حضرت امام علی عليه‌السلام نے فرمایا: دنیا بدبخت لوگوں کی آرزو ہے اور آخرت نیک لوگوں کی کامیابی ہے غررالحکم حدیث694،695

المقصد الثالث من مقاصد الكتاب في الشك‏
و الموضع الأول و هو الشك في نفس التكليف‏
احتج للقول الأول بالأدلة الأربعة
و أما الإجماع فتقريره من وجهين‏
احتج للقول الثاني و هو وجوب الكف عما يحتمل الحرمة بالأدلة الثلاثة
و ينبغي التنبيه على أمور
المسألة الثانية ما إذا كان دوران حكم الفعل
المطلب الثاني في دوران حكم الفعل بين الوجوب و غير الحرمة من الأحكام‏
المطلب الثالث فيما دار الأمر فيه بين الوجوب و الحرمة
الموضع الثاني في الشك في المكلف به‏
و أما المقام الثاني و هو وجوب اجتناب الكل و عدمه‏
و ينبغي التنبيه على أمور
المقام الثاني في الشبهة الغير المحصورة
المطلب الثاني في اشتباه الواجب بغير الحرام‏
و ينبغي التنبيه على أمور
القسم الثاني فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقل و الأكثر
المسألة الثانية ما إذا كان الشك في الجزئية ناشئا من إجمال الدليل‏
و أما القسم الثاني و هو الشك في كون الشي‏ء قيدا للمأمور به‏
الأمر الثاني‏
خاتمة فيما يعتبر في العمل بالأصل‏
و أما البراءة
و أما الكلام في مقدار الفحص‏
قاعدة لا ضرر

رسائل حصہ دوم

و أما البراءة

فإن كان الشك الموجب للرجوع إليها من جهة الشبهة في الموضوع فقد تقدم أنها غير مشروطة بالفحص عن الدليل المزيل لها و إن كان من جهة الشبهة في الحكم الشرعي فالتحقيق أن ليس لها إلا شرط واحد و هو الفحص عن الأدلة الشرعية.

و الكلام يقع تارة في أصل الفحص و أخرى في مقداره.

أما وجوب أصل الفحص‏

و حاصله عدم معذورية الجاهل المقصر في التعلم فيدل عليه وجوه الأول الإجماع القطعي على عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع في الأدلة.

الثاني الأدلة الدالة على وجوب تحصيل العلم مثل آيتي النفر للتفقه و سؤال أهل الذكر و الأخبار الدالة على وجوب تحصيل العلم و تحصيل التفقه و الذم على ترك السؤال.

الثالث ما دل على مؤاخذة الجهال بفعل المعاصي المجهولة المستلزم لوجوب تحصيل العلم لحكم العقل بوجوب التحرز عن مضرة العقاب.

مثل (: قوله صلى اللَّه عليه و آله فيمن غسل مجدورا أصابته جنابة فكز فمات قتلوه قتلهم الله أ لا سألوا أ لا يمموه) (: و قوله صلى اللَّه عليه و آله لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء ما كان أسوأ حالك لو مت على هذه الحالة ثم أمره بالتوبة و غسلها)

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 511

(: و ما ورد في تفسير قوله تعالى فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ من أنه يقال للعبد يوم القيامة هل علمت فإن قال نعم قيل فهلا عملت و إن قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل) (و ما رواه القمي في تفسير قوله تعالى الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ نزلت فيمن اعتزل عن أمير المؤمنين عليه السلام و لم يقاتل معه قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ أي لم نعلم من الحق فقال الله تعالى أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها أي دين الله و كتابه واضحا متسعا فتنظروا فيه فترشدوا و تهتدوا به سبيل الحق).

الرابع أن العقل لا يعذر الجاهل القادر على الاستعلام في المقام الذي نظيره في العرفيات ما إذا ورد من يدعي الرسالة من المولى و أتى بطومار يدعي أن الناظر فيه يطلع على صدق دعواه أو كذبها فتأمل و النقل الدال على البراءة في الشبهة الحكمية معارض بما تقدم من الأخبار الدالة على وجوب الاحتياط حتى يسأل عن الواقعة كما في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة و ما دل على وجوب التوقف بناء على الجمع بينها و بين أدلة البراءة بحملها على صورة التمكن من إزالة الشبهة.

الخامس حصول العلم الإجمالي لكل أحد قبل الأخذ في استعلام المسائل بوجود واجبات و محرمات كثيرة في الشريعة و معه لا يصح التمسك بأصل البراءة لما تقدم من أن مجراه الشك في أصل التكليف لا في المكلف به مع العلم بالتكليف.

فإن قلت إذا علم المكلف تفصيلا بعدة أمور من الواجبات و المحرمات يحتمل انحصار التكاليف فيها كان الشك بالنسبة إلى مجهولاته شكا في أصل التكليف و بتقرير آخر إن كان استعلام جملة من الواجبات و المحرمات تفصيلا موجبا لكون الشك في الباقي شكا في أصل التكليف فلا مقتضي لوجوب الفحص و عدم الرجوع إلى البراءة و إلا لم يجز الرجوع إلى البراءة و لو بعد الفحص إذ الشك في المكلف به لا يرجع فيه إلى البراءة و لو بذل الجهد في الفحص و طلب الحكم الواقعي.

فإن قلت هذا يقتضي عدم جواز الرجوع إلى البراءة في أول الأمر و لو بعد الفحص لأن الفحص لا يوجب جريان البراءة مع العلم الإجمالي.

قلت المعلوم إجمالا وجود التكاليف الواقعية في الوقائع التي يقدر على الوصول إلى مداركها و إذا تفحص و عجز عن الوصول إلى مدارك الواقعة خرجت تلك الواقعة عن الوقائع التي علم إجمالا بوجود التكاليف فيها فيرجع إلى البراءة هذا و لكن لا يخلو عن نظر لأن العلم الإجمالي إنما هو بين‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 512

جميع الوقائع من غير مدخلية تمكن المكلف من الوصول إلى مدارك التكليف و عجزه عن ذلك.

