال الأول ما إذا قطع بالبراءة عن وجوب غسل الجمعة و الدعاء عند رؤية الهلال قبل الشرع أو العثور عليه فإن مجرد الشك في حصول الاشتغال كاف في حكم العقل بالبراءة و لا حاجة إلى إبقاء البراءة السابقة و الحكم بعدم ارتفاعها ظاهرا فلا فرق بين الحالة السابقة و اللاحقة في استقلال العقل بقبح التكليف فيهما لكون المناط في القبح عدم العلم نعم لو أريد إثبات عدم الحكم أمكن إثباته باستصحاب عدمه لكن المقصود من استصحابه ليس إلا ترتيب آثار عدم الحكم و ليس إلا عدم الاشتغال الذي يحكم به العقل في زمان الشك فهو من آثار الشك لا المشكوك.

و مثال الثاني إذا حكم العقل عند اشتباه المكلف به بوجوب السورة في الصلاة و وجوب الصلاة إلى أربع جهات و وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين في الشبهة المحصورة ففعل ما يحتمل معه بقاء التكليف الواقعي و سقوطه كأن صلى بلا سورة أو إلى بعض الجهات أو اجتنب أحدهما فربما يتمسك حينئذ باستصحاب الاشتغال المتيقن سابقا.

و فيه أن الحكم السابق لم يكن إلا بحكم العقل الحاكم بوجوب تحصيل اليقين بالبراءة عن التكليف المعلوم في زمان هو بعينه موجود في هذا الزمان نعم الفرق بين هذا الزمان و الزمان السابق حصول العلم بوجود التكليف فعلا بالواقع في السابق و عدم العلم به في هذا الزمان و هذا لا يؤثر في حكم العقل المذكور إذ يكفي فيه العلم بالتكليف الواقعي آناً ما نعم يجري استصحاب عدم فعل الواجب الواقعي و عدم سقوطه عنه لكنه لا يقضي بوجوب الإتيان بالصلاة مع السورة الصلاة إلى الجهة الباقية و اجتناب المشتبه الباقي بل يقضي بوجوب تحصيل البراءة من الواقع لكن مجرد ذلك لا يثبت وجوب الإتيان بما يقتضي اليقين بالبراءة إلا على القول بالأصل المثبت أو بضميمة حكم العقل بوجوب تحصيل اليقين و الأول لا نقول به و الثاني بعينه موجود في محل الشك من دون الاستصحاب.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 653

الأمر الرابع‏

قد يطلق على بعض الاستصحابات الاستصحاب التقديري تارة و التعليقي أخرى باعتبار كون القضية المستصحبة قضية تعليقية حكم فيها بوجود حكم على تقدير وجود آخر فربما يتوهم لأجل ذلك الإشكال في اعتباره بل منعه و الرجوع فيه إلى استصحاب مخالف له.

توضيح ذلك أن المستصحب قد يكون أمرا موجودا في السابق بالفعل كما إذا وجب الصلاة فعلا أو حرم العصير العنبي بالفعل في زمان ثم شك في بقائه و ارتفاعه و هذا لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه و قد يكون أمرا موجودا على تقدير وجود أمر فالمستصحب هو وجوده التعليقي مثل أن العنب كانت حرمة مائه معلقة على غليانه فالحرمة ثابتة على تقدير الغليان فإذا جف و صار زبيبا فهل يبقى بالاستصحاب حرمة مائه المعلقة على الغليان فيحرم عند تحققه أم لا بل يستصحب الإباحة السابقة لماء الزبيب قبل الغليان.

