حضرت امام علی عليه‌السلام نے فرمایا: بخل ذلت اوررسوائی کا سبب ہوتا ہے۔ تحف العقول ص88

مکاسب حصہ چہارم

مسائل في خيار الغبن

ثم إن تنقیح هذا المطلب یتم برسم مسائل‏:

مسألة یشترط فی هذا الخیار أمران‏:

الأول عدم علم المغبون بالقیمة فلو علم بالقیمة فلا خیار بل لا غبن کما عرفت بلا خلاف و لا إشکال لأنه أقدم على الضرر ثم إن الظاهر عدم الفرق بین کونه غافلا من القیمة بالمرة أو ملتفتا إلیها و لا بین کونه مسبوقا بالعلم و عدمه و لا بین الجهل المرکب و البسیط مع الظن بعدم الزیادة و النقیصة أو الظن بهما أو الشک.

و یشکل فی الأخیرین إذا أقدم على المعاملة بانیا على المسامحة على تقدیر الزیادة و النقیصة فهو کالعالم بل الشاک فی الشی‏ء إذا أقدم علیه بانیا على تحمله فهو فی حکم العالم من حیث استحقاق المدح علیه أو الذم و من حیث عدم معذوریته لو کان ذلک الشی‏ء مما یعذر الغافل فیه. و الحاصل أن الشاک الملتفت إلى الضرر مقدم علیه و من أن مقتضى عموم نفی الضرر و إطلاق الإجماع المحکی ثبوته بمجرد تحقق الضرر خرج المقدم علیه عن علم بل مطلق الشاک لیس مقدما على الضرر بل قد یقدم برجاء عدمه و مساواته للعالم فی الآثار ممنوعة حتى فی استحقاق المدح و الذم لو کان المشکوک مما یترتب علیه ذلک عند الإقدام علیه و لذا قد یحصل للشاک بعد اطلاعه على الغبن حالة أخرى لو حصلت له قبل العقد لم یقدم علیه. نعم لو صرح فی العقد بالالتزام به و لو على تقدیر ظهور الغبن کان ذلک راجعا إلى إسقاط الغبن. و مما ذکرنا یظهر ثبوت الخیار للجاهل و إن کان قادرا على السؤال کما صرح به فی التحریر و التذکرة و لو أقدم عالما على غبن یتسامح به فبان أزید بما لا یتسامح بالمجموع منه و من المعلوم فلا یبعد الخیار و لو أقدم على ما لا یتسامح فبان أزید بما یتسامح به منفردا أو بما لا یتسامح ففی الخیار وجه ثم إن المعتبر القیمة حال العقد فلو زادت بعده و لو قبل اطلاع المغبون على النقصان حین العقد لم ینفع لأن الزیادة إنما حصلت فی ملکه و المعاملة وقعت على الغبن و یحتمل عدم الخیار حینئذ لأن التدارک حصل قبل الرد فلا یثبت الرد المشروع ل تدارک الضرر کما لو بری‏ء المعیوب قبل الاطلاع على عیبه بل فی التذکرة أنه مهما زال العیب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد و أشکل منه ما لو توقف الملک على القبض فارتفع الغبن قبله لأن الملک قد انتقل إلیه حینئذ من دون نقص فی قیمته.

نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد کما صرح به العلامة فی الصرف یثبت الخیار لثبوت الضرر بوجوب إقباض الزائد فی مقابلة الناقص لکن ظاهر المشهور عدم وجوب التقابض و لو ثبت الزیادة أو النقیصة بعد العقد فإنه لا عبرة بهما إجماعا کما فی التذکرة ثم إنه لا عبرة بعلم الوکیل فی مجرد العقد بل العبرة بعلم الموکل و جهله.

نعم لو کان وکیلا فی المعاملة و المساومة فمع علمه و فرض صحة المعاملة حینئذ لا خیار للموکل و مع جهله یثبت الخیار للموکل إلا أن یکون عالما بالقیمة و بأن وکیله یعقد على أزید منها و یقرره له و إذا ثبت الخیار فی عقد الوکیل فهو للموکل خاصة إلا أن یکون وکیلا مطلقا بحیث یشمل مثل الفسخ فإنه کالولی حینئذ و قد مر ذلک مشروحا فی خیار المجلس ثم إن الجهل إنما یثبت باعتراف الغابن و بالبینة إن تحققت و بقول مدعیه مع الیمین لأصالة عدم العلم الحاکمة على أصالة اللزوم مع أنه قد یتعسر إقامة البینة على الجهل و لا یمکن للغابن الحلف على علمه لجهله بالحال فتأمل.

هذا کله إذا لم یکن المغبون من أهل الخبرة بحیث لا یخفى علیه القیمة إلا لعارض من غفلة أو غیرها و إلا فلا یقبل قوله کما فی الجامع و المسالک و قد یشکل بأن هذا إنما یوجب عدم قبول قوله من حیث تقدیم الظاهر على الأصل فغایة الأمر أن یصیر مدعیا من جهة مخالفة قوله للظاهر لکن المدعی لما تعسر إقامة البینة علیه و لا یعرف إلا من قبله یقبل قوله مع الیمین فلیکن هذا من هذا القبیل إلا أن یقال إن مقتضى تقدیم الظاهر جعل مدعیه مقبول القول بیمینه لا جعل مخالفه مدعیا یجری علیه جمیع أحکام المدعی حتى فی قبول قوله إذا تعسر علیه إقامة البینة.

ألا ترى أنهم لم یحکموا بقبول قول مدعی فساد العقد إذا تعسر علیه إقامة البینة على سبب الفساد هذا مع أن عموم تلک القاعدة ثم اندراج المسألة فیها محل تأمل و لو اختلفا فی القیمة وقت العقد أو فی القیمة بعده مع تعذر الاستعلام فالقول قول منکر سبب الغبن لأصالة عدم التغیر و أصالة اللزوم.

و منه یظهر حکم ما لو اتفقا على التغیر و اختلفا فی تاریخ العقد و لو علم تاریخ التغیر فالأصل و إن اقتضى تأخر العقد الواقع على الزائد عن القیمة إلا أنه لا یثبت به وقوع العقد على الزائد حتى یثبت العقد.

الأمر الثانی کون التفاوت فاحشا فالواحد بل الاثنان فی العشرین لا یوجب الغبن و حده عندنا کما فی التذکرة ما لا یتغابن الناس بمثله و حکی فیها عن مالک أن التفاوت بالثلث لا یوجب الخیار و إن کان بأکثر من الثلث أوجبه و رده بأنه تخمین لم یشهد له أصل فی الشرع انتهى. و الظاهر أنه لا إشکال فی کون التفاوت بالثلث بل الربع فاحشا. نعم الإشکال فی الخمس و لا یبعد دعوى عدم مسامحة الناس فیه کما سیجی‏ء التصریح به من المحقق القمی فی تصویره لغبن کلا المتبایعین ثم الظاهر أن المرجع عند الشک فی ذلک هو أصالة ثبوت الخیار لأنه ضرر لم یعلم تسامح الناس فیه و یحتمل الرجوع إلى أصالة اللزوم لأن الخارج هو الضرر الذی یتفاحش فیه لا مطلق الضرر.

بقی هنا شی‏ء و هو أن ظاهر الأصحاب و غیرهم أن المناط فی الضرر الموجب للخیار کون المعاملة ضرریة مع قطع النظر عن ملاحظة حال أشخاص المتبایعین و لذا حدوه بما لا یتغابن به الناس أو بالزائد على الثلث کما عرفت عن بعض العامة و ظاهر حدیث نفی الضرر المستدل علیه فی أبواب الفقه ملاحظة الضرر بالنسبة إلى شخص الواقعة و لذا استدلوا به على عدم وجوب شراء ماء الوضوء بمبلغ کثیر إذا أضر بالمکلف و وجوب شرائه بذلک المبلغ على من لا یضر به ذلک مع أن أصل شراء الماء بأضعاف قیمته معاملة ضرریة فی حق الکل.

و الحاصل أن العبرة إذا کان بالضرر المالی لم یجب شراء ماء الوضوء بأضعاف قیمته و إن کانت بالضرر الحالی تعین التفصیل فی خیار الغبن بین ما یضر بحال المغبون و غیره و الأظهر اعتبار الضرر المالی لأنه ضرر فی نفسه من غیر مدخلیة لحال الشخص و تحمله فی بعض المقامات إنما خرج بالنص و لذا أجاب فی المعتبر عن الشافعی المنکر لوجوب الوضوء فی الفرض المذکور بأن الضرر لا یعتبر مع معارضة النص. و یمکن أیضا أن یلتزم الضرر المالی فی مقام التکلیف لا لتخصیص عموم نفی الضرر بالنص بل لعدم کونه ضررا بملاحظة ما بإزائه من الأجر کما یشیر إلیه قوله ع: بعد شرائه ع ماء وضوئه بأضعاف قیمته إن ما یشتری به مال کثیر. نعم لو کان الضرر مجحفا بالمکلف انتفى ب أدلة نفی الحرج لا دلیل نفی الضرر فنفی الضرر المالی فی التکالیف لا یکون إلا إذا کان تحمله حرجا.