فدعوى اختصاص أطراف العلم الإجمالي بالوقائع المتمكن من الوصول إلى مداركها مجازفة.

مع أن هذا الدليل إنما يوجب الفحص قبل استعلام جملة من التكاليف يحتمل انحصار المعلوم إجمالا فيها فتأمل و راجع ما ذكرنا في رد استدلال الأخباريين على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية بالعلم الإجمالي و كيف كان فالأولى ما ذكر في الوجه الرابع من أن العقل لا يعذر الجاهل القادر على الفحص كما لا يعذر الجاهل بالمكلف به العالم به إجمالا و مناط عدم المعذورية في المقامين هو عدم قبح مؤاخذة الجاهل فيهما فاحتمال الضرر بارتكاب الشبهة غير مندفع بما يأمن معه من ترتب الضرر أ لا ترى أنهم حكموا باستقلال العقل بوجوب النظر في معجزة مدعي النبوة و عدم معذوريته في تركه مستندين في ذلك إلى وجوب دفع الضرر المحتمل لا إلى أنه شك في المكلف به هذا كله مع أن في الوجه الأول و هو الإجماع القطعي كفاية.

ثم إن في حكم أصل البراءة كل أصل عملي خالف الاحتياط.

بقي الكلام في حكم الأخذ بالبراءة مع ترك الفحص‏

و الكلام فيه إما في استحقاقه العقاب و إما في صحة العمل الذي أخذ فيه بالبراءة

أما العقاب‏

فالمشهور أنه على مخالفة الواقع لو اتفقت فإذا شرب العصير العنبي من غير فحص عن حكمه فإن لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب و لو اتفقت حرمته كان العقاب على شرب العصير لا على ترك التعلم.

أما الأول فلعدم المقتضي للمؤاخذة عدا ما يتخيل من ظهور أدلة وجوب الفحص و طلب تحصيل العلم في الوجوب النفسي.

و هو مدفوع بأن المستفاد من أدلته بعد التأمل إنما هو وجوب الفحص لئلا يقع في مخالفة الواقع كما لا يخفى أو ما يتخيل من قبح التجري بناء على أن الإقدام على ما لا يؤمن كونه مضرة كالإقدام على ما يعلم كونه كذلك كما صرح به جماعة منهم الشيخ في العدة و أبو المكارم في الغنية.

لكنه قد أسلفنا الكلام في صغرى و كبرى هذا الدليل.

و أما الثاني فلوجود المقتضي و هو الخطاب الواقعي الدال على وجوب الشي‏ء أو تحريمه و لا مانع‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 513

منه عدا ما يتخيل من جهل المكلف به و هو غير قابل للمنع عقلا و لا شرعا.

أما العقل فلا يقبح مؤاخذة الجاهل التارك للواجب إذا علم أن بناء الشارع على تبليغ الأحكام على النحو المعتاد المستلزم لاختفاء بعضها لبعض الدواعي و كان قادرا على إزالة الجهل عن نفسه.

و أما النقل فقد تقدم عدم دلالته على ذلك و أن الظاهر منها و لو بعد ملاحظة ما تقدم من أدلة الاحتياط الاختصاص بالعاجز مضافا إلى ما تقدم في بعض الأخبار المتقدمة في الوجه الثالث المؤيدة بغيرها مثل (رواية تيمم عمار المتضمنة لتوبيخ النبي صلى اللَّه عليه و آله إياه بقوله: أ فلا صنعت هكذا).

و قد يستدل أيضا بالإجماع على مؤاخذة الكفار على الفروع مع أنهم جاهلون بها.

و فيه أن معقد الإجماع تساوي الكفار و المسلمين في التكليف بالفروع كالأصول و مؤاخذتهم عليها بالشروط المقررة للتكليف و هذا لا ينفي دعوى اشتراط العلم بالتكليف في حق المسلم و الكافر.

و قد خالف فيما ذكرنا صاحب المدارك تبعا لشيخه المحقق الأردبيلي حيث جعلا عقاب الجاهل على ترك التعلم بقبح تكليف الغافل و فهم منه بعض المدققين أنه قول بالعقاب على ترك المقدمة دون ذي المقدمة.

و يمكن توجيه كلامه بإرادة استحقاق عقاب ذي المقدمة حين ترك المقدمة فإن من شرب العصير العنبي غير ملتفت حين الشرب إلى احتمال كونه حراما قبح توجه النهي إليه في هذا الزمان لغفلته و إنما يعاقب على النهي الموجه إليه قبل ذلك حين التفت إلى أن في الشريعة تكاليف لا يمكن امتثالها إلا بعد معرفتها فإذا ترك المعرفة عوقب عليه من حيث إفضائه إلى مخالفة تلك التكاليف ففي زمان الارتكاب لا تكليف لانقطاع التكاليف حين ترك المقدمة و هي المعرفة.

و نظيره من ترك قطع المسافة في آخر أزمنة الإمكان حيث إنه يستحق أن يعاقب عليه لإفضائه إلى ترك أفعال الحج في أيامها و لا يتوقف استحقاق عقابه على حضور زمان أيام الحج و أفعاله.

و حينئذ فإن أراد المشهور توجه النهي إلى الغافل حين غفلته فلا ريب في قبحه و إن أرادوا استحقاق العقاب على المخالفة و إن لم يتوجه إليه نهي وقت المخالفة فإن أرادوا أن الاستحقاق على‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 514

المخالفة وقت المخالفة لا قبلها لعدم تحقق معصيته ففيه أنه لا وجه لترقب حضور زمان المخالفة لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع لأجل ترك المقدمة مضافا إلى شهادة العقلاء قاطبة بحسن مؤاخذة من رمى سهما لا يصيب زيدا و لا يقتله إلا بعد مدة مديدة بمجرد الرمي و إن أرادوا استحقاق العقاب في زمان ترك المعرفة على ما يحصل بعد من المخالفة فهو حسن لا محيص عنه هذا.