ظاهر سيد مشايخنا في المناهل وفاقا لما حكاه عن والده قدس سره في الدرس عدم اعتبار الاستصحاب الأول و الرجوع إلى الاستصحاب الثاني (قال في المناهل في رد تمسك السيد العلامة الطباطبائي على حرمة العصير من الزبيب إذا غلى بالاستصحاب و دعوى تقديمه على استصحاب الإباحة أنه يشترط في حجية الاستصحاب ثبوت أمر أو حكم وضعي أو تكليفي في زمان من الأزمنة قطعا ثم يحصل الشك في ارتفاعه من الأسباب و لا يكفي مجرد قابلية الثبوت باعتبار من الاعتبارات فالاستصحاب التقديري باطل و قد صرح بذلك الوالد العلامة في أثناء الدرس فلا وجه للتمسك باستصحاب التحريم في المسألة انتهى كلامه‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 654

رفع مقامه) أقول لا إشكال في أنه يعتبر في الاستصحاب تحقق المستصحب سابقا و الشك في ارتفاع ذلك المحقق و لا إشكال أيضا في عدم اعتبار أزيد من ذلك و من المعلوم أن تحقق كل شي‏ء بحسبه فإذا قلنا العنب يحرم ماؤه إذا غلى أو بسبب الغليان فهناك لازم و ملزوم و ملازمة أما الملازمة و بعبارة أخرى سببية الغليان لتحريم ماء العصير فهي متحققة بالفعل من دون تعليق و أما اللازم و هي الحرمة فله وجود مقيد بكونه على تقدير الملزوم و هذا الوجود التقديري أمر متحقق في نفسه في مقابل عدمه و حينئذ فإذا شككنا في أن وصف العنبية له مدخل في تأثير الغليان في حرمة مائه فلا أثر للغليان في التحريم بعد جفاف العنب و صيرورته زبيبا فأي فرق بين هذا و بين سائر الأحكام الثابتة للعنب إذا شك في بقائها بعد صيرورته زبيبا.

نعم ربما يناقش في الاستصحاب المذكور تارة بانتفاء الموضوع و هو العنب و أخرى بمعارضته باستصحاب الإباحة قبل الغليان بل ترجيحه عليه بمثل الشهرة و العمومات لكن الأول لا دخل له في الفرق بين الآثار الثابتة للعنب بالفعل و الثابتة له على تقدير دون آخر و الثاني فاسد لحكومة استصحاب الحرمة على تقدير الغليان على استصحاب الإباحة قبل الغليان.

فالتحقيق أنه لا يعقل فرق في جريان الاستصحاب و لا في اعتباره من حيث الأخبار أو من حيث العقل بين أنحاء تحقق المستصحب فكل نحو من التحقق ثبت للمستصحب و شك في ارتفاعه فالأصل بقاؤه مع أنك عرفت أن الملازمة و سببية الملزوم للازم موجود بالفعل وجد اللازم أم لم يوجد لأن صدق الشرطية لا يتوقف على صدق الشرط و هذا الاستصحاب غير متوقف على وجود الملزم نعم لو أريد إثبات وجود الحكم فعلا في الزمان الثاني اعتبر إحراز الملزوم فيه ليترتب عليه بحكم الاستصحاب لازمه و قد يقع الشك في وجود الملزوم في الآن اللاحق لعدم تعينه و احتمال مدخلية شي‏ء في تأثير ما يتراءى أنه ملزوم.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 655

الأمر الخامس‏

أنه لا فرق في المستصحب بين أن يكون حكما ثابتا في هذه الشريعة أم حكما من أحكام الشريعة السابقة إذ المقتضي موجود و هو جريان دليل الاستصحاب و عدم ما يصلح مانعا عدا أمور منها ما ذكره بعض المعاصرين من أن الحكم الثابت في حق جماعة لا يمكن إثباته في حق آخرين لتغاير الموضوع فإن ما ثبت في حقهم مثله لا نفسه و لذا يتمسك في تسرية الأحكام الثابتة للحاضرين أو الموجودين إلى الغائبين أو المعدومين بالإجماع و الأخبار الدالة على الشركة لا بالاستصحاب.

و فيه أولا أنا نفرض الشخص الواحد مدركا للشريعتين فإذا حرم في حقه شي‏ء سابقا و شك في بقاء الحرمة في الشريعة اللاحقة فلا مانع عن الاستصحاب أصلا و فرض انقراض جميع أهل الشريعة السابقة عند تجدد اللاحقة نادر بل غير واقع.