إشکال ذکر فی الروضة و المسالک تبعا لجامع المقاصد فی أقسام الغبن أن المغبون إما أن یکون هو البائع أو المشتری أو هما انتهى فیقع الإشکال فی تصور غبن کل من المتبایعین معا. و المحکی عن بعض الفضلاء فی تعلیقه على الروضة ما حاصله استحالة ذلک حیث قال قد عرفت أن الغبن فی طرف البائع إنما هو إذا باع بأقل من القیمة السوقیة و فی طرف المشتری إذا اشترى بأزید منها و لا یتفاوت الحال بکون الثمن و المثمن من الأثمان أو العروض أو مختلفین و حینئذ فلا یعقل کونهما معا مغبونین و إلا لزم کون الثمن أقل من القیمة السوقیة و أکثر و هو محال فتأمل‏ انتهى‏.

و قد تعرض غیر واحد ممن قارب عصرنا لتصویر ذلک فی بعض الفروض‏:

منها ما ذکره المحقق القمی‏ صاحب القوانین فی جواب من سأله عن هذه العبارة من الروضة قال إنها تفرض فیما إذا باع متاعه بأربعة توأمین من الفلوس أن یعطیه عنها ثمانیة دنانیر معتقدا أنها یسوى بأربعة توأمین ثم تبین أن المتاع یسوى خمسة توأمین و أن الدنانیر یسوى خمسة توأمین إلا خمسا فصار البائع مغبونا من کون الثمن أقل من القیمة السوقیة بخمس تومان و المشتری مغبونا من جهة زیادة الدنانیر على أربعة توأمین فالبائع مغبون فی أصل البیع و المشتری مغبون فی ما التزمه من إعطاء الدنانیر عن الثمن و إن لم یکن مغبونا فی أصل البیع انتهى.

أقول الظاهر أن مثل هذا البیع المشروط بهذا الشرط یلاحظ فیه حاصل ما یصل إلى البائع بسبب مجموع العقد و الشرط کما لو باع شیئا یسوى خمسة دراهم بدرهمین على أن یخیط له ثوبا مع فرض کون أجرة الخیاطة ثلاثة دراهم و من هنا یقال إن للشروط قسطا من العوض و إن أبیت إلا عن أن الشرط معاملة مستقلة و لا مدخل له فی زیادة الثمن و خرج ذلک عن فرض غبن کل من المتبایعین فی معاملة واحدة لکن الحق ما ذکرنا من وحدة المعاملة و کون الغبن من طرف واحد. و منها ما ذکره بعض المعاصرین من فرض المسألة فیما إذا باع شیئین فی عقد واحد بثمنین فغبن البائع فی أحدهما و المشتری فی الآخر. و هذا الجواب قریب من سابقه فی الضعف لأنه إن جاز التفکیک بینهما عند فرض ثبوت الغبن لأحدهما خاصة حتى یجوز له الفسخ فی العین المغبون فیها خاصة فهما معاملتان مستقلتان کان الغبن فی کل واحدة منها لأحدهما خاصة فلا وجه‏ لجعل هذا قسما ثالثا لقسمی غبن البائع خاصة و المشتری خاصة و إن لم یجز التفکیک بینهما لم یکن غبن أصلا مع تساوی الزیادة فی أحدهما للنقیصة فی الآخر و مع عدم المساواة فالغبن من طرف واحد.

و منها أن یراد بالغبن فی المقسم معناه الأعم الشامل لصورة خروج العین المشاهدة سابقا على خلاف ما شاهده أو خروج ما أخبر البائع بوزنه على خلاف خبره. و قد أطلق الغبن على هذا المعنى الأعم العلامة فی القواعد و الشهید فی اللمعة و على هذا المعنى الأعم تحقق الغبن فی کل منهما و هذا أحسن لکن ظاهر عبارة الشهید و المحقق الثانیین إرادة ما عنون به هذا الخیار و هو الغبن بالمعنى الأخص على ما فسروه به.

و منها ما ذکره بعض من أنه یحصل بفرض المتبایعین وقت العقد فی مکانین کما إذا حصر العسکر البلد و فرض قیمة الطعام خارج البلد ضعف قیمته فی البلد فاشترى بعض أهل البلد من وراء سور البلد طعاما من العسکر بثمن متوسط بین القیمتین فالمشتری مغبون لزیادة الثمن على قیمة الطعام فی مکانه و البائع مغبون لنقصانه عن القیمة فی مکانه و یمکن رده بأن المبیع بعد العقد باق على قیمته حین العقد و لا غبن فیه للمشتری ما دام فی محل العقد و إنما نزلت قیمته بقبض المشتری و نقله إیاه إلى مکان الرخص. و بالجملة الطعام عند العقد لا یکون إلا فی محل واحد له قیمة واحدة. و منها ما ذکره فی مفتاح الکرامة من فرضه فیما إذا ادعى کل من المتبایعین الغبن‏ کما إذا بیع ثوب بفرس بظن المساواة ثم ادعى کل منهما نقص ما فی یده عما فی ید الآخر و لم یوجد المقوم لیرجع إلیه فتحالفا فیثبت الغبن لکل منهما فیما وصل إلیه و قال و یتصور غبنهما فی أحد العوضین کما لو تبایعا شیئا بمائة درهم ثم ادعى البائع کونه یسوى بمائتین و المشتری کونه لا یسوى إلا بخمسین و لا مقوم یرجع إلیه فیتحالفان و یثبت الفسخ لکل منهما انتهى. و فیه أن الظاهر أن لازم التحالف عدم الغبن فی المعاملة أصلا مع أن الکلام فی الغبن الواقعی دون الظاهری.

و الأولى من هذه الوجوه هو الوجه الثالث و الله العالم.

مسألة ظهور الغبن شرط شرعی لحدوث الخیار أو کاشف عقلی عن ثبوته حین العقد وجهان منشأهما اختلاف کلمات العلماء فی فتاویهم و معاقد إجماعهم و استدلالاتهم فظاهر عبارة المبسوط و الغنیة و الشرائع و غیرها هو الأول و فی الغنیة الإجماع على أن ظهور الغبن سبب للخیار و ظاهر کلمات آخرین الثانی و فی التذکرة أن الغبن سبب لثبوت الخیار عند علمائنا و قولهم لا یسقط هذا الخیار بالتصرف فإن المراد التصرف قبل العلم بالغبن و عدم سقوطه ظاهر فی ثبوته. و مما یؤید الأول أنهم اختلفوا فی صحة التصرفات الناقلة فی زمان الخیار و لم یحکموا ببطلان التصرفات الواقعة من الغابن حین جهل المغبون بل صرح بعضهم بنفوذها و انتقال المغبون بعد ظهور غبنه إلى البدل. و یؤیده أیضا الاستدلال فی التذکرة و الغنیة على هذا الخیار بقوله ص فی حدیث تلقی الرکبان إنهم بالخیار إذا دخلوا السوق فإن ظاهره حدوث الخیار بعد الدخول الموجب لظهور الغبن هذا و لکن لا یخفى إمکان إرجاع الکلمات إلى أحد الوجهین بتوجیه ما کان منها ظاهرا فی المعنى الآخر. و توضیح ذلک أنه إن أرید بالخیار السلطنة الفعلیة التی یقتدر بها على الفسخ و الإمضاء قولا أو فعلا فلا یحدث إلا بعد ظهور الغبن و إن أرید ثبوت حق‏ للمغبون لو علم به لقام بمقتضاه فهو ثابت قبل العلم و إنما یتوقف على العلم إعمال هذا الحق فیکون حال الجاهل بموضوع الغبن کالجاهل بحکمه أو بحکم خیاری المجلس أو الحیوان أو غیرهما ثم إن الآثار المجعولة للخیار بین ما یترتب على تلک السلطنة الفعلیة کالسقوط بالتصرف فإنه لا یکون إلا بعد ظهور الغبن فلا یسقط قبله کما سیجی‏ء. و منه التلف فإن الظاهر أنه قبل ظهور الغبن من المغبون اتفاقا لو قلنا بعموم قاعدة کون التلف فی زمان الخیار ممن لا خیار له لمثل خیار الغبن کما جزم به بعض و تردد فیه آخر و بین ما یترتب على ذلک الحق الواقعی کإسقاطه بعد العقد قبل ظهوره و بین ما یتردد بین الأمرین کالتصرفات الناقلة فإن تعلیلهم المنع عنها بکونها مفوتة لحق ذی الخیار من العین ظاهر فی ترتب المنع على وجود نفس الحق و إن لم یعلم به.