و لكن بعض كلماتهم ظاهرة في الوجه الأول و هو توجه النهي إلى الجاهل حين عدم التفاته فإنهم يحكمون بفساد الصلاة في المغصوب جاهلا بالحكم لأن الجاهل كالعامد و أن التحريم لا يتوقف على العلم به و لو لا توجه النهي إليه حين المخالفة لم يكن وجه للبطلان بل كان كناسي الغصبية.

و الاعتذار عن ذلك بأنه يكفي في البطلان اجتماع الصلاة المأمور بها مع ما هو مبغوض في الواقع و معاقب عليه و لو لم يكن منهيا عنه بالفعل مضافا إلى عدم صحته في نفسه بأنهم صرحوا بصحة صلاة من توسط أرضا مغصوبة في حال الخروج عنها لعدم النهي عنه و إن كان آثما بالخروج.

إلا أن يفرق بين المتوسط للأرض المغصوبة و بين الغافل بتحقق المبغوضية في الغافل و إمكان تعلق الكراهة الواقعية بالفعل المغفول عن حرمته مع بقاء الحكم الواقعي بالنسبة إليه لبقاء الاختيار فيه و عدم ترخيص الشارع للفعل في مرحلة الظاهر بخلاف المتوسط فإنه يقبح منه تعلق الكراهة الواقعية بالخروج كالطلب الفعلي لتركه لعدم التمكن من ترك الغصب.

و مما ذكرنا من عدم الترخيص يظهر الفرق بين جاهل الحكم و جاهل الموضوع المحكوم بصحة عبادته مع الغصب و إن فرض فيه الحرمة الواقعية.

نعم يبقى الإشكال في ناسي الحكم خصوصا المقصر و للتأمل في حكم عبادته مجال بل تأمل بعضهم في ناسي الموضوع لعدم ترخيص الشرعي من جهة الغفلة فافهم.

و مما يؤيد إرادة المشهور للوجه الأول دون الأخير أنه يلزم حينئذ عدم العقاب في التكاليف الموقتة التي لا تتنجز على المكلف إلا بعد دخول أوقاتها فإذا فرض غفلة المكلف عند الاستطاعة عن تكليف الحج و المفروض أن لا تكليف قبلها فلا سبب هنا لاستحقاق العقاب رأسا أما حين الالتفات إلى امتثال تكليف الحج فلعدم التكليف به لفقد الاستطاعة و أما بعد الاستطاعة فلفقد الالتفات و حصول الغفلة و كذلك الصلاة و الصيام بالنسبة إلى أوقاتها. و من هنا قد يلجأ إلى ما لا يأباه كلام صاحب المدارك و من تبعه من أن العلم واجب نفسي‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 515

و العقاب على تركه من حيث هو لا من حيث إفضائه إلى المعصية أعني ترك الواجبات و فعل المحرمات المجهولة تفصيلا.

و ما دل بظاهره من الأدلة المتقدمة على كون وجوب تحصيل العلم من باب المقدمة محمول على بيان الحكمة في وجوبه و أن الحكمة في إيجابه لنفسه صيرورة المكلف قابلا للتكليف بالواجبات و المحرمات حتى لا يفوته منفعة التكليف بها و لا تناله مضرة إهماله عنها فإنه قد يكون الحكمة في وجوب الشي‏ء لنفسه صيرورة المكلف قابلا للخطاب بل الحكمة الظاهرة في الإرشاد و تبليغ الأنبياء و الحجج ليست إلا صيرورة الناس عالمين قابلين للتكاليف.

لكن الإنصاف ظهور أدلة وجوب العلم في كونه واجبا غيريا مضافا إلى ما عرفت من الأخبار في الوجه الثالث الظاهرة في المؤاخذة على نفس المخالفة.

و يمكن أن يلتزم حينئذ باستحقاق العقاب على ترك تعلم التكاليف الواجبة مقدمة و إن كانت مشروطة بشروط مفقودة حين الالتفات إلى ما يعلمه إجمالا من الواجبات المطلقة و المشروطة لاستقرار بناء العقلاء في مثال الطومار المتقدم على عدم الفرق في المذمة على ترك التكاليف المسطورة فيه بين المطلقة و المشروطة فتأمل. هذا خلاصة الكلام بالنسبة إلى عقاب الجاهل التارك للفحص العامل بما يطابق البراءة

و أما الكلام في الحكم الوضعي‏

و هي صحة العمل الصادر من الجاهل و فساده فيقع الكلام فيه تارة في المعاملات و أخرى في العبادات.

أما المعاملات‏

فالمشهور فيها أن العبرة فيها بمطابقة الواقع و مخالفته سواء وقعت عن أحد الطريقين أعني الاجتهاد و التقليد أم لا عنهما فاتفقت مطابقته للواقع لأنها من قبيل الأسباب لأمور شرعية.

فالعلم و الجهل لا مدخل له في تأثيرها و ترتب المسببات عليها.

فمن عقد على امرأة عقدا لا يعرف تأثيره في حلية الوطي فانكشف بعد ذلك صحته كفى في صحته من حين وقوعه و كذا لو انكشف فساده رتب عليه حكم الفاسد من حين الوقوع و كذا من‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 516

ذبح ذبيحة بفري ودجيه فانكشف كونه صحيحا أو فاسدا و لو رتب عليه أثرا قبل الانكشاف فحكمه في العقاب ما تقدم من كونه مراعى بمخالفة الواقع كما إذا وطئها فإن العقاب عليه مراعى و أما حكمه الوضعي كما لو باع لحم تلك الذبيحة فكما ذكرنا هنا من مراعاته حتى ينكشف الحال.