و ثانيا أن اختلاف الأشخاص لا يمنع عن الاستصحاب و إلا لم يجر استصحاب عدم النسخ.

و حله أن المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فيه.

إذ لو فرض وجود اللاحقين في السابق عمهم الحكم قطعا فإن الشريعة اللاحقة لا تحدث عند انقراض أهل الشريعة الأولى [00- 13- 35- 3] غاية الأمر احتمال مدخلية بعض أوصافهم المعتبرة في موضوع الحكم و مثل هذا لو أثر في الاستصحاب لقدح في أكثر الاستصحابات بل في جميع موارد الشك من غير جهة الرافع.

و أما التمسك في تسرية الحكم من الحاضرين إلى الغائبين فليس مجرى للاستصحاب حتى يتمسك به لأن تغاير الحاضرين المشافهين للغائبين ليس بالزمان و لعله سهو من قلمه قدس سره.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 656

و أما التسرية من الموجودين إلى المعدومين فيمكن التمسك فيها بالاستصحاب بالتقريب المتقدم أو بإجرائه فيمن بقي من الموجودين إلى زمان وجود المعدومين و يتم الحكم في المعدومين بقيام الضرورة على اشتراك أهل الزمان الواحد في الشريعة الواحدة و منها ما اشتهر من أن هذه الشريعة ناسخة لغيرها من الشرائع فلا يجوز الحكم بالبقاء.

و فيه أنه إن أريد نسخ كل حكم إلهي من أحكام الشريعة السابقة فهو ممنوع و إن أريد نسخ البعض فالمتيقن من المنسوخ ما علم بالدليل فيبقى غيره على ما كان عليه و لو بحكم الاستصحاب.

فإن قلت إنا نعلم قطعا بنسخ كثير من الأحكام السابقة و المعلوم تفصيلا منها قليل في الغاية فيعلم بوجود المنسوخ في غيره.

قلت لو سلم ذلك لم يقدح في إجراء أصالة عدم النسخ في المشكوكات لأن الأحكام المعلومة في شرعنا بالأدلة واجبة العمل سواء كانت من موارد النسخ أم لا فأصالة عدم النسخ فيها غير محتاج إليها فيبقى أصالة عدم النسخ في محل الحاجة سليمة عن المعارض لما تقرر في الشبهة المحصورة من أن الأصل في بعض أطراف الشبهة إذا لم يكن جاريا أو لم يحتج إليه فلا ضير في إجراء الأصل في البعض الآخر.

و لأجل ما ذكرنا استمر بناء المسلمين في أول البعثة على الاستمرار على ما كانوا عليه حتى يطلعوا على الخلاف.

إلا أن يقال إن ذلك كان قبل إكمال شريعتنا و أما بعده فقد جاء النبي صلى اللَّه عليه و آله بجميع ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة سواء خالف الشريعة السابقة أم وافقها فنحن مكلفون بتحصيل ذلك الحكم موافقا أم مخالفا لأنه مقتضى التدين بهذا الدين.

و لكن يدفعه أن المفروض حصول الظن المعتبر من الاستصحاب ببقاء حكم الله السابق في هذه الشريعة فيظن بكونه مما جاء به النبي صلى اللَّه عليه و آله و لو بنينا على الاستصحاب تعبدا فالأمر أوضح لكونه حكما كليا في شريعتنا بإبقاء ما ثبت في السابق.

و منها (ما ذكره في القوانين من أن جريان الاستصحاب مبني على القول بكون حسن الأشياء ذاتيا و هو ممنوع بل التحقيق أنه بالوجوه و الاعتبار).

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 657

و فيه أنه إن أريد بالذاتي المعنى الذي ينافيه النسخ و هو الذي أبطلوه بوقوع النسخ فهذا المعنى ليس مبنى الاستصحاب بل هو مانع عنه للقطع بعدم النسخ حينئذ فلا يحتمل الارتفاع و إن أريد غيره فلا فرق بين القول به و القول بالوجوه و الاعتبارات فإن القول بالوجوه لو كان مانعا عن الاستصحاب لم يجر الاستصحاب في هذه الشريعة. ثم إن جماعة رتبوا على إبقاء الشرع السابق في مورد الشك تبعا لتمهيد القواعد ثمرات.