و حکم بعض من منع من التصرف فی زمان الخیار بمضی التصرفات الواقعة من الغابن قبل علم المغبون یظهر منه أن المنع لأجل التسلط الفعلی و المتبع دلیل کل واحد من تلک الآثار فقد یظهر منه ترتب الأثر على نفس الحق الواقعی و لو کان مجهولا لصاحبه و قد یظهر منه ترتبه على السلطنة الفعلیة و تظهر ثمرة الوجهین أیضا فیما لو فسخ المغبون الجاهل اقتراحا أو بظن وجود سبب معدوم فی الواقع فصادف الغبن ثم إن ما ذکرناه فی الغبن من الوجهین جار فی العیب. و قد یستظهر من عبارة القواعد فی باب التدلیس الوجه الأول قال و کذا یعنی لا رد لو تعیبت الأمة المدلسة عنده قبل علمه بالتدلیس انتهى فإنه ذکر فی جامع المقاصد أنه لا فرق بین تعیبها قبل العلم و بعده لأن العیب مضمون على المشتری ثم قال إلا أن یقال إن العیب بعد العلم غیر مضمون على المشتری لثبوت الخیار و ظاهره عدم ثبوت الخیار قبل العلم بالعیب لکون العیب فی زمان‏ الخیار مضمونا على من لا خیار له لکن الاستظهار المذکور مبنی على شمول قاعدة التلف ممن لا خیار له لخیار العیب و سیجی‏ء عدم العموم إن شاء الله و أما خیار الرؤیة فسیأتی أن ظاهر التذکرة حدوثه بالرؤیة فلا یجوز إسقاطه قبلها.

مسألة یسقط هذا الخیار بأمور:

أحدها إسقاطه بعد العقد و هو قد یکون بعد العلم بالغبن فلا إشکال فی صحة إسقاطه بلا عوض مع العلم بمرتبة الغبن و لا مع الجهل بها إذا سقط الغبن المسبب عن أی مرتبة کان فاحشا کان أو أفحش و لو أسقطه بزعم کون التفاوت عشرة فظهر مائة ففی السقوط وجهان من عدم طیب نفسه بسقوط هذا المقدار من الحق کما لو أسقط حق عرض بزعم أنه شتم لا یبلغ القذف فتبین کونه قذفا و من أن الخیار أمر واحد مسبب عن مطلق التفاوت الذی لا یتسامح به و لا تعدد فیه فیسقط بمجرد الإسقاط و القذف و ما دونه من الشتم حقان مختلفان و أما الإسقاط بعوض بمعنى المصالحة عنه به فلا إشکال فیه مع العلم بمرتبة الغبن أو التصریح بعموم المراتب و لو أطلق و کان للإطلاق منصرف کما لو صالح عن الغبن المحقق فی المتاع المشتری بعشرین بدرهم فإن المتعارف من الغبن المحتمل فی مثل هذه المعاملة هو کون التفاوت أربعة أو خمسة فی العشرین فیصالح عن هذا المحتمل بدرهم فلو ظهر کون التفاوت ثمانیة عشر و أن المبیع یسوى درهمین فی فبطلان الصلح لأنه لم یقع على الحق الموجود أو صحته مع لزومه لما ذکرنا من أن الخیار حق واحد له سبب واحد و هو التفاوت الذی له أفراد متعددة فإذا أسقطه سقط أو صحته متزلزلا لأن الخیار الذی صالح عنه باعتقاد أن عوضه المتعارف درهم تبین کونه مما یبذل فی مقابله أزید من الدرهم ضرورة أنه کلما کان التفاوت المحتمل أزید یبذل فی مقابله أزید مما یبذل فی مقابله لو کان أقل فیحصل الغبن‏ فی المصالحة إذ لا فرق فی الغبن بین کونه للجهل بمقدار مالیته مع العلم بعینه و بین کونه لأجل الجهل بعینه وجوه و هذا هو الأقوى فتأمل.

و أما إسقاط هذا الخیار بعد العقد قبل ظهور الغبن فالظاهر أیضا جوازه و لا یقدح عدم تحقق شرطه بناء على کون ظهور الغبن شرطا لحدوث الخیار إذ یکفی فی ذلک تحقق السبب المقتضی للخیار و هو الغبن الواقعی و إن لم یعلم به و هذا کاف فی جواز إسقاط المسبب قبل حصول شرطه کإبراء المالک الودعی المفرط عن الضمان و کبراءة البائع من العیوب الراجعة إلى إسقاط الحق المسبب عن وجودها قبل العلم بها. و لا یقدح فی المقام أیضا کونه إسقاطا لما لم یتحقق إذ لا مانع منه إلا التعلیق و عدم الجزم الممنوع عنه فی العقود فضلا عن الإیقاعات و هو غیر قادح هنا فإن الممنوع منه هو التعلیق على ما لا یتوقف تحقق مفهوم الإنشاء علیه. و أما ما نحن فیه و شبهه مثل طلاق مشکوک الزوجیة و إعتاق مشکوک الرقیة منجزا أو الإبراء عما احتمل الاشتغال به فقد تقدم فی شرائط الصیغة أنه لا مانع منه لأن مفهوم العقد معلق علیها فی الواقع من دون تعلیق المتکلم و منه البراءة عن العیوب المحتملة فی المبیع و ضمان درک المبیع عند ظهوره مستحقا للغیر. نعم قد یشکل الأمر من حیث العوض المصالح به فإنه لا بد من وقوع شی‏ء بإزائه و هو غیر معلوم فالأولى ضم شی‏ء إلى المصالح عنه المجهول التحقق أو ضم سائر الخیارات إلیه بأن یقول صالحتک عن کل خیار لی بکذا و لو تبین عدم الغبن لم یقسط العوض علیه لأن المعدوم إنما دخل على تقدیر وجوده لا منجزا باعتقاد الوجود.

الثانی من المسقطات اشتراط سقوط الخیار فی متن العقد و الإشکال فیه من الجهات المذکورة هنا أو المتقدمة فی إسقاط الخیارات المتقدمة قد علم التفصی عنها.

نعم هنا وجه آخر للمنع یختص بهذا الخیار و خیار الرؤیة و هو لزوم الغرر من اشتراط إسقاطه. قال فی الدروس فی هذا المقام ما لفظه و لو شرطا رفعه أو رفع خیار الرؤیة فالظاهر بطلان العقد للغرر انتهى. ثم احتمل الفرق بین الخیارین بأن الغرر فی الغبن سهل الإزالة و جزم الصیمری فی غایة المرام ببطلان العقد و الشرط و تردد فیه المحقق الثانی إلا أنه استظهر الصحة و لعل توجیه کلام الشهید هو أن الغرر باعتبار الجهل بمقدار مالیة المبیع کالجهل بصفاته لأن وجه کون الجهل بالصفات غررا هو رجوعه إلى الجهل بمقدار مالیته و لذا لا غرر مع الجهل بالصفات التی لا مدخل لها فی القیمة. لکن الأقوى الصحة لأن مجرد الجهل بمقدار المالیة لو کان غررا لم یصح البیع مع الشک فی القیمة و أیضا فإن ارتفاع الغرر عن هذا البیع لیس لأجل الخیار حتى یکون إسقاطه موجبا لثبوته و إلا لم یصح البیع إذ لا یجدی فی الإخراج عن الغرر ثبوت الخیار لأنه حکم شرعی لا یرتفع به موضوع الغرر و إلا لصح کل بیع غرری على وجه التزلزل و ثبوت الخیار کبیع المجهول وجوده و المتعذر تسلیمه. و أما خیار الرؤیة ف اشتراط سقوطه راجع إلى إسقاط اعتبار ما اشترطاه من الأوصاف فی العین غیر المرئیة فکأنهما تبایعا سواء وجد فیها تلک الأوصاف أم لا ف صحة البیع موقوفة على اشتراط تلک الأوصاف و إسقاط الخیار فی معنى إلغائها الموجب للبطلان مع احتمال الصحة هناک أیضا لأن مرجع إسقاط خیار الرؤیة إلى التزام عدم تأثیر تخلف تلک الشروط لا إلى عدم التزام ما اشترطاه من الأوصاف و لا تنافی بین أن یقدم على اشتراء العین بانیا على وجود تلک الأوصاف و بین الالتزام بعدم الفسخ لو تخلفت فتأمل و سیجی‏ء تمام الکلام فی خیار الرؤیة و کیف کان ف لا أرى إشکالا فی اشتراط سقوط خیار الغبن من‏ حیث لزوم الغرر إذ لو لم یشرع الخیار فی الغبن أصلا لم یلزم منه غرر.

الثالث تصرف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخیارات المتقدمة بعد علمه بالغبن.