و لا إشكال فيما ذكرنا بعد ملاحظة أدلة سببية تلك المعاملات و لا خلاف ظاهرا في ذلك أيضا إلا (من بعض مشايخنا المعاصرين قدس سره حيث أطال الكلام هنا في تفصيل ذكره بعد مقدمة هي أن العقود و الإيقاعات بل كل ما جعله الشارع سببا لها حقائق واقعية هي ما قرره الشارع أولا و حقائق ظاهرية هي ما يظنه المجتهد أنه ما وضعه الشارع و هي قد تطابق الواقعية و قد تخالفها و لما لم يكن لنا سبيل في المسائل الاجتهادية إلى الواقعية فالسبب و الشرط و المانع في حقنا هي الحقائق الظاهرية و من البديهيات التي انعقد عليها الإجماع بل الضرورة أن ترتب الآثار على الحقائق الظاهرية يختلف بالنسبة إلى الأشخاص فإن ملاقاة الماء القليل للنجاسة سبب لتنجسه عند واحد دون غيره و كذا قطع الحلقوم للتذكية و العقد الفارسي للتمليك أو الزوجية.

و حاصل ما ذكره من التفصيل أن غير المجتهد و المقلد على ثلاثة أقسام لأنه إما غافل عن احتمال كون ما أتى به من المعاملة مخالفا للواقع و إما أن يكون غير غافل بل يترك التقليد مسامحة.

فالأول في حكم المجتهد أو المقلد لأنه يتعبد باعتقاده كتعبد المجتهد باجتهاده و المقلد بتقليده ما دام غافلا فإذا تنبه فإن وافق اعتقاده قول من يقلده فهو و إلا كان كالمجتهد المتبدل رأيه و قد مر حكمه في باب رجوع المجتهد. و أما الثاني و هو المتفطن لاحتمال مخالفة ما أوقعه من المعاملة للواقع فإما أن يكون ما صدر عنه موافقا أو مخالفا للحكم القطعي الصادر من الشارع و إما أن لا يكون كذلك بل كان حكم المعاملة ثابتا بالظنون الاجتهادية. فالأول يترتب عليه الأثر مع الموافقة و لا يترتب عليه مع المخالفة إذ المفروض‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 517

أنه ثبت من الشارع قطعا أن المعاملة الفلانية سبب لكذا و ليس معتقدا لخلافه حتى يتعبد بخلافه و لا دليل على التقييد في مثله بعلم و اعتقاد و لا يقدح كونه محتملا للخلاف أو ظانا به لأنه مأمور بالفحص و السؤال كما أن من اعتقد حلية الخمر مع احتمال الخلاف يحرم عليه الخمر و إن لم يسأل لأنه مأمور بالسؤال.

و أما الثاني فالحق عدم ترتب الأثر في حقه ما دام باقيا على عدم التقليد بل وجود المعاملة كعدمها سواء طابقت على أحد الأقوال أم لا إذ المفروض عدم القطع بالوضع الواقعي من الشارع بل هو مظنون للمجتهد فترتب الأثر إنما هو في حقه.

ثم إن قلد بعد صدور المعاملة المجتهد القائل بالفساد فلا إشكال فيه و إن قلد من يقول بترتب الأثر فالتحقيق فيه التفصيل بما مر في نقض الفتوى بالمعنى الثالث فيقال من أن ما لم يختص أثره بمعين أو بمعينين كالطهارة و النجاسة و الحلية و الحرمة و أمثالها يترتب عليه الأثر فإذا غسل ثوبه من البول مرة بدون تقليد أو اكتفى في الذبيحة بقطع الحلقوم مثلا كذلك ثم قلد من يقول بكفاية الأول في الطهارة و الثاني في التذكية ترتب الأثر على فعله السابق إذ المغسول يصير طاهرا بالنسبة إلى كل من يرى ذلك و كذا المذبوح حلالا بالنسبة إلى كل من يرى ذلك و لا يشترط كونه مقلدا حين الغسل و الذبح.

و أما ما يختص أثره بمعين أو معينين كالعقود و الإيقاعات و أسباب شغل الذمة و أمثالها فلا يترتب عليه الأثر إذ آثار هذه الأمور لا بد أن تتعلق بالمعين إذ لا معنى لسببية عقد صادر عن رجل خاص على امرأة خاصة لحليتها على كل من يرى جواز هذا العقد و مقلديه و هذا الشخص حال العقد لم يكن مقلدا فلم يترتب في حقه الأثر كما تقدم و أما بعده و إن دخل في مقلديه لكن لا يفيد لترتب الأثر في حقه إذ المظنون لمجتهده سببية هذا العقد متصلا بصدوره للأثر و لم يصر هذا سببا كذلك و أما السببية المنفصلة فلا دليل عليها إذ ليس هو مظنون المجتهد و لا دليل على كون الدخول في التقليد كإجازة المالك و الأصل في المعاملات الفساد مع أن عدم ترتب الأثر كان ثابتا قبل التقليد فيستصحب انتهى كلامه ملخصا)

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 518 و المهم في المقام بيان ما ذكره في المقدمة من أن كل ما جعله الشارع من الأسباب لها حقائق واقعية و حقائق ظاهرية فنقول بعد الإغماض عما هو التحقيق عندنا تبعا للمحققين من أن التسبيبات الشرعية راجعة إلى تكاليف شرعية إن الأحكام الوضعية على القول بتأصلها هي الأمور الواقعية المجعولة للشارع نظير الأمور الخارجية الغير المجعولة كحياة زيد و موت عمرو و لكن الطريق إلى تلك المجعولات كغيرها قد يكون هو العلم و قد يكون هو الظن الاجتهادي أو التقليد و كل واحد من الطرق قد يحصل قبل وجود ذي الأثر و قد يحصل معه و قد يحصل بعده و لا فرق بينهما في أنه بعد حصول الطريق يجب ترتيب الأثر على ذي الأثر من حين حصوله.

إذا عرفت ذلك فنقول إذا كان العقد الصادر من الجاهل سببا للزوجية فكل من حصل له إلى سببية هذا العقد طريق عقلي أعني العلم أو جعلي بالظن الاجتهادي أو التقليد يترتب في حقه أحكام تلك الزوجية من غير فرق بين نفس الزوجين و غيرهما فإن أحكام زوجية هند لزيد ليست مختصة بهما فقد يتعلق بثالث حكم مترتب على هذه الزوجية كأحكام المصاهرة و توريثها منه و الإنفاق عليها من ماله و حرمة العقد عليها حال حياته و لا فرق بين حصول هذا الطريق حال العقد أو قبله أو بعده.