منها إثبات وجوب نية الإخلاص في العبادة بقوله تعالى حكاية عن تكليف أهل الكتاب وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ.

و يرد عليه بعد الإغماض عن عدم دلالة الآية على وجوب الإخلاص بمعنى القربة في كل واجب و إنما تدل على وجوب عبادة الله خالصة عن الشرك و بعبارة أخرى وجوب التوحيد كما أوضحنا ذلك في باب النية من الفقه أن الآية إنما تدل على اعتبار الإخلاص لا على وجوب الإخلاص عليهم في كل واجب و فرق بين وجوب كل شي‏ء عليهم لغاية الإخلاص و بين وجوب قصد الإخلاص عليهم في كل واجب.

و ظاهر الآية هو الأول و مقتضاه أن تشريع الواجبات لأجل تحقق العبادة على وجه الإخلاص و مرجع ذلك إلى كونها لطفا و لا ينافي ذلك كون بعضها بل كلها توصليا لا يعتبر في سقوطه قصد القربة.

و مقتضى الثاني كون الإخلاص واجبا شرطيا في كل واجب و هو المطلوب فتأمل

. هذا كله مع أنه يكفي في ثبوت الحكم في شرعنا قوله تعالى وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ بناء على تفسيرها بالثابتة التي لا تنسخ.

و منها قوله تعالى حكاية عن مؤذن يوسف عليه السلام وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ فدل على جواز الجهالة في مال الجعالة و على جواز ضمان ما لم يجب.

و فيه أن حمل البعير لعله كان معلوم المقدار عندهم مع احتمال كونه مجرد وعد لا جعالة مع أنه لم يثبت الشرع بمجرد فعل المؤذن لأنه غير حجة و لم يثبت إذن يوسف عليه السلام في ذلك و لا

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 658

تقريره و منه يظهر عدم ثبوت شرعية الضمان المذكور خصوصا مع كون كل من الجعالة و الضمان صوريا قصد بهما تلبيس الأمر على إخوة يوسف و لا بأس بذكر معاملة فاسدة يحصل به الغرض مع احتمال إرادة أن الحمل في ماله و أنه ملتزم به فإن الزعيم هو الكفيل و الضامن و هما لغة مطلق الالتزام و لم يثبت كونهما في ذلك الزمان حقيقة في الالتزام عن الغير فيكون الفقرة الثانية تأكيدا لظاهر الأولى و دفعا لتوهم كونه من الملك فيصعب تحصيله. و منها قوله تعالى حكاية عن أحوال يحيى على نبينا و عليه السلام وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ فإن ظاهره يدل على مدح يحيى بكونه حصورا أي ممتنعا عن مباشرة النسوان فيمكن أن يرجح في شريعتنا التعفف على التزويج.

و فيه أن الآية لا تدل إلا على حسن هذه الصفة لما فيه من المصالح و التخلص عما يترتب عليه و لا دليل فيه على رجحان هذه الصفة على صفة أخرى أعني المباشرة لبعض المصالح الأخروية فإن مدح زيد بكونه صائم النهار متهجدا لا يدل على رجحان هاتين الصفتين على الإفطار في النهار و ترك التهجد في الليل للاشتغال بما هو أهم منها.

و منها قوله تعالى وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ الآية دل على جواز بر اليمين على ضرب المستحق مائة بالضرب بالضغث. و فيه ما لا يخفى.

و منها قوله تعالى أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ إلى آخر الآية استدل بها في حكم من قلع عين ذي العين الواحدة.

و منها قوله تعالى حكاية عن شعيب إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى‏ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ.

و فيه أن حكم المسألة قد علم من العمومات و الخصوصات الواردة فيها فلا ثمرة في الاستصحاب نعم في بعض تلك الأخبار إشعار بجواز العمل بالحكم الثابت في الشرع السابق لو لا المنع عنه فراجع و تأمل.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 659