و یدل علیه ما دل على سقوط خیاری المجلس و الشرط به مع عدم ورود نص فیهما و اختصاص النص بخیار الحیوان و هو إطلاق بعض معاقد الإجماع بأن تصرف ذی الخیار فیما انتقل إلیه إجازة و فیما انتقل عنه فسخ و عموم العلة المستفادة من النص فی خیار الحیوان المستدل بها فی کلمات العلماء على السقوط و هی الرضا بلزوم العقد مع أن الدلیل هنا إما نفی الضرر و إما الإجماع و الأول منتف فإنه کما لا یجری مع الإقدام علیه فکذلک لا یجری مع الرضا به بعده.

و أما الإجماع فهو غیر ثابت مع الرضا إلا أن یقال إن الشک فی الرفع لا الدفع فیستصحب فتأمل.

أو ندعی أن ظاهر قولهم فیما نحن فیه أن هذا الخیار لا یسقط بالتصرف شموله للتصرف بعد العلم بالغبن و اختصاص هذا الخیار من بین الخیارات بذلک لکن الإنصاف عدم شمول التصرف فی کلماتهم لما بعد العلم بالغبن. و غرضهم من تخصیص الحکم بهذا الخیار أن التصرف مسقط لکل خیار و لو وقع قبل العلم بالخیار کما فی العیب و التدلیس سوى هذا الخیار و یؤید ذلک ما اشتهر بینهم من أن التصرف قبل العلم بالعیب و التدلیس ملزم لدلالته على الرضا بالبیع ف یسقط الرد و إنما یثبت الأرش فی خصوص العیب لعدم دلالة التصرف على الرضا بالعیب و کیف کان فاختصاص التصرف غیر المسقط فی کلامهم بما قبل العلم لا یکاد یخفى على المتتبع فی کلماتهم. نعم لم أجد لهم تصریحا بذلک عدا ما حکی عن صاحب المسالک و تبعه‏ جماعة مع انه اذا اقتضى الدلیل للسقوط فلا ینبغى الاستشکال من جهة ترک التصریح مع وجود الدلیل مما لا ینبغی بل ربما یستشکل فی حکمهم بعدم السقوط بالتصرف قبل العلم مع حکمهم بسقوط خیار التدلیس و العیب بالتصرف قبل العلم و الاعتذار بالنص إنما یتم فی العیب دون التدلیس فإنه مشترک مع خیار الغبن فی عدم النص و مقتضى القاعدة فی حکم التصرف قبل العلم فیهما واحد. و التحقیق أن یقال إن مقتضى القاعدة عدم السقوط لبقاء الضرر و عدم دلالة التصرف مع الجهل على الرضا بلزوم العقد و تحمل الضرر.

نعم قد ورد النص فی العیب على السقوط و ادعی علیه الإجماع مع أن ضرر السقوط فیه متدارک بالأرش و إن کان نفس إمساک العین قد تکون ضررا فإن تم دلیل فی التدلیس أیضا قلنا به و إلا وجب الرجوع إلى دلیل خیاره ثم إن الحکم بسقوط الخیار ب التصرف بعد العلم بالغبن مبنی على ما تقدم فی الخیارات السابقة من تسلیم کون التصرف دلیلا على الرضا بلزوم العقد و إلا کان اللازم فی غیر ما دل فعلا على الالتزام بالعقد من أفراد التصرف الرجوع إلى أصالة بقاء الخیار.

الرابع من المسقطات تصرف المشتری المغبون قبل العلم بالغبن‏ تصرفا مخرجا عن الملک على وجه اللزوم کالبیع و العتق فإن المصرح به فی کلام المحقق و من تأخر عنه هو سقوط خیاره حینئذ و قیل إنه المشهور و هو کذلک بین المتأخرین. نعم ذکر الشیخ فی خیار المشتری مرابحة عند کذب البائع أنه لو هلک السلعة أو تصرف فیها سقط الرد و الظاهر اتحاد هذا الخیار مع خیار الغبن کما یظهر من جامع المقاصد فی شرح قول الماتن و لا یبطل الخیار بتلف العین فراجع. و استدل على هذا الحکم فی التذکرة بعدم إمکان استدراکه مع الخروج عن الملک و هو بظاهره مشکل لأن الخیار غیر مشروط عندهم بإمکان رد العین. و یمکن أن یوجه بأن حدیث نفی الضرر لم یدل على الخیار بل المتیقن‏ منه جواز رد العین المغبون فیها فإذا امتنع ردها فلا دلیل على جواز فسخ العقد. و تضرر المغبون من جهة زیادة الثمن معارض بتضرر الغابن بقبول البدل فإن دفع الضرر من الطرفین إنما یکون بتسلط المغبون على رد العین فیکون حاله من حیث إن له القبول و الرد حال العالم بالغبن قبل المعاملة فی أن له أن یشتری و أن یترک و لیس هکذا بعد خروج العین عن ملکه مع أن إخراج المغبون العین عن ملکه التزام بالضرر و لو جهلا منه به.

هذا و لکن اعترض علیهم شیخنا الشهید قدس روحه السعید فی اللمعة بما توضیحه أن الضرر الموجب للخیار قبل التصرف ثابت مع التصرف و التصرف مع الجهل بالضرر لیس إقداما علیه لما عرفت من أن الخارج عن عموم نفی الضرر لیس إلا صورة الإقدام علیه عالما به فیجب تدارک الضرر باسترداد ما دفعه من الثمن الزائد برد نفس العین مع بقائها على ملکه و بدلها مع عدمه. و فوات خصوصیة العین على الغابن لیس ضررا لأن العین المبیعة إن کانت مثلیة فلا ضرر بتبدلها بمثلها و إن کانت قیمیة فتعریضها للبیع یدل على إرادة قیمتها فلا ضرر أصلا فضلا عن أن یعارض ضرر زیادة الثمن على القیمة خصوصا مع الإفراط فی الزیادة و الإنصاف أن هذا حسن جدا لکن قال فی الروضة إن لم یکن الحکم إجماعا. أقول و الظاهر عدمه لأنک عرفت عدم عنوان المسألة فی کلام من تقدم على المحقق فیما تتبعت.

ثم إن مقتضى دلیل المشهور عدم الفرق فی المغبون المتصرف بین البائع و المشتری‏ قال فی التحریر بعد أن صرح بثبوت الخیار للمغبون بائعا کان أو مشتریا و لا یسقط الخیار بالتصرف مع إمکان الرد و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بین الناقل اللازم و بین فک الملک کالعتق و الوقف و بین المانع عن الرد مع البقاء على الملک کالاستیلاد بل و یعم التلف و عن جماعة تخصیص العبارة بالمشتری ف إن أرادوا قصر الحکم علیه فلا یعرف له وجه إلا أن یبنى على مخالفته لعموم دلیل الخیار أعنی نفی الضرر فیقتصر على مورد الإجماع‏.

ثم إن الظاهر التقیید بصورة امتناع الرد و ظاهر التعلیل بعدم إمکان الاستدراک ما صرح به جماعة من أن الناقل الجائز لا یمنع الرد بالخیار إذا فسخه فضلا عن مثل التدبیر و الوصیة من التصرفات غیر الموجبة للخروج عن الملک فعلا و هو حسن لعموم نفی الضرر. و مجرد الخروج عن الملک لا یسقط تدارک ضرر الغبن و لو اتفق زوال المانع کموت ولد أم الولد و فسخ العقد اللازم لعیب أو غبن ففی جواز الرد وجهان من أنه متمکن حینئذ و من استقرار البیع و ربما یبنیان على أن الزائل العائد کالذی لم یزل أو کالذی لم یعد و کذا الوجهان فیما لو عاد إلیه بناقل جدید و عدم الخیار هنا أولى لأن العود هنا بسبب جدید. و فی الفسخ برفع السبب السابق‏.

و فی لحوق الإجارة بالبیع قولان‏ من امتناع الرد و هو مختار الصیمری و أبی العباس و من أن مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملک و هو المحکی عن ظاهر الأکثر و لو لم یعلم بالغبن إلا بعد انقضاء الإجارة توجه الرد و کذا لو لم یعلم به حتى انفسخ البیع.

و فی لحوق الامتزاج مطلقا أو فی الجملة بالخروج عن الملک وجوه‏ أقواها اللحوق لحصول الشرکة فیمتنع رد العین الذی هو مورد الاستثناء و کذا لو تغیرت العین بالنقیصة و لو تغیرت بالزیادة العینیة أو الحکمیة أو من الجهتین فالأقوى الرد فی الوسطى بناء على حصول الشرکة فی غیرها المانعة عن‏ رد العین فتأمل هذا کله فی تصرف المغبون‏. و أما تصرف الغابن‏ فالظاهر أنه لا وجه لسقوط خیار المغبون به و حینئذ فإن فسخ و وجد العین خارجة عن ملکه لزوما بالعتق أو الوقف أو البیع اللازم ففی تسلطه على إبطال ذلک من حینه أو من أصلها کالمرتهن و الشفیع أو رجوعه إلى البدل وجوه من وقوع العقد فی متعلق حق الغیر فإن حق المغبون بأصل المعاملة الغبنیة و إنما یظهر له بظهور السبب فله الخیار فی استرداد العین إذا ظهر السبب و حیث وقع العقد فی ملک الغابن فلا وجه لبطلانه من رأس و من أن وقوع العقد فی متعلق حق الغیر یوجب تزلزله من رأس کما فی بیع الرهن.