ثم إنه إذا اعتقد سببيته و هو في الواقع غير سبب فلا يترتب عليه شي‏ء في الواقع نعم لا يكون مكلفا بالواقع ما دام معتقدا فإذا زال الاعتقاد رجع الأمر إلى الواقع و عمل على مقتضاه.

و بالجملة فحال الأسباب الشرعية حال الأمور الخارجية كحياة زيد و موت عمرو فكما أنه لا فرق بين العلم بموت زيد بعد مضي مدة من موته و بين قيام الطريق الشرعي في وجوب ترتب آثار الموت من حينه فكذلك لا فرق بين حصول العلم بسببية العقد لأثر بعد صدوره و بين الظن الاجتهادي به بعد الصدور فإن مؤدى الظن الاجتهادي الذي يكون حجة له و حكما ظاهريا في حقه هو كون هذا العقد المذكور حين صدوره محدثا لعلاقة الزوجية بين زيد و هند و المفروض أن دليل حجية هذا الظن لا يفيد سوى كونه طريقا إلى الواقع فأي فرق بين صدور العقد ظانا بكونه سببا و بين الظن به بعد صدوره و إذا تأملت في ما ذكرنا عرفت مواقع النظر في كلامه المتقدم فلا نطيل بتفصيلها. و محصل ما ذكرنا أن الفعل الصادر من الجاهل باق على حكمه الواقعي التكليفي و الوضعي فإذا لحقه العلم أو الظن الاجتهادي أو التقليد كان هذا الطريق كاشفا حقيقيا أو جعليا عن حاله‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 519 حين الصدور فيعمل بمقتضى ما انكشف بل حققنا في مباحث الاجتهاد و التقليد أن الفعل الصادر من المجتهد أو المقلد أيضا باق على حكمه الواقعي فإذا لحقه اجتهاد مخالف للسابق كان كاشفا عن حاله حين الصدور فيعمل بمقتضى ما انكشف خلافا لجماعة حيث تخيلوا أن الفعل الصادر عن اجتهاد أو تقليد إذا كان مبنيا على الدوام و استمرار الآثار كالزوجية و الملكية لا يؤثر فيه الاجتهاد اللاحق و تمام الكلام في محله.

و ربما يتوهم الفساد في معاملة الجاهل من حيث الشك في ترتب الأثر على ما يوقعه فلا يتأتى منه قصد الإنشاء في العقود و الإيقاعات.

و فيه أن قصد الإنشاء إنما يحصل بقصد تحقق مضمون الصيغة و هو الانتقال في البيع و الزوجية في النكاح و هذا يحصل مع القطع بالفساد شرعا فضلا عن الشك فيه أ لا ترى أن الناس يقصدون التمليك في القمار و بيع المغصوب و غيرهما من البيوع الفاسدة.

و مما ذكرن ا يظهر أنه لا فرق في صحة معاملة الجاهل مع انكشافها بعد العقد بين شكه في الصحة حين صدورها و بين قطعه بفسادها فافهم هذا كله حال المعاملات.

و أما العبادات‏

فملخص الكلام فيها أنه إذا أوقع الجاهل عبادة عمل فيها بما يقتضيه البراءة كأن صلى بدون السورة فإن كان حين العمل متزلزلا في صحة عمله بانيا على الاقتصار عليه في الامتثال فلا إشكال في الفساد و إن انكشف الصحة بعد ذلك بلا خلاف في ذلك ظاهرا لعدم تحقق نية القربة لأن الشاك في كون المأتي به موافقا للمأمور به كيف يتقرب به و ما يرى من الحكم بالصحة فيما شك في صدور الأمر به على تقدير صدوره كبعض الصلوات و الأغسال التي لم يرد بها نص معتبر و إعادة بعض العبادات الصحيحة ظاهرا من باب الاحتياط فلا يشبه ما نحن فيه لأن الأمر على تقدير وجوده هناك لا يمكن قصد امتثاله إلا بهذا النحو فهو أقصى ما يمكن هناك من الامتثال بخلاف ما نحن فيه حيث يقطع بوجود أمر من الشارع فإن امتثاله لا يكون إلا بإتيان ما يعلم مطابقته له و إتيان ما يحتمله لاحتمال مطابقته له لا يعد إطاعة عرفا.

و بالجملة فقصد التقرب شرط في صحة العبادة إجماعا نصا و فتوى و هو لا يتحقق مع الشك في كون العمل مقربا.

و أما قصد التقرب في الموارد المذكورة من الاحتياط فهو غير ممكن على وجه الجزم و الجزم فيه‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 520

غير معتبر إجماعا إذ لولاه لم يتحقق احتياط في كثير من الموارد مع رجحان الاحتياط فيها إجماعا و كيف كان فالعامل بما يقتضيه البراءة مع الشك حين العمل لا يصح عبادته و إن انكشف مطابقته للواقع.

أما لو غفل عن ذلك أو سكن إلى قول من يسكن إليه من أبويه و أمثالهما فعمل باعتقاد التقرب فهو خارج عن محل كلامنا الذي هو في عمل الجاهل الشاك قبل الفحص بما يقتضيه البراءة إذ مجرى البراءة في الشاك دون الغافل أو معتقد الخلاف.

و على أي حال فالأقوى صحته إذا انكشف مطابقته للواقع إذ لا يعتبر في العبادة إلا إتيان المأمور به على قصد التقرب و المفروض حصوله و العلم بمطابقته للواقع أو الظن بها من طريق معتبر غير معتبر في صحة العبادة لعدم الدليل فإن أدلة وجوب رجوع المجتهد إلى الأدلة و رجوع المقلد إلى المجتهد إنما هي لبيان الطرق الشرعية التي لا يقدح مع موافقتها مخالفة الواقع لا لبيان اشتراط كون الواقع مأخوذا من هذه الطرق كما لا يخفى على من لاحظها ثم إن مرآة مطابقة العمل الصادر للواقع العلم بها أو الطريق الذي يرجع إليه المجتهد أو المقلد. و توهم أن ظن المجتهد أو فتواه لا يؤثر في الواقعة السابقة غلط لأن مؤدى ظنه نفس الحكم الشرعي الثابت للأعمال الماضية و المستقبلة.

و أما ترتيب الأثر على الفعل الماضي فهو بعد الرجوع فإن فتوى المجتهد بعدم وجوب السورة كالعلم في أن أثرها قبل العمل عدم وجوب السورة في الصلاة و بعد العمل عدم وجوب إعادة الصلاة الواقعة من غير سورة كما تقدم نظير ذلك في المعاملات‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 521

و لنختم الكلام في الجاهل العامل قبل الفحص بأمور

الأول‏

هل العبرة في باب المؤاخذة و العدم بموافقة الواقع الذي يعتبر مطابقة العمل له و مخالفته و هو الواقع الأولي الثابت في كل واقعة عند المخطئة فإذا فرضنا العصير العنبي الذي تناوله الجاهل حراما في الواقع و فرض وجود خبر معتبر يعثر عليه بعد الفحص على الحلية فيعاقب و لو عكس الأمر لم يعاقب أو العبرة بالطريق الشرعي المعثور عليه بعد الفحص فيعاقب في صورة العكس دون الأصل أو يكفي مخالفة أحدهما فيعاقب في الصورتين أم يكفي في عدم المؤاخذة موافقة أحدهما فلا عقاب في الصورتين وجوه.

من أن التكليف الأولي إنما هو بالواقع و ليس التكليف بالطرق الظاهرية إلا من عثر عليها.

و من أن الواقع إذا كان في علم الله سبحانه غير ممكن الوصول إليه و كان هنا طريق مجعول مؤداه بدلا عنه فالمكلف به هو مؤدى الطريق دون الواقع على ما هو عليه فكيف يعاقب الله سبحانه على شرب العصير من يعلم أنه لم يعثر بعد الفحص على دليل حرمته.

و من أن كلا من الواقع و مؤدى الطريق تكليف واقعي أما إذا كان التكليف ثابتا في الواقع فلأنه كان قادرا على موافقة الواقع بالاحتياط و على إسقاطه عن نفسه بالرجوع إلى الطريق الشرعي المفروض دلالته على نفي التكليف فإذا لم يفعل شيئا منهما فلا مانع من مؤاخذته و أما إذا كان التكليف ثابتا بالطريق الشرعي فلأنه قد ترك موافقة خطاب مقدور على العلم به فإن أدلة وجوب الرجوع إلى خبر العادل أو فتوى المجتهد يشمل العالم و الجاهل القادر على المعرفة.

و من عدم التكليف بالواقع لعدم القدرة و بالطريق الشرعي لكونه ثابتا في حق من اطلع عليه من باب حرمة التجري فالمكلف به فعلا المؤاخذ على مخالفته الواجب و الحرام الواقعيان المنصوب عليهما طريق فإذا لم يكن وجوب أو تحريم فلا مؤاخذة نعم لو اطلع على ما يدل ظاهرا على الوجوب‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 522

أو التحريم الواقعي مع كونه مخالفا للواقع بالفرض فالموافقة له لازمة من باب الانقياد و تركها تجر و إذا لم يطلع على ذلك لتركه الفحص فلا تجري أيضا و أما إذا كان وجوب واقعي و كان الطريق الظاهري نافيا ف لأن المفروض عدم التمكن من الوصول إلى الواقع فالمتضمن للتكليف متعذر الوصول إليه و الذي يمكن الوصول إليه ناف للتكليف.

و الأقوى هو الأول و يظهر وجهه بالتأمل في الوجوه الأربعة. و حاصله أن التكليف الثابت في الواقع و إن فرض تعذر الوصول إليه تفصيلا إلا أنه لا مانع من العقاب بعد كون المكلف محتملا له قادرا عليه غير مطلع على طريق شرعي ينفيه و لا واجدا لدليل يؤمن من العقاب عليه مع بقاء تردده و هو العقل و النقل الدالان على براءة الذمة بعد الفحص و العجز عن الوصول إليه و إن احتمل التكليف و تردد فيه.

أما إذا لم يكن التكليف ثابتا في الواقع فلا مقتضي للعقاب من حيث الخطابات الواقعية و لو فرض هنا طريق ظاهري مثبت للتكليف لم يعثر عليه المكلف لم يعاقب عليه لأن مؤدى الطريق الظاهري غير مجعول من حيث هو هو في مقابل الواقع و إنما هو مجعول بعنوان كونه طريقا إليه فإذا أخطأ لم يترتب عليه شي‏ء و لذا لو أدى عبادة بهذا الطريق فتبين مخالفتها للواقع لم يسقط الأمر و وجب إعادتها.

نعم إذا عثر عليه المكلف لم يجز مخالفته لأن المفروض عدم العلم بمخالفته للواقع فيكون معصية ظاهرية من حيث فرض كون دليله طريقا شرعيا إلى الواقع فهو في الحقيقة نوع من التجري و هذا المعنى مفقود مع عدم الاطلاع على هذا الطريق و وجوب رجوع العامي إلى المفتي لأجل إحراز الواجبات الواقعية فإذا رجع و صادف الواقع وجب من حيث الواقع و إن لم يصادف الواقع لم يكن الرجوع إليه في هذه الواقعة واجبا في الواقع و يترتب عليه آثار الوجوب ظاهرا مشروطة بعدم انكشاف الخلاف إلا استحقاق العقاب على الترك فإنه يثبت واقعا من باب التجري و من هنا يظهر أنه لا يتعدد العقاب مع مصادفة الواقع من جهة تعدد التكليف.