و مقتضى فسخ البیع الأول تلقى الملک من الغابن الذی وقع البیع معه لا من المشتری الثانی و من أنه لا وجه للتزلزل إما لأن التصرف فی زمان خیار غیر المتصرف صحیح لازم کما سیجی‏ء فی أحکام الخیار فیسترد الفاسخ البدل. و إما لعدم تحقق الخیار قبل ظهور الغبن فعلا على وجه فعلا على وجه یمنع من تصرف من علیه الخیار کما هو ظاهر الجماعة هنا و فی خیار الغیب قبل ظهوره فإن غیر واحد ممن منع من تصرف غیر ذی الخیار بدون إذنه أو استشکل فیه حکم بلزوم العقود الواقعة قبل ظهور الغبن و العیب و هذا هو الأقوى و سیأتی تتمة لذلک فی أحکام الخیار و کذا الحکم لو حصل مانع من رده کالاستیلاد و یحتمل هنا تقدیم حق الخیار لسبق سببه على الاستیلاد.

ثم إن مقتضى ما ذکرنا جریان الحکم فی خروج المبیع عن ملک الغابن بالعقد الجائز لأن معنى جوازه تسلط أحد المتعاقدین على فسخه أما تسلط الأجنبی و هو المغبون فلا دلیل علیه بعد فرض وقوع العقد صحیحا. و فی المسالک لو کان الناقل مما یمکن إبطاله کالبیع بخیار ألزم بالفسخ فإن امتنع فسخه الحاکم و إن تعذر فسخه المغبون و یمکن النظر فیه بأن فسخ المغبون إما بدخول العین فی ملکه و إما بدخول بدلها فعلى الأول لا حاجة إلى الفسخ حتى یتکلم فی الفاسخ و على الثانی فلا وجه للعدول عما استحقه بالفسخ إلى غیره اللهم إلا أن یقال إنه لا منافاة لأن البدل المستحق بالفسخ إنما هو للحیلولة فإذا أمکن رد العین وجب على الغابن تحصیلها لکن ذلک إنما یتم مع کون العین باقیة على ملک المغبون و أما مع عدمه و تملک المغبون للبدل فلا دلیل على وجوب تحصیل العین.

ثم على القول بعدم وجوب الفسخ فی الجائز لو اتفق عود الملک إلیه لفسخ فإن کان ذلک قبل فسخ المغبون فالظاهر وجود رد العین و إن کان بعده فالظاهر عدم وجوب رده لعدم الدلیل بعد تملک البدل و لو کان العود بعقد جدید فالأقوى عدم وجوب الرد مطلقا لأنه ملک جدید تلقاه من مالکه. و الفاسخ إنما یملک بسبب ملکه السابق بعد ارتفاع السبب الناقل‏. و لو تصرف الغابن تصرفا مغیرا للعین فإما أن یکون بالنقیصة أو بالزیادة أو بالامتزاج‏ فإن کان بالنقیصة فإما أن یکون نقصا یوجب الأرش و إما أن یکون مما لا یوجبه فإن أوجب الأرش أخذه مع الأرش کما هو مقتضى الفسخ لأن الفائت مضمون بجزء من العوض فإذا رد تمام العوض وجب رد مجموع المعوض فیتدارک الفائت منه ببدله و مثل ذلک ما لو تلف بعض العین و إن کان مما لا یوجب شیئا رده بلا شی‏ء. و منه ما لو وجد العین مستأجرة فإن على الفاسخ الصبر إلى أن ینقضی مدة الإجارة و لا یجب على الغابن بذل عوض المنفعة المستوفاة بالنسبة إلى بقیة المدة بعد الفسخ لأن المنفعة من الزوائد المنفصلة المتخللة بین العقد و الفسخ فهی ملک للمفسوخ علیه فالمنفعة الدائمة تابعة للملک المطلق فإذا تحقق فی زمان ملک منفعة العین بأسرها و یحتمل انفساخ الإجارة فی بقیة المدة لأن ملک منفعة الملک المتزلزل متزلزل و هو الذی جزم به المحقق القمی فیما إذا فسخ البائع بخیاره المشروط له فی‏ البیع و فیه نظر لمنع تزلزل ملک المنفعة. نعم ذکر العلامة فی القواعد فیما إذا وقع التفاسخ لأجل اختلاف المتبایعین أنه إذا وجد البائع العین مستأجرة کانت الأجرة للمشتری و المؤجر وجب علیه للبائع أجرة المثل للمدة الباقیة بعد الفسخ و قرره على ذلک شراح الکتاب و سیجی‏ء ما یمکن أن یکون فارقا بین المقامین‏.

و إن کان التغییر بالزیادة فإن کانت حکمیة محضة کقصارة الثوب و تعلیم الصنعة فالظاهر ثبوت الشرکة فیه بنسبة تلک الزیادة بأن تقوم العین معها و لا معها و یؤخذ النسبة و لو لم یکن للزیادة مدخل فی زیادة القیمة فالظاهر عدم شی‏ء لمحدثها لأنه إنما عمل فیما له و عمله لنفسه غیر مضمون على غیره و لو لم یحصل منه فی الخارج ما یقابل المال و لو فی ضمن العین و لو کانت الزیادة عینا محضا کالغرس ففی تسلط المغبون على القلع بلا أرش کما اختاره فی المختلف فی الشفعة أو عدم تسلطه علیه مطلقا کما علیه المشهور فیما إذا رجع بائع الأرض المغروسة بعد تفلیس المشتری أو تسلطه علیه مع الأرش کما اختاره فی المسالک هنا و قیل به فی الشفعة و العاریة وجوه من أن صفة کونه منصوبا المستلزمة لزیادة قیمته إنما هی عبارة عن کونه فی مکان صار ملکا للغیر فلا حق للغرس کما إذا باع أرضا مشغولة بماله و کان ماله فی تلک الأرض أزید قیمة.

مضافا إلى ما فی المختلف فی مسألة الشفعة من أن الفائت لما حدث فی محل معرض للزوال لم یجب تدارکه و من أن الغرس المنصوب الذی هو مال للمشتری مال مغایر للمقلوع عرفا و لیس کالمتاع الموضوع فی بیت بحیث یکون تفاوت قیمته باعتبار المکان. مضافا إلى مفهوم قوله ص: لیس لعرق ظالم حق فیکون کما لو باع الأرض المغروسة و من أن الغرس إنما وقع فی ملک متزلزل‏.

و لا دلیل على استحقاق الغرس على الأرض البقاء. و قیاس الأرض المغروسة على الأرض المستأجرة حیث لا یفسخ إجارتها و لا تغرم لها أجرة المثل فاسد للفرق بتملک المنفعة فی تمام المدة قبل استحقاق الفاسخ هناک بخلاف ما نحن فیه فإن المستحق هو الغرس المنصوب من دون استحقاق مکان فی الأرض فالتحقیق أن کلا من المالکین یملک ماله لا بشرط حق له على الآخر و لا علیه له فلکل منهما تخلیص ماله عن مال صاحبه فإن أراد مالک الغرس قلعه فعلیه أرش طم الحفر و إن أراد مالک الأرض تخلیصها ف علیه أرش الغرس أعنی تفاوت ما بین کونه منصوبا دائما و کونه مقلوعا و کونه مالا للمالک على صفة النصب دائما لیس اعترافا بعدم تسلطه على قلعه لأن المال هو الغرس المنصوب و مرجع دوامه إلى دوام ثبوت هذا المال الخاص له فلیس هذا من باب استحقاق الغرس للمکان فافهم.