نعم لو قلنا بأن مؤديات الطرق الشرعية أحكام واقعية ثانوية لزم من ذلك انقلاب التكليف إلى مؤديات تلك الطرق و كان أوجه الاحتمالات حينئذ الثاني منها

الثاني‏

قد عرفت أن الجاهل العامل بما يوافق البراءة مع قدرته على الفحص و استبانة الحال غير

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 523

معذور لا من حيث العقاب و لا من جهة سائر الآثار بمعنى أن شيئا من آثار الشي‏ء المجهول عقابا أو غيره من الآثار المترتبة على ذلك الشي‏ء في حق العالم لا يرتفع عن الجاهل لأجل جهله.

و قد استثنى الأصحاب من ذلك القصر و الإتمام و الجهر و الإخفات فحكموا بمعذورية الجاهل في هذين الموضعين و ظاهر كلامهم إرادتهم العذر من حيث الحكم الوضعي و هي الصحة بمعنى سقوط الفعل ثانيا دون المؤاخذة و هو الذي يقتضيه دليل المعذورية في الموضعين أيضا.

فحينئذ يقع الإشكال في أنه إذا لم يكن معذورا من حيث الحكم التكليفي كسائر الأحكام المجهولة للمكلف المقصر فيكون تكليفه بالواقع و هو القصر بالنسبة إلى المسافر باقيا و ما يأتي به من الإتمام المحكوم بكونه مسقطا إن لم يكن مأمورا به فكيف يسقط الواجب و إن كان مأمورا به فكيف يجتمع الأمر به مع فرض وجود الأمر بالقصر.

و دفع هذا الإشكال إما بمنع تعلق التكليف فعلا بالواقعي المتروك و إما بمنع تعلقه بالمأتي به و إما بمنع التنافي بينهما.

فالأول إما بدعوى كون القصر مثلا واجبا على المسافر العالم و كذا الجهر و الإخفات.

و إما بمعنى معذوريته فيه بمعنى كون الجهل بهذه المسألة كالجهل بالموضوع يعذر صاحبه و يحكم عليه ظاهرا بخلاف الحكم الواقعي و هذا الجاهل و إن لم يتوجه إليه خطاب مشتمل على حكم ظاهري كما في الجاهل بالموضوع إلا أنه مستغنى عنه باعتقاده لوجوب هذا الشي‏ء عليه في الواقع.

و إما من جهة القول بعدم تكليف الغافل بالواقع و كونه مؤاخذا على ترك التعلم فلا يجب عليه القصر لغفلته عنه نعم يعاقب على عدم إزالة الغفلة كما تقدم استظهاره من صاحب المدارك و من تبعه.

و إما من جهة تسليم تكليفه بالواقع إلا أن الخطاب بالواقع ينقطع عند الغفلة لقبح خطاب العاجز و إن كان العجز بسوء اختياره فهو معاقب حين الغفلة على ترك القصر لكنه ليس مأمورا به حتى يجتمع مع فرض وجود الأمر بالإتمام.

لكن هذا كله خلاف ظاهر المشهور حيث إن الظاهر منهم كما تقدم بقاء التكليف بالواقع المجهول بالنسبة إلى الجاهل و لذا يبطلون صلاة الجاهل بحرمة الغصب إذ لو لا النهي حين الصلاة لم يكن وجه للبطلان.

و الثاني منع تعلق الأمر بالمأتي به و التزام أن غير الواجب مسقط عن الواجب فإن قيام ما

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 524

اعتقد وجوبه مقام الواجب الواقعي غير ممتنع نعم قد يوجب إتيان غير الواجب فوات الواجب فيحرم بناء على دلالة الأمر بالشي‏ء على النهي عن الضد كما في آخر الوقت حيث يستلزم فعل التمام فوت القصر.

و يرد هذا الوجه أن الظاهر من الأدلة كون المأتي به مأمورا به في حقه مثل (: قوله عليه السلام في الجهر و الإخفات تمت صلاته) و نحو ذلك و الموارد التي قام فيها غير الواجب مقام الواجب نمنع عدم وجوب البدل بل الظاهر في تلك الموارد سقوط الأمر الواقعي و ثبوت الأمر بالبدل فتأمل.

(و الثالث بما ذكره كاشف الغطاء رحمه الله من أن التكليف بالإتمام مرتب على معصية الشارع بترك القصر فقد كلفه بالقصر و الإتمام على تقدير معصية في التكليف بالقصر) و سلك هذا الطريق في مسألة الضد في تصحيح فعل غير الأهم من الواجبين المضيقين إذا ترك المكلف الامتثال بالأهم.

و يرده أنا لا نعقل الترتب في المقامين و إنما يعقل ذلك فيما إذا حدث التكليف الثاني بعد تحقق معصية الأول كمن عصى بترك الصلاة مع الطهارة المائية فكلف لضيق الوقت بالترابية

الثالث‏

أن وجوب الفحص إنما هو في إجراء الأصل في الشبهة الحكمية الناشئة من عدم النص أو إجمال بعض ألفاظه أو تعارض النصوص.

أما إجراء الأصل في الشبهة الموضوعية فإن كانت الشبهة في التحريم فلا إشكال و لا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الفحص و يدل عليه إطلاق الأخبار مثل (قوله عليه السلام: كل شي‏ء لك حلال حتى تعلم) (و قوله: حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة) (و قوله: حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه الميتة) و غير ذلك السالم عما يصلح لتقييدها.

و إن كانت الشبهة وجوبية فمقتضى أدلة البراءة حتى العقل كبعض كلمات العلماء عدم وجوب الفحص أيضا و هو مقتضى حكم العقلاء في بعض الموارد مثل قول المولى لعبده أكرم العلماء أو المؤمنين فإنه لا يجب الفحص في المشكوك حاله في المثالين إلا أنه قد يتراءى أن بناء

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 525

العقلاء في بعض الموارد على الفحص و الاحتياط كما إذا أمر المولى بإحضار علماء البلد أو أطبائها أو إضافتهم أو إعطاء كل واحد منهم دينارا فإنه قد يدعي أن بناءهم على الفحص عن أولئك و عدم الاقتصار على المعلوم ابتداء مع احتمال وجود غيرهم في البلد.