و یبقى الفرق بین ما نحن فیه و بین مسألة التفلیس حیث ذهب الأکثر إلى أن لیس للبائع الفاسخ قلع الغرس و لو مع الأرش و یمکن الفرق بکون حدوث ملک الغرس فی ملک متزلزل فیما نحن فیه فحق المغبون إنما تعلق بالأرض قبل الغرس بخلاف مسألة التفلیس لأن سبب التزلزل هناک بعد الغرس فیشبه بیع الأرض المغروسة و لیس للمشتری قلعه و لو مع الأرش بلا خلاف بل عرفت أن العلامة فی المختلف جعل التزلزل موجبا لعدم استحقاق أرش الغرس ثم إذا جاز القلع فهل یجوز للمغبون مباشرة القلع أم له مطالبة المالک بالقلع و مع امتناعه یجبره الحاکم أو یقلعه وجوه ذکروها فیما لو دخلت أغصان شجر الجار إلى داره و یحتمل الفرق بین المقامین من جهة کون الدخول هناک بغیر فعل المالک و لذا قیل فیه بعدم وجوب إجابة المالک الجار إلى القلع و إن جاز للجار قلعها بعد الامتناع أو قبله هذا کله حکم التخلیص. و أما لو اختار المغبون الإبقاء فمقتضى ما ذکرنا من عدم ثبوت حق لأحد المالکین على الآخر استحقاقه الأجرة على البقاء لأن انتقال الأرض إلى المغبون بحق سابق على الغرس لا بسبب لا حق له هذا کله حکم الشجر. و أما الزرع ففی المسالک أنه یتعین إبقاؤه بالأجرة لأن له أمدا ینتظر و لعله لإمکان الجمع بین الحقین على وجه لا ضرر فیه على الطرفین بخلاف مسألة الشجر فإن فی تعیین إبقائه بالأجرة ضررا على مالک الأرض لطول مدة البقاء فتأمل. و لو طلب مالک الغرس القلع فهل لمالک الأرض منعه لاستلزامه نقص أرضه فإن کلا منهما مسلط على ماله و لا یجوز تصرفه فی مال غیره إلا بإذنه أم لا لأن التسلط على المال لا یوجب منع مالک آخر عن التصرف فی ماله وجهان أقواهما الثانی‏.

و لو کان التغیر بالامتزاج‏ فإما أن یکون بغیر جنسه و إما أن یکون بجنسه فإن کان بغیر جنسه فإن کان على وجه الاستهلاک عرفا بحیث لا یحکم فی مثله بالشرکة کامتزاج ماء الورد المبیع بالزیت فهو فی حکم التالف یرجع إلى قیمته و إن کان لا على وجه یعد تالفا کالخل الممتزج مع الأنجبین ففی کونه شریکا أو کونه کالمعدوم وجهان من حصول الاشتراک قهرا لو کانا للمالکین و من تغیر حقیقته فیکون کالتلف الرافع للخیار و إن کان الامتزاج بالجنس فإن کان بالمساوی یثبت الشرکة و إن کان بالأردإ فکذلک.

و فی استحقاقه لأرش النقص أو تفاوت الرداءة من الجنس الممتزج أو من ثمنه وجوه و لو کان ب الأجود احتمل الشرکة فی الثمن بأن یباع و یعطى من الثمن بنسبة قیمته و یحتمل الشرکة بنسبة القیمة فإذا کان الأجود یساوی قیمتی الردی‏ء کان المجموع بینهما أثلاثا و رده الشیخ فی مسألة رجوع البائع على‏ المفلس بعین ماله بأنه یستلزم الربا قیل و هو حسن مع عموم الربا لکل معاوضة.

بقی الکلام فی حکم تلف العوضین مع الغبن‏ و تفصیله أن التلف إما أن یکون فیما وصل إلى الغابن أو فیما وصل إلى المغبون و التلف إما بآفة أو بإتلاف أحدهما أو بإتلاف الأجنبی و حکمها أنه لو تلف ما فی ید المغبون فإن کان بآفة فمقتضى ما تقدم من التذکرة فی الإخراج عن الملک من تعلیل السقوط بعدم إمکان الاستدراک سقوط الخیار لکنک قد عرفت الکلام فی مورد التعلیل فضلا عن غیره و لذا اختار غیر واحد بقاء الخیار فإذا فسخ غرم قیمته یوم التلف أو یوم الفسخ و أخذ ما عند الغابن أو بدله و کذا لو کان بإتلافه و لو کان بإتلاف الأجنبی ففسخ المغبون أخذ الثمن و رجع الغابن إلى المتلف إن لم یرجع المغبون علیه و إن رجع علیه بالبدل ثم ظهر الغبن ففسخ رد على الغابن القیمة یوم التلف أو یوم الفسخ و لو کان بإتلاف الغابن فإن لم یفسخ المغبون أخذ القیمة من الغابن و إن فسخ أخذ الثمن و لو کان إتلافه قبل ظهور الغبن فأبرأه المغبون من الغرامة ثم ظهر الغبن ففسخ وجب علیه رد القیمة لأن ما أبرأه بمنزلة المقبوض و لو تلف ما فی ید الغابن بآفة أو بإتلافه ففسخ المغبون أخذ البدل.

و فی اعتبار القیمة یوم التلف أو یوم الفسخ قولان ظاهر الأکثر الأول و لکن صرح فی الدروس و المسالک و محکی حاشیة الشرائع للمحقق الثانی و صاحب الحدائق و بعض آخر أنه لو اشترى عینا بعین فقبض إحداهما دون الأخرى فباع المقبوض ثم تلف غیر مقبوض أن البیع الأول ینفسخ بتلف متعلقة قبل القبض بخلاف البیع الثانی فیغرم البائع الثانی قیمة ما باعه یوم تلف غیر المقبوض و هذا ظاهر بل صریح فی أن العبرة بقیمة یوم الانفساخ دون تلف‏ العین و الفرق بین المسألتین مشکل و تمام الکلام فی باب الإقالة إن شاء الله.

و لو تلف بإتلاف الأجنبی رجع المغبون بعد الفسخ إلى الغابن لأنه الذی یرد إلیه العوض فیؤخذ منه المعوض أو بدله و لأنه ملک القیمة على المتلف و یحتمل الرجوع إلى المتلف لأن المال فی ضمانه و ما لم یدفع العوض فنفس المال فی عهدته و لذا صرح فی الشرائع بجواز المصالحة على ذلک المتلف بما لو صالح به على قیمته لزم الربا. و صرح العلامة بأنه لو صالحه على نفس المتلف بأقل من قیمته لم یلزم الربا و إن صالحه على قیمته بالأقل لزم الربا بناء على جریانه فی الصلح و یحتمل التخییر أما الغابن فلأنه ملک البدل و أما المتلف فلأن المال المتلف فی عهدته قبل أداء القیمة و إن کان بإتلاف المغبون فإن لم یفسخ غرم بدله و لو أبرأه الغابن من بدل المتلف فظهر الغبن ففسخ رد الثمن و أخذ قیمة المتلف لأن المبرإ منه کالمقبوض.

هذا قلیل من کثیر ما یکون هذا المقام قابلا له من الکلام و ینبغی إحالة الزائد على ما ذکروه فی غیر هذا المقام و الله العالم بالأحکام و رسوله و خلفائه الکرام صلوات الله علیه و علیهم إلى یوم القیام.

مسألة الظاهر ثبوت خیار الغبن فی کل معاوضة مالیة بناء على الاستناد فی ثبوته فی البیع إلى نفی الضرر. نعم لو استند إلى الإجماعات المنقولة أمکن الرجوع فی غیر البیع إلى أصالة اللزوم و ممن حکی عنه التصریح بالعموم فخر الدین قدس سره فی شرح الإرشاد و صاحب التنقیح و صاحب إیضاح النافع و عن إجازة جامع المقاصد جریانه فیها مستندا إلى أنه من توابع المعاوضات. نعم حکی عن المهذب البارع عدم جریانه فی الصلح و لعله لکون الغرض‏ الأصلی فیه قطع المنازعة فلا یشرع فیه الفسخ و فیه ما لا یخفى. و فی غایة المرام التفصیل بین الصلح الواقع على وجه المعاوضة فیجری فیه و بین الواقع على إسقاط دعوى قبل ثبوتها ثم ظهر حقیة ما یدعیه و کان مغبونا فیما صالح به و الواقع على ما فی الذمم و کان مجهولا ثم ظهر بعد عقد الصلح و ظهر غبن أحدهما على تأمل و لعله للإقدام فی هذین على رفع الید عما صالح عنه کائنا ما کان فقد أقدم على الضرر. و حکی عن بعض التفصیل بین کل عقد وقع شخصه على وجه المسامحة و کان الإقدام فیه على المعاملة مبنیا على عدم الالتفات إلى النقص و الزیادة بیعا کان أو صلحا أو غیرهما ف إنه لا یصدق فیه اسم الغبن و بین غیره. و فیه مع أن منع صدق الغبن محل نظر أن الحکم بالخیار لم یعلق فی دلیل على مفهوم لفظ الغبن حتى یتبع مصادیقه فإن الفتاوى مختصة بغبن البیع و حدیث نفی الضرر عام لم یخرج منه إلا ما استثنی فی الفتاوى من صورة الإقدام على الضرر عالما به. نعم لو استدل بآیة التجارة عن تراض أو النهی عن أکل المال بالباطل أمکن اختصاصها بما إذا أقدم على المعاملة محتملا للضرر مسامحا فی دفع ذلک الاحتمال. و الحاصل أن المسألة لا تخلو عن إشکال من جهة أصالة اللزوم و اختصاص معقد الإجماع و الشهرة بالبیع و عدم تعرض الأکثر لدخول هذا الخیار فی غیر البیع کما تعرضوا لجریان خیار الشرط و تعرضهم لعدم جریان خیار المجلس فی غیر البیع لکونه محل خلاف لبعض العامة فی بعض أفراد ما عدا البیع فلا یدل على عموم غیره لما عدا البیع و من دلالة حدیث نفی الضرر على عدم لزوم المعاملة المغبون فیها فی صورة امتناع الغابن عن بذل التفاوت بعد إلحاق غیرها بظهور عدم الفصل عند الأصحاب و قد استدل به الأصحاب على إثبات کثیر من الخیارات فدخوله فیما عدا البیع لا یخلو عن قوة نعم یبقى الإشکال فی شموله للصورة المتقدمة و هی ما إذا علم من الخارج بناء شخص تلک المعاملة بیعا کان أو غیره على عدم المغابنة و المکایسة من حیث المالیة کما إذا احتاج المشتری إلى قلیل من شی‏ء مبتذل لحاجة عظیمة دینیة أو دنیویة فإنه لا یلاحظ فی شرائه مساواته للثمن المدفوع بإزائه فإن فی شمول الأدلة لمثل هذا خفاء بل منعا إلا أن یتم بعدم القول بالفصل و الله العالم.

مسألة اختلف أصحابنا فی کون هذا الخیار على الفور أو على التراخی‏ على قولین‏:

و استند للقول الأول و هو المشهور ظاهرا إلى کون الخیار على خلاف الأصل فیقتصر فیه على المتیقن و قرره فی جامع المقاصد بأن العموم فی أفراد العقود یستتبع عموم الأزمنة و إلا لم ینتفع بعمومه انتهى.

و للقول الثانی إلى الاستصحاب. و ذکر فی الریاض ما حاصله أن المستند فی هذا الخیار إن کان الإجماع المنقول اتجه التمسک بالاستصحاب و إن کان نفی الضرر وجب الاقتصار على الزمان الأول إذ به یندفع الضرر.

أقول و یمکن الخدشة فی جمیع الوجوه المذکورة أما فی وجوب الاقتصار على المتیقن فلأنه غیر متجه مع الاستصحاب و أما ما ذکره فی جامع المقاصد من عموم الأزمنة ف إن أراد به عمومها المستفاد من إطلاق الحکم بالنسبة إلى زمانه الراجع بدلیل الحکمة إلى استمراره فی جمیع الأزمنة فلا یخفى أن هذا العموم فی کل فرد من موضوع الحکم تابع لدخوله تحت العموم فإذا فرض خروج فرد منه فلا یفرق فیه بین خروجه عن حکم العام دائما أو فی زمان ما إذ لیس فی خروجه دائما زیادة تخصیص فی العام حتى یقتصر عند الشک فیه على‏ المتیقن نظیر ما إذا ورد تحریم فعل بعنوان العموم و خرج منه فرد خاص من ذلک الفعل لکن وقع الشک فی أن ارتفاع الحرمة عن ذلک الفرد مختص ببعض الأزمنة أو عام لجمیعها فإن اللازم هنا استصحاب حکم الخاص أعنی الحلیة لا الرجوع فی ما بعد الزمان المتیقن إلى عموم التحریم و لیس هذا من معارضة العموم للاستصحاب و السر فیه ما عرفت من تبعیة العموم الزمانی للعموم الأفرادی فإذا فرض خروج بعضها فلا مقتضى للعموم الزمانی فیه حتى یقتصر فیه من حیث الزمان على المتیقن بل الفرد الخارج واحد دام زمان خروجه أو انقطع. نعم لو فرض إفادة الکلام للعموم الزمانی على وجه یکون الزمان مکثرا لأفراد العام بحیث یکون الفرد فی کل زمان مغایرا له فی زمان آخر کان اللازم بعد العلم بخروج فرد فی زمان ما الاقتصار على المتیقن لأن خروج غیره من الزمان مستلزم لخروج فرد آخر من العام غیر ما علم خروجه کما إذا قال المولى لعبده أکرم العلماء فی کل یوم بحیث کان إکرام کل عالم فی کل یوم واجبا مستقلا غیر إکرام ذلک العالم فی الیوم الآخر فإذا علم بخروج زید العالم و شک فی خروجه عن العموم یوما أو أزید وجب الرجوع فی ما بعد الیوم الأول إلى عموم وجوب الإکرام لا إلى استصحاب عدم وجوبه بل لو فرضنا عدم وجود ذلک العموم لم یجز التمسک بالاستصحاب بل یجب الرجوع إلى أصل آخر کما أن فی الصورة الأولى لو فرضنا عدم حجیة الاستصحاب لم یجز الرجوع إلى العموم فما أوضح الفرق بین الصورتین.

ثم لا یخفى أن مناط هذا الفرق لیس کون عموم الزمان فی الصورة الأولى من الإطلاق المحمول على العموم بدلیل الحکمة و کونه فی الصورة الثانیة عموما لغویا بل المناط کون الزمان فی الأولى ظرفا للحکم و إن فرض عمومه لغویا فیکون [الحکم فیه حکما واحدا مستمرا لموضوع واحد] فیکون مرجع الشک‏ فیه إلى الشک فی استمرار حکم واحد و انقطاعه فیستصحب و الزمان فی الثانیة مکثر لأفراد موضوع الحکم فمرجع الشک فی وجود الحکم فی الآن الثانی إلى ثبوت حکم الخاص لفرد من العام مغایر للفرد الأول و معلوم أن المرجع فیه إلى أصالة العموم فافهم و اغتنم.

و بذلک یظهر فساد دفع کلام جامع المقاصد بأن آیة أوفوا و غیرها مطلقة لا عامة فلا تنافی الاستصحاب إلا أن یدعی أن العموم لا یرجع إلا إلى العموم الزمانی على الوجه الأول.

فقد ظهر أیضا مما ذکرنا من تغایر موردی الرجوع إلى الاستصحاب و الرجوع إلى العموم فساد ما قیل فی الأصول من أن الاستصحاب قد یخصص العموم و مثل له بالصورة الأولى زعما منه أن الاستصحاب قد خصص العموم.

و قد عرفت أن مقام جریان الاستصحاب لا یجوز فیه الرجوع إلى العموم و لو على فرض عدم الاستصحاب و مقام جریان العموم لا یجوز الرجوع إلى الاستصحاب و لو على فرض عدم العموم فلیس شی‏ء منهما ممنوعا بالآخر فی شی‏ء من المقامین إذا عرفت هذا فما نحن فیه من قبیل الأول لأن العقد المغبون فیه إذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بین عدم وجوب الوفاء به فی زمان واحد و بین عدم وجوبه رأسا نظیر العقد الجائز دائما فلیس الأمر دائرا بین قلة التخصیص و کثرته حتى یتمسک العموم فیما عدا المتیقن فلو فرض عدم جریان الاستصحاب فی الخیار على ما سنشیر إلیه لم یجز التمسک بالعموم أیضا. نعم یتمسک فیه حینئذ بأصالة اللزوم الثابتة بغیر العمومات و أما استناد القول بالتراخی إلى الاستصحاب فهو حسن على ما اشتهر من المسامحة فی تشخیص الموضوع فی استصحاب الحکم الشرعی الثابت بغیر الأدلة اللفظیة المشخصة للموضوع مع کون الشک من حیث استعداد الحکم للبقاء.

و أما على التحقیق من عدم إحراز الموضوع فی مثل ذلک على وجه التحقیق فلا یجری فیما نحن فیه الاستصحاب فإن المتیقن سابقا ثبوت الخیار لمن لم یتمکن من تدارک ضرره بالفسخ فإذا فرضنا ثبوت هذا الحکم من الشرع فلا معنى لانسحابه فی الآن اللاحق مع کون الشخص قد تمکن من التدارک و لم یفعل لأن هذا موضوع آخر یکون إثبات الحکم له من القیاس المحرم. نعم لو أحرز الموضوع من دلیل لفظی على المستصحب أو کان الشک فی رافع الحکم حتى لا یحتمل أن یکون الشک لأجل تغیر الموضوع اتجه التمسک بالاستصحاب. و أما ما ذکره فی الریاض ففیه أنه إن بنی الأمر على التدقیق فی موضوع الاستصحاب کما أشرنا هنا و حققناه فی الأصول فلا یجری الاستصحاب و إن کان المدرک للخیار الإجماع و إن بنى على المسامحة فیه کما اشتهر جرى الاستصحاب و إن استند فی الخیار إلى قاعدة الضرر کما اعترف به ولده قدس سره فی المناهل مستندا إلى احتمال أن یکون الضرر علة محدثة یکفی فی بقاء الحکم و إن ارتفع إلا أن یدعى أنه إذا استند الحکم إلى الضرر ف الموضوع للخیار هو المتضرر العاجز عن تدارک ضرره و هو غیر محقق فی الزمان اللاحق کما أشرنا.