(قال في المعالم في مقام الاستدلال على وجوب التبين في خبر مجهول الحال بآية التثبت في خبر الفاسق إن وجوب التثبت فيها متعلق بنفس الوصف لا بما تقدم العلم به منه و مقتضى ذلك إرادة الفحص و البحث عن حصوله و عدمه.

أ لا ترى أن قول القائل أعط كل بالغ رشيد من هذه الجماعة مثلا درهما يقتضي إرادة السؤال و الفحص عمن جمع الوصفين لا الاقتصار على من سبق العلم باجتماعهما فيه انتهى) (و أيد ذلك المحقق القمي رحمه الله في القوانين بأن الواجبات المشروطة بوجود شي‏ء إنما يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده ف بالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط مثل أن من شك في كون ماله بمقدار استطاعة الحج لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه أن يقول إني لا أعلم أني مستطيع و لا يجب على شي‏ء بل يجب عليه محاسبة ماله ليعلم أنه واجد للاستطاعة أو فاقد لها نعم لو شك بعد المحاسبة في أن هذا المال هل يكفيه في الاستطاعة أم لا فالأصل عدم الوجوب حينئذ) ثم ذكر المثال المذكور في المعالم بالتقريب المتقدم عنه.

و أما كلمات الفقهاء فمختلفة في فروع هذه المسألة فقد أفتى جماعة منهم كالشيخ و الفاضلين و غيرهم بأنه لو كان له فضة مغشوشة بغيرها و علم بلوغ الخالص نصابا و شك في مقداره وجب التصفية ليحصل العلم بالمقدار أو الاحتياط بمقدار ما تيقن معه البراءة.

نعم استشكل في التحرير في وجوب ذلك و صرح غير واحد من هؤلاء مع عدم العلم ببلوغ الخالص النصاب بأنه لا يجب التصفية و الفرق بين المسألتين مفقود إلا ما ربما يتوهم من أن العلم بالتكليف ثابت مع العلم ببلوغ النصاب بخلاف ما لم يعلم به.

و فيه أن العلم بالنصاب لا يوجب الاحتياط مع القدر المتيقن و دوران الأمر بين الأقل و الأكثر مع كون الزائد على تقدير وجوبه تكليفا مستقلا أ لا ترى أنه لو علم بالدين و شك في قدره لم‏

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 526

يوجب ذلك الاحتياط و الفحص مع أنه لو كان هذا المقدار يمنع من إجراء البراءة قبل الفحص لمنع منها بعده إذ العلم الإجمالي لا يجوز معه الرجوع إلى البراءة و لو بعد الفحص.

(و قال في التحرير في باب نصاب الغلات و لو شك في البلوغ و لا مكيال هنا و لا ميزان و لم يوجد سقط الوجوب دون الاستحباب انتهى).

و ظاهره جريان الأصل مع تعذر الفحص و تحصيل العلم.

و بالجملة فما ذكروه من إيجاب تحصيل العلم بالواقع مع التمكن في بعض أفراد الاشتباه في الموضوع مشكل و أشكل منه فرقهم بين الموارد مع ما تقرر عندهم من أصالة نفي الزائد عند دوران الأمر بين الأقل و الأكثر. و أما ما ذكره صاحب المعالم رحمه الله و تبعه عليه المحقق القمي رحمه الله من تقريب الاستدلال بآية التثبت على رد خبر مجهول الحال من جهة اقتضاء تعلق الأمر بالموضوع الواقعي المقتضي وجوب الفحص عن مصاديقه و عدم الاقتصار على القدر المعلوم فلا يخفى ما فيه لأن رد خبر مجهول الحال ليس مبنيا على وجوب الفحص عند الشك و إلا لجاز الأخذ به و لم يجب التبين فيه بعد الفحص و اليأس عن العلم بحاله كما لا يجب الإعطاء في المثال المذكور بعد الفحص عن حال المشكوك و عدم العلم باجتماع الوصفين فيه بل وجه رده قبل الفحص و بعده أن وجوب التبين شرطي و مرجعه إلى اشتراط قبول الخبر في نفسه من دون اشتراط التبين فيه بعدالة المخبر فإذا شك في عدالته شك في قبول خبره في نفسه و المرجع في هذا الشك و المتعين فيه عدم القبول لأن عدم العلم بحجية شي‏ء كاف في عدم حجيته ثم الذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص أنه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو أهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا تعين هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص ثم العمل بالبراءة كبعض الأمثلة المتقدمة فإن إضافة جميع علماء البلد أو أطبائهم لا يمكن للشخص الجاهل إلا بالفحص فإذا حصل العلم ببعض و اقتصر على ذلك نافيا لوجوب إضافة من عداه بأصالة البراءة من غير تفحص زائد على ما حصل به المعلومين عد مستحقا للعقاب و الملامة عند انكشاف ترك إضافة من يتمكن من تحصيل العلم به بفحص زائد.

و من هنا يمكن أن يقال في مثال الحج المتقدم إن العلم بالاستطاعة في أول أزمنة حصولها

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 527

يتوقف غالبا على المحاسبة فلو بني الأمر على تركها و نفي وجوب الحج بأصالة البراءة لزم تأخير الحج عن أول سنة الاستطاعة بالنسبة إلى كثير من الأشخاص لكن الشأن في صدق هذه الدعوى.

و أما ما استند إليه المحقق المتقدم من أن الواجبات المشروطة يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا العلم بوجوده ففيه أنه مسلم و لا يجدي لأن الشك في وجود الشرط يوجب الشك في وجوب المشروط و ثبوت التكليف و الأصل عدمه غاية الأمر الفرق بين اشتراط التكليف بوجود الشي‏ء و اشتراطه بالعلم به إذ مع عدم العلم في الصورة الثانية نقطع بانتفاء التكليف من دون حاجة إلى الأصل و في الصورة الأولى يشك فيه فينفى بالأصل.

فرائد الاصول (طبع انتشارات اسلامى)، ج‏2، ص: 528