ثم إنه بنى المسألة بعض المعاصرین على ما لا محصل له فقال ما لفظه إن المسألة مبتنیة على أن لزوم العقد معناه أن أثر العقد مستمر إلى یوم القیامة و أن عموم الوفاء بالعقود عموم زمانی للقطع بأن لیس المراد بالآیة الوفاء بالعقود آنا ما بل على الدوام. و قد فهم المشهور منها ذلک باعتبار أن الوفاء بها العمل بمقتضاها و لا ریب أن مفاده عرفا و بحسب قصد المتعاقدین الدوام فإن دل دلیل على ثبوت خیار من ضرر أو إجماع أو نص فی ثبوته فی الماضی أو مطلقا بناء على الإهمال‏ لا الإطلاق فی الأخبار فیکون استثناء من ذلک العام و یبقى العام على عمومه کاستثناء أیام الإقامة و الثلاثین و وقت المعصیة و نحوها من حکم السفر أو أن اللزوم لیس کالعموم و إنما یثبت ملکا سابقا و یبقى حکمه مستصحبا إلى المزیل ف تکون المعارضة بین استصحابین و الثانی وارد على الأول فیقدم علیه و الأول أقوى لأن حدوث الحادث مع زوال العلة السابقة یقضی بعدم اعتبار السابق أما مع بقائها فلا یلغو اعتبار السابق انتهى.

و لا یخفى أن ما ذکره من المبنی للرجوع إلى العموم و هو استمرار اللزوم مبنى لطرح العموم و الرجوع إلى الاستصحاب و أما ما ذکره أخیرا لمبنى الرجوع إلى الاستصحاب و حاصله أن اللزوم إنما یثبت بالاستصحاب فإذا ورد علیه استصحاب الخیار قدم علیه ففیه أن الکل متفقون على الاستناد فی أصالة اللزوم إلى عموم آیة الوفاء و إن أمکن الاستناد فیه إلى الاستصحاب أیضا فلا وجه للإغماض عن الآیة و ملاحظة الاستصحاب المقتضی للزوم مع استصحاب الخیار.

ثم إنه قد علم من تضاعیف ما أوردناه على کلمات الجماعة أن الأقوى کون الخیار هنا على الفور لأنه لما لم یجز التمسک فی الزمان الثانی بالعموم لما عرفت سابقا من أن مرجع العموم الزمانی فی هذا المقام إلى استمرار الحکم فی الأفراد فإذا انقطع الاستمرار فلا دلیل على العود إلیه کما فی جمیع الأحکام المستمرة إذا طرأ علیها الانقطاع و لا بالاستصحاب الخیار لما عرفت من أن الموضوع غیر محرز لاحتمال کون موضوع الحکم عند الشارع هو من لم یتمکن من تدارک ضرره بالفسخ فلا یشمل الشخص المتمکن منه التارک له بل قد یستظهر ذلک من حدیث نفی الضرر تعین الرجوع إلى أصالة فساد فسخ المغبون و عدم ترتب الأثر علیه و بقاء آثار العقد فیثبت اللزوم من هذه الجهة و هذا لیس کاستصحاب الخیار لأن الشک هنا فی الواقع فالموضوع محرز کما فی استصحاب الطهارة بعد خروج المذی فافهم و اغتنم و الحمد لله. هذا مضافا إلى ما قد یقال هنا و فیما یشبهه من إجازة عقد الفضولی و نکاحه و غیرهما من أن تجویز التأخیر فیها ضرر على من علیه الخیار و فیه تأمل.

ثم إن مقتضى ما استند إلیه للفوریة عدا هذا المؤید الأخیر هی الفوریة العرفیة لأن الاقتصار على الحقیقیة حرج على ذی الخیار فلا ینبغی تدارک الضرر به و الزائد علیها لا دلیل علیه عدا الاستصحاب المتسالم على رده بین أهل هذا القول لکن الذی یظهر من التذکرة فی خیار العیب على القول بفوریة ما هو أوسع من الفور العرفی قال خیار العیب لیس على الفور على ما تقدم خلافا للشافعی فإنه اشترط الفوریة و المبادرة بالعادة فلا یؤمر بالعدو و لا الرکض للرد و إن کان مشغولا بصلاة أو أکل أو قضاء حاجة فله الخیار إلى أن یفرغ و کذا لو اطلع حین دخل وقت هذه الأمور فاشتغل بها فلا بأس إجماعا و کذا لو لبس ثوبا أو أغلق بابا و لو اطلع على العیب لیلا فله التأخیر إلى أن یصبح و إن لم یکن عذر انتهى. و قد صرح فی الشفعة على القول بفوریتها بما یقرب من ذلک و جعلها من الإعذار و صرح فی الشفعة بأنه لا تجب المبادرة على خلاف العادة و رجع فی ذلک کله إلى العرف فکل ما لا یعد تقصیرا لا یبطل به الشفعة و کل ما یعد تقصیرا و توانیا فی الطلب فإنه مسقط لها انتهى.

و المسألة لا تخلو عن إشکال لأن جعل حضور وقت الصلاة أو دخول اللیل عذرا فی ترک الفسخ المتحقق بمجرد قوله فسخت لا دلیل علیه. نعم لو توقف الفسخ على الحضور عند الخصم أو القاضی أو على الإشهاد توجه ما ذکر فی الجملة مع أن قیام الدلیل علیه مشکل إلا أن یجعل الدلیل على الفوریة لزوم الإضرار لمن علیه الخیار ف یدفع ذلک بلزوم المبادرة العرفیة بحیث‏ لا یعد متوانیا فیه فإن هذا هو الذی یضر بحال من علیه الخیار من جهة عدم استقرار ملکه و کون تصرفاته فیه فی معرض النقص لکنک عرفت التأمل فی هذا الدلیل‏.

فالإنصاف أنه إن تم الإجماع الذی تقدم عن العلامة على عدم البأس بالأمور المذکورة و عدم قدح أمثالها فی الفوریة فهو و إلا وجب الاقتصار على أول مراتب الإمکان إن شاء الفسخ و الله العالم‏.

ثم إن الظاهر أنه لا خلاف فی معذوریة الجاهل بالخیار فی ترک المبادرة لعموم نفی الضرر إذ لا فرق بین الجاهل بالغبن [و الجاهل بالخیار فی ترک المبادرة لعموم نفی الضرر إذ لا فرق بین الجاهل ب الغبن‏] و الجاهل بحکمه و لیس ترک الفحص عن الحکم الشرعی منافیا لمعذوریته ک ترک الفحص عن الغبن و عدمه و لو جهل الفوریة فظاهر بعض الوفاق على المعذوریة. و یشکل ب عدم جریان نفی الضرر هنا لتمکنه من الفسخ و تدارک الضرر ف یرجع إلى ما تقدم من أصالة بقاء آثار العقد و عدم صحة فسخ المغبون بعد الزمان الأول. و قد حکی عن بعض الأساطین عدم المعذوریة فی خیار التأخیر و المناط واحد و لو ادعى الجهل بالخیار فالأقوى القبول إلا أن یکون مما لا یخفى علیه هذا الحکم الشرعی إلا لعارض ففیه نظر. و قال فی التذکرة فی باب الشفعة إنه لو قال إنی لم أعلم ثبوت حق الشفعة أو قال أخرت لأنی لم أعلم أن الشفعة على الفور فإن کان قریب العهد بالإسلام أو نشأ فی بریة لا یعرفون الأحکام قبل قوله و له الأخذ بالشفعة و إلا فلا انتهى. فإن أراد بالتقیید المذکور تخصیص السماع بمن یحتمل فی حقه الجهل فلا حاجة إلیه لأن أکثر العوام و کثیرا من الخواص لا یعلمون مثل هذه الأحکام و إن أراد تخصیص السماع بمن یکون الظاهر فی حقه عدم العلم ففیه أنه لا داعی إلى اعتبار الظهور مع أن الأصل العدم‏.

و الأقوى أن الناسی فی حکم الجاهل‏ و فی سماع دعواه النسیان نظر من أنه مدع و من تعسر إقامة البینة علیه و أنه لا یعرف إلا من قبله. و أما الشک فی ثبوت الخیار فالظاهر معذوریته و یحتمل عدم معذوریته لتمکنه من الفسخ بعد الاطلاع على الغبن ثم السؤال عن صحته شرعا ف هو متمکن من الفسخ العرفی إذ الجهل بالصحة لا یمنع عن الإنشاء فهو مقصر بترک الفسخ لا لعذر فافهم و الله العالم‏.

***